المجموعة الرابعة: لخّص مسائل الموضوعات التالية وبيّن فوائد دراستها:
1. أحكام الطلاق والعدد والإيلاء والظهار.
*أحكام الطلاق :
-أدلة مشروعية الطلاق من الكتاب :
شرع -سبحانه- الطلاق بين الزوجين و بين ذلك في كتابه العزيز ، فقال -تعالى- :" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا (1) " الطلاق .
-أنواع الطلاق :
1-الطلاق السني : وهو أن يطلق الزوج زوجته مرة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ، أو يطلقها و هي حامل قد تبين حملها ، أو يطلقها وهي آيسة أو صغيرة . و من طلق في أحد هذه الأحوال فهو طلاق مشروع له أن يراجعها ما دامت في العدة .
2-الطلاق البدعي : وهو أن يطلق الزوج زوجته أكثر من واحدة ، أو يطلقها وهي حائض أو نفساء ، أو يطلقها في طهر قد وطئ فيه ولم يتبين حملها . ومن طلق في أحد هذه الأحوال فهو آثم متعدّ لحدود الله .
-أنواع الرجعة و حكم كل نوع :
1-الرجعة من طلاق رجعي : و هي الرجعة من طلاق باثنتين بلا عوض . وحكمها : للزوج أن يراجع زوجته ما دامت في العدة لقوله -تعالى- :" وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنۡ أَرَادُوٓاْ إِصۡلَٰحٗاۚ " [البقرة:228] . سواءً رضيت الزوجة أو كرهت .
2-الرجعة من طلاق بائن : وهي الرجعة من طلاق بالطلقة الثالثة . وحكمها : في هذا النوع من الطلاق لا تحل الزوجة لزوجها حتى تنقضي عدتها و تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ، أي يطأها زوجها الثاني ثم يطلقها و هو راغب في طلاقها ، حتى إذا انقضت عدتها منه فللزوج الأول أن ينكحها برضاها و ببقية شروط النكاح من الولي والصداق وغيره . و بذلك تحصل الرجعة .
-أحكام في الرجعة :
1-لا يحل لولي المرأة أن يمنع الزوجة من الرجوع إلى زوجها الأول إذا رغب كل منهما في الآخر و كان سبب ذلك المنع بغضه للزوج أو غضبه عليه ، بل الواجب عليه أن يسعى في الجمع بينهما و يسعى لزيادة الألفة بينها وبين زوجها .
أما إذا كان سبب منع الزوجة من الرجوع إلى زوجها أنه ليس كفوْاً في دينه أو لسوء أخلاقه ومعشره ، فيعتبر الولي محسن للمرأة في هذه الحالة ؛ لأن منع المرأة عما فيه ضرر لها إحسان عليها .
2- اعتبار شرط إقامة حدود الله في التراجع ؛ لقوله -تعالى- :" فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ " [البقرة:230] .
*أحكام العدد :
-أنواع العدد حسب أحوال الزوجة :
1-المفارقة بطلاق إن كانت تحيض ، حكمها : تعتد ثلاثة قروء من بعد وقوع الطلاق عليها ، لقوله -تعالى- :"وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖۚ " [البقرة:228] .
2-الآيسة التي لم تحض لصغر ونحوه ، حكمها : تعتد ثلاثة أشهر ، لقوله -تعالى- :" وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ " [الطلاق:4] .
3-المفارقة بموت زوجها ، حكمها : تعتد أربعة أشهر وعشرا ، لقوله -تعالى- :"وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ " [البقرة:234] .
4-الحامل المفارقة لزوجها بطلاق أو موت ، حكمها : تنتهي عدتها بوضع حملها ، لقوله -تعالى- :" وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ " [الطلاق:4] .
5-معتدة فارقت زوجها بطلاق و نحوه و لم يدخل أو يخلُ بها ، حكمها : ليس عليها عدة بل لها أن تتزوج بمجرد أن يطلقها ، لقوله -تعالى- :" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ " [الأحزاب:49] .
-أحكام النفقة على المعتدة :
المعتدة من حيث استحقاقها للنفقة نوعان :
1-معتدة حامل ، لها النفقة بكل حال ، لقوله -تعالى- :" وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ " [الطلاق:6] .
2-معتدة غيرحامل ، وهي نوعان :
- مفارقة بائنة ، إما بموت أو فسخ أو خلع أو ثلاث أو عوض ، و حكم هذا النوع : لا نفقة ولا كسوة ولا مسكن لهن ، إلا إن كان بإحسان من الزوج .
- مفارقة رجعية : لها النفقة والكسوة والمسكن ما دامت في العدة فلها ما للزوجة التي في عصمة زوجها باستثناء القسم فلا قسم له .
*أحكام الإيلاء :
-المراد بالإيلاء ودليله :
الإيلاء هو أن يحلف الزوج بالله على ترك وطء زوجته أبداً أو مدة طويلة تزيد على أربعة أشهر إذا كان قادراً على الوطء ، وهو ما ورد في قوله -تعالى- :" لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (226) وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ (227) " البقرة .
-الأحكام المترتبة على الإيلاء :
إذا حلف الزوج على ترك وطء زوجته فإنه يترتب على هذا الحلف حالتين ، وكل حالة لها حكمها وكفارتها :
الحالة الأولى : إذا لم تطالب الزوجة زوجها بحقها من الوطء .
حكمها : إن وطئ الزوج زوجته في مدة الإيلاء فقد حنث ، وعليه كفارة يمين .
و إن لم يطأها فلا كفارة عليه .
الحالة الثانية : إن طالبت الزوجة زوجها بحقها من الوطء .
حكمها : أُمر بذلك و جعل له مدة أربعة أشهر ، فإن فاء إليها و وطئها فهو الأحسن والأكمل .
وإن أبى وطء زوجته وهي متمسكة بحقها من الوطء و مضت الأربعة أشهر، فهو مجبر على أحد الأمرين إما أن يرجع إلى زوجته و في هذه الحالة يكفر كفارة يمين ، وإما أن يطلق زوجته .
*أحكام الظهار :
-المراد بالظهار ودليله :
الظهار هو أن يحرم الزوج زوجته على نفسه فيقول لها : أنت علي كظهر أمي . و ورد ذلك في قوله -تعالى- :"ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ " [المجادلة:2] .
-كفارة الظهار :
إذا ظاهر الزوج زوجته فكفارة ذلك على الترتيب :
1- عتق رقبة قبل أن يمس زوجته .
2- فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين قبل أن يمس زوجته .
3- فإن لم يستطيع الصيام فإطعام ستين مسكيناً .
فإذا كفّر الزوج عن نفسه انحلت يمينه و أصبحت زوجته تحل عليه .
وهي كما وردت في سورة المجادلة في قوله -تعالى- :" وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ (3) فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) " .
*فوائد دراسة أحكام الطلاق والعدد الإيلاء والظهار :
شرع الله -تعالى- الأحكام لتبين للناس ما لهم وما عليهم حتى يعيشوا في استقرار و على بصيرة فلا يظلم بعضهم بعضا ، فمن فوائد دراستها :
1- أهمية الصبر بين الزوجين والتروي قبل اتخاذ قرار الطلاق ، فإن كان لابد فعلى كل طرف منهم العمل بما جاءت به الشريعة حتى لا يتظالموا .
2- الدين الإسلامي يحفظ حقوق المسلمين حتى في حال الخلاف و الفراق و رتب على ذلك أحكام تسعد بها النفس وتطمئن ، ولا يحظى بذلك إلا من طبقها وعمل بها .
3- إرشاد الله -تعالى- عباده إلى الإحسان والتفضل على الغير حتى في حال الخلاف ، كما جاء في قوله -تعالى- :" وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ " [البقرة:237] . ففي الشدائد تتأكد الأخلاق الفاضلة من عفوٍ و تسامح و تنازل عن الحقوق .
4- تعظيم أمر النكاح وعدم الاستهتار به فهو ميثاق غليظ لا ينبغي حله في أي وقت و بأي سبب ، و إن ورود هذه الأحكام العظيمة في الطلاق إنما هو دليل على عظم هذا الميثاق .
2. قصة نوح عليه السلام
*سبب بعثة نوح -عليه السلام- إلى قومه :
كان الناس بعد آدم -عليه السلام- على طريق الهدى ، ثم حلت فتنة عظيمة عليهم سببها الشيطان ، عندما مات أُناس صالحون من قوم نوح فحزن الناس عليهم فدخل عليهم الشيطان من هذا الباب فأمرهم بأن يصوروهم على تماثيل حتى يستأنسوا بها و لا ينسوهم ، وكانت هذه أول خطوات الشيطان ، فلما هلك الذين صنعوا التماثيل لهذا الغرض -الاستئناس بهم- جاء أناس من بعدهم لا يعلمون حقيقة التماثيل فاقتنص الشيطان هذه الفرصة و وسوس إليهم بأن هؤلاء رجال هم : ( ود وسواع ويغوث و يعوق و نسرا ) كان الذين من قبلكم يدعونهم و يطلبون الشفاعة منهم وأنهم السبب في نزول الأمطار و زوال الأمراض ، واستمر في الوسوسة حتى وصل بهم الحال إلى عباداتهم من غير الله -تعالى- فبعث الله نوح -عليه السلام- ليخرجهم من الظلمات إلى النور، فقال -تعالى- :" لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ " [الأعراف:59] .
*بداية دعوة نوح -عليه السلام- ومواجهة المستكبرين :
بدأ نوح -عليه السلام- دعوته بأمر قومه بإخلاص العبادة لله -تعالى- وترغيبهم في خيري الدنيا والآخرة ، قال -تعالى- :" قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ (2) أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (4) " نوح .
فما وجد إلا الاستكبار و ردّ الحق والتكبر على من كان معه من المؤمنين ، قال -تعالى- :" فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ " [هود:27] .
فما كان منه -عليه السلام- إلا أن بين لهم أنه ليس بكاذب و لا ضال و إنما هو السبيل الذي تزول به الضلالة عن الناس إن اتبعوه و طبقوا أمر الله ، و أنه لا يجوز طرد المؤمنين وليس له الحق في ذلك ، قال -تعالى- :" وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٞ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِيٓ أَنفُسِهِمۡ إِنِّيٓ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ " [هود:31] .
