دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الأول 1442هـ/27-10-2020م, 01:58 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي المجلس الثالث: مجلس مذاكرة القسم الرابع من أصول التفسير البياني

القسم الرابع من مقرر أصول التفسير البياني

أدّ تطبيقين من تطبيقات كلّ درس من الدروس التالية:


تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:
1: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}
2: قول الله تعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ }.
3: قول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)}
4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}
5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}




تطبيقات الدرس السابع عشر:
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
(1) قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}
(2) قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}
(3) قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}
(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}
(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}





تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:
1: قول الله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ}
2: قول الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ}
3: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}
4: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}
5: قول الله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا}





توصية:

يوصَى دارسو هذه الدورة بالاستكثار من التمرن على تطبيق ما درسوه من الدلالات على آيات كثيرة، وأن لا يكتفوا بالتطبيقات المذكورة في المجلس؛ فكثرة المران ترسّخ المعرفة، وتصقل المهارة، وتعين الدارس على توسيع مداركه وتقويم دراسته.




تعليمات:
- ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 ربيع الأول 1442هـ/27-10-2020م, 08:02 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:
1: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}

الأصل في أسلوب الشرط أن يفيد تعليق جواب الشرط بجملة الشرط لمناسبة.
ويضاف إليه في هذا المثال: بيان الحال، والاحتجاج.
قال ابن عاشور: المعنى : لو أن كتاباً من الكتب السالفة اشتمل على أكثر من الهداية فكانت مصادر لإيجاد العجائب لكان هذا القرآن كذلك ولكن لم يكن قرآنٌ كذلك ، فهذا القرآن لا يتطلب منه الاشتمال على ذلك إذ ليس ذلك من سُنن الكتب الإلهية .
وجواب { لو } محذوف لدلالة المقام عليه .
ويفيد ذلك معنى تعريضياً بالنداء عليهم بنهاية ضلالتهم ، إذ لم يهتدوا بهدي القرآن ودلائله.

2: قول الله تعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ }.
و"لولا" هنا الامتناعية، وهي حرف امتناع لوجود، وجواب الشرط هنا مذكور بعد جملة الشرط، ورابط جواب الشرط هو اللام، وهذه "اللام" اختلف فيها فقيل هي "لام" جواب القسم، وقيل "لام" التوكيد، وهو أظهر.
والأصل في أسلوب الشرط أن يفيد تعليق جواب الشرط بجملة الشرط لمناسبة.
ويضاف إليه في هذا المثال: بيان السبب، والتحذير.
قال القرطبي: ولولا فضل الله عليك ورحمته ما بعد لولا مرفوع بالابتداء عند سيبويه ، والخبر محذوف لا يظهر ، والمعنى : ولولا فضل الله عليك ورحمته بأن نبهك على الحق ، وقيل : بالنبوءة والعصمة . لهمت طائفة منهم أن يضلوك عن الحق.

اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
(1) قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}

جواب النهي في قوله "لتأكلوا" في موقع التعليل.

‏(2) قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَد جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}
جواب النهي في قوله "فيأخذكم" لبيان العاقبة.
واقتران خبر المبتدأ الموصول أو الموصوف "بالفاء" يفيد تقوية ربط الخبر بالمبتدأ، وتنزيلهما منزلة الشرط والجزاء أو الطلب وجوابه؛ فيكون المبتدأ مقتضياً للخبر أو سبباً له.

بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:
2: قول الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ}

قال القرطبي: قوله تعالى : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أي لا يذوقون فيها الموت البتة لأنهم خالدون فيها . ثم قال : إلا الموتة الأولى على الاستثناء المنقطع.
وقيل : إن ( إلا ) بمعنى بعد ، كقولك : ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك ، أي : بعد رجل عندك . وقيل : ( إلا ) بمعنى سوى ، أي : سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا ، كقوله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف . وهو كما تقول : ما ذقت اليوم طعاما سوى ما أكلت أمس . وقال القتبي : إلا الموتة الأولى معناه أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة ويلقى الروح والريحان ، وكان موته في الجنة لاتصافه بأسبابها ، فهو استثناء صحيح .
وقال ابن جرير: وليس للذي قال من ذلك عندي وجه مفهوم, لأن الأغلب من قول القائل: لا أذوق اليوم الطعام إلا الطعام الذي ذقته قبل اليوم أنه يريد الخبر عن قائله أن عنده طعاما في ذلك اليوم ذائقه وطاعمه دون سائر الأطعمة غيره.
‎وإذ كان ذلك الأغلب من معناه وجب أن يكون قد أثبت بقوله ( إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى ) موتة من نوع الأولى هم ذائقوها, ومعلوم أن ذلك ليس كذلك, لأن الله عزّ وجلّ قد آمَن أهل الجنة في الجنة إذا هم دخلوها من الموت, ولكن ذلك كما وصفت من معناه. وإنما جاز أن توضع " إلا " في موضع " بعد " لتقارب معنييهما في هذا الموضع وذلك أن القائل إذا قال: لا أكلم اليوم رجلا إلا رجلا بعد رجل عند عمرو قد أوجب على نفسه أن لا يكلم ذلك اليوم رجلا بعد كلام الرجل الذي عند عمرو.
وقال ابن عاشور: والاستثناء في قوله : { إلا الموتة الأولى } من تأكيد الشيء بما يشبه ضده لزيادة تحقيق انتفاء ذوق الموت عن أهل الجنة فكأنه قيل لا يذوقون الموت البتة وقرينة ذلك وصفها ب { الأولى } .

3: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}
قوله : ( إلا خطأ ) فيه قولان :
الأول : أنه استثناء متصل ، والذاهبون إلى هذا القول ذكروا وجوها :
الأول : أن هذا الاستثناء ورد على طريق المعنى ، لأن قوله : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ) [النساء : 92 ] معناه أنه يؤاخذ الإنسان على القتل إلا إذا كان القتل قتل خطأ فإنه لا يؤاخذ به .
الثاني : أن الاستثناء صحيح أيضا على ظاهر اللفظ ، والمعنى أنه ليس لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة إلا عند الخطأ . وهو ما إذا رأى عليه شعار الكفار ، أو وجده في عسكرهم فظنه مشركا ، فههنا يجوز قتله ، ولا شك أن هذا خطأ ، فإنه ظن أنه كافر مع أنه ما كان كافرا .
الثالث : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والتقدير : وما كان مؤمن ليقتل مؤمنا إلا خطأ ، ومثله قوله تعالى : ( ما كان لله أن يتخذ من ولد ) [ مريم : 35 ] تأويله : ما كان الله ليتخذ من ولد ، لأنه تعالى لا يحرم عليه شيء ، إنما ينفي عنه ما لا يليق به ، وأيضا قال تعالى : ( ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) [ النمل : 60 ] معناه ما كنتم لتنبتوا ، لأنه تعالى لم يحرم عليهم أن ينبتوا الشجر ، إنما نفى عنهم أن يمكنهم إنباتها ، فإنه تعالى هو القادر على إنبات الشجر .
الرابع : أن وجه الإشكال في حمل هذا الاستثناء على الاستثناء المتصل ، وهو أن يقال : الاستثناء من النفي إثبات ، وهذا يقتضي الإطلاق في قتل المؤمن في بعض الأحوال ، وذلك محال ، إلا أن هذا الإشكال إنما يلزم إذا سلمنا أن الاستثناء من النفي إثبات ، وذلك مختلف فيه بين الأصوليين ، والصحيح أنه لا يقتضيه لأن الاستثناء يقتضي صرف الحكم عن المستثنى لا صرف المحكوم به عنه ، وإذا كان تأثير الاستثناء في صرف الحكم فقط بقي المستثنى غير محكوم عليه لا بالنفي ولا بالإثبات ، وحينئذ يندفع الإشكال . ومما يدل على أن الاستثناء من النفي ليس بإثبات قوله عليه الصلاة والسلام : " لا صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بولي " ويقال : لا ملك إلا بالرجال ولا رجال إلا بالمال ، والاستثناء في جملة هذه الصور لا يفيد أن يكون الحكم المستثنى من النفي إثباتا والله أعلم .
الخامس : قال أبو هاشم وهو أحد رؤساء المعتزلة : تقدير الآية : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا فيبقى مؤمنا ، إلا أن يقتله [ ص: 182 ] خطأ فيبقى حينئذ مؤمنا ، قال : والمراد أن قتل المؤمن للمؤمن يخرجه عن كونه مؤمنا ، إلا أن يكون خطأ فإنه لا يخرجه عن كونه مؤمنا . واعلم أن هذا الكلام بناء على أن الفاسق ليس بمؤمن ، وهو أصل باطل ، والله أعلم .
القول الثاني : أن هذا الاستثناء منقطع بمعنى لكن ، ونظيره في القرآن كثير . قال تعالى : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة ) [ النساء : 29 ] وقال : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) [ النجم : 32 ] وقال : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ) [ الواقعة : 25 ] والله أعلم .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ربيع الأول 1442هـ/5-11-2020م, 11:15 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:

