بسم الله الرحمن الرحيم
المجلس الثامن : القسم الأول من مقرر أصول التفسير البياني
تطبيقات الدرس الثاني
1
- معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}
ورد في معنى البلاء قولان:
الأول: النعمة وهذا قول ابن عباس والسدي ومجاهد وابن جريج وذكره ابن جرير وهو قول ابو قتيبة وأبو مالك وذكره ابن الجوزي وابن كثير وذكره الزجّاج وقال "يعني: في النجاة من آل فرعون. والبلاءُ ههنا النعمة، يروي عن
الأحنف أنه قال: البلاءُ ثم الثناءُ، أي الأنعام ثُمَّ الشكرُ.
قال زهير:
جزى اللَّهَ بالِإحْسَان مَا فعَلا بِنَا. . . وأبلاهما خير البلاءِ الذي يبلو
وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا)".
الثاني: النقمة وهو قول السدي عن أشياخه وذكره ابن الجوزي وذكره ابن كثير ونسبه الى القرطبي الذي نسبه الجمهور، قال ابن كثير "وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ} إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ ذَبْحِ الْأَبْنَاءِ وَاسْتِحْيَاءِ النِّسَاءِ؛ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَلَفْظُهُ بَعْدَمَا حَكَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْإِشَارَةُ إِلَى الذَّبْحِ وَنَحْوِهِ، وَالْبَلَاءُ هَاهُنَا فِي الشَّرِّ، وَالْمَعْنَى فِي الذَّبْحِ مَكْرُوهٌ وَامْتِحَانٌ" وذكره ابن عطية فقال "وقال قوم: الإشارة ب ذلِكُمْ إلى التنجية من بني إسرائيل، فيكون الْبَلاءُ على هذا في الخير، أي وفي تنجيتكم نعمة من الله عليكم. وقال جمهور الناس: الإشارة إلى الذبح ونحوه، والْبَلاءُ هنا في الشر، والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان"
ومعنى البلاء في اللغة جاء على معان أولها إخلاق الشيء والثاني نوع من الاختبار ،يحمل عليه الإخبار كما جاء في مقاييس اللغة:
"(بَلَوِيٌّ) الْبَاءُ وَاللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ، أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا إِخْلَاقُ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي نَوْعٌ مِنَ الِاخْتِبَارِ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ أَيْضًا.
قد ذكره القرطبي فقال:(أي وفي فعلهم ذلك بكم بلاء أي امتحان واختبار و بلاء نعمة)
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ الْخَلِيلُ: بَلِيَ يَبْلَى فَهُوَ بَالٍ. وَالْبِلَى مَصْدَرُهُ. وَإِذَا فُتِحَ فَهُوَ الْبَلَاءُ، وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ لُغَةٌ. وَأَنْشَدَ:
وَالْمَرْءَ يُبْلِيهِ بَلَاءَ السِّرْبَالْ ... مَرُّ اللَّيَالِي وَاخْتِلَافُ الْأَحْوَالْ
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَقَوْلُهُمْ بُلِيَ الْإِنْسَانُ وَابْتُلِيَ، وَهَذَا مِنَ الِامْتِحَانِ، وَهُوَ الِاخْتِبَارُ. وَقَالَ:
بُلِيتُ وَفُِقْدَانُ الْحَبِيبِ بَلِيَّةٌ ... وَكَمْ مِنْ كِرِيمٍ يُبْتَلَى ثُمَّ يَصْبِرُ
وَيَكُونُ الْبَلَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَاللَّهُ تَعَالَى يُبْلِي الْعَبْدَ بَلَاءً حَسَنًا وَبَلَاءً سَيِّئًا، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا ; لِأَنَّ بِذَلِكَ يُخْتَبَرُ فِي صَبْرِهِ وَشُكْرِهِ"
قال ابن جرير " وأصل"البلاء" في كلام العرب - الاختبار والامتحان، ثم يستعمل في الخير والشر. لأن الامتحان والاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر، كما قال ربنا جل ثناؤه: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: 168] ، يقول: اختبرناهم، وكما قال جل ذكره: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: 35] . ثم تسمي العرب الخير"بلاء" والشر"بلاء". غير أن الأكثر في الشر أن يقال:"بلوته أبلوه بلاء"، وفي الخير:"أبليته أبليه إبلاء وبلاء"، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
فجمع بين اللغتين، لأنه أراد: فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده."
وعلى هذا يمكن حمل معنى البلاء في الاية على المعنيين المذكورين في كتب التفسير والله أعلم.
2- معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}
ورد في معنى التكوير أربعة أقوال:
الاول:: أظلمت، رواه الوالبي عن ابن عباس، وكذلك قال الفراء: ذهب ضوؤها، وهذا قول قتادة، ومقاتل وذكره ابن الجوزي
الثاني: ذَهَبَتْ، رواه عطية عن ابن عباس، وكذلك قال مجاهد: اضمحلَّتْ وذكره ابن الجوزي
الثالث: غُوِّرَتْ، روي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وابن الأنباري، وهذا من قول الناس بالفارسيّة: كور بكرد وذكره ابن الجوزي
الرابع: أنها تكوّر مثل العمامة، فتلفُّ وتمحى، قاله أبو عبيد. قال الزجاج: ومعنى «كُوِّرت» جمع ضوؤها، ولُفَّتْ كما تلفّ العمامة. يقال: كَوَّرْتُ العمامة على رأسي أُكوِّرُها: إذا لَفَفْتَها. قال المفسرون: تُجمع الشمس بعضُها إلى بعض، ثم تُلَفُّ و،ذكره ابن الجوزي
و معنى التكوير في لغة العرب الدور والتجمع كما ورد في مقاييس اللغة
«(كَوَرَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى دَوْرٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَوْرُ: الدَّوْرُ. يُقَالُ كَارَ يَكُورُ، إِذَا دَارَ. وَكَوْرُ الْعِمَامَةِ: دَوْرُهَا. وَالْكُورَةُ: الصُّقْعُ، لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ قُرًى. وَيُقَالُ طَعَنَهُ فَكَوَّرَهُ، إِذَا أَلْقَاهُ مُجْتَمِعًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] كَأَنَّهَا جُمِعَتْ جَمْعًا، وَالْكُورُ: الرَّحْلُ; لِأَنَّهُ يَدُورُ بِغَارِبِ الْبَعِيرِ; وَالْجَمْعُ أَكْوَارٌ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْرِ "، فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: " الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْنِ "، وَمَعْنَاهُ حَارَ، أَيْ رَجَعَ وَنَقَصَ بَعْدَمَا كَانَ. وَمَنْ قَالَ بِالرَّاءِ فَلَيْسَ يَبْعُدُ، أَيْ كَانَ أَمْرُهُ مُتَجَمِّعًا، ثُمَّ حَارَ وَنَقَصَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: 5] أَيْ يُدِيرُ هَذَا عَلَى ذَاكَ، وَيُدِيرُ ذَاكَ عَلَى هَذَا. كَمَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: زِيدَ فِي هَذَا مِنْ ذَلِكَ، وَفِي ذَاكَ [مِنْ هَذَا] . وَالْكَوْرُ: قِطْعَةٌ مِنَ الْإِبِلِ كَأَنَّهَا خَمْسُونَ وَمِائَةٌ. وَلَيْسَ قِيَاسُهُ بَعِيدًا، لِأَنَّهَا إِذَا اجْتَمَعَتِ اسْتَدَارَتْ فِي مَبْرَكِهَا. وَكُوَّارَةُ النَّحْلِ مَعْرُوفَةٌ».
قال الطبري "والصواب من القول في ذلك عندنا: أن يقال: (كُوِّرَتْ) كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فَرُمِي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأوّلناه وبيَّناه لكلا القولين اللَّذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كُوِّرت ورُمي بها، ذهب ضوءها".
وعلى هذا يتبين أن القولين الأول والرابع لهما وجه صحيح من اللغة .
يمكن الجمع بين جميع الأقوال بلا تضاد بينها
3- معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
ورد في معنى النحر في الآية أقوال:
الاول: اذْبَحْ يَوْمَ النَّحْرِ، وهو قول ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والجُمْهُورُ وذكره ابن الجوزي
الثّانِي: وضْعُ اليَمِينِ عَلى الشمال في الصَّلاةِ وهو قول علي رضي الله عنه والشعبي وذكره ابن جرير
الثّالِثُ: رَفْعُ اليَدَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ إلى النَّحْرِ، قالَهُ أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وذكره ابن جرير وابن الجوزي
الرّابِعُ: أنَّ المَعْنى: صَلِّ لِلَّهِ، وانْحَرْ لِلَّهِ، فَإنَّ ناسًا يُصَلُّونَ لِغَيْرِهِ، ويَنْحَرُونَ لِغَيْرِهِ وهو قول محمد بن كعب القرضي وذكره ابن جرير وذكره ابن الجوزي
الخامس: أنزلت هذه الآية يوم الحديبية، حين حصر النبيّ ﷺ وأصحابه، وصُدّوا عن البيت، فأمره الله أن يصلي، وينحر البُدن، وينصرف وهو قول سعيد ابن جبير وذكره ابن جرير
السادس: معنى ذلك: فصل وادع ربك وسله وهو قول الضّحاك وذكره ابن جرير
السابع: أنَّهُ اسْتِقْبالُ القِبْلَةِ بِالنَّحْرِ، حَكاهُ الفَرّاءُ وذكره ابن الجوزي وذكزه ابن جرير ونسبه الى بعض أهل العربية.
ومعنى النحر في اللغة هو النحر للإنسان وغيره ومنه الفعل نحرت البعير وتأتي بمعنى التقابل كما ذكر ابن جرير "وكان بعض أهل العربية يتأوّل قوله: ﴿وَانْحَرْ﴾ واستقبل القبلة بنحرك. وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول: منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته. وذكر أن بعض بني أسد أنشده:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
أي ينحر بعضه بعضا. "
وجاء في مقاييس اللغة
(نَحَرَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالرَّاءُ. كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَفَرَّعُ مِنْهَا كَلِمَاتُ الْبَابِ. هِيَ النَّحْرُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ نُحُورٌ. وَالنَّحْرُ: الْبَزْلُ فِي النَّحْرِ. وَنَحَرْتُ الْبَعِيرَ نَحْرًا. وَالنَّاحِرَانِ: عِرْقَانِ فِي صَدْرِ الْفَرَسِ. وَدَائِرَةُ النَّاحِرِ تَكُونُ فِي الْجِرَانِ إِلَى أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَانْتَحَرُوا عَلَى الشَّيْءِ: تَشَاحُّوا عَلَيْهِ حِرْصًا، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُرِيدُ نَحْرَ صَاحِبِهِ. وَيُقَالُ: النَّحِيرَةُ: آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، لِأَنَّهُ يَنْحَرُ الَّذِي يَدْخُلُ، وَأَظُنُّ مَعْنَى يَنْحَرُهُ يَلِي نَحْرَهُ. وَالْعَالِمُ بِالشَّيْءِ الْمُجَرِّبِ نِحْرِيرٌ، وَهُوَ إِنْ كَانَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْحَرُ الْعِلْمَ نَحْرًا، كَقَوْلِكَ: قَتَلْتُ هَذَا الشَّيْءَ عِلْمًا.
وعلى هذا تكون الأقوال المذكورة عاليه لها وجه صحيح من اللغة على أن بعضها أقرب إلى المعنى المراد في الآية من بعض كما ذكر ذلك ابن جرير الطبري وابن كثير.
المطلوب في هذا التطبيق بيان المعنى اللغوي أولا, ثم الكلام عن أقوال المفسرين.
وقد أكثرت النسخ خاصة من زاد المسير.
تطبيقات الدرس الثالث
4- معنى المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}.
ورد في المراد بالمحروم في هذه الآية ومثلها في سورة الذاريات أقوال:
الأول: المحارَف وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد وابرهيم النخعي ونافع وذكره ابن جرير (ورد في اللسان: المحارف: الذي لا يصيب خيرا من وجه توجه له. وقال الشافعي: المحروم المحارف: الذي يحترف بيديه، قد حرم سهمه من الغنيمة، لا يغزو مع المسلمين، فبقي محرومًا، وما يعطي من الصدقة ما يسد حرمانه.).
الثاني : الذي لا سهم له في الغنيمة وهو قول علي رضي الله عنه وإبراهيم النخعي والحسن بن محمد بن الحنفية وذكره ابن جرير واورد اثرا عن الحسن بن محمد من طرق :"أن قوما في زمان النبيّ ﷺ أصابوا غنيمة، فجاء قوم بعد، فنزلت: ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ ".
الثالث: الذي لا ينمي له مال وهو قول عكرمة وذكره ابن جرير
الرابع: الذي قد اُجتيح ماله وهو قول ابن زيد وذكره ابن جرير
الخامس: المتعفف وهو قول قتادة وذكره ابن جرير وقال ابن عاشور
والمَحْرُومُ: الفَقِيرُ الَّذِي لا يُعْطى الصَّدَقَةَ لِظَنِّ النّاسِ أنَّهُ غَيْرُ مُحْتاجٍ مِن تَعَفُّفِهِ عَنْ إظْهارِ الفَقْرِ، وهو الصِّنْفُ الَّذِي قالَ اللَّهُ تَعالى في شَأْنِهِمْ يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ وقالَ النَّبِيءُ ﷺ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتانِ والأكْلَةُ والأكْلَتانِ ولَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى ويَسْتَحْيِي ولا يَسْألُ النّاسَ إلْحافًا»
ومعنى المحروم في اللغة يرجع الى المنع كما ورد في مقاييس اللغة
"(حَرَمَ) الْحَاءُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ وَالتَّشْدِيدُ. فَالْحَرَامُ: ضِدُّ الْحَلَالِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأنبياء: 95] . وَقُرِئَتْ: وَحِرْمٌ. وَسَوْطٌ مُحَرَّمٌ، إِذَا لَمْ يُلَيَّنْ بَعْدُ. قَالَ الْأَعْشَى:
تُحَاذِرُ كَفِّي وَالْقَطِيعَ الْمُحَرَّمَا"
ومن هذا يظهر أن الأقوال السابق ذكرها يشملها هذا المعنى كما قال ابن جرير
"والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ، كما قال جلّ ثناؤه ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾" .
والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه، فهو اسم جنس فيمن عسرت مطالبه
5- المراد بالسيما في قول الله تعالى: {سيماههم في وجوههم}
السيما في اللغة هي العلامة كما ورد في مقاييس اللغة
"(سَوُمَ) السِّينُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الشَّيْءِ. يُقَالُ سُمْتُ الشَّيْءَ، أَسُومُهُ سَوْمًا. وَمِنْهُ السَّوْمُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ. وَمِنَ الْبَابِ سَامَتِ الرَّاعِيَةُ تَسُومُ، وَأَسَمْتُهَا أَنَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] ، أَيْ تَرْعُونَ. وَيُقَالُ سَوَّمْتُ فُلَانًا فِي مَالِي تَسْوِيمًا، إِذَا حَكَّمْتَهُ فِي مَالِكَ. وَسَوَّمْتُ غُلَامِي: خَلَّيْتُهُ وَمَا يُرِيدُ. وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ: الْمُرْسَلَةُ وَعَلَيْهَا رُكْبَانُهَا. وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ. وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ السُّومَةُ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ تُجْعَلُ فِي الشَّيْءِ. وَالسِّيمَا مَقْصُورٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] . فَإِذَا مَدُّوهُ قَالُوا السِّيمَاءُ. "
واختلف المفسرون في المراد بها في هذه الآية وهل هي في الدنيا أو الاخرة على أقوال:
في الدنيا:
الأول: السمت الحسن وقال بعضهم الخشوع والتواضع وقال بعضهم السحنة واثر السجود وهو قول ابن عباس ومجاهد وذكره ابن جرير
الثاني: ندى الطهور وثرى الأرض وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة وذكره ابن جرير
الثالث: السهوم وهو الصفرة من أثر سهر الليل وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير و شّمر بن عطية وذكره ابن جربر ابن الجوزي
في الآخرة:
الاول: علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يُعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدنيا وقال بعضهم هو مواضع السجود من وجوههم يكون أشد وجههم بياضا وقال بعضهم النور يوم القيامة وهو قول ابن عباس و خالد الحنفي وعطية ومقاتل بن حيان والحسن وذكره ابن جرير.
الثاني : إنهم يبعثون غراً محجلين من أثر الطهور وهو قول الزّجْاج وذكره ابن الجوزي.
وعلى هذا يكون لجميع الأقوال المذكورة لها وجه صحيح من اللغة وهو اختيار ابن جرير..
جمعك بين الأقوال وتوجيهها؛ مجمل يحتاج إلى بيان وتفصيل.
تطبيقات الدرس الرابع
6- دلالة الإعراب في ( سبيل) في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
ورد في إعراب (سبيل) في الآية وجهان:
الأول. النصب على أن "تستبين" خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قول ابن زيد وذكره ابن جرير و قال الزٌجُاج "فَإنْ قالَ قائِلٌ: أفَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ مُسْتَبِينًا سَبِيلَ المُجْرِمِينَ؟ فالجَوابُ في هَذا أنَّ جَمِيعَ ما يُخاطَبُ بِهِ المُؤْمِنُونَ يُخاطَبُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَكَأنَّهُ قالَ: ”وَلِتَسْتَبِينُوا سَبِيلَ المُجْرِمِينَ“، أيْ: لِتَزْدادُوا اسْتِبانَةً لَها".
الثاني: الرفع على أن القصد للسبيل فيكون المعنى اي ولتتضح لك وللمؤمنين طريقُ المجرمين وهو اختيار ابن جرير.
لم تنسب القراءات للقراء
7
-دلالة الإعراب في (سبيلاً ) في قول الله تعالى: {فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً}
ورد في إعراب (سبيلا) وجهان مبنيان على تفسير البغي المراد في قوله تعالى (تبغوا) :
الأول:. أنه مفعول به وذلك على تفسير «تبغوا» بمعنى الطلب من قولهم بغيته أي طلبته و "عليهن" متعلقان بمحذوف حال، لأنه كان في الأصل صفة ل «سبيلا» وتقدم عليه وذكره محي الدين درويش في إعراب القرآن.
الثاني: منصوب على إسقاط الخافض على أن تفسير «تبغوا» من البغي أي الظلم، مثل قوله: {فبغى عَلَيْهِمْ} والمعنى: فلا تبغوا عليهن، فيكون الفعل لازما وذكره السمين الحلبي فى الدر المصون.
تطبيقات الدرس الخامس
8
. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
ورد في قراءة (بالغ) في الآية أربعة أوجه :
الاول: ﴿إنَّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ﴾ على قراءة حفص من غير تنوين بالغ ونصب أمره على الاضافة فتكون الجملة تعليل لما تقدم من قوله {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} و "إن " وإسمها وبالغ خبرها.
الثاني: ﴿إنَّ اللَّهَ بالِغَُ أمْرِهِ﴾ بتنوين ضم بالغ اسم فاعل وأمره مفعول به منصوب وهي قراءة الاكثرين إي يبلغ ما يريرده عز وجل.
الثالث : ”إنّ الله بالِغٌ أمْرَهُ“ «بالِغٌ» بِالرَّفْعِ مُنَوَّنًا «أمْرُهُ» بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ فاعِلُ - بالِغٌ -الخَبَرُ - لِأنَّ- أوْ مُبْتَدَأٌ، وبالِغٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لَهُ، والجُمْلَةُ خَبَرُ إنَّ وهي قراءة ابْنُ أبِي عَبْلَةَ في رِوايَةٍ وداوُدُ بْنُ أبِي هِنْدٍ وعِصْمَةُ عَنْ أبِي عَمْرٍو والمعنى أيْ نافِذٌ أمْرُهُ عَزَّ وجَلَّ،
الرابع: (بالِغًا أمْرَهُ) وهي قراءة المفضل وهو عَلى أنَّ قَوْلَهُ: (قَدْ جَعَلَ) خَبَرُ (إنَّ)، و(بالِغًا) حالٌ وهو تخريج الزمخشري و تقديرُه: إن اللَّهَ قد جعل لكلِّ شيءٍ قَدْراً بالغاً أمْرُه. والثاني: أَنْ يكونَ على لغةِ مَنْ ينْصِبُ الاسمَ والخبرَ بها.
السؤال عن دلالة اسم الفاعل, وقد دل اسم الفاعل (بالغ) على الثبوت والاستمرار واللزوم
9. دلالة صيغة الجمع في قول الله تعالى: { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ}
ورد في قرادة {لفتيانه} وجهان:
الاول: ”لِفِتْيَتِهِ“ بِوَزْنِ فِعْلَةٍ جَمْعُ تَكْسِيرِ فَتًى مِثْلِ أخٍ وإخْوَةٍ وهي قراءة الجمهور وهي صيغة جمع قلة وقد يستعمل ويقصد به الكثرة كما ورد عن ابن عاشور في التحرير والتنوير حيث قال "وكلاهما يستعمل في الاخر".
الثاني: (لِفِتْيانِهِ) بِوَزْنِ إخْوانٍ وهي قراءةأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، وخَلَفٌ وهي صيغة جمع كثرة
قال الالوسي ".ورُجِّحَتِ القِراءَةُ الأُولى(لفتيانه) بِأنَّها أوْفَقُ بِقَوْلِهِ: ﴿اجْعَلُوا بِضاعَتَهم في رِحالِهِمْ﴾ فَإنَّ الرِّحالَ فِيهِ جَمْعُ كَثْرَةٍ ومُقابَلَةُ الجَمْعِ بِالجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسامَ الآحادِ عَلى الآحادِ فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ في مُقابَلَةِ صِيغَةِ جَمْعِ الكَثْرَةِ".
المطلوب دلالة صيغة الجمع, ولم تتكلم عن هذا,
ف(فتيان) على وزن فِعلان وجاء وفي قراءة سبعية: (فتيته) على وزن (فِعلة) وهو من جموع القلة للدلالة على قلة عددهمو فنذكرها ثم نذكر دلالتها.
والله أعلم