المجموعة الثانية:
س1: دلل على تفاضل سور القرآن؟
توافرت الأدلة الشرعية على تفاضل سور القرآن، فمن ذلك:
أولاً: الأدلة من القرآن:
- قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم)، وجه الدلالة: أنها تدل على فضل سورة الفاتحة على غيرها من سور القرآن.
ثانياً: الأدلة من السنة:
- قوله صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد بن المعلى: "لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن" ثم قال: "(الحمد لله رب العالمين) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته". رواه البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى. وجه الدلالة: ظاهر من الحديث تفضيل الفاتحة، ويؤيد هذا المعنى كونها جُعلت من آكد واجبات الصلاة، فلا تصح الصلاة إلا بها لمن استطاعها.
- قوله صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر: "يا عقبة، اقرأ بقل أعوذ برب الفلق؛ فإنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله عز وجل وأبلغ عنده منها، فإن استطعت ألا تفوتك فافعل". رواه النسائي في الكبرى وابن حبان من حديث عقبة. وجه الدلالة: دل الحديث على تفضيل سورة الفلق، ويشهد لذلك كونها إحدى المعوذتين اللتين رُتِّب عليهما الحفظ من الشرور والآفات وما تعوذ الناس بأفضل منهما.
- قوله صلى الله عليه وسلم عن سورة الإخلاص: "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن" رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري. وجه الدلالة: بيِّن، ومردُّ تفضيلها أنها خلصت في وصف الله سبحانه وتعالى.
س2: بيّن بإيجاز فضائل ما يلي:
آية الكرسي:
لآية الكرسي فضائل دلت عليها السنة المطهرة، فمن ذلك:
- حديث أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟".
قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟".
قال: قلت: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم).
قال: فضرب في صدري، وقال: "والله ليهنك العلم، أبا المنذر".رواه مسلم في صحيحه.
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان؛ فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته؛ فقلت لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث -، فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "صدقك وهو كذوب ذاك شيطان".رواه البخاري في صحيحه.
- حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".
رواه النسائي في السنن الكبرى وفي عمل اليوم والليلة له، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والطبراني في الدعاء والكبير، وابن حبان في صحيحه.
سورة آل عمران:
من الأدلة على فضائل سورة آل عمران ما يلي:
- حديث النواس بن سمعان الكلابي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران»، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: «كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف، تحاجان عن صاحبهما» رواه مسلم والترمذي
- قال أنس بن مالك رضي الله عنه:(كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا) يعني عَظُم.
- حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعاً: «اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه» رواه ابن ماجه والطحاوي في مشكل الآثار والطبراني في الكبير.
- قال عبد الله بن مسعود: «من قرأ آل عمران فهو غني، والنساء محبرة». رواه أبو عبيد في فضائل القرآن والدارمي في سننه والبيهقي في شعب الإيمان
- قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: إن أخا لكم أري في المنام أن الناس يسلكون في صدع جبل وعر طويل وعلى رأس الجبل شجرتان خضراوان يهتفان: هل فيكم من يقرأ سورة البقرة؟ هل فيكم من يقرأ سورة آل عمران؟ ,فإذا قال الرجل: نعم، دنتا منه بأعذاقهما حتى يتعلق بهما فتخطرانه الجبل). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، والدارمي في سننه.
3: سورة النساء
من الأدلة على فضائل سورة النساء ما يلي:
- قال ابن عباس في قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم): هي السبع الطوال، رواه ابن جرير والنسائي.
- حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أخذ السبع فهو حبر» رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وإسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن الضريس، ومحمد بن نصر في قيام الليل، والطحاوي في مشكل الآثار.
- قال حارثة بن مضرب: كتب إلينا عمر أنْ (تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن.
- عن المسور بن مخرمة أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: «تعلموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإنَّ فيهنَّ الفرائض» رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان والواحدي في تفسيره.
- وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «من قرأ آل عمران فهو غنيّ، والنساءُ مُحبِّرة». رواه أبو عبيد والدارمي وقال: (محبِّرة: مزيِّنة). أي أنها زينة وجمال لصاحبها.
- قال عبد الله بن مسعود: (إن في النساء خمس آيات، ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها، ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها:
قوله عز وجل: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما).
وقوله:(إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما).
وقوله: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
وقوله: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما).
وقوله: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما).
قال عبد الله: ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن المنذر في تفسيره، وسعيد بن منصور في سننه، والطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، والحاكم في مستدركه.
س3: اذكر ثلاثة أحاديث ضعيفة مما اشتهر في فضائل السور التالية مع بيان سبب الحكم بضعفها:
1: سورة الفاتحة
من ضعيف ما رود في فضلها ما يلي:
1- حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: «أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها منها بعوض»
رواه الدارقطني والحاكم من طريق: محمد بن خلاد الإسكندراني، ثنا أشهب بن عبد العزيز، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت.
سبب الحكم بضعفه:
- تفرد من لا يحتج بتفرده.
قال الدارقطني: (تفرد به محمد بن خلاد عن أشهب عن ابن عيينة).
ومحمد بن خلاد مختلف فيه؛ وقد احترقت كتبه فصار يحدّث من حفظه ويروي بالمعنى فيقع في بعض حديثه ما يُنكر عليه.
- وقوع المخالفة في الرواية بالمعنى المغير للفظ:
فإن هذا الحديث قد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت بلفظ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". فلعلّ ابن خلاد روى الحديث بالمعنى فأخطأ فيه.
2- مرسل الحسن البصري الذي أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق أبي نصيرة مسلم بن عبيد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان».
سبب الحكم بالضعف: الإرسال، ولعل الأشبه قطعه إلى الحسن.
3- حديث أبي الأحوص الكوفي، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: «رن إبليس حين أنزلت فاتحة الكتاب، وأنزلت بالمدينة». رواه الطبراني في الأوسط وابن الأعرابي في معجمه.
سبب الحكم بالضعف: الانقطاع؛ فإن مجاهد لم يسمع من أبي هريرة.
2: سورة البقرة
من ضعيف ما ورد في فضلها ما يلي:
1- حديث معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن رجل، عن أبيه، عن معقل بن يسار رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا، واستخرجت {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} من تحت العرش، فوصلت بها، أو فوصلت بسورة البقرة، ويس قلب القرآن، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له، واقرءوها على موتاكم». رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والروياني والطبراني في الكبير وأبو الشيخ في العظمة.
قال أبو الشيخ: الرجل هو أبو عثمان وليس النهدي.
سبب الحكم بالضعف: جهالة العين؛ لجهالة أبي عثمان، وجهالة أبيه.
2- حديث إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «لا ألفين أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى يتغنى ويدع أن يقرأ سورة البقرة، فإن الشيطان يفر من البيت يقرأ فيه سورة البقرة، وإن أصفر البيوت الجوف يصفر من كتاب الله» رواه الدارمي بهذا اللفظ موقوفاً.
سبب الحكم بالضعف: وجود راو ضعيف وهو أبو إسحاق إبراهيم بن مسلم الهجري، قال فيه البخاري والنسائي: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء.
3- حديث حكيم بن جبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن، هي آية الكرسي». رواه عبد الرزاق والحميدي وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.
سبب الحكم بضعفه: وجود راوٍ ضعيف وهو حكيم بن جبير الأسدي فإنه متروك الحديث لسوء حفظه وغلوّه في التشيع.
قال الترمذي: «هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير وضعَّفه»
س4: ما هي شروط صحّة الحديث؟
لا يُحكم بصحة الحديث إلا إذا صَحَّ إسنادُه ومتنُه.
فأما صحة الإسناد فيشترط لها ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون رجاله ممن تُقبل روايتهم؛ فإن ضعف ضبطهم وهم أهل صدق في الجملة فهؤلاء لا يُطّرح حديثهم جُملة، ولا يقبلون مطلقاً، بل يُعتبر حديثهم فإذا ورد من طريق أخرى أو كان له شواهد فيُحكم بصحّته لانتفاء علّة ضعف الضبط. وإن كانوا ممن غلب عليهم كثرة الخطأ أو كانوا من المتهمين او الكذابين أو المتساهلين في الرواية عن الواهين من غير تبيين؛ فهؤلاء لا يجبر ضعف حديثهم.
