المجموعة الثالثة:
1. فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}.
لما أرشد الله-سبحانه وتعالى- عباده في الايات السابقة إلى الإكثار من ذكر الله خاصة في مواطن معينة في الحج كوقت الإفاضة من عرفات وغيرها, وأرشدهم بأن ذكر الله سبحانه وتعظيمه والثناء عليه ينبغي أن من يكون أكثر وأعظم من ذكر العبد لأبيه, فهو سبحانه المتفضل بالنعم على عباده دون استحقاق منه.
ثم بين في هذه الآية إلى زمان خاص ينبغي على العبد في الإكثار من ذكر الله, فقال: {واذكروا اللّه في أيّام معدودات}: وقد فسر ابن عباس (أيام معدودات) بأيام التشريق, وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده كما جاء هذا عن جمع غفير من السلف.
ويوافق الآية الحديث عند مسلم والذي رواه نبيشة الهذلي حيث قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أيّام التّشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكر اللّه".
والذكر في الآية عام فيشمل:
- التكبير المقيد في أيام التشريق بعد الصلوات,
- ذكر اسم الله على الأضاحي لأن وقتها من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق وهذا فيه توسعة على العباد,
- ويدخل فيه ذكر الله عند رمي الجمرات في ايام التشريق,
-بل ويشمل الذكر في الآية جميع ما يذكر به المسلم ربه في جميع أحواله وأوقاته,
- ويدخل في الآية شكر الله على ما أنعم به على حجاج بيته وما أتم لهم من الخير, وحتى شكره على التوسعة عليهم في أيام التشريق فلا تصام إلا لمن فقد الهدي, فلله الحمد والمنة من قبل ومن بعد.
وقد قال عليه الصلاة واللام:"إنّما جعل الطّواف بالبيت، والسّعي بين الصّفا والمروة ورمي الجمار، لإقامة ذكر اللّه عزّ وجلّ". رواه ابو داود.
ثم قال:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}: في الاية بيان جواز التعجل بالخروج من منى بعد رمي الجمرات في اليوم الول والثاني من أيام التشريق, شرط أن يخرج قبل مغيب شمس اليوم الثاني, فإن فعل: سقط عنه رمي الجمرات في اليوم الثالث.
ففي الآية رفع الحرج عمن تعجل ومثله من تأخر فلا حرج عليهما، وقد كان في العرب من يذم من تعجل في الخروج فأنزل الله حكمه القاطع في بيان إباحة ذلك, ورفع الحرج عن العباد.
والآية عامة تشمل الجميع, فليس فيها تخصيص لفئة دون فئة.
فالإثم منفي عن كليهما لكنه قيد نفي الحرج بالتقوى, فكلما زادت التقوى زاد نفي الإثم والحرج, فمن اتقى الله في جميع أموره وجميع أحوال الحج: حصل له نفي الحرج في كل شيء, وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام:(من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه), فكلما اتقى الله في حجه وتابع أحكام الحج, فترك ما نهى الله عنه مثل قتل صيد البر للمحرم, وفعل ما أمر الله به: كان رفع الإثم عنه أتم وثوابه أعظم, والناس في هذا درجات فمقل ومستكثر.
ثم قال تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}: ولما ذكر الله نفر الناس من منى ورجوعهم إلى بلادهم وتفرقهم ي الأقاليم: ذكرهم بأنهم مجموعون ليوم لا ريب فيه, ومحاسبون على أعمالهم جميعها ما ظهر منها وما بطن, ما كان في الأشهر الحرم وما كان في غيره, وما كان اثناء أداء مناسك الحج وما كان بعده, فذكرهم بتقواه لئلا يظن ظان بأن التقوى لا تكون إلا والعبد محرم في الحج أو العمرة عند بيت الله الحرام, بل هي عامة في جميع أحوال العبد وفي أي مكان يكون فيه.
2. حرّر القول في المسائل التالية:
أ: معنى قوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل}.
جاء في معنى الاية عدة اقوال:
المعنى الأول: أي: ما هم فيه من الكفر والصد عن سبيل الله أشد وأعظم من القتل نفسه. قال أبو مالك في الاية: أي: ما أنتم مقيمون عليه أكبر من القتل.
وهو قول أبو العالية، ومجاهد، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، والرّبيع ابن أنسٍ. ذكر هذا ابن كثير, وقاله الزجاج, وذكره ابن عطية.
المعنى الثاني: الرجوع إلى الكفر أشد وأعظم على المؤمن من موته أو قتله, فالقتل أخف عليه. قال مجاهد: «أي من أن يقتل المؤمن، فالقتل أخف عليه من الفتنة». ذكره ابن عطية.
المعنى الثالث: ما فعله الكفار من الفتنة أشد في انتهاك حرمات الله وأعظم من القتل الذي أبيح لنكم أيها المؤمنون أن توقعوه بكم. ذكره ابن عطية.
ويخصص هذا القول بسبب مزول الاية فتكون الفتنة التي كانت من الكفار هي ما هم فيه من الكفر والضلال وطرد المؤمنيم ومحاولة إرجاعهم إلى الكفر, فهذا أشد مما فعله عبد الله بن جحش ومن كان معه من قتل ابن الحضرمي وغيره والإغارة على العير التي كانت معهم. ذكره ابن عطية.
والمعاني لا تعارض بينها, وي الإمكان حمل الآية عليها دون إشكال, فالقول الأول عام يشمل ما بعده, لذلك قال ابن كثير:(ولمّا كان الجهاد فيه إزهاق النّفوس وقتل الرّجال، نبّه تعالى على أنّ ما هم مشتملون عليه من الكفر باللّه والشّرك به والصّدّ عن سبيله أبلغ وأشدّ وأعظم وأطم من القتل).
فالرجوع إلى الكفر بعد الإيمان أعظم وأشد من الموت نفسه, فالأول فيه وقوع غضب الله والخلود في النار, والثاني فيه ملاقاة الله بالإيمان فيفوز به المؤمن بالجنة.
وهو أعظم من قتال الكفار في الأشهر الحرم مع حرمتها, فالكفر نفسه انتهاكا لحرمات الله ونقض للميثاق وهو من أعظم المنكر والفساد الذي يجب إزالته, وقد أباح الله القتال في الشهر الحرم ولكنه لم يبح الكفر في أي مكان أو زمان.
ب: المراد بالظالمين في قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}.
القول الأول: المراد بالظالمين من بدأ المسلمين بالقتال, وقال مجاهد (لا يقاتل إلا من قاتل). ذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: المراد بالظالمين من تمسك بما هو عليه من الكفر والفتنة وبقي عليها, فعلى هذا لا يقاتل إلا الكفار. وقد جاء عن عكرمة وقتادة: (الظّالم: الذي أبى أن يقول: لا إله إلّا اللّه).ذكره ابن كثير عنهم, وذكر هذا القول ابن عطية.
القول الثالث: المراد بهم من قاتلهم بعد أن كفوا عما هم فيه من الشرك وكفوا عن قتال المؤمنين فهو ظالم. ذكره ابن كثير وقال: وهذا معنى قول مجاهدٍ: لا يقاتل إلّا من قاتل.
والله أعلم الراجح هو القول الأول والثاني, أما الثالث فظاهر الآية لا يدل عليه وإن كان القول في نفسه صحيحا, لكن سياق الآيات في قتال الكفار ومعاملتهم بالمثل, فإن كفوا عما هم فيه فلا عدوان إلا على من استمر في غيه أو من رجع فبدأ المسلمين بالقتال.
3. بيّن ما يلي:
أ: سبب نزول قوله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها}.
ورد في هذا اسباب ذكرها المفسرون:
الأول: أن أقواما من أهل الجاهلية -قيل الأنصار(أهل يثرب) وقيل أهل الحجاز-قد التزموا تشرعا بعدم دخول البيوت من أبوابها إذا حجوا أو اعتمروا-وقيل إذا اعتكفوا, وقيل أو رجعوا من عيدهم- فيلتزمون أن لا يحول بينهم وبين السماء حائل، فكانوا لا يدخلون من الأبواب بل من فتحات يجعلونها على ظهور بيوتهم, يرون أن هذا اقرب للتقوى.
وقيل بل إذا أراد أحدهم السفر ثم بدا له أن يقيم ويدع السفر ، لم يدخل البيت من بابه، ولكن يتسوره من قبل ظهره. ذكره الحسن البصري.
وقيل بل هم الحمس، وقد خالف النبي -عليه الصلاة والسلام-عادة قومه فدخل بابا ومعه رجل منهم, فوقف ذلك الرجل وقال إني أحمس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أحمس، فنزلت الآية. قاله السدي. ذكره ابن عطية.
لكن قد روى الربيع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل وخلفه رجل أنصاري فدخل وخرق عادة قومه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لم دخلت وأنت قد أحرمت؟، قال: دخلت أنت فدخلت بدخولك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إني أحمس، أي من قوم لا يدينون بذلك، فقال الرجل: وأنا ديني دينك، فنزلت الآية. ذكره ابن عطية.
الثاني: ما جاء عن جابر قوله: كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من بابٍ في الإحرام، فبينا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في بستانٍ إذ خرج من بابه، وخرج معه قطبة بن عامرٍ الأنصاريّ، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّ قطبة ابن عامرٍ رجل تاجر وإنّه خرج معك من الباب. فقال له: "ما حملك على ما صنعت؟ " قال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت. فقال: "إني أحمس". قال له: فإنّ ديني دينك. فأنزل اللّه {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}. رواه سفيان عن جابر. رواه ابن أبي حاتمٍ. وروي عن ابن عباسٍ بنحوه. وروي عن مجاهد، والزّهري، وقتادة، وإبراهيم النخعي والسدي والربيع بن أنس.
فتبين من هذا إن سبب نزول الآية ما كان يفعله الأنصار وغيرهم عند الحج أو العمرة أو في مناسبات أخرى كالتي تم ذكرها, من تحاشيهم دخول البيت من بابه وتسور البيت ودخوله من فتحات في السقف, وكانوا يفعلون هذا يتبررون به تشريعا من عند أنفسهم.
والروايات جميعها تحمل نفس المعنى ما عدا ما جاء بأن الحمس كانوا من الذين لا يدخلون من الأبواب, والأصح بأنهم كانوا يدخلون البيوت من أبوابها حال إحرامهم وغيره, وقد سموا حمسا لتشددهم في الدين فكانوا لا يقفون بمزدلفة أوبعرفة مع الناس، ويقولون: نحن أهل الله، فلا نخرج من الحرم, وهذا لاعتقادهم بتميزهم عن باقي العرب.
فنزلت الاية لتبين معنى البر الحقيقي الذي يجب العمل به وهو ما أمر الله به وما أنزل من أحكام, وليس هو ما قام العبد بتشريعه وفق الهوى المحض بلا دليل يدل عليه.
ب: أقوال أهل العلم في نسخ قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم}.
- هناك من قال بأن الآية منسوخة:
فقالوا بأن هذه الآية هي أول آية نزلت في فرض الجهاد, فكان عليه الصلاة والسلام, يقاتل فقط من قاتله ويكف عمن كف عنه ولا يعتدي عليهم, ثم نسختها آية براءة وهي قوله: {وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة}.
وجاء عن أبي العالية في قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم} قال: هذه أوّل آيةٍ نزلت في القتال بالمدينة، فلمّا نزلت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقاتل من قاتله، ويكفّ عمّن كفّ عنه حتّى نزلت سورة براءةٍ.
وهو قول ابن زيد والربيع. ذكره ابن عطية وابن كثير.
- وهناك من قال بأن الآية محكمة, وهم من فسر الآية بقتال المسلمين للمقاتلة من جيش العدو وعد العتداء بقتل الصبيان والنساء والرهبان والعجزة ومن شابههم, ولا تعتدوا ببدء القتال فتقاتلوا حمية أو للذكر بن الناس, فعلى هذا تكون الآية محكمة لا نسح فيها. وهذا المعنى جاء عن ابن عباس وعمر بن عبدالعزيز ومجاد. ذكره ابن عطية
ورجح بأنها محكمة ابن كثير, وهو كما قال, حيث علق على قول من قال بالنسخ بقوله:(وفي هذا نظرٌ؛ لأنّ قوله: {الّذين يقاتلونكم} إنّما هو تهييج وإغراءٌ بالأعداء الّذين همّتهم قتال الإسلام وأهله، أي: كما يقاتلونكم فقاتلوهم أنتم، كما قال: {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً}؛ ولهذا قال في هذه الآية: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم} أي: لتكن همّتكم منبعثةً على قتالهم، كما أنّ همّتهم منبعثةٌ على قتالكم، وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها، قصاصًا).
ج: المراد بالجدال في الحجّ.
تنوعت عبارات السلف في بيان المراد بالجدال, وجميعها تندرج تحت قولين كما ذكر ذلك ابن كثير:
القول الأول: أي: لا مجادلة في وقت الحجّ وفي مناسكه، لأن الله قد بينه أتم بيانٍ ووضحه أكمل إيضاج فلا حاجة للمجادلة فيه, قال مجاهد في قوله تعالى: {ولا جدال في الحجّ}: قد بيّن اللّه أشهر الحج، فليس فيه جدالٌ بين النّاس.
فيكون النهي منصبا على الجدال في أمور الحج وأحكامه وما يتعلق به استدلالا بقوله عليه الصلاة والسلام لما حج:" إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " .
ويدخل في النهي عن المجادلة في الحج صور متعددة, منها:
- إبطال ما كان المشركون يصنعون في النسيء, لذلك قال مجاهدٍ: {ولا جدال في الحجّ} قال: لا شهر ينسأ، ولا جدال في الحجّ.
- النهي عن المراء , فقد جاء عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {ولا جدال في الحجّ} قال: المراء في الحج.
ومن هذا المراء ما كانت تصنعه قريش عند وقوفها بالمشعر الحرام بالمزدلفة, بينما يقف البقية بعرفة, أو غيرها من المواقف, وكل يجادل ويدعي بأن فعله هو الأصوب, أو أن حجهم أتم وأبر من حج البقية, أو أن حجهم موافق لما كان عليه إبراهيم عليه السلام.
- النهي عن الشك في الحج, والنهي عن اختلافهم في تحديد يوم الحج, فقد كانوا يتنازعون في هذا يقول بعضهم الحج اليوم, ويقول آخرون: بل غدا.
- النهي عن التفاخر بالآباء, وهذا ما كانت تفعله العرب قديما في الحج.
وهذا القول اختاره الطبري كما نقل ذلك عنه ابن كثير.
الثاني: المراد بالجدال المخاصمة في أمور الدنيا, فينهى عن المخاصمة التي تفضي إلى التنازع والسباب, أو التي تؤدي بأن يغضب عليك أخيك المسلم فيتخرجه بفعلك إلى ما لا ينبغي, وقد جاء عن ابن مسعود في قوله تعالى:{ولا جدال في الحجّ} قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
وقاله ابن عباس و أبو العالية، وعطاءٌ ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، وجابر بن زيدٍ، وعطاءٌ الخراسانيّ، ومكحولٌ، وعمرو بن دينارٍ، والسّدّيّ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، وإبراهيم النّخعي، وعطاء بن يسارٍ، والحسن، وقتادة، والزّهريّ، ومقاتل بن حيّان.
واستثنى عكرمة من الغضب عتاب المملوك حتى يغضب بشرط عدم ضربه, وتعقب قوله ابن كثير بقوله: (ولو ضربه لكان جائزًا سائغًا). واستدل بحديث أسماء بنت أبي بكرٍ تخبر عن والدها عتابه للغلام لما اضاع البعير وطفق يضربه، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتبسّم ويقول: "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟ ".
وقال ابن كثير:(ومن هذا الحديث حكى بعضهم عن بعض السّلف أنّه قال: من تمام الحجّ ضرب الجمال. ولكن يستفاد من قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن أبي بكرٍ: "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟ " أنّ الأولى ترك ذلك، واللّه أعلم).
والقولان لا تعارض بينهما, بل لهما نفس المضمون والهدف من قطع مادة التنازع بين الناس في الحج, سواء كان هذا التنازع بسبب مناسك الحج: الشعائر أو موعدها أو المقارنات التي تحصل بين الناس في الأفضلية, أو ما يحصل من البعض من التفاخر والتكاثر, فالله سبحانه قد بين المناسك وبين الواجب والمنهي عنه, فالواجب الرجوع إلى قول الله وبيانه.
أو كان هذا التنازع بين الأفراد بسبب أمور دنيوية أو مصالح وغيره, فالجميع منهي عنه,
وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام, فيما رواه عنه جابر: "من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده، غفر له ما تقدّم من ذنبه ". رواه الإمام عبد بن حميدٍ في مسنده.