دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > عقود الجمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 09:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي القسم الأول: المعنوي

الْقِسْمُ الأوَّل: الْمَعْنَوِيُّ
736 مِنْهُ الطِّبَاقُ بِالتَّضَادِ مَاثِلِ = اَلْجَمْعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ذِي تَقَابُلِ
737 فِي جُمْلَةٍ مِنْ نَوْعٍ اَوْ نَوْعَيْنِ
= اِسْمَيْنِ أَوْ فِعْلَيْنِ أَوْ حَرْفَيْنِ
738 كَمِثْلِ "أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودُ" = "يُحْيِي يُمِيتُ" وَلَهُ تَعْدِيدُ
739 طِبَاقُ مَنْفِيٍّ طِبَاقٌ مُوجَبِ = كَـ"اخْشَ
" وَ"لاَ تَخْشَ" وَذِي تَسَبُّبِ
740 قُلْتُ: وَقِيلَ: الشَّرْطُ فِي الطِّبَاقِ
= أَنْ يَأْتِيَ اللَّفْظَانِ بِالْوِفَاقِ
741 وَإِنَّمَا يَحْسُنُ مَعْ مَزِيدِ = وَلَهُمُو تَطَابُقُ التَّرْدِيدِ
742 وَمِنْهُ تَدْبِيجٌ بِأَلْوَانٍ تَرِدْ = مَكْنِيًّا اَوْ تَوْرِيَةً لِمَا قُصِدْ
743 وَمِنْهُ نَوْعٌ سُمِّيَ الْمُقَابَلَةْ
= وَهْيَ مَجِيءُ أَحْرُفٍ مُقَابِلَهْ
744 تُرَتِّبُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَائِلِ = كَمِثْلِقَوْلِي فِي خِطَابِ الْعَاذِلِ:
745 "اُعْفُفْ وَذُمْ وَصِلْ وَعِزِّ وَافِقِ = أَوْ خُنْ وَزَكِّ اقْطَعْ وَهُنْ وَشَاقِقِ"
746 وَقَالَ فِيالْمِفْتَاحِ: مَهْمَا شُرِطَا = فِي أَوَّلٍ فَالضِّدَّ فِي الثَّانِياشْرُطَا
747 قُلْتُ: وَذَا الْمِثَالُ بِالْمُفَوَّفِ = يُسْمَى وَمِنْ أَنْوَاعِهِ عَدَّ الصَّفِيْ
748 ثُمَّ مُرَاعَاةُ النَّظِيرِ جَمْعُ = أَمْرٍ وَمَا نَاسَبَهُ وَيَدْعُو
749 تَنَاسُبًا فَإِنْ مُنَاسِبٌ خَتَمْ
= مُبْتَدَأً تَشَابُهَ الْأَطْرَافِ سَمْ
750 وَمِنْهُ الاِرْصَادُ وَذَا أَنْ تَجْعَلاَ = مِنْ قَبْلِ عَجْزِ الْبَيْتِ مَا دَلَّ عَلَى
751 تَمَامِهِ إِذَا الرَّوِيُّ عُرِفَا = وَبَعْضٌ التَّسْهِيمَ هَذَا وَصَفَا
752 قُلْتُ: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ دَلْ = فَإِنْ يَكُ الْمَعْنَى فَتَوْشِيحٌ أَجَلْ
753 وَمِنْهُ مَا يَدْعُونَهُ الْمُشَاكَلَةْ
: = أَنْ يُذْكَرَ الشَّيْءُ بِلَفْظٍ لَيْسَ لَهْ
754 لِكَوْنِهِ صُحْبَتَهُ تَحْقِيقًا اَوْ = مُقَدَّرًا "وَمَكَرَ اللهُ" تَلَوْا
755 وَقَوْلُهُ
:"قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ = قُلْتُ اطْبُـخُوا لِيْ جُبَّةً" بَيْتٌ عُهِدْ
756 ثُمَّ الْمُزَاوَجَةُ أَنْ زَاوَجَ فِي = اَلشَّرْطِ وَالْجَزَا لِمَعْنًى قَدْ يَفِي
757 وَالْعَكْسُ تَأْخِيرُ الَّذِي قُدِّمَ فِي = أَحَدِ طَرْفَيْ جُمْلَةٍ إِنْ تُضِفِ
758 أَوْ جُمْلَتَيْنِ اسْمِيَّتَيْنِ أَوْ جَلاَ = فِعْلِيَّتَيْنِ وَالرُّجُوعُ أَنْ عَلَى
759 كَلاَمِهِ السَّابِقِ قَدْ يَعُودُ = بِـنَقْضِهِ لِنُكْتَةٍ يُرِيدُ
760 قُلْتُ: وَمِنْهُ السَّلْبُ وَالْإِيجَابُ إِنْ
= مِنْ جِهَتَيْنِ اشْتَمَلاَهُ حَيْثُ عَنْ
761 وَمِنْهُ مَدْحُ الشَّيْءِ ثُمَّ ذَمُّهُ = أَوْ عَكْسُهُ تَغَايُرٌ يَعُمُّهُ
762 وَمِنْهُ الاِيهَامُ وَيُدْعَى التَّوْرِيَةْ
= وَفَضَّلُوا ذَا النَّوْعَ ثُمَّ تَالِيَهْ(*)
763 إِطْلاَقُ لَفْظِ شِرْكَةٍ وَيُقْصَدُ = بَعِيدُهُ فَتَارَةً يُجَرَّدُ
764 مِمَّا يُلاَئِمُ الْقَرِيبَ كَـ"اسْتَوَى"
= ثُمَّ الْمُرَشَّحُ الَّذِي لَهُ حَوَى
765 قُلْتُ: لَقَدْ قَصَّرَ فِي بَيَانِهَا = فَلَيْسَ فِي الْبَدِيعِ مِثْلُ شَانِهَا
766 فَكُلُّ مَا بِلاَزِمٍ لَمْ يَقْتَرِنْ = لاَ لِقَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ قَدْ زُكِنْ
767 فَهْيَ الَّتِي تَجَرَّدَتْ وَأُلْحِقَا = مَا اللاَّزِمَانِ اسْتَوَيَا وَاتَّفَقَا
768 وَسَمِّ مَا يُلاَزِمُ الَّذِي دَنَا = مُرَشَّحًا وَضِدَّهُ مُبَيَّنَا
769 كِلاَهُمَا مِنْ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ
ذُكِرْ = ثُمَّ الْمُهَيَّأَةُ مَا لاَ تَسْتَقِرْ
770 إِلاَّ بِلَفْظٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا = أَوْ لَفْظَتَيْنِ فَقْدُ لَفْظٍ فَقْدُهَا
771 وَاعْدُدْ هُنَا التَّرْشِيحَ وَالتَّوْهِيمَا = وَافْرُقْ بِذِهْنٍ قَدْ صَفَا تَقْوِيمَا
772 وَمِنْهُ الاِسْتِخْدَامُ أَنْ يُرَادَا = بِكِلْمَةٍ بَعْضُ الَّذِي أَفَادَا
773 ثُمَّ بِمُضْمَرٍ لَهَا الْبَوَاقِي
= أَوْ أَوَّلٌ بِمُضْمَرٍ وَالْبَاقِي
774 بِآخَرٍ كَـ"جَلَّ عَيْنًا أَحْمَدُ = أَخْجَلَهَا وَهَّابُهَا الْمُعْتَمِدُ"
775 وَمِنْهُ الاِرْدَافُ بِأَنْ يُذْكَرَ مَا
= يُرَادِفُ الْمَقْصُودَ لاَ مَا لَزِمَا
776 فَإِنْ أَتَى بِمَا يَكُونُ أَبْعَدَا = فَذَلِكَ التَّمْثِيلُ إِذْ مَا قُصِدَا
777 وَاللَّفُ وَالنَّشْرُ بِأَنْ تُعَدِّدَا = لَفْظًا وَبَعْدُ مَا لِكُلٍّ عُدِّدَا
778 وَلَمْ يُعَيَّنْ مَا لَهُ تَوْكِيلاَ = لِسَامِعٍ مُجْمَلاً اَوْ تَفْصِيلاَ
779 مُرَتَّبًا أَوْ غَيْرَهُ مَعْكُوسًا اَوْ = مُشَوَّشًا وَفِيهِ رَابِعًا حَكَوْا
780 وَالْخُلْفُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ
هَذَيْنِ قَرْ = وَقِيلَ: لاَ خُلْفَ بِتَحْرِيرِ النَّظَرْ
781 وَالْجَمْعُ أَنْ يُجْمَعَ فِي حُكْمِ عَدَدْ
= كَقَوْلِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ إِذْ زَهَدْ:
782 "إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَةْ = مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَةْ"
783 وَعَكْسُهُ التَّفْرِيقُ أَنْ يُبَايَنَا = بَيْنَهُمَا فِي مَدْحٍ اَوْ أَمْرٍ عَنَى
784 فَإِنْ يُعَدِّدْ وَأَضَافَ مَا لِكُلْ
= إِلَيْهِ تَعْيِينًا فَتَقْسِيمٌ يَحُلْ
785 وَإِنْ هُمَا أَدْخَلَ فِي مَعْنًى وَقَدْ = فَرَّقَ وَجْهَيْ ذَاكَ أَوْ يَجْمَعْ عَدَدْ
786 حُكْمٌ وَتَقْسِيمٌ تَلاَ أَوْ عَكْسُ ذَا
= كِلاَهُمَا جَمْعٌ وَأَوَّلٌ خُذَا
787 إِلَيْهِ تَفْرِيقًا وَذَا تَقْسِيمَا = وَقَدْ تَجِي ثَلاَثَةٌ تَضْمِيمَا
788 كَـ"يَوْمَ يَأْتِ" بَعْدُ "لاَ تَكَلَّمُ" = لِآخِرِ الْقِصَّةِ فَهْيَ تُنْظَمُ
789 وَيُطْلَقُ التَّقْسِيمُ إِذْ مَا اسْتَوْفَى = أَقْسَامَهُ أَوْ حَالَهُ مُضِيفَا
790 كُلاًّ إِلَى مُلاَئِمٍ نَحْوُ "يَهَبْ"
= آيَةَ شُورَى وَ"ثِقَالُ" الْبَيْتَ هَبْ
791 وَمِنْهُ تَجْرِيدٌ بِأَنْ يُنْزَعَ مِنْ = ذِي صِفَةٍ آخَرُ مِثْلُهُ زُكِنْ
792 مُبَالَغًا فِي أَنَّهُ فِيهَا كَمَلْ
= كَـ"مِنْ فُلاَنٍ لِي صَدِيقٌ وَأَجَلْ"
793 وَ"إِنْ سَأَلْتَ أَحْمَدًا لَتَسْأَلَنْ = بَحْرًا بِهِ مُنْدَفِقًا" وَمِنْهُ أَنْ
794 يُخَاطِبَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَقَدْ = نُصْحًا وَتَوْبِيخًا وَتَعْرِيضًا قَصَدْ
795 وَأَبْلَغُ الْأَقْسَامِ مَا قَدْ ثُنِّيَا = ثُمَّ الْمُبَالَغَةُ أَنْ يَدَّعِيَا
796 بُلُوغَهُ فِي الضَّعْفِ أَوْ فِي
الشِّدَّةِ = حَدًّا مُحَالاً أَوْ بَعِيدَ الرُّتْبَةِ
797 فَإِنْ يَكُنْ عَقْلاً وَعَادَةً وَرَدْ
= يُمْكِنُ فَالتَّبْلِيغُ أَوْ فِي الْعَقْلِقَدْ
798 فَذَاكَ إِغْرَاقٌ كِلاَهُمَا قُبِلْ = أَوْ لاَ وَلاَ فَهْوَ غُلُوٌّ مَا احْتُمِلْ
799 مَا لَمْ يُقَرِّبْهُ لِذَاكَ شَيْءُ = نَحْوُ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ
800 أَوْ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ تَخَيُّلٍ حَسَنْ
= أَوْ مَخْرَجُ الْهَزْلِ مِنَ الشَّاعِرِ عَنْ
801 قُلْتُ: وَبَعْضٌ وَهَّنَ الْمُبَالَغَةْ = أَصْلاً وَبَعْضٌ فِي السُّمُوِّ نَابِغَةْ
802 وَضِدُّهَا التَّفْرِيطُ عَدَّ الْيَمَنِيْ = وَمَا رَأَيْتُ غَيْرَهُ بِمُعْتَنِي
803 وَجَعْلُهُ لِلنَّوْعِ جِنْسًا عَظُمَا = إِلْحَاقُ جُزْئِيٍّ بِكُلِّيٍّ نَمَى
804 ثُمَّتَ مِنْهُ الْمَذْهَبُ الْكَلاَمِي = إِيرَادُهُ الْحُجَّةَ لِلْمَرَامِ
805 عَلَى طَرِيقِهِمْ كَقَوْلِهِ عَلاَ: = "لَوْ كَانَ فِيهِمَا" وَمَا لَهُ تَلاَ
806 وَمِنْهُ تَفْرِيعٌ وَذَا أَنْ يُـثْبَتَا = لِمُتَعَلِّقٍ لَهُ مَا أُثْبِتَا
807 لِآخَرٍ لَهُ فَإِنْ بِـ(مَا) نَفَى = أَوْ (لاَ) عَنِ الَّذِي بِشَيْءٍ وُصِفَا
808 أَفْعَلَ لِلْوَصْفِ مُنَاسِبًا وَقَدْ = عُدِّيْ بِـ(مِنْ) إِلَى الَّذِيذَاكَ قَصَدْ
809 فَذَاكَ بِالتَّفْضِيلِ حَقًّا دُعِيَا = وَالْحُسْنُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَدَّعِيَا
810 لِلْوَصْفِ عِلَّةً لَهُ تُنَاسِبُ
= بِلُطْفِ مَعْنًى لاَ حَقِيقِيْ تَـصْحَبُ
811 فَتَارَةً يَكُونُ ثَابِتًا قُصِدْ = عِلَّتُهُ وَذَاكَ ضَرْبَيْنِ عُهِدْ
812 مَا لَمْ تَبِنْ عِلَّتُهُ فِي الْعَادَةِ = أَوْ عِلَّةٌ خِلاَفُ ذِي قَدْ بَانَتِ
813 وَمَا قُصِدْ ثُبُوتُهُ مِنْ مُمْكِنِ = أَوْ غَيْرِهِ وَمَا عَلَى الشَّكِّ بُنِي
814 وَمِنْهُ تَأْكِيدُكَ لِلْمَدْحِ بِمَا = يُشْبِهُ ذَمًّا وَثَلاَثًا قُسِّمَا
815 اَلْأَفْضَلُ اسْتِثْنَاءُ وَصْفِ فَضْلِ = مِنْ وَصْفِ ذَمٍّ قَدْ نُفِيْ مِنْ قَبْلِ
816 مُقَدَّرًا دُخُولُهُ فِيهِ كَـ"لاَ = عَيْبَ لَهُ إِلاَّ ارْتِقَاهُ لِلْعُلاَ"
817 وَمِنْهُ الاِسْتِثْنَاءُ قَبْلَ وَصْفِ
= مَدْحٍ يَلِي وَصْفًا لَهُ لاَ يَنْفِي
818 وَمِنْهُ أَنْ يُؤْتَى بِهِ مُعَرِّفَا = عَامِلُهُ لِلذَّمِّ مَعْنًى قَدْ وَفَى
819 وَمَا بِهِ اسْتُثْنِيَ يَحْوِي الْفَضْلاَ
= نَحْوُ "وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ"
820 ثُمَّتَ الاِسْتِدْرَاكُ فِي ذَا الْبَابِ = كَمِثْلِ الاِسْتِثْنَاءِ بِاقْتِرَابِ
821 وَعَكْسُهُ ضَرْبَانِ أَنْ يُسْتَثْنَى = مِنْ نَفْيِ وَصْفِ الْمَدْحِ ذَمٌّ يُعْنَى
822 أَنْ دَخَلَتْ كَمِثْلِ "مَا فِيهِ هُدَى
= إِلاَّ عَمَى عَنِ الطَّرِيقِ الْمُقْتَدَى"
823 وَأَنْ يَجِيءَ تِلْوَ وَصْفِ ذَمِّ = كَـ"جَاهِلٌ لَكِنَّهُ ذُو ظُلْمِ"
824 وَزِيدَ بَعْدَ الذَّمِّ وَصْفٌ يُوهِمُ
= زَوَالَهُ ثُمَّ لِذَمٍّ يُفْهِمُ
825 وَمِنْهُ الاِسْتِتْبَاعُ مَدْحٌ بِاللَّذَا = يَسْتَتْبِعُ الْمَدْحَ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَا
826 وَإِنْ يُـضَمَّنْ فِيهِ مَعْنًى وَهْوَ لَمْ = يُسَقْ لَهُ فَذَاكَ إِدْمَاجٌ أَعَمْ
827 قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ الْوَصْفُ بِنَصْ
= يُفْهِمُ وَصْفًا لِلَّذِي الْأَوَّلَ خَصْ
828 وَمِنْهُ تِوْجِيهٌ بِأَنْ يُوَافِيْ = مُحْتَمِلاً وَجْهَيْنِ بِاخْتِلاَفِ
829 كَقَوْلِ مَنْ قَالَ لِأَعْوَرَ:"أَلاَ = يَا لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءٌ جُعِلاَ"
830 قُلْتُ: الصَّفِيُّفَسَّرَ التَّوْجِيهَ أَنْ = يَأْتِيْ بِأَلْفَاظٍ شَهِيرَةٍ بِفَنْ
831 يُورِدُهَا لِـغَيْرِ مَا لَهُ اشْتَهَرْ = كَالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَكَالْجَزْمِ وَجَرْ
832 نَحْوُ "ارْتِفَاعٌ فِي مَحَلِّهِ"، "وَجَبْ = مِنْ أَمْرِهِ جَزْمٌ" ، وَ"لِلْحُكْمِ انْتَصَبْ"
833 وَجَعَلَ السَّابِقَ مِنْ تَفْسِيرِهِ = تَفْسِيرَ الِابْهَامِ كَذَا لِغَيْرِهِ
834 وَقَالَ
:نَحْوُ ذَلِكَ الْمُوَارَبَةْ = لَكِنَّهُ يَأْتِي لِمَنْ قَدْ عَاتَبهْ
835 بِمَخْلَصٍ وَلاَ يَجِي فِي الاِبْتِدَا = بِهِ كَذَاكَ غَيْرُهُ قَدْ أَوْرَدَا
836 كَقَوْلِهِ: "قَدْ ضَاعَ شِعْرِيْ"،لَمَّا = أُوخِذَ "بَلْ: (قَدْ ضَاءَ) صُغْتُ النَّظْمَا"
837 وَالْهَزْلُ ذُو الْجِدِّ فَقُلْ لِمَنْ أَتَى
= مُبَاحِثًا:"كَيْفَ تَهَجَّى (بَا) وَ(تَا)؟"
838 قُلْتُ: وَمِنْهُ يَقْرُبُ التَّهَكُّمُ = وَالْهَجْوُ فِي مَعْرِضِ مَدْحٍ نَظَمُوا
839 وَإِنْ خَلاَ الْهَجْوُ عَنِ الْفَحَاشَةِ = وَنَحْوِهَا فَسَمِّ بِالنَّزَاهَةِ
840 تَجَاهُلُ الْعَارِفِ: سَوْقُ مَا عُلِمْ
= مَسَاقَ غَيْرِهِ لِنُكْتَةٍ تَتِمْ
841 مِثْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ الْبَهِيْ = وَالذَّمِّ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّدَلُّهِ
842 كَـ"مَعْشَرَ الظِّبَاءِ يَا حُورَ النَّظَرْ = أَمِنْكُمُو سُعَادُ أَمْ مِنَ الْبَشَرْ"
843 اَلْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ أَنْ يَأْتِيْ إِلَى = وَصْفٍ بِقَوْلِ غَيْرِهِ أُطْلِقْ عَلَى
844 شَيْءٍ لَهُ أُثْبِتَ حُكْمٌ يُثْبِتُ = هَذَا لِغَيْرِهِ وَلَكِنْ يَسْكُتُ
845 عَنْ نَفْيِهِ عَنْهُ أَوِ الثُّبُوتِ لَهْ = وَمِنْهُ لَفْظٌ فِي كَلاَمٍ حَمَلَهْ
846 عَلَى خِلاَفِ قَصْدِهِ مِمَّا احْتَمَلْ
= بِذِكْرِ ذِي تَعَلُّقٍ لَهُ حَصَلْ
847 كَقَوْلِهِ: "سَلَوْتَ يَا هَذَا عَنِي" = فَقُلْ لَهُ: "عَنْ صُحْبَتِيْ وَوَطَنِيْ"
848 قُلْتُ:وَمِنْهُ يَقْرُبُ التَّسْلِيمُ أَنْ = يُسَلِّمَ الْفَرْضَ الْمُحَالَ ثُمَّ عَنْ
849 لاَزِمِهِ يَصُدُّ إِذْ قَدْ وُجِدَا
= مَا مَنَعَ اتِّبَاعَهُ وَيُورِدَا
850 وَإِنْ عَلَى الْمُمْكِنِ مَعْ مَا نَاقَضَهْ = مُرِيدَهُ عَلَّقَ فَالْمُنَاقَضَةْ
851 كَذَاكَ الاِسْتِدْرَاكُ وَالْإِسْتِثْنَا = حَيْثُ أَفَادَا بَهْجَةً وَحُسْنَا
852 اَلاِطِّرَادُ ذِكْرُكَ اسْمَ مَنْ عَلاَ
= وَأَبِهِ وَجَدِّهِ عَلَى الْوِلاَ
853 بِلاَ تَكَلُّفٍ عَلَى وَجْهٍ جَلِيْ = مِثْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيْ
854 قُلْتُ: وَمِنْهُ الاِحْتِبَاكُ يُخْتَصَرْ = مِنْ شِقَّيِ الْجُمْلَةِ ضِدُّ مَا ذُكِرْ
855 وَهْوَ لَطِيفٌ رَاقَ لِلْمُقْتَبِسِ = بَيَّنَهُ ابْنُ يُوسُفَ الْأَنْدَلُسِيْ
856 وَالطَّرْدُ وَالْعَكْسُ قَرِيبٌ مِنْهُ = حَرَّرَهُ الطِّيبِيُّ فَابْحَثْ عَنْهُ
857 يُقَرِّرُ الْأَوَّلُ بِالْمَنْطُوقِ ذَا = مَفْهُومَ تَالِيهِ وَبِالْعَكْسِ خُذَا
858 وَمِنْهُ نَفْيُ الشَّيْءِ بِالْإِيجَابِ = نَفْيُ الثُّبُوتِ بِانْتِفَا الْأَسْبَابِ
859 وَإِنْ أَتَى فِي الْبَيْتِ وَعْظٌ لاَمِعُ = أَوْ حِكْمَةٌ فَهْوَ الْكَلاَمُ الْجَامِعُ