الشرط الثاني: أن يكون الإسناد متّصلاً غير منقطع؛ فانقطاع الإسناد موجب لضعف الحديث.
الشرط الثالث: انتفاء العلّة القادحة في صحّة الإسناد؛ كالمخالفة، والتدليس، والاضطراب.
وأما صحة المتن فلا تتحقّق إلا بشرطين:
الشرط الأول: صحّة الإسناد إليه.
والشرط الثاني: انتفاء العلّة القادحة في المتن؛ كالمخالفة، والنكارة، والاضطراب، والرواية بالمعنى المخلّ، والتصحيف والتحريف، وغيرها.
س5: بيّن درجات المرويات في فضائل القرآن
المرويات في فضائل القرآن على درجات خمس:
الدرجة الأولى: المرويّات الصحيحة لذاتها، وهي التي ثبتت بإسناد صحيح من غير شذوذ ولا علّة قادحة في الإسناد ولا في المتن، فهذه يحتج بها مطلقاً.
الدرجة الثانية: المرويات الصحيحة لغيرها، وهي التي يكون في أسانيدها بعض الضعف الذي يُجبر بالشواهد وتعدّد الطرق، ويكون المتن سالماً من العلّة القادحة، وهذه يحتج بها أيضاً.
الدرجة الثالثة: المرويات الضعيفة ضعفاً محتملاً، وهي التي يكون متنُها غيرَ منكر من جهة المعنى، وفي الإسناد ضعف قابلٌ للتقوية لو وُجدت، وهذه من أهل العلم من يحتجّ بها في الفضائل والرقاق والأخبار، ومنهم من يستأنس بها ولا يحتجّ بها، ومنهم من يذكرها لفائدة كأن يكون المتن حسناً جامعاً، أو لينبّه على ضعفه مع شهرته.
والدرجة الرابعة: المرويات الواهية، وهي التي يكون في إسنادها ضعف شديد، أو يكون متنها منكراً مخالفاً للنصوص الصحيحة والقواعد الشرعية، وهذهلا يجوز أن تذكر إلا لبيان ضعفها، والتنبيه على عللها، وقد يرويها بعض المحدّثين لفوائد عارضة أو لغرض جمع الطرق ويعدّون ذكر الإسناد تبيينا لحالها.
والدرجة الخامسة: المرويّات الموضوعة، وهي التي يتبيّن أنّها مكذوبة مختلقة، أما هذه فلا تحلّ روايتها إلا على التبيين، وقد ورد الوعيد الشديد في التحديث بما هو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.
س6: بيّن حال الحديث الطويل المرويّ عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه في فضائل سور القرآن.
هذا حديث موضوع؛ رواه أبو بكر بن أبي داود السجستاني في "فضائل القرآن" له كما في الموضوعات لابن الجوزي من طريق مخلد بن عبد الواحد عن علّي بن زيد بن جدعان وعطاء بن أبي ميمونة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب أنه قال: «أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كأنّما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة، ومن قرأ آل عمران بكل آية منها أمانًا على جسر جهنّم، ومن قرأ سورة النّساء أعطي من الأجر كأنّما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة، ومن قرأ المائدة أعطي عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات بعدد كل يهوديّ ونصراني تنفس في الدّنيا.. » إلخ.
- ورواه ابن مردويه من طريق مخلد بن عبد الواحد عن الحجّاج بن عبد الله عن أبي الخليل عن علّي بن زيد وعطاء بن أبي ميمونة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب.
- ورواه الثعلبي والواحدي في تفاسيرهم من طريق سلام بن سليمٍ، حدّثنا هارون بن كثيرٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبيّ بن كعبٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم .. به مفرّقاً على السور.
- ورواه العقيلي من طريق بزيع بن حسان ثنا علّي بن زيد بن جدعان وعطاء بن أبي ميمونة كلاهما عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم «يا أبي من قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر...» فذكر فضل سورة سورة إلى آخر القرآن انتهى بحروفه.
قال ابن الجوزي: وهذا حديث فضائل السّور مصنوع بلا شكّ وفي إسناد الطّريق الأول بزيع، قال الدّارقطنيّ: متروك.
