دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو القعدة 1429هـ/6-11-2008م, 08:16 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب قضاء الحاجة(1/9) [من آداب الاختلاء]

بابُ قضاءِ الحاجةِ
86 - عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: كان رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خاتَمَهُ. أَخرَجَهُ الأربعةُ وهو معلولٌ.

87 - وعنه قالَ: كان رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ)). أَخرَجَهُ السبْعَةُ.

88 - وعنه قالَ: كان رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يدْخُلُ الخلاءَ فأَحْمِلُ أَنَا وغُلامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِن ماءٍ وعَنَزَةً فيَسْتَنْجِي بالماءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

89 - وعن المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ ليَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((خُذِ الْإِدَاوَةَ)). فانْطَلَقَ حتَّى تَوَارَى عَنِّي فقَضَى حاجَتَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

  #2  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

بابُ آدابِ قَضاءِ الحاجَةِ
الحَاجَةُ: كِنَايَةٌ عَنْ خُرُوجِ البَوْلِ وَالغَائِطِ؛ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ)).
وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الفُقَهَاءُ بِبَابِ: الِاسْتِطَابَةِ؛ لِحَدِيثِ: ((وَلاَ يَسْتَطِيبُ بِيَمِينِهِ)).
وَالمُحَدِّثُونَ بِبَابِ: التَّخَلِّي، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا دَخَلَ أَحَدُكُم الخَلاَءَ، وَالتَّبَرُّزِ مِنْ قَوْلِهِ: ((البَرَازُ فِي المَوارِدِ)) وَكَمَا سَيَأْتِي.
فَالكُلُّ مِن العِبَارَاتِ صَحِيحٌ.

1/78 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ. أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ، وَهُوَ مَعْلُولٌ.
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الخَلاَءَ) بِالخَاءِ المُعْجَمَةِ مَمْدُودٌ: المَكَانُ الخَالِي، كَانُوا يَقْصِدُونَهُ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ.
(وَضَعَ خَاتَمَهُ. أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ، وَهُوَ مَعْلُولٌ)؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَن ابْنِ جُرَيْجٍ، عَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِن الزُّهْرِيِّ، بَلْ سَمِعَهُ مِنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَن الزُّهْرِيِّ، وَلَكِنْ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَهُوَ: "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَماً مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ".
وَالوَهْمُ فيه مِنْ هَمَّامٍ كَمَا قَالَهُ أبو داودَ. وهَمَّامٌ ثِقَةٌ، كما قالَه ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَبَتٌ فِي كُلِّ المَشَايِخِ، وَقَدْ رُوِيَ الحَدِيثُ مَرْفُوعاً وَمَوْقُوفاً عَنْ أَنَسٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ هَمَّامٍ.
وَأَوْرَدَ لَهُ البَيْهَقِيُّ شَاهِداً، وَرَوَاهُ الحَاكِمُ أيضاً بِلَفْظِ: "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَماً نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛ وَكَانَ إذَا دَخَلَ الخَلاَءَ وَضَعَهُ". إلا أنه قالَ البَيْهَقِيُّ بعدَ سِياقِه: هذا شاهدٌ ضعيفٌ.
وَالحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الإِبْعَادِ عِنْدَ قَضَاءِ الحَاجَةِ؛ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ لَفْظُ الخَلاَءِ؛ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى المَكَانِ الخَالِي، وَعَلَى المَكَانِ المُعَدِّ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ، وَيَأْتِي فِي حَدِيثِ المُغِيرَةِ مَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْ هَذَا بِلَفْظِ: "فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى".
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: "كَانَ إذَا أَرَادَ البَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ"، وَدَلِيلٌ عَلَى تَبْعِيدِ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ قَضَاءِ الحَاجَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ إدْخَالُ المُصْحَفِ الخَلاَءَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ،. قِيلَ: فَلَوْ غَفَلَ عَنْ تَنْحِيَةِ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ حَتَّى اشْتَغَلَ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ غَيَّبَهُ فِي فِيهِ؛ أَوْ فِي عِمَامَتِهِ، أَوْ نَحْوَهُ، وَهَذَا فِعْلٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ عُرِفَ وَجْهُهُ، وَهُوَ صِيَانَةُ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَن المَحَلاَّتِ المُسْتَخْبَثَةِ؛ فَدَلَّ عَلَى نَدْبِهِ؛ وَلَيْسَ خَاصًّا بِالخَاتَمِ؛ بَلْ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ.


