919- وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: مِن السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ، أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً، ثُمَّ قَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ، أَقَامَ ثَلاثاً، ثُمَّ قَسَمَ. مُتَّفَقٌ عليهِ، واللَّفْظُ للبخاريِّ.
920- وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا، أَقَامَ عِنْدَها ثلاثاً، وقالَ: ((إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي)). رَواهُ مُسلمٌ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- أَهْلِكِ: يعني بالأهلِ هنا هو نَفْسَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ, والزَّوْجُ هُوَ أَهْلٌ للزوجةِ، والزوجةُ أَهْلٌ للزَّوْجِ، فالأهْلُ ما يَجْمَعُهم مَسْكَنٌ وَاحِدٌ.
- هَوَانٌ: الهَوَانُ: الحَقَارَةُ والذُّلُّ والضَّعْفُ، أي: لَيْسَ بِكِ شَيْءٌ مِن هذا عندِي، وهذا تَمهيدٌ للعُذْرِ من الاقتصارِ على التثليثِ لها، وهو أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ جِدًّا عندَ الكلامِ على مَا لَمْ يُؤْلَفْ عَادَةً، ولكُلِّ مَقامٍ تَمْهِيدٌ يُناسِبُهُ.
- سَبَّعْتُ لَكِ: بالتَّثْقِيلِ، من التسبيعِ، أي: إِنْ شِئْتِ بِتُّ عِندَكِ سَبْعَ لَيَالٍ، فأَمْكُثُها عندَكِ، ثُمَّ أُسَبِّعُ لنِسائِي، فالعَرَبُ اشْتَقَّتْ فِعْلاً من الواحدِ إلى العَشَرَةِ، فمعنى (سَبَّعَ) أقامَ عِنْدَها سَبْعاً، و (ثَلَّثَ) أقامَ ثَلاثاً، وسَبَّعَ الإناءَ: إذا غَسَلَه سَبْعَ مَرَّاتٍ.
* مَا يُؤْخَذُ من الحَديثَيْنِ:
1- العَدْلُ بَيْنَ الزوجاتِ وَاجِبٌ، والمَيْلُ إلى إِحْدَاهُنَّ دُونَ الأُخْرَى ظُلْمٌ، فيَجِبُ على الرَّجُلِ العَدْلُ ما أَمْكَنَهُ، وأَمَّا ما لَيْسَ في طَوْقِهِ، فلا حَرَجَ عليهِ فيه، قالَ تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129]. فالعَدْلُ الكامِلُ لَيْسَ في طَوْقِ الإنسانِ، أو قُدْرَتِه.
2- ومِن القَسْمِ الواجبِ ما جَاءَ في هذيْنِ الحديثيْنِ، من أَنَّ مَن تَزَوَّجَ وعندَه زَوْجَةٌ أو أَكْثَرُ، فإنْ كَانَتِ الزوجةُ الجديدةُ بِكْراً، أقامَ عندَها سَبْعَ ليالٍ، ثُمَّ دَارَ على نِسَائِهِ، وإنْ كَانَتِ الجديدةُ ثَيِّباً، أَقَامَ عِنْدَها ثَلاثَ لَيَالٍ، ثُمَّ دَارَ علَى نِسَائِهِ.
3- أنَّ الزوجَ يُخَيِّرُ الزوجةَ الجديدةَ الثَّيِّبَ بعدَ الثلاثِ، فإنْ شَاءَتْ أَقَامَ عِنْدَها سَبْعاً، ثُمَّ أقَامَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِن نِسَائِهِ سَبْعاً، وإنْ شَاءَتِ اكْتَفَتْ بالثلاثِ، ودَارَ على نِسَائِهِ, كُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَتَها فَقَطْ.
4- إِبَاحَةُ الإقامةِ عِنْدَ العَرُوسِ الجديدةِ أَكْثَرَ من ليلةٍ عِنْدَ أولِ دُخولِ الزوجِ بِهَا،فهو من الحَفَاوَةِ بها، وإكرامِ مَقْدَمِها، وإيناسِها في المَسْكَنِ الجديدِ، وإشعارِها بالرغبةِ فيها.
5- أمَّا الفَرْقُ بينَ البِكْرِ والثَّيِّبِ بقَدْرِ المُكْثِ فهو أنَّ البِكْرَ غريبةٌ على الزوجِ، وغَرِيبَةٌ على فِرَاقِ أَهْلِها، فاحْتاجَتْ لزيادةِ الإيناسِ، وإِزَالَةِ الوَحْشَةِ.
6- وفيهِ التَّنْبِيهُ على العِنَايَةِ بالقادِمِ، بإكرامِ وفادتِه، وإيناسِ وَحْدَتِه، ومُباسَطَتِه في الكلامِ.
7- وفيه حُسْنُ مُلاطَفَةِ الزوجةِ بالكلامِ اللَّيِّنِ بقولِه: ((لَيْسَ بِكِ هَوَانٌ عَلَى أَهْلِكِ)).
8- كَمَا أَنَّ فيهِ التَّمْهِيدَ والتَّوْطِئَةَ لِمَا سَيَفْعَلُه الإنسانُ، أو يَقولُه لصاحِبِه مِمَّا يَخْشَى أنْ يَتَوَهَّمَ مِنْهُ نُفْرَةً منه، أو عَدَمَ رَغْبَةٍ فِيهِ.
9- وفيهِ أنَّ الخِيارَ في الثلاثِ أو السَّبْعِ الليالي للزَّوْجَةِ الثَّيِّبِ لا للزوجِ، فالحقُّ لها، لا لَهُ.
10- وفيهِ أنَّ الزَّوْجَ مِن أَهْلِ الزوجةِ، وأنَّ الزوجةَ مِن أَهْلِه أيضاً؛ كما قالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((مَا عَلِمْتُ فِي أَهْلِي إِلاَّ خَيْراً)).
11- وفيهِ استحبابُ الصراحةِ معَ مَن تُعامِلُه، فتُخْبِرُه بما لَه مِن الحقِّ وما عليهِ؛ ليَكُونَ على بَصِيرَةٍ، ويَعْلَمَ أنَّ مَا قُلْتَ لَهُ هو حَقُّه، وما قَسَمَ اللهُ لَهُ.
* اختلافُ العُلماءِ:
اخْتَلَفَ العلماءُ هَلْ هذا الحُكْمُ والتفضيلُ عَامٌّ في كُلِّ مَن عِنْدَه زَوْجَةٌ فأكْثَرُ، أم أنَّه خَاصٌّ بمَن له زَوْجَاتٌ غَيْرُ الجديدةِ؟
قالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: جُمهورُ العلماءِ على أنَّ ذلك حَقُّ المَرْأَةِ بسَبَبِ الزِّفافِ، سواءٌ كانَ عندَه زَوْجَةٌ أم لا؛ لعمومِ الحديثِ.
أمَّا المَشْهُورُ مِن مَذْهَبِ الإمامِ أَحْمَدَ: فهذا لِمَن عندَه أَكْثَرُ مِن امْرَأَةٍ.