وفي الطّريق الثّاني مخلد بن عبد الواحد، قال ابن حبان: منكر الحديث جدا.
وقد اتّفق بزيع ومخلد على رواية هذا الحديث عن علّي بن زيد قال أحمد وابن معين علّي بن زيد ليس بشيء.
وأيضًا فنفس الحديث يدل على أنه مصنوع فإنّه قد استنفذ السّور وذكر في كل واحدة ما يناسبها من الثّواب بكلام ركيك في نهاية البرودة لا يناسب كلام الرّسول
ثمّ روى ابن الجوزي بإسناده عن محمود بن غيلان شيخ الترمذي أنه قال: (سمعت مؤمّلا يقول حدثني شيخ بفضائل سور القرآن الذي يروي عن أبي بن كعب، فقلت للشيخ من حدثك؟ فقال حدثني رجل بالمداين وهو حي فصرت إليه فقلت من حدثك؟ فقال حدثني شيخ بواسط وهو حي فصرت إليه، فقال حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه
فقال حدثني شيخ بعبَّادان فصرت إليه، فأخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت يا شيخ من حدثك؟ فقال لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا من القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا وجوههم إلى القرآن).
س7: عدّد دلائل معرفة خواصّ القرآن مع التمثيل بمثال واحد لكلّ دلالة.
دلائل معرفة خواص القرآن لا تخلو من أربع حالات:
الأولى: دلالة نصوص الكتاب والسنة الصحيحة على تأثير بعض السور والآيات في أحوال مخصوصة:
فمن ذلك قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، فقول هذه الكلمة عند الأخبار المفزعة والمخاوف؛ له أثر في السلامة منها.
ومن ذلك ما ثبت من أثر فواتح سورة الكهف في العصمة من فتنة الدجال، فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال". رواه مسلم.
الثانية: دلالة أقوال الصحابة وما ثبت عنهم من تأثير بعض الآيات في أحوال مخصوصة:
فمن ذلك ما رواه الدارمي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة، وآية الكرسي، وآيتان بعد آية الكرسي، وثلاثاً من آخر سورة البقرة، لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان، ولا شيء يكرهه، ولا يُقرَأْن على مجنون إلا أفاق".
الثالثة: ما ثبت عن التابعين وأتباعهم والصالحين من بعدهم في هذا الباب:
من ذلك أيضاً ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي جعفر الرازي عن ليث بن أبي سليم أنه قال: (بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور الآية التي في سورة يونس: (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون)والآية الأخرى: (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون)إلى انتهاء أربع آيات، وقوله: (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى)
الرابعة: الاجتهاد في إدراك التناسب بين الآيات والأحوال المخصوصة:
من ذلك رقية الثآليل بقوله تعالى: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا)؛ًلظهور المناسبة بأنّ القادر على نسف الجبال لا يعجزه إزالة الثآليل.
س8: بيّن خطر الغلو في باب خواصّ القرآن.
الغلوّ في هذا الباب مؤدٍّ إلى فساد كبير، وضلال مبين، وانحلال من الدين، والعياذ بالله.
فقد غلا في هذا الباب أقوام فابتدعوا دعاوى وضلالات، واستعمال أشياء غير معقولة المعنى من رسوم وأحوال، وجداول وأوفاق تبيّن للمحققين أنها من طلاسم السحر، لكنّهم موّهوا بها على أتباعهم، وسموّا الأمور بغير أسمائها، فسمّوا الشياطين الذين يتقرّبون إليهم خُدّام الآيات، وسمّوا الاستغاثات الشركية عزائم، وسمّوا غرائب أسماء الشياطين أسراراً.
فمن أقحم نفسه في هذا الغلو وتلك الخرافات تلاعبت به الشياطين، وإنهم ليضلونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون؛ فالغلو في هذا الباب محفوف بتلبيس الحق بالباطل وترويج الأباطيل والأسحار باسم خواص القرآن، ومدعاة لتسويغ الحجب والتمائم بدعوى أن فيها من الخواص ما يدفع البلاء، ويجلب السعد، ويحفظ من العين والعدو!