2/79 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الخَلاَءَ قَالَ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِن الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ)). أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ.
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الخَلاَءَ) أَيْ: أَرَادَ دُخُولَهُ (قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِن الخُبُثِ) بِضَمِّ الخَاءِ المُعْجَمَةِ وَضَمِّ المُوَحَّدَةِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا، جَمْعُ: خَبِيثٍ.
(وَالخَبَائِثُ) جَمْعُ: خَبِيثَةٍ، يُرِيدُ بِالأَوَّلِ ذُكُورَ الشَّيَاطِينِ، وَبِالثَّانِي إنَاثَهُمْ، (أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ).
وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: كَانَ يَقُولُ: ((بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ)) الحَدِيثَ.
قَالَ المُصَنِّفُ فِي الفَتْحِ: وَرَوَاهُ المَعْمَرِيُّ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ زِيَادَةُ البسملةِ، وَلَمْ أَرَهَا فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: المرادُ بقولِه: "دَخَلَ" أرادَ دخولَه؛ لأنه بَعْدَ دُخُولِ الخَلاَءِ لاَ يَقُولُ ذَلِكَ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ المُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الخَلاَءَ" الحَدِيثَ. وَهَذَا فِي الأَمْكِنَةِ المُعَدَّةِ لِذَلِكَ، بِقَرِينَةِ الدُّخُولِ.
وَلِذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: رِوَايَةُ "إذَا أَتَى" أَعَمُّ لِشُمُولِهَا، وَيُشْرَعُ هَذَا الذِّكْرُ فِي غَيْرِ الأَمَاكِنِ المُعَدَّةِ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ الحَدِيثُ وَرَدَ فِي الحُشُوشِ وَأَنَّهَا تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ.
وَيُشْرَعُ القَوْلُ بِهَذَا فِي غَيْرِ الأَمَاكِنِ المُعَدَّةِ عِنْدَ إرَادَةِ رَفْعِ ثِيَابِهِ، وَفِيهَا قَبْلَ دُخُولِهَا؛ وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِهَذَا الذِّكْرِ، فَيَحْسُنُ الجَهْرُ بِهِ.

3/80 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الخَلاَءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالمَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَنَسٍ) كَأَنَّهُ تَرَكَ الإِضْمَارَ فَلَمْ يَقُلْ: وعَنْهُ؛ لِبُعْدِ الِاسْمِ الظَّاهِرِ، بِخِلاَفِهِ فِي الحَدِيثِ الثَّانِي، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ بُلُوغِ المَرَامِ: "وَعَنْهُ" بِالإِضْمَارِ أيضاً.
(قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الخَلاَءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ) الغُلاَمُ هُوَ المُتَرَعْرِعُ، قِيلَ: إلَى حَدِّ السَّبْعِ السِّنِينَ. وَقِيلَ: إلَى الِالتِحَاءِ، وَيُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ مَجَازاً.
(نَحْوِي إدَاوَةً) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ: إنَاءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ يُتَّخَذُ لِلْمَاءِ.
(مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً) بِفَتْحِ العَيْنِ المُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ، فَزَايٍ، هِيَ: عَصاً طَوِيلَةٌ فِي أَسْفَلِهَا زَجٌّ؛ وَيُقَالُ: رُمْحٌ قَصِيرٌ.
(فَيَسْتَنْجِي بِالمَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
المُرَادُ بِالخَلاَءِ هُنَا الفَضَاءُ؛ بِقَرِينَةِ العَنَزَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ صَلَّى إلَيْهَا فِي الفَضَاءِ؛ أَوْ يَسْتَتِرُ بِهَا، بِأَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا ثَوْباً أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ الحَاجَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ خِدْمَتَهُ فِي البُيُوتِ تَخْتَصُّ بِأَهْلِهِ.
وَالغُلاَمُ الآخَرُ اُخْتُلِفَ فِيهِ؛ فَقِيلَ: ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَجَازاً؛ وَيُبْعِدُهُ قَوْلُهُ: نَحْوِي فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ كَبِيراً؛ فَلَيْسَ نَحْوَ أَنَسٍ فِي سِنِّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ "نَحْوِي" فِي كَوْنِهِ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصِحُّ؛ فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ صَاحِبَ سوَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْمِلُ نَعْلَهُ وَسِوَاكَهُ، أَوْ لِأَنَّهُ مَجَازٌ كَمَا فِي الشَّرْحِ، وَقِيلَ: هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ . وَقِيلَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
وَالحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِخْدَامِ لِلصَّغِيرِ؛ وَعَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالمَاءِ.
وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ اسْتِنْجَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالمَاءِ، وَالأَحَادِيثُ قَدْ أَثْبَتَتْ ذَلِكَ، فَلاَ سَمَاعَ لِإِنْكَارِ مَالِكٍ؛ قِيلَ: وَعَلَى أَنَّهُ أَرْجَحُ مِن الِاسْتِنْجَاءِ بِالحِجَارَةِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ زِيَادَةِ التَّكَلُّفِ بِحَمْلِ المَاءِ بِيَدِ الغُلاَمِ؛ وَلَوْ كَانَ يُسَاوِي الحِجَارَةَ أَوْ هِيَ أَرْجَحُ مِنْهُ لَمَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ.
وَالجُمْهُورُ مِن العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الأَفْضَلَ الجَمْعُ بَيْنَ الحِجَارَةِ وَالمَاءِ، فَإِن اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالأَفْضَلُ المَاءُ حَيْثُ لَمْ يُرِد الصَّلاَةَ، فَإِنْ أَرَادَهَا فَخِلاَفٌ: فَمَنْ يَقُولُ تُجْزِئُ الحِجَارَةُ لاَ يُوجِبُهُ، وَمَنْ يَقُولُ لاَ تُجْزِئُ يُوجِبُهُ.
وَمِنْ آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالمَاءِ مَسْحُ اليَدِ بِالتُّرَابِ بَعْدَهُ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَى الخَلاَءَ أَتَيْتُ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ أَوْ رَكْوَةٍ، فَاسْتَنْجَى مِنْهُ ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ".
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى الخَلاَءَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: ((يَا جَرِيرُ، هَاتِ طَهُوراً)). فَأَتَيْتُه بِمَاءٍ فَاسْتَنْجَى وَقَالَ بِيَدِهِ فَدَلَكَ بِهَا الأَرْضَ" وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الغُسْلِ.


4/81 - وَعَن المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خُذِ الإِدَاوَةَ)) فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذِ الإِدَاوَةَ. فَانْطَلَقَ) أَي: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى التَّوَارِي عِنْدَ قَضَاءِ الحَاجَةِ، وَلاَ يَجِبُ؛ إذ الدَّلِيلُ فِعْلٌ وَلاَ يَقْتَضِي الوُجُوبَ، لَكِنَّهُ يَجِبُ بِأَدِلَّةِ سَتْرِ العَوْرَاتِ عَن الأَعْيُنِ.
وَقَدْ وَرَدَ الأَمْرُ بِالِاسْتِتَارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَتَى الغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلاَّ أَنْ يَجْمَعَ كَثِيباً مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ)).
فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِتَارِ؛ كَمَا دَلَّ عَلَى رَفْعِ الحَرَجِ؛ وَلَكِنْ هَذَا غَيْرُ التَّوَارِي عَن النَّاسِ، بَلْ هَذَا خَاصٌّ بِقَرِينَةِ: ((فَإِنَّ الشَّيْطَانَ))، فَلَوْ كَانَ فِي فَضَاءٍ لَيْسَ فِيهِ إنْسَانٌ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَتِرَ بِشَيْءٍ، وَلَوْ بِجَمْعِ كَثِيبٍ مِنْ رَمْلٍ.

  #3  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 03:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ آدابِ قَضاءِ الحاجَةِ
مقدِّمةٌ
أَدَّبْتُهُ أَدَباً: عَلَّمْتُه رِياضةَ النفسِ ومحاسِنَ الأخلاقِ.
قالَ أبو زَيْدٍ الأنصاريُّ: الأدَبُ يَقَعُ على كلِّ رِياضةٍ محمودةٍ، يَتَخَرَّجُ بها الإنسانُ في فضيلةٍ من الفضائلِ.
وجمعُ الأدبِ آدابٌ، مِثلُ سَبَبٍ وأسبابٍ.
"قضاءُ الحاجةِ" يُكَنَّى بها عمَّا يَقْبُحُ التصريحُ بذكرِه.
وآدابُ قضاءِ الحاجةِ يَشْمَلُ أقوالاً وأفعالاً يُشْرَعُ للمسلمِ اتِّباعُها؛ مِن الابتعادِ عن الناسِ والاستتارِ عن الأنظارِ، واختيارِ المكانِ المُطْمَئِنِّ، الآمِنِ به مِن رَشاشِ البولِ، والذِّكْرِ عندَ دُخُولِ الخَلاَءِ وعندَ الخروجِ مِنه، وهيئةِ الجلوسِ، والاستعدادِ بأداةِ التطهيرِ مِن الأحجارِ ونحوِها، والماءِ، والتحاشِي من التطهُّرِ بالموادِّ النَّجِسَةِ أو العِظامِ أو الأشياءِ المحَرَّمَةِ، والابتعادِ عندَ قضاءِ الحاجةِ عن مجالِسِ الناسِ ومَرَافِقِهم العامَّةِ وتحتَ الأشجارِ المُثْمِرَةِ، أو استقبالِ القبلةِ أو اسْتِدْبَارِها، ولزومِ السكوتِ حالَ قضاءِ الحاجةِ، ثمَّ قَطْعِ الخارجِ والتطهُّرِ منه والتحرُّزِ من أنْ يُصِيبَه شيءٌ منه، وغيرِ ذلكَ مِن الآدابِ المرعيَّةِ في هذا البابِ؛ فإنَّ الشريعةَ الكريمةَ عَلَّمَتْنَا كلَّ شيءٍ، وسارَتْ معَ المسلمينَ في كلِّ أعمالِهم وتَصَرُّفَاتِهم، وللهِ الحَمْدُ.

76 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ. أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ، وَهُوَ مَعْلُولٌ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ معلولٌ.
قالَ النَّسائِيُّ: هذا حديثٌ غيرُ محفوظٍ. وقالَ أبو داودَ: مُنْكَرٌ. وقالَ المؤلِّفُ: معلولٌ؛ لانقطاعِ سَنَدِه بينَ ابنِ جُرَيْجٍ والزُّهْرِيِّ؛ حيثُ لم يَسْمَعْ مِنه. وقالَ ابنُ القَيِّمِ: إنه شاذٌّ ومُنْكَرٌ وغريبٌ.
لَكِنْ نَقَلَ ابنُ حَجَرٍ في التلخيصِ الحَبِيرِ تصحيحَه عن التِّرْمِذِيِّ وابنِ حِبَّانَ والمُنْذِرِيِّ والقُشَيْرِيِّ في الاقتراحِ، واعْتَمَدَ التصحيحَ السُّيُوطِيُّ في الجامِعِ الصغيرِ، ومالَ الحافِظُ مُغْلَطَاي إلى تَحْسِينِه، ومَن صَحَّحَهُ قالَ مُجِيباً عن العلَّةِ التي ذَكَرُوها مِن عَدَمِ سَمَاعِ ابنِ جُرَيْجٍ مِن الزُّهْرِيِّ، قالُوا: فقدْ سَمِعَه مِن زِيادِ بنِ سعدٍ عن الزُّهْرِيِّ بلفظٍ آخَرَ، فزَالَتْ عِلَّتُه، ورُوَاتُه ثِقاتٌ.
مفرداتُ الحديثِ:
- دَخَلَ: يعني أرادَ دُخُولَه؛ كقولِه تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[النحل:98] يعني: إذا أَرَدْتَ قراءةَ القرآنِ.
- الْخَلاَءَ: بفتحِ الخاءِ والمدِّ: المكانُ الخالي، ويُرادُ به المكانُ المُعَدُّ لقضاءِ الحاجةِ، فإنْ أرادَ قضاءَ حاجتِه بفضاءٍ فلا داعِيَ إلى تأويلِ الدخولِ بإرادةِ الدخولِ.
- خَاتَمَهُ: خَتَمْتُ الكتابَ خَتماً، وخَتَمْتُ عليه، مِن بابِ ضَرَبَ: طَبَعْتُ، والخاتَِمُ بفتحِ التاءِ وكسرِها، والكسرُ أشهرُ.
قالَ في المِصْبَاحِ: الخاتَمُ: حَلْقَةٌ ذاتُ فَصٍّ مِن غيرِها، فإنْ لم يَكُنْ فهي فَتْخَةٌ بفاءٍ وتاءٍ مُثَنَّاةٍ مِن فوقُ، وخاءٍ مُعْجَمَةٍ.
قالَ ابنُ كَثيرٍ: اتَّخَذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتَماً مِن فِضَّةٍ ونُقِشَ فيه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. هكذا رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- خَاتَمُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكتوبٌ عليه: مُحَمَّدٌ رسولُ اللَّهِ، فكانَ لا يَدْخُلُ فيه الخَلاءَ، ويَضَعُه خارِجَه.
2- كَرَاهَةُ دخولِ الإنسانِ الخلاءَ أو المكانَ الذي سَيَقْضِي فيه حاجَتَه ومعَه شيءٌ مكتوبٌ فيه ذِكْرُ اللَّهِ تعالى، أو أسماؤُه وصفاتُه.
3- قالَ الفُقَهَاءُ: إلاَّ إذَا كانَ دُخُولُه به لحاجةٍ؛ كخشيةِ سَرِقَتِه، أو نِسيانِه، وهذا الاستثناءُ مبنيٌّ على قاعدةِ: أنَّ الكراهةَ تَزُولُ معَ الحاجةِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: الدراهِمُ إذا كُتِبَ عليها: لاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ، وكانَتْ في مِنْدِيلٍ أو خَرِيطةٍ، يَجُوزُ أنْ يَدْخُلَ بها الخلاءَ.
4- وُجُوبُ تعظيمِ ذكرِ اللَّهِ تعالى وأسمائِه تعالى، وإبعادِها عن كلِّ ما يَمَسُّ قُدُسِيَّتَها وكرامَتَها؛ قالَ تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].
5- اقْتِصارُ الحُكْمِ على الكراهةِ؛ ذلك أنَّ مُجَرَّدَ تَرْكِ الفعلِ لا يَدُلُّ على التحريمِ.
6- إباحةُ اتِّخاذِ الخاتَمِ للرجلِ، وأنْ يَكْتُبَ عليه، ولو كانَ اسْمُه فيه اسمٌ من أسماءِ اللَّهِ تعالى؛ كعبدِ اللَّهِ وعبدِالرحمنِ.
7- أمَّا المُصْحَفُ: فيَحْرُمُ إدخالُه أو إدخالُ بعضِه المكانَ المُعَدَّ لقضاءِ الحاجَةِ، ولو كانَ ملفوفاً بحائلٍ؛ لِمَا له مِن مكانةٍ لا تُسَامَى، وقدْ جَاءَ نَعْتُه ووَصْفُه: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:77]، وإنه {قُرْآنٌ مَجِيدٌ} [البروج:21]، و {إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فُصِّلَتْ:41]، وإنه {ذِكْرٌ مُبَارَكٌ} [الأنبياء: 50] إلى غيرِ ذلكَ مِن النعُوتِ الكريمةِ.

77 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ)). أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ.
مفرداتُ الحديثِ:
- أَعُوذُ: يُقالُ: عُذْتُ به عَوْذاً وعِياذاً ومَعَاذاً: لَجَأْتُ إليه، والمَعَاذُ يُسَمَّى به المَصْدَرُ والمكانُ والزمانُ، ومعنى أَعُوذُ به: أَعْتَصِمُ به وأَلْتَجِئُ إليه.
- الْخُبُثِ: فيه لغتانِ: بضمِّ الباءِ، وهو: جمعُ خبيثٍ، وبسكونِ الباءِ, على الراجحِ مِن قَوْلَيْ أهلِ اللغةِ: يُرادُ به الشرُّ.
- الْخَبَائِثِ: جمعُ خَبيثةٍ، أي: أهلُ الشرِّ، وهم الشياطينُ.
قالَ ابنُ الأَعرابِيِّ: أصلُ الخُبْثِ في كلامِ العربِ: المكروهُ، فإنْ كانَ من الكلامِ فهو الشتْمُ، وإنْ كانَ من المِلَلِ فهو الكفرُ، وإنْ كانَ من الطعامِ فهو الحرامُ، وإنْ كانَ من الشرابِ فهو الضارُّ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- قَوْلُه: ((إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ)) المرادُ: أرادَ دُخُولَه؛ كقولِه تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] يعني: إذا أَرَدْتَ قِراءَتَه، وجاءَ في الأَدَبِ المُفْرَدِ للبُخاريِّ، عن أنسٍ قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أرادَ أنْ يَدْخُلَ الخَلاءَ قالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ)).
2- هذه الاستعاذةُ لِيُحَصِّنَ بها المسلِمُ نفسَه من محاولةِ الشيطانِ إيذاءَه وتنجيسَه حتى لا تَصِحَّ عِبادَتُه، فما دامَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤيَّدُ بعصمةِ اللَّهِ يَخافُ من الشرِّ وأهلِه فالجديرُ بنا أنْ يكونَ خوفُنا أشدَّ.
3- أنَّ الأمكنةَ النجِسَةَ والقَذِرَةَ هي أماكنُ الشياطينِ التي تَأْوِي إليها وتُقِيمُ فيها.
4- الالتجاءُ إلى اللَّهِ تعالى والاعتصامُ به من الشياطينِ وشُرُورِهم؛ فهو المُنْجِي مِنهم والعاصِمُ من شَرِّهِم.
5- وجوبُ اجتنابِ النجاساتِ، وعَمَلِ الأسبابِ التي تَقِي منها؛ فقد صَحَّ في الأحاديثِ الشريفةِ، أنَّ مِن أسبابِ عذابِ القبرِ عَدَمَ التنَزُّهِ مِن البَوْلِ.
6- فضيلةُ هذا الدعاءِ والذكرِ في هذا المكانِ؛ فكلُّ وقتٍ ومكانٍ له ذِكْرٌ خاصٌّ، والذي يُلازِمُ عليه يكونُ مِنَ الذاكرِينَ اللَّهَ كثيراً والذاكراتِ.
7- قالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: "اللَّهُمَّ" هي مَجْمَعُ الدعاءِ، فالدعاءُ بلفظِ اللَّهُمَّ يعني: يا اللَّهُ، وهو سؤالُ اللَّهِ بجميعِ أسمائِه وصفاتِه، فهو دعاءٌ بالأسماءِ الحُسنَى والصفاتِ العُلا.
8- الاسْتِعاذةُ مُجْمَعٌ على استحبابِها، سواءٌ في البُنيانِ والصحراءِ.
9- الأَمْكِنَةُ الطيِّبَةُ كالمساجدِ يُشْرَعُ عندَها أذكارٌ وأدعِيَةٌ تُناسِبُ ما يُرْجَى فيها من رحمةِ اللَّهِ وفضلِه، والأمكنةُ الخبيثةُ كالحُشُوشِ يُناسِبُ دُخُولَها أذكارٌ بالبُعْدِ عمَّا فيها مِن خبائِثِ الجِنِّ ومَرَدَةِ الشياطينِ.
10- الأَمْكِنَةُ الطيِّبَةُ مَأْوَى الملائكةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والأمكنةُ الخبيثةُ مأوَى الشياطينِ؛ قالَ تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] فكلٌّ فيه ما يُناسِبُه.
11- فيه إثباتُ وجودِ الجِنِّ والشياطينِ، فإنكارُهم ضلاَلٌ وكفرٌ؛ لأنه ردٌّ لصريحِ النصوصِ الصحيحةِ، وهو نَقْصٌ في العقلِ وضِيقٌ في التفكيرِ؛ فإنَّ الإنسانَ لا يُنْكِرُ ما لم يَصِلْ إليه عِلْمُه، وإنما – إذا كانَ لا يُؤْمِنُ بالوَحْيِ – يَتَوَقَّفُ؛ فإنَّ اكتشافَ المجهولاتِ يُطالِعُنا كلَّ وقتٍ بجديدٍ؛ {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85].
12- الأرواحُ الخبيثةُ الشرِّيرَةُ موجودةٌ مُنْتَشِرَةٌ، لا سِيَّما عندَ الأَنْفُسِ القابلةِ لها، وكذلكَ تُوجَدُ في الأماكنِ القَذِرَةِ، أو في البيوتِ التي تَكْثُرُ فيها المعاصِي وتَظْهَرُ، ويَقِلُّ فيها ذِكْرُ اللَّهِ تعالى، وطَرْدُ هذه الأرواحِ الخبيثةِ من الأجسامِ والبيوتِ لا يكونُ بالذَّهابِ إلى أصحابِ الدجَلِ ومُدَّعِي عِلْمِ الغَيْبِ، أو بتخَيُّرِ الأماكنِ ونحوِ ذلكَ، وإنما يكونُ بالأَوْرَادِ والرُّقَى الشرعيَّةِ.
13- قالَ ابنُ المُلَقِّنِ ما معناه: الظاهِرُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَجْهَرُ بهذا الدعاءِ في هذا المكانِ؛ فهو أَظْهَرُ مِن أنه يُخْبِرُ عن نفسِه مِن أنه كانَ يَفْعَلُه.

78 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلاَءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- غُلاَمٌ: الغلامُ الصبيُّ مِن الوِلادةِ إلى البُلوغِ، والجَمْعُ: أَغْلِمَةٌ وغِلْمَةٌ وغِلْمَانٌ.
- نَحْوِي: أي: مُقارِبٌ لي في السنِّ.
- إِدَاوَةً: بكسرِ الهمزةِ، مفردُ أَدَاوَى، قِرْبَةٌ صغيرةٌ مِن جلدٍ تُتَّخَذُ للماءِ.
- عَنَزَةً: بفتحِ العينِ المهملةِ، وفتحِ النونِ والزايِ، جمعُه عَنَزَاتٌ، وهي عَصاً قصيرةٌ، في رأسِها حديدةٌ تُسَمَّى الزُّجَّ، والزُّجُّ هو السِّنانُ، فالعَنَزَةُ: هي رُمْحٌ قصيرٌ.
- فَيَسْتَنْجِي: الاستنجاءُ: القَطْعُ، فهو قَطْعُ الأذى عنه بالماءِ والحجارةِ؛ لأنه مأخوذٌ مِن النَّجْوِ، وهو العَذِرَةُ.
قالَ في المِصباحِ: اسْتَنْجَيْتُ: غَسَلْتُ مَوْضِعَ النَّجْوِ، أو مَسَحْتُه بحجرٍ أو مَدَرٍ.
أمَّا الاسْتِجمارُ: فهو إزالةُ النَّجْوِ بالحجارةِ وحدَها.
ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- أَنَسُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَشَرَّفَ بخدمةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنينَ.
2- يُؤْخَذُ مِن الخلاءِ أنه كانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَتِرُ بحيثُ لا يَرَاهُ أحدٌ؛ فيَنْبَغِي لمَن أرادَ قضاءَ حاجتِه أنْ يَسْتَتِرَ عن العيونِ؛ إمَّا بالبُعْدِ أو إغلاقِ بابِ مكانِ قضاءِ الحاجةِ، أو وَضْعِ ما يَسْتُرُه من الناسِ.
3- يَدُلُّ على أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَفْعَلُ ذلك في الفضاءِ، وليسَ في البيوتِ؛ فإنَّ العَنَزَةَ والإداوةَ المحمولةَ لا يُحْتَاجُ إليهما غالباً إلاَّ في البرِّ.
4- جوازُ الاقتصارِ في الاستنجاءِ على الماءِ.
5- الأحوالُ ثلاثةٌ في الاستنجاءِ:
(أ‌) أفضلُها: الجَمْعُ بينَ الحجارةِ والماءِ، بتقديمِ الحجارةِ ونحوِها، ثمَّ إِتْباعِها الماءَ؛ لِيَحْصُلَ كمالُ الإنقاءِ والتطهُّرِ.
قالَ النوويُّ: الذي عليه جماعةُ السلَفِ والخلَفِ، وأَجْمَعَ عليه أهلُ الفتوَى من أئمَّةِ الأمصارِ: أن الأفضلَ أنْ يَجْمَعَ بينَ الماءِ والحجارةِ؛ فيَسْتَعْمِلُ الحجَرَ أوَّلاً لِتَخِفَّ النجاسةُ وتَقِلَّ مباشَرَتُها بِيَدِه، ثمَّ يَسْتَعْمِلُ الماءَ، فإنْ أرادَ الاقتصارَ على أحدِهما، جازَ الاقْتِصارُ على أَيِّهِما شاءَ، سواءٌ وَجَدَ الآخَرَ أو لم يَجِدْه، فإنِ اقْتَصَرَ على أحدِهما فالماءُ أفضلُ مِن الحَجَرِ.
(ب‌) يَأْتِي بعدَه في الفضيلةِ: الاقتصارُ على الماءِ دونَ الحجارةِ.
(ج‌) هي الاقتصارُ على الحجارةِ ونحوِها، وهي مُجْزِئَةٌ، إلاَّ أنَّ الأوَّلَيْنِ أفضلُ منها.
6- استعدادُ المُسْلِمِ بطَهُورِه عندَ قضاءِ الحاجةِ؛ لئلاَّ يُحْوِجَه إلى القيامِ والتلوُّثِ بالنجاسةِ.
7- بعضُ العلماءِ كَرِهَ الاقتصارَ في الاستنجاءِ على الماءِ؛ وعِلَّةُ الكراهةِ عندَهم ملامستُه النجاسةَ، ولكنه قولٌ مرجوحٌ، وتعليلُ ذلك غيرُ صحيحٍ لما يأتي:
أَوَّلاً: أنه رَدٌّ ومُعارَضَةٌ لهذا الحديثِ الصحيحِ.
ثانياً: أنه يَحْصُلُ بالماءِ الإنقاءُ التامُّ.
ثالثاً: أنَّ مباشرةَ النجاسةِ لإزالتِها لا مَحْذُورَ فيها؛ فإنَّ هذا ليسَ استعمالاً لها، وإنما هو تَخَلُّصٌ منها، نظيرُ ذلك: إزالةُ المُحْرِمِ الطِّيبَ عنه بجامِعِ المَنْعِ مِن كلٍّ مِنهما، فإزالتُه ليسَتْ محظوراً في الإحرامِ، وإنْ بَاشَرَه.
قالَ شيخُ الإسلامِ: الصحيحُ جوازُ ملامسةِ النجاسةِ للحاجةِ، ولا يُكْرَهُ ذلكَ في أصحِّ الروايتيْنِ عن أحمدَ، وهو قولُ أكثرِ الفقهاءِ؛ إذ إنَّ الاستبراءَ مِن البوْلِ لا يكونُ إلاَّ بعدَ الإصابةِ به.
8- تَحَفُّظُه عن أَعْيُنِ الناظرينَ: وذلك بجعلِه بينَهم وبينَه حِجاباً، ولو مِن خِرْقَةٍ ونحوِها؛ فإنَّ النظَرَ إلى العَوْرَةِ بدونِ ضرورةٍ مُحَرَّمٌ.
9- جوازُ استخدامِ الأحرارِ حتى في مثلِ هذه الأشياءِ.

79 - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خُذِ الإِدَاوَةَ)). فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- الإِدَاوَةَ: تَقَدَّمَ شَرْحُها في الحديثِ السابقِ.
- تَوَارَى عَنِّي: اسْتَتَرَ عنِّي واسْتَخْفَى.
- حَاجَتَهُ: الحاجةُ ما كانَ مُحتاجاً إليه، والحاجةُ جَمْعُها: حاجٌ، بحذفِ الهاءِ، وحاجاتٌ، وهي هنا كنايةٌ عن التبَوُّلِ والتغَوُّطِ.
ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- استحبابُ البُعْدِ والتوارِي عن الناسِ عندَ إرادةِ قضاءِ الحاجةِ.
2- أَمَّا سَتْرُ العورةِ عن الناسِ فواجبٌ؛ لتحريمِ كشفِها إلاَّ في مواضِعَ خاصَّةٍ.
3- استحبابُ إعدادِ إداوةِ طهارةِ الإنسانِ عندَ إرادتِه قضاءَ الحاجةِ؛ لِيَقْطَعَ الخارِجَ عنه بدونِ طَلَبِه بعدَ الفراغِ مِن قضاءِ الحاجةِ.
4- جوازُ الاقتصارِ في الاستنجاءِ على الماءِ دونَ الحجارةِ؛ فلم يَذْكُرْ في الحديثِ إلاَّ الإداوةَ، ولو كانَ هناكَ حجارةٌ لذَكَرَهَا.
5- جوازُ الاستعانةِ بغيرِه على إحضارِ أدواتِ طهارتِه وتقريبِها منه.
6- جوازُ اتِّخاذِ الخادِمِ، ولو كانَ حُرًّا.
7- حَيَاءُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكمالُ خُلُقِه، وبُعْدُه عمَّا يُسْتَحْيَا مِنه، وهو قُدْوَةٌ لكلِّ مسلمٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, قضاء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir