(هـ)
1: العلمُ بكونِ الشيءِ سبباً لمصلحةِ العبد ولذاته وسروره قد يتخلَّف عنه عملُه بمقتضاه لأسبابٍ عديدة، اذكر عشرة من هذا الأسباب باختصار.
الأول: ضعف معرفة العبد بأن العمل بما علم فيه مصلحته, وسبب لسروره.
الثاني: قد يكون قد علم, لكن منع منه عدم أهلية المحل بسبب قساوة القلب, فلا يقبل نصيحة, ولا تؤثر فيه موعظة, أو كان لينا, خائرا بلا عزيمة, وقد قال تعالى:"إن الذين حقت هليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم".
الثالث: الحسد والكبر, كما حصل مع اليهود لما أعرضوا عن اتباع الرسول عيه الصلاة والسلام, مع علمهم بصدقه, لكن منعهم الحسد والكبر, وهذا أيضا ما منع صناديد قريش من الإيمان, حيث قالوا:"لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم".
الرابع: الملك والرياسة, ولو لم يصاحبها حسد أو كبر, لكن يضن بملكه, ويخشى زواله بأن يصبح تابعا بعد ان كان متبوعا, وهذا كحال هرقل لما خاف على ملكه وآثره على اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام, مع علمه بصدقه وتمنيه الدخول فيه.
الخامس: مانع الشهوة والمال, وهو قريب من سابقه, فيرفط في اتباع ما علم صدقه استجابة لشهواته, و حرصا على ماله, إما خوفا على فواته, أو طمعا في زيادته, كما كان كفار قريش يخوفون النس ويبعدونهم عن الإيمان, بتذكيرهم بفقد ما اهمهم, مثل ما حصل مع الأعشى وكان شاعرا من أصحاب المعلقات شديد الولع بالخمر, فلما قيل له إن محمدا يحرم الخمر والزنا, رجع ومات على كفره, مع علمه بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام, ومدحه إياه في شعره.
السادس: تقديم محبة الأهل والعشيرة على محبة الله ورسوله, فيخشى من فقدهم, أو من سوء معاملتهم إن هم رفضوا اتباعه.
السابع: التعلق بالوطن ولو لم يكن له فيه أهل, فيخشى من الغربة وترك الأوطان والإبتعاد عنها فرارا بدينه إن لم يستطع ٌامته في وطنه.
الثامن: توهم إن في اتباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام, والثبات عليه, طعن في الآباء والأجداد, وإلحاق العار بهمو كما حصل مع أبوطالب حيث ىثر الموت على ملة عبدالمطلب خوفا من السبة والعار, وبعد أن ذكره أصحاب السوء بقولهم:"أترغب عن ملة عبدالمطلب"؟ مع علمه بصدق ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.
التاسع: مخالفة الأعداء, ومن تبغضه النفس, فإن وجدهم على هذا, آثر مخالفتهم والسير في غير طريقهم, لا يدفعه لهذا إلا كرههم وبغضهم ومحبة مخالفتهم, وهذا كما حصل مه اليهود والأنصار, حي كان اليهود يستفتحون على الأنصار ويتوعدونهم بمبعث النبي عليه الصلاة والسلام, فلما بعث وآمنت به الأنصار, خالفهم اليهود بغضا وكرها لسلوك نفس طريقهم.
العاشر: تحكيم العادة, والطبيعة, والركون إلى ما ألفه الإنسان واعتاده وعاش عليه, فيصعب عليه بعد العلم أن يجعل ما تعلمه وعرفه وأيقنه, يحل محل ما تربى عليه وألفه واعتاده, وهذا السبب مع ضعفه, إلا إنه من أكبر الأسباب أثرا على الأمم وأصحاب المذاهب والفرق, لرفض النفس التخلي عما اعتادت عليه.
2:المعاصي هي نار النعم، تأكلُها كما تأكلُ النارُ الحطَبَ.
3: البصيرة الصحيحة، والصبر مع قوة عزم، سببان لعون العبد على ترك الحب الفاسد. اشرح ذلك في ضوء ما درست.
إذا حل بالقلب داء العشق, فلا سبيل إلى الشفاء منه, إلا بانشغال القلب بما يطرده ويزيحه,وهذا إنما يكون بمعرفة القلب إن حصوله على هذا المحبوب المؤقت الزائل, فوت محبة من في فوت محبته أعظم الضرر عليه, فالعاقل من قدم درء المفسدة المتحققة على المصلحة الظنية, وعلى هوى نفسه, وسعادتها ساعة, فيترك المحبوب الزائل المضر, إلى المحبوب الأعلى الذي لا تتحقق مصلحة العبد ولا سعادته الدنيوية والآخروية إلا بتعلق قلبه به, وطرد من سواه من القلب, فإن لم يفعل, وقع لامحالة في داء العشق.
ولكي يتسنى له ذلك, لا بد له من بصيرة صحيحة تقوم على الفطرة السليمة والعلم الصحيح, ليميز ويقرب ما فيه مصلحته ويبتعد عما فيه ضرره, فإن علم, وأدرك, فلن يستطيع طرد الدخيل على قلبه إلا إن ملك قوة عزم وصبر حتى يتمكن العمل بما علم, وإلا قادته نفسه لأسفل سافلين, فلا هو نفع نفسه ولا انتفع به غيره.
ومن تحلى بالصبر واليقن نال الإمامة بالدين. وقد قال عليه الصلاة والسلام :"احرص على ما ينفعك واسعن بالله ولا تعجز", الحرص على المنفعة إذا لم يصاحبه عزم ونبذ للعجز, تخلف ولم يتحقق.