ü بابُ أحكــامِ النـونِ الساكنـةِ والتنويــنِ:
o تعريفُ النونِ الساكنةِ:§ النونُ الساكنةُ هي التي يكونُ سكونُها ثابتٌ وصْلاً ووقْفاً، نحوُ: { مَنْ هاجَرَ } (الحشر: آية 9) :· فقولُنا النونُ الساكنةُ : خرَجَ به النونُ المتحرِّكةُ والمشدَّدةُ
· وقولُنا سكونُها ثابتٌ : خرَجَ به ما كان ثابتاً وزالَ للتَّخلُّصِ من التقاءِ الساكنَيْن نحوَ: { إِنِ ارْتَبْتُمْ }
· وقولُنا في الوصْلِ والوقْفِ : خرَجَ به السكونُ العارضُ كسكونِ النونِ المتطرِّفةِ في الوقْفِ نحوَ: { يَعْلَمُونَ }
§ الخلاصة :· النونَ الساكنةَ: هي التي تُثبَتُ خطًّا ولفظاً ووصْلاً ووقْفاً وهي المقصودةُ بالذكْرِ هنا وتقعُ في الأسماءِ والأفعالِ متوسِّطةً ومتطرِّفةً، وفي الحروفِ متطرِّفة فقط.
o تعريفُ التنوينِ:§ التنوينُ في اللغةِ: التصويتُ
§ وفي الاصطلاحِ نونٌ ساكنةٌ زائدةٌ لغيرِ توكيدٍ تَلحقُ آخِرَ الاسمِ لفظاً وتفارِقُه خطًّا ووقْفاً نحوُ قولِه تعالى { وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } · فقولُنا نونٌ ساكنةٌ : خرَجَ به نونُ التنوينِ المتحرِّكةُ للتخَلُّصِ من التقاءِ الساكنَيْن، نحوُ: {مُنِيبٍ ادْخُلُوهَا}
· وقولُنا زائدة :ٌ خرَجَ به النونُ الأصليَّةُ التي سَبقَ الكلامُ عليها قريباً
· وقولُنا لغيرِ تَوكيدٍ : خرَجَ به نونُ التوكيدِ الخفيفةِ في { وَلَيَكُوناً } و{ لَنَسْفَعاً } لأنها ليست تنويناً، وإن أشبهَتْه في إبدالِها ألِفاً في الوقْفِ لاتِّصالِها بالفعلِ
· وقولُنا تَلحقُ آخِرَ الاسمِ لفظاً : خرَجَ به الحرفُ والفعلُ فإنه لا تَلحقُهما أبداً لأنهما لا يُنوَّنان بحالٍ.
· وقولُنا وتفارِقُه خطًّا ووقْفاً: خرَجَ به النونُ الأصليَّةُ، فهي لا تُفارقُ الاسمَ مُطلَقاً أثناءَ وجودِها فيه.
§ الخلاصة :· يؤخذُ من التعريفِ، أن التنوينَ خاصٌّ بالأسماءِ فلا يَدخلُ الأفعالَ ولا الحروفَ ولا يكون إلا متطرِّفاً لأنه لا يُوجدُ إلا بين كلمتَيْن ولا يَثبتُ إلا في الوصلِ واللفظِ.
o الأمورُ التي تُخالفُ فيها النونُ الساكنةُ التنوينَ أربعة : § الأوَّلُ: أنَّ النونَ الساكنةَ تقعُ في وسَطِ الكلمةِ وفي آخِرِها، والتنوينَ لا يكونُ إلا في آخِرِها.
§ الثاني: أن النونَ الساكنةَ تَقعُ في الأسماءِ والأفعالِ والحروفِ والتنوينِ لا يَقعُ إلا في الأسماءِ.
§ الثالثُ: أن النونَ الساكنةَ تكونُ ثابتةً في الوصْلِ، والوقْفِ والتنوينَ لا يَثبتُ إلا في الوصْلِ.
§ الرابعُ: أن النونَ الساكنةَ تكونُ ثابتةً في الخطِّ واللفظِ، والتنوينَ لا يكونُ إلا في اللفظِ.
o أحكامِ النونِ الساكنةِ والتنوينِ أربعةُ عندَ حروفِ الهجَاءِ ما عدا الألفِ : وهي الإظهارُ والإدغامُ والإقلابُ والإخفاءُ :§ الحكْمُ الأولُ الإظهارُ :
· تعريفه :o الإظهارُ لغةً: البيانُ
o ومن معانيه في الاصطلاحِ: إخراجُ كلِّ حرفٍ من مَخرجِه من غيرِ غنَّةٍ في الحرفِ المظْهَرِ § فقولُنا من غيرِ غُنَّةٍ :المرادُ به من غير غُنَّةٍ ظاهِرةٍ وهذا لا يمنع من وجودِ أصْلِ الغُنَّةِ إذ هو باقٍ حينئذٍ وإن لم يَكنْ ظاهراً لأن الغُنَّةَ صفةٌ لازمةٌ للميمِ والنونِ ولو تنويناً، حتى في حالةِ الإظهارِ
§ وقولُنا في الحرفِ المُظْهَرِ: أي الواقعُ عليه الإظهارُ والمرادُ به هنا النونُ الساكنةُ والتنوينُ معاً
· حروفه :o ستَّة وهي حروفِ الحلْقِ (الهمزةُ والهاءُ والعينُ والحاءُ المهمَلتان والغَيْنُ والخاءُ
o نحوَ: { مَنْ ءَامَنَ } (البقرة: آية 253)، { وَيَنْأَوْنَ } (الأنعام: آية 26)، ونحوُ: { فَرِيقاً هَدَى }
· حكمه :o يجب إظهارُ التنوينِ والنونِ الساكنةِ عندَ هذه الحروف
§ الحكْمُ الثاني الإدغامُ :
· تعريفه :o الإدغامُ في اللغةِ: الإدخالُ، يُقالُ: أَدغمْتُ اللجامَ في فَمِ الفرَسِ أي أَدخلتُه
o واصطلاحاً: التقاءُ حرفٍ ساكنٍ بحرفٍ متحرِّكٍ بحيثُ يصيران حرفاً واحداً مشدَّداً يَرتفعُ اللسانُ بهما ارتفاعةً واحدةً.
· أقسامُه :o يَنقسمُ هذا الإدغامُ إلى قسمين: § الأوَّلُ: إدغامٌ بغُنَّةٍ وهو إدغام ناقص. ووجْههُ التماثلُ بالنسبةِ للنونِ والتجانسُ في الجهْرِ, والاستِفَالُ والانفتاحُ بالنسبةِ للواوِ والياءِ، والتجانسُ في الغُنَّةِ وفي سائرِ الصفاتِ بالنسبةِ للميمِ كما قال بعضُهم
§ الثاني: إدغامٌ بغيرِ غُنَّةٍ وهو إدغام كامل ووجْههُ التقاربُ في المَخرجِ على مذهبِ الجمهورِ, والتجانسُ على مذهبِ الفرَّاءِ ومُوافِقِيه ووجْهُ حذفِ الغُنَّةِ هنا المبالَغَةُ في التخفيفِ لأنَّ في بقائِها بعضاً من الثِّقَلِ
· حروفه :o ستَّة وهي اللامُ والراءُ والياءُ التحتيَّةُ والواوُ والميمُ والنونُ
· حكمه :o أما اللامُ والراءُ فيجب إدغامُ التنوينِ والنونِ الساكنةِ عندهما بغيرِ غُنَّةٍ وجْهاً واحداً عن جميعِ القرَّاءِ :§ مثالُ التنوينِ عندَ اللامِ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة: آية 2)
§ ومثالُ النونِ عندَها {فَإِن لَّمْ } (البقرة: آية 24)
§ ومثالُ التنوينِ عندَ الراءِ { غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
§ ويُستثنى من ذلك لِحفْصٍ عن عاصمٍ إدغامُ النونِ في الراءِ في قولِه تعالى: { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ }، بسببِ سَكْتِهِ عليها بدونِ تَنَفُّسٍ وذلك لأن السكتَ يَمنعُ الإدغامَ كما يَمنعُ ملاقاةَ النونِ بالراءِ
o وأما الياءُ والواوُ والميمُ والنونُ فيجب إدغامُ التنوينَ والنونَ الساكنةَ عندها بغُنَّةٍ :§ مثالُ التنوينِ { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } والنونِ في الياءِ نحوَ: { مَن يَقُولُ } وبقيَّةُ الأمثلةِ لا تَخفَى
o ويشترط لإدغامِ النونِ الساكنةِ فيما ذَكرَ:§ أن يكونَ من كلمتين، أما ما كان من ذلك في كلمةٍ فالإدغامُ فيه مُمتنِعٌ :· مثالُ الواوِ نحوَ: صِنْوَانٌ
· والياءِ نحوَ: "الدُّنْيَا"
· وذلك لئلاَّ يَشتبِهُ ويَلتَبِسُ بالمضاعَفِ، وهو ما تَكرَّرَ أحدُ أصولِه فإنه لو أَدغمَ {صِنْوَانٌ} لاشْتَبَه بنحوِ: صِوَّان جمْعُ صَايِنٍ ولو أُدغمَ نحوَ: الدنيا لاشْتَبَه بنحوِ: الديَّانِ وهو اللهُ تعالى.
§ الحكمُ الثالثُ الإقلابُ :
· تعريفه :o الإقلابِ من معانِيهِ في اللغةِ التحويلُ
o وفي الاصطلاحِ: جعْلُ حرفٍ مكانَ آخَرَ مع مراعاةِ الغُنَّةِ والإخفاءِ في الحرفِ المقلوبِ وهو هنا أن يُقلبَ كلٌّ من النونِ الساكنةِ والتنوينِ ميماً، وتُخفى تلك الميمُ بغُنَّةٍ عندَ الباءِ الموحَّدَةِ
· حروفه :o له حرفٌ واحدٌ وهو الباءُ الموحَّدَةُ
· حكمه :o يَجبَ قلْبُ النونِ الساكنةِ أو التنوينِ أو نونِ التوكيدِ ميماً خالصةً لفظاً لا خطًّا مُخفاةً مع إظهارِ الغُنَّةِ إذا وَقعَت الباءُ :§ بعد النونِ الساكنةِ سواءً أكانَ معها في كلمةٍ، أمْ في كلمتين { أَنْبِئُونِي } (البقرة: آية 31)، { مِنْ بَعْدِهِمْ } (الشورى: آية 14)،
§ أمْ بعدَ التنوين ولا يكونُ إلا من كلمتَيْن نحوِ: { واللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } (التغابن: آية 4)
§ أمْ بعدَ نونِ التوكيدِ الخفيفةِ نحوَ: { لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ } (العلق: آية15)، ولا ثانيَ لها في القرآنِ بالنسبةِ للقَلْبِ
· سبب تسميته :o وسُمِّيَ بالقلْبِ لقلْبِ النونِ الساكنةِ والتنوينِ ونونِ التوكيدِ ميماً خالصةً في اللفظِ لا في الخطِّ
· تحقيقه :o لا يَتحَقَّقُ القلْبُ إلا بثلاثةِ أعمالٍ مأخوذةٍ من التعريفِ :§ الأوَّلُ: قلبُ النونِ الساكنةِ أو التنوينِ أو نونِ التوكيدِ الخفيفةِ ميماً خالصةً لفظاً لا خطًّا تعويضاً صحيحاً بحيث لا يَبقى أثَرٌ بعد ذلك للنونِ الساكنةِ أو المؤكِّدةِ أو التنوينِ.
§ الثاني: إخفاءُ هذه الميمِ عندَ الباءِ.
§ الثالثُ: إظهارُ الغُنَّةِ مع الإخفاءِ, والغُنَّةُ هنا صفةُ الميمِ المقلوبةِ لا صِفةَ النونِ والتنوينِ
· وجهه القلب :o أنه لم يَحْسنُ الإظهارُ لأنه يَستلزمُ الإتيانَ بالغُنَّةِ في النونِ والتنوينِ ثم إطباقَ الشَّفتين من أجْلِ النطقِ بالباءِ وعَقِبِ الغُنَّةِ وفي كلِّ هذا عُسْرٌ وكُلْفَةٌ
o ولم يَحسُن الإدغامُ لبُعدِ المَخرجِ وفقْدِ السببِ الموجِبِ له
o ولما لم يَحْسُن الإظهارُ والإدغامُ تَعيَّنَ الإخفاءُ ثم تُوصِّلَ إليه بالقلْبِ ميماً لمشاركتِها للباءِ في المَخرجِ وللنونِ في الغُنَّةِ.
§ الحكم الرابع الإخفاء :
· تعريفه :o الإخفاءُ لغةً السَّتْرُ
o وفي الاصطلاحِ: هو عبارةٌ عن النطقِ بحرفٍ ساكنٍ عارٍ من التشديدِ على صفةٍ بينَ الإظهارِ والإدغامِ مع بقاءِ الغُنَّةِ في الحرفِ الأَوَّلِ، وهو هنا النونُ الساكنةُ والتنوينُ والميمُ الساكنةُ في الإخفاءِ الشَّفَويِّ
· حروفه :o حروفُه هنا خمسةَ عشرَ حرفاً وهي الباقية من الحروفِ الهجائيَّةِ بعد إسقاطِ الحروفِ المتقدِّمةِ للأحكامِ الثلاثةِ السابقةِ التي هي الإظهارُ والإدغامُ والقلْبُ، وقد جمَعَها الجمزوريُّ في التُّحفةِ بقولِه: § صِفْ ذَا ثَنا كمْ جادَ شخصٌ قد سَمَا = دُمْ طيِّباً زِدْ في تُقًى ضَعْ ظَالما
§ وهي الحرفُ الأوَّلُ من كلِّ كلمةٍ
§ مثلُ { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } (البقرة: آية 86) { أنْ صَدُّوكُمْ } (المائدة: آية 2)، (رِيحاً صَرْصَراً} (القمر: آية 19)
· وجه الإخفاء :o وجْهُ هذا الإخفاءِ أن النونَ الساكنةَ والتنوينَ لم يَبعُدَا عن حروفِ الإخفاءِ كبُعدِهما عن حروفِ الحلْقِ حتى يجبَ الإظهارُ
o ولم يَقرُبا منهن كقربِهما من حروفِ الإدغامِ حتى يجبَ الإدغامُ
o فلما عُدِمَ البُعدُ الموجِبُ للإظهارِ، والقرْبُ الموجِبُ للإدغامِ أُعطِيَا معهن حكْماً وسَطاً بين الإظهارِ والإدغامِ، هو الإخفاءُ
· كيفيَّتُه :o أن يكونَ هناك تَجَافٍ بينَ اللسانِ والثَّنايا العُليا، أو بعبارةٍ أُخرى أن يَجعلَ القارئُ لسانَه بعيداً عن مَخرجِ النونِ قليلاً، فيَقعَ الإخفاءُ الصحيحُ.
· مراتبُ الإخفاءِ : o الإخفاءُ على ثلاثِ مراتبَ: § أقْواها عندَ الطاءِ والدالِ المهمَلتين والتاءِ المثنَّاةِ فوقَ، أيْ أنَّ الإخفاءَ عندَ هذه الحروفِ يكونُ قريباً من الإدغامِ، وذلك لقُربِهنَّ من النونِ والتنوينِ في المَخرجِ.
§ أَدناها عندَ القافِ والكافِ، أي أنَّ الإخفاءَ عندَ هذين الحرفَيْن يكونُ قريباً من الإظهارِ، وذلك لبُعدِهما عن النونِ والتنوينِ في المَخرجِ
§ أوسطها ما دون ذالك
· تنبيه :o يَجبُ على القارئِ أن يَحترزَ من المّدِّ :§ عندَ إخفاءِ النونِ في نحوِ: {كُنْتُمْ } فيَتولَّدُ منها واوٌ فيصيرُ اللفظُ (كونتم)
§ وعندَ الإتيانِ بالغُنَّةِ في نحوِ: { إِنَّ الَّذِينَ }، { وَإِمَّا فِدَاءً } فيَتولَّدُ منها ياء فيصيرُ اللفظُ (إينا) و (إيما)
§ وكثيراً ما يَتساهلُ في ذلك من يُبالغُ في الغُنَّةِ وهو خطأٌ قبيحٌ وتَحريفٌ
o ويجب أن يحترز أيضاً من إطباقِ اللسانِ فوقَ الثنايا العُليا عندَ إخفاءِ النونِ :
§ وطريقُ الخلاصِ منه تَجافي اللسانِ قليلاً عن مَخرجِ النونِ.