دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الأطعمة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 03:34 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الأطعمة المباحة

( فصلٌ ) وما عدا ذلك فحلالٌ، كالخيلِ وبهيمةِ الأنعامِ والدَّجاجِ والوحشيِّ من الْحُمُرِ والبقرِ والظِّبَاءِ والنَّعَامةِ والأرنبِ وسائرِ الوَحْشِ، ويُباحُ حيوانُ البحرِ كلُّه، إلا الضُّفْدَعَ والتِّمْسَاحَ والحيَّةَ، ومَن اضْطُرَّ إلى مُحَرَّمٍ غيرِ السُّمِّ حلَّ له منه ما يَسُدُّ رَمَقَه، ومَن اضْطُرَّ إلى نَفْعِ مالِ الغيرِ معَ بقاءِ عَيْنِه لدَفْعِ بَردٍ أو استسقاءِ ماءٍ ونحوِه وَجَبَ بَذْلُه له مَجَّانًا، ومَن مَرَّ بثَمَرِ بُستانٍ في شَجَرِه أو مُتساقِطٍ عنه ولا حائطَ عليه , ولا ناظرَ , فله الأَكْلُ منه مَجَّانًا من غيرِ حَمْلٍ.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.......................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


فصلٌ
(وما عدَا ذلكَ) الذي ذَكرْنَا أنه حرامٌ، (فحلالٌ) على الأصلِ؛ (كالخَيْلِ)؛ لِمَا سَبَقَ مِن حديثِ جابرٍ، (وبَهِيمَةِ الأنعامِ) وهي الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ؛ لقولِهِ تعالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ}، (والدَّجَاجِ والوَحْشِيِّ مِن الحُمُرِ، و) مِن (البَقَرِ)؛ كالإبِلِ والتَّيْتَلِ والوَعْلِ والمَهَا، (والصبِّ والظِّبَاءِ والنعامَةِ والأَرْنَبِ وسَائِرِ الوَحْشِ)؛ كالزرافَةِ والوَبْرِ واليَرْبُوعِ، وكذا الطاوُسُ والبَبْغَاءُ والزَّاغُ وغُرابُ الزَّرْعِ؛ لأنَّ ذلك مُسْتَطَابٌ، فيَدْخُلُ في عُمُومِ قولِهِ تعالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}. (ويُباحُ حيوانُ البحرِ كلُّه)؛ لقولِهِ تعالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}، (إلاَّ الضِّفْدِعَ)؛ لأنَّها مُسْتَخْبَثَةٌ، (و) إلاَّ (التِّمْسَاحَ)؛ لأنَّه ذُو نَابٍ يَفْتَرِسُ به، (و) إلاَّ (الحَيَّةَ)؛ لأنَّها مِن المُسْتَخْبَثَاتِ. وتَحْرُمُ الجَلاَّلَةُ التي أَكْثَرُ عَلَفِها النجَاسَةُ، ولَبَنُها وبَيْضُها نَجِسٌ، حتَّى تُحْبَسَ ثَلاثاً وتُطْعَمَ الطاهرَ فقطْ، ويُكْرَهُ أكلُ تُرَابٍ وفَحْمٍ وطينٍ، وغُدَّةٍ وأُذُنٍ، وقلبٍ، وبَصَلٍ وثومٍ ونَحْوِها، ما لم يُنْضَجْ بِطَبْخٍ، لا لَحْمٍ مُنْتِنٍ أو نَيِّئٍ. (ومَنِ اضْطُرَّ إلى مُحَرَّمٍ)، بأنْ خَافَ التَّلَفَ إنْ لم يَأْكُلْهُ (غيرِ السُّمِّ، حَلَّ له) إنْ لم يَكُنْ في سَفَرٍ مُحَرَّمٍ، (مِنه ما يَسُدُّ رَمَقَه)؛ أي: يُمْسِكُ قُوَّتَه ويَحْفَظُها؛ لقولِهِ تعالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}، وله التزَوُّدُ إِنْ خَافَ، ويَجِبُ تقديمُ السؤالِ على أَكْلِهِ، ويَتَحَرَّى في مُذَكَّاةٍ اشْتَبَهَتْ بِمَيْتَةٍ، فإنْ لم يَجِدْ إلاَّ طعامَ غيرِهِ، فإنْ كانَ رَبُّهُ مُضْطَرًّا أو خائفاً أنْ يُضْطَرَّ، فهو أَحَقُّ به، وليسَ له إِيثارُه، وإلاَّ لَزِمَه بَذْلُ ما يَسُدُّ رَمَقَهُ فقطْ بقِيمَتِهِ، فإنْ أَبَى رَبُّ الطعامِ، أَخَذَهُ المُضْطَرُّ مِنه بالأسهَلِ فالأسهَلِ، ويُعْطِيه عِوَضَه.
(ومَنِ اضْطُرَّ إلى نَفْعِ مالِ الغيرِ معَ بقاءِ عينِهِ) كِثِيَابٍ؛ (لِدَفْعِ بَرْدٍ، أو) حبلٍ أو دَلْوٍ (لاستِقَاءِ ماءٍ ونحوِهِ، وَجَبَ بَذْلُه له)؛ أي: لِمَن اضْطُرَّ إليه (مَجَّاناً) معَ عدمِ حاجتِه إليه؛ لأنَّ اللَّهَ تعالَى ذَمَّ على مَنْعِهِ بقولِهِ: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، وإنْ لم يَجِدِ المُضْطَرُّ إلاَّ آدَمِيًّا معصوماً، فليسَ له أكلُه، ولا أَكْلُ عُضْوٍ مِن أَعْضَاءِ نفسِه. (ومَن مَرَّ بِثَمَرِ بُسْتَانٍ في شَجَرَةٍ أو ساقِطٍ عنه، ولا حائِطَ عليه)؛ أي: على البُسْتَانِ، (ولا ناظِرَ)؛ أي: حافِظَ له، فله الأَكْلُ مِنه مَجَّاناً مِن غيرِ حَمْلٍ، ولو بلا حاجةٍ؛ رُوِيَ عن عُمَرَ وابنِ عَبَّاسٍ وأَنَسِ بنِ مالِكٍ وغَيْرِهم، وليسَ له صُعُودُ شَجَرَةٍ، ولا رَمْيُه بشيءٍ، ولا أكلٌ مِن مَجْنِيٍّ مجموعٍ إلاَّ لضَرُورَةٍ، وكذا زَرْعٌ قائمٌ وشُرْبُ لبنِ ماشيةٍ.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


فصل([1])

(وما عدا ذلك) الذي ذكرنا أنه حرام (فحلال) على الأصل([2]) (كالخيل) لما سبق من حديث جابر([3]) (وبهيمة الأنعام) وهي الإبل، والبقر، والغنم([4]) لقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ}([5]) (والدجاج([6]) والوحشي من الحمر([7])


و) من (البقر) كالإبل([8]) والتيتل والـوعل والمهـا([9]) (و)
كـ (الظباء والنعامة والأرنب([10]) وسائر الوحش) كالزرافة([11]) والوبر، واليربوع([12]).

وكذا الطاووس، والببغاء([13]) والزاغ، وغراب الزرع([14]) لأن ذلك مستطاب([15]) فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}([16]).


(ويباح حيوان البحر كله)([17]) لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}([18]) (إلا الضفدع) لأنها مستخبثة([19]) (و) إلا (التمساح) لأنه ذو ناب يفترس به([20]) (و) إلا (الحية) لأنها من المستخبثات([21]) وتحرم الجلالة، التي أكثر علفها النجاسة([22]).


ولبنها وبيضها نجس([23]) حتى تحبس ثلاثا وتطعم الطاهر فقط([24]) ويكره أكل التراب، وفحم وطين([25]) وغدة، وأذن قلب([26]).


وبصل وثوم ونحوهما([27]) ما لم ينضج بطبخ([28]) لا لحم منتن، أو نيء([29]) (ومن اضطر إلى محرم) بأن خاف التلف إن لم يأكله (غير السم حل له)([30]).


إن لم يكن في سفر محرم([31]) (منه ما يسد رمقه) أي يمسك قوته، ويحفظها([32]) لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}([33]) وله التزود إن خاف([34]).
ويجب تقديم السؤال على أكله([35]) ويتحرى في مذكاة اشتبهت بميتة([36]) فإن لم يجد إلا طعام غيره، فإن كان ربه مضطرا، أو خائفا أن يضطر، فهو أحق به([37]) وليس له إيثاره([38])
وإلا لزمه بذل ما يسد رمقة فقط بقيمته([39]) فإن أبى رب الطعام أخذه المضطر منه بالأسهل فالأسهل، ويعطيه عوضه([40]) (ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينة) كثياب (لدفع برد([41]) أو) حبل أو دلو (استقاء ماء ونحوه([42])


وجب بذله له) أي لمن اضطر إليه (مجانا) مع عدم حاجته إليه([43]) لأن الله تعالى ذم على منعه، بقوله: (ويمنعون الماعون)([44]) وإن لم يجد المضطر إلا آدميا معصوما فليس له أكله([45]) ولا أكل عضو من أعضاء نفسه([46]) (ومن مر بثمر بستان في شجر([47]) أو تساقط عنه([48]) ولا حائط عليه) أي على البستان([49]).


(ولا ناظر) أي حافظ له([50]) (فله الأكل منه مجانا من غير حمل)([51]) ولو بلا حاجة([52]) روي عن عمر وابن عباس وأنس ابن مالك وغيرهم([53]) وليس له صعود شجرة، ولا رمية بشيء([54]) ولا الأكل من مجموع، إلا لضرورة([55]).
وكذا زرع قائم([56]) وشرب لبن ماشية([57])


([1]) أي في حكم ما أحل من مطعوم ومشروب، وما يكره، وحكم من اضطر إلى محرم، ومن تجب ضيافته وغير ذلك.
([2]) لعموم نصوص الإباحة.
([3]) نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل، فتباح كلها، عرابها وبراذينها، وهذا الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، لهذا الحديث المتفق على صحته، ولحديث اسماء نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة متفق عليه.
([4]) أي الإبل بأنواعها، والبقر بأنواعها، والغنم ضأنها ومعزها.
([5]) فدلت الآية على حل بهيمة الأنعام، ولا نزاع في ذلك.
([6]) على اختلاف أنواعه، فحلال بلا نزاع، لفعله صلى الله عليه وسلم المتفق
عليه.

([7]) ولو تأنست وأعلفت، فحلال بالإجماع، كما يحرم الأهلي ولو توحش .
([8]) أي وكالبقر الوحشية على اختلاف أنواعها قال: كالإبل، حيوان من ذات الظلف، للذكور منه قرون متشعبة، لا تجويف فيها، وأما الإناث فلا
قرون لها.

([9]) فحلال إجماعا، والتيتل: جنس من بقر الوحش، أو ذكر الأروي أو الوعل، والوعل: تيس الجبل، له قرنان منحنيان، والمها، والمهاة، البقرة الوحشية، يشبه بهافي حسن العينين.
([10]) الظباء: هي الغزال، للذكر والأنثى، والظبية، الأنثى ولو تأنست فحلال إجماعا، والنعامة: حيوان فيها من الطير، والبعير، وجمعها نعام، فحلال لقضاء الصحابة فيها بالفدية، ولأنها مستطابة، ليس لها ناب، أشبهت الإبل، والأرنب دويبة معروفة تشبه العناق، رجلاها أطول من يديها، قال النووي: أكلها حلال عند الأئمة الأربعة، والعلماء كافة، والضب حلال، أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم.
([11]) بفتح الزاي وضمها، وتشدد الفاء وتخفف: دابة تشبه البعير، إلا أن عنقها أطول من عنقه، وجسمها ألطف من جسمه، ويديها أطول من رجليها، فحلال نص عليه وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به الموفق وصححه الشارح، لعموم النصوص المبيحة واستطابتها وليس لها ناب، ولا هي من المستخبثات، أشبهت الإبل.
([12]) الوبر: قصير الذنب والأذنين، مباح لأنه يفدى في الإحرام، والحرم ومستطاب وهو كالأرنب، يأكل النبات والبقول، وليس له ناب، ولا هو من المستخبثات واليربـوع قصير اليـدين طـويل الرجلين، نـص عـليه، لحكم عمر
فيه بجفرة ومستطاب أيضا، وفي الإنصاف: الصحيح من المذهب، أنهما مباحان وصححه في التصحيح.

([13]) الطاووس: حسن الشكل قال في الإنصاف: لا أعلم فيه خلافا يتناول ما يأكل برجليه، كأكل الإنسان بيديه والببغاء بموحدتين مشدد طائر يسمى بالدرة، على قدر الحمامة، يتخذها الناس للانتفاع بصوتها، وأكثر ما تكون عند الملوك والرؤساء ترنم بما تسمع من الأخبار.
([14]) وغراب البين، والزاغ، غراب نحو الحمامة أسود برأسه غبرة وغراب الزرع: أحمر المنقار والرجل، يأكل الزرع ويطير مع الزاغ، لأن مرعاهما الزرع والحبوب، ويقال: غراب الزرع والزاغ، شيء واحد، فهما مباحان، وهو المذهب وعليه الأصحاب.
([15]) أي جميع ما ذكر، مما هو حلال على الأصل، حيث لم يرد تحريمه في الشرع، أو لم تستخبثه العرب، على المذهب وكالحمام بأنواعه من فواخت وقماري، وجوازل ورقطي، ودباس وحجل، وقطا وحباري، وكعصافير وقنابر، وكركي وبط، وأوز، وما أشبه ذلك، مما يلتقط الحب، أو يفدي في الإحرام، للعموم، واستطابة أكله ولأبي داود: أن سفينة أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم لحم حبارى، وكذا الغرانيق والطواويس، وطير الماء، كله، وأشباه ذلك، وقال الموفق: لا نعلم فيه خلافا.
([16]) وعموم {كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا} ولمسلم، يقول الله كل ما منحته عبادي فهو لهم حلال.
([17]) والمراد بالبحر جميع المياه، الحلوة والمالحة، والأنهار.
([18]) وهو ما يصاد منه طريا، مما لا يعيش إلا في الماء، في جميع الأحوال، ولقوله صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان، فالجراد والحوت، وأما الدمان، فالطحال والكبد، ولقوله: لما سئل عن ماء البحر قال «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».
([19]) ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتلها، والتداوي بها، وفي الإنصاف: محرمة بلا خلاف أعلمه، ونص عليه أحمد.
([20]) وهو حيوان، يكون في نيل مصر، وبعض أنهار البلاد الحارة، فليس مباحا، على الصحيح من المذهب، لأنه يأكل الناس.
([21]) جزم به الموفق وغيره، وهو المذهب، وما عدا الضفدع، والتمساح والحية، من حيوان البحر، فمباح على الصحيح من المذهب، وأما الجري، فقال أحمد: أكره الجري، ورخص فيه مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، وسائر أهل العلم.
([22]) هذا المذهب وعليه الأصحاب، لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث ابن عمر «نهى عن أكل الجلالة وألبانها»، ومن حديث عمرو بن شعيب نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وعن ركوب الجلالة وأكل لحمها، وسواء في ذلك بهيمة الأنعام، أو الدجاج، ونحوه، مما يلتقط الحب.
([23]) هذا المذهب لما روى الترمذي وغيره، وصححه نهى عن شرب لبن الجلالة.
([24]) نص عليه، لأن ابن عمر إذا أراد أكلها، حبسها ثلاثا، وأطعمها الطاهرات، وقال ابن القيم: أجمع المسلمون على أن الدابة، إذا علفت بالنجاسة ثم حبست، وعلفت بالطاهرات، حل لبنها ولحمها، وكذا الزرع والثمار إذا سقيت بالماء النجس، ثم سـقيت بالطـاهر حلت، لاستحـالة وصـف الخبث، وتبدله
بالطيب اهـ.

ولأن النجاسة تستحيل في بطنها، فتطهر بالاستحالة، كالدم يستحيل في أعضاء الحيوان لحما، ويصير لبنا، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي، يباح أكل لحم الجلالة، وشرب لبنها، وأكل بيضها، وإن لم تحبس مع استحبابهم حبسها، وكراهيتهم لأكلها بدون حبسها، وكذا عند الجميع، أكل الزرع والثمار، والبقول، إذاكان سقيها بالماء النجس.
وقال ابن عقيل: ليس بنجس، ولا محرم، بل يطهر بالاستحالة، كالدم يصير لبنا، وهو اختيار شيخ الإسلام، وكان سعد بن أبي وقاص يدمل أرضه بالعذرة، ويقول مكتل منها بمكتل بر.
([25]) لأنه مضر بالبدن، ويكره أكل طين وهو: التراب المبلول بالماء، ولا يتداوى به لضرره بخلاف الأرمني للدواء، وأكل الطين عيب في المبيع، لأنه لا يطلبه إلا من به مرض.
([26]) أي ويكره أكل غدة، وهي الصعارير في الغنم، التي كالشحم، وقال أبو الفرج: يحرم، وأذن القلب، وهي الزنمة في أعلاه.
([27]) ككراث وفجل، قال الخلوتي: كدخان، ما لم يضر، فإن ضر حرم إجماعا، وقال بحرمته جماعة من أتباع الأئمة وأهل الطب.
([28]) لتضعف أو تزول رائحته، وكرهه أحمد، لمكان الصلاة وقت الصلاة، وكذا كل ماله رائحة كريهة، لحديث «من أكل من هذه الشجرة، فلا يقربن مصلانا».
([29]) أي لا يكره أكل لحم منتن، لخبث رائحته، وقد يضر، ولا أكل لحم نيء لم يصل ولم يطبخ، وقيل: يكره، وذكره في الانتصار اتفاقا وفي الإنصاف: الكراهة في اللحم المنتن أشد، ونقل عن الأصحاب، يكره مداومة أكل اللحم.
([30]) أي ومن اضطر إلى أكل محرم، كميتة، ولا نزاع في تحريم أكل الميتة والخنزير، بلا ضرورة، بأن خاف التلف إما من جوع، أو خاف إن ترك الأكل عجز عن المشي، وانقطع عن الرفقة فيهلك، أو يعجز عن الركوب، فيهلك إن لم يأكله، ولا يتقيد بزمن مخصوص، حل له الأكل، وقال الشيخ: المضطر يجب عليه أكل الميتة، في ظاهر مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، لا السؤال.
وقوله: غير السم، أي فلا يحل له أكله، وكذا نحو مما فيه مضرة، ويحرم الترياق، وهو دواء يعالج به من السمم، فيه لحوم الحيات، ويعجن بالخمر، والخالي منهما مباح، وكذا التداوي بمحرم، كألبان الأتان، ولحم شيء من المحرمات أو شرب مسكر، وتقدم.
([31]) كقاطع طريق وآبق، أي: فلا يحل له أكل المحرم، كالميتة.
وقال الشيخ: ليس في الشرع ما يدل على أن العاصي في سفره لا يأكل الميتة، ولا يقصر ولا يفطر، بل نصوص الكتاب والسنة عامة، مطلقة، كما هو مذهب كثير من السلف، وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر، وهو الصحيح.
([32]) أي حل للمضطر من الميتة ونحوها من المحرم، غير نحو السم، ما يسد رمقه، ويأمن معه الموت، وهو إجماع، وضبطه بعضهم بالشين المعجمة أي يمسك قوته عليه ويحفظها، وفي الصحاح: بقية روحه، وعلم منه أنه ليس له الشبع، وقال الموفق وغيره: إن كانت الضرورة مستمرة، جاز الشبع، قال الشيخ: وليس له أن يعتقد تحريمها حينئذ ولا يكرهها.
([33]) وقوله: {لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فسبب الإباحة حفظ النفس عن الهلاك، والباغي والعادي، قد قيل إنهما صفة للشخص مطلقا، وقد قيل: إنهما صفة لضرورته، فالباغي الذي يبغي المحرم، مع قدرته على الحلال، والعادي الذي يتجاوز قدر الحاجة كما قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} قال الشيخ: وهذا قول أكثر السلف، وهو الصواب بلا
ريب اهـ.

ودلت الآية على إباحة المحرمات، حال الإضطرار حضرا وسفرا، لأنها مطلقة غير مقيدة، ولأن الاضطرار يقع في الحضر والسفر فقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ} لفظ عام في كل مضطر.
([34]) أي التلف، وفي الترغيب، جوز جماعة التزود منه مطلقا، وصوبه في الإنصاف: وهو قول مـالك، لما رواه أبـو داود، أنـه قال للذي سأله عن ناقة
نفقت وقالت امرأته: أسلخها، حتى نقد شحمها ولحمها، ونأكله هل عندك غنى يغنيك؟ قال: لا، قال: فكلوها، ولأنه لا ضرر في استصحابه، ولا في إعداده لدفع ضرورته.

([35]) أي المحرم كميتة، نص عليه، وقال الشيخ: لا يجب، ولا يأثم، وأنه ظاهر المذهب اهـ وهو ظاهر كلام الموفق وجماعة.
([36]) لأنه غاية مقدوره، حيث لم يجد غيرها، ويقدم ميتة مختلفا فيها، على مجمع عليها، وميتة وهو محرم على صيد حي، لا إن ذبحه محرم، وطعاما يجهل مالكه، على صيد حي، بشرط ضمانه، ويقدم ميتة على طعام لا يعرف مالكه، مع إمكان رده إليه بعينه، لأن أكل الميتة منصوص على إباحته، ومال الآدمي مجتهد فيه، فكان العدول إلى المنصوص أولى، قال الشيخ: أما إذا تعذر رده إلى مالكه، بحيث أنه يجب أن يصرف إلى الفقراء، كالغصوب، والأمانات التي لا يعرف مالكها، فإنه يقدم ذلك على الميتة.
([37]) أي صاحب الطعام أحق بطعامه، بلا نزاع لمساواته الآخر في الاضطرار وانفراده بالملك أشبه غير حالة الاضطرار، وإن اشتدت المخمصة، في سنة المجاعة، وأصابت الضرورة خلقا كثيرا، وكان عند بعض الناس قدر كفايته، لم يلزمه بذل ما معه، للمضطرين لأن بذله يفضي إلى هلاك نفسه وعياله فلم يلزمه، كما لو أمكنه إنجاء الغريق بتغريق نفسه، اختاره الموفق وغيره.
([38]) أي ليس لرب الطعام المضطر إليه، إيثار غيره به، لئلا يلقي بيده إلى التهلكة، وقـال ابـن القيم: يجوز، وأنه غـاية الجود لقـوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ولقول جماعة من الصحابة، ولعله لعلمهم من أنفسهم حسن التوكل والصبر.

([39]) أي وإن لم يكن رب الطعام مضطرا، ولا خائفا أن يضطر، لزمه بذل ما يسد رمق المضطر فقط، بقيمة الطعام، نص عليه ولو لم يبذله ربه إلا باكثر من قيمته، لم يلزم المضطر إلا قيمته فقط، وقال الشيخ: وإن كان فقيرا، فلا يلزمه عوض، إذ إطعام الجائع، وكسوة العاري، فرض كفاية، ويصيران فرض عين على المعينن إذا لم يقم به غيره اهـ، وإن بادر رب الطعام فباعه، أو وهبه قبل الطلب صح، ويستحق المضطر أخذه من المشتري أو المتهب، وبعد الطلب لا يصح البيع قال في القواعد في الأظهر.
([40]) أي فإن أبي رب الطعام بذله للمضطر بقيمته، أخذه المضطر من ربه بالأسهل فالأسهل كبشراء أو استرضاء، فإن أبى أخذه المضطر قهرا، ويعطيه عوضه يوم أخذه أو مثله فإن منعه فله قتاله، فإن قتل المضطر ضمنه رب الطعام، بخلاف عكسه وفي الإرشاد عن أحمد: لا يقاتله فإن الله سيرزقه، ومتى وجد مضطر من يطعمه ويسقيه، لم يبح له الامتناع، ولا العدول إلى الميتة، إلا أن يخاف أن يسم فيه، أو كان الطعام مما يضر أكله.
([41]) أو حر، وكذا مقدحة ونحوها.
([42]) كفأس وقدر، ومنخل، وإبرة، والجامع لذلك: المعاونة، بمال أو منفعة.
([43]) على الصحيح من المذهب، وقيل يجب العوض كالأعيان.
([44]) قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما، الماعون هو: ما يتعاطاه الناس بينهم، ويتعاونونه من الفأس والقدر، والدلو وأشباه ذلك، وقال بعضهم الماعون المعروف، وفي الحديث: «كل معروف صدقة» وفيه أحاديث مرفوعة.
([45]) مسلما كان أو ذميا أو مستأمنا، لأن المعصوم الحي مثل المضطر، فلا يجوز له إبقاء نفسه، بإتلاف غيره، وإن كان مباح الدم، كالحربي والمرتد، والزاني المحصن، والقاتل في المحاربة، حل للمضطر قتله وأكله لأنه لا حرمة له، فهو بمنزلة السباع، وكذا بعد موت المعصوم، عند أكثر الأصحاب وهو ظاهر إطلاقهم.
([46]) واختار الموفق وغيره: له أكله، وفاقا للشافعي وذكره في الإنصاف: المذهب.
([47]) أي فله الأكل منه، وظاهره: إن كان مجموعا فليس له الأكل منه، إلا أن يكون مضطرا كما صرح به.
([48]) أي فله الأكل منه، نص عليه، واختاره الأكثر، وليس له رمية، كما يأتي.
([49]) فإن كان ثم حائط، فليس له الأكل، ولا الدخول بلا إذن صاحبه.
([50]) ويسمى الناطور، ويروى الناطر بالمهملة معرب، لأن إحرازه بذلك يدل على شح صاحبه.
([51]) واستحب جماعة: أن ينادي قبل الأكل ثلاثا، يا صاحب البستان فإن أجابه وإلا أكل للخبر الآتي.
([52]) هذا المذهب المشهور.
([53]) وفعله عبد الرحمن بن سمرة، وأبو برزة، وروى أحمد وغيره إذا أتيت حائط بستان، فناد صاحب البستان، فإن أجابك، وإلا فكل، ومن حديث سمرة نحوه، وعنه: لا يحل له ذلك، إلا لحاجة وقال أكثر الفقهاء: لا يباح الأكل إلا لضرورة لما ثبت «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام»، وترك العمل به مع الحاجة، لما روى عمرو بن شعيب مروفعا، سئل عن الثمر المعلق، فقال: «ما أصاب منه من ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن أخرج منه شيئا فعليه غرامة مثليه والعقوبة» حسنه الترمذي: ولأبي داود، من حديث العرباض «لا يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم».
([54]) ولا ضربة به، لأنه يفسده.
([55]) أي وليس للمار، الأكل من ثمر مجموع، أي: مجني لإحرازه، إلا لضرورة بأن يكون مضطرا فيأكل للضرورة.
([56]) كبر يؤكل فريكا عادة، لأن العادة جارية بأكله رطبا، أشبه الثمر.
([57]) إذا لم يجد صاحبها فهي كالثمرة ولما روى الترمذي وصححه إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه وإن لم يجد أحدا فليحتلب وليشرب ولا يحمل، وحملوا قوله: «لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه»، على ما إذا كان عليها حائطا، أو حافظا، جمعا بين الأخبار، والأولى عدم الأكل، خروجا من خلاف أكثر العلماء، وحيث جوز الأكل ونحوه، فالأولى تركه إلا بإذن.

  #5  
قديم 9 ربيع الثاني 1432هـ/14-03-2011م, 05:01 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ


وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَحَلاَلٌ، كَالْخَيْلِ، .........................................
إذاً قوله: «وما عدا ذلك» يعني ما تجاوزه، أي: ما سوى ذلك.
وقوله: «فحلال» خبر لمبتدأ محذوف، أي: فهو حلال.
فإذا قال قائل: ما الدليل؟
الجواب: الأصل، يعني أن الدليل هو عدم الدليل، أي: عدم الدليل على التحريم، مثاله:
قوله: «كالخيل» وهنا قد نحتاج إلى دليل يدل على إباحة الخيل؛ لأن بعض العلماء حرَّم الخيل كأبي حنيفة، وبعضهم كرهها كمالكٍ، وبعضهم أباحها كالإمام أحمد.
فلو قلنا: إن الخيل لا نحتاج إلى الاستدلال لحلّها؛ لأنه الأصل، قلنا: هذا صحيح، لكن ما دام قد عارَضَنَا بعض أهل العلم مستدلاً بدليل من القرآن، فلا بد أن نأتي بدليل واضح على حلها، فما الدليل؟
الدليل: حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن لحوم الحُمُر، وأذِنَ في لحوم الخيل»[(23)]، فهذا واضح.
كذلك حديث أسماء في البخاري قالت: «نحرنا فرساً في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ونحن في المدينة فأكلناه»[(24)]، وقولها: «ونحن في المدينة» تعني أنه متأخر، وإنما نصَّت على أنه في المدينة؛ لأن سورة النحل التي فيها دليل من استدل على تحريمها مكية.
إذاً الخيل مباحة، ولها دليل إيجابي ودليل سلبي، فالسلبي عدم الدليل على التحريم فيكون الأصل الإباحة، والإيجابي حديث جابر وحديث أسماء ـ رضي الله عنهما ـ.
ولكن ذهب بعض العلماء إلى التحريم ـ كأبي حنيفة ـ واستدل بقوله تعالى: {{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ *وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ *وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *}} [النحل] .
فالأنعام قال: {{لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}}، {{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ}}، قال: {{لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}}، فقسم الله سبحانه وتعالى هذه البهائم إلى قسمين: قسم له كذا، وقسم له كذا، وذكر الخيل فيما يحرم، وهي البغال، والحمير، فلتكن محرَّمة، وذكر الحكمة وهي الركوب والزينة، ولو كان الأكل سائغاً لذكره؛ لأنه غاية لمن اقتناه.
وهذا الاستدلال لولا الأحاديث لكان له وجه، ولكن إذا كانت الأحاديث مُصرِّحَة بأن الخيل حلال، فإنه لا يمكن أن يكون هذا الدليل قائماً؛ لأن السُّنَّة تفسِّر القرآن وتبينه.
فإن قلت: إذاً لماذا هذا التقسيم؟
قلنا: لأن أَعمَّ منافع الخيل هو الركوب، والزينة، وفيه أيضاً إشارة ـ والله أعلم ـ أنه لا ينبغي أن تُجعَل الخيل للأكل، وإنما تُجعل للركوب، وللزينة، وللجهاد في سبيل الله، أمَّا الأكل فهناك ما يكفي عنها وهي الأنعام، فالإبل أكبر منها أجساماً، وأكثر منها لحوماً، والبقر، والغنم، ولأنها لو اتخذت للأكل لفنيت، وبطل الانتفاع بها في الجهاد في سبيل الله.
فهذه هي الحكمة ـ والله أعلم ـ في أنها قرنت بالبغال والحمير.

وَبَهِيمَةِ الأَْنْعَامِ، وَالدَّجَاجِ، وَالْوَحْشِيِّ مِنَ الْحُمُرِ،........................
قوله: «وبهيمة الأنعام» وهي: الإبل، والبقر، والغنم، وسُمِّيت بهيمة؛ لأنها لا تتكلم، فأَمْرُها مُبْهَم عندنا، أرأيت الشاة في البيت هل إذا جاعت تقول: أعطني علفاً؟! لا، لكن ربما تثغو، فإذا ثغت هل يتعين أن يكون ثُغَاؤهَا لطلب العلف؟ لا، ربما لطلب الماء، وربما لطلب الفَحْل، وربما لمرض فيها، المهم لها أسباب لا نعرفها فحاجتها بالنسبة لنا مبهمة ولهذا سميت بهيمة.
فما الدليل على حل بهيمة الأنعام؟
الجواب: نقول: لا نحتاج إلى دليل؛ لأن هذا هو الأصل، ومع ذلك ـ والحمد لله ـ توجد أدلة كثيرة، قال الله تعالى: {{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}} [المائدة: 1] .
وقال عزّ وجل: {{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }} [الأنعام:143] .
قوله: «والدجاج» وهو حلال بناءً على الأصل، وقد وردت فيه أحاديث أنها أكلت على عهد النبي عليه الصلاة والسلام[(25)]. فيكون حل الدجاج ثابت بالنص وبالأصل.
قوله: «والوحشي من الحُمر» الحمار الوحشي حلال، والدليل الأصل، ثم نقول: عندنا دليل إيجابي، وهو حديث الصعب بن جثَّامة[(26)]، وحديث أبي قتادة ـ رضي الله عنهما[(27)] ـ، وعندنا أيضاً حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمرُ الأهلية»[(28)]، فإن مفهوم «الأهلية» يدل على حل الوحشية.

وَالْبَقَرِ وَالضبِ وَالظِّبَاءِ وَالنَّعَامَةِ وَالأَْرْنَبِ وَسَائِرِ الْوَحْشِ، وَيُبَاحُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ كُلُّهُ ..........
قوله: «والبقر» أي: الوحشي من البقر ـ أيضاً ـ حلال بناءً على الأصل.
قوله: «والضب» [(29)] وهو حيوان معروف، وهو حلال، والدليل الأصل، وفيه ـ أيضاً ـ أحاديث صحيحة عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ، لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأكله؛ لأنه لم يكن في أرض قومه[(30)]، فكرهه كراهة نفسية لا شرعية.
قوله: «والظباء» جمع «ظبي»، وهو معروف، وهو حلال، والدليل الأصل، ولأن في صيده في حال الإحرام فدية، وكل شيء فيه فدية فإنه حلال.
قوله: «والنعامة» معروفة، وهي حلال للأصل، ولأن الصحابة رضي الله عنهم قَضَوا فيها إذا صادها المحرم ببدنة[(31)]، وهذا دليل على الحل.
قوله: «والأرنب» معروف، وهو حلال بناءً على الأصل.
قوله: «وسائر الوحش» والمراد بالوحش هنا غير المألوف من سائر جنس الحيوانات. أي: سائر الوحش غير ما استُثني فيما سبق من المحرمات فإنه حلال، يقول في الروض: «كالزرافة، والوبر، واليربوع، وكذا الطاووس، والببَّغاء»[(32)]، فكل هذه حلال، بناءً على الأصل.
قوله: «ويباح حيوان البحر كله» «كل» من ألفاظ التوكيد، لكن هل هي توكيد للبحر، أو هي توكيد للحيوان؟
الجواب: هي توكيد للحيوان، والدليل الاستثناء؛ حيث قال: «إلا الضفدع» .
وقوله: «ويباح حيوان البحر كله» والدليل قوله تعالى: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}} [البقرة: 29] ، والدليل الخاص قوله تعالى: {{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}} [المائدة: 96] ، قال ابن عباس: {{صَيْدُ الْبَحْرِ}} ما أخذ حياً، {{وَطَعَامُهُ}} ما أخذ ميتاً[(33)].
فيباح حيوان البحر كله ولو كان على صفة الحمار، أو الكلب، أو الإنسان، إلا ثلاثة أشياء، قال:

إِلاَّ الضِّفْدِعَ، وَالتِّمْسَاحَ، وَالْحَيَّةَ، وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى مُحَرَّمٍ ـ غَيْرَ السُّمِّ ـ حَلَّ لَهُ مِنْهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ،...........
«إلا الضفدع، والتمساح، والحية» فهذه الثلاثة لا تُباح.
قوله: «الضفدع» قال في الروض: «لأنها مستخبثة»[(34)]، مع أن الضفدع في الواقع بري بحري، إذاً ليس من حيوان البحر؛ لأن حيوان البحر هو الذي لا يعيش إلا في الماء، وإذا كانت العلةُ الاستخباث فإننا نرجع إلى ما سبق، وهو هل الاستخباث يعتبر علة مؤثرة؟
وقوله: «والتمساح» فهذا ـ أيضاً ـ يحرم، ولو كان من حيوان البحر، قال في الروض: «لأنه ذو ناب يفترس به»[(35)].
فهل هذا صحيح؟
الجواب: نعم، لكنه ليس من السباع، ولهذا ليس ما يحرم في البر يحرم نظيره في البحر، فالبحر شيء مستقل، حتى إنه يوجد غير التمساح مما له ناب يفترس به، مثل القرش، ويوجد ـ أيضاً ـ أشياء غريبة إذا شاهدت الإنسان ارتَقَت فوقه ـ كما حدثني الذين يغوصون في البحر ـ فتكون فوقه كالغمامة، ثم تنزل شيئاً فشيئاً حتى تكبس عليه، فإذا كبست عليه فإنه يموت، لكن يقول لي أحد البحَّارة: ـ سبحان الله ـ لها محل يخرج منه فضلات الطعام، إذا حكه الإنسان ارتفعت، فينجون.
والحاصل أنه توجد أشياء تقتل، ومع ذلك فإنها حلال، وعليه فإننا نقول: الصحيح أنه لا يُستثنى التمساح، وأنه يؤكل.
وقوله: «والحيَّة» أي: أنها حرام، قال في الروض: «من المستخبثات»[(36)]، وهذه العلة:
أولاً: فيها نظر كما سبق.
ثانياً: ليس ما يُستخبث في البر يكون نظيره في البحر مُستخبثاً.
وعليه فالصواب أنه لا يُستثنى من ذلك شيء، وأن جميع حيوانات البحر التي لا تعيش إلا في الماء حلال، حيُّها وميتها، لعموم الآية الكريمة التي ذكرناها من قبل.

وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِدَفْعِ بَرْدٍ، أَوِ اسْتِسْقَاءِ مَاءٍ، وَنَحْوِهِ، وَجَبَ بَذْلُهُ لَهُ مَجَّاناً، .......
قوله: «ومن اضطُر» أصل اضطر في التصريف اضتر، ولا يصح أن نقول: اضْطَرَّ؛ لأن الإنسان مُلْجَأٌ وليس مُلجِئاً، نعم إن قلتَ: اضطَرَّ فلانٌ فلاناً أن يفعل كذا صَحَّ، أمَّا إذا كان وصفاً لمن وقعت به الضرورة فلا يجوز أن نقول: «اضْطَرَّ» ولهذا في القرآن: {{فَمَنِ اضْطُرَّ}} [البقرة: 173] وانتبه، فبعض الطلبة يقول: «اضْطَرَّ» وهذا خطأ، والمعنى ألجأته الضرورة، أي: أصابته ضرورة إلى فعل هذا الشيء، ويلحقه الضرر إن لم يفعله.
قوله: «إلى محرم» أي: محرم من هذه الأشياء المحرمة من المأكولات.
قوله: «غير السم» استثنى المؤلف السم، وسيأتي.
قوله: «حلّ له منه ما يسدُّ رمقه» «يسد» أي: يكفي، «رمقه» أي: بقية حياته، ولهذا الحيوان إذا وصل إلى حال الموت يقال: هذا ما فيه رمق، أي: ما فيه بقية حياة، فيحل للمضطر أن يأكل ما يسد رمقه، يعني ما تبقى معه الحياة فقط، ولا يشبع، والدليل قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}} إلى أن قال: {{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}} [المائدة: 3] .
وقال تعالى: {{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }} [البقرة:173] .
إذاً، إذا اضطُر الإنسان إلى هذه المحرمات جاز له أكلها، لكن الله ـ عزّ وجل ـ اشترط شرطين:
الأول: {{فِي مَخْمَصَةٍ}} أي: مجاعة.
الثاني: {{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ}} يعني غير مائل إلى الإثم، أي: ما ألجأه إلا الضرورة وما قصد الإثم.
في الآية الثانية: {{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ}} قيل: إن الباغي هو الخارج على الإمام، والعادي الطالب للمحرَّم المعتدي.
وعلى هذا؛ فإذا كان السفر محرماً، واضطر إلى أكل الميتة قلنا: لا تأكل؛ لأنك باغٍ وعادٍ، والصواب أن الباغي والعادي وصفان للتناول، أي: غير باغٍ في تناوله، أي: لا يريد بذلك أن يتناول المحرم، ولا عادٍ أي: متجاوزٍ قدرَ الضرورة؛ لتُفسَّر الآية التي في سورة «البقرة» بالآية التي في سورة «المائدة».
وقوله: «حل له منه ما يسد رمقه» فهل له أن يشبع؟
الجواب: على كلام المؤلف ليس له أن يشبع؛ لأن هذا الأكل أكل ضرورة، فيتقيد بقدر الضرورة، لكن لو جاع مرة ثانية أكل ولا مانع.
وقيل: له أن يشبع إن خاف أن يجوع في المستقبل، ولكن الصواب: أنه ليس له أن يشبع، وأن هذا الأكل ضرورة، فيتقيد بقدرها، وإذا خاف أن يجوع قبل أن يصل إلى بلده مثلاً، فله أن يتزود من هذا اللحم بحمله معه، وإذا تزوَّد وحمل معه فليس عليه خطر، لكن إذا شبع من هذا اللحم الخبيث، فربَّما يكون عليه تخمة، ونتن في بطنه فيتضرر، فالصواب هنا ما ذكره المؤلف أنه لا يحل له إلا ما يسد رمقه، ويرد عليه قوَّته.
وقوله: «غير السم» استثنى السم، و«السم» مثلثة السين،فيصح أن تقول: «سَم» و«سُم» و«سِم» فالإنسان لا يغلط فيها، فالسم لو اضطر إليه الإنسان لا يأكل منه، لماذا؟
الجواب: لأنه إذا أكل من السم أسرع إلى نفسه القتل، وهذا أمر معلوم، وإذا لم يأكل ربما سهَّل الله له شيئاً يأكله، لكن إذا أكل السم فقد قتل نفسه فالسم لا يحل بأي حال من الأحوال.
مسائل:
الأولى: لو اضطُر إلى شرب لبن الأتان ـ أي: الحمارة ـ هل يحل؟
الجواب: يحل له ذلك، وكل المحرمات التي لا تضر بذاتها إذا اضطُرَّ إليها الإنسان أكل منها وشرب.
وقد اشتهر عند العامة أن نوعاً من السعال (الكَحَّة) يُداوى بلبن الأتان، ويقولون: إذا حلّت الضرورة حلت المحرمات.
«حلت» الأولى بمعنى نزلت، و«حلت» الثانية بمعنى أُبيحت، ففيه جناس تام، وهذا غير صحيح وليس له أصل، لأمرين:
الأول: أن الله لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا.
الثاني: أن الضرورة التي تبيح المحرم يشترط لها شرطان:
الأول: أن يتعين دفع ضرورته بهذا الشيء لا بغيره.
الثاني: أن تندفع ضرورته به.
فهل الدواء ينطبق على هذا أو لا؟
الجواب: لا ينطبق، أولاً: لأن الإنسان قد يُشفى بدون تناول الدواء، وهذا شيء كثير، وكم شفينا ـ والحمد لله ـ من أمراض كثيرة بدون أن نتناول دواءً، وغالب الناس مر عليه هذا، إذاً لسنا في ضرورة لتناول الدواء.
ثانياً: ربما يكون هناك دواء غير هذا يغني عنه، فلسنا في ضرورة إلى هذا الدواء.
وقولنا: «أن تندفع ضرورته به» فهل الدواء تندفع به الضرورة؟
الجواب: قد تندفع وقد لا تندفع، يعني قد يُفيد، وقد لا يفيد، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام: «الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام» [(37)]، يعني الموت، فإذا لم يرد الله ـ عزّ وجل ـ أن يشفي هذا المريض لم يُشفَ ولو بالدواء.
وإذا جاء الأمر بعد النهي فهو للإباحة، وإذا جاء الحل بعد التحريم فإنه يقصد به انتفاء التحريم، ولا ينفي أن يكون الشيء واجباً، فقول المؤلف: «حل له» أي: ارتفع التحريم؛ لأنه في هذه الحال إذا اضطر إلى أكل المحرم لا نقول: هو حلال، إن شئت فَكُل، وإن شئت فلا تأكل، بل يجب أن يأكل؛ لإنقاذ نفسه، وعليه فيكون التعبير هنا بالحل في مقابل التحريم، فلا ينافي الوجوب.
المسألة الثانية: لو اضطر إلى شرب ماء محرمٍ هل يشرب؟
الجواب: نعم يشرب، ولو اضطر إلى شرب الخمر فلا يشرب، يقول العلماء: إن الخمر لا يغني من العطش، بل يزيد العطش، ومع ذلك إذا اضطر إليه بحيث تندفع ضرورته بتناوله حل له الخمر، ومثَّلوا لذلك برجل غصَّ بلقمةٍ ولم يكن عنده إلا كأس خمر، فله أن يتناول ما يدفع اللقمة فقط ثم يمسك؛ لأنه هنا تندفع به الضرورة، أما غيرها فلا تندفع به الضرورة.
قوله: «ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع برد، أو استسقاء ماء، ونحوه وجب بذله له مجاناً» الاضطرار إلى مال الغير إما أن يكون إلى عينه، وإما أن يكون إلى نفعه.
مثال الاضطرار إلى عينه: جاع إنسان وليس عنده إلا خبزٌ لغيره، ومثال الاضطرار إلى نفعه: بَرَدَ الإنسان واضطُر إلى لحاف غيره، فالاضطرار هنا إلى نفعه لا إلى عينه؛ لأن اللحاف سيبقى، والذي يُنتفع به هو التدفئة بهذا اللحاف.
والفرق بينه وبين الاضطرار إلى عين المال أنَّ المضطر إلى نفع المال ستبقى عين المال، والمضطر إلى عين المال سوف تفنى عين المال، فبينهما فرق واضح.
في المسألة الأولى: إذا اضطر إلى مال الغير، فإن صاحب المال إن كان مضطراً إليه فهو أحق به.
مثاله: رجل معه خبزة وهو جائع وصاحبه جائع، وليس معه خبز، فالصاحب محتاج إلى عين مال الغير، لكن الغير ـ أيضاً ـ محتاج إليه، ففي هذه الحال لا يحل للصاحب أن يأخذ مال الغير؛ لأن صاحبه أحق به منه، ولكن هل يجوز لصاحبه أن يؤثره أو لا؟
الجواب: المذهب أن الإيثار في هذه الحال لا يجوز، وقد سبق لنا قاعدة في ذلك، وهي أن الإيثار بالواجب غير جائز، ومن أمثلتها في باب التيمم إذا كان الإنسان ليس معه من الماء إلا ما يكفي لطهارته، ومعه آخر يحتاج إلى ماءٍ فلا يعطيه إياه والثاني يتيمَّم؛ لأن هذا إيثار بالواجب، والإيثار بالواجب حرام.
وعلى هذا فإذا كان صاحب الطعام محتاجاً إليه، يعني مضطراً إليه كضرورة الصاحب فإنه لا يجوز أن يؤثر به الصاحب؛ لأن هذا يجب عليه أن ينقذ نفسه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ابدأ بنفسك» [(38)]، فلا يجوز أن يؤثر غيره؛ لوجوب إنقاذ نفسه من الهلكة قبل إنقاذ غيره، هذا هو المشهور من المذهب.
وذهب ابن القيم ـ رحمه الله ـ إلى أنه يجوز في هذه الحال أن يؤثر غيره بماله، ولكن المذهب في هذا أصح، وأنه لا يجوز، اللهم إلا إذا اقتضت المصلحة العامة للمسلمين أن يؤثره، فقد نقول: إن هذا لا بأس به، مثل لو كان هذا الصاحب المحتاج رجلاً يُنتفع به في الجهاد في سبيل الله، أو رجلاً عالماً ينفع الناس بعلمه، وصاحب الماء المالك له، أو صاحب الطعام رجل من عامة المسلمين، فهنا قد نقول: إنه في هذه الحال مراعاة للمصلحة العامة له أن يؤثره، وأما مع عدم المصلحة العامة فلا شك أنه يجب على الإنسان أن يختص بهذا الطعام الذي لا يمكن أن ينقذ به نفسه، وصاحبه.
وإذا كان طعام الإنسان كثيراً وَوَجَدَ مضطراً إليه فإنه يجب أن يبذله له وجوباً.
فالخلاصة: أنه إذا اضطر إلى عين مال الغير، فإن كان الغير مضطراً إليه فهو أحق به، ولا يؤثر غيره به، وإذا كان غير مضطر إليه وجب أن يبذله لهذا المضطر وجوباً، وهل يبذله مجاناً أو بالقيمة؟
الجواب: فيه خلاف بين العلماء، قال بعضهم: يجب أن يبذله له مجاناً؛ لأن إطعام الجائع فرض كفاية، والفرض لا يجوز أن يتخذ عليه الإنسان أجراً.
وقال آخرون: يجب أن يبذله له، وعلى المنتفع به القيمة؛ لأنه أتلف عين مال الغير فلزمه عوضه، قيمته إن كان متقوماً، ومثله إن كان مثلياً.
وهناك تفصيل أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إن كان مع المضطر العوض وجب بذله، وإن كان فقيراً فليس عليه شيء؛ لأن الفقير من أين يوفي؟! وإطعام الجائع واجب، بخلاف الغني فإن عنده ما يعوض به صاحب المال، وهذا قول وسط وله وجهة من النظر.
فإن أبى صاحب المال، أو الطعام أن يعطيه، فهل لهذا المضطر أن يأخذه بالقوة؟
الجواب: نعم، له أن يأخذه بالقوة، وإذا لم يمكن أن يأخذه إلا بالقتال، فهل يقاتل؟
الجواب: قال العلماء: يقاتل، فإن قُتل صاحب المال فهو ظالم، وإن قُتل المضطر فهو شهيد.
فإذا قُدِّر أنه عجز، ولم يتمكَّن حتى مات، فهل يضمنه صاحب الطعام؟
الجواب: قال بعض العلماء: يضمنه؛ لأنه تعدَّى بترك القيام بالواجب.
وقال آخرون: إنه لا يضمن؛ لأنه لم يمت بسببه، والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه يضمنه إذا طلب الطعام ولم يعطه، أما لو مرَّ بشخص مضطر، ولكنه ما طلب فإنه لا يضمنه.
وهل مثل ذلك لو شاهدت إنساناً غريقاً بالماء، وهو يشير أنقذني يا رجل، أنقذني، وتركتَه حتى غرق، فهل تضمن أو لا؟
الجواب: المذهب: لا يضمن، والصحيح أنه يضمن لو كان قادراً على إنقاذه، أما لو كان عاجزاً فإنه لا يضمن، وفي هذه الحال أيضاً، لا ينبغي أن تنزل إلى الماء لإنقاذ غريقٍ، إلا إذا كان لديك قوة، وأنت واثق من نفسك؛ لأن عادة الغريق إذا أمسك بالمنقِذ أنه يغرقه، ويجعله تحته حتى يركب عليه، فإذا لم يكن عند الإنسان قوة بدنية، ومعرفة بالسباحة فسوف يغرق.
وغالب الناس لا يعرفون هذا الفن، وتأخذهم الشفقة والرحمة، ولكن يجب على الإنسان أن يحكِّم العقل دون العاطفة.
وإذا كان رجل في مفازةٍ ومررتُ به، ولكني خشيت منه، فهل يلزمني حمله أو لا؟
الجواب: إذا كان الخوف محققاً لم يلزمك أن تحمله، ولكن يلزمك أن تنقذه، فإذا كان معك فضل ماء، أو فضل طعام، فأعطه وامشِ، أما إذا كان الخوف غير محققٍ فيجب أن تحتاط لنفسك، وتنظر هل معه سلاح، أو ليس معه سلاح، وتركبه بعيداً عنك.
هنا حكم الاضطرار إلى عين مال الغير، أمّا الاضطرار إلى نفع مال الغير فيقول المؤلف:
«ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع برد» كاللحاف أو النار وما أشبه ذلك.
«أو استسقاء ماء» مثل: الدلو والرشاء وما أشبه ذلك.
«ونحوه» كما لو اضطر إلى ماعون ليضع فيه الماء، أو ليدفِّئ به ماء، أو ليضع فيه الطعام، أو ما أشبه ذلك.
وهل مثل ذلك الاضطرار إلى ركوب السيارة، مثل أن يكون في مفازة، ومرَّ به صاحب سيارة، فهو الآن مضطر إلى الركوب، فهل هذا مثله؟
الجواب: نعم؛ لأن هذا اضطرار إلى نفع هذه السيارة مثلاً، أو البعير، أو الحمار.
وقوله: «وجب بذله له مجاناً» أي: بغير عوض. والفرق بين الاضطرار إلى نفع المال وبين الاضطرار إلى عين المال أن الأول ستبقى عين المال والثاني تغنى عين المال؛ لأن المضطر سيقول لصاحب المال: سيبقى لك مالك فلا تمنعني من الانتفاع به؛ لأن الله تعالى يقول: {{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ *الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ *وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ *}} [الماعون] فمنع الماعون في هذه الحال داخل في الوعيد.

وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرِ بُسْتَانٍ فِي شَجَرَةٍ، أَوْ مُتَسَاقِطٍ عَنْهُ، وَلاَ حَائِطَ عَلَيْهِ، وَلاَ نَاظِرَ، فَلَهُ الأَكْلُ مِنْهُ مَجَّاناً مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ،............................
قوله: «ومن مر بثمر بستان» «من» عامة تشمل الذكر والأنثى، والمسلم والذمي، كلَّ مَن مَرَّ، لكن اشترط المؤلف فقال:
«في شجرة» كأن مررت بالنخلة، وعليها ثمرها.
قوله: «متساقط عنه» كأن يكون سقط في حوض النخلة شيء من التمر، بخلاف المجموع، فلو أن صاحب الثمر جمعه، وجعله في البيدر ـ وهو المكان الذي ييبس فيه التمر ـ فليس له هذا الحكم.
قوله: «ولا حائط عليه» الحائط معروف، وهو الجدار المحيط بالبستان الذي يمنع من الدخول، إلا من الباب.
وقوله: «ولا ناظر فله الأكل منه مجَّاناً» وهو الحارس، فإذا كان عليه حارس وإن لم يكن عليه حائط فلا أكل، فاشترط المؤلف شروطاً:
الأول: أن يكون فيه الثمر، أو متساقطاً، لا مجنياً.
الثاني: ليس عليه حائط.
الثالث: ليس عليه ناظر.
فإن كان عليه حائط فإنه لا يأكل منه؛ لأن تحويط صاحبه عليه دليل على أنه لا يرضى أن يأكله أحد، فهو إذاً قرينة على عدم رضا صاحبه بالأكل منه، والإنسان لا يحل ماله إلا بطيب نفس منه.
كذلك إذا كان عليه ناظر فهو دليل على أن صاحبه لا يرضى أن يأكل منه أحد؛ لأنه لو رضي أن يأكل منه أحد لم يجعل عليه ناظراً يحرسه، فهو قرينة على أن صاحبه لا يرضى أن يأكل منه أحد.
فإذا جعل عليه شبكاً فهل له نفس الحكم، أو أن هذا الشبك عن البهائم؟
الجواب: الظاهر أن الشبك الذي فيه موانع شائكة عن البهائم فقط، والشبك الرفيع الطويل المربع، الظاهر أنه عن الجميع.
والدليل على هذا أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أذن لمن مر بالحائط أن يأكل منه غير متخذٍ خُبنة[(39)]، والخبنة هي التي يجعلها الإنسان في طرف ثوبه، أي لا يحمل منه شيئاً، ولهذا قال المؤلف:
«من غير حمل» .
فشروط الأكل ثلاثة، وإن قلنا: شروط الأخذ فهي أربعة.
فإذا كنا نتكلم عن الأكل فهذه شروطه، وإذا كنا نتكلم عن الأخذ فنزيد شرطاً رابعاً وهو ألا يحمل، فإن حمل فهو حرام؛ لأن الأصل تحريم أكل المال.
ولكن في الحديث شرطاً لم يشر إليه المؤلف، وهو أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمر من دخل حائطاً أن ينادي صاحبه ثلاثاً، فإذا أجابه استأذنه، وإن لم يجبه أكل[(40)]، وهذا شرط لا بد منه؛ لأنه دل عليه الحديث، وما دل عليه الحديث وجب اعتباره، وعلى هذا فنزيد شرطاً رابعاً للأكل، وهو أن ينادي ثلاثاً، فإن أجيب استأذن، وإن لم يُجَب أكل.
أيضاً اشتراط انتفاء الحائط فيه نظر؛ لأن لفظ الحديث: «من دخل حائطاً» والحائط هو المحوطُ بشيء، وعلى هذا فلا فرق بين الشجر الذي ليس عليه حائط، وبين الشجر الذي عليه حائط.
فالذي تبين من السنة أن الشرط هو أن يأكل بدون حمل، وألا يرمي الشجر، بل يأخذ بيده منه، أو ما تساقط في الأرض، وأيضاً يشترط أن ينادي صاحبه ثلاثاً، إن أجابه استأذن، وإن لم يجبه أكل.
هذا الذي دل عليه الحديث هو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله.
وذهب الجمهور إلى أن ذلك ليس بجائز، وحملوا الأحاديث على أول الإسلام، أو أول الهجرة، حين كان الناس فقراء محتاجين، وأما مع عدم الحاجة فلا يجوز، ولكن الصحيح أنه عامٌّ.
فإذا قلت: هل لهذا القول حظ من النظر بعد أن كان له حظ من الأثر؟
فالجواب: نعم، وهو أن هذا مما جرت العادة في التسامح فيه.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين كون الإنسان ابن سبيل، أو كان مقيماً، حتى في الحوائط التي في البلاد لا بأس إذا مررت أن تأخذ، ولكن جرت العادة عندنا هنا في القصيم أنهم قد يبيعون ثمرة النخل على رجلٍ آخر، فهل يبقى الحكم ثابتاً حتى ولو كان قد اشتراها رجل آخر؟ أو نقول: لما اشتراها مَلَكها، والسُّنة إنما جاءت بالنسبة لصاحب الحائط؟
هذا الثاني هو الأقرب، وأن اشتراء الرجل لها يكون بمنزلة حيازة صاحب الحائط لها، فإذا علمنا أن هذا النخل قد بيع ثمره فإننا لا نأكل منه.
ثم شرع المؤلف ـ رحمه الله ـ هنا في بيان أحكام الضيافة، وإنما ذكرها المؤلف هنا من باب الاستطراد، لما ذكر ما حُرِّم لحق الله من الحيوانات وغيرها، ثم ذكر ما يتعلق باحترام مال المسلم، ذكر أيضاً الضيافة، فهذا وجه المناسبة من ذكرها هنا.
____________________________________________________

[23] أخرجه البخاري في المغازي/ باب غزوة خيبر (4219)، ومسلم في الصيد والذبائح/ باب من أكل لحوم الخيل (1941).
[24] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب لحوم الخيل (5519)، ومسلم في الصيد والذبائح/ باب في أكل لحوم الخيل (1942).
[25] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب لحم الدجاج (5518)، ومسلم في الأيمان/ باب ندب من حلف يميناً... (1649) عن أبي موسى رضي الله عنه.
[26] أخرجه البخاري في جزاء الصيد/ باب إذا أهدى المحرم حماراً وحشياً (1825)، ومسلم في الحج/ باب تحريم الصيد للمحرم (1193).
[27] أخرجه البخاري في الهبة/ باب من استوهب من أصحابه شيئاً... (2570)، ومسلم في الحج/ باب تحريم الصيد للمحرم (1196) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
[28] سبق تخريجه ص(16).
موجودة في بعض النسخ.
[29] أخرجه البخاري في الأطعمة/ باب الشواء (5400)، ومسلم في الصيد والذبائح/ باب إباحة الضب (1945) عن ابن عباس وخالد بن الوليد ـ رضي الله عنهم ـ.
[30] أخرجه الشافعي في الأم (2/190)، وعبد الرزاق في المصنف (4/398)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/182) عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم.
[31] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/428).
[32] سبق تخريجه ص(14).
[33] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/430).
[34] المرجع السابق.
[35] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/430).
[36] أخرجه البخاري في الطب/ باب الحبة السوداء (5687)، ومسلم في السلام/ باب التداوي بالحبة السوداء (2215) (88).
[37] أخرجه مسلم في الزكاة/ باب الابتداء بالنفقة بالنفس (997) عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ.
[38] أخرجه أحمد (2/244)، والنسائي في قطع السارق/ باب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين (4/85)، وأبو داود في اللقطة/ باب التعريف باللقطة (1710)، والترمذي في البيوع/ باب ما جاء في الرخصة في أكل الثمرة للمار بها (1289)، وابن ماجه في الحدود/ باب من سرق من الحرز (2596)، والحاكم (4/380)، والبيهقي (4/344)، والحديث حسنه الترمذي، وصححه الحاكم.
[39] أخرجه أحمد (3/7)، وأبو داود/ باب في ابن السبيل يأكل من الثمر... (2619)، والترمذي في البيوع/ باب ما جاء في احتلاب المواشي... (1296)، والبيهقي (9/359)، قال الترمذي: «حديث حسن غريب صحيح».
[40] أخرجه البخاري في الرقاق/ باب حفظ اللسان (6475)، ومسلم في الإيمان/ باب الحث على إكرام الجار والضيف... (47) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المباحث, الأطعمة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir