وقال المسيب بن علس
لم ينسبه أبو عكرمة ولم يرفعه في النسب عن أبيه، نسبه أحمد: قال أحمد: المسيب لقبه واسمه زهير بن علس قال هكذا قال مؤرج عن أبي عمرو الشيباني، وأبي عبيدة والأصمعي، قال وهو المسيب بن علس بن مالك بن عمرو بن قمامة بن عمرو بن زيد بن ثعلبة بن عدي بن ربيعة بن مالك بن جثم بن بلال بن جماعة بن جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار، قال أبو عبيدة: المسيب بن علس من بني جماعة من بني ضبيعة بن ربيعة وهو الذي ذكره وائل بن شرحبيل بن عمرو بن مرثد في هجائه الأعشى وتعييره، إياه بنسب أخواله بني ضبيعة
أبوك رضيع اللؤم قيس بن جندل.......وخالك عبد من جماعة راضع
تخبط كالجني أخطا مقيله.......إذا لم يكن راع فإنك ضائع
قال أحمد معناه إذا لم يكن لك مال يرعى ضعت لأنك لست ممن يغزو فيغنم ولا ممن يفد إلى ملك. هكذا أخبرني أحمد، قال جماعة بالجيم وأما عبد الله بن رستم فأخبرني عن يعقوب خماعة بالخاء معجمة من فوق بواحدة، واحتج يعقوب أيضًا ببيتي وائل بن شرحبيل وروى بالبيتين خماعة.
والذي قال يعقوب ليس بشيء لأن الثقات من رواة النسب رووه بالجيم، قال أحمد: قال مؤرج: ويكنى أبا فيد ونسب نفسه لنا، فقال أبو فيد مؤرج بن عمرو بن منيع بن حصين بن عمرو بن أبي فيد، قال: إنما لقب زهير بن علس بالمسيب حين أوعد بني عامر بن ذهل فقالت له بنو ضبيعة قد سيبناك والقوم، قال أحمد: والفيد الزعفران.
1: أرحلت من سلمى بغير متاع.......قبل العطاس ورعتها بوداع
(المتاع) ما تمتعه به وتزوده إياه، وقوله (قبل العطاس) لأنهم كانوا يتشاءمون به، يقول رحلت قبل أن ترى ما تكره، كقول العجاج: قطعتها ولا إهاب العطسا، فهذا لم يتطير كما تتطير المسيب، قال أحمد: مدح بهذه القصيدة القعقاع بن معبد بن زرارة.
2: من غير مقيلة وإن حبالها.......ليست بأرمام ولا أقطاع
(المقلية) البغض، يقال قليته أقليه مقلية وقلاء وقلي إذا كسرت أوله قصرته، وإذا فتحت أوله مددته.
كقول الشاعر:
عليك السلام لا مللت قريبة.......ومالك عندي إن نأيت قلآء
ويقال (حبل أرمام وحبل أقطاع) وحبل أرماث إذا كان قطعًا موصلة، وواحد (الأرمام) رمة ومنه قولهم دفع إليه كذا وكذا برمته، وأصله في البعير يدفعه إليه بحبله الذي في عنقه، وكني غيلان ذا الرمة بقوله: أشعث باقي رمة التقليد، يعني وتدًا غيره يقول أرحلت من عندها من غير بغض منك لها و(حبالها ليست ببالية ولا متقطعة)، المتاع الزاد تمتعه به، وقوله (قبل العطاس) أي: قبل أن يتحرك إنسان فيعطس فيتفأل به.
و(حبالها) ههنا ما احتبلته به من مودة.
3: إذ تستبيك بأصلتي ناعم.......قامث لتفتنه بغير قناع
(تستبيك): تفتعلك من السبي تجعلك سبيًا لها، و(الأصلتي) الوجه الصلت وهو الأجرد من الشعر، يقال رجل صلت الجبين إذا كان منكشف الشعر بارزه.
ومنه سيف صلت وهو المنجرد من غمده، ومنه انصلت فلان من يدي القوم إذا انجرد ليسير أمامهم، ومنه قولهم صلت فلان وهو أن يجرد من ثيابه.
غيره: (تستبيك) تذهب بقلبك، بأصلتي بخد ناعم حسن ثم قال (بغير قناع) أي بارزة، ويروى (قامت) لتقتله.
4: ومها يرف كأنه إذ ذقته.......عانية شجت بماء يراع
(المها) البلور شبه ثغرها به لصفائه، و(العانية) خمر من خمر عانات، و(شجت) مزجت، و(اليراع) القصب الواحدة يراعة، وكل أجوف يراعة، فأراد أن هذه الخمر شجت (بماء) الأنهار، وقوله (يرف) أي: يكاد يقطر من شدة صفائه، يقال رف يرف وبعض العرب يقول ورف يرف، قوله (شجت) أي: كسرت، وقوله (بماء يراع)، أي: بماء جدول في حافتيه القصب، يقال رف (يرف) أي برق، وورف يرف بمعناه: ورف يرف أكل.
5: أو صوب غادية أدرته الصبا.......ببزيل أزهر مدمج بسياع
الأصمعي: لم يخصها بالغدو وإنما أراد سارية فآخر الليل قريب من الصبح، ومطر الليل أحمد عندهم من مطر النهار لأن السواري أكثر ما يصفون و(أدرته) من الدرة أي استخرجت ماءه وإنما خص (الصبا) لأنها لينة تأتي بسهولة فهو أصغى لمائها إذا وقع بالأرض، فإذا كانت الريح شديدة كان أكدر لمائها لشدة وقع المطر بالأرض، وصوب السحابة ما تتدلى منها، و(البزيل) ما بزل والأزهر الأبيض أراد دنا أبيض.
و(السياع) الطين، وكل ما لطخته على شيء فقد دمجته، وقوله (ببزيل أزهر) كقولك سلاف جرة نظيفة.
قال الأصمعي: وربما قيل (أزهر) للإبريق، فيريد خمرًا بزلت من دن في إبريق، غيره: ابتدأ فرفع فقال أو صوب غادية ويروى بالخفض أو صوب غادية والمعنى (شجت بماء يراع)، أو (بصوب غادية) أي سحابة غدت، وقوله (ببزيل أزهر) يريد البزال والسياع الطين الذي على رأس الدن والسياع الصاروج، ويروى من (صوب غادية)، قال غيره: وإنما جعل على رأس الإبريق الطين في الصيف ليبرد، ويروى (بنزيل) أي ما نزل من الإبريق، قال أحمد: الأزهر يعني الإبريق والدن لا يوصف بالأزهر إنما يوصف بالكميت والأدكن وغيرهم، وقوله (مدمج بسياع) يعني فدام الإبريق جعله كالسياع الذي يطلى به كالطين والجص الذي يملس به الحائط
6: فرأيت أن الحكم مجتنب الصبا.......وصحوت بعد تشوق ورواع
هذا مثل قولك الكذب مجانب الإيمان، و(الصبا): الصبوة، وقول القائل قد تصابيت أي رققت وفعلت ما يفعل الصبي ورواع روع، ويروى (بعد تشوقي ورواعي) غيره: الحكم ههنا العقل، وقوله (ورواع) أي كنت أروع الناس بجمالي، ويروى (فرأيت) أن الحلم ويروى فرأت بأن الحلم.
7: فتسل حاجتها إذا هي أعرضت.......بخميصة سرح اليدين وساع
(الخميصة): المنطوية البطن، ويستحب ذلك في النجائب، و(سرح اليدين) منسرحة الضبعين بالمشي أي ليست بكزة، ويقال أعطاه ماله في سريح، أي سهل عطيته، ومنه قيل للولد اللهم اجعله سرحًا سهلاً إذا عسر مخرجه.
غيره قوله (فتسل حاجتها) أي اسل عنها وعن ذكرها إذا هي أعرضت بناقة هذه صفتها، (وساع) واسعة في سيرها. ويروى بجلالة وأنكر (بخميصة) لأنهم لا يصفون الإبل أول ما ترحل بهذا إنما توصف بهذا عند نقصانها وانقضاء سفرها.
8: صكاء ذعلبة إذا استدبرتها.......حرج إذا استقبلتها هلواع
يقول كأنها نعامة في تقارب عرقوبيها، ويحمد من النجائب تقارب العرقبين في السير والتخوية في البروك، وخشونة الوبر وعتق الذفرى وتعريق فقار العنق، وقصر الضلع والطفطفة والذعلبة السريعة، ويقال لكل سريع ذعلب، ويقال طار ثوبه ذعالب، و(الحرج) سرير يحمل عليه الموتى شبهها به لطولها.
غيره: (حرج) ضامرة، (هلواع) حديدة القلب، غيره: كل نعامة يتقارب عرقوبها إذا مشت، و(الصكك) يعتري النجائب، وإذا كان مما يركب فأن يتدانى عرقوباه أحب إلى البصراء وأن يخشن وبره وتقصر ضلعه وتقصر طفطفته، وأن يكون إذا برك تجافى عن الأرض، وأن يكون في رجليه شيء من روح وأن يكون فيهما شيء من فرش، قال الشاعر وهو النابغة الجعدي: مفروشة الرجل فرشًا لم يكن عقلاً، وأن يكون عنقه معروقة من اللحم يبدو فقارها وأن يكون عتيق الذفرى أي سهلها، مولل الأذنين فيهما حدة كأنهما طرف سهم، وأن يكون قصير النساء يقول إذا استدبرتها فهي طويلة، (هلواع) مستخفة كأنها تفزع من النشاط والهلع الخفة.
9: وكأن قنطرة بموضع كورها.......ملساء بين غوامض الأنساع
شبهها في صلابتها ووثاجة خلقها (بالقنطرة والكور) كور الرحل وهو خشبه وأداته ثم رجع إلى صفة النجيبة فقال (ملساء) على شدة لزوم (النسع لها وغموضه) في جلدها، غيره: شبه جنبيها في انتفاجها بالقنطرة وهو يريد الأزج.
10: وإذا تعاورت الحصى أخفافها.......دوى نواديه بظهر القاع
(القاع) ما استوى من الأرض في طينه حرة، وربما كان فيه (الحصى)، ونوادي (الحصى) ما أسرع منه وتقدم منه وبادر، قال الأصمعي ومن هذا قول العرب: لا ينداك مني سوء أي لا يبدو ولا يسبق، ويروى دوت نوادره.
(المعاورة) أصلها أن يتعاور هذا مرة وهذا أخرى، وقوله (دوى) نوادره أي صوت نوادر (الحصى) فسمعت لها صوتًا.
ويقال (دوى) في السماء جاء وذهب ودوم في الأرض، نواديه ما تقدم منه، قال لا يكون التدويم إلا في السماء، وينسب ذو الرمة للخطأ في قوله:
حتى إذا دومت في الأرض راجعه.......كبر ولو شاء نجى نفسه الهرب
11: وكأن غاربها رباوة مخرم.......وتمد ثني جديلها بشراع
الغاربان ما أحاط الكتفين واشتمل عليهما و(الرباوة) منقطع الغلظ من الحبل حيث استرق، يقال ربوة وربوة وربوة ورباوة وربو بغير الهاء عن الأصمعي مع الفتح، فأراد أن (غاربها) في صلابته وحدته مثل الرباوة.
و(الجديل) الزمام وأصل الجدل الفتل، وثنيه ما انثنى منه باليد فأراد أنها طويلة العنق يستغرق عنقها (جديلها)، وقوله (بشراع) أراد بعنق طويلة، وإنما أراد أن يشبهه بالدقل فشبهه بالشراع إذا كان الشراع مع الدقل، هذا قول الأصمعي.
وقال ابن الأعرابي: لكنه غلط لم يعرف (الشراع) من الدقل، كما قال طرفة وهو يصف العنق: كسكان بوصي بدجلة مصعد، وإنما أراد الدقل، غيره أراد بالغارب الظهر وجعله كأنه رباوة يريد الموضع المشرف شبه سنامها به، وشبه طول عنقها بالشراع، والمخرم منقطع أنف الجبل والغلظ.
12: وإذا أطفت بها أطفت بكلكل.......نبض الفرائص مجفر الأضلاع
يقول إذا درت حولها تتأملها، والكلكل الصدر و(النبض) الشديد الحركة لشدة فؤادها وحدتها و(الفرائص) جمع فريصة وهي لحمة في مرجع الكتف.
وقوله (مجفر الأضلاع) أراد عظم جوفها شبهه (بالجفر) وهو البئر العظيمة، وجمع الجفر جفار، وقوله (نبض الفرائص) يقول لذكائها كأنها مروعة، و(النبض للفرائص) ولكنه نقل اللفظ إلى (الكلكل) كما تقول (وإذا أطفت) بزيد أطفت برجل حسن العقل فحسن العقل في المعنى وفي الظاهر للرجل.
13: مرحت يداها للنجاء كأنما.......تكرو بكفي لاعب في صاع
(النجاء) السرعة يمد ويقصر، و(تكرو) كأنها تلعب بالكرة، يقال قد كرا يكرو إذا ضرب بالكرة. و(الصاع) منهبط من الأرض، له ما يحفه كهيئة الجفنة، ويروى بكفي ماقط في (صاع)، (الصاع) تكنسه وتلعب فيه بالكرة، والماقط الذي يكرو بالكرة يضرب بها الأرض ثم ترتفع إليه، قال أحمد: قوله في (صاع) أراد بصاع وهو الصولجان الذي يلعب به الغلمان، أراد بصاع صائع لأنه يعطف للضرب به لتصاع الكرة به فكأنه الصولجان وهو يصوعها.
14: فعل السريعة بادرت جدادها.......قبل المساء تهم بالإسراع
شبهها في سرعة يديها بامرأة تحوك ثوبًا فهي تبادر إتمامه، و(الجداد): ما بقي من خيوط الثوب.
فهي (تبادره) لتفرغ منه، قال أحمد تبادر هذه المرأة المساء بعملها فهي تسرع العمل بيديها، ومنه قول الأعشى:
أضاء مظلته بالسرا.......ج والليل غامر جدادها
وقال غيره (الجداد) خيوط الثوب إذا قطع، وإنما شبه سرعة الناقة به، وتقليب يديها في سيرها بتقليب المرأة يديها في عملها.
15: فلأهدين مع الرياح قصيدة.......مني مغلغلة إلى القعقاع
قوله (مع الرياح قصيدة مني مغلغلة)، أي تذهب كل مذهب ويحملها الناس لحسنها أي يتغلغل بها الناس لحسنها ويسلكون بها كل غامض، و(القعقاع) بن معبد بن زرارة وقيل إنه عني الرياح نفسها، وقيل أنه عنى الإبل التي هي (كالرياح في سرعتها)، (مغلغلة) تدخل كل مكان حتى تصل إلى (القعقاع).
16: ترد المياه فما تزال غريبة.......في القوم بين تمثل وسماع
أي لا يزال الناس يتمثلون بها لجودتها، ويستمعها بعض من بعض، وتحمل إلى من يسمعها ولم يحضرها فهي (غريبة) أبدًا.
قال غيره: (يتمثل) بها ويتغنى بها و(السماع) الغناء، وقوله: (غريبة) أي لا تزال تأتي قومًا على مياههم ليست من قول شعرائهم فهي غريبة لذلك، ويروى: (ترد المناهل لا تزال غريبة)، والمناهل المياه.
17: وإذا الملوك تدافعت أركانها.......أفضلت فوق أكفهم بذراع
يقول (إذا تدافعت الملوك) وافتخر بعضهم على بعض وعددوا أيامهم كنت أكثر منهم وأطول يدًا بالفضائل، والذراع مؤنثة وقد يذكرها بعضهم وليس بالوجه، قال (تدافعت) تزاحمت عند المفاخرة.
18: وإذا تهيج الريح من صرادها.......ثلجًا ينيخ النيب بالجعجاع
(الصراد): ريح باردة برش مطر، ومن هذا قيل صرد الرجل إذا اشتد به البرد، و(النيب): مسان إناث الإبل الواحدة: ناب، و(الجعجاع) المبرك يريد أن الإبل من شدة البرد لا تبرح مباركها، وأنشد في (الجعجاع) لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري:
من يذق الحرب يجد طعمها.......مرًا وتحبسه بجعجاع
يقال هاجت الريح (تهيج) وهاجني الأمر يهيجني وهجتك يا رجل بمعنى هيجتك وقوله (من صرادها) قال الصراد: غيم رقيق فيه برد، قال: و(النيب) جمع ناب وهي المسنة من الإبل، هذا للإناث خاصة، فأما الذكر المسن فهو: الثلب، و(الجعجاع): المكان الضيق وإنما جعلها نيبًا وخصها لأنها أصبر من الأفتاء على البرد.
19: أحللت بيتك بالجميع وبعضهم.......متفرق ليحل بالأوزاع
يقول إذا كانت شدة الزمان نزلت في مجمع الناس في مجالسهم حيث يأتي السؤال والضيفان، كما قالت القائلة لزوجها قريب البيت من النادي والنادي المجلس، و(الأوزاع المتفرقة) وهو مأخوذ من قولك وزعت الشيء بين القوم إذا فرقته بينهم وقطعته، ومثله قول زهير:
يسط البيوت لكي يكون مظنة.......من حيث توضع جفنة المسترفد
وقال طرفة:
ولست بحلال التلاع مخافة.......ولكن متى يسترفد القوم أرفد
التلاع ههنا ما انخفض من الأرض وإنما ينزل التلاع كل لئيم، لا يقري ولا يحمل، وتكون التلاع في غير هذا الموضع ما ارتفع من الأرض وهو ضد من الأضداد.
20: ولأنت أجود من خليج مفعم.......متراكم الآذي ذي دفاع
(الخليج): كل ماء انخلج عن الماء الأعظم وأصل الخلج: الجذب، و(المفعم): الملآن، و(المتراكم) والمتراكب واحد وهو: المضاعف و(الآذي) السيل، وقوله (ذي دفاع) أي يدفع الماء بعضه بعضًا لكثرته، شبه القعقاع في جوده بهذا (الخليج) الموصوف كما قال النابغة:
فما الفرات إذا جاشت غواربه.......ترمي أواذيه العبرين بالزبد
و(الآذي): الموج والعبران الشطان الواحد عبر.
21: وكأن بلق الخيل في حافاته.......يرمي بهن دوالي الزراع
أي (في حافات) هذا الخليج شبه أمواجه (بخيل بلق)، لأن الموجة إذا ارتفعت كان ظهرها أبيض فإذا انقلبت اسود بطنها أي يرمي الخليج بالموج الذي (كأنه بلق الخيل دوالي الزراع)، قال أحمد: يقول الماء تعلوه كالخضرة لصفائه فلون الموجة كلون سائر الماء، فإذا أخذت في الانقضاء وانبسطت ظهر للماء حينئذ بياض عند انبساطها وفنائها، فشبه لون الماء نفسه مع ما يظهر من البياض عند انبساط الموج وفنائه بخيل بلق.
22: ولأنت أشجع في الأعادي كلها.......من مخدر ليث معيد وقاع
أراد (من ليث مخدر) فقدم النعت و(المخدر) الأسد الذي قد اتخذ الأجمة خدرًا، وكل ما استتر من السباع فلم يظهر فهو أخبث له، ومن هذا قيل ذئب الغضاء و(المعيد): الذي يفعل الشيء المرة بعد المرة و(الوقاع): جمع وقعة كوقعة الحرب وهي الواقعة والوقيعة أي إنه معيد للفرائس.
23: يأتي على القوم الكثير سلاحهم.......فيبيت منه القوم في وعواع
أي يقدم عليهم مع كثرة سلاحهم لجرأته، و(الوعواع) الجلبة والصياح يأتيهم فيبيتهم (فيبيتون منه في وعواع).
24: أنت الوفي فما تذم وبعضهم.......تودي بذمته عقاب ملاع
يريد أنه (يفي ذمته)، ولا يحقر جاره إذا كان بعضهم يأكل أمانته وكأن (عقابًا) ذهبت بها، و(الملع): السرعة، وهو ههنا الاختطاف، يقال مر يملع ملعًا إذا مر مرًا سريعًا، قال الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع.......هل أغدون يومًا وأمري مجمع
وتحت رحلي زفيان ميلع.......كأنها نائحة تفجع
تبكي لميت وسواها الموجع
وأصل هذا من قولهم أودى الرجل إذا هلك، و(ذمته): حرمته، و(عقاب ملاع) أي: عقاب اختلاس، وهذا مثل، ويروى طارت بذمته، و(ملاع) مثل قطام، يقول: (أنت تفي بذمتك) ولا يطمع في جارك، وغيرك تذهب (بذمته عقاب ملاع)، وأصل الملع الاختلاس أي عقاب اختلاس.
25: وإذا رماه الكاشحون رماهم.......بمعابل مذروبة وقطاع
(الكاشحون): المبغضون، قال الأصمعي: إنما سمي كاشحًا لأنه يعرض عن مبغضه، فيوليه كشحًا، و(الكشح) الخاصرة وما والاها، وأما ابن الأعرابي فإني أخبرت عنه أنه قال: سمي كاشحًا لأن كشحه مملوء من الغش والبغضاء لصاحبه، و(المعابل) النصال الواحدة معبلة، (والقطاع) الواحد قطع، ومنه قول أبي ذؤيب:
ونميمة من قانص متلبب.......في كفه جشء أجش وأقطع
أي: في كفه قوس ونصال نميمة يعني صوت الوتر، يصف صائدًا أي نم الوتر على الصائد، ومتلبب: متحزم متهييء والجشء: قضيب خفيف، وإنما يريد القوس، وقال أجش ولم يقل جشاء فيذهب إلى القوس لأنه ذهب إلى القضيب، والجشة غلظ الصوت وأن يكون فيه كالبحة، وأقطع: جمع قطع، والقطع نصل عريض قصير والمذروبة المحددة، قال الشاعر يصف فرسًا:
لها عكن ترد النبل خنسًا.......وتهزأ بالمعابل والقطاع
أي: تستخف بها ولا تباليها، قال: أنت الوفي فخاطب، ثم قال: وإذا رماه (الكاشحون) رماهم، ترك الخطاب وجاء بغيبه كما قال الآخر:
إلى هوذة الوهاب أعملت مدحتي.......أرجي عطاء فاضلاً من نوالكا
وقال الله عز وجل: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}، ومثله قول عنترة:
حلت بأرض الزائرين فأصبحت.......عسرًا على طلابك ابنة مخرم
قال فأصبحت ثم قال طلابك، وهذا كثير في القرآن والكلام، وأصل الكاشح المتأخر يقال كشح عن الماء إذا تأخر عنه فلم يدن ولم يشرب إما من برد وإما من خوف، وكذلك في المودة هو المتأخر عن مودتك
26: ولذاكم زعمت تميم أنه.......أهل السماحة والندى والباع
(الباع): البسطة في الندى والجود، و(السماحة): السهولة، (والندى): السخاء بالإعطاء والباع التوسع فيه.
[شرح المفضليات: 91-100]