12
وقال رجل من غني:
قلت: هو سهم بن حنظلة الغنوي *
1: إن العواذل قد أتعبنني نصبا = وخلتهن ضعيفات القوى كذبا
2: الغاديات على لوم الفتى سفهًا = فيما استفاد ولا يرجعن ما ذهبا
3: يا أيها الراكب المزجي مطيته = لا نعمة تبتغي عندي ولا نسبا
4: اعص العواذل وارم الليل عن عرض = بذي سبيب يقاسي ليله خببا
5: نابى المعدين خاظ لحمه زيم = سام يجذ جياد الخيل منجذبا
6: ملء الحزام إذا ما اشتد محزمه = ذي كاهل ولبان يملأ اللببا
7: يظل يخلج طرف العين مشترفًا = فوق الإكام إذا ما انتص وارتقبا
8: كالسمع لم ينقب البيطار سرته = ولم يدجه ولم يضرب له عصبا
9: عاري النواهق لا ينفك مقتعدا = في المطنيات كأسراب القطا عصبا
10: ترى العناجيج تمرى بعدما لغبت = بالقد مريا، وما يمرى وما لغبا
11: يدني الفتى للغنى في الراغبين إذا = ليل التمام أهم المقتر العزبا
12: حتى يصادف مالاً أو يقال فتى = لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا
13: إن انتيابك مولى السوء تسأله = مثل القعود ولما تتخذ نشبا
14: إذا افتقرت نأى واشتد جانبه = وإن رآك غنيا لان واقتربا
15: وذو القرابة عند النيل يطلبه = وهو البعيد إذا ما جئت مطلبا
16: لا يحملنك إقتار على زهد = ولا تزال في عطاء الله مرتغبا
17: لا، بل سل الله ما ضنوا عليك به = ولا يمن عليك المرء ما وهبا
18: ألا ترى أنما الدنيا معللة = أصحابها ثم تسرى عنهم سلبا
19: بينا الفتى في نعيم يطمئن به = رد البئيس عليه الدهر فانقلبا
20: أو في بئيس يقاسيه وفي نصب = أمى وقد زايل البأساء والنصبا
21: ومن يسوي قصيرا باعه حصرًا = ضيق الخليقة عثارًا إذا ركبا
22: بذي مخارج وضاح، إذا ندبوا = في الناس يوما إلى المخشية انتدبا
23: لا تك ضبا إذا استغنى أضر ولم = يحفل قرابة ذي قربى ولا نسبا
24: الله يخلف ما أنفقت محتسبًا = إذا شكرت، ويؤتيك الذي كتبا
25: مثلي يرد على العادي عداوته = ويعتب المرء ذا القربى إذا عتبا
26: تحمي على أنوف أن أذل ولا = يحمي مناوئها أنفًا ولا ذنبا
27: أنا ابن أعصر أسمو للعلى، وترى = فيمن أقاذف عن أعراضهم نكبا
28: إذا قتيبة مدتني حوالبها = بالدهم تسمع في حافاتها لجبا
29: مد الخليج ترى في مده تأقًا = وفي الغوارب من آذيه حدبا
30: لا يمنع الناس مني ما أردت ولا = أعطيهم ما أرادوا، حسن ذا أدبا
31: لا تخفض الحرب للدنيا إذا استعرت = ولا تبوخ إاذ كنا لها شهبا
32: حتى نشد الأساري بعد ما فزعوا = من بين متكئ قد فاظ أو كربا
33: سائل بنا حي علياء فقد شربوا = منا بكأس فلم يستمرئوا الشربا
34: إنا نحسهم بالمشرفي وهم = كالهيم تغشى بأيدي الذادة الخشبا
(*) الظاهر أن الذي يقول «قلت هو سهم إلخ» هو أحد الرواة عن الأصمعي.
ترجمته: هو سهم بن حنظلة، أحد بني غنى بن أعصر، فارس مشهور شاعر محسن، وهو مخضرم، روى له ابن السكيت 248 – 249 بيتين يخاطب بهما مروان بن الحكم. وقد أخطأ الآمدي في المؤتلف فظن أن سهمًا صاحب هذه القصيدة غير سهم بن حنظلة، جعلهما اثنين. وانظر الإصابة 3: 171 والمؤتلف 136 والسمط 740 والخزانة 4: 123 – 125.
جو القصيدة: يشكو العواذل وقد أنصبته عنتا، وجعلن يلمنه على الإنفاق. ثم يبذل نصحه لمن يرجو الغنى أن لا يقعد عاجزًا، وإنما ينطلق في الأرض جادًا، على فرس منعوت، حتى يصادف المال أو يلقى المنية، فإن أحدهما أشرف من القعود وسؤال مولي السوء، الذي يدنو منه حين اليسر، ويتنكر له إذا أصابه العمر. وهو بعد يبث روح الأمل في صاحبه، الأمل في الحياة، والأمل في رحمة الله التي وسعت كل شيء. ثم صور لصاحبه تقلب الحالات ومداولة الأيام، ويزين له ما في اللباقة والحلم والجرأة من جمال، وينصحه أن لا يبطره الغنى ويذهله عن أهله وذوي قرباه. ثم فخر بحزمه مع العدو والصديق، وبعزة قومه وكرم منصبه، وبلاء عشيرته في الحفاظ والحرب وقهر العدو.
تخريجها: هي برقم 3 في طبعة أوربة. والأبيات 4، 8، 12 في العمدة 1: 54 – 55 في قصة ليزيد بن معاوية. والبيتان 4، 8 في الحيوان 1: 182. والبيتان 4، 12 في ابن السكيت 452 – 453 غير منسوبين. وهما في المرزباني 341 منسوبين خطأ لكعب بن سعد الغنوي. والبيتان 11، 12 في المؤتلف 136 ونسبهما لسهم «صاحب القصيدة المختارة الطويلة التي يقول فيها»؛ فجعله آخر غير سهم بن حنظلة، وقد أخطأ في ذلك كما قلنا في الترجمة وكما قال صاحب الخزانة. والأبيات 14، 15 و24، 17، 30 وتخللها ثمانية أبيات أخر ليست هنا، في الخزانة 4: 123 – 125. والبيت 26 في ابن السكيت 31 ومعه بيت آخر، وذاك البيت الآخر في الكنز اللغوي 44 والنسبة في كليهما لسهم بن حنظلة الغنوي. والبيت 30 في الأنباري 640 والنقائض 41 غير منسوب، وفي اللسان 16: 269 منسوبًا لسهم. وهو أيضًا في السمط 740 ومعه البيت المزيد في ابن السكيت منسوبين لسهم.
(1) أزجى: مطيته: ساقها ودفعها.
(4) رماه عن عرض: أي عن شق وناحية لا يباليه. بذي سبيب: يعني فرسًا، والسبيب: شعر الناصية، الخبب: ضرب من العدو.
(5) المعدان: موضع دفتي السرج، ونبوهما: ارتفاعهما. الحاظي: الكثير اللحم. لحمه زيم: متعنسل متفرق ليس بمجتمع في مكان فيصير بادنًا. السامي: المرتفع. يجذ: يقطع، يعني أنه يقطعها عن اللحاق به. الانجذاب: سرعة السير، وقد انجذبوا في السير، وانجذب بهم السير.
(6) ذي كاهل: أي ذي كاهل عظيم، وهو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق. اللبان، بفتح اللام: الصدر. اللبيب: ما يشد في صدر الدابة ليمنع استئخار السرج أو الرحل.
(7) يخلج: يحرك. المشترف: المشرف، وذكور الخيل توصف بالإشراف في جريها. الإكام: جمع أكمة. انتص: ارتفع. ارتقب: أشرف وعلا فوق علم أو رابية.
(8) السمع، بكسر السين: ولد الذئب من الضبع. لم يدجه: لم يقطع ودجه، وهو عرق في العنق، والنوديج والودج: قطعه، وهو في الدواب كالفصد في الناس. والمراد بالبيت أن هذا الفرس بريء من العلل، لم يحتج إلى بيطار.
(9) عاري النواهق: انظر 3: 8. مقتعدًا: مركوبًا، والاقتعاد الركوب. المنطبات: التي يتبع بعضها بعضًا في السير. جعل خيل هذه الغارة كالقطا سرعة وتجمعًا.
(10) العناجيج: الجياد الروائع من الخيل. تمري: يستخرج ما عندها من الجري بسوط أو غيره. لغبت: تعبت وأعيت. القد، بالكسر: السوط. يقول: لا يحتاج هذا الفرس إلى حفز بالسوط أو غيره ولا يعيا.
(11) الراغبون: أراد بهم الأغنياء الموسرين، ولم ترد هذه الصفة في المعاجم، وإنما فيها «رجل مرغب» أي موسر له مال كثير رغيب. ليل التمام: أطول ليالي الشتاء. المقتر: الفقير المقل. العزب: الذي لا زوج له.
(12) تشعب الفتيان: تفرقهم وتهلكهم، عنى بها المنية، ومن ذلك تسمى «شعوب».
(13) انتيابك: انتاب الرجل القوم: قصدهم وأتاهم مرة بعد مرة. النشب: المال الأصيل.
(15) يقول: وهو يقرب منك إذا رغب في نيلك وعطائك، فإذا ما طلبت منه شيئًا نأى عنك.
(16) الزهد، بضم فسكون، معروف، وضم الهاء إتباع، ويقال أيضًا بفتحتين. مرتغبًا: راغبًا.
(18) التعليل: أن يلهيه ويشغله بالقليل. تسري عنهم السلب: تنزعه، والسلب ما يسلب، أي تأخذ ما أعطت.
(19) البئيس: مصدر كالبؤس.
(20) يريد: أو بينا هو في بؤس إذا هو صار في نعيم.
(21) الباع: مسافة ما بين الكفين إذا بسطتهما، وقصره يكني به عن العجز وضعف الحيلة. الحصر: العيني في منطقه. الضيق، بإسكان الياء: مخفف «الضيق» بتشديدها.
(22) بذي مخارج: يعني من يسوي ذاك برجل يحسن الخروج من المآزق. الوضاح: الحسن الوجه الأبيض البسام. المخشية: الأمر العظيم يخشى منه، انتدبا، ندبه للأمر فانتدب له، أي دعاء له فأجاب.
(23) لم يحفل: لم يبال، يقال «ما حفله» و«ما حفل به». والضب يضرب به المث في العقوق، يقال «أعق من ضب»
(25) عتب: سخط ووجد. وأعتبه: أزال ما كان سببًا للسخط والموجدة.
(26) المناوأة: المفاخرة والمعاداة. يريد أن قومه يأبون ذله، وأن مناوئهم لا يحمي شيئًا.
(27) أعصر: هو ابن سعد بن قيس بن عيلان، وهو أبو غني قبيل الشاعر. النكب، بفتح الكاف: شبه ميل في المشي.
(28) قتيبة: هو ابن معن بن أعصر. حوالبها: أصله من حوالب البئر، وهي منابع مائها. الدهم: الخيل السود، والعرب تقول: ملوك الخيل دهمها. اللجب: الصوت والصياح والجلبة.
(29) التأق: شدة الامتلاء. الغوارب: أعلى الأمواج. الآذى: الموج. الحدب: ارتفاع الموج.
(30) حسن، بضم الحاء وفتحها مع سكون السين: أصلها «حسن» بفتح فضم، فخفف الضم إلى السكون، ونقل الضم إلى الحاء في اللغة الأولى، وإنما يجوز النقل إذا كان بمعنى المدح أو الذم، وانظر اللسان 16: 269.
(31) الخفض: ضد الرفع. تبوخ: تسكن وتفتر. شهب: جمع شهاب، وهو الشعلة من النار.
(32) الأساري، بضم الهمزة وفتحها: جمع أسير. فاظ: مات. كرب: دنا، يريد قارب الموت.
(34) نحسهم: نقتلهم قتلا ذريعًا. المشرفي: سيف منسوب إلى المشارف، وهي قرى للعرب تدنو إلى الريف، أو نسبة إلى «مشرف» رجل من ثقيف. الهيم: الإبل العطاش. الذادة: الذين ودون الإبل يدفعونها.
[شرح الأصمعيات: 53-56]