860 حِكَايَةُ التَّحَاوُرِ الْمُرَاجَعَةْ
= تَرْتِيبُهُ أَوْصَافَهُ الْمُتَابَعَةْ
861 ثُمَّ التَّرَقِّي وَهْوَ ذِكْرُ الْمَعْنَى = فَفَوْقَهُ ثُمَّ التَّدَلِّي يُعْنَى
862 وَمِنْهُ الاِسْتِطْرَادُ أَنْ يَنْتَقِلاَ = مِنْ غَرَضٍ لِآخَرٍ قَدْ شَاكَلاَ
863 وَالاِفْتِنَانُ الْجَمْعُ لِلْفَنَّيْنِ = كَالْمَدْحِ وَالْهَجْوِ وَنَحْوِ ذَيْنِ
864 وَالاِشْتِقَاقُ أَخْذُ مَعْنًى مِنْ عَلَمْ
= فَإِنْ يُطَابِقْ فَبِالاِتِّفَاقِ سَمْ
865 وَمِنْهُ الاِلْغَازُ وَنَوْعُ الْقَسَمِ = وَالاِكْتِفَاءُ حَذْفُ بَعْضِ الْكَلِمِ
866 وَخَيْرُهُ عِنْدِيَ مَا فِيهِ وَفَتْ
= تَوْرِيَةٌ عَنِ اكْتِفَاءٍ صَرَفَتْ
867 وَجَمْعُهُ مُؤْتَلِفًا وَمُخْتَلِفْ = وَالاِتِّسَاعُ شَامِلٌ لِمَا عُرِفْ
868 وَإِنْ يِكُنْ فِي اللَّفْظِ لَبْسٌ فَيَفِي = تَفْسِيرُهُ فَذَاكَ تَفْسِيرُ الْخَفِيْ
869 وَإِنْ يُزِلْ لَبْسًا عَنِ الإِبْهَامِ = فَذَاكَ إِيضَاحٌ بِلاَ إِبْـهَامِ
870 وَإِنْ أَتَى مُشْتَرَكٌ يُبَادِرُ = غَيْرُ الْمُرَادِ فَاشْتِرَاكٌ صَادِرُ
871 حُسْنَ الْبَيَانِ زَادَ فِي الْمِصْبَاحِ = وَرَدَّهُ الْجَلاَلُ فِي الْإِيضَاحِ
872 وَقَدْ وَجَدْتُ مَقْصِدًا بَدِيعَا = سَمَّيْتُهُ التَّأْسِيسَ وَالتَّفْرِيعَا
873 قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ يُمْهِدُهَا
= يَبْنِي عَلَيْهَا شُعْبَةً يَقْصِدُهَا
874 مِثَالُهُ: لكلِّ دِينٍ خُلُقُ = وَخُلْقُ ذَا الدِّينِ الْحَيَاءُ الْمُونِقُ
875 وَالنَّفْيُ لِلْمَوْضُوعِ قَصْدًا صَنَعَهْ
= مثِاَلُهُ: لَيْسَ الشَّدِيدُ الصُّرَعَةْ
876 وَإِنْ أَتَى بِجُمَلٍ لِلْمَقْصِدِ = تَوَصُّلاً لِحُكْمِ مَا بِهِ ابْتُدِيْ
877 وَصَحَّ حَذْفُ الْوَسَطِ الْمَوْصُولِ = فَذَلِكَ التَّمْهِيدُ لِلدَّلِيلِ
878 وَمِنْهُ تَصْحِيفٌ بِأَنْ يُعْتَمَدَا
= بِهِ وَبِالتَّصْحِيفِ أَمْرٌ قُصِدَا


(*)الاستخدام

  #2  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 10:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عقود الجمان للسيوطي


المعنوي

[منه الطباق بالتضاد مائل = الجمع بين اثنين ذي تقابل
في جملة من نوع أو نوعين = اسمين أو فعلين أو حرفين
كمثل أيقاظا وهم رقود = يحي ويميت وله تعديد
طباق منفي طباق موجب = كاخش ولا تخش وذي تسبب
قلت وقيل الشرط في الطباق = أن يأتي اللفظان بالوفاق
وإنما يحسن مع مزيد = ولهم تطابق الترديد
ومنه تدبيج بألوان ترد = مكنيا أو تورية لما قصد]
الطباق ويقال له المطابقة والتطبيق والتطابق لغة أن يضع البعير رجله في موضع يده يقال منه طابق البعير إذا فعل ذلك، واصطلاحًا الجمع بين متضادين أو متقابلين في الجملة أي سواء كان التقابل حقيقيًا، أو اعتباريًا، أو بالإيجاب والسلب. وليس المراد الضدين اللذين لا يجتمعان كالبياض والسواد مثلاً ويقال لهذا النوع أيضًا التضاد والمقاسمة والتكافؤ، وله أقسام: لأنهما تارة يكونان من نوع واحد
[شرح عقود الجمان: 105]
كاسمين نحو: أيقاظا وهم رقود، وما يستوي الأعمى والبصري الآية، أو فعلين نحو: يحيي ويميت، وحديث «من تأنى أصاب أو كاد ومن عجل أخطأ أو كاد» رواه الطبراني، وحديث مسلم «من يصعد فوق الثنية فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل» واجتمعا في حديث مسلم «من حاول أمرا بمعصية كان أبعد لمار جا وأقرب لمجي ما اتقى» رواه في الحلية وحديث «من اقترب الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار ويفتح القول ويحبس العمل» رواه الطبراني، أو حرفين نحو: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. وتارة من نوعين نحو أو من كان ميتا فأحييناه، ثم تارة يكونان حقيقيين كالأمثلة السابقة أو مجاز بين كالآية الآخيرة وكقوله:
إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب = تحرك يقظان التراب ونائمه
فالمطابقة بين يقظان ونائم ونسبتهما إلى التراب مجاز أو مختلفين كقوله:
لا تعجبي يا هند من رجل = ضحك المشيب برأسه فبكى
لأن ضحك المشيب مجاز وبكاء الرجل حقيقة، وتارة يكون الطباق في الإيجاب كهذه الأمثلة؛ وتارة في النفي نحو قوله تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون} وقوله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يعلمون، وحديث كونوا للعلم وعاة ولا تكونوا له رواة أخرجه في الحلية، وقول بعضهم:
خلقوا وما خلقوا لمكرمة = فكأنهم خلقوا وما خلقوا
رزقوا وما رزقوا سماح يد = فكأنهم رزقوا وما رزقوا
ويلحق بالطباق ما كان راجعًا للمضادة بتأويل كالتسبب في قوله تعالى: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} طوبق الأشداء والرحماء لأن الرحمة متسببة عن اللين الذي هو ضد الشدة وكذا قوله تعالى: {لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} فإن الابتغاء لا يضاد السكون لكنه يستلزم الحركة التي هي ضده ونبهت من زيادتي على أن بعضهم شرط في الطباق توافق اللفظين فلا يجيء في اسم مع فعل ولا عكسه، ولا في حقيقة ومجاز فذلك يخص باسم التكافؤ على أن بعضهم ذكر أن المطابقة مجردة ليس تحتها كبير أمر فإن قصارى ذلك أن يطابق الضد بالضد وهو شيء سهل اللهم إلا أن يترشح بنوع من أنواع البديع يشاركه في البهجة والرونق كقوله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} انضم إلى المطابقة العكس والتكميل.
وكقول امرئ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معا = كجلمود صخر حطه السيل من عل
انضم إليها التكميل في قوله معا المقصود منه قرب الحركة في حالتي الإقبال والإدبار وحالتي الكر والفر والاستطراد بالتشبيه وكقول أبي تمام:
بيض الصفائح لأسود الصحائف في = متونهن جلاء الشك والريب
انضم إليها الجناس وقول الأرجاني:
تعلق بين الهجر والوصل مهجتي = فلا أربى في الحب أقضي ولا نحيي
انضم إليها اللف والنشر، وقول الفاضل:
دام صاحي وداده أبد الدهر = حبيبا لسكرى النشوان
انضم إليها الاستعارة وقول ابن خطيب داريا:
[شرح عقود الجمان: 106]
يا معشر الأصحاب قد عن لي = معنى يزيل الحمق فاستظرفوه
لا تحضروا إلا بأخفافكم = ومن تثاقل منكم خففوه
انضم إليها التورية. ولهم طباق الترديد كما ذكرته من زيادتي. وهو أن ترد أواخر الكلم المطابق على أوله، فإن خلا من الطباق فهو رد العجز على الصدر مثاله قول الأعشى:
لا يرفع الناس ما أوهوا وإن جهدوا = طول الحياة ولا يوهون ما رفعوا
وفي الأحاديث من ذلك كثير. ومن الطباق ما يسمى التدبيح، وقد ذكرته من زيادتي وإن مثل في التلخيص لأحد قسميه، وهو أن يؤتي في المدح أو غيره بألوان لقصد الكناية أو التورية لما بين اللونين من التقابل مثال تدبيج الكناية قول أبي تمام:
تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى = لها الليل إلا وهي من سندس خضر
ذكر الحمرة والخضرة وكني بالأول عن القتل وبالثاني عن الجنة وحديث «ما من عبد يموت فيترك صفراء أو بيضاء إلا جعل الله له بكل قيراط منها صفحة من نار» رواه أحمد، ومثال الثاني قول الحريري: فمذا غبر العيش الأخضر، وازور المحبوب الأصفر، اسود يومي الأبيض، وأبيض فودى الأسود، حتى ربى لي العدو الأزرق، فيا حبذا الموت الأحمر، فالمعنى القريب للمحبوب الأصفر هو الإنسان الذي به صفرة والبعيد هو الذهب وهو المراد فيكون تورية وقريب منه قولي في إحدى مقاماتي: وأقمنا ذلك اليوم الأبيض، تمرح في الروح الأخضر، ونسبح في الماء الأسمر، على رغم العدو الأزرق، إلى أن غرب الكوكب الأصفر، وأقبل الشفق الأحمر، فأخضر الأسودان وافترقنا واجتمع الفرقدان:
[ومنه نوع سمي المقابلة = وهي مجي أحرف مقابلة
ترتب الثاني على الأوائل = كمثل قولي في خطاب العاذل
اعفف وذم صل وعز وأفق = أوخن وزك اقطع وهن وشاقق
وقال في المفتاح مهما شرطا = في أول فالضد في الثاني اشرطا
قلت وذا المثال بالمفوّف = يسمى ومن أنواعه عد الصفى]
من الطباق نوع يسمى المقابلة وهي أخص منه، وهو أن تذكر لفظين أو أكثر ثم أضدادها على الترتيب الأول، فالأول كقوله تعالى: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثير}، وقوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا}، وقوله تعالى: {جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله}، وقوله صلى الله عليه وسلم «إن لله عبادًا جعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر» وقوله صلى الله عليه وسلم «ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما كان الخرق في شيء إلا شأنه» رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم «ما كان الفحش في شيء إلا شأنه وما كان الحياء في شيء إلا زانه» رواه الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم «مروا بالمعروف وإن لم تفعلوه وانهوا عن المنكر وإن كنتم تفعلونه» رواه الطبراني ومن مقابلة ثلاثة بثلاثة قول أبي دلامة:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا = وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
قال السكاكي إذا شرط في الأول أمر شرط في الثاني ضده كقوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى} الآيتين. قابل بين الإعطاء والبخل والاتقاء والاستغناء والتصديق والتكذيب واليسرى والعسرى، ولما جعل التيسير في الأول مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق جعل ضده وهو التعسير مشتركًا بين
[شرح عقود الجمان: 107]
أضدادها وهي البخل والاستغناء والتكذيب. قال الشيخ سعد الدين: وعلى هذا لا يكون بيت أبي دلامة من المقابلة لأنه شرط في الدين والدنيا الاجتماع ولم يشرط في الكفر والإفلاس ضده والآية المذكورة فيها مقابلة أربعة بأربعة وكذا حديث الطبراني السابق، ومن مقابلة خمسة بخمسة قول المتنبي:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي = وأنثني وبياض الصبح يغري بي
وستة بستة قول القائل:
على رأس عبد تاج عز يزينه = وفي رجل حر قيد ذل يشينه
والبيت الذي نظمته في مثال هذا النوع فيه نوع آخر من البديع بينته من زيادتي وهو التفويف ذكره الصفي ومتابعوه والطيبي في التبيان، وفسروه بأن يؤتى بمعان ملائمة في جمل مستوية المقدار من قولهم ثوب سفوف إذا كان فيه خطوط ومثل له الشيخ بهاء الدين بقوله تعالى: {الذي خلقني فهو يهدين} الآيات، وقوله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} ومثل الصفي بقول أبو الطيب المتنبي:
أقل أنل اقطع احمل على سل أعد = زدهش بش تفضل ادن سرصل
ومثل الطيبي بقول الآخر:
فلو أن ما بي بالجبال لهدها = وبالنار أطفأها وبالماء لم يجر
وبالناس لم يحيوا وبالدهر لم يكن = وبالشمس لم تطلع وبالنجم لم يسر
ومثل الأندلسي بقول الآخر:
يا من يؤمل أن تكون صفاته = كصفات عبد الله أنصت واسمع
اصدق وعف وبر واصبر واحتمل = واحلم ودار وكاف وابذل واشجع
وأما ابن مالك وعبد الباقي فجعلاه ثلاثة أقسام: ما تكون جملة قصارا كبيت أبي الطيب وطوالا كبيتي الطيبي ومتوسطة كبيت الأندلسي. وأما ابن خطيب زملكا فإنه فسره بأن تصف المذكور بما يدل على مدحه ثم بما يدل على ذمه لكن تقربه بما يشعر بأنه مدح كقوله:
هم الأخيار منسكة وهديا = وفي الهيجا كأنهم صقور
فهم حرب الكرام على المعالي = وفيهم عن مساءتهم فتور
[ثم مراعاة النظير جمع = أمر وما ناسبه ويدعوا
تناسبا فإن مناسبا ختم = مبتدأ تشابه الأطراف سم]
مراعاة النظير ويسمى أيضًا التناسب كما في النظم والتوفيق كما في التلخيص والائتلاف والمؤاخاة أن تجمع أمرًا وما يناسبه لا بالتضاد وهو أصناف: الأول أن يناسب اللفظ المعنى كقول زهير:
أأثافي سفعا في معرس مرجل = ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
فلما عرفت الدار قلت لربعها = ألا عم صباحا أيها الربع واسلم
فأتى في البيت الأول لكون معانيه أعرابية بألفاظ غريبة وأتى في البيت الثاني لكونها عرفية بألفاظ مستعملة ومثال ذلك من الحديث حديث الصحيحين «ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر» وف يرواية أحمد «أهل النار كل جعظري جواظ» وفي رواية أبي نعيم «كل شديد قعبري مستكبر» أتى في أهل الجنة بألفاظ سهلة رقيقة وفي أهل النار بألفاظ فجة شديدة وليس في التخليص
[شرح عقود الجمان: 108]
تعرض لهذا القسم. الثاني أن يناسب اللفظ اللفظ كقول البحتري في وصف افبل التي أنحلها السير.
كالقسي المعطفات بل الأسهم = مبرية بل الأوتار
فإنه لما شبه الإبل بالقسي في الرقة والانحناء وأراد تكرير التشبيه كان يمكنه التشبيه بالعراجين وبنون الخط لوجود ذلك فيها فآثر الأسهم والأوتار لمناسبة لفظ القسي وكذا قول ابن رشيق.
أصح وأقوى ما سمعناه في الندى = من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا = عن البحر عن كف الأمير تميم
فيه مناسبة بين الصحة والقوة والسماع والخبر والأحاديث والرواية، ثم بين السيل والحيا وهو المطر والبحر وكف تميم مع ما فيه من رعاية العنعنة إذ جعل الرواية لصاغر عن كابر كما يقع في مسند الأحاديث فإن السيول أصلها المطر والمطر أصله البحر كما قيل:
كالبحر يمطره السحاب وماله = منّ عليه لأنه من مائه
وكذا قول الآخر في غلام معه خادم يحرسه:
ومن عجب أن يحرسوك بخادم = وخدام هذا الحسن من ذاك أكثر
عذارك ريحان وثغرك جوهر = وخدك ياقوت وخالك عنبر
ومثاله من الحديث «ذو الوجهين في الدنيا وذو اللسانين في النار» رواه أبو داود وغيره. الثالث أن يناسب المعنى المعنى بأن يؤتي في آخر الكلام بما يناسب أوله معنى، وهذا النوع يسمى تشابه الأطراف كقوله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، فإن اللطف يناسب ما لا يدرك بالبصر والخبرة تناسب ما يدرك. وقد حكى أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ: فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم ولم يكن يقرأ القرآن فقال إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا، الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه.
تنبيه: لو ذكر الشيء مع ما لايناسبه كان عيبًا وإن كان جائزًا كقول أبي نواس.
وقد حلفت يمينا = مبرورة لا تكذب = برب زمزم والحو = ض والصفا والمحصب
قال أبو جعفر الأندلس عابوا عليه ذكر الحوض مع زمزم والصفا والمحصب فإنه غير مناسب وإنما يناسب ذكر الحوض مع الميزان والصراط وشبههما من أحوال القيامة، قلت وكأنه أراد حوض زمزم الذي يسقى منه ولو قال بدله والبيت لسلم. قال الأندلسي وكذا لو جاء بمتناسبين فأفرد أحدهما وثنى الآخر أو جمعه فهو عيب كقوله.
ألا يا ابن اللذين فنوا وماتوا = أما والله ما ماتوا لتبقى
ومالك فاعلمن فيها بقاء = إذا استكملت آجالا ورزقا
قال فجمع الأجل وأفرد الرزق وهما متناسبان لا يوجد أحدهما بدون الآخر وكان الأولى خلافه.
قلت المختار أن ذلك ليس بعيب وقد تقدم عقب الالتفات من زوائدي أن تفنن الخطاب بذلك من البلاغة وقد ورد من ذلك في القرآن كثير قال تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} فأفرد السمع وجمع الآخرين وقال تعالى: {يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل}
[ومنه الارصاد وذا أن تجعلا = من قبل عجز البيت ما دل على
تمامه إذا الروىّ عرفا = والبعض بالتسهيم هذا وصفا
[شرح عقود الجمان: 109]
قلت بشرط أن يكون اللفظ دل = فإن يك المعنى فتوشيح أجل]
الإرصاد لغة مصدر أرصدت الشيء إذا أعددته واصطلاحًا أن يكون فيما تقدم من البيت أو النثر دليل على آخره إذا عرف الروىّ فكأنه أرصد الكلام الأول لمعرفة آخره ومنهم من يسميه التسهيم من سهمت الشيء أي صوبته كأنه صوب الكلام الأول لقصد الدلالة على الآخر، وهو قسمان: أحدهما أن تكون دلالته لفظية نحو وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا الآية فدل قوله فاختلفوا مع قوله لقضى على أن الفاصلة يختلفون وكذا قوله جل وعلا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وقول زهير:
سئمت تكالي فالحياة ومن يعش = ثمانين عاما لا أبالك يسأم
الثاني: أن تكون معنوية كقوله تعالى {إن الله اصطفى آدم} الآية فإن الاصطفاء يدل على أن الفاصلة العالمين لا باللفظ لأن لفظ العالمين غير لفظ اصطفى ولكن بالمعنى لأنه يعلم من جهته أن من لوازم اصطفين شيء أن يكون مختارًا على جنسه وجنس هؤلاء المصطفين العالمون، وأوردوا ههنا الحديث أنه لما نزل ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين الآيات قال بعض الصحابة تبارك الله أحسن الخالقين قبل أن يسمعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم بها ختمت وقد روى أن قائل ذلك عمر رضي الله تعالى عنه وهي معدودة من موافقاته أخرجه ابن أبي حاتم وروى اسحق بن راهويه في مسنده والطبراني في معجمه من حديث زيد بن ثابت أنه معاذ بن جبل ثم نبهت من زيادتي على التوشيح وقد اختلف فيه فقيل هو القسم الثاني من التسهيم وهو ما كانت دلالته معنوية. وقال الشيخ بهاء الدين وهو ما كان فيه اللفظ الدال على القافية أول البيت قال في التسهيم أعم وعلى الأول مشى ابن مالك في المصباح فقال هو أن تكون في الصدر كلمة إذا عرفت معناها عرفت منه القافية لكونه من جنس معنى القافية أو ملزومًا له ثم مثل بآية إن الله اصطفى:
[ومنه ما يدعونه المشاكلة = أن يذكر الشيء بلفظ ليس له
لكونه صحبته تحقيقًا أو = مقدرا ومكر الله تلوا
وقولهم قالوا اقترح شيئًا نجد = قلت اطبخوا لي جبة بيت عهد]
المشاكلة لغة المماثلة، واصطلاحًا ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقًا أو تقديرًا وقال بعضهم ذكره بلفظ مصاحبه لوقوعه في صحبته قال واحترزنا بقولنا لوقوعه في صحبته عن الجناس التام والمجاز فإنك إذا قلت مال زيد المال لمن بذل المال فقد عبرت عن الثاني بلفظ مصاحبه ولكن لا لأجل المصاحبة بل لكون الواضع وضعه للثاني حقيقة كما وضعه للأول وإذا قلت قتل الأسد من كان أسدا وأنت تعني بالأول السبع وبالثاني الشجاع فقد عبرت عن الثاني بلفظ الأول لا للمصاحبة بل لوجه من وجوه المجاز قال فالمشاكلة إذن لا حقيقة ولا مجاز أما الأول فلأن الطبخ مثلا في البيت الآتي لا تدل على الخياطة وضعا، وأما الثاني فلعدم العلاقة المعتبرة قال وإن أورد أن الواسطة لم يقولوا بها حيث قسموا اللفظ إلى حقيقته ومجاز قلنا هو تقسيم باعتبار اللفظ مع معناه وهذا باعتباره مع مشاكله لا بالنظر إلى وضع اللفظ للمعنى. قلت هذا الكلام يحتاج إلى تأمل وفحص والذي يظهر في بادئ الرأي أنها مجاز وما ادعاه من عدم العلاقة ممنوع ويكفي في العلاقة المصاحبة مثال التحقيقي قوله تعالى: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ومكروا ومكر الله، فإن إطلاق النفس والمكر في
[شرح عقود الجمان: 110]
جانب البارئ تعالى إنما هو للمشاكلة وكذا قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها إذا الجزاء لا يوصف بكونه سيئة لأنه حق وفي الحديث «خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا» رواه الشيخان. المعنى لا يقطع فضله عنكم، وقول الشاعر:
قال اقترح شيئًا نجد لك طبخة = قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
أي خيطوا لي، ومثال التقديري قوله تعالى صبغة الله أي تطهير الله لأن الإيمان يظهر النفوس والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون إنه تطهير لهم فعبر عن الإيمان بصبغة الله للمشاكلة بهذه القرينة.
[تنبيه] الغالب تأخير اللفظ الذي تقع به المشاكلة عما يشاكله كما تقدم وقد يتقدم كقوله تعالى: فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم.
[ثم المزاوجة إن زواج في = الشرط والجزاء المعنى قد يفي]
المزاوجة ويقال الازدواج، وأصله اقتران الشيئين أن يؤتي في كل واحد من الشرط والجزاء بأمرين مزوجين كقول البحتري
إذا ما نهى الناهي فلج به الهوى = أصاخت إلى الواشي فلج بها الهجر
وقوله: إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها = تذكرت القربى ففاضت دموعها
فإن كان الشرط مزدوجًا دون الجواب لم يسم بذلك كقوله تعالى بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ومثاله من الحديث ما رواه أبو يعلى من حديث أبي موسى «من أكل فشبع وشرب فروى فقال الحمد لله الذي أطعمني فأشبعني وسقاني فأرواني خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فوقعت في الشرط مزاوجات كثيرة لطيفة وبيان الازدواج في الجواب أن يقدر خرج من ذنوبه فهو كيوم ولدته أمه» وروى الشيخان حديث «من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» وروى الطبراني من حديث أنس «من دخل المقابر فقرأ يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من دفن فيها حسنات:
[والعكس تأخير الذي قدم في = أحد طرفي جملة أن تضف
أو جملتين اسميتين أوجلا = فعليتين والرجوع أن علي
كلامه السابق قد يعود = لنقضه لنكتة يريد
قلت ومنه السلب والإيجاب إن = من جهتين اشتملاه حيث عن
ومنه مدح الشيء ثم ذمه = أو عكسه تغاير يعمه]
في هذه الأبيات أنواع: أحدها العكس ويسمى التبديل، وهو أن يقدم في الكلام جزء ثم يؤخر وهو أنواع: الأول أن يقع بين أحد طرفي جملة وما أضيف إليه نحو: قول الإمام إمام القول وعادات السادات سادات العادات، وحديث محرم الحلال كمحلل الحرام رواه الطبراني.
الثاني: أن يقع بين لفظين في طرفي جملتين اسميتين نحو. قوله تعالى لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن.
الثالث: أن يقع بين متعلقي فعلين في جملتين نحو يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وقد يقع بين متعلقي اسمية وفعلية كقوله صلى الله عليه وسلم «لست من ددولادد مني» رواه الطبراني.
النوع الثاني: الرجوع وهو أن يرجع المتكلم عن الكلام السابق بالنقض بأن ينفي مثبتًا أو يثبت
[شرح عقود الجمان: 111]
منفيًا، وإنما يكون لنكتة وإلا فهو كذب محض مثاله قول زهير:
قف بالديار التي لم يعفها القدم = بلى وغيرها الأرواح والديم
والنكتة فيه أنه يبين رجوعه دهش عقله عند رؤية ديار أحبته فلم يعرف ما يقول وتوهم ما لبس بصحيح فملا راجعه عقله رجع بالنقض عن الكلام الأول. الثالث السلب والإيجاب نبهت عليه من زيادتي وقد ذكر ابن أبي الأصبع أنه من مستخرجاته ولكنه سبقه إليه العسكري وعرفه بأن يبني المتكلم كلامه على لفي شيء من جهة وإثباته من جهة أخرى كقوله تعالى فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما قال الشيخ بهاء الدين وهو راجع إلى الطباق، وقال ابن حجة هو بمعنى الرجوع وفسره ابن أبي الأصبع بأن يقصد المادح إفراد ممدوحه بصفة لا يشركه فيها غيره فينفيها في أول كلامه عن الناس ويثبتها لممدوحه كقول الخنساء:
وما بلغت كف امرئ متناولا = من المجد إلا والذي نلت أطول
وما بلغ المهدون للناس مدحة = وإن أطنبوا إلا الذي فيك أفضل
الرابع التغاير وذكرته من زيادتي ويسمى التلطف أيضًا، وهو أن يغاير ما كان عليه بأن يمدح الشيء ثم يذمه أو بالعكس كقول الصفي بعد أن شكا من العذال:
فالله يكلأ عذالي ويلهمهم = عذلي فقد فرحوا قلبي يذكرهم
[ومنه الايهام ويدعى التوريه = وفضلوا ذا النوع ثم تاليه
إطلاق لفظ شركة ويقصد = بعيدة فتارة يجرد
مما يلائم القريب كاستوى = ثم المرشح الذي له حوى
قلت لقد قصر في بيانها = فليس في البديع مثل شأنها
وكل ما يلازم لا يقترن = لا لقريب أو بعيد قد زكن
فهي التي تجردت وألحقا = ما اللازمان استويا واتفقا
وسم ما يلازم الذي دنا = مرشحا وضده مبينا
كلاهما قبل أو بعد ذكر = ثم المهيأة فما لا تستقر
إلا بلفظ قبلها أو بعدها = أو لفظتين فقد لفظ فقدها]
التورية، ويقال لها الإيهام بالتحتية والتخييل فن عظيم وباب منيع، وهي والاستخدام أفضل أنواع البديع كما نبهت عليه في النصف الثاني من البيت الأول وهو من زيادتي وثم فيه للترتيب الذكرى لا المعنوي لأن الأندلسي صرح بأن الاستخدام أجل من التورية وأعذب وألطف وإن كان المختار عندي أنهما سيان، وأصل التورية مصدر وريت الخبر إذا سترته وأظهرت غيره كأنه مأخوذ من وراء الإنسان كأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر، وحدها أن يذكر لفظ له معنيان وهو المراد بقولي لفظ شركة والمراد الشركة المعنوية أعم من أن يكونا حقيقتين أو أحدهما حقيقة والآخر مجازًا لا الشركة الأصولية فإن ذلك لا يكون في المجاز ويكون أحد المعنيين قريبًا أي ظاهرًا بحسب العرف والآخر بعيدًا ويقصد البعيد ويوري عنه بالقريب فيتوهمه السامع من أول وهلة ولذلك سمي أيضًا بالايهام ثم تارة لا يذكر فيها شيء من لوازم الموري به وهو القريب فتسمى مجردة وتارة يذكر فتسمى مرشحة هذا ما ذكره صاحب التلخيص ولعمري لقد قصر في شأن
[شرح عقود الجمان: 112]
التورية، وما أنصفها حيث أخل بذكر أقسامها وهي أعظم أنواع هذا الفن وأجله قال الزمخشري: ولا ترى بابا في البيان أدق ولا ألطف من التورية ولا أنفع ولا أعون على تأويل المتشابهات في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك قوله تعالى الرحمن على العرش استوى فإن الاستواء على معنيين: الاستقرار في المكان وهو المعنى القريب الموري به الذي هو غير مقصود لتنزيه الحق تعالى عنه. والثاني الاستيلاء والملك وهو المعنى البعيد المقصود الذي ورى عنه بالقريب المذكور انتهى، ومن ذلك قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه في الهجرة وقد سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا؟ فقال رجل يهديني إلى السبيل أراد يهديني إلى الإسلام فورى عنه بهادي الطريق وهو الدليل في السفر. قال ابن حجة وكانت خواطر المتقدمين عن التورية بمعزل وأفكارهم مع صحتها ما خيمت عليها بمنزل وربما وقعت لهم عفوا من غير قصد وأول من كشف غطاءها وجلا ظلمة إشكالها المتنبي وتلاه أبو العلاء فأتى بها على عقادة وتكلف، ثم القاضي الفاضل وهو الذي كشف بعد طول التحجب ستر حجابها ثم تداولها الناس بعده فسموا إلى أفقها وأطلعوا شموسها وقسموا التورية على أربعة أقسام: مجردة ومرشحة ومبينة ومهيأة، وكل من هذه الأربعة قسمان فالمجردة هي التي لم يذكر فيها شيء من لوازم القريب الموري به ولا البعيد المورى عنه كالآية السابقة وقول أبي بكر السابق، وقول إبراهيم عليه السلام لما سأله الجبار عن زوجته هذه أختي أراد أخوة الإسلام وقول ابن عبد الظاهر يصف واديا
وبطحاء من واد يروقك حسنه = ولا سيما إن جاد غيث مبكر
به الفضل يبدو والربيع وكم غدا = به العيش يحي وهو لا شك جعفر
قالتورية وقعت في الفضل والربيع ويحيى وجعفر والاشتراك في كل من الأربعة ظاهر، وقول ابن زبلاق وقد أهدى لبدر الدين لؤلؤ حملا.
يا أيها المولى الذي = ببابه كل أمل = لو لم تكن بدرا لما = أهدى لك الثور الحمل
وقعت التورية بالبدر والثور والحمل وهي مشتركة بين بدر السماء واسم الممدوح والثور والحمل بين البرجين والحيوانين وقد وجدت من هذا في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم «الحجر الأسود يمين الله في أرضه فمن لم يدرك بيعة النبي صلى الله عليه وسلم فمسح الحجر فقد بايع الله» ويلحق بهذا النوع ما كان فيها لازمان فتكافآ ولم يترجح أحدهما على الآخر فكأنهما لم يذكرا وصار معنى القريب والبعيد بذلك في درجة واحدة. قلت وينبغي أن تسمى هذه مقترنة كقول البحتري:
ووراء تسدية الوشاح ملية = بالحسن تملح في القلوب وتعذب
تعارض اللازمان في تملح فإنه يحتمل أن يكون من الملوحة ولازمه تعذب وهو المعنى القريب وأن يكون من الملاحة ولازمه ملية بالحسن وهو البعيد المورى عنه وقول ابن الوردي:
قلت إذا كنت تهوي = أنسى وتخشى نفوري
صف ورد خدي وإلا = أجور ناديت جوري
وأما المرشحة فهي التي يذكر فيها لازم المورى به قبل لفظ التورية أو بعده سميت بذلك لتقويتها لأنه المورى به غير مراد فكأنه ضعيف فإذا ذكر لازمه تقوى به، فالأول وهو ما ذكر اللازم من قبل كقوله تعالى والسماء بنيناها بأيد فإنه يحتمل الجارحة وهو المورى به وقد ذكر من لوازمه
[شرح عقود الجمان: 113]
على جهة الترشيح البنيان ويحتمل القوة والقدرة وهو البعيد المقصود ومنه قول ابن دانيال الكحال:
يا سائلي عن حرفتي في الورى = وصنعتي فيهم وإفلاسي
ما حال من درهم إنفاقه = يأخذه من أعين الناس
فقوله أعين الناس يحتمل الحسد وضيق الأعين وهو المورى به ولازمه درهم الإنفاق لأنه من لوازم الحسد ويحتمل العيون التي يلاطفها بالكحل وهو المورى عنه وقول ابن نباتة في مليح له عم وعلى وجنته خال:
لولا سطا عمه لفزنا = ويلاه من عمه وخاله
فالخال معناه البعيد النقطة والقريب أخو الأم والعم ترشيح له والثاني وهو ما ذكر بعد كقول الشاعر:
مذ همت من وجدي في خالها = ولم أصل منه إلى اللثم
قالت قفوا واستمعوا ما جرى = خالي قد هام به عمى
ذكر العم بعد الخال تشريحًا له، وقول الآخر:
أقلعت عن رشف الطلى = واللثم في ثغر الحبب = وقلت هذي راحة = تسوق للقلب التعب
فراحة معناها القريب ضد التعب وقد ذكر بعدها ترشيحًا لها والبعيد وهو المورى به الخمر. وأما المبنية فهي ما ذكر فيها لازم المورى عنه قبل أو بعد سميت بذلك لتبين المورى عنه بذكر لازمه إذا كان قبل ذلك خفيًا أنه المعنى فلما ذكر لازمه تبين فالأول كقول شيخ الشيوخ الحموي:
قالوا أما في جلق نزهة = تنسك من أنت به مغرى
يا عادلي دونك من لحظة = سهما ومن عارضه سطرا
فالسهم والسطر موضعان من منتزهات دمشق وذلك البعيد المورى عنه وذكر النزهة بجلق قبلهما مبين لهما والقريب سهم اللحظ وسطر العارض وقلت في ذلك أرني غصونا أم أولادي رحمها الله تعالى:
يا من رآني بالهموم مطوقا = وظلت من فقدي غصونا في شجون
أتلومني في عظم نوحي والبكا = شأن المطوق أن ينوح على غصون
والثاني كقول ابن سناء الملك:
أما والله لولا خوف سخطك = لهان علي ما ألقى برهطك
ملكت الخافقين فتهت عجبا = وليس هما سوى قلبي وقرطك
فالخافقين يحتمل القرط والقلب وهو البعيد وقد بينه بعد والمشرق والمغرب وهو المورى به. وأما المهيأة فما لا تقع التورية فيه ولا تتهيأ إلا بلفظ قبلها أو بعدها أو تكون التورية في لفظين لولا كل منهما لما تهيأت التورية وهو معنى قولي فقد كل فقدها: أي يوجب فقدها، فالأول وهو ما يتهيأ لفظ قبل كقول ابن سناء الملك:
وسيرك فينا سيرة عمرية = فروحت عن قلبي وفرجت عن كربي
وأظهرت فينا من سماك سنة = فأظهرت ذاك الفرض من ذلك الندب
فالفرض والندب معناهما القريب الحكمان الشرعيان والبعيد الفرض بمعنى العطاء والندب الرجل السريع في قضاء الحوائج ولولا ذكر السنة لما تهيأت التورية ولا فهم الحكمان. والثاني وهو ما تتهيأ بلفظ بعد كقول علي رضي الله عنه في الأشعث بن قيس: إنه كان يحوك الشمال باليمين فالشمال معناها القريب ضد اليمين والمورى عنه جمع شملة ولولا ذكر اليمين بعده ما فهم السامع معنى اليد
[شرح عقود الجمان: 114]
الذي به التورية وقول الشاعر:
لولا التطير بالخلاف وأنهم = قالوا مريض لا يعود مريضا
لقضيت نحبا في جنابك خدمة = لأكون مندوبا قضى مفروضا
فالمندوب معناه المورى عنه الميت الذي يبكي عليه والمورى به الحكم الشرعي ولولا ذكر المفروض بعده لما تهيأت التورية والثالث وهو ما لا يقع إلا بلفظين لولا كل منهما لم تتهيأ كقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي لما تزوج سهيل رجل في غاية القبح ثريا بنت عبد الله بن الحرث بن أمية وهي في غاية الجمال:
أيها المنكح الثريا سهيلا = عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا إذا ما استقلت = وسهيل إذا استقل يماني
فالمعنى المورى به الكوكبان والمورى عنه الزوجان ولولا ذكر الثريا الذي هو النجم لم يتنبه السامع لسهيل وكل منهما صالح للتورية.
تنبيهات: الأول قال أهل الفن ليس كل لفظ مشترك بين معنيين تتصور فيه التورية كاللغات التي تدور على الألسنة وإنما تتصور حيث يكون المعنيان ظاهرين إلا أن أحدهما أسبق إلى الفهم من الآخر وهذا يختلف باختلاف الأماكن والعرف وبحسب اللوازم المبينة والمرشحة.
الثاني: قال الشيخ بهاء الدين التورية المجردة يدخل فيها الاستعارة المجردة والمطلقة، والتورية المرشحة نوع من الاستعارة المرشحة في الأصل، والفرق بينهما أن مع الاستعارة قرينة تصرف اللفظ لها وتجعل المعنى البعيد قريبًا والتورية ليست كذلك والغالب عليها الترشيح بما يبعد إرادة المجاز.
الثالث: الفرق بين اللفظ الذي تتهيأ به التورية والذي تترشح به والذي تتبين به أن الأول لو لم يذكر لم تتهيأ التورية أصلاً والآخران مقربان للتورية ولو لم يذكرا كانت موجودة.
الرابع: قال الأندلسي المجردة أعم من المهيأة لأنه كلما وجدت المهيأة وجدت المجردة ولا عكس لأن المجردة تكون في لفظ واحد فإن تعلق بغيره فمهيأة أيضًا وإلا فلا.
الخامس: المراد باللازم شيء يختص بأحد المعنيين وشرطه أن لا يكون لفظه مشتركا.
السادس: الفرق بين التورية واللغز أن لفظ التورية يكون المعنى المراد منه مدلولاً عليه باللفظ حقيقة كان أو مجازًا والمعنى المراد من اللغز لا يدل عليه اللفظ بحقيقة ولا مجاز ولا يكون من عوارض ذلك اللفظ إنما هو أمر مدرك بالحدث والتخمين ولذلك تتفاوت الأذهان في استخراجه.
السابع: حكى بعضهم في التورية قولا نادرًا فقال: هي أن يعلق المتكلم لفظة من الكلام بمعنى ثم يرددها بعينها ويعلقها بمعنى آخر نحو: مثل ما أوتي رسل الله ألله أعلم حيث يجعل رسالته فجاء بلفظ الجلالة مضافًا إليه ثم جاء به مبتدأ مثل قوله أحق أن تقوم فيه فيه رجال الأول متعلق بتقوم والثاني خبر رجال كذا أورده الأندلسي نقلاً عن ابن النقيب في تفسيره ونظيره من الحديث من تمام الصلاة الصلاة في النعلين رواه الطبراني. قلت: الظاهر أن هذا القول تصحف على ناقله فإن هذا هو النوع المسمى بالترديد السابق في الإطناب فتحرف على الناقل الترديد بالتورية ثم رأيت في المصباح لابن مالك التمثيل بالآية الأولى للترديد فصح ما قلته.
[واعدد هنا الترشيح والتوهيما = وافرق بذهن قد حوى تقويما]
هذا البيت أيضًا من زيادتي وفيه نوعان الترشيح والتوهيم ولهما مناسبة بالتورية، والترشيح أن
[شرح عقود الجمان: 115]
يأتي المتكلم بكلمة لا تصلح لضرب من المحاسن حتى يؤتي بلفظة ترشحها وتؤهلها لذلك، وذلك شامل لترشيح التورية والاستعارة والتشبيه والطباق وغير ذلك ولذلك أفردوه بنوع كقوله:
وإذا رجوت المستحيل فإنما = تبني الرجاء على شفير هار
فلولا الشفير لم يكن في الرجاء تورية برجا البئر وقوله:
وخقوق قلب لو رأيت لهيبه = يا جنتي لرأيت فيه جهنما
فقوله يا جنتي رشحت لفظة جهنم للمطابقة، وأما التوهم فذكر لفظ يوهم خلاف المقصود وهو أيضًا شامل لتوهيم التورية والطباق وغيرهما، فأما إيهام التورية فكقول الصفي:
حتى إذا صدروا والخيل صائمة = من بعد ما صلت الأسياف في القمم
فذكر صيام الخيل يوهم أن صلت من الصلاة والمراد الصليل وهو صوت الحديد ومنه قوله تعالى: الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان فذكر النجم توهيم لأنه يوهم أن المراد نجم السماء والمراد نجم النبات قلت ومنه حديث الديلمي مثل الناظر في النجوم كالناظر في عين الشمس كلما اشتد نظره فيها ضعف بصره في هذا الحديث ثلاث توهيمات في الناظر وفي النجوم وفي بصره فتأمل. وأما توهيم الطباق فكقوله * تردى ثياب الموت حمرا * فإنه أوهم الطباق بين الأحمر والأخضر ولا مطابقة إذ لا تضاد بينهما قلت ومثاله من الحديث حديث مسلم من لطم حر وجه عبده فإن كفارته عتقه فذكر حر توهيم للطباق مع عبده وليس ضده، ومنها أن يأتي المتكلم بكلمة توهم بما بعدها أنه أراد تصحيفها ومراده خلاف ما يتوهمه السامع كقوله:
وإن الفئام الذي حوله = لتحسد أرجلها الأرؤس
فلفظة الأرجل توهم السامع أن لفظة الفئام بالقاف ومراده بالفاء وهي الجماعات الكثيرة:
[ومنه الاستخدام أن يرادا = بكلمة بعض الذي أفادا
ثم بمضمر لها البواقي = أو أول بمضمر والباقي
بآخر كجل عينا أحمد = أخجلها وهابها المعتمد]
الاستخدام استفعال وهو كما قال السكاكي وأتباعه إطلاق لفظ مشترك بين معنيين مراد به أحدهما ثم يعاد عليه ضمير مراد به المعنى الآخر أو يعاد عليه ضميران مراد بكل واحد منهما مثال الأول قول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم = رعيناه ولو كانوا غضابا
فالسماء يراد به المطر وهو المراد أولاً والنبات وهو المراد بضميره، ومنه المثال المذكور في البيت فالعين فيه بمعنى الذات والضمير في أخجلها لها بمعنى الشمس وفي وهابها بمعنى الذهب. وأحلى ما قيل في هذا النوع قول بعضهم:
وللغزالة شيء من تلفته = ونورها من ضيا خديه مكتسب
ومثال الثاني قول البحتري:
فسقى الغضى والساكنيه وإن هم = شبوه بين جانحي وضلوعي
فالضمير راجع من ساكنيه إلى الغضى باعتبار المكان ومن شبوه باعتبار الشجر. وقال صاحبنا الشهاب المنصور:
[شرح عقود الجمان: 116]
ما أ؛سن النجم على = سمائه ونهره = بنوره وزهره = ونوره وزهره
فأتى مع الاستخدام اللطيف بالجناس واللف والنشر
تنبيهان: أحدهما الفرق بين الاستخدام والتورية أن التورية يراد بها أحد المعنيين والاستخدام يراد به كلاهما. الثاني قد عرف بدر الدين بن مالك وأتباعه الاستخدام بإطلاق لفظ مشترك ثم يؤتي بلفظين يفهم من أحدهما أحد المعنيين ومن الآخر قال الأندلسي والتعريفان راجعان إلى مقصود واحد وهو استعمال المعنيين بيانه في البيت الأول أن نزل ورعيناه يخدمان معنى السماء نزل للمطر ورعيناه للنبات. وفي البيت الثاني الساكنيه يخدم المكان وشبوه يخدم الشجر. ومما يجيء على طريق ابن مالك دون الأخرى قول أبي العلاء:
قصد الدهر من أبي حمزة الأو = واب مولى حجي وخدن اعتقاد
وفقيها أفكاره شدن للنعمان = ما لم يشده شعر زياد
فالنعمان يحتمل أبا حنيفة رضي الله عنه وابن المنذر ملك الحيرة، وفقيها يخدم الأول وشعر زياد وهو النابغة شاعره يخدم الثاني وليس ضمير يشده للنعمان حتى يجيء على طريق التلخيص بل اللفظ المشترك فصار طيب الذكر الذي شاده زياد لا يعلم لمن هو، نعم إن قدر ما لم يشد له عاد إليه بهذا التقدير. لطيفة: قد تتبعت الأحاديث لأجد فيها مثالا للاستخدام فلم أجد إلا حديث صلوا ركعتي الضحى بسورتيهما الشمس وضحاها والضحى رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث عقبة فأعاد الضمير على الركعتين باعتبار الضحاءين.
[ومنه الأرداف بأن يذكر ما = يرادف المقصود لا ما لزما
هذا النوع من زيادتي وفيه شبه بالتورية والاستخدام وهو الإرداف وهو أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظ الموضوع له بل بما يرادفه كقوله تعالى: واستوت على الجودي حقيقة ذلك جلست على المكان فعدل عن اللفظ الخاص بالمعنى إلى مرادفه لما في الاستواء من الإشعار بجلوس متمكن لا زيغ فيه ولا ميل وهذا لا يحصل من لفظ الجلوس وقال صلى الله عليه وسلم «كل شيء من المرأة للصائم حلال إلا ما بين الرجلين» رواه الطبراني عبر به عن الفرج، وقال صلى الله عليه وسلم «من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة» رواه الشيخان قالوا ومنه باب مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود وفرق بينه وبين الكناية بأنها انتقال من لازم إلى ملزوم وهو من مذكور إلى متروك.
[فإن أتى بما يكون أبعدا = فذلك التمثيل إذ ما قصدا]
هذا النوع أيضًا من زيادتي وهو التمثيل وفسره قدامة بأن يريد معنى فلا يدل عليه بلفظه الموضوع له ولا بلفظ قريب منه بل يأتي بلفظ أبعد من لفظ الإرداف يصلح أن يكون مثالا للفظ المعنى المراد كقولك فلان نقى الثوب أي منزه عن العيوب ومنه قوله تعالى: وقضى الأمر أي هلك من قضى الله تعالى هلاكه ونجا من قدر نجاته عدل عن اللفظ الخاص إلى التمثيل لبلاغة الإيجاز ولكون الهلاك والنجاة كانا بأمر آمر مطلع ولا يحصل ذلك من اللفظ الخاص ومنه حديث أم زرع «زوجي ليل تهامة لا حرّ ولا برد ولا وخامة ولا سآمة» أرادت وصفه يحسن العشرة مع نسائه فعدلت إلى لفظ التمثيل لما فيه من الزيادة حيث شبهته بليل تهامة المجمع على اعتداله فتضمن حسن الوصف باعتدال المزاج المستلزم حسن العشرة وخصت الليل لما فيه من راحة الحيوان ولأنه سكن ومحل الاجتماع
[شرح عقود الجمان: 117]
بالحبيب لا سيما وقد جعلته معتدلاً بين الحر والبرد والطول والقصر وهذه صفة ليل تهامة.
[واللف والنشر بأن يعددا = لفظا وبعد ما لكل عددا
ولم يعين ماله توكيلا = لسامع مجملا أو تفصيلا
مرتبا أو غيره معكوسا أو = مشوشا وفيه رابعا حكوا
والخلف في الأفضل من هذين قر = وقيل لا خلف بتحرير النظر]
اللف مصدر لف الشيء إذا جمعه والنشر مصدر نشره إذا بسطه، وفي الاصطلاح أن تذكر شيئين أو أشياء إما تفصيلا بالنص على كل واحد أو إجمالاً بأن تأتي بلفظ يشتمل على متعدد ثم تذكر أشياء على عدد ما ذكرته كل واحد يرجع إلى واحد من المتقدم وتفوض إلى عقل السامع رد كل واحد إلى ما يليق به لا أنك تنص عليه. فالإجمالي كقوله تعالى: وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى أي وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى وإنما سوغ الإجمال في اللف ثبوت العناد بين اليهود والنصارى فلا يمكن أن يقول أحد الفريقين بدخول الفريق الآخر الجنة فوثق بالعقل في أنه يرد كل قول إلى فريقه لأمن اللبس وقائل ذلك يهود المدينة ونصارى نجران، والتفصيل ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون على ترتيب اللف كقوله تعالى: جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فالسكون راجع إلى الليل والابتغاء راجع إلى النهار وقول الشاعر:
ومقرطق يغني النديم بوجهه = عن كأسه الملأى وعن إبريقه
فعل المدام ولونها ومذاقها = في مقلتيه ووجنتيه وريقه
وقول حمدة الأندلسية:
ولما أبى الواشون إلا فراقنا = وما لهم عندي وعندك من ثار
غزوتهم من مقلتيك وأدمعي = ومن نفسي بالسيف والسيل والنار
الثاني: أن يكون على ترتيبه معكوسًا كقوله تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين أسودت وجوههم إلخ وقول الشاعر:
كيف أسلو وأنت حقف وغصن = وغزال لحظا وقدا وردفا
فاللحظ للغزال والقد وللغصن، والردف للحقف. الثالث: أن يكون لأعلى ترتيبه لا طردًا ولا عكسا ويسمى المشوش وذكره والبيت الذي يليه من زيادتي وذكر الزمخشري قسما رابعًا كقوله تعالى: منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله. قال هذا من باب اللف وترتيبه وتقديره ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين منامكم وابتغاؤكم بالليل والنهار لأنهما زمانان والزمان والواقع فيه كشيء واحد مع إعانة اللف على الاتحاد، واختلف هل الأفضل المرتب أو غيره الشامل للمعكوس والمشوش فالشلوبين على الأول وابن رشيق على الثاني؛ قال الشيخ عز الدين بن جماعة والحق عندي أن الأول أراد لغة والآخر أراد بلاغة وهذا معنى قولي وقيل لا خلف إلخ.
[والجمع أن يجمع في حكم عدد = كقول بعض الشعراء إذ زهد
إن الشباب والفراغ والجده = مفسدة للمرء أي مفسده]
الجمع أن يجمع بين شيئين أو أشياء متعددة في حكم كقوله تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا جمع
[شرح عقود الجمان: 118]
المال والبنين في الزينة وكذا قوله والشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان وكالبيت المذكور في النظم وهو لأبي العتاهية اسمعيل بن القاسم وكان الشعراء ثم تزهد ونظم في الزهد كثيرًا فروى الخطيب البغدادي قال حدثنا أحمد بن عمر بن روح قال حدثنا المعافي بن زكريا قال حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال حدثنا أبي قال حدثنا الحسن بن عبد الرحمن قال حدثنا محمد بن اسحق بن أحمد الكوفي قال قال أبو العتاهية عملت عشرين ألف بيت في الزهد:
[وكسه التفريق أن يباينا = بينهما في مدح أو أمر عني
فإن يعدد وأضاف ما لكل = إليه تعيينًا فتقسيم يحل
وإن هما أدخل في معنى وقد = فرق وجهي ذاك أو يجمع عدد
حكم فتقسيم تلا أو عكس ذا = كلاهما جمع وأول خذا
إليه تفريقا وذا تقسيما = وقد تجي ثلاثة تضميما
كيوم يأتي بعد لا تكلم = لآخر القصة فهي تنظم
ويطلق التقسيم إذ ما استوفى = أقسامه أو حاله مضيفا
كلا إلى ملائم نحو يهب = آية شورى ويقال البيت هب]
في هذه الأبيات أنواع: الأول التفريق وهو إيقاع تباين بين أمرين أو أكثر من نوع واحد ليفيد زيادة في المدح أو نحوه مما أنت بصدده كقوله:
ما نوال الغمام يوم ربيع = كنوال الأمير يوم سخاء
فنوال الأمير بدرة عين = ونوال الغمام قطرة ماء
وقوله:
من قاس جدواك بالغمام فما = أنصف في الحكم بين شكلين
أنت إذا جدت ضاحك أبدا = وهو إذا جاد دامع العين
الثاني: التقسيم وهو أن تذكر متعددًا وتضيف ما لكل إليه على التعيين وبهذا القيد يخرج اللف والنشر كقوله:
ولا يقيم على ضيم يراد به = إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته = وذا يشج فلا يرثى له أحد
وقول أبي تمام:
وما هو بين إلا الوحي أوحد مرهف = تميل ظباه اخدعي كل مائل
فهذا دواء الداء من كل عالم = وهذا دواء الداء من كل جاهل
الثالث: الجمع والتفريق وهو أن تدخل شيئين في معنى وتفرق جهتي الإدخال كقوله:
فوجهك كالنار في ضوئها = وقلبي كالنار في حرها
وقول البحتري:
ولما التقينا والتقى موعد لنا = تعجب رائي الدرّ منا ولاقطه
فمن لؤلؤ تجاوه عند ابتسامها = ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه
قال الطيبي: ومنه قوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية جمع النفسين في حكم التوفى ثم فرق بين جهتي التوفى بالحكم بالإمساك والإرسال أي الله يتوفى الأنفس التي تقبض والتي لم تقبض
[شرح عقود الجمان: 119]
فيمسك الأولى ويرسل الأخرى.
الرابع: الجمع مع التقسيم، وهو جمع متعدّد تحت حكم ثم تقسيمه أو العكس وهذا معنى قولي: يجمع عدد حكم * فتقسيم تلا أو عكس ذا * فحكم فاعل يجمع وعدد مفعوله وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة وتقسيم مبتدأ خبره تلا: أي يجمع المتعدد الحكم ثم يقسم أو يقسم أولاً ثم يجمع الأقسام تحت حكم وقولي كلاهما جمع: أي هذا القسم والذي قبله وهو إدخال العدد في معنى وقد فرق وجهي الإدخال كل منهما يسمى جمعًا، فالأول يقال له جمع مع التفريق، والثاني جمع مع التقسيم وهو معنى قولي: وأول خذا إليه تفريقا: أي ضمه إليه في التسمية وذا: أي الثاني تقسيما: أي ضمه إليه مثال القسم الأول من هذا النوع وهو ما تأخر فيه التقسيم قول أبي الطيب:
حتى أقام على أرباض خرشنة = تشقى به الروم والصلبان والبيع
للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا = والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا
جمع أولا شقاء الروم بالممدوح ثم قسمه ثانيًا وفصله ومثاله من القرآن قوله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عباده فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ومن الحديث قوله صلى الله عليه وسلم «لكل إنسان ثلاثة أخلاء فأما خليل فيقول ما أنفقت فلك وما أمسك فليس لك فذلك ماله وأما خليل فيقول أنا معك فإذا أتيت باب الملك تركتك ورجعت فذلك أهله وحشمه، وأما خليل فيقول أنا معك حيث دخلت وحيث خرجت فذلك عمله» رواه الحاكم.
ومثال عكسه قول حسان:
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم = أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك فيهم غير محدثة = إن الخلائق فاعلم شرها البدع
قسم أولاً صفة الممدوحين إلى الأعداء ونفع الأشياع ثم جمعهما في قوله سجية.
الخامس: الجمع مع التفريق والتقسيم وهو معنى قولي * وقد تجيء ثلاثة تضميما * كقوله تعالى يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه الآيات، فالجمع في قوله تعالى لا تكلم نفس إلا بإذنه لأنها متعددة معنى إذ النكرة في سياق النفي تعم، والتفريق في قوله فمنهم شقي وسعيد والتقسيم في قوله تعالى فأما الذين شقوا، وأما الذين سعدوا ومنه قوله:
لمختافي الحاجات جمع ببابه = فهذا له فن وهذا له فن
فللخامل العليا وللمعدم الغني = وللمذنب العتبي وللخائف الأمن
وقد يطلق التقسيم على أمرين، وأحدهما أن تستوفى أقسام الشيء بالذكر كقوله تعالى يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور الآية إذ لا يخلو حال المتزوج من أحد هذه الأقسام الأربعة إما أن يكون له إناث أو ذكور أو هما أو لا واحد منهما وقوله تعالى له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك استوفى أقسام الزمان وقوله تعالى يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم استوفى جميع الهيآت الممكنات وقوله صلى الله عليه وسلم «ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت» قال الأندلسي ومنه ما يحكى أن بعض وقود العرب قدم على عمر بن عبد العزيز فتكلم منهم شاب فقال يا أمير المؤمنين، أصابتنا سنون سنة أذابت الشحم وسنة أكلت اللحم وسنة أكلت العظم وفي أيديكم فضول مال، فإن كانت لنا فعلام تمنعونها عنا وإن كانت لله ففرقوها على عباده وإن كانت لكم
[شرح عقود الجمان: 120]
فتصدقوا بها علينا فإن الله يجزي المتصدقين. فقال عمر ما ترك لنا الأعرابي في واحدة عذرا.
قلت: هذه الحكاية أخرجها البيهقي بإسناده في شعب الإيمان وفي ألفاظها مخالفة يسيرة لما هنا وفيها أن الخليفة مروان لا عمر وأنه قال لو أن السؤال يسألون هكذا ما رددنا أحدًا قال ابن الأثير ولا يريد أهل البيان بالتقسيم القسمة العقلية كما يذهب إليه المتكلمون لأنها تقتضي أشياء مستحيلة بل أرادوا ما يقتضيه المعنى مما يمكن وجوده.
الثاني: أن تذكر أحوال الشيء مضافًا إليه كل ما يليق به كقوله:
ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا = كثير إذ شدوا قليل إذا عدوا
وقوله:
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها = فلا افترقت ما ذب عن ناظر شفر
ضميرك والتقوى وكفك والندى = ولفظك والمعنى وسيفك والنصر
[ومنه تجريد بأن ينزع من = ذي صفة آخر مثله ركن
مبالغًا في أنه فيها كمل = كمن فلان لي صديق وأجل
وإن سألت أحمدا لتسألن = بحرا به مندفقا ومنه أن
يخاطب الإنسان نفسه وقد = نصحا وتوبيخا وتعريضا قصد]
التجريد قسمان: أحدهما أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة في كمالها نحو لي من فلان صديق حميم جرد من الرجل الصديق آخر مثله متصفًا بصفة الصداقة ونحو مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة جردوا من الرجل الكريم آخر مثله متصفًا بصفة البركة وعطفوه عليه كأنه غيره وهو هو. قلت: ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا» رواه النسائي وابن ماجه من حديث عائشة، وهذا القسم تارة يجيء على وجه الكناية كالمثال الأول ويكون التجريد فيه بمن قال الشيخ بهاء الدين والباء وفي، وتارة على وجه التشبيه ويكون بالباء وبمن وبفي كقولك إن سألت أحمد لتسألن به البحر جرد منه البحر تشبيهًا له به وقوله:
وبي ظبية أدماء ناعمة الصبا = تغار الظباء الغيد من لفتاتها
أعانق غصن البان من لين قدها = وأجني جني الورد من وجناتها
جرد من قدها غصنا ومن وجنتها وردا بعد التشبيه وتقول رأيت من فلان البحر، وتارة يخلو منهما فيكون بدون حرف كمثال الرجل الكريم والنسمة المباركة وبفي نحو: لهم فيها دار الخلد فإنها هي دار الخلد لكن انتزع منها مثلها وجعل دار الخلد تهويلا.
الثاني: أن تجرد نفسك فتخاطبها كأنها غيرك وذلك لنكث، منها قصد النفع لها كقوله:
أقول لها وقد جشأت وجاشت = مكانك تحمدي أو تستريحي
لما أراد أن يوطن نفسه على احتمال المكروه جردها مخاطبًا لها نصحا، ومنها قصد التوبيخ كقول امريء القيس:
تطاول ليلك بالأثمد = ونام الحلى ولم ترقدي
خاطب نفسه على جهة التجريد موبخا لها فإن نفسه نفس ملك فكان من حقها الصبر وعدم الجزع، ومنها التعريض بآخر كقوله:
أتبكي على ليلى وأنت تركتها = وكنت عليها بالملا أنت أقدر
وذكر هذه النكت من زيادتي، ومنها قصد التحريض كقول أبي الطيب:
[شرح عقود الجمان: 121]
لا خيل عندك تهديها ولا مال = فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
جرد نفسه وخاطبها على جهة التحريض على مدح الممدوح:
[وأبلغ الأقسام ما قد ثنيا = ثم المبالغة أن يدعيا
بلوغه في الضعف أو في شدة = حدا محالا أو بعيد الرتبة
فإن يكن عقلا وعادة ورد = يمكن فالتبليغ أوفى العقل قد
فذاك إغراق كلاهما قبل = أولا ولا فهو غاو ما احتمل
ما لم يقربه لذاك شيء = نحو يكاد زيتها يضيء
أو فيه نوع من تخيل حسن = أو مخرج الهزل من الشاعر عن
قالت وبعض وهن المبالغة = أصلاً وبعض في السمو
وضدها التفريط عد اليمنى = وما رأيت غيره
وجعله للنوع جنسا عظما = إلحاق جزئي بكلي نما]
الشطر الأول من زيادتي، ومضمونه أن أبلغ أقسام التجريد مائتي به وهو المشي على التشبيه الذي أشرت إليه في النظم بقولي * وإن سألت أحمدا لتسألن * بحرابه، ثم المبالغة أن يدعى لوصف بلوغه في الشدة والضعف حدا مستحيلا أو مستبعدا، وفائدة ذلك أن لا يتوهم السامع أن الموصوف قاصر في ذلك الوصف، وهي منحصرة في ثلاثة أقسام، لأن الصفة التي وقعت فيها المبالغة، إما أن تمكن عقلا وعادة، أو عقلاً لا عادة، أو لا عقلاً ولا عادة، والأول يسمى التبليغ، والثاني الإغراق، والثالث الغاو ومثال التبليغ قوله صلى الله عليه وسلم «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» قال الأندلسي فصير ورة زيح فمه أطيب من المسك مبالغة وهو ممكن عادة وعقلاً وقول امرئ القيس يصف فرسا:
فعادى عداء بين ثور ونعجة = دراكا ولم ينضح بماء فيغسل
ادعى أن فرسه أدرك ثورا ونعجة وحشيين في مضمار واحد ولم يعرق وهذا ممكن عقلا وعادة ومثال الإغراق قوله:
ونكرم جارنا ما دام فينا = ونتبعه الكرامة حيث مالا
ادعى أن جاره لا يميل إلى جانب إلا وهو يرسل الكرامة والعطاء على أثره وهذا ممكن عقلا ممتنع عادة وهو معنى قولي أوفى العقل قد، وقد اسم فعل بمعنى حسب كقط وهذان القسمان مقبولان. وأما إلغاؤه فالمقبول منه أصناف، منها ما أدخل عليه ما يقر به إلى الصحة كلفظ يكاد في قوله تعالى: يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار واو ولولا ونحوهما كقوله:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم = قوم بأولهم لو مجدهم قعدوا
وقوله:
ولو أن ما بي من جوى وصبابة = على جمل لم يدخل النار كافر
أي لنحل حتى يدخل في سم الخياط ولفظة إن كما في قوله صلى الله عليه وسلم «كل مسكر حرام وإن كان الماء القراح» رواه ابن منيع في مسنده عن أبي سعيد قال إسكار الماء الخالص الذي لا يشوبه شيء محال صححه اقترانه بإن التي هي لفرض المحال وقوعه، ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخييل كقول أبي الطيب:
عقدت سنابكها عليه عثيرا = لو تبتغي عنقا عليه لأمكنا
العثير الغبار والعنق نوع من السير، ادعى أن الغبار من سنابك الخيل اجتمع فوق رءوسها متراكما متكاثفًا بحيث صار أرضا يمكن أن تسير عليه وهذا ممتنع عادة وعقلاً لكنه تخييل حسن وقول القاضي الأرجاني:
[شرح عقود الجمان: 122]
يخيل لي أن سمر الشهب في الدجى = وشدت بأهدابي إليهن أجفاني
أي يوقع في خيالي أن الشهب محكمة بالمسامير لا تزول عن مكانها وأن أجفان عيني قد شدت بأهدابها إلى الشهب لطول سهري وعدم انطباقها وهذا ممتنع عقلاً وعادة لكنه تخييل حسن ولفظ يخيل مما يقربه إلى الصحة، ومنها أن يخرج مخرج الهزل والخلاعة كقوله:
أسكر بالأمس إن عزمت على الشر = ب غدا إن ذا من العجب
ومما لا يقبل قول أبي نواس:
وأخفت أهل أهل الشرك حتى إنه = لتخافك النطف التي لم تخلق
وقوله:
كفى بجسمي نحولا أنني رجل = لولا مخاطبتي إياك لم ترني
وقول الآخر:
أنحني الحب فلو زج بي = في مقلة الوسنان لم ينتبه
ويحكى: أن العتابي لقى أبا نواس فقال له أما تستحي من الله حيث قالت وأخفت أهل الشرك البيت؟ فقال وأنت أما تستحي من الله حيث قلت:
ما زلت في غمرات الموت مطرحا = يضيق عني وسيع الرأي من حيلي
فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي = حتى اختاست حياتي من يدي أجلي
وقد نبهت من زيادتي على أن في أصل قبول المبالغة خلافًا وأن بعضهم لا يرى لها فضلاً لأنها في الصناعة كالاستراحة من الشاعر إذا أعياه إيراد المعاني فأخرجها عن حد الكلام الممكن إلى حد الامتناع والمبالغة، وبعضهم قصر الفضل عليها ونسب المحاسن كلها إليها محتجًا بأن أحسن الشعر كذبه: أي ما كان لفظه لفظ الكذب في الظاهر وإن كان له تأويل حكاهما في المصباح، ونبهت من زيادتي أيضًا على نوع يسمى التفريط ذكره عبد الباقي اليمني في كتابه ولم أره لغيره. قال وهو ضد المبالغة أن يؤتي بالوصف ناقصًا عما يقتضيه حال المعبر عنه كقول الأعشى:
وما مزيد من خليج الفرا = ت خور خواريه تلتطم
بأجود منه بما عونه = إذا ما سماؤهم لم تغم
مدح ملكا بجوده بالماعون وفرط إذ ليس ذلك يعد كرما للسوقة فضلاً عن الملوك قلت وما في هذا ما يعد من البديع إلا أن يكون قصد بذلك تهكما واستهزاء، ونبهت أيضًا من زيادتي على نوع من البديع يسمى حصر الجزئي وإلحاقه بالكلى وهو نوع غريب صعب المسلك اخترعه ابن أبي الأصبع وهو شبيه بالمبالغة ذكرته عقبها، وذلك أن يأتي المتكلم إلى نوع فيجعله جنسا تعظيما له ويجعل الجزئيات كلها منحصرة فيه كقول الصفي:
فرد هو العالم الكلي في شرف = ونفسه الجوهر القدسي في العظم
وقول الآخر:
فبشرت آمالي بملك هو الورى = ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر
وقد وجدت من ذلك في الحديث «الدعاء هو العبادة».
[ثمة منه المذهب الكلامي = إيراده الحجة للمرام
على طريقهم كقوله علا = لو كان فيهما وما له تلا]
المذهب الكلامي إيراد الحجة للمطلوب على طريقة أهل علم الكلام في القطع والإفحام، وأول من اخترعه وسماه بذلك الجاحظ وسماه ابن النقيب الاحتجاج النظري كقوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا أي خرجتا عن نظامهما المشاهد وتمامه لكنهما لم يفسدا فليس فيهما آلهة إلا الله وقوله تعالى حكاية عن السيد إبراهيم صلى الله عليه وسلم - إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها
[شرح عقود الجمان: 123]
من المغرب. وقصد شاعر أبادلف فقال ممن أنت؟ قال من تميم. فقال:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا = ولو سلكت طرق الهداية ضلت
فقال نعم بتلك الهداية جئتك فخجل واستكتمه وأجازه وأفحمه بدليل ألزمه فيه أن المجيء إليه ضلال ومنه قول الآخر:
دع النجوم لطرقي يعيش بها = وبالعزائم فانهض أيها الملك
إن النبي وأصحاب النبي نهوا = عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا
[ومنه تفريع وذا أن يثبتا = لمتعلق به ما أثبتا
لآخر له فإن بما نفى = أولا عن الذي بشيء وصفا
أفعل للوصف مناسبا وقد = عدى بمن إلى الذي ذاك قصد
فذاك بالتفضيل حقا دعيا = والحسن في التعليل أن يدعيا
للوصف علة له تناسب = بلطف معنى لا حقيقي يصحب
فتارة يكون ثابتا قصد = علته وذاك ضربين عهد
ما لم تبن علته في العادة = أو علة خلاف ذي قد بانت
وما قصد ثبوته من ممكن = أو غيره وما على الشك بنى]
في هذه الأبيات ثلاثة أنواع:
الأول التفريع: وهو بالعين المهملة ضد التأصيل كما هو مقتضى كلام الجمهور وضبطه بعضهم بالمعجمة كأن المتكلم فرغ باله من الحكم أولاً إلى الحكم ثانيًا، وحده أن يرتب حكمًا على صفة من أوصاف الممدوح أو المذموم ثم يرتب ذلك الحكم بعينه على صفة أخرى من أوصافه على وجه بشعر بالتفريع والتعقيب كقوله:
أحلامكم لسقام الجهل شائية = كما دماؤكم تشفي من الكلب
فرع على وصفهم بشفاء أحلامهم لسقام الجهل وصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب ومثاله من الحديث «الخمر تعلو الخطايا كما أن شجرها يعلو الشجر» رواه الديلمي من حديث أنس. قال عبد الباقي وغيره: وهذا النوع قريب من الاستطراد جدًا ويفارقه باشتراط كون المفرع في معنى المفرع عليه بخلاف الاستطراد.
الثاني التفضيل: هو من زيادتي، ذكره المصفى وأتباعه وجعله الأندلسي قسما من التفريع وكذا فعل صاحب التلخيص أولاً ثم ضرب عليه بخطه كما رأيته في نسخته ومشى عليه في الإيضاح وهو أن ينفي بما أولا دون غيرهما من أدوات النفي عن ذي وصف أفعل تفضيل مناسب لذلك الوصف معدى بمر إلى ما يراد مدحه أو ذمه فتحصل المساواة بين الاسم المجرور بمن وبين الاسم الداخلة عليه ما النافية لأنها نفت الأفضلية فتبقى المساواة كقوله:
ما ربع مية معمورا يطيف به = غيلان أبهى ربا من ربعها الخرب
ولا الخدود وإن أدمين من خجل = أبهى إلى نظري من خدها الترب
ومثاله من الحديث «ما ذئبان ضاريان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» رواه الترمذي وحديث الطبراني «ما المعطي من سعة بأعظم أجرًا من الآخذ إذا كان محتاجًا» وقولي أفعل بالنصب مفعول نفي ومناسبا صفته والوصف متعلق به، ومنهم من سمي هذا النوع النفي والجحد، وقد اخترع ابن أبي الأصبع قسما وهو أن يصدر الكلام باسم أو صفة ثم يكون مضافا إلى آخر فيتفرع من ذلك معا رقى مقصودك في مدح أو ذم كقوله:
وفي العهود وفي الوعود = كريم الصفات كريم الهبات
[شرح عقود الجمان: 124]
وقول المتنبي:
أنا ابن اللقاء أنا ابن السخاء = أنا ابن الضراب أنا ابن الطعان
طويل النجاد طويل العماد = طويل القناة طويل السنان
قالوا: وفيه نظر فهو بتعديد الصفات أنسب. قلت: وبالترديد أنسب وأنسب.
الثالث: حسن التعليل، وهو أن يدعى لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف غير حقيقي في الواقع بل خيالي، وهو أقسام: فتارة يكون الوصف ثابتًا قصد بيان علته، ثم هذا نوعان، لأنه إما أن لا يظهر له في العادة علة إن كان في الواقع لا يخلو عن علة، أو تظهر له علة غير المذكورة، فالأول كقوله:
لم يحك نائلك السحاب وإنما = حمت به فصبيبها الرحضاء
فنزول المطر من السماء وصف ثابت لا يظهر له في العادة علة وقد علله بأنه عرق حماها الحادثة لها بسبب عطاء الممدوح حسدا له وقوله:
زعم البنفسج أنه كعذاره = حسنا فسلوا من قفاه لسانه
والثاني كقوله:
ما به قتل أعاديه ولكن = يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب
فإن قتل الأعادي في العادة لدفع مضرتهم لا لما ذكره من أن طبيعة الكرم غلبت عليه ومحبة صدق رجاء راجية بعثته إلى قتلهم لما علم أنه إذا توجه للحرب صارت الذئاب ترجو الرزق من لحوم من يقتل من الأعادي، وتارة يكون الصوف غير ثابت وهو ضربان. ممكن كقوله:
يا واشيا حسنت فينا إساءته = نجى حذارك إنساني من الغرق
فإن استحسان إساءة الواشي ممكن لكنه لما خالف الناس فيه عقبه معللاً بأن حذاره منه نجي إنسان عينه من الغرق في الدموع حيث ترك البكاء خوفًا منه ليكون مقربًا لتصديقه. وغير ممكن كقوله:
لو لم تكن نية الجوزاء خدمته = لما رأيت عليها عقد منتطق
فإن نية الجوزاء خدمته لا ثابتة ولا ممكنة وقد علله بقوله عليها عقد منتطق وهي الكواكب التي حولها يقال لها نطاق الجوزاء، ومن حسن التعليل نوع يبني على الشك كقوله:
كأن السحاب الغر غيبن تحتها = حبيبا فما ترقا لهن مدامع
علل على سبيل الشك نزول المطر من السحاب بأنها غيبت حبيبا تحت تلك الربا فهي تبكي عليه.
[ومنه تأكيدك للمدح بما = يشبه ذما وثلاثا قسما
والأفضل اسثتناء وصف فضل = من وصف ذم قد نفى من قبل
مقدرا دخوله فيه كلا = عيب له إلا ارتقاه للعلا
ومنه الاستثناء قبل وصف = مدح يلي وصفا له لا ينفي
ومنه أن يولي به معرفا = عامله للذم معنى قد وفى
وما به استثنى يحوى الفضلا = نحو وما تنقم منا إلا
ثمة الاستدراك في ذا الباب = كمثل الاستثناء باقتراب
وعكسه ضربان أن يستثنى = من نفى وصف المدح ذم يعني
إن دخلت كمثل ما فيه هدى = إلا عمى عن الطريق المقتدى
وإن يجيء تلو وصف ذم = كجاهل لكنه ذو ظلم
وزيد بعد الذم وصف يوهم = زواله ثم لذم يفهم]
من أنواع البديع تأكيد المدح بما يشبه الذم وتأكيد الذم بما يشبه المدح وهو من مخترعات ابن المعتز. فالأول ثلاثة أقسام، أفضلها أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح له بتقدير
[شرح عقود الجمان: 125]
دخولها في صفة الذم كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم = بهن فلول من قراع الكتائب
يعني إن كانت فلول السيف عيبا على سبيل الفرض والتقدير فلا عيب فيهم غيره وليس بعيب في التحقيق لأنه من كمال الشجاعة. الثاني أن تثبت لشيء صفة مدح وتعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى له كحديث «أنا أفصح العرب بيد أني من قريش» أي غير أني من قريش أورده أصحاب الغريب ولا يعلم من خرجه ولا إسناده وإنما كان الأول أبلغ لأنه يفيد التأكيد من وجهين أحدهما أنه كدعوى الشيء بينة حيث علق الدعوى وهي إثبات شيء من العيب بالمحال والمتعلق بالمحال محال فيتحقق عدم العيب. والثاني في الأصل الاستثناء الاتصال فذكر أداته قبل المستثنى يوهم إخراج شيء مما قبلها فإذا وليها صفة مدح وتحول من الاتصال إلى الانقطاع جاء التأكيد بالمدح على المدح والإشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر إلى استثناء صفة مدح، وأما الثاني فإنما يفيد التأكيد من هذا الوجه فقط. الثالث أن يؤتي بمستثنى فيه معنى المدح وعامله فيه معنى ذم نحو وما تنقم منا إلا أن آمنا أي ما تعيب منا إلا أجل المناقب والمفاخر وهو الإيمان فهو يفيد التأكيد من الوجهين الأولين والاستدراك في هذه الأنواع كالاستثناء كقوله:
هو البدر إلا أنه البحر زاخر = سوى أنه الضرغام لكنه الوبل
وأما تأكيد الذم بما يشبه المد فضربان كالضربين الأولين من عكسه. الأول أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم بتقدير دخولها في صفة المدح نحو فلان لا خير فيه إلا أنه يسيء إلى من أحسن إليه. والثاني أن يثبت لشيء صفة ذم ويعقب بأداة استثناء تليها صفة ذم أخرى نحو فلان فاسق إلا أنه جاهل، ومن ألطف ما وقع فيه قول القائل:
هو الكلب إلا أنه فيه ملالة = وسوء مراعاة وما ذاك في الكلب
والأول أبلغ كما تقدم والاستدراك فيه كالاستثناء. وزاد ابن جابر الأعمى ضربا ثالثا، وهو أن تأتي بصفة ذم مثبتة ثم بصفة بعدها توهم رفع صفة الذم ثم تعلق بها ما يبين أنها ذم فتكون ذما بعد ذم، قال وهو أبلغ من الأولين لما فيه من التهكم والاستهزاء ومثاله أن تقول رأيت عنق زيد عاطلاً فحليته بالصفع أثبت أولا صفة ذم وهي كونه عاطلاً ثم أثبت تحليته فأوهمت رفعه فلما قلت بالصفع تبين أن هذه التحلية ذم آخر وأنشد فيه نظما:
يا زاعما أنك لي ناصح = إني بهذا غير مغرور
لما بدا قبح الذي قلته = حسنت ذاك القول بالزور
[ومنه الاستتباع مدح باللذا = يستتبع المدح بشيء غير ذا
وإن تضمن فيه معنى وهو لم = يسق له فذاك إدماج أعم
قلت الأصح الأول الوصف بنص = يفهم وصفا للذي الأول خص]
من أنواع البديع الاستتباع والإدماج. فالأول هو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر كقوله:
نهبت من الأعمار ما لو حويته = لهنئت الدنيا بأنك خالد
مدحه بالنهاية في الشجاعة على وجه استتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها وأنه نهب الأعمار دون الأموال ولم يكن ظالما في قتلهم. والثاني وأصله لف الشيء في ثوب وبعضهم سماه بالتعليق وقوم بالتضعيف أن تضمن كلاما سيق لمعنى معنى آخر فهو أعم من الاستتباع لأن ذلك خاص بالمدح كقوله:
أقلب فيه أجفاني كأني = أعدّ بها على الدهر الذنوبا
[شرح عقود الجمان: 126]
ضمن وصف الليل بالطول شكاية الدهر وقول الآخر:
أبي دهرنا إسعافنا في نفوسنا = وأسعفنا فيمن نحب ونكرم
فقلت له نعماك فيهم أتمها = ودع أمرنا إن الأهم المقدم
ضمن التهنئة شكوى الدهر وقوله:
ولا بد لي من جهلة في وصاله = فمن لي بخل أودع الحلم عنده
أدمج الفخر في الغزل بجعل حلمه لا يفارقه ألبتة ولا ترغب نفسه عنه وإنما عزم على أن يودعه إذا كان لا بد له من وصل هذا المحبوب لأن الودائع تستعاد ثم استفهم عن الخل الصالح لذلك فيكون مفهومه بقاء حلمه لعدم من يصلح للوديعة ثم أدمج في ضمن الفخر المدمج شكوى الزمان بقلة الإخوان وفقد من يصلح لهذا الشأن، وفسر قوم الاستتباع بأنه الوصف بشيء على وجه يستتبع الوصف بآخر سواء كان مدحًا أو ذمًا ومشى عليه الطيبي وغيره ومثل له بقول ابن الرومي:
نكهتها تقتل جلاسها = لقرب مجشاها من المفسى
وصفها باليخر على وجه استتبع وصفها بالقصر وقال الشيخ بهاء الدين وفيه نظر لأنه يتحد حينئذ بالإدماج. قلت: ليس كذلك فقد صرح الطيبي بأن الإدماج أخص وهذا هو الصواب لأن الوصف المستتبع في الأول للموصوف أولاً بخلاف الثاني فإن الوصف المضمن لغير الموصوف أولاً كما ترى وفرق الأندلسي أيضًا بأن الاستتباع لا يكون بذم في مدح ولا عكسه بخلاف الإدماج.
[تنبيه] قسم عبد الباقي وابن مالك الإدماج قسمين: أحدهما ما تقدم. والثاني أن تقصد نوعا من البديع فيجيء في ضمنه نوع آخر كقوله تعالى: وله الحمد في الأولى والآخرة قصدت المبالغة فجاء الطباق في ضمنها قالا ولا تمكن دعوى العكس لأن السياق دال على قصد المبالغة إذ بها يتم الغرض من المعنى دون الطباق فكانت مقصودة وكان تبعا:
[ومنه توجيه بأن يوافى = محتملا وجهين باختلاف
كقول من قال لأعور ألا = يا ليت عينيه سواء جعلا
قلت الصفىّ فسر التوجيه أن = يأتي بألفاظ شهيرة بفن
يوردها بغير ماله اشتهر = كالرفع والنصب وكالجزم وجر
نحو ارتفاع في محله وجب = من أمره جزم وللحكم انتصب
وجعل السابق من تفسيره = تفسير الإبهام كذا لغيره
قال ونحو ذلك بالموارية = لكنه يأتي لمن قد عاتبه
بمخلص ولا يجيء في الابتدا = به كذا بل غيره قد أوردا
كقوله قد ضاع شعري لما = أوخذ بل قد ضاء النظما]
من أنواع البديع التوجيه، وعرفه قوم بأن يحتمل الكلام وجهين متباينين من المعنى احتمالاً مطلقًا من غير تقييد بمدح أو ذم أو غيره، وقوم بأن يحتمل معنيين أحدهما مدح والآخر ذم، وهذا رأي لا نرضاه، والذي عليه حذاق الصنعة وأصحاب البديعيات وأولهم الصفي الحلي أن هذا التفسير للنوع المسمى بالإبهام بالباء الموحدة كما اخترعه ابن أبي الأصبع وسماه وعرفه بذلك، ومن أمثلته أن شاعرا مطبوعا فصل له قباء عند خياط أعور فقال له سآتيك به لا تدري أقباء هو أم دراعة فقال الشاعر إن فعلت ذلك قلت فيك بيتا لا يعلم من سمعه أدعوت لك أم عليك ففعل فقال:
جاء من زيد قباء = ليت عينيه سواء
[شرح عقود الجمان: 127]
يحتمل في العمى والأبصار وقال آخر في الحسن بن سهل لما زوج ابنته بوران للخليفة:
بارك الله للحسن = ولبروان في الخبن
يا إمام الهدى ظفر = ت ولكن بينت من
فلم يعلم ما أراد بقوله ببنت من أفى الرفعة أم في الحقارة؟. وقال أبو مسلم الخراساني يوما لسليمان بن كثير إنك كنت في مجلس، وقد جرى ذكري فقلت اللهم سوّد وجهه واقطع رأسه واسقني من دمه فقال نعم قلت ذلك ونحن جلوس بكرم حصرم فاستحسن إبهامه وعفا عنه، وأورد عبد الباقي وغيره من أمثلة ذلك من الحديث حديث البخاري «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» فإنه يحتمل مدحا وذما، الأول إذا لم تفعل فعلا تستحي منه فاصنع ما شئت، والثاني إذا لم يكن لك حياء يمنعك فاصنع ما شئت وحديث أحمد أنه ذكر عنده شريح الحضرمي فقال ذاك رجل لا يتوسد القرآن يحتمل مدحا وهو أنه لا ينام الليل في تلاوة القرآن فلا يكون القرآن متوسدا معه. وذما وهو أنه لا يحفظه فإذا نام لا يتوسد القرآن معه وحديث «من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين» يحتمل المدح بأنه لشدة ما يحمل من وفاء حقوق المسلمين والنظر في مصالحهم وقع في تعب عظيم كتعب من ذبح بغير سكين، والذم بأنه قد وقع في ظلم الناس ولا يقدر على إقامة الحق فهو هالك على وجه شديد الألم كمن ذبح بغير سكين. قال الأندلسي وقد يحصل ذلك من الضمير نحو: فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فالضمير من له يحتمل رجوعه لموسى ولفرعون. وقول من سئل عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما أيهما أفضل وهو في موضع لا يمكنه التصريح فيه بمذهب أهل السنة. أفضلهما من كانت ابنته تحته. وقريب من هذا النوع المواربة. قال ابن أبي الأصبع هي مشتقة من الورب بفتحتين وهو العرق إذا فسد كأن المتكلم أفسد مفهوم كلامه بما أيداه من التأويل وذلك أن يقول المتكلم قولا يتضمن ما ينكر عليه فإذا حصل الإنكار استحضر بحذقه وجها من الوجه يتخلص به، إما بتحريف كلمة أو تصحيفها أو زيادة أو نقص فمثاله بالتحريف قول عتبان الحروري:
فإن يك منكم نجل مروان وابنه = ويحيى ومنكم هاشم وحبيب
فمنا حصين والبطين وقعنب = ومنا أمير المؤمنين شبيب
فلما بلغ الشعر هشاما وظفر به قال له أنت القائل ومنا أمير المؤمنين شبيب فتخلص بفتح الراء بعد ضمها، وشاهد الحذف قول أبي نواس يهجو خالصة جارية الرشيد:
لقد ضاع شعري على بابكم = كما ضاع در على خالصه
فلما بلغ الرشيد أنكر عليه وهدّده فقال لم أقل إلا ضاء فاستحسن مواربته وقال بعض من حضر هذا بيت قلعت عيناه فأبصر. وشاهد التصحيف قول العز الموصلي لما مات فتح الدين بن الشهيد وشمس الدين المزين:
دمشق قالت لنا مقالا = معناه في ذا الزمان بين
اندمل الجرح واستراحت = ذاتي من الفتح والمزين
[لطيفة] روى الطبراني عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته عجوز من الأنصار فقالت يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: إن الجنة لا تدخلها عجوز، ثم ذهب فصلى ثم رجع فقالت عائشة رضي الله عنها لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة فقال صلى الله عليه وسلم: إن ذلك كذلك إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا» فهذه الكلمة البديعة يحتمل أن تكون من الإبهام وهو بعيد ومن المواربة وهو قريب. ومن الهزل المراد به الجدّ وهو أقرب وقد قال صلى الله عليه وسلم «إني لأمزح ولا أقول إلا حقا». وأما تعريف التوجيه فيما حرره الصفي الحلي
[شرح عقود الجمان: 128]
والمتأخرون فبأن يوجه المتكلم بعض كلامه إلى أسماء متلائمة اصطلاحًا من أسما أعلام أو قواعد علوم أو غير ذلك مما تتشعب له الفنون توجيهًا مطابقًا لمعنى اللفظ الثاني من غير اشتراك حقيقي وبفارق التورية من وجهين: أحدهما أن التورية باللفظ المشترك والتوجيه باللفظ المصطلح. والثاني أن التورية بلفظ واحد والتوجيه لا يصح إلا بعدة ألفاظ متلائمة كقول العلاء الوداعي على اصطلاح أهل الحديث:
من أم بابك لم تبرح جوارحه = تروى أحاديث ما أوليت من منن
فالعين عن قرة والكف عن صلة = والقلب عن جابر والسمع عن حسن
وجه بقرة بن خالد السدوسي وصلة بن أشيم العدوي التابعي وجابر الصحابي وحسن البصري وقول السليماني على اصطلاح النحو:
أضيف الدجى لونا إلى ليل شعره = فطال ولولا ذاك ما خص بالجر
وحاجبه نون الوقاية ما وقت = على شرطها فعل الجفون من الكسر
وقول الصفي الحلي في اصطلاح النحو:
خلت الفضائل بين الناس ترفعني = بالابتداء فكانت أحرف القسم
وقول الآخر:
عرج بنا نحو طاول الحمى = فلم تزل آهلة الأربع
حتى نظل اليوم وقفا على السا = كن أو عطفا على الموضع
وقول الشرف النابلسي على اصطلاح الفقه:
احجج إلى الزهر لتحتظي به = وارم حمار الهم مستنفرا
من لم يطف بالزهر في وقته = من قبل أن يحلق قد قصرا
وقول ابن العفيف على اصطلاح الجدل:
وما بال برهان العذار مسلما = ويلزمه دور وفيه تسلسل
وقول الآخر على اصطلاح العروض:
وبقلبي من الهموم مديد = وبسيط ووافر وطويل
لم أكن عالما بذاك إلى أن = قطع القلب بالفراق الخليل
وقول الآخر على اصطلاح الكتاب:
رأيت فقيرا في المرقعة التي = على حسنه دلت وحسن طباعه
بخديه ريحان الحواشي محقق = إلى الثلث والنضاح تحت رقاعه
وقول بعضهم وهو مختف بسبب تزوير في رقعة لابن فضل الله يقبل الأرض وينهي أنه منذ ثلث سنة مخفق مختف في حواشي البيت يخشى توقيعات الرقاع من صاحب الطومار وسؤال المملوك نسخ هذا الأمر الفضاح بحيث لا يقع عليه غبار فإن المملوك وحق المصحف ما يحمل عود ريحان. وقول صاحب زهير على الرمل:
تعلمت خط الرمل لما هجرتني = لعلي أرى شكلا يدل على الوصل
فقالوا طريق قلت يا رب للقا = وقالوا اجتماع قلت يا رب للشمل
وقول ابن الوردي على النجوم:
وجارية كرهت بيعها = من الأسود السيء المنظر
[شرح عقود الجمان: 129]
هي الشمس فالبدر كفء لها = فما ترضى زحلا مشترى
وقوله الآخر على الهندسة:
محيط بأشكال الملاحة وجهه = كأن به إقليدسا يتحدث
فعارضه خط استواء وخاله = به نقطة والشكل شكل مثلث
ومن التوجيه في الصناعات قولي في القضاء:
الكتاب العزيز قاض علينا = وبه الاقتداء في كل خله
من يرد أن يكون قاض عليه = فليقل في أمامه بسم الله
وقد علمت أن قولي قلت الصفى إلى آخر الأبيات المذكورة من زيادتي:
[والهزل ذو الجد فقل لمن أتى = مباحثا كيف تهجي باوتا
قلت ومنه يقرب التهكم = والهجو في معرض مدح نظموا
وإن خلا الهجو من الفحاشة = ونحوها فسم بالنزاهة]
ومن أنواع البديع الهزل المراد به الجد بأن يقصد مدح إنسان أو ذمه فيخرج ذلك مخرج الهزل والمجون كقوله:
إذا ما تميمي أتاك مفاخرا = فقل عد عن ذا كيف أكلك للضب
وقول أبي العتاهية:
أرقيك أرقيك بسم الله أرقيكا = من بخل نفسك على الله يشفيكا
ما سلم كفك إلا من يناولها = ولا عدوك إلا من يرجيكا
ومنه التهكم ذكرته من زيادتي هو من مخترعات ابن أبي الأصبع وفسره الصفي بالاستهزاء كقوله:
فيا له من عمل صالح = يرفعه الله إلى أسفل
وعبارة المصباح إخراج الكلام عن ضد مقتضى الحال استهزاء بالمخاطب أو غيره أو تعريضًا بقوة المحرك للغضب والفرق بينه وبين الذي قبله أن التهكم ظاهره جد وباطنه هزل والذي قبله بالعكس ومنها الهجو في معرض المدح ذكرته من زيادتي أيضًا وهو من مستخرجات ابن أبي الأصبع وهو أن يقصد هجاء إنسان فيأتي بألفاظ موجهة ظاهرها المدح وباطنها القدح فيتوهم أنه يمدحه وهو يهجوه كقول الحماسي:
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة = ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته = سواهم من جميع الخلق إنسانا
ظاهره والمدح بالحلم والخشية والتقوى وباطنه المقصود أنهم في غاية الذل والعجز، والفرق بينه وبين التهكم أن التهكم لا تخلو ألفاظه من لفظة دالة على نوع ذم أو يفهم من فحواه الهجو وألفاظ الهجو في معرض المدح لا يقع فيها شيء من ذلك ولا تزال تدل على ظاهر المدح حتى يقترن بها ما يصرفها عنه ومنها النزاهة ومحلها الهجاء وهو أن يأتي فيه بألفاظ خالية عن الفحاشة بحيث لو أنشدتها العذراء في خدرها لم يعب عليها وفي القرآن من ذلك العجب العجاب كقوله تعالى وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون الآيات قالوا وأحسن ما وقع في هذا الباب من الشعر قول جرير:
لو أن تغلب جمعت أنسابها = يوم التفاخر لم تزن مثقالا
فإنه هجو في غاية الانكاء وألفاظه منزهة عن الفحش:
[تجاهل العارف سوق ما علم = مساق غيره لنكتة تهم
[شرح عقود الجمان: 130]
مثل المبالغة في المدح البهي = والذم والتوبيخ والتدله
كمعشر الظباء ياحور النظر = أمنكم سعاد أم من البشر]
تجاهل العارف سوق المعلوم سوق غيره: أي يسأل عما يعلمه سؤال ما لا يعلمه لنكته كالمبالغة في المدح كقوله:
ألمع برق سري أم ضوء مصباح = أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي
أو الذم كقوله:
وما أدري وسوف إخال أدري = أقوم آل حصن أم نساء
والتوبيخ كقوله:
أيا شجر الخابور مالك مورقا = كأنك لم تجزع على ابن طريف
والتدله في الحب كقوله:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا = ليلاي منكن أم ليلى من البشر
[القول بالموجب أن يأتي إلي = وصف بقول غيره أطلق علي
شيء له أثبت حكم يثبت = هذا لغيره ولكن يسكت
عن نفيه عنه أو الثبوت له = ومنيه لفظ في كلام حمله
على خلاف قصده مما احتمل = بذكر ذي تعلق له حصل
كقوله سلوت يا هذا عن = فقل له عن صحتبي ووطني]
من أنواع البديع القول بالموجب وهو نوع لطيف جدًا وأفرده الصلاح الصفدي بالتأليف ويسمى أيضًا الأسلوب الحكيم وهو ضربان. أحدهما أن يقع صفة في كلام الغير كناية عن شيء أثبت له حكم فتثبتها أنت في كلامك لغير ذلك الشيء من غير تعرض لثبوت ذلك الحكم بذلك الغير أو نفيه عنه كقوله تعالى: يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله الآية. فالأعز وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم والأذل عن فريق المؤمنين وأثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة، أثبت الله في الرد عليهم صفة العزة لغير فريقهم وهو الله ورسوله والمؤمنون ولم يتعرض لثبوت ذلك الحكم الذي هو الإخراج للموصوفين بصفة العزة ولا لنفيه عنهم. والثاني حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلقه، وحذاق البديع شرطوا خلوه من لفظة لكن لأنهم خصصوا بها نوع الاستدراك كقوله:
قلت ثقلت إذا أنيت مرارا = قال ثقلت كاهلي بالأيادي
قلت طولت قال لا بل تطولت = وأبرمت قال حبل ودادي
وقول الشواء:
ولما أتاني العاذلون عدمتهم = وما فيهم إلا للحمى قارض
وقد بهتوا لما رأوني شاحبا = وقال به عين فقلت وعارض
وقول الشهاب محمود:
رأنني وقد نال مني النحول = وفاضت دموعي على الخد فيضا
فقالت بعيني هذا السقام = فقلت صدقتي وبالخصر أيضا
[قلت ومنه يقرب التسليم أن = يسسلم الفرض المحال ثم عن
لازمه ضد إذ قد وجدا = ما منع اتباعه وبوردا
[شرح عقود الجمان: 131]
وإن على الممكن مع ما ناقضه = مريده علق فالمناقضة
كذلك الاستدراك والاستثنا = حيث أفادا بهجة وحسنا]
هذه الأبيات من زيادتي فيها أنواع تقرب من القول بالموجب فجعلتها عقبه.
الأول التسليم: وهو أن يفرض المتكلم حصول أمر قد نفاه أو أفهم استحالته أو شرط فيه مستحيلا ثم يسلم وقوعه ويأتي بما يدل على عدم فائدته كقول الصفي:
سألت في الحب عذالي فما نصحوا = وهبه كان فما نفى بنصحهم
وعبارة الشيخ بهاء الدين وهو أن يفرض محالاً منفيًا أو مشروطًا بشرط بحرف الامتناع ليكون ما ذكره ممتنع الوقوع لامتناع شرطه كقوله تعالى: ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذ الذهب الآية.
الثاني المناقضة: وهي تعليق الشرط على نقيضين ممكن ومستحيل ومراده المستحيل دون الممكن ليؤثر التعليق عدم وقوع الشرط فكأن المتكلم نقض نفسه في الظاهر إذا شرط وقوع أمر بوقوع نقيضين كقول النابغة:
وإنك سوف تحلم أو نتاهى = إذا ما شبت أو شاب الغراب
علقه على شيبه وهو ممكن ومشيب الغراب وهو محال وهو المراد لأن مقصوده أنه لا يحلم أبدًا وقول الصفي:
وإنني سوف أسلوهم إذا عدمت = روحي وأحييت بعد الموت والعدم
الثالث الاستدراك: عدوه من أنواع البديع بأن يكون فيه حسن ودقة سواء تقدمه تقرير ما أخبر به المتكلم أم لا وقد أشار إليه في الإيضاح أنه قريب من القول بالموجب فالأول كقوله:
وإخوان حسبتهم دروعا = فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات = فكانوها ولكن في
وقالوا قد صفت منا قلوب = لقد صدقوا ولكن عن وددي
وقوله يخاطب قاضيًا أودع مالا فادعى ضياعه:
إن قال قد ضاعت فيصدق أنها = ضاعت ولكن منك يعني لو تمى
أو قال قد وقعت فيصدق أنها = وقعت ولكن منه أحسن موقع
وقول الأرجاني:
غالطتني إذ كست جسمي ضنا = كسوة أعرت من الجلد العظاما
ثم قالت أنت عندي في الهوى = مثل عيني صدقت لكن سقاما
والثاني قول زهير:
أخو ثقة لا يهلك الخمر ماله = ولكنه قد يهلك المال ثائله
والنكتة الزائدة على معنى الاستدراك في الأولى ظاهرة وفي هذا أنه لو اقتصر على صدر البيت لأوهم البخل فأزاله به.
الرابع الاستثناء: بأن يفيد أيضًا نكتة زائدة على الإخراج ويكسو المعنى بهجة وحسنا كقوله:
فلو كنت بالعنقاء لو بأطومها = لخنتك إلا أن تصد تراني
ومنه نوع سماه ابن أبي الأصبع استثناء الحصر وهو غير الذي يخرج القليل من الكثير ونظم فيه:
إليك وإلا ما تحث الركائب = وعنك وإلا فالمحدث كاذب
المعنى لا تحث الركائب إلا إليك ولا يصدق المحدث إلا عنك
[شرح عقود الجمان: 132]
[والإطراد ذكرك اسم من علا = وأبه وجده على الولا
بلا تكلف على وجه جلي = مثل الحسين بن الحسين بن علي]
من أنواع البديع الإطراد وهو لغة مصدر إطرد الماء وغيره إذا جرى بلا توقف ومعناه أن يذكر الشاعر اسم الممدوح وأبيه وجده على التوالي بلا تكلف ولا تعسف كقوله:
إن يقتلوك فقد ثللث عروشهم = بعتيبة بن الحرث بن شهاب
وقوله:
من يكن رام حاجة بعدت عنه = وأعيت عليه كل العياء
فلها أحمد المرجي بن يحيى بن = معاذ بن مسلم بن رجاء
وقال الصفي الاطراد ذكر اسم الممدوح ولقبه وكنيته وصفته اللائقة به واسم من أمكن من أبيه وجده وقبيلته في بيت واحد بلا تعسف ولا تكلف والانقطاع بألفاظ أجنبية ولم يتقدمه أحد إلى اشتراط هذه الأمور كلها ومثله بقول بعضهم:
مؤيد الدين أبو جعفر = محمد بن العلقمي الوزير
[قلت ومنه الاحتباك يختصر = من شقى الجملة ضد ما ذكر
وهو لطيف راق للمقتبس = بينه ابن يوسف الأندلسي
والطرد والعكس قريب منه = حرره الطيبي فابحث عنه
يقرر الأول بالمنطوق ذا = مفهوم تاليه وبالعكس خذا]
هذه الأبيات وما بعدها إلى القسم الثاني كلها من زيادتي. فمن أنواع البديع الاحتباك وهو نوع لطيف لم ينتبه له أحد من أهل هذا الفن ولا ذكره أصحاب البديعيات ولم نقف على أحد تعرض لذكره إلا رفيق الأعمى في شرح بديعيته وكنت تأملت قوله تعالى لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا وقولهم إن الزمهرير هو البرد أو القمر قولان فقلت لعل المراد به البرد وأشير بالشمس إلى أنه لا جر فيها فحذف من الأول الحر ومن الثاني القمر والتقدير لا شمس فيها ولا قمر ولا حر ولا برد وقلت في نفسي هذا نوع لطيف لكن لا أعرف في أنواع البديع ما يدخل فيه ثم اجتمعت بصاحبنا العلامة برهان الدين البقاعي فذكر أن بعض شيوخه أفاده أن من أنواع البديع ما يسمى الاحتباك وهو أن تذكر جملتان في كل متقابلان ويحذف من كل ضد ما ذكر في الأخرى كقوله تعالى فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة فحذف من الأول مؤمنة ومن الثاني تقاتل في سبيل الشيطان وقال لي لم أقف على من تعرض لهذا النوع ولم أره في كتاب وقد ألفت فيه كراسة سميتها الإدراك فلما طالعت شرح بديعية ابن جابر لرفيقه أحمد بن يوسف الأندلسي رأيته ذكره في أثناء كلامه استطرادا فقال من أنواع البديع الاحتباك وهو نوع عزيز، وهو أن يحذف من الأول ما ثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما ثبت نظيره في الأول كقوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق الآية التقدير ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به فحذف من الأول الأنبياء لدلالة الذي ينعق عليه ومن الثاني الذي ينعق به لدلالة الذين كفروا عليه وقوله وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء التقدير تدخل غير بيضاء وأخرجها تخرج بيضاء إلخ. فحذف من الأول تدخل إلخ ومن الثاني أخرجها انتهى ملخصا. قلت ومن ألطفه قوله تعالى خلطا عملا صالحا وآخر سيئا أي صالحا بسيء وآخر سيئًا بصالح ومأخذه من الحبك الذي معناه السد والأحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب فحبك الثوب سد ما بين خيوطه من الفرج وسده وإحكامه بحيث يمنع عن الخلل مع الحسن والرونق في بيان أخذه منه أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخيوط
[شرح عقود الجمان: 133]
فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كأن حائكا له مانعا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يصلح به الخلل مع ما أكسبه من الحسن والرولق. ومن أنواع البديع الطرد والعكس ذكره الطيبي في التبيان وفسره بأن يؤتي بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس كقوله تعالى ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات إلى قوله ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن فمنطوق الأمر بالاستئذان في تلك الأوقات خاصة مقرر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس وكذا قوله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
[ومنه نفي الشيء بالإيجاب = نفي الثبوت بانتفا الأسباب
وإن أتى في البيت وعظ لامع = أو حكمة فهو الكلام الجامع
حكاية التحاور المراجعة = ترتيبه أوصافه المتابعة
ثم الترقي وهو ذكر المعنى = ففوقه ثم التدلي يعني]
في هذه الأبيات أنواع:
أحدها: نفي الشيء بإيجابه وفسره ابن رشيق وابن أبي الأصبع وغيرهما بما معناه أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه بأن ينفى ما هو من سببه كوصفه وهو المنفي في الباطن نحو لا يسألون الناس إلحافا ففي الإلحاف والمراد في الباطن نفي السؤال ألبتة وقوله: ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، ففي طاعة الشفعاء والمراد نفي الشفيع مطلقًا وقال الشاعر * على لا حب لا يهتدي بمناره * أي لا منار له يهتدي به.
لطيفة: هذا النوع يورده المنطقيون في كتبهم ويعبرون عنه بعبارة على اصطلاحهم ويمثلون له بقولهم ما في الدار زيد ويقصدون عدم وجود زيد في الدنيا أصلاً فإذا وقع لأرباب الحديث والسنة مثل هذا فإنهم يتحاشون عن التعبير عنه باصطلاح المناطقة وقد وسع الله لهم في العبارة فليوردوه على اصطلاح أهل البديع.
الثاني: الكلام الجامع وفسروه بأن يأتي الشاعر ببيت مشتمل على حكمة أو وعظ أو غير ذلك من الحقائق التي تجري مجرى الأمثال كقوله:
ومن يك ويبخل بفضله = على قومه يستغن عنه ويذمم
وقول المتنبي:
وإذا كان النفوس كبارا = تعبت في مرادها الأجسام
الثالث: المراجعة ذكرها ابن مالك وعبد الباقي وغيرهما وهي حكاية التحاور بين المتكلم وغيره في البيت الواحد بألفاظ وجيزة كقول الصفي:
قالوا اصطبر قات صبري غير متبع = قالوا اسلهم قلت ودي غير منصرم
الرابع: الترتيب والمتابعة وهو من مستخرجات التيفاشي، وهو أن يرتب أوصاف الموصوف على ترتيبها في الخلقة الطبيعية، ولا يدخل فيها وصفا زائدا كقول مسلم بن الوليد:
هيفاء في فرعها ليل على قمر = على قضيب على حتف النقا الدهش
فإن الأوصاف الأربعة على ترتيب خلقة الإنسان من الأعلى إلى الأسفل وقول الصفي:
كالنار منه رياح الموت إن عصفت = يروى صري مائة أرض الوغي بدم
رتبه على العناصر الأربعة ومثل عبد الباقي بقوله تعالى والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا وقوله تعالى وهزي إليك بجذع النخلة
[شرح عقود الجمان: 134]
تساقط عليك رطبا جنيا وقوله فكذبوه فعقروها الآية وقول زهير:
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر = ليوم الحساب أو يعجل فينقم
الخامس الترقي: ذكره في التبيان وهو أن يذكر المعنى ثم يردفه بما هو أبلغ منه كقولهم عالم تحرير وشجاع باسل وجواد فياض وقوله تعالى الخلق البارئ المصور: أي قدر ما يوجد ثم مثله وقوله لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى أي ولا من هو أقرب مودة فكيف بالأبعد.
السادس: التدلي بأن يذكر الأعلى أولا ثم الأدنى لنكتة نحو الرحمن الرحيم فإن الأول أبلغ ولو اقتصر عليه لاحتشم أن يطلب منه اليسير فكمل بالألطف لذلك وخرج على ذلك لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما، لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون أو نكتة البداءة بالمسيح أن الخطاب مسوق للرد على النصارى ثم استطرد للرد على العرب المدعين في الملائكة ثم تخلص إلى حال المعاد.
[ومنه الاستطراد أن ينتقلا = من غرض لآخر قد شاكلا
والافتنان الجمع للفنين = كالمدح والهجو ونحو ذين
والاشتقاق أخذ معنى من علم = فإن يطابق فبالاتفاق سم
ومنه الالغاز ونوع القسم = والاكتفاء حذف بعض الكلم
وخيره عندي ما فيه وفت = تورية عن اكتفاء صرفت
وجمعه مؤتلفا أو مختلف = والاتساع شامل لما عرف
وإن يكن في اللفظ لبس فبقى = تفسيره فذاك تفسير الخفي
وإن يزل لبسا عن الإبهام = فذاك إيضاح بلا إبهام
وإن أتى مشترك يبادر = غير المراد فاشتراك صادر
حسن البيان زاد في المصباح = ورده الجلال في الإيضاح]
في هذه الأبيات أنواع: أحدها الاستطراد وذكره في التبيان والإيضاح والمصباح، وهو أن يكون في فن من الفنون: أي غرض م الأغراض ثم يسنح له فن آخر يناسبه في الذكر فيورده ثم يرجع إلى الأول ويقطع الاستطراد؛ وبهذا القيد يخرج عن التخلص، وعرفه في الإيضاح بالانتقال من معنى إلى معنى آخر متصل به لم يذكر بذكر الأول التوصل إلى الثاني، وبهذا يفارق التخلص أيضًا، وفي شرحه أن المراد بالاتصال أن يكون بين المعنيين مناسبة، وذكر الخاتمي أنه نقل هذه التسمية عن البحتري وذكر غيره أن البحتري نقلها عن أبي تمام كقوله تعالى ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود فذكر ثمود استطراد. قلت: وقد خرجت عليه ولا الملائكة لمقربون وأورد منه الطيبي قوله تعالى: وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا فعطف ومن كل تأكلون لكونه مناسبًا لأصل الكلام، وهو البحران المعنى بهما المؤمن والكافر، وقوله: وإذ قال لقمان لابنه الآية استطرد فيها إلى قوله: ووصينا الإنسان بوالديه واستطرد من الوصية إلى قوله: حملته أمه وهنا على وهن وفائدة الاستطراد الأول التحريض على قبول موعظة الآباء، وفائدة الثاني التوكيد في التوصية في حقهم وبالوالدة خصوصا لما تكابد من مشاق الحمل والرضاع ومن أمثلته في الشعر:
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه = فليس به بأس وإن كان من جرم
استطرد من الوعظ إلى الهجو، وقال ابن خطيب زملكا ومنه حديث خطبته صلى الله عليه وسلم
[شرح عقود الجمان: 135]
عام الفتح «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها؟ فقال لا هو حرام، ثم قال قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوها فباعوها» قال فقوله قاتل الله اليهود إلخ من باب الاستطراد، وقال في الإيضاح وقد يكون الثاني هو المقصود ويذكر الأول قبله ليتوصل إليه من غير أن يشعر بذلك قال في الإيضاح ولا بأس أن يسمى إيهام الاستطراد.
والثاني الافتنان: وهو أن يتفنن المتكلم فيأتي بفنين أو أكثر في فقرة واحدة أو بيت واحد كالغزل والخمسية والمديح والهجاء والهناء والعزاء كقوله تعالى: ثم ننجي الذين اتقوا الآية فيها هناء وعزاء وقوله تعالى كل من عليها فان الآية فيها عزاء وفخر وقول عنترة:
إن تصدفي دون القناع فإنني = طب بأخذ الفارس المستلثم
أوله نشبيب وآخره حماسة وقول الآخر:
أبوك قد جمل أهل الثرى = فجمل الله بك المقبرة
فيه تعزية ومديح مؤد إلى تهكم.
الثالث الاشتقاق: وهو من مستخرجات العسكري وعرفه بأن يشتق المتكلم من الاسم العلم معنى في غرض يقصده من مدح أو هجاء كقوله في نفطويه:
أحرقه الله بنصف اسمه = وصير الباقي صارخا عليه
وقول الصفي:
لم يلق مرحب منه مرحبا ورأى = ضد اسمه عند هذا الحصن والأطم
الرابع الاتفاق: وهو عزيز الوقوع جدا، وهو أن يتفق للشاعر واقعة واسم مطابق لتلك الواقعة كقوله في لؤلؤ الحاجب حين غزا الفرنج في بحر القلزم:
عدوكم لؤلؤ البحر مسكنه = والدر في البحر لا يخشى من الغير
وقوله في الوزير ابن العلقمي لما ولى الوزارة بعد ابن الفرات:
يا عصبة الإسلام نوحى واندبي = حزنا على ما تم للمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه = لابن الفرات نصار لابن العلقمي
اتفق أنهما وزيران وأن المورى بهما نهران معروفان وطابق بينهما بالفرات الحلو والعلقم والمر وقول ابن حجة يخاطب الملك المؤيد شيخا وقد كسر النيل بمسرى وبلغه يومئذ قصد نوروز مصر ليقاتله.
أيا ملكا بالله صار مؤيدا = ومنتصبا في ملكه نصب تمييز
كسرت بمسرى نيل مصر وينقضي = بحقك بعد الكسر أيام نوروز
الاتفاق أن كسر نوروز بعد كسر مسرى.
الخامس الاكتفاء: وهو حذف بعض الكلمات أبو بعض الحروف لدلالة الباقي عليه فالأول كقول ابن مطروح:
لا أنثني لا انتهي لا أرعوى = ما دمت في قيد الحياة ولا إذا
أي ولا إذا مت وحسنه أنه لو ذكره في البيت الثاني لكان عيبًا من عيوب الشعر يسمى التضمين مع ما يفوته من حلاوة الاكتفاء ولطفه في الأذهان وقال البهازهير:
يا حسن بعض الناس مهلا = صيرت كل الناس قتلى
لم يبق غير حشاشة = في مهجتي وأخاف أن لا
وقال القيراطي:
حسنات الخد منه = قد أطالت حسراتي
[شرح عقود الجمان: 136]
كلما ساء فعالا = قلت إن الحسنات
وقد تتبعت الأحاديث فوجدت منه قوله صلى الله عليه وسلم «الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل» هكذا رواه البخاري في الأدب والترمذي وغيرهما بحذف الاستثناء بعد إلا اكتفاء والأحسن في ذلك عندي ما تضمن تورية تصرفه عن الاكتفاء كقولي:
قلت وقد بشروا بنجل = رب أنلني منأى فضلا
إن عاش فاجعله خير نجل = موفيا عهده وإلا
أي وإلا فاقبضه صغيرا ويحتمل عطفه على العهد والإل الذمة قال الله تعالى: لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة، ومن الاكتفاء بالبعض في كلمة واحدة وهو عزيز قول ابن سناء الملك:
أهوى الغزالة والغزال وربما = نهنهت نفسي عفة وتدينا
ولقد كففت عنان عيني جاهدا = حتى إذا أعييت أطلقت العنا (ن)
وقول شيخ الشيوخ الحموي:
إليكم هجرتي وقصدي = وفيكم الموت والحياة
أمنت أن توحشوا فؤادي = فآنسوا مهجتي ولا تو (حشوا)
وأحسنه أيضا ما كان فيه تورية كقول ابن مكانس:
لله ظبي زارني في الدجى = مستوفز ممتطيا للخطر
فلم يقم إلا بمقدار أن = قلت له أهلا وسهلا ومر (حبا)
وقول البدر ابن الدماميني:
الدمع فاض بافتضاحي في هوى = ظبي يغار الغصن منه إذا مشى
وغدا بوجدي شاهدا ووشى بما = أخفى فيا لله من قاض وشا (هد)
وقوله:
يقول مصاحبي والروض زاه = وقد بسط الربيع بساط زهر
تعال نباكر الروض المفدي = وقم نسعى إلى در ونسري (ن)
وقول الصدر علي بن الأدمي يخاطب خليل بن بشار:
يا متهمي بالسقم كن منجدي = ولا تطل رفضي فإني على (ل)
أنت خليلي فبحق الهوى = كن لشجوني راحما يا خلي (ل)
السادس: الإلغاز، ذكره في التبيان ويسمى المحاجاة والتعمية، وهو أن يؤتي المتكلم بألفاظ مشتركة من غير ذكر الموصوف وعبارات تدل بظاهرها على غيره وباطنها عليه كقوله في القلم:
وذي خضوع راكع ساجد = ودمعه من جفنه جاري
مواظب الخمس لأوقاتها = منقطع في طاعة الباري
وقال أبو العلاء في الإبرة:
سعت ذات سم في قميص فغادرت = به أثرا والله شاف من السم
كست قيصرا ثوب الجمال وتعبا = وكسرى وعادت وهي عارية الجسم
وأنشدني صديقنا الشهاب المنصوري ملغزا في قلم:
أيها البارع الذي كم أحاجي = حل من ربقة المعنى ولغزا
أي شيء حاكى الدياجي وحاكت = عند تتميقه الأنامل طرزا
ومن البيض كم تحلى بوصل = وإليه ما زالت السمر تعزى
[شرح عقود الجمان: 137]
وبه تحفظ الشرائع حتى = صار صوتا لكل شرع وحرزا
أخرس يوسع الأنام حديثا = وله الدهر لست تسمع ركزا
فأجب فهو في الخفاء جليّ = زادك الله رفع قدر وعزا
فأجبته ارتجالاً:
أيها الشاعر الذي فاق مجدا = وارتفاعا على الأنام وعزا
جاءني لغزك البهي فأضحى = للأحاجي وللميز طرزا
هو في اسم إن صحفوه = فلم يخف وذو عكسه يرد ويخزى
وهو ذو أحرف ثلاث وثلثا = فحرف وذاك للعقل يعزى
وتراه مركبا وهو لا شك = ك بسيط وماله قط أجزا
دونك الحل بارتجال ولا زلت = شهابا وللمجيبين حرزا
وكتبت وأنا بالعقبة إليه ملغزا في طيبة ألبس الله سلطان الأدباء تاج الإكرام وهداه منهاج الكرام ما اسم على أربعة وهو علم مفرد وكم فيه من إشارة تعهد ارتفع بالإضافة، وخفض من رام خلاله، إن حذفت نصفه الثاني فاسم لأكرم قبيل أو فعل خفيف غير ثقيل وإن ضممت إلى أوله آخره فاسم لمن قد هاجره وإن جمعت ثالثة مع أوله ففعل لا شك في لطفه ومع ذلك يأبى الحبيب أن يفعله وإن شدد ثانية فهو في المتلو فيه قافية، وإن صحفت جملته فاسم لما إن حل به حرم وإن أشبه الإنسان ظرف وكرم وإن أبدلت من يائه ألف فهو على حاله لا يختلف وإن كسرت أوله وصحفت ثالثه فأصل كل نذير وبشير، ومن عجب أنه جمع بين شبهي المسك والكير حوى أفضل الخلق والخلق وأفصح القول والنطق فأفصح عنه غيبه ولذ بصاحب طيبة. فكتب لي في الجواب: أيد الله مولانا جلال الدين والدنيا ومعدن التدريس والفتيا جمل الله به ملة الإسلام وجمعنا الله وإياه في طيبة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وبعد فقد وقف العبد على تنميق هذا اللغز الممتنع على غير قريحته، السهل على سجيته، فوجد مولانا لم يترك قولاً ولا مقيلا لقائل ولا فضيلة لفاضل، بل حال ببديع استقصائه بين السؤال والجواب، وظفر من الحروف باللباب، وفاز بالصحيح دون السقيم واجتنى الزهر وترك الهشيم، فهنالك قدح العبد زند الفكرة بعد إخماده، وأيقظ طرف الفترة من رقاده، فوجد مولانا قد ألغز في اسم جميعه على الأرض وبعضه على السماء وفيه ظهر الإبصار من العماء، إن شدّد فهو مضاد لمرة وإن ضم فهو مشترك بين شهر وآجرة وإن أبدل ثانيه راء احتاج إلى شراب العطار وربما نشأ عن شراب الخمار وإن ألقى نصفه فهو ضد البسط والنشر وإن أبدل ثانيه بمرادف الحوت فهو من شاطئ البحر وإن رخم والحالة هذه فهو آخر السلاطين ولا تزال في حرمة طه ويس، فهذا أيدك الله ما أهدته ملكة الفكرة ووصلت إليه يد القدرة والسلام. وقد ورد في الألغاز عدة أحاديث جمعها الحافظ أبو الفضل العراقي كما رأيت ذلك بخطه أشهرها حديث الصحيحين «أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم. قال ابن عمر فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في قلبي أنها النخلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة ».
[فائدة] قال في نهاية الأدب اللغز والمحاجاة والمعاياة والعويص والرمز والملاحي والمعمى أسماء مترادفة لمعنى واحد، وإنما اختلافها بحسب الاعتبارات فإنك إذا اعتبرته من حيث إنه قد يحمل على وجوه فلغز أو من حيث إن غيرك حاجاك أي استخرج مقدار عقليك فمحاجاة أو من حيث إ، واضعه قصد أن يعاييك أي يظهر إعياءك فمعاياة أو من حيث صعوبة فهمه واعتياص معناه فعويص
[شرح عقود الجمان: 138]
أو من حيث أن واضعه لم يفصح عنه فرمز أو من حيث إنه ستر عنك وغطى فالمعمى انتهى وفي شرح أحاجي الزمخشري للسخاوي المحاجاة أن تسأل صاحبك عما لا يكاد يفطن للجواب عنه وهو نوع من الألغاز اهـ. وقد خصص قوم الأحجية بنوع ابتكره الحريري ونسج على منواله ناسجوه وهو أن يؤتي بلفظ مركب مرادف للمنطوق به يكون له مشارك من كلام غير مركب فيصير اللفظ بتركيبه وعدمه يجمع معنيين معا قال الحريري:
يا من نتائج فكره = مثل النقود الجائزة
ما مثل قولك للذي = حاجيت صادف جائزه
فإن مثله ألفى صلة. قال:
أيا مستنبط الغا = مض من لغز وإضمار
ألا اكشف لي ما مثل = تناول ألف دينار
فإن مثله هادية. وقال:
يا من حدائق فضله = مطلولة الأزهار غضه
ما مثل قولك للمحا = جي ذا الحجاما اختصار فضه
فإن مثله أبي رقة؛ وللحريري في المقامات من ذلك عشر أحاج وعمل منه الناس كثيرا، ولابن الوردي فيه كراسة على حروف المعجم ولم يقع لي منه غير أحجية واحدة وهي قولي في إحدى مقاماتي:
يا أيها الحبر الذي = حاز التقدم في الصدر
ما مثل قولك إذ تحا = جي آخرا جامع دبر
فإن مثله طاسة:
السابع: القسم، وهو أن يحلف على شيء بما يكون له مدحًا أو ذمًا وما يكسبه فخرًا وما يكون هجاء لغيره كقوله تعالى فورب السماء والأرض إنه لحق مثل تنطقون -، قسم يوجب الفخر لتضمنه المدح بأعظم قدرة وأكمل عظمة، حاصلة من ربوبية السماء والأرض وتحقيق الوعد بالرزق، وقال الأشتر النخعي:
بقيت وحدي وانحرفت عن العلا = ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشن على ابن هند غارة = لم تخل يوما من ذهاب نفوس
تضمن الفخر لنفسه. وقال ابن المعتز في القسم في الغزل:
لا والذي سل من جفنيه سيف ردى = مدت له من عذاريه حمائله
ما صارمت مقلتي دمعا ولا وصلت = غمضا ولا سالمت قلبي بلابله
الثامن: جمع المؤتلف والمختلف، وهو أن يريد التسوية بين ممدوحين فيأتي بمعان مؤتلفة في مدهما ويروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة فضل لا ينقص الآخر، فيأتي لأجل ذلك بمعان تخالف معنى التسوية، كقوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان الآية، فسوى في الحكم والعلم وزاد فضل سليمان بالفهم.
التاسع: الاتساع وهو أن يأتي بلفظ يتسع فيه التأويل بحسب قوى الناظر فيه وبحسب ما يحتمل اللفظ من المعاني كما وقع في فواتح السور.
العاشر والحادي عشر والثاني عشر: التفسير والإيضاح والاشتراك وهذه الأنواع متقاربة. فالتفسير وسماه الطيبي في التبيان تفسير الخفي، وابن مالك في المصباح تفسير المعنى الخفي أن يكون في الكلام
[شرح عقود الجمان: 139]
لبس فيأتي بما يوحه كذا قوله ومثله بقوله تعالى إن الإ،سان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا الآية، فقوله إذا مسهإلخ تسير هلوعا وكذا قوله:
الألمعي الذي يظن بك الظنن = كأن قد رأى وقد سمعا
فقوله الذي إلخ تفسير الأمعي وقال قدامة هو أن يأتي بمعنى لا يستقل الفهم بمعرفة فحواه دون تفسيره فيؤتي به بعده وهو بمعنى الأول والمطابق للمثالين، لكن التعبير بالأخير أحسن قال ومنه قوله:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها = شمس الضحى وأبو إسحق والقمر
قلت ومنه حديث أبي داود «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» والإيضاح أن يكون في ظاهر الكلام ليس فلا يفهم من أول وهلة حتى يوضحه في بقية كلامه كقوله:
يذكرنيك الخير والشر كله = وقول الجفا والحلم والعلم والجهل
فألقاك عن مكروهها متنزها = وألقاك في محبوبها ولك الفضل
معنى البيت الأول تلبيس لأنه يقتضي المدح والذم، فأوضحه بالثاني قال والفرق بينهما أن الإيضاح رفع الإشكال والتفسير تفصيل الإجمال لأن المفسر من الكلام ليس فيه إشكال. قلت وأوضح من عبر عن الفرق ابن مالك في المصباح وعبد الباقي اليمني حيث قالا الإيضاح إزالة لبس التوجيه بأن يحتمل الكلام مدحًا وذمًا فيأتي بكلام يزيله ويعينه للمدح أو الذم والتفسير إزالة خفي الحكم وعلى هذه العبارة الواضحة عولت في النظم وعبرت عن التوجيه بالإبهام لما نقدم هناك تقريره، وأما الاشتراك فإن يؤتى بلفظ مشترك بين معنيين يسبق إلى الذهن المعنى الذي لم يرد فيؤتي بما يبين المراد كقوله:
وأنت التي حببت كل قصيرة = إلي ولم تعلم بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد = قصار الخطا شر النساء الحباتر
أتى في البيت الثاني بما أزال به وهم السامع ومثاله من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم «دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر» رواه الترمذي وغيره، والفرق بينه وبين الإيضاح أنه في اللفظ والإيضاح في المعاني خاصة وبينه وبين التوهيم أنه باللفظ المشترك فقط والتوهيم يكون به وبغيره من تحريف أو تصحيف أو تبديل.
الثالث عشر: حسن اليان زاده المصباح وذكره أصحاب البديعيات تبعا له قال وهو كشف المعنى وإيصاله إلى النفس بسهولة قال ويكون مع الإيجاز والإطناب. قال في الإيضاح وهذا تخليط لأنه وظيفة علم البيان لأنه محسن ذاتي والبديع وظيفته البحث عن المحسن الخارجي.
[وقد وجدت مقصدا بديعا = سميته التأسيس والتفريعا
قاعدة كلية يمهدها = يبني عليها شعبة يقصدها
مثاله لكل دين خلق = وخلق ذا الدين الحياء المونق]
هذا نوع لطيف اخترعته لكثرة استعماله في الكلام النبوي ولم أر في الأنواع المتقدمة ما يناسبه فسميته بالتأسيس والتفريع وذلك أن يمهد قاعدة كلية لما يقصده ثم يرتب عليها المقصود كقوله صلى الله عليه وسلم «لكل دين خلق وخلق هذا الدين الحياء» رواه ابن ماجه عن أنس وقد استعمل صلى الله عليه وسلم مثل هذا في تقريراته كثيرا، فقال «لكل نبي حواري وحواري الزبير» رواه الشيخان عن جابر «لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح» رواه الشيخان عن أنس «لكل نبي دعوة دعا بها في أمته وإني خبأت دعوتي شفاعتي لأمتي» رواه الشيخان عن أبي هريرة «لكل شيء قلب وقلب القرآن يس» رواه الترمذي عن أنس «لكل نبي خاصة من أصحابه
[شرح عقود الجمان: 140]
وإن خاصتي أبو بكر وعمر» رواه الترمذي عن ابن مسعود «لكل نبي رفيق وإن رفيقي في الجنة عثمان» رواه الترمذي عن طلحة «لكل نبي ولاة من النبيين وإن ولاتي منهم أبي وخليل أبي إبراهيم» رواه أحمد عن ابن مسعود «لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال» رواه أحمد عن كعب بن عياض «لكل أمة مجوس وإن القدرية مجوس أمتي» رواه أبو داود عن حذيفة «لكل شيء حقيقة وما يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» رواه أحمد عن أبي الدرداء «لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصيام» رواه ابن ماجه عن أبي هريرة «لكل شيء مفتاح ومفتاح السموات قول لا إله إلا الله» رواه الطبراني عن أبي الدرداء «لكل شيء شرف وشرف المجالس ما استقبل به القبلة» رواه أبو يعلى عن ابن عباس «لكل شيء صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى» رواه أبو يعلى عن أبي هريرة «لكل شيء قمامة وقمامة المسجد لا والله وبلى والله» رواه أبو يعلى عن أبي هريرة «لكل شيء معدن ومعدن التقوى قلوب العارفين» رواه الطبراني عن ابن عمر «لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين» رواه ابن لال في مكارم الأخلاق عن ابن عمر «لكل شيء آفة تفسده وآفة هذا الدين ولاة السوء» رواه الحرث بن أبي أمامة في مسنده عن ابن مسعود «لكل شيء باب وباب العبادة الصيام» رواه ابن حبان في الثواب عن أبي الدرداء «لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن» رواه الحاكم عن أنس «لكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه» رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة «لكل شيء نسبة ونسبة الله قل هو الله أحد» رواه الطبراني عن أنس «لكل نبي حرم وقد حرمت المدينة» رواه الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس «لكل أمة أجل وأجل أمتي مائة سنة فإذا مر على أمتي مائة سنة أتاها ما وعدها الله» - يعني كثرة الفتن رواه أبو يعلى عن المستورد بن شداد «لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد» رواه أبو يعلى عن أنس، وفي الأحاديث من ذلك شيء كثير، وإنما أطلت هنا بهذه الأمثلة تقريرًا للنوع الذي اخترعته.
[والنفي للموضوع قصدا صنعه = مثاله ليس الشديد الصرعة]
هذا النوع أيضًا من مخترعاتي، وسميته نفي الموضوع: وهو كثير في الحديث وكلام البلغاء بأن يكون اللفظ موضوعًا لمعنى فيصرح بنفيه عنه ويثبته لغيره مبالغة في إدعاء ذلك الحكم، ومثاله ما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» وما رواه مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تعدون الرّقوب فيكم؟ قالوا الذي لا ولد له. قال ليس ذلك بالرقوب ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا». قال أبو عبيدة: الرقوب في اللغة فاقد الأولاد في الدنيا فجعله فاقدهم في الآخرة، ومنه «ليس الغنى عن كثرة المال ولكن الغنى غنى النفس» رواه الشيخان عن أبي هريرة «ليس البيان كثرة الكلام ولكن فصل فيما يحب الله ورسوله وليس عن اللسان ولكن قلة المعرفة بالحق» رواه الديلمي عن أبي هريرة «ليس الجهاد أن يضرب الرجل بسيفه في سبيل الله إنما الجهاد من عال والديه وعال ولده وعال نفسه يكفها عن الناس» رواه الشافعي «ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث» رواه الديلمي عن أبي هريرة
[شرح عقود الجمان: 141]
«ليس عدوك الذي إذا قتلك أدخلك الجنة وإذا قتلته كان نورا لك ولكن عدوك نفسك التي بين جنبيك وامرأتك التي تضاجعك على فراشك وولدك الذي من صلبك» رواه الطبراني وغيره عن أبي مالك الأشعري «ليس الأعمى من يعمى بصره ولكن الأعمى من تعمى بصيرته» رواه الديلمي عن عبد الله بن جراد:
ليس من مات فاستراح بميت = إنما الميت ميت الأحياء
كان صلى الله عليه وسلم يتمثل به كما رواه الديلمي عن ابن عباس
[وإن أتى بجمل للمقصد = توصلا لحكم ما به ابتدى
وصح حذف الوسط الموصول = فذلك التمهيد للدليل]
هذا نوع ثالث اخترعته وسميته تمهيد الدليل، وهو أن يقصد الحكم بشيء فيرتب له أدلة تقتضي تسليمه قطعا بأن يبدأ بالمقصود ويخبر عنه بجملة مسلمة ثم يخبر عن تلك الجملة بأخرى مسلمة فيلزم ثبوت الحكم للأول بأن يحذف الوسط ويخبر بالأخير عن الأول، وهذا شكل من أشكال المناطقة، ونحن معاشر أهل السنة لا نتبعهم أصلاً وهم مصرحون بأنه في طبع أهل الذوق والذكاء والقرآن والسنة طافحان باستعماله، ثم تارة يكون الوسط جملة واحدة، وتارة يكون أكثر فمن الأول قوله صلى الله عليه وسلم «لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا لم يؤمن بالله من لم يؤمن بي ولم يؤمن بي من لا يحب الأنصار» رواه الطيالسي عن سعيد بن زيد «من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك» رواه النسائي عن أبي هريرة «من آذى مسلما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» رواه الطبراني عن أنس.
[ومنه تصحيف بأن يعتمدا = به وبالتصحيف أمن قصدا]
هذا نوع رابع اخترعته، وهو أن يأتي في المقصود بكلام لتصحيفه معنى معتبر فيقصد ذلك لتذهب نفس السامع إلى كل من معنييه كما حكى عن بعض الأذكياء أنه كتب إلى بعض أصحابه أنه يشتري له من البضائع الرائجة وأمر أن لا ينقط ليصلح للرائجة والرابحة. ومن ألطف ما وقع في الحديث مما تصحيفه معتبر حتى اختلف الناس في روايته ما رواه أبو يعلى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليكم بغسل الدبر فإنه يذهب بالبواسير» فقوله بغسل الدبر اختلف فيه بعضهم فهو أنه بفتح الغين المعجمة وسكون السين وضم الدال المهملتين والباء الموحدة، ومنهم الحافظ أبو الحسن الهيثمي فأورده في باب الاستنجاء، وناسب ذلك قوله فإنه يذهب بالبواسير فإنه من أمراض المقعدة، وبعضهم فهم أنه عسل النحل، ومنهم الحافظ أبو منصور الديلمي فإنه قال عقبه في مسند الفردوس ولبدر بفتح الدال وسكون الموحدة هو النحل، وقريب منه حديث الترمذي «أربع من سنن المرسلين السواك والتعطر والنكاح والحياء» منهم من يرويه بالنحتية، ومنهم من يرويه بالنون.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأول, القسم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir