السَّادسُ: أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ تَامّاً مَعْلُوماً قَدْرُهُ وَوَصْفُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَإِنْ قَبِضَ البَعْضَ ثُمَّ افْتَرَقَا بَطَلَ فِيمَا عَدَاهُ. وَإنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ إِلَى أَجَلَيْنِ، أَوْ عَكْسُه صَحَّ إِنْ بَيَّنَ كُلَّ جِنْسٍ وَثَمَنَهُ وَقِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ.
قوله: «السادس: أن يقبض الثمن تامّاً» الفاعل المسلَم إليه، وهذا مأخوذ من قوله صلّى الله عليه وسلّم:((من أسلف في شيء فليسلف)) [(1)]، فإن هذا يقتضي أنه لا بد من أن يقبض الثمن تامّاً، ومن المعنى أنه إذا لم يقدم الثمن فقد يتأخر، وحينئذ يكون الضرر على المسلم إليه؛ لأنه سيعطي المسلم أرخص مما يعطي الناس في مقابل تقديم الثمن، فإذا تأخر الثمن خسر مرتين، المرة الأولى حين غلب فاشتري منه ما يساوي عشرة بثمانية، والمرة الثانية حينما تأخر عليه قبض الثمن فلم ينتفع به، ثم إنه يسمى سلماً وسلفاً وهو مشتق من التقديم، فإذا أخر صار منافياً لما اشتق منه، فيدل على هذا الشرط المعنى واللفظ والأثر.
قوله: «معلوماً قدره» هذا في الكمية.
قوله: «ووصفه» هذا في الكيفية، يعني لا بد أن يقبض الثمن تامّاً معلوماً قدره ومعلوماً وصفه، ولا يكفي أن يقول: أسلمت إليك هذا الشيء المعين بكذا وكذا، بينما لو قلت: بعت عليك هذا الشيء المعين، ولو لم يعلم وصفه، يجوز لكن هذا لا بد أن يكون معلوماً وصفه، أي مما يمكن ضبطه بالوصف؛ وذلك من أجل الرجوع إذا تعذر الوفاء إلى هذا الثمن المعلوم قدره ووصفه؛ لأنه إذا كان غير مضبوط بالوصف يبقى الأمر مجهولاً.
قوله: «قبل التفرق» لا بد ـ أيضاً ـ أن يكون القبض قبل التفرق من مجلس العقد، ولو قمنا عن المكان ومشينا جميعاً، مثل أسلمت إليه بمائة درهم مائة صاع من البر، ولكن ليس معي مائة الدرهم، فمشينا جميعاً إلى أحد أصدقائي وتسلفت منه مائة الدرهم وأعطيتها الرجل يجوز؛ لأننا لم نتفرق.
وعندنا قاعدة وهي: أنه يشترط في الثمن والمثمن ألا يكون بينهما ربا نسيئة، فإن كان بينهما ربا نسيئة لم يصح إسلام أحدهما في الآخر؛ لأن ما يجري فيهما ربا النسيئة يشترط فيهما التقابض، والسلم يشترط فيه التأخير، وهذا من التضاد، فلو أسلمت براً بتمر لم يجز، ولو أسلمت ذهباً في فضة لم يجز.
قوله: «وإن قبض البعض ثم افترقا بطل فيما عداه» البعض، أي بعض الثمن، فإذا قدر ـ مثلاً ـ أنه أسلم ألف درهم بمائة صاع بر، وسلمه خمسمائة درهم فقط، فالذي يصح خمسمائة فيقابلها خمسون، والباقي لا يصح؛ لأنه لا بد من قبض الجميع، فما لم يقبض لا يصح، وهذا مبني على ما سبق من القول الصحيح من تفريق الصفقة، وأما إذا قلنا بعدم تفريقها، لم يصح في الجميع.
قوله: «وإن أسلم في جنس إلى أجلين» مثاله: أسلم بألف ريال إلى شخص في بر، ولكنه جعل بعضه يحل في رجب، والبعض الثاني يحل في شوال، فقد أسلم في جنس إلى أجلين.
قوله: «أو عكسه» أسلم في جنسين إلى أجل واحد، بأن أسلم في بر وشعير إلى أجل واحد.
قوله: «صح إن بيَّن كل جنس وثمنه» كأن يقول: مائة صاع بر وشعير بألف درهم؛ فلا بد أن يبين مقدار كل جنس، فيقول مثلاً: خمسون صاعاً من البر وخمسون صاعاً من الشعير، ولا بد ـ أيضاً ـ أن يبين ثمنه، ـ مثلاً ـ خمسون صاعاً من البر يقابلها ستمائة من الألف، وخمسون صاعاً من الشعير يقابلها أربعمائة من الألف، لا بد من هذا حتى إذا تعذر البعض يعرف قسطه من الثمن، وإذا كان الأمر مجهولاً أدى إلى النزاع.
قوله: «وقِسْطَ كل أجل» هذا فيما إذا أسلم في جنس إلى أجلين، بأن يقول: أسلمت إليك مائة درهم بمائة صاع بر إلى أجلين، لا بد أن يبين قسط كل أجل، فمثلاً يقول: الأجل الأول خمسون، والثاني خمسون؛ وذلك أنه إذا حصل اختلاف، أو تعذر وفاء نرجع إلى ما عُين.
وعلى كلام المؤلف لا يحتاج أن يبين قسطه من الثمن؛ لأنه سيقسط عليه بالقسط؛ لأنه معروف.
[1] سبق تخريجه ص(48).