وقال ذو الإصبع العدواني
1: لي ابن عم على ما كان من خلق.......مختلفان فأقليه ويقليني
أراد (أخلاقهما مختلفة) ولما قال ابن عم علم بأنهما اثنان (مختلفان) هو وابن عمه وقوله (على ما كان من خلق) أي من تخالق أي خالقه ويخالقني ونحن في تخالقنا مختلفان وأنشد عن الكسائي:
وما كنت والقاري جاري جنابة.......بنجد ولا في الحفر مشتركان
2: أزرى بنا أننا شالت نعامتنا.......فخالني دونه وخلته دوني
يقال (أزرى) به إذا قصر به وزري عليه إذا عابه وقال الراجز:
تقول عرسي يوم قامت تشمع.......ما لك قد أزرى بك التسعسع
تشمع: تهزؤ وتمرح امرأة شموع إذا كانت كذلك وقال الآخر:
يا أيها الزاري على عمر.......قد قلت فيه غير ما تعلم
وقال الآخر:
فما أكثر الأشياء عند مزية.......بأن بت مزريًا علي وزاريا
وقوله (شالت نعامتنا) أي: تفرق أمرنا واختلف يقال عند اختلاف القوم شالت نعامتهم أي القوم وزف رألهم والرأل فرخ النعام وقال غيره يقال شالت نعامة القوم إذا جلوا عن الموضع والمعنى: تنافرنا فصرت لا أطمئن إليه ولا يطمئن إلي ويقال ألقوا عصاهم إذا سكنوا واطمأنوا وأنشد:
فألقت عصاها واستقر بها النوى.......كما قر عينًا بالإياب المسافر
3: يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي.......أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
قال الأصمعي: العرب تقول العطش في الرأس وأنشد قول الراجز:
قد علمت أني مروي هامها.......ومذهب الغليل من أوامها.......إذا جعلت الدلو في خطامها
الغليل: شدة العطش والأوام: حر تجده في أجوافها وأنشد أيضًا: ستعلم إن متنا صدى أينا الصدي، صدى: أي عطشًا والمعنى إلا تدع شتمي أضربك على هامتك حيث تعطش.
ويقال إن الرجل إذا قتل فلم يدرك بثأره خرجت هامة من قبره فلا تزال تصيح اسقوني اسقوني فلا تزال على ذلك حتى يقتل قاتله وأنشد في ذلك:
فإن تك هامة بهراة تزقو.......فقد أزقيت بالمروين هاما
4: لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب.......عني ولا أنت دياني فتخزوني
أراد لله (ابن عمك) فحذف اللام الخافضة اكتفاءً بالتي تليها و(الديان): القائم بالأمر، يقول لست القائم في أمري (فتخزوني) وتخزوني تسوسني ويقال خزاه يخزوه إذا ساسه ودبر أمره، قال لبيد بن ربيعة:
غير أن لا تكذبنها في التقى.......واخزها بالبتر لله الأجل
وروى أحمد: (لاه ابن عمك) بالخفض، وقال: هو القسم والمعنى ورب ابن عمك وقوله (لا أفضلت) جواب القسم و(عني) في موضع علي.
5: ولا تقوت عيالي يوم مسغبة.......ولا بنفسك في العزاء تكفيني
(المسغبة): المجاعة و(العزاء): الضيق والشدة ويقال شاة عزوز إذا ضاقت أحاليلها وهي مخارج اللبن.
6: إني لعمرك ما بابي بذي غلق.......عن الصديق ولا خيري بممنون
أي لا أدخر عن صاحبي شيئًا ولا أمن عليه. وقد قيل إن (المنون) ههنا المقطوع أي لا أقطع عنه فضلي، ومنه قوله تعالى: {لهم أجر غير ممنون}
7: ولا لســــــــــــاني على الأدنى بمنطلق.......بالفاحشات ولا فتكي بمأمون
8: عف يؤوس إذا ما خفت من بلد.......هونًا فلست بوقاف على الهون
(عف) أي أعف عما ليس لي، (يؤوس) يقول لست بذي طمع أيئس مما في يدي غيري فلا تتبعه نفسي، و(الهون) والهوان واحد أي إذا أحسست بقوم يهينوني لم أصبر على ذلك ولم أقف له ويروى: هونًا فإني لا أغضي على الهون.
9: عني إليك فما أمي براعية.......ترعى المخاض وما رأيي بمغبون
أي: لست بابن أمة ويقال إنه عرض به وكان ابن أمة، قال الأصمعي: وإنما خص (رعية المخاض) لأنها أشد من رعية غيرها ولا يمتهن فيها إلا من حقر ولم يبال به.
10: كل امرئ راجع يومًا لشيمته.......وإن تخالق أخلاقًا إلى حين
ويروى وإن تخلق و(الشيمة): الطبيعة يريد أن التخلق لا يدوم، ولا بد أن يرجع إلى طباعه ويغلب عليه.
11: إني أبي أبي ذو محافظة.......وابن أبي أبي من أبيين
وروى أحمد أبو جعفر: (أبي) من أبيين ويرد إلى صفة المتكلم ولا يرده إلى صفة أب من آبائه.
12: وأنتم معشر زيد على مائة.......فأجمعوا أمركم كلاً فكيدوني
وروى أحمد (زيد على مائة) أي زيادة على مائة وروي صفًا (فكيدوني) زيد زيادة يقال أجمع أمره بألف وجمع بغير ألف، قال الله تعالى: {فأجمعوا أمركم وشركائكم}، وقال الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع.......هل أغدون يومًا وأمري مجمع
وتحت رحـــــــــــــــــــلي زفيان ميلع.......كأنها نائحة تفجع
تبكي لميت وسواها الموجع
قال أبو عكرمة: سواها نفسها، قال حسان: أتانا فلم نعدل سواه بغيره، أي لم نعدله بغيره.
13: فإن عرفتم سبيل الرشد فانطلقوا.......وإن جهلتم سبيل الرشد فأتوني
ويروى: وإن عييتم (سبيل الرشد)، يقول فإن عييتم سبيل الرشد فلم تقدروا عليه أرشدتكم، وإن عرفتموه فاذهبوا لوجهتكم، والمعنى فإن فزعتم إلى رأيي أرشدتكم يقال أعيا في مشيه من التعب وعي بحجة لم يثبتها عمي عنها مأخوذ من العي يقول فإن عرفتم سبيل الرشد فاذهبوا لوجهتكم وإن فزعتم إلى رأيي أجبتكم ونصحت لكم.
14: ماذا علي وإن كنتم ذوي كرم.......أن لا أحبكم إذ لم تحبوني
وروى أبو جعفر:
الله يعلم أني لا أحبكم.......ولا ألومكم إذ لم تحبوني
15: لو تشربوني دمي لم يرو شاربكم.......ولا دمائكم جمعًا ترويني
وروى أحمد هذا البيت ولم يروه أبو عكرمة.
16: الله يعلمني والله يعلمكـــــــــــــم.......والله يجزيكم عني ويجزيني
17: قد كنت أوتيكم نصحي وأمنحكم.......ودي على مثبت في الصدر مكنون
يقال كننت الشيء أكنه كنًا فهو مكنون إذا سترته وهو من قول الله تعالى: {كأنهم لؤلؤ مكنون} و{كأنهن بيض مكنون} وأكننت الشيء إكنانًا إذا كان في قلبك، قال الله تعالى: {وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون}، وحكى الفراء كننت وأكننت بمعنى واحد وبيت ذي الإصبع يشهد لكننت فأما أكننت فالقرآن يشهد له.
18: لا يخرج الكره مني غير مأبية.......ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
يقول إذا أكرهت علي الشيء لم يكن عندي إلا الإباء له: لا أعطي على القسر شيئًا، قال أحمد: أي آبى على من يكرهني على الشيء.
قال: وأنشدني غير أبي عكرمة هذه القصيدة أتم مما رواها أبو عكرمة ولم يسند روايته إلى المفضل وهي:
1: يا من لقلب شديد الهم محزون = أمسى تذكر ريا أم هارون
2: أمسى تذكرها من بعد ما شحطت = والدهر ذو غلظة حينًا وذو لين
3: فإن يكن حبها أمسى لنا شجنًا = وأصبح الوأي منها لا يؤاتيني
4: فقد غنينا وشمل الدهر يجمعنا = أطيع ريا وريًا لا تعاصيني
5: ترمي الوشاة فلا تخطي مقاتلهم = بصادق من صفاء الود مكنون
6: ولي ابن عم على ما كان من خلق = مختلفان فأقليه ويقليني
7: أزرى بنا أننا شالت نعامتنا = فخالني دونه بل خلته دوني
8: لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب = عني ولا أنت دياني فتخزوني
9: ولا تقوت عيالي يوم مسغبة = ولا بنفسك في العزاء تكفيني
10: فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي = فإن ذلك مما ليس يشجيني
11: ولا يرى في غير الصبر منقصة = وما سواه فإن الله يكفيني
12: لولا أياصر قربى لست تحفظها = ورهبة الله فيمن لا يعاديني
13: إذا بريتك بريًا لا انجبار له = إني رأيتك لا تنفك تبريني
14: إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها = إن كان أغناك عني سوف يغنيني
15: الله يعلمني والله يعلمكم = والله يجزيكم عني ويجزيني
16: ماذا علي وإن كنتم ذوي رحمي = أن لا أحبكم إذ لم تحبوني
17: لو تشربون دمي لم يرو شاربكم = ولا دماؤكم جمعًا ترويني
18: ولي ابن عم لو أن الناس في كبد = لظل محتجزًا بالنبل يرميني
19: يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي = أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
20: درم سلاحي فما أمي براعية = ترعى المخاض وما رأيي بمغبون
21: إني أبي أبي ذو محافظة = وابن أبي أبي من أبيين
22: لا يخرج القسر مني غير مأبية = ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
23: عف ندود إذا ما خفت من بلد = هونًا فلست بوقاف على الهون
24: كل امرئ صائر يوماً لشيمته = وإن تخلق أخلاقًا إلى حين
25: إني لعمرك ما بابي بذي غلق = عن الصديق ولا خيري بممنون
26: وما لساني على الأدنى بمنطلق = بالمنكرات وما فتكي بمأمون
27: عندي خلائق أقوام ذوي حسب = وآخرون كثير كلهم دوني
28: وأنتم معشر زيد على مائة = فأجمعوا أمركم شتى فكيدوني
29: فإن علمتم سبيل الرشد فانطلقوا = وإن جهلتم سبيل الرشد فأتوني
30: يا رب ثوب حواشيه كأوسطه = لا عيب في الثوب من حسن ومن لين
31: يومًا شددت على فرغاء فاهقة = يومًا من الدهر تارات تماريني
32: قد كنت أعطيكم مالي وأمنحكم = ودي على مثبت في الصدر مكنون
33: بل رب حي شديد الشغب ذي لجب = دعوتهم راهن منهم ومرهون
34: رددت باطلهم في رأس قائلهم = حتى يظلوا خصومًا ذا أفانين
35: ياع مرو لو لنت لي ألفيتني بشرًا = سمحًا كريمًا أجازي من يجازيني
36: والله لو كرهت كفي مصاحبتي = لقلت إذ كرهت قربي لها بيني
[شرح المفضليات: 321-327]