65
وقال أبو دواد الإيادي *
[واسمه جارية بن الحجاج بن حذاق]
1 منع النوم ماوى التهمام = وجدير بالهم من لا ينام
2 من ينم ليلة فقد أعمل الليـ = ل وذو البث ساهر مستهام
ـــــــــــ
(*) ترجمته: أبو دواد، بدالين مهملتين أولاهما مضمومة بعدها واو: شاعر جاهلي وقيل اسمه جارية بن الحجاج، وقيل حنظلة بن الشرقي. وهو أحد نعات الخيل المجيدين، والآخران – والنابغة الجعدي. قالوا: وإنما أحسن نعت الخيل لأنه كان على خيل المنذر بن النعمان بن المنذر. قال الأصمعي: كانت العرب لا تروي شعر أبي دواد؛ لأن ألفاظه ليست بنجدية. وكان أبو دواد قد جاور كعب بن ثمامة الإيادي، فكان إذا هلك له بعير أو شاة أخلفها، فضرب العرب المثل به فقالوا: جار كجار أبي دواد. وقيل جار أبي دواد هو الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان. انظر الشعراء 120 – 122 والأغاني 15: 91 – 96 والخزانة 4: 190/ 3: 438 والعيني 2: 391 – 395 وشواهد المعنى للسيوطي 124 واللآلي 879.
جو القصيدة: بث همه وما يعاني في ليله، ثم تخيل ضغائن الحبيبة وصواحباتها فأجرى في ذلك غزلاً طريفًا، ثم ذهب يعتب على كعب بن مامة ما بلغه عنه – وقد أخطأ صاحب الخزانة في زعمه أن هذه القصيدة رثاء له في كعب – ثم جعل يرثي من طواه الردى من أقاربه شبابهم وكهولهم، وانتقل انتقالاً إلى نعت إبله وسمنها، ووصفها إذ تقبل وإذ تعرض، وإذ تبدو في غوامض الأرض كالنخيل في سمومها وعلوها، وأنها لجسامتها تستر الجبال والآكام. ثم انتقل إلى وصف خيله وما خاض بها الحروب والأهوال.
تخريجها: هي في الأوربية برقم 72. والبيت 6 في اللسان 3: 198/ 20: 78. و7 فيه 17: 294. و9 فيه 14: 338. و11 في الحيوان 4: 123. و11 – 14 في الشعراء 120 – 121. و15 في الأغاني 15: 94. و15 – 17، 24 في الشعراء 122 والخزانة 4: 190 – 191. و22 في اللسان 16: 109 غير منسوب و19: 186 منسوبًا. و25، 27، 28، 31 في الشعراء 122. و25، 27 – 29 في البلدان 5: 120. و27 في اللسان 8: 172. و29 فيه 3: 126. و31 في اللسان 14: 335 وأساس البلاغة 1: 56. و37 في اللسان 12: 342. و38 فيه 18: 148. وفي اللسان 11: 324 بيت لأبي دواد قافيته رائية يشبه البيت 16.
(1) ماوى: أراد: يا ماوية. التهمام: الهم، وهو «تفعال» منه، بناء موضوع للتكثير.
(2) أعمل الليل: أحث المعلى وأسوقها في الليل. البث: الحزن والغم. مستهام: ذاهب اللب.
3 هل ترى من ظعائن باكرات = كالعدولي سيرهن انقحام
4 واكنات يقضمن من قضب الضر = م ويشفى بدلهن الهيام
5 وسبتني بنات نخلة لو كنتـ = ت قريبًا ألم بي إلمام
6 يكتبين الينجوج في كبة المش = تى وبله أحلامهن، وسام
7 ويصن الوجوه في الميسنانـ = ى كما صان قرن شمس غمام
8 وتراهن في الهوادج كالغز = لان ما إن ينالهن السهام
9 نخلات من نخل بيسان أينع = ن جميعًا ونبتهن تؤام
10 وتدلت على مناهل برد = وفليج من دونها وسنام
11 وأتاني تقحم كعب لي المنـ = طق إن النكيثة الإقحام
12 في نظام ما كنت فيه فلا يحـ = زنك شيء، لكل حسناء ذام
ـــــــــــــ
(3) الظعائن: الإبل عليها هوادج النساء. باكرات: مبكرات. العدولي: السفين المنسوب «عدولي» وهي قرية بالبحرين تنسب إليها السفن. الانقحام: أن يقتحم منزلاً بعد منزل يطويه.
(4) واكنات: جالسات مطمئنات. يقضمن: من القضم، وهو الأكل بأطراف الأسنان. ضراس. قضب: جمع قضيب. الضرم، بكسر الضاد وضمها: شجر طيب الريح، وفي الأوربية وهو بالكسر والفتح: شجر طيب الريح أيضًا. أراد بذلك السواك.
(5) نخلة: موضع.
(6) يكتبين: يتبخرن بالكباء، بكسر الكاف وتخفيف الباء، وهو العود. الينجوج: العود. المشي: شدة الشتاء ومعظمه. بله أحلامهن. غافلات عن الخنا والخب. وسام: جمع وسيمة، الثابتة الحسن، كأنها قد وسمت.
(7) الميسناني: ضرب من الثياب، نسبة على غير قياس إلى «ميسان» وهي كورة بين البصرة.
(8) السهام: الضمر وتغير اللون وذبول الشفتين.
(9) بيسان: موضع بالأردن. تؤام: جمع توأم، وهو من الجمع العزيز. شبه الظعائن بالمنخل. المفضلية 54: 5.
(10) برد، وفليج، وسنام: مواضع.
(11) التقحيم: أن يجعله يقحم، أي يدخل في الأمر فجأة بغير روية. كعب: هو ابن الإيادي. النكيثة: الخطة الصعبة.
(12) في نظام، قال العيني: «يعني رماني بأمر ما كنت في جنسه، يقال: فلان في ذلك النظام، أي في تلك الطريقة، ثم رجع إلى نفسه فقال: لا يحزنك». ذام: عيب.
13 ولقد رابني ابن عمي كعب = أنه قد يروم ما لا يرام
14 غير ذنب بني كنانة إني = إن أفارق فإنني مجذام
15 لا أعد الإقتار عدمًا، ولكن = فقد من قدر رزئته الإغدام
16 من رجال من الأقارب فادوا = من حذاق هم الرؤوس العظام
17 فهم للملائمين أناة = وعرام إذا يراد العرام
18 وسماح لدي السنين إذا ما = قحط القطر واستقل الرهام
19 ورجال أبوهم وأبى عمـ = رو وكعب، بيض الوجوه جسام
20 وشباب كأنهم أسد غيل = خالطت فرط حدهم أحلام
21 وكهول بني لهم أولوهم = مأثرات يهابها الأقوام
22 سلط الدهر والمنون عليهم = فلهم في صدى المقابر هام
23 وكذاكم مصير كل أناس = سوف، حقا، تبليهم الأيام
ــــــــــــــــ
(14) مجذام: قطاع ماض.
(15) الإقتار: قلة المال وضيق العيش. العدم والإعدام: الفقر. وفي الشنقيطية: «وقيل للخطيئة: من أشعر الناس؟ فقال: القائل لا أعد الإقتار».
(16) فادوا: ماتوا، فاد يفيد فيدًا، إذا مات. حذاق: قبيلة من إياد، كما في الشعراء 121. والذي في الاشتقاق 105 «حذاقة» ونص عليها في القاموس واللسان، وزاد في اللسان أنه «ورد في شعر أبي دواد حذاق بغير هاء».
(17) الملائمون: الموافقون. أناة: تأن ورفق، وصف بالمصدر. العرام: الشدة والقوة والشراسة.
(18) استقل: ارتحل. الرهام: الأمطار الضعيفة، الواحدة رهمة، بكسر الراء، أراد القحط وامتناع المطر.
(20) الغيل: الأجمة، وهي الشجر الكثير الملتف. الحد: الحدة والضغب، وفرطها: غلبتها وإسرافها.
(22) الهام: جمع هامة، وكانوا يزعمون أن عظام الميت، وقيل روحه، تصير هامة فتطير، ويسمونه الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه.
24 فعلى إثرهم تساقط نفسي = حسرات وذكرهم لي سقام
25 إبلي الإبل لا يحوزها الرا = عون مج الندى عليها المدام
26 وتدلت بها المغارض فوق ال = ـأرض ما إن تقلهن العظام
27 سمنت فاستحش أكرعها، لا الـ = نى نى ولا السنام سنام
28 فإذا أقبلت تقول إكام = مشرفات فوق الإكام إكام
29 وإذا أعرضت تقول قصور = من سماهيج فوقها آطام
30 وإذا ما فجئتها بطن غيب = قلت نخل قد حان منها صرام
31 وهي كالبيض في الأداحي مايو = هب منها لمستتم عصام
32 غير ما طيرت بأوبارها الفق = رة في حيث يستهل الغمام
ـــــــــــ
(25) لا يحوزها: لا يجمعها، وفي الشنقيطية «أي لكثرتها تبقى في البرية». مج الندى: يمجه، يريد ماءه. المدام: في الشنقيطية: «الذي يدوم».
(26) المغارض: جمع مغرض، بفتح الميم وكسر الراء، وهو جانب البطن أسفل الأضلاع، وهي مواضع الغرض من بطونها، والغرض: حزام الرجل. عني أنها سمينة عظيمات البطون. تقلهن:
(27) استحش: استدق. الني: الشحم. وإنما تستدق أكرعها في رأي العين، ليس لأن العظام تستدق بالشحم.
(29) سماهيج: جزيرة في وسط البحر بين عمان والبحرين. الآطام: جمع أطم، بضمتين بالضم وسكون، وهو الحصن المبني بالحجارة.
(30) بطن غيب: في بطن غيب، والغيب: ما اطمأن من الأرض. الصرام: جداد النخل، قطع ثمرتها واجتناؤها.
(31) الأداحي: جمع أدحى، وهو الموضع الذي تبيض فيه النعامة. المستم: الذي يطلب الصوف والوبر ليتم به نسج كسائه، والموهوب تمة، بضم التاء وكسرها، أي هذه الإبل كالبيض الصيانة، وقيل في الملاسة، لا يوهب منها لمستم، أي لا يوجد فيها ما يوهب، لأنها قد سمنت وألقت، أو لا يوهب منها لعزتها على أهلها. العصام: خيط القربة. وهذا الشرح مقتبس من اللسا والتاج، وقد رووا البيت في مادة «ت م م». والذي في الأصلين هنا «لمستنيم» وفسر الحرف الشنقيطية بما لم نستطع قراءته ولا تصحيحه، ولم نجد توجيهًا لها في مادة «ن وم» والذي أمكن من الشطر الأخير ونصه: «أي لا يهبها ولا يركبها لأنها بحائر، قد ولدت كل منها خمس إناث».
(32) الفقرة: نبت. يريد أنها سمنت من رعى هذا النبت فطارت عنها أوبارها.
33 فهي ما إن تبين من سلف أر = عن طود لسربه قدام
34 مكفهر على حواجبه يغر = رق في جمعه الخميس اللهام
35 فارس طارد وملتقط بي = ضًا ويخل تعدو وأخرى صيام
36 قد براهن غرة الصيد والإع = داء حتى كأنهن جلام
37 قد تصعلكن في الربيع وقد قـ = رع جلد الفرائض الأقدام
38 جاذيات على السنابك قد أف = زعهن الإسراج والإلحام
39 لجب تسمع الصواهل فيه = وحنين اللقاح والإرزام
40 بعري دونها وتقرن بالقيـ = ظ وقد دله الرباع البغام
ــــــــــــــ
(33) السلف: المتقدم، أراد به هنا المتقدم من الجبل، وفي طبعة أوربة «عن سند»، والسند: ما قابلك من الجبل وعلا عن السفح. الأرعن: الجبل الذي له رعن، بسكون العين، وهو الأنف العظيم من الجبل تراه متقدمًا. السرب، بكسر السين وفتحها: الطريق. يريد أن هذه الإبل لعظمها تستر الجبل.
(34) مكفهر: يضرب لونه إلى الغبرة. حواجبه: نواحيه وحروفه. الخميس: الجيش. اللهام: الجيش الكثير، كأنه يلتهم كل شيء.
(35) صيام: قيام.
(36) الإعداء: حملها على الجري والعدو. والجلام: جمع جلم، وهو الجدي، شبهها بها لضمرها. انظر المفضلية 97: 31.
(37) تصعلكن: دققن وطار شعرها عنها. التقريع: قص الشعر وإزالته. الفرائض: جمع فريضة، وهي موضع قدم الفارس، كما في اللسان في غير موضعه 12: 342 وشرح القاموس 7: 153 وفي الشنقيطية والأوربية «الفرائص» بالمهملة، وصححناه منهما ومن إحدى النسخ التي أشار إلهيا ناشر الأوربية.
(38) جاذيات: ثابتات قائمات.
(39) لجب: يريد عسكرا لجبًا، وهو العرمرم ذو اللجب والكثرة، واللجب: الصوت والصياح. اللقاح: جمع لقحة، وهي ذوات الألبان من الإبل. الإرزام: صوت تخرجه الناقة من حلقها لا تفتح به فاها.
(40) دلها: أذهب فؤادها. الرباع: جمع ربع، بضم الراء وفتح الباء، وهو الفصيل ينتج في الربيع. البغام: أن تقطع الناقة الحنين ولا تمده.
[شرح الأصمعيات: 185-189]