أجوبة الأسئلة: المجلس الرابع.
س1: ما الحكمة من سؤال المسلم الهداية إلى الصراط المستقيم وقد هداه الله إلى الإسلام؟
1- الهداية إلى الإسلام هداية إجمالية, تحتاج إلى هداية تفصيلية معها تُلازمها:
فحين يَشهدُ إنسان "أن لا إله إلا الله, وأنَّ محمدًا رسول الله" بغية الدخول للإسلام, فإنه بذلك هُدِيَ هداية دلالة وإرشاد إلى الحق إجمالًا, ويلزمه بعدها أن يعرف الهدايات التفصيلية ويسألها الله تعالى فتكون في حقه إنْ أُجيب, هداية توفيق وإلهام, ومثاله: أركان الإسلام ما بعد الشهادتين, تحتاج إلى توفيق وتوفيق ليلزمها العبد ويؤديها على التمام, وهيَ الأصل, والفروع كثيرة في العبادات.
2- لما تنوعت عبارات السلف في معنى الهداية, أعطى هذا مفهومًا حسنًا: كأن يدعو الإنسان بالثبات ولزوم الصراط والزيادة في الهدى, وهذا حسن.
3- أن دخول المسلم في الإسلام هو أصل الهداية؛ لكنّه يحتاج إلى هدايات كثيرة متنوّعة ومتجددة، وبيان ذلك من وجوه:
- أن الهداية قائمة على العلم والعمل، وهما يتفاضلان؛ فيحتاج المؤمن إلى البصيرة في الدين، وإلى الإعانة على الطاعة، والعصمة من الضلالة في كلّ أمرٍ من أموره.
- أنّ الهداية الإجمالية لا تغني عن الهداية التفصيلية.
- أن القلب يتقلّب، وحاجة المرء إلى سؤال الله تعالى التثبيت والهداية دائمة متجددة.
- أن الفتن التي تعترض المؤمن في يومه وليلة كثيرة متنوّعة ومن لم يهده الله ضلّ بها، وكم أصابت الإنسان المقصّر من فتنة تضرر بها وبعقوباتها ولو أنَّه أحسن الاستعاذة بالله منها وسؤاله الهداية لَسَلِم من شرّ كثير.
- أنّ لكل عبد حاجات خاصّة للهداية، بما يناسب حاله، فهو محتاج إلى أن يمدّه الله بتلك الهدايات، وإن لم يهده الله لم يهتد.
س2: ما هي أقوال السلف في معنى الصراط المستقيم؟ وما الموقف منها؟
المعاني الواردة ونسبتها من الصحة:
الأول: دين الإسلام.
وهذا القول هو أشهر الأقوال وأصلها، والإسلام إذا أطلق شمل مراتب الدين كلها؛ فكلّ ما أمر الله به ونهى عنه فهو من شريعة الإسلام، وكل عبادة صحيحة يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى فهي من اتّباع دين الإسلام، ومن سلوك الصراط المستقيم.
الثاني: كتاب الله تعالى.
وهذا القول صحيح في نفسه باعتبار أنَّ من اتّبع القرآن فقد اهتدى إلى الصراط المستقيم.
الثالث: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
الرابع: هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
الخامس: هو الحق.
وهذا القول حقيقته بيان وصف هذا الصراط المستقيم بأنَّه الحقّ، لأنّ كلَّ ما اتّبع سواه فهو باطل.
الموقف من اختلاف السلف في معاني (الصراط المستقيم):
- كل الخمسة من قبيل اختلاف التنوع, الذي لا ضير منه.
فالأصل هو الإسلام, والقرآن يعود للإسلام, وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يخرج عمَّا جاء في القرآن والسنة تبعًا له وكله يعود للإسلام, والحق هو كل ما ذُكِرَ, وهكذا.
وقولهم: هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما, له سببٌ في النقل, ولكنه يُعدُّ نقلًا مُخلًا, لأنَّه وإن كان حبّ الشيخين من الدين، لكن الأمانة في نقل الأقوال تقتضي الإتيان بنصّها أو التعبير عنها بما لا يخلّ بالمعنى.
حتى يُتجنب الفهم الخاطئ, والاقتصار على أفعال وأقوال الشيخان دون غيرهما, فالصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم.
والقول الثالث أصحُّ من الرابع.
س3: بيّن معاني الإنعام في القرآن.
يأتي الإنعام في القرآن على وجهين:
- إنعامٌ عام: إنعام عامّ، وهو إنعام فتنة وابتلاء، كما في قول الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ...﴾، وقوله: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وهذا الإنعام عام للمؤمنين والكافرين كما قال تعالى: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾.
وهذا الإنعام حجة على العباد ودليل على المنعم جل وعلا ليخلصوا له العبادة ويشكروه على نِعَمِه كما بيَّن الله تعالى ذلك بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾.
- وإنعام خاص: الإنعام الخاص، وهو إنعام منَّة واجتباء، وهو الإنعام بالهداية إلى ما يحبه الله عز وجل ويرضاه من الأقوال والأعمال، وما يمنُّ به على بعض عباده من أسباب فضله ورحمته وبركاته.
والإنعام المقصود هنا هو الإنعام الخاص بالهداية والتوفيق والاجتباء، وهو المقصود في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾، وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾.
س4: ما الحكمة من إسناد الإنعام في قوله تعالى: {أنعمتَ عليهم} إلى الله تعالى وعدم إسناد الغضب إليه جلّ وعلا في قوله: {المغضوب عليهم}؟
- الأول: أنَّ ذلك جارٍ على الطريقة المعهودة في القرآن من أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله تعالى، وأفعال العدل والجزاء والعقوبة يُحذف ذكر الفاعل فيها أو يسند الفعل إلى من كان له سبب فيه؛ تأدّباً مع الله جلّ وعلا، ولئلا يقع في بعض النفوس ما لا يصحّ من المعاني التي يُنزّه الله عنها، كما في قول الله تعالى فيما حكاه عن الجنّ {وأنا لا ندري أشرّ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشداً}.
- الثاني: أنّ ذلك أبلغ في تبكيتهم والإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم؛ بخلاف المنعم عليهم ففي إسناد فعل الإنعام إلى الله تعالى في قوله {أنعمت عليهم} ما يفيد عنايته بهم وتشريفهم وتكريمهم.
س5: ما المراد بالمغضوب عليهم وبالضالين؟
اختلفت عبارات السلف في المراد بـ "المغضوب عليهم" و "الضالين", وهذا يرجع إلى أنَّ بعضهم ذكر المُعَيَّنَ نَفسَهُ, والبَعضُ ذكرَ صِفة المُعَيَّن, وكلٌ له دليله.
- أما المُعيَّن نفسه:
فالمغضوب عليهم هم اليهود, والضالون هم النصارى, وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا التفسير.
- وأمَّا صفة المُعيَّن:
1. فالمغضوب عليهم هم الذين أتاهم الحق وعرفوه كما يعرفون أبناءهم ثمَّ أعرضوا عنه ولم يعملوا به, عنادًا وشقاقًا وكبرًا, يكتمون الحقَّ، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويعادون أولياء الله؛ فاستحقّوا غضب الله.
2. وأما الضالون فهم عبدوا الله على جهل، متبّعين في عباداتهم أهواءهم، مبتدعين في دينهم ما لم يأذن الله به، قائلين على ربّهم ما ليس لهم به علم؛ فكانوا ضُلّالاً لأنَّهم ضيّعوا ما أنزل الله إليهم من العلم، ولم يسترشدوا به، وعبدوا الله بأهوائهم، وغلوا في دينهم، واتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله؛ بطاعتهم فيما يشرّعون لهم من العبادات، وفي تحريم ما أحلّ الله، وتحليل ما حرّم الله؛ فضلّوا بذلك ضلالاً بعيداً.
يُفهم من هذا أن العقوبة ليست مقتصرة على اليهود ذاتهم والنصارى كذلك, وإنَّما لكل من اتصف بصفتهم, والآية تُحذر من مشابتهتم.
هذا والحمدلله رب العالمين.