66 - وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَجُلٌ: مَسَسْتُ ذَكَرِي. أَوْ قَالَ: الرَّجُلُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلاَةِ، أَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ، إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ)). أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ صحيحٌ:
قالَ في التلخيصِ: رَوَاهُ أحمدُ وأصحابُ السنَنِ والدَّارَقُطْنِيُّ، وقالَ ابنُ المَدِينِيِّ: هو عندَنا أحسنُ من حديثِ بُسْرَةَ. قالَ الطَّحَاوِيُّ: إسنادُه مستقيمٌ غيرُ مُضْطَرِبٍ، بخلافِ حديثِ بُسْرَةَ. وصَحَّحَهُ أيضاً ابنُ حِبَّانَ والطبرانِيُّ وابنُ حَزْمٍ، وضَعَّفَه الشافعيُّ وأبو حاتمٍ وأبو زُرْعَةَ والدَّارَقُطْنِيُّ والبَيْهَقِيُّ وابنُ الجَوْزِيِّ، وأَوْضَحَ ابنُ حِبَّانَ ذَلِكَ.
مفرداتُ الحديثِ:
- مَسَسْتُ ذَكَرِي: مَسَسْتُهُ مَسًّا، مِن بابِ قَتَلَ، ومعناهُ: أَفْضَيْتُ بِيَدِي.
- أَعَلَيْهِ: الهمزةُ للاستفهامِ، وتأتي لطلَبِ التصوُّرِ أو التصديقِ، والمرادُ هنا طَلَبُ التصوُّرِ الذي جَوَابُه بِنَعَمْ أو لاَ؛ ولذا أجابَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا.
- إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ: تعليلٌ لعدمِ وجوبِ الوضوءِ من مَسِّ ذَكَرِه.
- إِنَّمَا: (إِنَّ) حرفُ توكيدٍ، يَنْصِبُ الاسمَ ويَرْفَعُ الخبرَ، إلاَّ أنَّ (ما) الحرفيَّةَ كَفَّتْهَا عن العملِ، فصَارَ مِنهما أداةُ حَصْرٍ قامَتْ مقامَ النفيِ, و (إلاَّ)، فأفادَتِ الحَصْرَ.
- بَضْعَةٌ: بفتحِ الباءِ الموحَّدَةِ وكَسْرِها، بعدَها ضادٌ معجَمَةٌ ساكنةٌ: هي القطعةُ مِن اللَّحْمِ وغيرِه.
- مِنْكَ: أيْ مِن جَسَدِكَ، مثلُ اليَدِ والرِّجْلِ وغيرِهما.
67 - وَعَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). أَخْرَجَهُ الخَمْسَةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ حِبَّانَ، وقالَ البُخَارِيُّ: هو أصحُّ شيءٍ في هذا البابِ.
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ: رَوَاهُ مالكٌ (93)، والشافعيُّ (2/12)، وأبو داودَ، والنَّسائِيُّ والتِّرْمِذِيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ والحاكمُ، وصَحَّحَهُ أحمدُ والبُخَارِيُّ والتِّرْمِذِيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ وابنُ مَعِينٍ والحازِمِيُّ، والبَيْهَقِيُّ (1/132) وغيرُهم.
قالَ في التلخيصِ: قالَ البَيْهَقِيُّ: يَكْفِي في ترجيحِ حديثِ بُسْرَةَ على حديثِ طَلْقٍ: أنَّ حديثَ طَلْقٍ لم يُخْرِجْه الشيخانِ، ولم يَحْتَجَّا بأحدِ رُوَاتِهِ، وحديثَ بُسْرَةَ قدِ احْتَجَّا بجميعِ رُوَاتِهِ، إلاَّ أَنَّهُمَا لم يُخْرِجاهُ.
قالَ مُحَرِّرُهُ عَفَا اللَّهُ عنه: إذا تَأَمَّلْنَا كلامَ أئمَّةِ الحديثِ في الحديثيْنِ؛ حديثِ طَلْقٍ وحديثِ بُسْرَةَ، لم نَجِدْ فيهما ما يُوجِبُ إسقاطَ أحدِهما بالآخَرِ وعَدَمَ اعتبارِه، فيَبْقَى وجهُ الجمعِ بينَ الحديثيْنِ، وسيأتِي في الكلامِ على مَتْنِ الحديثيْنِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
مفرداتُ الحديثِ:
- بُسْرَةَ: بضمِّ الباءِ الموحَّدةِ وسكونِ السينِ المهملةِ: القُرَشِيَّةُ الأَسدِيَّةُ.
- مَن: اسْمُ شرطٍ جازِمٌ، (مَسَّ) فعلُ الشرطِ، و(الفاءُ) رابطةٌ، و (ليَتَوَضَّأْ) جوابُ الشرطِ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- الحديثانِ صحيحانِ، ومهما أَمْكَنَ الجمعُ بينَهما وإعمالُهما، فهو أَوْلَى مِن إسقاطِ أحدِهما بالآخَرِ.
2- حديثُ طَلْقٍ يَدُلُّ على أنَّ مَسَّ الذَّكَرِ لا يَنْقُضُ الوضوءَ، وقد عَلَّله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقولِه: ((إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ)).
والبَضْعَةُ: القطعةُ مِن أيِّ عضوٍ مِن أعضائِكَ.
3- حديثُ بُسْرَةَ يَدُلُّ على أنَّ مسَّ الذَّكَرِ يَنْقُضُ الوضوءَ.
4- أَفْضَلُ ما يَجْمَعُ بينَ الحديثيْن بأحدِ طريقيْنِ:
الأوَّلُ: أنه يَنْقُضُ الوضوءَ إذا مَسَّه مِن غيرِ حائلٍ، فإنْ مَسَّه بحائلٍ لم يَنْقُضْ، ويُؤَيِّدُ هذا القولَ روايةُ الرجلِ يَمَسُّ ذَكَرَه في الصلاةِ، فالصلاةُ ليسَتْ محلَّ لمسِ الفرجِ بلا حائلٍ.
الثاني: أنَّ مَسَّه بشهوةٍ يَنْقُضُ الوضوءَ ومَسَّه بدونِها لا يَنْقُضُ.
والجمعُ الأخيرُ أَوْجَهُ وأقرَبُ؛ ذلك أنَّ الذكرَ قطعةٌ وبَضْعَةٌ مِنْكَ، فما دامَ أنَّ المَسَّ مَسٌّ عادِيٌّ لم يُصاحِبْه شهوةٌ، فمُجَرَّدُ اللَّمْسِ ليسَ ناقضاً، وإنما الناقِضُ ما يَخْرُجُ مِن أحدِ السبيليْنِ بسببِ اللمسِ, وبدونِ شهوةٍ هذا الخارِجُ مُنْتَفٍ، أما إذا صاحَبَتْه الشهوةُ فإنَّ ذلكَ يكونُ مَظِنَّةَ خروجِ المَذْيِ، وهو ناقضٌ, كما أنَّ فَوَرَانَ الشهوةِ وحَرَارَتَها المنافِيَةَ للعبادةِ لا يُطْفِئُها ويُسَكِّنُ هَيَجَانَهَا إلاَّ الماءُ، لا سِيَّما بِنِيَّةِ الوضوءِ، وهو عبادةٌ يُصاحِبُها مِن النيَّةِ والذِّكْرِ ما يُسَكِّنُ الشهوةَ.