دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو القعدة 1429هـ/6-11-2008م, 08:22 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب قضاء الحاجة(5/9) [حكم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وشروط الاستجمار]

96 - وعن سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: لقد نَهَانَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ. رواهُ مسلِمٌ.

97 - وللسبعةِ مِن حديثِ أبي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ((لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا)).

  #2  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 03:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

11/88 - وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينِ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عنه) هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ: سَلْمَانُ الخَيْرِ؛ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَصْلُهُ مِنْ فَارِسَ، سَافَرَ لِطَلَبِ الدِّينِ وَتَنَصَّرَ، وَقَرَأَ الكُتُبَ، وَلَهُ أَخْبَارٌ طَوِيلَةٌ نَفِيسَةٌ، ثُمَّ تَنَقَّلَ حَتَّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ، وَحَسُنَ إسْلاَمُهُ.
وَكَانَ رَأْساً فِي أَهْلِ الإِسْلاَمِ، وَقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ)).
وَوَلاَّهُ عُمَرُ المَدَائِنَ، وَكَانَ مِن المُعَمِّرِينَ، قِيلَ: عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلاَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ.
وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِعَطَائِهِ، مَاتَ بِالمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسِينَ. وَقِيلَ: اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ.
(قَالَ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ) المُرَادُ أَنْ نَسْتَقْبِلَ بِفُرُوجِنَا عِنْدَ خُرُوجِ الغَائِطِ أَو البَوْلِ.
(أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينِ) وَهَذَا غَيْرُ النَّهْيِ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِاليَمِينِ عِنْدَ البَوْلِ الَّذِي مَرَّ.
(أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ) الِاسْتِنْجَاءُ: إزَالَةُ النَّجْوِ بِالمَاءِ أَو الحِجَارَةِ.
(أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ) وَهُوَ الرَّوْثُ (أَوْ عَظْمٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
الحَدِيثُ فِيهِ النَّهْيُ عَن اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ، وَهِيَ الكَعْبَةُ، كَمَا فَسَّرَهَا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فِي قَوْلِهِ: "فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الكَعْبَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ" وَسَيَأْتِي.
ثُمَّ قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَن اسْتِدْبَارِهَا أيضاً، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعاً: ((إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا)). وَغَيْرِهِ مِن الأَحَادِيثِ.
وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ هَلْ هَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لاَ؟
عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:
الأَوَّلُ: أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ، بِلاَ فَرْقٍ بَيْنَ الفَضَاءِ وَالعُمْرَانِ، فَيَكُونُ مَكْرُوهاً. وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ، بِقَرِينَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ: "رَأَيْتُه قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا.
وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلاً لِبَيْتِ المَقْدِسِ مُسْتَدْبِراً لِلْكَعْبَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَحَدِيثِ عَائِشَةَ: ((فَحَوِّلُوا مَقْعَدَتِي إلَى القِبْلَةِ)). المُرَادُ بِمَقْعَدَتِهِ: مَا كَانَ يَقْعُدُ عَلَيْهِ حَالَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ إلَى القِبْلَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَأَوَّلُ الحَدِيثِ، أَنَّهُ "ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِم القِبْلَةَ، قَالَ: ((أَرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوا، اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي القِبْلَةَ)). هَذَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي المِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ الصَّلْتِ: هَذَا الحَدِيثُ مُنْكَرٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِيهِمَا لِظَاهِرِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ. وَالأَحَادِيثُ الَّتِي جُعِلَتْ قَرِينَةً عَلَى أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ لِعُذْرٍ وَلِأَنَّهَا حِكَايَةُ فِعْلٍ لاَ عُمُومَ لَهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُبَاحٌ فِيهِمَا، قَالُوا: وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا التَّقْيِيدَ بِقَبْلِ عَامٍ وَنَحْوَهُ، وَاسْتَقْوَاهُ فِي الشَّرْحِ.
الرَّابِعُ: يَحْرُمُ فِي الصَّحَارِي دُونَ العُمْرَانِ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الإِبَاحَةِ وَرَدَتْ فِي العُمْرَانِ، فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ عَامَّةٌ، وَبَعْدَ تَخْصِيصِ العُمْرَانِ بِأَحَادِيثِ فِعْلِهِ الَّتِي سَلَفَتْ بَقِيَت الصَّحَارِي عَلَى التَّحْرِيمِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ القِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك فَلاَ بَأْسَ بِهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا القَوْلُ لَيْسَ بِالبَعِيدِ، لِبَقَاءِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى بَابِهَا، وَأَحَادِيثِ الإِبَاحَةِ كَذَلِكَ.
الخَامِسُ: الفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِقْبَالِ فَيَحْرُمُ فِيهِمَا، وَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِوُرُودِ النَّهْيِ فِيهِمَا عَلَى سَوَاءٍ.
فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ أَقْرَبُهَا الرَّابِعُ، وَقَدْ ذُكِرَ عَن الشَّعْبِيِّ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ فِي الصَّحْرَاءِ أَنَّهَا لاَ تَخْلُو عَنْ مُصَلٍّ مِنْ مَلَكٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ؛ فَرُبَّمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ؛ رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ سُئِلَ- أَي: الشَّعْبِيُّ - عَن اخْتِلاَفِ الحَدِيثَيْنِ؛ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ يَسْتَدْبِرُ القِبْلَةَ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ فَقَالَ: صَدَقَا جَمِيعاً، أَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ فِي الصَّحْرَاءِ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً مَلاَئِكَةً وَجِنًّا يُصَلُّونَ فَلاَ يَسْتَقْبِلُهُمْ أَحَدٌ بِبَوْلٍ وَلاَ غَائِطٍ، وَلاَ يَسْتَدْبِرُهُمْ، وَأَمَّا كَنَفُكُمْ فَإِنَّمَا هِيَ بُيُوتٌ بُنِيَتْ، لاَ قِبْلَةَ فِيهَا.
وَهَذَا خَاصٌّ بِالكَعْبَةِ، وَقَدْ أُلْحِقَ بِهَا بَيْتُ المَقْدِسِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن اسْتِقْبَالِ القِبْلَتَيْنِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ" وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لاَ يَقْوَى عَلَى رَفْعِ الأَصْلِ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ القَوْلُ بِكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ القَمَرَيْنِ؛ لِمَا يَأْتِي فِي الحَدِيثِ الثَّانِي عَشَرَ.
وَالاسْتِنْجَاءُ بِاليُمْنَى تَقَدَّمَ الكَلاَمُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: "أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، وَقَدْ وَرَدَ كَيْفِيَّةُ اسْتِعْمَالِ الثَّلاَثِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:"حَجَرَانِ لِلصَّفْحَتَيْنِ وَحَجَرٌ لِلْمَسْرُبَةِ" وَهِيَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ مَضْمُومَةٍ أَوْ مَفْتُوحَةٍ: مَجْرَى الحَدَثِ مِن الدُّبُرِ.
وَلِلْعُلَمَاءِ خِلاَفٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالحِجَارَةِ؛ فَالهَادَوِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ إلاَّ عَلَى المُتَيَمِّمِ، أَوْ مَنْ خَشِيَ تَعَدِّيَ الرُّطُوبَةِ وَلَمْ تَزُل النَّجَاسَةُ بِالمَاءِ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الحَالَةِ مَنْدُوبٌ لاَ وَاجِبٌ؛ وَإِنَّمَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالمَاءِ لِلصَّلاَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ المَاءِ وَالحِجَارَةِ أَيُّهُمَا فَعَلَ أَجْزَأَهُ، وَإِذَا اكْتَفَى بِالحِجَارَةِ فَلاَ بُدَّ عِنْدَهُ مِن الثَّلاَثِ المَسَحَاتِ، وَلَوْ زَالَت العَيْنُ بِدُونِهَا، وَقِيلَ: إذَا حَصَلَ الإِنْقَاءُ بِدُونِ الثَّلاَثِ أَجْزَأَ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِثَلاَثٍ فَلاَ بُدَّ مِن الزِّيَادَةِ، وَيُنْدَبُ الإِيتَارُ. ويَجِبُ التَّثْلِيثُ فِي القُبُلِ وَالدُّبُرِ؛ فَتَكُونُ سِتَّةَ أَحْجَارٍ، وَوَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ.
قُلْتُ: إلاَّ أَنَّ الأَحَادِيثَ لَمْ تَأْتِ فِي طَلَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمَا إلاَّ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، وَجَاءَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الدُّبُرِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي القُبُلِ، وَلَوْ كَانَت السِّتُّ مُرَادَةً لَطَلَبَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إرَادَتِهِ التَّبَرُّزَ، وَلَوْ فِي بَعْضِ الحَالاَتِ، فَلَوْ كَانَ حَجَرٌ لَهُ سِتَّةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَ المَسْحُ بِهِ.
وَيَقُومُ غَيْرُ الحِجَارَةِ مِمَّا يُنَقِّي مَقَامَهَا، خِلاَفاً لِلظَّاهِرِيَّةِ فَقَالُوا بِوُجُوبِ الأَحْجَارِ تَمَسُّكاً بِظَاهِرِ الحَدِيثِ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ المُتَيَسِّرُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَهْيُهُ أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ، وَلَوْ تَعَيَّنَت الحِجَارَةُ لَنَهَى عَمَّا سِوَاهَا، وَكَذَلِكَ نَهَى عَن الحُمَمِ، فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: ((مُرْ أُمَّتَك أَنْ لاَ يَسْتَنْجُوا بِرَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقاً)) فَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي العَظْمِ أَنَّهَا مِنْ طَعَامِ الجِنِّ، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِيهِ: "أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجِنِّ لَمَّا سَأَلُوهُ الزَّادَ: ((لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْماً، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ)).
وَلاَ يُنَافِيهِ تَعْلِيلُ الرَّوْثَةِ بِأَنَّهَا رِكْسٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ فَأَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: ((إنَّهَا رِكْسٌ)) فَقَدْ يُعَلَّلُ الأَمْرُ الوَاحِدُ بِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ، وَلاَ مَانِعَ أيضاً أَنْ تَكُونَ رِجْساً، وَتُجْعَلَ لِدَوَابِّ الجِنِّ أكلاً، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّهْيِ عَن اسْتِقْبَالِ القَمَرَيْنِ الحَدِيثُ الآتِي:

12/89 - وَلِلسَّبْعَةِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ((وَلاَ تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا)).
قَوْلُهُ: (وَلِلسَّبْعَةِ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ) وَاسْمُهُ: خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ الأَنْصَارِيُّ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ شَهِدَ بَدْراً، وَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ قُدُومِهِ المَدِينَةَ عَلَيْهِ، مَاتَ غَازِياً سَنَةَ خَمْسِينَ بِالرُّومِ، وَقِيلَ: بَعْدَهَا.
وَالحَدِيثُ مَرْفُوعٌ، أَوَّلُهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذَا أَتَيْتُم الغَائِطَ)) الحَدِيثَ؛ وَفِي آخِرِهِ مِنْ كَلاَمِ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الكَعْبَةِ... الحَدِيثَ، تَقَدَّمَ.
فَقَوْلُهُ: (ولاَ تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا). صَرِيحٌ فِي جَوَازِ اسْتِقْبَالِ القَمَرَيْنِ وَاسْتِدْبَارِهمَا؛ إذْ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَا فِي الشَّرْقِ أَو الغَرْبِ غَالِباً.

  #3  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 03:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

83 - وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
مفرداتُ الحديثِ:
- لَقَدْ: (اللامُ) للابتداءِ، وهي و(قد) جاءَتَا لتوكيدِ الخبرِ.
- الْقِبْلَةَ: بكسرِ القافِ وسكونِ الباءِ الموَحَّدَةِ: هي الكعبةُ المشرَّفةُ.
- أَحْجَارٍ: كُسارةُ الصخورِ الصلبةِ، واحِدُه حَجَرٌ، وجَمْعُه أحجارٌ وحِجارةٌ.
- رَجِيعٍ: الرَّجِيعُ: بفتحِ الراءِ وكسرِ الجيمِ، بعدَها ياءٌ، وبعدَ الياءِ عينٌ مُهْمَلَةٌ، هو رَوْثُ ذِي الحافرِ, وفي الحُكْمِ يَشْمَلُه وغيرَه، وسيأتي إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
- عَظْمٍ: جَمْعُه عِظامٌ وأَعْظُمٌ، هو قَصَبُ الحيوانِ الذي عليه اللحمُ.
قالَ الأطباءُ: العظمُ عضوٌ صُلْبٌ، تَبْلُغُ صلابتُه إلى أنه لا يُثْنَى.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- النهيُ عن استقبالِ القبلةِ أثناءَ البوْلِ أو الغائطِ؛ لأنها قِبْلَةُ الصلاةِ وغيرِها من العباداتِ، وهي أشرفُ الجهاتِ، وظاهرُ الحديثِ: أنه لا فَرْقَ في الاستقبالِ بينَ الفضاءِ وبينَ البُنيانِ، وسيأتي الخلافُ فيه إنْ شاءَ اللَّهُ، كما أنَّ النهيَ متوجِّهٌ إلى الاستدبارِ؛ لِمَا في الصحيحيْنِ من حديثِ أبي أيُّوبَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ، وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا)). كما سيأتي في الحديثِ الذي بعدَه إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى، فلا تكونُ القبلةُ مُتَّجَهاً للنجاساتِ؛ قالَ تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30].
2- تعظيمُ الكعبةِ المشرَّفَةِ؛ بتَجَنُّبِ كلِّ ما يَمَسُّ قُدُسِيَّتَها ومقامَها مِن المعاصِي حولَها؛ قالَ تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25].
3- تقديسُها بالطاعاتِ؛ كالحَجِّ والاعتمارِ والطوافِ والصلاةِ وسائرِ العباداتِ والقُرُباتِ؛ قالَ تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران:96].
4- تعظيمُ البيتِ العَتيقِ يَشْمَلُ حَرَمَه ممَّا أَدْخَلَتْه الحدودُ التي تَفْصِلُ الحَرَمَ مِن الحِلِّ، ويَشْمَلُ المشاعرَ المقدَّسَةَ مِن مقامِ إبراهيمَ وزَمْزَمَ والصَّفا والمروةِ والمسعَى وعَرَفَاتٍ ومُزْدَلِفَةَ ومِنًى والجَمَرَاتِ؛ فكلُّها من شعائرِ اللَّهِ تعالى.
5- على قاعدةِ أنَّ العباداتِ تَوْقِيفِيَّةٌ، لا يُشْرَعُ منها إلا ما شَرَعَه اللَّهُ ورسولُه؛ فإنها لا تَدْخُلُ هذه المشاعرُ في الحُكْمِ معَ الكعبةِ المشرَّفَةِ بالنهيِ عن استقبالِها واستدبارِها بالبوْلِ والغائطِ، وإنما تُوَافِقُها في أصلِ التعظيمِ.
6- النهيُ عن الاستنجاءِ أو الاستجمارِ باليدِ اليُمنَى؛ تكريماً لها، فيكونُ الاستنجاءُ باليدِ اليسرَى، ما لم يَكُنْ فيها خاتَمٌ فيه ذِكْرُ اسمِ اللَّهِ، فيَجْعَلُه في باطنِ يَدِهِ اليُمْنَى.
7- النهيُ عن الاستجمارِ بأقلَّ مِن ثلاثةِ أحجارٍ، ويُقَيَّدُ هذا النهيُ بما إذا لم يُرِدْ إتْباعَ الحِجارةِ الماءَ، أمَّا إِذَا أَرادَ إِتْباعَها فلا بَأْسَ مِن الاقْتِصارِ على أقلَّ من ثلاثةٍ؛ لأنَّ القصدَ هنا هو تخفيفُ النجاسةِ عن المكانِ فقطْ، لا التطهُّرُ الكامِلُ.
8- ذَكَرَ الأحجارَ بِناءً على الأغلبِ في أعمالِ المُسْتَجْمِرِينَ، وإلاَّ فالقَصْدُ التطهُّرُ بالحجارةِ، أو ما قامَ مقامَها في الإنقاءِ مِن الأخشابِ أو الخِرَقِ أو الوَرَقِ المُنَشِّفِ ونحوِ ذلكَ؛ لأنَّ الغرضَ التطهيرُ، لا نوعٌ بعينِه.
9- ليسَ المرادُ بالأحجارِ عَدَدَها، وإنما المرادُ بذلك المَسَحَاتُ.
قالَ في الرَّوْضِ وحاشيتِه: ويُشْتَرَطُ ثلاثُ مَسَحَاتٍ مُنَقِّيَةٍ فأكثرُ إنْ لم يَحْصُلِ الإنقاءُ بثلاثٍ، ولو كانَتِ الثلاثُ بحجرٍ ذِي شُعَبٍ أَجْزَتْ إنْ أَنْقَتْ؛ لحديثِ جابرٍ: ((فَلْيَمْسَحْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ)). فبَيَّنَ أنَّ الغرضَ عددُ المَسَحاتِ لا الأحجارُ؛ ولأنه يَحْصُلُ بالشُّعَبِ الثلاثِ ما يَحْصُلُ بالأحجارِ الثلاثةِ مِن كلِّ وجهٍ، فلا فَرْقَ.
10- والإنقاءُ بالحَجَرِ أنْ لا يَبْقَى أثرٌ يُزِيلُه إلاَّ بالماءِ، قالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: علامةُ الإنقاءِ أنْ لا يَبْقَى في المَحَلِّ شيءٌ يُزِيلُه الحَجَرُ.
11- النهيُ عن الاستجمارِ بالرَّجِيعِ؛ لأنه إمَّا نَجِسٌ، وإما لأنه عَلَفُ دوابِّ الجِنِّ.
12- النهيُ عن الاستجمارِ بالعظمِ؛ لأنه إما نَجِسٌ، وإما لأنه طعامُ الجِنِّ أَنْفُسِهِم.
13- لعلَّ قائلاً يقولُ: إننا لا نَرَى الجِنَّ ولا دوابَّهُم، ولا نَتَصَوَّرُ وجودَ لحمٍ يَنْبُتُ على العَظْمِ لِيَكُونَ طعاماً لهم، ولا نَتَصَوَّرُ كيفَ يكونُ الروْثُ عَلَفاً لدوابِّهم.
والجوابُ: أنَّ مثلَ هذه الأمورِ من الأحكامِ السمعيَّةِ التوقيفيَّةِ، يَجِبُ الإيمانُ بها متَى صَحَّتْ أخبارُها، ولو لم نُدْرِكْ كيفِيَّتَها، فنحنُ لم نُؤْتَ مِن العلمِ إلاَّ قليلاً، وهناكَ عالَمٌ غَيْبِيٌّ لم نَطَّلِعْ عليه، ولا على أحوالِه، والإيمانُ به من الإيمانِ بالغَيْبِ الذي مَدَحَ اللَّهُ تعالى أهلَه بقولِهِ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3]
14- قالَ الفُقهاءُ: والإنقاءُ بالماءِ: الصبُّ معَ الدَّلْكِ حتى يَعُودَ المَحَلُّ كما كانَ قبلَ خُرُوجِ الخارِجِ ويَسْتَرْخِيَ قليلاً.

84 - ولِلسَّبْعَةِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ((فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا)).
مفرداتُ الحديثِ:
- لاَ تَسْتَقْبِلُوا: (لا) ناهيةٌ، والفعلُ بعدَها مجزومٌ بها.
- شَرِّقوا أو غَرِّبوا: من التشريقِ أو التغريبِ؛ أي: اجْعَلُوا وُجُوهَكُم قِبَلَ المَشْرِقِ أو قِبَلَ المَغْرِبِ حالَ قضاءِ الحاجةِ، وهو خطابٌ لأهلِ المدينةِ ولمَن كانَتْ قِبْلَتُه على ذلكَ، ممَّن إذا شَرَّقُوا أو غَرَّبُوا لا يَسْتَقْبِلُونَ القبلةَ ولا يَسْتَدْبِرُونَها.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- النهيُ عن استقبالِ أو استدبارِ القبلةِ أثناءَ البوْلِ أو الغائطِ.
2- الأمرُ بالتشريقِ أو التغريبِ حتى يَنْحَرِفَ عن استقبالِ القبلةِ واستدبارِها.
3- الأصلُ: أنَّ أَمْرَ الشارعِ ونَهْيَهُ عامَّانِ لجميعِ الأُمَّةِ، ولَكِنْ قدْ يَكونانِ خاصَّيْنِ لبعضِ الأُمَّةِ؛ فإنَّ قولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا)). أمرٌ بالنسبةِ لأهلِ المدينةِ المنوَّرَةِ ومَن هم في سَمْتِهِم، ممَّن إذَا شَرَّقَ أو غَرَّبَ لا يَسْتَقْبِلُ القبلةَ.
4- الحكمةُ في هذا هو تعظيمُ الكعبةِ المشرَّفَةِ، وتَقَدَّمَ الكلامُ عليه.
5- حُسْنُ تعليمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإنه لَمَّا بَيَّنَ الجهةَ المحرَّمَةَ في الاستقبالِ والاستدبارِ؛ عَلَّمَهُم مخرجاً مُباحاً، فلم يَسُدَّ عليهم البابَ ويَتْرُكْهُم، ولكِنَّه أَرْشَدَهم إلى الطريقِ المباحةِ، وله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مِثْلِ هذا قضايا كثيرةٌ؛ مثلُ إرشادِه جابِيَ التمرِ مِن خَيْبَرَ: ((بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيباً)).
6- هذا المنهجُ الحكيمُ في الفتوَى هو الذي يَتَعَيَّنُ على المُفْتِينَ أنْ يَسْلُكُوه، فإنَّ وَصْدَ البابِ أمامَ المُسْتَفْتِي بالتحريمِ والسكوتِ عن مسألةِ الناسِ وهم في حاجةٍ إليها، ويُوجَدُ في الشريعةِ طريقٌ مُباحٌ بدلاً عنها يُمْكِنُ سُلُوكُها- مِمَّا يُسَبِّبُ للناسِ الحَرَجَ والضِّيقَ في شريعةٍ وَسَّعَها اللَّهُ عليهم، أَوْ يُسَبِّبُ الإقدامَ على الحرامِ.
خِلافُ العلماءِ:
جاءَ في البُخَارِيِّ (145)، ومسلمٍ (266) عن ابنِ عُمَرَ قالَ: رَقِيتُ يوماً على بيتِ حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حاجَتَه مُسْتَقْبِلاً الشامَ، مُسْتَدْبِراً الكعبةَ. ومِن أجلِ هذا الحديثِ اخْتَلَفَ العلماءُ:
فذهَبَ ابنُ حَزْمٍ: إلى تحريمِ استقبالِ القبلةِ واستدبارِها أثناءَ قضاءِ الحاجةِ مُطلقاً؛ في الفضاءِ والبُنيانِ، ويُرْوَى هذا القولُ عن أبي أيُّوبَ ومُجَاهِدٍ والنَّخَعِيِّ والثَّوْرِيِّ والشيخِ تَقِيِّ الدِّينِ وابنِ القَيِّمِ.
واحْتَجُّوا بحديثِ أبي أيُّوبَ؛ فإنَّ القولَ لا يُعَارِضُ الفعلَ في حديثِ ابنِ عمرَ؛ فإنَّ الفعلَ يُحْكَى ويَحْتَمِلُ الخصوصيَّةَ أو النِّسيانَ أو العُذْرَ، وأمَّا القَوْلُ: فهو مُحْكَمٌ لا تَتَطَرَّقُ إليه احتمالاتٌ.
وذَهَبَ إلى جوازِ الاستدبارِ مُطلقاً: عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ ورَبِيعَةُ وداودُ، مُحْتَجِّينَ بحديثِ ابنِ عمرَ الذي في الصحيحيْنِ؛ فقدْ خَصَّصَ الاستدبارَ من حديثِ أبي أيُّوبَ، أمَّا الاستقبالُ فيَبْقَى داخلاً في عمومِ حديثِ أبي أيُّوبَ مِن عدمِ الجوازِ.
وذَهَبَ إلى التفصيلِ، وهو جوازُه في البناءِ وتحريمُه في الفضاءِ الأَئِمَّةُ: مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ، وهو مَرْوِيٌّ عن ابنِ عُمَرَ والشَّعْبِيِّ.
وقالوا: إن الأدلَّةَ تَجْتَمِعُ في هذا القولِ، ويَحْصُلُ إعمالُها كلِّها.
قالَ الصَّنْعَانِيُّ: وهذا القولُ ليسَ ببعيدٍ؛ لإبقاءِ أحاديثِ النهيِ على بابِها وأحاديثِ الإباحةِ كذلك.
قُلْتُ: وهذا هو الراجِحُ من الأقوالِ الثلاثةِ. وباللَّهِ التوفيقُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, قضاء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:42 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir