تفسير سورة الفتح
مدنية وآياتها 29 آية
[معاني القرآن: 6/489]
بسم اله الرحمن الرحيم
سورة الفتح وهي مدنية
مدنية في رواية مجاهد عن ابن عباس
وروى الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان قالا نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة كلها في شأن الحديبية
1 - من ذلك قوله جل وعز: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [آية: 1]
روى قتادة عن أنس قال نزلت إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد نزلت علي آية
[معاني القرآن: 6/491]
أحب إلي من جميع الدنيا ثم تلاها فقال رجل من المسلمين هنيئا مريئا هذا لك يا رسول الله فماذا لنا فأنزل الله جل وعز: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنت تجري من تحتها الأنهار} إلى آخر الآية
قال مجاهد في قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} قال قضينا لك قضاء بينا
قال سفيان ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك أي ما كان في الجاهلية وما تأخر قال ما كان في الإسلام مما لم تعمله بعد
[معاني القرآن: 6/492]
قال أبو جعفر في قوله جل وعز: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} ثلاثة أقوال متقاربة:
أ- منها ما تقدم أنه فتح الحديبية والحديبية بئر سمي المكان باسمها
قال أبو جعفر ولا أعرف أحدا من أهل اللغة يشدد الياء منها وكان في فتحها أعظم الآيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي ورد على هذه البئر وقد نزف ماؤها فتمضمض وتفل فيها فأقبل الماء حتى شرب كل من كان معه ولم يكن بينهم إلا ترام حتى كان الفتح هذا قول
[معاني القرآن: 6/493]
ب-وقيل المعنى إنا فتحنا لك فتحا مبينا باجتناب الكبائر ليغفر لك الله الصغائر
ج-وقيل إنا فتحنا لك فتحا بالهداية إلى الإسلام فهذه الأقوال متقاربة وقول مجاهد يجمعها لأن فتح الحديبية قضاء من قضاء الله وهداية من هدايته يهدي بها من شاء وكذلك اجتناب الكبائر
وقد روي عن ابن عباس ما يقويه قال ما كنت أدري ما معنى إنا فتحنا حتى قالت لي ابنة مشرح فتح الله بيني وبينك
وقوله تعالى: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق}
[معاني القرآن: 6/494]
2 - وقد تكلم العلماء في قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [آية: 2]
فقال أبو حاتم المعنى ليغفرن لك الله
وقال أبو الحسن بن كيسان لا يجوز أن تكون إلا لام كي قال: قال الله جل وعز: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} فأمر الله أن يستغفره إذا كان الفتح ووعده بالمغفرة فكان قوله: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله} متعلقا بذاك
وقيل: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} مما
[معاني القرآن: 6/495]
كان أي مما كان مقدما ومؤخرا وقد وقع ذلك كله
وقيل ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر كله للمستقبل أي لتقع المغفرة في الاستقبال فيما يكون من الذنوب أولا وآخرا
3 - ثم قال جل وعز: {ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا} [آية: 2].
أي نصرا ذا عز لا ذل معه
4 - ثم قال جل وعز: {هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} [آية: 4]
[معاني القرآن: 6/496]
السكينة أي السكون والطمأنينة
5 - وقوله جل وعز: {والله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما} [آية: 4]
أي كل ما فيها يدل على أن له خالقا وأنه واحد
6 - ثم قال جل وعز: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} [آية: 5]
أي فتح لك بالإسلام والهداية بهذا
ويدل عليه أيضا قوله سبحانه: {ويعذب المنافقين
[معاني القرآن: 6/497]
والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء} [آية: 6]
لأنهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع عليهم دائرة السوء أي الهلاك
ويقرأ السوء والفرق بينهما أن السوء الشيء بعينه والسوء الفعل
7 - وقوله جل وعز: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} [آية: 8]
قال قتادة أي شاهدا على أمتك ومبشرا المحسن منهم ونذيرا المسيء
قال أبو جعفر هذا قول حسن وهذه حال مقدرة
[معاني القرآن: 6/498]
حكى سيبويه مررت برجل معه صقر صائدا به غدا
فالمعنى إنا أرسلناك مقدرين لشهادتك يوم القيامة وعلى هذا تقول رأيت عمروا قائما غدا
8 - وقوله جل وعز: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا} [آية: 9]
روى شعبة عن أبي بشر عن عكرمة في قوله تعالى: {وتعزروه} قال وتقاتلوا معه بالسيف
قال قتادة وتنصروه
وقرأ جويبر أي وتفخموه
وقرأ عاصم الجحدري وتعزروه
وأصله في اللغة من التبجيل والتطهير ومنه التعزير الذي هو دون الحد
[معاني القرآن: 6/499]
وقرأ محمد اليماني وتعززوه بزاءين معجمتين يقال عززه أي جعله عزيزا وقواه ومنه قوله تعالى: {فعززنا بثالث}
ويجوز أن يكون وتعزروه وتوقروه لله جل وعز وحده ويجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم
9 - فأما قوله تعالى: {وتسبحوه بكرة وأصيلا} [آية: 9]
فلا يجوز أن تكون إلا لله جل وعز
لأنه ليس يخلو من أن يكون معناه كما قال جويبر وتصلوا له
أو يكون معناه وتعظموه وتنزهوه
[معاني القرآن: 6/500]
10-وقوله جل وعز: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} [آية: 10]
أي عقدك عليهم البيعة عقد لله جل وعز
11 - ثم قال جل وعز: {يد الله فوق أيديهم} [آية: 10]
أي يد الله في الثواب
وقيل في الوفاء
وقيل في المنة عليهم بالهداية
[معاني القرآن: 6/501]
{فوق أيديهم} في الطاعة
فمن نكث فإنما ينكث على نفسه يقال نكث إذا نقض ما اعتقده
12 - وقوله جل وعز: {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا} [آية: 11]
قال مجاهد هم أعراب المدينة وجهينة ومزينة
ثم قال تعالى: {شغلتنا أموالنا وأهلونا} أي ليس لنا من يحفظ أموالنا ويقوم بأهالينا
13 - وقوله جل وعز: {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم} [آية: 15]
قال مجاهد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج إلى مكة فأبوا وقالوا كيف نخرج معه إلى قوم جاءوا إليه فقتلوا أصحابه فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ قوما على غفلة ووجه بهم قالوا {ذرونا
[معاني القرآن: 6/502]
نتبعكم}.
14 - ثم قال جل وعز: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} [آية: 15]
وهو على قول ابن زيد قوله جل وعز: {فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا}
15 - وقوله جل وعز: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون} [آية: 16]
روى سفيان عن شعبة عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير قال سفيان أراه عن ابن عباس {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} قال هوازن
[معاني القرآن: 6/503]
وقال عطاءهم فارس
وقال الحسن فارس الروم
ومن أصح ما قيل فيه أنهم بنو حنيفة الذين قوتلوا في الردة وكان هذا مما يدل على صحة خلافة أبي بكر رضي الله عنه من القرآن
ويدلك على ذلك قوله تعالى: {تقاتلونهم أو يسلمون} فليس هذا ممن تؤخذ منهم الجزية
[معاني القرآن: 6/504]
16 - وقوله جل وعز: {وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما} [آية: 16]
أي كما توليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم
17 - قال عثمان بن المغيرة سألت الحسن عن قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} [آية: 17]
فقال هذا في الجهاد