ولم ييأس -عليه السلام- من دعوتهم بل استمر يدعوهم ليلاً ونهاراً سراً وجهراً رغم فرارهم و إعراضهم و ذلك من أخلاق الداعية العالية وهو الصبر على المدعوين والحلم والأناة وعدم اليأس .
إلى أن وصل الحال بأن التذكير لا جدوى منه فدعا عليهم بالهلاك واستجاب الله دعوته ، قال -تعالى- :" وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا (27) " نوح .
*صناعة الفلك ونجاة المؤمنين به وهلاك الكافرين :
أمر الله -تعالى- نوح -عليه السلام- أن يصنع الفلك وألهمه تعلّم هذه الصنعة فكان أول من بدأ بهذه الصناعة التي انتفع بها من جاء بعده من الأمم .
واستمر في صناعة الفلك غير مستمع لسخرية الساخرين ، وأخذ معه بأمر الله من كل زوجين اثنين من البهائم ؛ حتى يتكاثروا ، و حمل معه المؤمنين من الرجال والنساء وكانوا قليل ، وأمرهم عند ركوبهم السفينة أن سبحوا الله كلما جرت وكلما رست ، قال -تعالى- :" ۞وَقَالَ ٱرۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡر۪ىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ " [هود:41] .
و جاء الوقت الذي فجر الله فيه عيوناً في الأرض وأنزل من السماء ماء كثيراً فالتقت المياه ببعضها البعض ، فارتفعت السفينة حتى وصلت قمم الجبال ، وهم في هذه الحال رأى نوح -عليه السلام- ابنه الكافر " وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِلٖ يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ " ، فما كان جواب ابنه إلا أن " قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ " [هود:42-43]
فأغرق الله جميع الكافرين و من بينهم ابن نوح -عليه السلام- وأنجى المؤمنين بفضله ورحمته ، ثم نقص الماء شيئاً فشيئاً واستوت السفينة على الجودي -جبل في نواحي الموصل- .
*عتاب الله -تعالى- لنوح -عليه السلام- :
لما دعا نوح -عليه السلام- " فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ " ، قال الله -تعالى- :" إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ " [هود:45-46] .
إن الله يعلم أن نوح دعا بهذا الدعاء شفقة ورحمة بابنه ، لكن الله عاتبه وعلمه أن الواجب في الدعاء أن يكون الحامل له العلم و الإخلاص في طلب رضى الله ، فما كان من نوح -عليه السلام- إلا الانقياد والطاعة ، قال -تعالى- :" قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ " [هود:47] .
*الفوائد من قصة نوح -عليه السلام- :
1- اتفاق دعوة جميع الرسل على أمر واحد ألا وهو عبادة الله وحده والنهي عن الشرك بالله .
2- أن نوح -عليه السلام- هو القدوة لمن بعده من الدعاة في التحلي بآداب الدعوة ، و من هذه الآداب : الترغيب في ثواب الآخرة و خيرات الدنيا والترهيب بالعقاب وزوال النعم ، الصبر والحلم على المدعوين ، أسلوب الخطاب المقنع اللين الذي يستميل به القلوب ، عدم اليأس و القنوط أمام ما يواجهه من إعراض وتكبر .
3-الاستعانة بالله في أمور الحياة جميعها ، والإكثار من ذكر الله في السراء والضراء .
4-دعاء الله بصلاح الذرية في دينها ودنياها .
5-الاستغفار سبب في البركة وتعدد النعم من كثرة في الأولاد والأرزاق و نزول المطر و مغفرة الذنوب و السلامة من الآفات .
6-الحذر من وسوسة الشيطان واتباع خطواته وذلك بالاستعاذة من شروره في كل وقت ، والالتزام بالأذكار والتحصينات وذكر الله .
3. قصة صالح عليه السلام
*سبب بعثة صالح -عليه السلام- إلى قوم ثمود :
كان قوم ثمود -عاد الثانية- يسكنون في الحجر وكانوا أصحاب خير و نعمة كان لهم مواشٍ كثيرة وحرث و زروع ، و لهم قصور مزخرفة ، ومنّ الله عليهم باتخاذ بيوت من الجبال ينحتونها بإتقان ، و مع كل هذه النعم العظيمة إلا أن قوم ثمود قابلوها بالجحود و البطر و الطغيان ، و زيادة على ذلك عبدوا غير الله ، فأرسل الله -تعالى- إليهم صالح -عليه السلام- من قبيلتهم وهو معروف بينهم بنسبه و حسبه و أخلاقه العالية و ذلك ليدعوهم بدعوة جميع الرسل ألا وهي عبادة الله وحده و النهي عن الشرك ، قال -تعالى- : " وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥ ۖ" [الأعراف:73] .
*التآمر على عقر ناقة صالح -عليه السلام- :
واجه صالح -عليه السلام- ما واجهه قبله من الرسل من إعراض قومه و تكبرهم عن سماع الحق ، فجعل الله -تعالى- له ناقة لا تشبه غيرها من النوق دلالة على صدقه ، فقال لقومه : " هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ " [الأعراف:73] .
إلا أنه كان من بينهم في مدينتهم تسعة رهط مستكبرين استولى عليهم الشيطان ، فقاوموا ما جاء به صالح -عليه السلام- و جعلوا يفسدون في الأرض ، فحذرهم صالح من عقر الناقة ، فما كان منهم إلا العناد فاتفقوا و تآمروا على عقر الناقة فعقروها فكان ذلك العقر بداية هلاكهم .
*عقاب المتآمرين على قتل صالح -عليه السلام- ونجاة المؤمنين :
لم يكتفي التسعة رهط بعقر الناقة بل تمادوا إلى الاتفاق في ما بينهم على قتل صالح -عليه السلام- وتعاهدوا فيما بينهم أن يكتموا الأمر إذا أتموه ويحلفون لأوليائه أنهم ما شهدوا مهلكه ، لكن هيهات .. ما إن كمنوا في أصل الجبل ليتحينوا فرصة قتل نبي الله صالح ، أرسل الله عليهم صخرة من أعلى الجبل قتلتهم شرّ قتلة ، ثم جاءتهم صيحة من فوقهم و رجفة من اسفلهم فأصبحوا خاسرين ، فكان جزاء الكفار الهلاك ، و جزاء المؤمنين النجاة .
*فوائد من قصة صالح -عليه السلام- :
1- اتفاق دعوة الرسل على إخلاص عبادة الله والنهي عن الشرك .
2- الطغيان والتكبر على نعم الله سبب في الهلاك والعقاب .
3- الحذر من رفاق السوء الذين يأمرون بالشر ولا يخافون الله في أفعالهم فهم سبب في هلاك المرء .
4. قصة داوود وسليمان عليهما السلام
*شجاعة داود -عليه السلام- أمام جالوت وجنوده :
داود -عليه السلام- من اعظم أنبياء بني إسرائيل و كان من العسكر الذين مع طالوت و كان ملكاً على بني إسرائيل وتميز بشجاعته وقوته وعلمه في سياسة و نظام الجيوش ، وكان هناك قتال بين طالوت وجنوده و جالوت قائد جيش الأعداء ، ونصر الله -تعالى- طالوت وجنوده بشجاعة داود -عليه السلام- أمام جالوت فقد قام بقتل جالوت بنفسه فحصلت هزيمة الأعداء إثر مقتل ملكهم .
*فضائل وصفات داود -عليه السلام- :
ميز الله -تعالى- داود -عليه السلام- بفضائل وصفات جليلة جعلته من أعظم أنبياء بني إسرائيل ، و من جملة فضائله و صفاته :
1- أن الله -تعالى- جعله من أنبياء بني إسرائيل و أعطاه الحكمة والملك القوي . قال -تعالى- :" وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ " [ص:20] .
2- وهبه الله قوة في العبادة والبصيرة وهي من الصفات العالية الرفيعة . قال -تعالى- :" وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ " [ص:17] .
3- تفضّل الله -تعالى- عليه بتسخير الطير والجبال له فتسبح الله معه . قال -تعالى- :"إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ (18) وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ (19) " ص.
4- أكرمه الله بحسن الصوت الذي لا مثيل له ولم يؤت أحد مثله من العالمين .
5- و من صفات عبادته : أنه ينام نصف الليل و يقوم ثلثه وينام سدسه ، و يصوم يوم ويفطر يوم .
6- كان يتحلى بأعظم الصفات ألا وهي الشجاعة التي لا يُرى لها مثيل .
7- أنعم الله -تعالى- عليه بتعلم صناعة دروع الحرب بأن سخر له الحديد فألانه له ، وهو بذلك يكون أول من صنع الدروع الواقية . قال -تعالى- :" وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ " [سبأ:10] .
*عتاب الله -تعالى- لداود -عليه السلام- :
رغم أن الأنبياء منزلتهم عالية عظيمة ليس لأحد مثلها ، إلا أن مشهد عتاب الله -تعالى- لهم يتكرر، ففي سرعة رجوعهم للحق تعليم لنا للانقياد والطاعة لله -تعالى- . وسبب عتاب الله -تعالى- لداود -عليه السلام- بسبب ذنب أذنبه أثناء الحكم بين خصمين دخلا عليه وهو في محرابه ففزع -وكانا ملكين أرسلهما الله- و قالا له : " لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ " [ص:22] .
فقص عليه أحد الخصمين القصة ، فقال : " إِنَّ هَٰذَآ أَخِي لَهُۥ تِسۡعٞ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةٗ وَلِيَ نَعۡجَةٞ وَٰحِدَةٞ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلۡخِطَابِ " [ص:23] . فردّ عليه داود -عليه السلام- :" قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ " [ص:24] ، هنا علم داود بذنبه وانتبه لذلك " وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ" [ص:24] ، وهذا نهج الأنبياء في سرعة التوبة و الانقياد لله -تعالى- وطلب مرضاته ، فقال الله التواب الرحيم :" فَغَفَرۡنَا لَهُۥ ذَٰلِكَۖ وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مَـَٔابٖ " [ص:25] .
بعد أن طمأن الله قلب داوود -عليه السلام- بمغفرة ذنبه وجهه لما فيه صلاح له فقال -تعالى- :" يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ " [ص:26] .
*فضائل وصفات سليمان -عليه السلام- :
ورث سليمان -عليه السلام- النبوة والعلم و الملك من أبيه داود -عليه السلام- ، و تفضل الله عليه بفضائل وصفات لم تحصل لأحد من قبله ولا من بعده فكان من أعظم أنبياء بني إسرائيل ، و من فضائله وصفاته الجليلة :
1- سخر الله -تعالى- له الريح تخدمه و تجري بأمره حيث أراد .
2- سخر الله -تعالى- له الجن والشياطين يعملون له الأعمال التي يريدها فكانوا يعملون له ما يشاء من محاريب -مساجد للعبادة- ، وتماثيل -صور من نحاس ومن زجاج- ، وجفان كالجواب -قصاع كبيرة كالأحواض التي يجتمع فيها الماء- ، وقدور راسيات ثابتات لا تتحرك من أماكنها لعظمتهن .
3- لم يقتصر جنوده على الإنس بل سخر الله له جنود من الجن والطير ، وعلّمه منطق الطير وكل الحيوانات فيخاطبهم ويخاطبوه كما حدث معه في قصة النملة التي سمعها تنادي في قومها " حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا " [النمل:18-19] .
4- تميز بحسن نظامه وحزمه فكان يتفقد الجيوش بنفسه حتى مع وجود المدبرين ، مثل ما حدث حين تفقد الطيور لينظر هل هي لازمة لمراكزها .
5- اختص سليمان -عليه السلام- بزيادة الفهم ، ويظهر ذلك في حكمه على قضايا حدثت بين أناس ، منها : قضية المرأتين اللتين خرجتا و مع كل واحدة منها ابنها ، فعدا الذئب على واحد من الأبناء ، فادّعت كل واحدة أن الذي اعتُدي عليه هوابن الأخرى ، فتحاكما أولاً إلى داود -عليه السلام- فحكم اجتهاداً منه للمرأة الكبرى ؛ رحمةً بها . ثمّ لما رُفعت القضية لسليمان -عليه السلام- قال : ائتوني بالسكين أشقه بينهما ، فرضيت المرأة الكبرى بذلك ، أما الصغرى قالت : هو ابنها ؛ لأن بقاؤه في يد امرأة أخرى أهون من ذبحه . هنا يظهر فهم سليمان -عليه السلام- للأمور فعلم أنه ليس ابن المرأة الكبرى ؛ لأنها رضيت هلاكه . و حكم للمرأة الصغرى ؛ لأنها تنازلت عن دعواها حفاظاً على روح ابنها .
*قصة سليمان -عليه السلام- مع ملكة سبأ :
بعد أن جاء الهدهد بمعلومات عن ملكة سبأ و كانت تتنعم بجميع النعم ، ولما كان سليمان -عليه السلام- يختص بزيادة الفهم عرف من ملكهم و قوتهم أنهم مشركون يعبدون الشمس ، بعد ذلك قال سليمان -عليه السلام- للهدهد : "قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ (27) ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ (28) " النمل
فما كان من الهدهد إلا الطاعة ، وذهب بالكتاب و ألقاه على ملكة سبأ ، فلما قرأته فزعت منه وجمعت رؤساء قومها وقالت : " قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ إِنِّيٓ أُلۡقِيَ إِلَيَّ كِتَٰبٞ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعۡلُواْ عَلَيَّ وَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ (31) " النمل .
وطلبت المشورة منهم و ذلك دلالة على حنكتها و معرفتها بأمور السياسة ، واختارت السلم و قامت بإرسال هدية له لعلّه يغير رأيه فتسلم منه . فلما جاء الرسل لسليمان بالهدية قال :" أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٖ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيۡرٞ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُمۚ بَلۡ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ (36) ٱرۡجِعۡ إِلَيۡهِمۡ فَلَنَأۡتِيَنَّهُم بِجُنُودٖ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخۡرِجَنَّهُم مِّنۡهَآ أَذِلَّةٗ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ (37) " النمل .
و كانت ملكة سبأ تُعرف برجاحة عقلها و رأيها السديد ، فأراد سليمان أن يتحقق من ذلك فقال : " نَكِّرُواْ لَهَا عَرۡشَهَا نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِيٓ أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهۡتَدُونَ " [النمل:41] . فمن هذا الموقف تأكد سليمان و عرف رجاحة عقلها ، و ذكر الله -تعالى- إسلام ملكة سبأ في قوله -تعالى- :" قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ " [النمل:44] .
*إبطال دعوى تعليم سليمان -عليه السلام- للسحر :
إن مما وهبه الله لسليمان -عليه السلام- تسخير الشياطين له ، لكن الله ألهمه أنه باجتماع الشياطين بالإنس يعلمونهم السحر، فجمع سليمان الشياطين وتوعدهم و أخذ كتبهم ودفنها . و بعد وفاة سليمان -عليه السلام- وجدت الشياطين مدخلاً يدخلون به على الناس فقالوا للناس : إن ملك سليمان مشيّد على السحر ، وقاموا بإخراج الكتب التي دفنها ، وافتروا على سليمان بأن جعلوا هذه الكتب له و أنه ساحر ويعلم السحر ، ولم تتوانى طائفة من اليهود في ترويج هذه الدعوة الباطلة ، لكن الله -تعالى- أبطل دعواهم و برأ سليمان -عليه السلام- فقال -تعالى- :" وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَۚ " [البقرة:102] .
*فوائد من قصة داود وسليمان -عليهما السلام- :
1- إن ما مرّ به داود وسليمان -عليهما السلام- من مواقف يعطي دروس وعبر لمن يتأملها ففيها تثبيت للنفوس أمام الابتلاءات والفتن ، فكانت قصتهما وقصص غيرهم سلوى لرسول الله وتثبيتاً لقلبه و أنهم تعرضوا للأذى كما يتعرض له ، و هذه أحد فوائد قصص القرآن .
2- أن الأنبياء يتعرضون للابتلاءات ليرجعوا إلى الله بأحسن مما كانوا عليه ، ولنا في ذلك قدوة حسنة .
3- كل من ولّي على المسلمين وكان في خدمة أمنهم فعليه أن يتحلّى بعدة صفات تحفظ أمن المسلمين وتراعي مصالحهم ، ومن ذلك : الشجاعة في الحرب ، حسن السياسة وسداد الرأي ، قوة الدين والبدن ، مشورة الرؤساء ، تفقد الجند بنفسه ، و اختبار من تحته من الرجال بالقول والفعل .
4- التأسي بالأنبياء في عبادتهم و قربهم من الله وسرعة الرجوع إليه .
5-على المسلم تعلم الصناعات التي تعود عليه وعلى المسلمين بالنفع والخير و تكون سبب في كسب المال الحلال منها .
6- في إنكار الهدهد لعبادة الناس الشمس دليل على أن الحيوانات تعرف ربها وتعظمه و توحده و تحب المؤمنين و تدين لربها بذلك وتبغض الكفار ، فعلى الإنسان التحلي بذلك من باب أولى .
7-على العبد استعمال نعم الله عليه في الطاعات وفي أوجه الخير فذلك من شكر النعمة ودوامها ، فداود وسليمان -عليهما السلام- استعملا ما أنعم الله عليهما في خدمة الدين وإعلاء كلمة الحق .
5. قصة ذي القرنين
*التعريف بذي القرنين :
ذو القرنين ملك صالح ، وهبه الله ما لم يكن لغيره من قوة وأسباب الملك و اتساع الفتوحات ، و أعطاه الله من كل شيء تحصل به قوة الملك و حسن السياسة والتدبير وكثرة الجند وغيرها من الأسباب التي وُفق في استعمالها والاستفادة منها والعمل بها .
*اتساع الفتوحات في زمن ذي القرنين :
إن الله -تعالى- أعطى ذي القرنين من أسباب الملك الشيء الكثير و وُفق بالعمل بها ، ومن ذلك أنه غزا بجيوشه أدنى أفريقيا حتى بلغ بحر المحيط الغربي و هو منتهى بلاد أفريقيا ، وبعد أن فتح مغرب الأرض استمر في الفتوحات حتى وصل إلى مشارق الأرض من بلاد الصين و شواطئ المحيط الهادي وهي منتهى الشرق ، ولم يتوقف بل استمر قاصداً الشمال حتى إذا بلغ بين السدين و هو محل متوسط بين سلاسل جبال في بلاد الترك فوجد في تلك الفجوة قوماً لا يكادون يفقهون قولاً قالوا :" يَٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِنَّ يَأۡجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَهَلۡ نَجۡعَلُ لَكَ خَرۡجًا عَلَىٰٓ أَن تَجۡعَلَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَهُمۡ سَدّٗا " [الكهف:94] . وبذل أسبابه كما هو معهود منه في بناء عظيم يحتاج إلى قوة في الأبدان ، فعلّم من كان معه كيفية البناء و ذلك بأن يجمعوا له قطع الحديد ويركموه بين السدين حتى يصبح تلولاً عظيمة ، ثم أمر بالنحاس المذاب ليصب بين قطع الحديد ؛ ليلتحم بعضه البعض فصار الحديد جبلاً هائلاً متصلاً بالسدين ، وبذلك يمنعهم من ضرر يأجوج و مأجوج -بإذن الله- و عزا ما عمله ذو القرنين إلى توفيق ربه إليه .
*فوائد من قصة ذي القرنين :
1- على العبد استعمال الأسباب في طاعة الله ، و الاستفادة منها في أمور الدنيا النافعة .
2- سؤال الله -تعالى- العون في العدل بين الناس وأن يلهمه الله حسن التدبير والرأي .
3- إرجاع الفضل لله أولاً وآخراً لله -تعالى- في كل أمور الحياة .
4-عدم الاغترار بالقوة والذكاء بالنعم عموماً ؛ لأن الله -تعالى- هو من يرزقها من يشاء من عباده .
5-عدم الاعتماد على الأسباب فقط ؛ لأن قدرة الله فوق كل شيء ، فهو -سبحانه- قادر على تغيير الأحوال في أي وقت يريده .
6-الرجوع إلى الأحاديث الصحيحة في معرفة صفات يأجوج ومأجوج .
6.قصة نبيّنا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
*أهمية دراسة سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- :
تظهر أهمية دراسة سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- في أنها تعين المسلم على معرفة تفسير كتاب الله وفهم معانيه ؛ لأن غالب آيات القرآن سبب نزولها ما كان يحدث خلال حياته -عليه الصلاة والسلام- سواء من أقواله أو سؤال يسأله أحدهم له فينزل القرآن جواباً عليه و يبين للناس ما أشكل عليهم .
*مقامات النبي -عليه الصلاة والسلام- في إنزال القرآن عليه :
- الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة :
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولد على الفطرة السليمة الصحيحة ، فكان يبغض عبادة الأصنام ويبغض كل ما هو قبيح من قول أو فعل ، فكان يتعبد الله على فطرته في غار حراء ، و يحسن إلى الخلق ، فالله -تعالى- علّمه و اصطفاه و كمّله .
- بدء نبوته -عليه الصلاة والسلام- :
بداية الخير للبشرية عندما بلغ رسول الله الأربعين من عمره ، جاء أمر الله وأرسل إليه جبريل لأول مرة ، فلما رآه رسول الله فزع ، وقال له جبريل : "اقرأ" ، و قال رسول الله : "مأنا بقارئ" فهو -عليه الصلاة والسلام- لا يعرف القراءة والكتابة . و بنزول سورة العلق ابتدأت نبوته -عليه الصلاة والسلام- .
- بدء رسالته -عليه الصلاة والسلام- :
بعد مجيء جبريل -عليه السلام- للنبي أول مرة ، فتر الوحي مدة عن رسول الله وحكمة ذلك ؛ أن يشتاق النبي إليه فيكون أعظم وقعاً في قلبه . ثم ما لبث أن جاءه جبريل -عليه السلام- المرة الثانية و النبي -عليه الصلاة والسلام- ترتعد فرائصه من المنظر فقال لزوجته خديجه : "دثروني دثروني" . و بنزول سورة المدثر ابتدأت رسالته -عليه الصلاة والسلام- وقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بطاعة ربه وبذل جهده في دعوة الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
- أعظم مقامات دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- :
بُعث رسول الله في قوم مشركين مستكبرين فكان غالب نزول الآيات يناسب حالهم ويقرر مقام عظيم هو من أعظم المقامات ألا وهو : الدعوة إلى توحيد الله -تعالى- و إخلاص العبادة لله -سبحانه- والنهي عن الشرك . وبيّن القرآن الكريم أحوال الناس في قبول الدعوة فمنهم منقادين له -سبحانه- هداهم الله إلى ذلك ، ومنهم من اختار الضلال فأعرض عن سماع الحق و تكبر و طغى ، وذكر الله -تعالى- الفريقين في قوله -تعالى- :" فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلضَّلَٰلَةُۚ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُواْ ٱلشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ " [الأعراف:30].
-تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المكذبين له ، وبيان القرآن لصدق رسالته :
إن الله -تعالى- جمّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأجمل الصفات وأكملها ، فهو -عليه الصلاة والسلام- رغم ما يجده من إعراض وعناد المكذبين إلا أنه يتعامل معهم بأخلاقه السامية فكان يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن مطبقاً لأمر الله في ذلك ، و يذكرهم بالقرآن في كل وقت و لا ييأس من دعوتهم بل يرحمهم ويرجو رجوعهم إلى الحق . و مقابل هذا الإحسان كان المكذبين يتقولون عليه بأقاويل باطلة لينفروا الناس عنه و القرآن يرد عليهم و يبطل أكاذيبهم ، مثل قولهم : أنه شاعر يؤلف القرآن وأنه كاهن ، فيرد عليهم القرآن " وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرٖۚ قَلِيلٗا مَّا تُؤۡمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (43) " الحاقة .
وغيرها من الأقاويل التي جاء القرآن مبطلاً لها مبيناً لصدق نبيه -عليه الصلاة والسلام- .
-النبي -عليه الصلاة والسلام- مع المؤمنين :
نزلت آيات عديدة في القرآن الكريم تبين مقامات النبي مع المؤمنين ، ومنها قوله -تعالى- :" لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ " [التوبة:128] . فكان رسول الله يتعامل مع المؤمنين برأفة و رحمة لا مثيل لها ويكنّ لهم الحب العظيم و يُظهر حبه لهم في أقواله وأفعاله ويحنوا عليهم ويتواضع لهم ، فهو لهم كالأب الرحيم .
-فرض الصلاة :
فرض الله -تعالى- عبادة الصلاة وميزها عن غيرها من العبادات بطريقة فرضها على نبيه الكريم ، ففي حادثة الإسراء والمعراج التي ذكرها الله -تعالى- في قوله الكريم :" سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ " [الإسراء:1] . أُسري بالنبي -عليه الصلاة والسلام- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى و عُرج به إلى السماء السابعة ليفرض عليه -سبحانه- الصلوات الخمس ، وعلمه جبريل أوقاتها وكيفيتها ، وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات .
-هجرة المسلمين :
كان المسلمين في مكة يتعرضون للأذى من كفار قريش ، فأذن لهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- في بادئ الأمر للهجرة إلى الحبشة ، ثم لما زاد عدد المسلمين صارت هجرة المسلمين إلى المدينة . وإثر هذه الهجرة ، خاف كبراء القوم الكافرين في مكة واتفقوا على قتل النبي -عليه الصلاة والسلام- ، فأوحى إلى نبيه ذلك ثم خرج ليهاجر واصطحب معه صاحبه الصديق و لبثا في الغار و الكفار يطلبونهم من كل جهة ، و ذكر الله -تعالى- ذلك في قوله : " إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " [التوبة:40] . فحماه الله منهم وهاجر إلى المدينة واستقر بها .
-السنة الثانية من الهجرة :
في السنة الثانية فرض الله على المسلمين فريضتي الزكاة والصيام ، و نزلت آيات الزكاة والصيام وقت فرضها ، وشهد المسلمون في هذه السنة أعظم وقعة على المسلمين ألا وهي وقعة بدر التي أنزل الله فيها سورة الأنفال تبين ما كان فيها من أحداث ودروس وعبر .
-السنة الثالثة من الهجرة :
وقعت في السنة الثالثة من الهجرة غزوة أحد التي كان من أبرز أحداثها تخلف الرماة عن مراكزهم التي أمرهم الرسول بها ، وذكر -سبحانه- تفاصيل الغزوة في سورة آل عمران .
-السنة الرابعة من الهجرة :
في السنة الرابعة تواعد المسلمون و المشركون في بدر ، فحضر المسلمون والتزموا بوعدهم وتخلّف المشركون عنها ، فأنزل الله -تعالى- :" فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ " [آل عمران:174] .
-السنة الخامسة من الهجرة :
في السنة الخامسة كانت غزوة الخندق التي أنزلها الله فيها صدر سورة الأحزاب .
-السنة السادسة من الهجرة :
في السنة السادسة اعتمر رسول الله وأصحابه عمرة الحديبية ، وواجهوا صد المشركين لهم ومنعهم لهم من دخول المسجد الحرام ، فلما رأى رسول الله حميتهم قدّم مصلحة حفظ بيت الله و عقد صلح الحديبية الذي يتمثل في عدم دخول النبي المسجد الحرام هذا العام و يقضي عمرته العام المقبل وأن لا حرب لمدة عشر سنين . وأنزل الله في هذا الموقف سورة الفتح كاملة .
-السنة الثامنة من الهجرة :
كما هو المعهود في أخلاق الكفار نقض العهود ، فقريش نقضت العهد الذي كان بينها و بين رسول الله ، لكن الله نصر رسوله ورزقه فتح مكة و أتم نصره بغزوة حنين و في ذلك أنزل الله أول سورة التوبة .
-السنة التاسعة من الهجرة :
كانت غزوة تبوك في السنة التاسعة ، وذكر القرآن الكريم ما كان فيها من تخلف أهل الأعذار والمنافقين ، و ثلاثة من صلحاء المؤمنين و أنزل الله في غزوة تبوك آيات كثيرة من سورة التوبة فيها بيان لما وقع فيها وما واجهه المسلمين من شدائد . وفي هذه السنة فُرض الحج على المسلمين و حجّ أبو بكر -رضي الله عنه- بالناس .
-السنة العاشرة من الهجرة :
في السنة العاشرة حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع مع المسلمين وعلّمهم مناسك الحج والعمرة قولاً وفعلاً ، وأنزل الله في كتابه الكريم آيات الحج ، و أنزل الله يوم عرفة قوله الكريم : " ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ " [المائدة:3] .
*فوائد من قصة خاتم النبيين وإمام المرسلين و من أُنزل عليه القرآن هدى ورحمة للمؤمنين :
1- شكر الله -تعالى- على بعثة الرسول الكريم إلينا فهو السبب في إخراج الناس من الظلمات إلى النور و إعلاء كلمه الحق إلى يومنا هذا .
2- التقرب من الله والتخلق بالأخلاق الفاضلة سبب في التوفيق والصلاح وحصول النعم .
3- أهميه دور الزوجة الصالحة في حياة الداعية .
4-الصبر أمام الصعوبات في سبيل رفع راية التوحيد وإعلاء كلمة الحق من أخلاق المسلم الصادق .
5- تتأكد أخلاق المسلم النبيلة في الشدائد والمواقف الصعبة .
6- أهمية الصلاة و مركزيتها في الإسلام .
7- أن للمسلم الفرار بدينه من البلاد التي تؤذيه إلى بلاد يأمن نفسه فيها ؛ خوفاً من ضياع دينه وحفاظاً على نفسه من الأذى .
8- أخذ العظة والعبرة من قصص القرآن .
-وصلّ اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين-.