1: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}
أداة الشرط : لو ، وهو حرف شرط
معنى الشرط :
1)تأكيد النفي ، بمعنى بل الله قادر على الاتيان بما اقترحتوه .
ويفيد هنا أيضا معنى التعريض .
قال ابن عاشور : وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَعْنًى تَعْرِيضِيًّا بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِمْ بِنِهَايَةِ ضَلَالَتِهِمْ، إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهَدْيِ الْقُرْآنِ وَدَلَائِلِهِ وَالْحَالُ لَوْ أَنَّ قُرْآنًا أَمَرَ الْجِبَالَ أَنْ تَسِيرَ وَالْأَرْضَ أَنْ تَتَقَطَّعَ وَالْمَوْتَى أَنْ تَتَكَلَّمَ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ بَالِغًا ذَلِكَ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْكُتُبِ.
2)ويفيد معنى التهكم .
قال ابن عاشور :
فَكَانَ فِي ذِكْرِ، هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِشَارَةٌ إِلَى تَهَكُّمِهِمْ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ قُطِّعَتْ مَسَافَاتُ الْأَسْفَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [سُورَة الْأَنْعَام: 94] .
3)ولغرض التنبيه .
قال ابن عاشور :
فَحُمِلَ كَلَامُهُمْ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى بِهِمْ أَنْ يَنْظُرُوا هَلْ كَانَ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ قُرْآنٌ يَتَأَتَّى بِهِ مِثْلَ مَا سَأَلُوهُ.
4)معنى القصر .
قال ابن عاشور :
أَفَادَتِ الْجُمْلَتَانِ الْمَعْطُوفَةُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا مَعْنَى الْقَصْرِ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِ بَلْ مِنْ طُرُقِ الْقَصْرِ.
المسائل المتعلقة بها :
- تضمنت الاية : العطف على الشرط ب( أو) ، حيث عطفت جمل على جملة الشرط .
- بالنسبة لجواب الشرط: محذوف ، لدلالة الكلام على المحذوف ، لكن اختلفوا في حذفه وتقديره .

القول الأول : أنه محذوف وتقديره ، لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، وهو قول الأخفش و الزجاج وأبو حيان ، والزمخشري
القول الثاني: أنه مقدم ، وتقديره ،لَكَفَرْتُمْ بِالرَّحْمَنِ ، وهو قول الفراء وذكره البغوي وغيره .
الراجح :
رجح الكثيرون أنها محذوفه؛ لأنها أبلغ في العبارة وأعم للفائدة ، ورجح الزمخشري وغيره القول الأول ، لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار.


5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
أداة الشرط :( من) ، وهو اسم شرط
معنى الشرط بمعنى التنبيه ، فيكون المعنى تنبيها للخلص من المؤمنين بأن لا ييأسوا من نصر الله في الدنيا والآخرة ، وذكر ذلك ابن عاشور .
المسائل المتعلقة :
نوع( من) :
اختلفوا فيه على قولين :
الأول : أنها شرطية .
وعلى هذا فيكون الاستناء منقطع .
الثاني : أنها موصولة .
وعلى هذا يكون الاستثناء متصل .
الراجح :
رجح محي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه القول الأول .

جواب الشرط :
فليمدد : جواب الشرط وسبقه لام الأمر لذلك نجده مجروم هنا ، لأن الأصل أنه يكون فعل مضارع مرفوع بعد الفاء ، لكن هنا جاءت لام الأمر فجزمت الفعل المضارع ، ومعناه هنا للتعجيز ، ولكن هنا تعليق الجواب على حصول الشرط لا يقع ، كما ذكر ذلك ابن عاشور .


تطبيقات الدرس السابع عشر:
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:

(3) قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}
الاستفهام في الاية في قوله ( أفلم ) ، في الهمزة ، ولم حرف جزم تفيد النفي .
والاستفهام هنا بمعنى التعجب ،وهو أيضا استفهام انكاري .
الفاء في قوله ( فتكون ) : سببية جوابية مسببه لما بعدها على السير ، كما ذكر ذلك ابن عاشور .
فبما أن الفاء هنا سببيه فيكون جواب الطلب فعل مضارع منصوب ، وهنا منصوبة بأن المضمرة لأنها بعد فاء السببية .

وجواب الطلب ( فتكون ) جاءت بعد نفي .
قال ابن عاشور : أَيِ انْتَفَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ وَآذَانٌ بِهَذِهَ الْمَثَابَةِ لِانْتِفَاءِ سَيْرِهِمْ فِي الْأَرْضِ. وَهَذَا شَأْنُ الْجَوَابِ بِالْفَاءِ بَعْدَ النَّفْيِ أَنْ تَدْخُلَ الْفَاءُ عَلَى مَا هُوَ مُسَبَّبٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ لَوْ كَانَ ثَابِتًا


(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}
كونوا : فعل أمر
وتهتدوا : جواب الأمر ، في معنى الشرط لذلك كان مجزوما ، وقد ذكر ذلك الزجاج .
والمعنى أنه إن لم يكن يهوديا لا يكون مهتديا ، وإن لم يكن نصرانيا لا يكون مهتديا .


تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:

1: قول الله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ}
اختلفوا في نوع الاستثناء في الآية على قولين :
القول الأول : استثناء متصل.
و هذا القول مبني على عموم لفظة الناس ، وأن أل في ( الناس ) للاستغراق .
والمعنى : أنه لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة للذين ظلموا، و يشمل ذلك اليهود وغيرهم .
القول الثاني : استثناء منقطع ، فيقدر بلكن عند البصريين ، وب بل عند الكوفيين .
وهذا القول باعتبار أن الناس هم اليهود فقط .
قال ابن عادل : والتقدير: لكن الذين ظلموا، فإنهم يتعلقون عليكم بالشبهة يضعوناه موضع الحجة .
وهذا القول ضعفه ابن عطية وغيره .
والقول الأول هو الذي رجحه ابن جرير وابن عطيه وذكره الزمخشري .

وهناك أقوال أخرى في معنى ( إلا ) ، فذكر ابن عادل في اللباب في علوم الكتاب ، قولين آخرين :
القول الثالث : معنى ( إلا ) بمعنى الواو العاطفة، و تقدير ذلك : ولا الذين ظلموا، وهذا القول خطأه النحاة والزجاج وغيره.
القول الرابع : معنى ( إلا ) بمعنى بعد ، أي: بعد الذين ظلموا،وهذا من أفسد الأقوال وأضعفها ، وقد بين ضعف ذلك ابن عادل أيضا .

5: قول الله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا}
الاستثناء في قوله : ( لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا )
اختلفوا على نوع الاستثناء على قولين :
القول الأول :
استثناء منقطع ، لأن المستنثى ليس من جنس المستثنى منه ، فالواو في قوله ( يملكون ) عائدة على المجرمين ،فهم لا يستحقون أن يشفع فيهم غيرهم ، لكفرهم ، وهو قول ذكره ابن عطية وابن عاشور .
والمعنى :
لكن يملك الشفاعة يومئذ من اتخذ عند الرحمن عهدا .
وقال أبو السعود :
والمستثنى مرفوعٌ على البدل أو منصوبٌ على الأصل والمعنى لا يملك المجرمون أن يَشفع لهم إلا مَنْ كان منهم مسلماً.

القول الثاني : استثناء متصل ، وهو قول ذكره ابن عطية وغيره .
ومحل المستثنى إما الرفع على البدل أو النصب على أصل الاستثناء.
وهذا القول على اعتبار أن المستثى من جنس المستثى منه ، وأن الواو في قوله ( يملكون ) عائدة على ( المتقين ) .
فيكون المعنى أنه إلا المؤمنون فإنهم يشفع بعضهم بعضا .
قال الشنقيطي في أضواء البيان :
أَيْ: لَا يَمْلِكُ مِنْ جَمِيعِهِمْ أَحَدٌ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَالْعَهْدُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، أَيْ: إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فَإِنَّهُمْ يَشْفَعُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا)
والقول الأول هو اختيار أبو البقاء وابن عاشور والزمخشري وغيرهم .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 ربيع الأول 1442هـ/12-11-2020م, 03:46 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:
2: قول الله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}.

أداة الشرط هنا هي: "لولا" وهي تأتي لأحد معنيين:
الأول: الامتناع فهي حرف امتناع لوجود
والثاني: التحضيض؛ وفي هذه الحالة لا تستدعي جوابا وإنما يفهم معنى التحضيض من سياق الكلام كأن يكون تحضيضا حقيقة، أو تهكما يحمل التحضيض، أو توبيخا أو عتابا يحمل عليه.
وقوله تعالى هنا: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}.
هو من الأول فلولا هنا أداة شرط تفيد امتناع لوجود،
وجوابها: "لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ"

والمعنى: أنه لوجود فضل الله عليك ورحمته امتنع أن يضلوك

ويؤكد هذا ما جاء في تفسير الآية حيث حكي أن لها سبب نزول وهي قصة بني أُبَيْرِق، ففيها الهم بإضلال الرسول عن الحقيقة بأن يخبر بما يخالفها لوجود المتاع المسروق في دار غير السارق -وهو اليهودي- ولكن لأن الله عصم النبي عن الضلال في العلم فأخبره بحقيقة الأمر فلم يقع إضلال الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا فضل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ورحمته به.

وفي كتاب اعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش وجدت أنه زاد أن "لولا" لا تقتضي انتفاء جوابها لوجود شرطها، ولكن المنفي في الحقيقة أثر الهمّ،
فيكون المقصود امتناعه هو أثر الإضلال وليس هو اضلال للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم إن حكم في هذه القضية بما ظهر له وبالقرائن الموجودة فلا يكون ضالا عن الحق صلى الله عليه وسلم بل هو حكم بما ظهر له، ولا حرج عليه في ذلك ولكن الحرج والاثم والضلال لاحق بمن زور الحقيقة ليبرئ نفسه ويلقي بالتهمة على غيره،
ويدل لهذا المعنى الحديث المروي عن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها:
أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.


4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}

أداة الشرط هنا هي: "لما" وهي تأتي على نوعين:
الأول: متمحضة للظرفية لا تستدعي جواباً
والثاني: حرف وجود لوجود، فتستدعي جواباً، وفيها معنى الظرف، والوارد في الآية هنا هو هذا النوع ولكن حذف جواب الشرط هنا فإن قوله تعالى "ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها" هي جملة اعتراضية وليست هي جواب الشرط وهذا هو اختيار شيخنا حفظه الله .

ووجدت أن الشوكاني قد ذكر أنها جواب للشرط حيث قال: " وَجَوَابُ لَمَّا مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ ذَلِكَ الدُّخُولُ مِنَ اللَّهِ أَيْ مِنْ جِهَتِهِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْحَذَرَ لَا يَدْفَعُ الْقَدَرَ إلى أن قال: وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ الدُّخُولُ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ قَضَى ذَلِكَ الدُّخُولُ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ لِوُقُوعِهِ حَسَبَ إِرَادَتِهِ " انتهى من فتح القدير

فيكون المعنى أنهم لما دخلوا من الأبواب المتفرقة، فقد تم تنفيذ أمر أبيهم ووصيته لهم وهي من الأخذ بالأسباب ولا يغير ذلك من قدر الله شيئا.

وقال محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) الجملة جواب لما وقيل الجواب هو آوى اليه أخاه قال أبو البقاء وهو جواب لما الأولى والثانية،) انتهى.


تطبيقات الدرس السابع عشر:
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
(1) قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}

ينهى سبحانه وتعالى في هذه الآية عن أكل الأموال بغير حق ظلما وعدوانا فقال " وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" وهذا طلب فيه النهي عن ذلك ،
ثم عطف سبحانه بالنهي عن صورة أخرى وهي قوله " وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ" فيأكل المال بالباطل برفع الأمر للحكام ليتوصل بهذا لأكل هذا المال وهذه صورة أعلى من الصورة الأولى وأشنع منها لأنها جمعت محرمات كثيرة، واحتمل أن يكون المراد بالإدلاء إعطاء المال للحكام رشوة لهم لكي يحكموا بالباطل
وقيل إن الواو ليست عاطفة بل هي واو المعية وعلى هذا يكون المراد تلازم الأمرين معا وهو من رفع الأمر للحكام مع دفع بعض ماله إليهم ليحكموا له فيأكل مال غيره بالباطل وهذه هي صورة الرشوة فتكون الآية خاصة الرشوة للاعتناء بالنهي عنها وتبيين شدة خطرها.

ثم قال تعالى في جواب الطلب : (لِتَأْكُلُوا) اللام للتعليل، وتأكلوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة


(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}

جواب الطلب في الآية هو قوله تعالى " فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" فهو خبر للموصول "من" قائم مقام جواب الشرط ولذلك قرن بالفاء
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير " وَوَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ [سُورَة البروج: 10] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِلَى قَوْلِهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [34]) انتهى.
وقوله تعالى " ِإلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا" استثناء ليخرج صنف من الناس من العموم المذكور في مطلع الآية وهو من وقع فيه مكرهاً وأكد هذا بالاستدراك في قوله "ولكن من شرح بالكفر صدار" مؤكدا على أن العموم هو لمن
رضي وأراد الكفر لا من أُكره عليه .


تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:
1: قول الله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ}

=الاستثناء في الآية الكريمة هو النوع التام المنفي،
-فهو تام لأن المستثنى منه مذكور وهو "الناس" ،
-وهو منفي لوجود لا النافية في قوله تعالى "لئلا" فهي لام التعليل دخلت على أن مدغمة في لا النافية فتؤيلها: لأن لا.

=وأداة الاستثناء هي "إلا" وهي أشهر أدواته،
=والمستثنى هو: "الذين" وقوله "ظلموا منهم" هي صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

=والمعنى المراد في الآية: هو التأكيد لئلا تبقى للمعاندين حجة في نظرهم أو ثغرة يتسرّبون إلى الإرجاف عن طريقها إلا من استثني وهم "الذين ظلموا منهم"

=وقيل في معنى الاستثناء هنا أقوال ترجع إلى قولين:
-الأول: أنه استثناء منقطع فيكون معناه: لكن الذين ظلموا منهم يتعلقون بالشبهة ويحاولون الإرجاف.
وفي نفس المعنى من قال إن "إلا" هنا بمعنى "الواو" وهذا ذكره الجصاص عن أبي عبيدة فكأنه قال لئلا يكون للناس عليكم حجة ولا الذين ظلموا، ثم ذكر أن الفراء أنكره وأن أكثر أهل اللغة وأن الفراء قال: لا تجئ إلا بمعنى الواو إلا إذا تقدم استثناء.
-والثاني: أنه استثناء متصل وأنه أراد بالحجة المحاجة والمجادلة؛ فيكون معناه: لئلا يكون للناس عليكم حجاج إلا الذين ظلموا منهم فهم يحاجونكم بالباطل.


4: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}
=يخبر سبحانه وتعالى أنه لا يجب أن يجهر أحد بالسوء، ثم استثنى من ذلك من ظلم ،
=والاستثناء هنا منقطع منفي
-فهو منفي لوجود لا النافية في صدر الآية،
-وهو منقطع لأن جهر من وقع عليه الظلم ليس من الجهر بالسوء.
=وإذا كان الاستثناء منقطعاً فالنصب فيه لازم عند الحجازيين ولا يجيزون الإتباع، وأما تميم فتتبعه على أنه بدل.
=وعليه فإن الاستثناء وهو قوله تعالى: "من ظُلم"
"مَن" هنا وصلتها "ظُلم": في محل نصب على مذهب الحجازيين ويجوز عند تميم أن تكون بدل.
=ومعنى الاستثناء هنا أن الله لا يحب الجهر من السوء إلا من ظلم فله أن يجهر كأن يقول فلان ظلمني ونحو ذلك.
وعلى هذا يكون الاستثناء من الأول
قال ابن عباس وقتادة: "إلا أن يدعو على ظالمه" وعن مجاهد رواية: "إلا أن يخبر بظلم ظالمه له". وعنه أنها في الضيافة وقيل غير ذلك مما يفسر به الظلم وعلى كل فالاستثناء هنا لإخراج المذكور من العموم في صدر الآية الكريمة.
-وفي إعراب القرآن للنحاس ذكر أنه يجوز أن تكون "مَن" في موضع رفع وعليه يكون معنى الاستثناء: لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء إلا من ظلم

والله أعلم والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 ربيع الأول 1442هـ/12-11-2020م, 05:39 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

تطبيقات الدرس السادس عشر:*
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:*
1: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}
{لو } في هذه الآية شرطية ،ومعناها* هنا* على حسب جواب الشرط ،وفِي ذلك قولان :
القول الأولأنه متعلق بقوله : ﴿وَهم يَكْفُرُونَ بِالرَحْمَنِ﴾* وبذلك يكون* مَعْنى الآيَةِ الإخْبارَ عن الكفار أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ ولَوْ نَزَلَ قُرْآنٌ سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ أو قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أو كلم به الموتى ،و هَذا قول ابن عباس ومجاهد و الفَرّاءِ و غيرهم . وهو من المؤخر الذي معناه التقديم .*
وفِي هذا بَيانُ غلو* الكفرة في الكبر والعناد وإصرارهم على الضلال والفساد مهما رأو من الآيات .
القول الثاني : هو أن جَوابُ "لَوْ" مَحْذُوفٌ هنا لدلالة المقام عليه ، واختلفوا في تقديره على قولين :
1-أن تَقْدِيره :ولَوْ أنَّ قُرْآنًا يَكُونُ صِفَتُهُ كَذا لَما آمَنُوا بِوَجْهٍ، وهذا قول قتادة والضحاك وابن زيد* .
2- أن تقديره : لَكانَ هَذا القُرْآنُ الَّذِي يُصْنَعُ بِهِ هَذا،وفِي هذا تضمين لبيان عظمة* القُرْآنِ وعلو شأنه . قاله الزجاج وذكره ابن عطية* .
قال ابن عطية رحمه الله :وهَذا قَوْلٌ حَسَنٌ يُحَرِّرُ فَصاحَةَ الآيَةِ.
وقال الطبري: فتأويل الكلام إذاً: ولو أنّ قرآنًا سوى هذا القرآن كان سُيّرت به الجبال، لسُيّر بهذا القرآن, أو قُطَعت به الأرض لُقطعت بهذا, أو كُلِّم به الموتى، لكُلِّم بهذا, ولكن لم يُفْعل ذلك بقرآن قبل هذا القرآن فيُفْعل بهذا (45) بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا .
وقال ابن عاشور : ويفيد ذلك معنى تعريضيا بالنداء عليهم بنهاية ضلالتهم ، إذ لم يهتدوا بهدي القرآن ودلائله ، والحال لو أن قرآنا أمر الجبال أن تسير والأرض أن تتقطع والموتى أن تتكلم لكان هذا القرآن بالغا ذلك ولكن ذلك ليس من شأن الكتب ، فيكون على حد قول أبي بن سلمى من الحماسة :*
ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر
يتبين لنا من هذه الأقوال أن القول الراجح والله أعلم هو أن جَوابُ (لو ) محذوف ومعناها هنا بيان عظمة القرآن وعلو شأنه ،ولا يمنع من ذلك دخول المعاني الاخرى في الآية من الإخبار عن إصرار الكافرين وعنادهم وتماديهم في الكفر والضلال وبيان مآلهم إذا لم يهتدوا بهذا القرآن العظيم .
2: قول الله تعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ
*يُضِلُّوكَ }.

( لولا )هنا حرف شرط غير جازم ،وهي حرف امتناع ،ومعناها هنا على حسب جوابها ، وفِي ذلك وجهان كما ذكر المفسرون :*
الأول : الجواب قوله ( لهمت ) وهو الأظهر .
ومن قال* بهذا جعل المعنى إمَّا بتَخْصيص الهَمِّ، أي: لَهَمَّتْ هَمّاً يؤثِّر عندك .
وإما بتخصيص الإضْلال، أي: يُضِلُّوك عن دينك وشريعتك.
والثاني: أن الجواب* مَحْذُوفٌ، أي: لأضلُّوك،واستأنف: «لَهَمَّتْ» أي: لقد هَمَّتْ.
والقائلون بهذا القول استشكلوا كَوْنَ قوله: «لهمتْ» جواباً؛ لأنَّ اللَّفْظ يقتضي انْتِفَاء هَمِّهم بذلك، والغرضُ: أنَّ الواقع كوْنُهم همُّوا على ما يُرْوَى في الأثر ؛ فلذلك قدَّره مَحْذُوفاً.*
ذكر هذه الأقوال ابن عادل في اللباب .

تطبيقات الدرس السابع عشر :*
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:*
(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}
اختلف في معنى* ( من )* في هذه الآية الكريمة على قولين :*
1-قيل : أنها موصولة ،وهي مبتدأ ويكون خبرها قوله ( فعليهم غضب من الله ) وسبب اقتران الخبر بالفاء لأن في المبتدأ شبها بأداة الشرط .
2-قيل : أنها شرطية ، فلا يراد بالشرط معين ،وإنما يكون المراد به التحذير أي : تحذير المسلمين من الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان ، والماضي في الشرط ينقلب إلى معنى المضارع ، وعلى هذا يكون جَواب ( من ) قوله تعالى :( فعليهم غضب من الله )والتحذير حاصل على كلا المعنيين كما ذكر ابن عاشور .
(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}*
جَوابُ الأمر في الآية الكريمة قوله ( تهتدوا )وهو على تقدير شرط يفيد مفهوم الشرط*
ويكون معناه على ذلك :( أن اليهود والنصارى لا يرون من لم يكن على ملتهم مهتديا ، وبهذا نفوا الهدى عن متبع ملة إبراهيم عليه السلام وهذا يُبين مدى غرورهم وعجبهم بأنفسهم ) .
والمسألة الثانية هنا هي في سبب الجزم في ( تهتدوا ) :
قيل : جزم ب( إن ) المقدرة* ، وقيل : جزم على الجواب للأمر، وإنما معنى الشرط قائم في الكلمة لجزمه على الحقيقة جَوابُ الجزاء كما ذكر الزجاج .
تطبيقات الدرس الثامن عشر:*
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:*
3: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}*
في معنى الاستثناء في قوله (إِلاَّ خَطَئاً) أرْبَعة أوجُه:
أحدُها: أنه اسْتثنَاء منقَطِع إنْ أُريد بمعناه النفي .
والثاني : أنه مُتصلٌ إنْ أُريد بالنَّفْي التحريمُ*
ويكون المعنى :إلا خطأ بأن عَرَفَه أنَّه كَافر فَقَتَله، ثم كَشَف الغيبُ أنه كان مؤمناً.
الثالث: أنه استِثْنَاء مُفَرَّغ
الرابع: : أن تكون «إلا» بمعنى «ولا» والتقدير: وما كان لمُؤمِنٍ* أن يَقْتُل
مُؤمِنَاً عَمْداً ولا خَطَا، ذكره بعضُ أهْلِ العِلمُ،*
ورد الفَرَّاء هَذا القَوْلَ؛ بأن مثل ذلك لا يجوزُ، إلا إذا تقدَّمه استِثْنَاءٌ آخر، فيكونُ الثَّانِي عطفاً عليه: وزعم غيره أنَّ «إلا» تكون عَاطِفَة بمعنى الوَاو من غَيْر شَرْطِ.
4: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}
في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما: أنه متصل ،وعلى هذا يكو ن مستثنى من (أحد) المقدرِ الذي هو فاعلٌ للمصدر، وهذا مذهب الفراء.*
فإن قلنا أن الاستثناء متصل يتحصل من ذلك أن في «مَنْ» أربعةُ أوجه: الرفع من وجهين، وهما البدلُ من «أحَد» المقدَّر، أو الفاعليَّة؛ على كونه مفرَّغاً، والنصبُ؛ على أصلِ الاستثناء من «أحد» المقدَّر، أو من الجهر؛ على حَذْفِ مضاف.
والقول الثاني : أن الاستثناء منقطعٌ، تقديرُه: لكنْ مَنْ ظُلِم له أن ينتصف من ظالمه بما يوازي ظلامتَه فتكون «مَنْ» في محل نصب فقط على الاستثناء المنقطع.
كما ذكر ابن عادل في اللباب .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 ربيع الأول 1442هـ/14-11-2020م, 08:47 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

أدّ تطبيقين من تطبيقات كلّ درس من الدروس التالية:
تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:
3 : قول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)}
أسلوب الشرط من الأساليب التي تكرر في القرآن الكريم، وتعدد أغراضه البيانية، وتشتمل مواضعه في القرآن على لطائف بديعة، وفوائد عجيبة .

قوله : إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)}
إلا أداة استثناء
" مَنْ " أداة شرط
*معاني أداة الشرط :
- بيان ترتّب الأثر وتحقق الجزاء : تدل الآية أنه مَن تاب مِن ذنبه وآمن بربه وعمل صالحًا تصديقًا لتوبته، فأولئك يقبل الله توبتهم، ويدخلون الجنة مع المؤمنين، ولا يُنقَصون شيئًا من أعمالهم الصالحة.
- التنبيه : فيها تنبيه عَلى أن كفرهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم إذا تابوا .
* المسائل المتعلقة به :
يعتمد معنى "من" على الأسلوب الذي وردت فيه ، قال ابن عطية : ﴿إلا من تاب﴾ "استثناء يحتمل الاتصال والانفصال" .
قال الزجاج: « الاستثناء منقطع، ويكون المعنى: ”لكن من تاب وآمن“ وهذا بناء منه على أن المضيع للصلاة من الكفار.
قال محيي الدين درويش "إذا كان الاستثناء منقطعاً كانت إلا بمعنى لكن "ومن" مستثنى واجب النصب ووجه الانقطاع أن المستثنى منه كفار والمستثنى مؤمنون" .
- إذا اعتبر الاسستثناء متصلا كانت "من" موصولة، فيكون الخطاب صالح لكل أمة وفيها من آمن ومن كفر وهو ظاهر الآية .
- قال محيي الدين درويش "هذا هو واجب النصب لأن الكلام تام موجب" .
- وقال ابن كثير وهذا الاستثناء هاهنا كقوله في سورة الفرقان: ﴿والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما﴾
- قال الشنقيطي بعد تفصيل لمسائل الآية : قال مقيده عفا الله عنه : وكل هذه الأقوال تدخل في الآية؛ لأن تأخيرها عن وقتها، وعدم إقامتها في الجماعة، والإخلال بشروطها، وجحد وجوبها، وتعطيل المساجد منها كل ذلك إضاعة لها، وإن كانت أنواع الإضاعة تتفاوت، وقال:وعلى كل حال فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}
"لمّا" الحينية حرف شرط مختص بالماضي .
* مسائل الآية :
أورد الحلبي أن لجواب "لمّا" هذه ثلاثة أوجه:
الأول: أن جواب هو الجملة المنفية من قوله :(ما كان يغني)
الثاني: أن جوابها محذوف، وقدره أبو البقاء: «امتثلوا وقضوا حاجة أبيهم» ، وإليه نحا ابن عطية .
الثالث: أن الجواب هو قوله: «آوى .
والذي يظهر أن أن جملة {ما كان يغني عنهم} اعتراضية وليست جواب "لمّا".
*معاني الشرط :
- بيان السبب : وذلك خوفاً عليهم العين، لكثرتهم وبهاء منظرهم، لوكونهم أبناء رجل واحد، وهذا سبب.
- بيان الحال : وصفت لنا هذه الآية حالهم حيث دخلوا متفرقين امتثالا لأمر أبيهم الذي أمرهم بهذا خوفاً وشفقة عليهم.

*تطبيقات الدرس السابع عشر:
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
3) قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}

1- الهمزة للاستفهام الإنكاري : إن كانوا قد سافروا، أو للحث على السفر ليروا مصارع من تقدمهم .
2- ويكون الاستفهام تعجبي : أي تعجباً من حالهم في عدم الاعتبار بمصارع الأمم المكذبة لأنبيائه.
والتعجيب متعلق بمن سافروا منهم ورأوا شيئا من تلك القرى المهلكة ، وبمن لم يسافروا ..
لأن من شأن المسافرين أن يخبروا القاعدين بعجائب ما شاهدوه في أسفارهم .
والمقصود بالتعجب هو حال الذين ساروا في الأرض ..
وجعل الاستفهام داخلا على نفي السير؛ لأن سير السائرين منهم لما لم يفدهم عبرة وذكرى جعل كالعدم فكان التعجب من انتفائه .
- قوله: «فَتَكُونَ»
- الفاء سببية
- "تكون"
والفعل المضارع هنا في صيغة تحتمل أن يكون منصوباً في جواب الاستفهام -وقيل منصوباً على جواب النفي-لاتصاله بفاء السببية، وأن يكون مجزوماً على العطف.

(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}
*المسائل المتعلقة بالآية :
"مَنْ" لها وجهان: موصولة أو شرطية
1-موصولة: قال ابن عاشور: "مَنْ" موصولة، وهي مبتدأ، والخبر فعليهم غضب من الله، وقرن الخبر بالفاء؛ لأن في المبتدأ شبها بأداة الشرط، وقد يعامل الموصول معاملة الشرط، ووقع في القرآن في غير موضع، ومنه قوله تعالى ﴿إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم﴾ .
والفاء زيدت لتضمن الموصول معنى الشرط.
2-(من) شرطية أتت للتحذير لأن الشرط غير مراد به معين.لأن الماضي في الشرط ينقلب إلى معنى المضارع، ويكون قوله ﴿فعليهم غضب من الله﴾ جوابا.
والتحذير حاصل على كلا المعنيين كما قال ابن عاشور.

تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:
3: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}

يختلف المفسّرون في مسائل الآيات بسبب اختلاف أنظارهم في تفسير الاستثناء وتفهّم غرضه.
قوله:"إلا خطأ"
له معنيان :
*الأول استثناء منقطع ، وهو كقوله : كقوله تعالى: (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن )
قال جرير:
مِنَ البِيضِ، لَمْ تَظْعَنْ بَعِيدًا، وَلَمْ تَطَأْ ... عَلَى الأرْضِ إِلا رَيْطَ بُرْدٍ مُرَحَّلِ"٠
قال القرطبي : "الاستثناء منقطع وتكون فيه "إلا" بمعنى "لكن" والتقدير ما كان له أن يقتله ألبتة لكن إن قتله خطأ فعليه كذا" .
قال ابن حيان :اذ لا يجوز أن يكون متصلا؛ لأنه يصير المعنى: إلا خطأ فله قتله.
*المعنى الثاني : أن يكون الاستثناء متصلا .
قال ابن عطية :ويتجه في معنى الآية وجه آخر، وهو أن تقدر "كان" بمعنى: استقر ووجد، كأنه قال: وما وجد ولا تقرر ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، إذ هو مغلوب فيه أحيانا، فيجيء الاستثناء -على هذا- غير منقطع .
وتتضمن الآية -على هذا- إعظام العمد وبشاعة شأنه، كما تقول: ما كان لك يا فلان أن تتكلم بهذا إلا ناسيا .

: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}
*ورد في هذا الاستثناء معنيان :
-الأول :أنه استثناءٌ منقطعٌ، تقديرُه: لكنْ مَنْ ظُلِم له أن ينتصف من ظالمه بما يوازي ظلامتَه فتكون «مَنْ» في محل نصب فقط على الاستثناء المنقطع.
وقرأ زيد بن أسلم، والضحاك وابن أبي إسحاق ﴿إِلاَّ مَن ظُلِمَ﴾ بفتح الظاء.
ومعنى الآية: لا يحب الله أن يجهر أحد بالدعاء [على أحد] إلا من ظُلم فيدعو على ظالمه. أي: لكن من ظُلم فله أن يدعو على ظالمه، ولا يكره الله ذلك.
قال ابن عباس: أُرخص للمظلوم أن يدعو على ظالمه، وإن صبر فهو خير له.
-الثاني: قيل هو استثناء متصل : والجهربالسوء هو جهره بالدعاء أن يكشف الله عنه ويأخذ له حقه أو يشكو ذلك إلى الإمام ليأخذ له بحق وعلى هذا التقدير فيجوز فيه الرفع بدلا من احد المدلول عليه بالجهر أي لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء إلا المظلوم ويجوز فيه النصب بدلا من الجهر والمعنى إلا جهر من ظلم .

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 ربيع الثاني 1442هـ/29-11-2020م, 01:43 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:


4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} يوسف 68

جاءت هذه الآية في سياق حكاية أمر يعقوب عليه السلام لأبنائه أن يدخلوا من أبواب متفرقة مع أخيهم بنيامين، إثر عودتهم لمصر بعد ما أحضروا أخاهم ليوسف عليه السلام (عزيز مصر في ذلك الوقت)، ولم يكونوا قد تعرفوا عليه بعد.
وبدأت الآية بـ {لمّا}
واختُلف فيها هل هي ظرف زمان، أم حرف شرط
وعلى القول بأنها حرف شرط، تفيد وجود جواب الشرط لوجود فعل الشرط
وتدخل على الماضي غالبًا، وفعل الشرط هنا {دخلوا من حيث أمرهم أبوهم}
وتفسرها الآية السابقة أنهم دخلوا من أبواب متفرقة
واختُلف في تعيين جواب الشرط على أقوال:
الأول:
أنه {ما كان يغني عنهم من الله من شيء}، وهو قول أبي حيان ووافقه السمين الحلبي وأبو السعود، وابن عادل، وهو اختيار محمد عبد الخالق عضيمة ومحيي الدين درويش.
واستدل به أبو حيان على أن معنى (لما) حرف وجوب لوجوب وليس ظرف زمان، لأنه لا يجوز أن يكون معمول الظرف بعد (ما) النافية.
ويكون المعنى على هذا القول: (لما دخلوا من أبواب متفرقة لم يغن تفرقهم عنهم من الله من شيء، فالحذر لا يغني عن القدر)

الثاني: أنه {آوى} في الآية التالية، من قوله تعالى: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه}؛ فيكون الفعل (آوى) جوابًا لـ (لمّا) الأولى والثانية، وهو قول أبي البقاء.
وهو بعيد - والله أعلم - إذ أن إيواء يوسف عليه السلام لأخيه لم يكن واجبًا لوجوب الدخول من أبواب متفرقة، وإنما لدخولهم عليه، فلم يكن ليتحقق الإيواء، إذا دخلوا من أبواب متفرقة، ولم يدخلوا على يوسف عليه السلام، والله أعلم.
الثالث: جواب الشرط محذوف، وقال بهذا القول ابن عطية ومحمود عبد الرحيم صافي وابن عاشور، ورده ابن عادل بدعوى أن في الآية جواب واضح وادعاء الحذف تعسف.
وعلى القول الثاني والثالث تكون جملة: {ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} اعتراضية وليست جوابًا للشرط.
والقول بأن جواب الشرط محذوف أبلغ من حيث دلالته على معان أكثر؛ فيجوز تقديره بـ:
امتثلوا الأمر، أو سلموا من العين، ويجوز أن يكون التقدير تعلموا طاعة أبيهم فيكون ذلك أدعى في حفظ أخيهم، أو يكون التقدير تعلموا الأخذ بالأسباب والتوكل على الله
ويدل على هذه المعاني أن الله عز وجل ذكر نفاذ حاجة يعقوب عليه السلام {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها}، والمقصود بالحاجة على قول أكثر المفسرين هي الخوف من العين.
والاستثناء هنا منقطع فحاجة يعقوب عليه السلام ليست مما يغني من قدر الله شيئًا، مهما كانت.
وقد أثنى الله عز وجل على يعقوب عليه السلام في ختام الآية {وإنه لذو علمٍ لما علمناه}
قال قتادة: {لذو علمٍ لما علّمناه}: «عاملٌ بما علم»، أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سفيان عن سعيد بن أبي عروبة عنه، وأخرجه البخاري معلقًا في صحيحه.
فهو عاملٌ بالأسباب موقنٌ أنها لا تنفع إلا بأمر الله، مع كمال اعتماده على الله عز وجل في جلب النفع ودفع الضر كما قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: {وقال يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}
ومع هذا لم يغن تفرقهم من قدر الله شيئا، وإن نفع السبب - بإذن الله - في تحقق غايته، إذ أن أخذ بنيامين ليس بسبب العينِ، أو كيد إخوته، وإنما لحكمة من الله عز وجل بتمكينه مع يوسف عليه السلام كما قال تعالى: {كذلك كِدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علمٍ عليم}

وعلى القول الأول بأن عدم الإغناء جواب الدخول من أبواب متفرقة، كما يقتضيه كلام أبي حيان - رحمه الله - فيكون المقصود أن الأسباب لم تنفع، وأن معنى {قضاها} هو تحقق الأسباب بالدخول من أبواب متفرقة لا تحقق الغاية بالحفظ من العين ونحو ذلك، أو يكون المقصود بالحاجة - كما فسرها الزمخشري- إظهار الشفقة عليهم ووصيتهم، والله أعلم.
واختار أبو السعود القول بأن جواب الشرط {ما كان يغني}، ومع هذا فرّق بين فعل الشرط وجوابه - إن صح فهمي لكلامه - ، فذكر أن عدم الإغناء لم يحصل عند الدخول، وإنما عند وقوع المحذور.
قال: ((والجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبل لتحقيق المقارنةِ الواجبةِ بين جوابِ لمّا ومدخولِه فإن عدمَ الإغناءِ بالفعل إنما يتحقق عند نزولِ المحذورِ لا وقت الدخول وإنما المتحققُ حينئذ ما أفاده الجمعُ المذكور من عدم كونِ الدخولِ المذكورِ مغْنياً فيما سيأتي فتأمل))
وهذا وإن كان له وجهه إلا أنه مخالف لمعنى (لمّا) الذي اختاره سيبويه أنه حرف وجوب لوجوب، والله أعلم.

5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)} الحج

اختُلف في معنى (من) على قولين:
الأول:
أنها شرطية.
الثاني: أنها موصولة بمعنى الذي.
فعلى القول بأنها شرطية يكون جملة الشرط {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة}
وجواب الشرط اقترن بالفاء {فليمدد بسبب إلى السماء} وعُطف على جواب الشرط جملة {ليقطع} وجملة {فلينظر}
ثم اختُلف في معنى الآية بحسب الخلاف في:
- مرجع الضمير في {ينصره} هل هو محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنه عائد على (من)
- والخلاف في معنى النصر بمعنى التأييد أو الرزق.
- المراد بـ {السماء} هل هي السماء المعروفة أو سقف البيت
وعلى هذا يكون معنى الآية:

القول الأول: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم/ أو يرزقه ويعطيه من فضله استبطاء للنصر من المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، أو خوفًا من انتصاره من المشركين، فليمدد حبلا إلى سقف بيته ثم يختنق به ويقطعه فيموت، فهل سيذهب هذا غيظه وكيده؟ وهذا كناية عن شدة غيظهم، والأمر في قوله {فليمدد} و {ليقطع} و {لينظر} للتهكم والتوبيخ
والقول بأن المراد بالسماء سقف البيت، وأن المراد بالسبب حبل ممدود إليه يختنق به صاحب الظن، هو قول ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه ابن جرير والحاكم في المستدرك.
القول الثاني: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم استبطاء للنصر من المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، أو خوفا من انتصاره من المشركين فليمدد بحبل إلى السماء حيث ينزل النصر والوحي من الله على نبيه، فليجتهد أن يقطعه عنه إن استطاع، ولينظر هل هذا سيذهب كيده !
وهذا الأمر للتعجيز، فليس بإمكانهم فعل ذلك.
والقول بأن المراد بالسماء السماء المعروفة، هو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم - كما في الدر المنثور للسيوطي-.
القول الثالث: من كان يظن أن لن يرزقه الله ويعطيه، استبطاء لرزق الله، فليمدد بحبل لسقف بيته فيختنق به، أو يمدد بحبل إلى السماء ويحاول استعجال رزقه إن استطاع، وهو قول مجاهد، ورواية عن ابن عباس رضي الله عنهما.
واختلفت الرواية عن ابن عباس في مرجع الضمير في (ينصره) على معنى يرزقه:
الأول:
مرجع الضمير محمد صلى الله عليه وسلم، رواه ابن جرير من طريق أبي إسحاق الهمداني عن أربدة التميمي عن ابن عباس.
الثاني: مرجع الضمير (من)، رواه ابن جرير من طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس.
بينما في قول مجاهد؛ فإن مرجع الضمير إلى (من)، رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، ومن طريق ابن جريج عن مجاهد.
وأما على القول بأن (من) موصولة، فيكون {فليمدد} خبرًا للمبتدأ الموصول، اقترن بالفاء للدلالة على تقوية ربط الخبر بالمبتدأ ودلالتهما على معنى الشرط والجزاء فيكون الظن بأن الله لن ينصر محمدًا صلى الله عليه وسلم سببًا يقتضي حصول الخبر وهو الأمر {فليمدد} وما عُطف عليه {ثم ليقطع} و {فلينظر}، والمعنى على ما سبق بيانه والله أعلم.

اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} سورة النحل

اختُلف في إعراب {من كفر بالله} على أقوال:
القول الأول: أن (مَن) بدل، ثم اختُلف في تعيين المبدل منه على أقوال ذكرها الزمخشري:
الأول: أنه بدل من قوله تعالى{الذين لا يؤمنون بآيات الله} في الآية السابقة {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون}
فيكون المعنى على هذا القول، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وكفروا بعد إيمانهم، وجملة {وأولئك هم الكاذبون} اعتراضية بين البدل والمبدل منه.
الثاني: بدل من {أولئك}، فيكون المعنى (من كفر بعد إيمانه هم الكاذبون)
الثالث: بدل من {الكاذبون}، ويكون المعنى: الذين لا يؤمنون بآيات الله يفترون الكذب وأولئك هم الذين كفروا بعد إيمانهم، وهو قول الزجاج.
و(من) على هذه الأقوال موصولة في محل رفع.
واعترض ابن جرير وأبو حيان على هذا القول بأن فيه حصر للذين يفترون على الله الكذب فيمن كفروا بعد إيمانهم، فخرج من المعنى من لم يؤمنوا قط، والواقع أنهم أكثر افتراء على الله؛ فاستدلوا بذلك على أن جملة {من كفر بالله من بعد إيمانهم} استئنافية.
القول الثاني: في محل رفع مبتدأ، قاله أبو عبيدة والأخفش وابن جرير الطبري، وأبو حيان وظاهر تفسير ابن كثير.
وحكى أبو حيان جواز أن تكون موصولة أو شرطية:
فعلى القول أنها شرطية، تكون جملة الشرط (كفر) في محل رفع الخبر، ويكون جواب الشرط محذوف تقديره (فعليهم غضب) أو يؤاخذهم الله، ونحو ذلك.
وعلى القول بأنها موصولة، فتكون جملة (كفر) صلتها، والخبر إما أن يكون:
- محذوفا، تقديره {فعليهم غضب}، دل عليه خبر {من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من ربهم}، واختاره أبو حيان.
خبر (مَن) الأولى والثانية واحد، وهو {فعليهم غضبٌ من ربهم}، واختار هذا القول أبو عبيدة والأخفش وابن جرير الطبري وابن كثير.
القول الثالث: أنها منصوبة على الذم، قاله الزمخشري احتمالا.
القول الرابع: مرفوع على أنه خبر ابتداء مضمر على الذم، ذكره السمين الحلبي احتمالا.
وأما جملة (ولكِن من شرح للكفر صدرًا) فاختُلِف في معنى (مَن):

الأول: أنها موصولة، وقال أبو حيان أنه لا يجوز أن تكون شرطية لأنها جاءت بعد استدراك.
قال أبو حيان: (إِلَّا أَنَّ مَنِ الثَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَرْطًا حَتَّى يُقَدَّرَ قَبْلَهَا مُبْتَدَأٌ لِأَنَّ مَنْ وَلِيَتْ لَكِنْ فَيَتَعَيَّنُ إِذْ ذَاكَ أَنْ تَكُونَ مَنْ مَوْصُولَةً)
و {مَن} في محل رفع مبتدأ، وخبرها (فعليهم غضب من ربهم) اقترن بالفاء لأن المبتدأ أشبه الشرط.
أفاد اقتران الخبر بالفاء، أن غضب الله عليهم بسبب انشراح صدورهم بالكفر.
الثاني: أنها شرطية، ذكره عبد الخالق عضيمة في دراسات لأسلوب القرآن الكريم.
قال: (وجاء بعد (ولكن) الجملة الشرطية في قوله تعالى:
{ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله}
فعلى هذا يكون (شرح) جملة الشرط، وجواب الشر مقترن بالفاء (فعليهم غضبٌ)
والله أعلم.


سؤال:
يبدو لي أن المعنى واحد إن كانت بمعنى الشرط أو موصولة إذا كان الخبر المقترن بالفاء يفيد دلالة المبتدأ والخبر على الشرط والجزاء؟
فهل من فارق في المعنى على القولين؟
أعني هل من دلالة إضافية من استخدام الاسم الموصول مع اقتران الخبر بالفاء على استخدام الشرط أو العكس؟



(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)} سورة البقرة

ضمير الجمع في (قالوا) يعود على رؤساء اليهود والنصارى، و(أو) في جملة القول (كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا) للتفصيل، والمقصود أن اليهود قالوا: (كونوا هودًا) والنصارى قالوا: (كونوا نصارى) ثمُ جُمع جواب الطلب في الحالتين (تهتدوا)، فهو فعل مضارع مجزوم في جواب الطلب، أفاد معنى الشرط، وهو أن كل فريق منهم يرى الهداية في اتباع دينه، فقول اليهود (كونوا هودًا) يفيد معنى (إن لم تكونوا على اليهودية فلستم مهتدين) وقول النصارى: (إن لم تكونوا على النصرانية فلستم مهتدين)
فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بقول: (بل ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين)
أي أن حقيقة الهداية في اتباع ملة إبراهيم بالاستقامة على التوحيد والتبرؤ من الشرك وأهله.
والله أعلم.




بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:

4: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (سورة النساء: 148)
اختُلف في تفسير هذه الآية بحسب الاختلاف في تعيين المراد بالجهر بالسوء من القول، والمستثنى منه، ونوع الاستثناء هل هو متصل أو منقطع؟،وقراءة (ظلم) بالبناء للفاعل أو المفعول:
أولا: على قراءة (ظُلم) بضم الظاء وكسر اللام، على البناء للمفعول، وهي قراءة عامة القراء.

المراد بالجهر بالسوء من القول:
القول الأول:
الدعاء على أحد، وهو قول ابن عباس، والحسن ومفهوم من قول قتادة.
فيكون معنى الآية:
لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا المظلوم فله أن يدعو على من ظلمه.
واختُلِف في حد الدعاء الذي يدعو به
فعلى قول الحسن فللمظلوم أن يقول: ( اللّهمّ أعنّي عليه. اللّهمّ استخرج، لي حقّي، اللّهمّ حل بينى وبين ما يريد، ونحوه من الدّعاء) رواه ابن جرير.
وقول الحسن يفيد المدافعة.
وعلى قول ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة فالمعنى أعم من ذلك.
قال ابن عباس: ( إلا من ظلم إلا أن يكون مظلومًا فإنّه رخّص له أن يدعوا على من ظلمه وذلك قول اللّه تعالى إلا من ظلم وإن صبر فهو خيرٌ له) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم واللفظ له.
قال قتادة: ({لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم وكان اللّه سميعًا عليمًا} عذر اللّه المظلوم كما تسمعون أن يدعو). رواه ابن جرير.
ويكون الاستثناء على هذا المعنى متصل.
واختُلف في إعراب (من ظلم) بحسب الخلاف هل الاستثناء تام، أو مُفرغ؟
فعلى القول بأنه مُفرغ، عمل فيه المصدر المعرف بأل (الجهر)، والتقدير: (لا يحب الله أن يجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم)، فتكون (من) في موضع رفع فاعل.
قال ابن مالك في شرح الكافية: (وينبغي أن يعلم أن المصدر العامل على ضربين:
أحدهما: مقدر بالفعل وحرف مصدري
والثاني: مقدر بالفعل وحده).
قال الفراء في معاني القرآن: (وإن شئت جعلت (من) رفعا إذا قلت (ظلم) فيكون المعنى: لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم).
ورده ابن جرير الطبري في تفسيره: قال (وهذا مذهب يراه أهل العربية خطأ في العربية. وذلك أن"مَن" لا يجوز لأنها في صلة"أنْ" ولم ينله الجحد، فلا يجوز العطف عليه، من خطأٍ عندهم أن يقال: "لا يعجبني أن يقوم إلا زيد")
قال محمد عبد الخالق عضيمة: ( وفيه إعمال المصدر معرفاً بالألف واللام وهي مسألة خلاف، ومذهب سيبويه جواز ذلك).
وعلى القول بأن الكلام تام بتقدير (أحد) فالمعنى: (لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من ظُلم)
فـ( من) في محل نصب على الاستثناء، وأجاز الزجاج رفعه على البدل، وهو المختار على القول بأن الاستثناء متصل.


القول الثاني: عموم الجهر بالسوء من القول، ثم اختُلف في تعيين الظلم في قوله (من ظُلم) على أقوال:
الأول: الرّجل ينزل بالرّجل، فلا يحسن ضيافته، فيخرج من عنده، فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن، وهو قول مجاهد، رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
الثاني: السب، وهو قول عبد الكريم بن مالك الجزري
قال: (هو الرّجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتري عليه، مثل قوله: ولمن انتصر بعد ظلمه) رواه ابن أبي حاتم.
الثالث: الظلم عمومًا، وهو قول السدي.
قال: (إنّ اللّه لا يحبّ الجهر بالسّوء من أحدٍ من الخلق، ولكن من ظلم فانتصر بمثل ما ظلم، فليس عليه جناحٌ). رواه ابن جرير.
والاستثناء على هذا القول منقطع مما قبله، لأن جهر المظلوم ليس من جنس السيء من القول الذي لا يحبه الله.
فيكون موضع (من) منصوب على الاستثناء، على تقدير المستثنى منه (أحد)
ويكون المعنى:( لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول، لكن من ظُلِم له أن يجهر)
وعلى اعتبار أن الاستثناء مفرغ، فيكون موضع (من) مرفوعا على الابتداء.
وقيل يجوز أن يكون الاستثناء متصلا - على القول الأول والثاني- بتقدير مضاف محذوف: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا جهر من ظلم)، قاله أبو بكر البقاعي،ومحمد عبد الخالق عضيمة ومحيي الدين درويش.
قال أبو بكر البقاعي:
(وجهر ومن ظلم - وإن كان داخلاً فيما يحبه الله تعالى على تقدير كون الاستثناء متصلاً - لكن جعله من جملة السوء وإن كان من باب المشاكلة فإن فيه لطيفة، وهي نهي الفطن عن تعاطيه وحثه على العفو، لأن من علم أن فعله بحيث ينطلق اسم السوء - على أي وجه كان إطلاقه - كف عنه إن كان موفقاً).

ثانيًا: على قراءة (ظَلَم) بفتح الظاء واللام،على البناء للفاعل.
وهي قراءة شاذة، رويت عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وزيد بن أسلم وعبد الأعلى بن عبد الله بن مسلم بن يسار وعطاء بن السائب وابن يسار، قاله أبو الفتح بن جني في المحتسب.
واختلُف في معنى الاستثناء على هذه القراءة:
القول الأول:
على القول بأن المراد بـ(الجهر بالسوء من القول) على هذه القراءة هو تعيير المنافق بعد توبته بنفاقه السابق، والمراد بمن ظَلمَ هو من أقام على نفاقه.
يكون معنى الاستثناء: (لا يحب الله تعيير المنافق التائب بعد توبته بنفاقه لكن من أقام على نفاقه يجوز فضحه بذلك)، وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم فقرأ: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار} حتّى بلغ: {وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرًا عظيمًا} ثمّ قال بعد ما قال: هم في الدّرك الأسفل من النّار {ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللّه شاكرًا عليمًا} لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم قال: لا يحبّ اللّه أن يقول لهذا: ألست نافقت؟ ألست المنافق الّذي ظلمت وفعلت وفعلت؟ من بعد ما تاب إلاّ من ظلم إلاّ من أقام على النّفاق. قال: وكان أبي يقول ذلك له ويقرؤها: إلاّ من ظلم. رواه ابن جرير.
والاستثناء على هذا القول منقطع عما قبله، وإعراب (من) مرفوع على الابتداء.
قال أبو الفتح بن جني في المحتسب: ظَلَم وظُلِم جميعًا على الاستثناء المنقطع؛ أي: لكن من ظلم فإن الله لا يخفى عليه أمره، ودل على ذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}.
الثاني: على القول بعموم معنى (الجهر بالسوء من القول) يكون المعنى: لا يحب اللَّهُ الجهرَ بالسوء، لكنَّ الظالمَ يحبه فهو يفعله، أو يكونَ راجعاً إلى فاعل الجهر أي: لا يحبُّ اللَّهُ أن يَجْهَر أحدٌ بالسوء، لكن الظالم يَجْهر به، ذكره السمين الحلبي احتمالا.
والاستثناء على هذا القول منقطع أيضًا، منصوب على الاستثناء، لأنه تام منفي.
والله أعلم.

5: قول الله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا} (سورة مريم: 86-87)

اختُلف في تفسير هذه الآية بحسب الاختلاف في:
1. المقصود بملك الشفاعة هل هو استحقاقها بأن يكون شافعًا أو مشفوعًا له.
2. مرجع الضمير في قوله {يملكون}، وعليه يتحدد نوع الاستثناء هل هو متصل أو منقطع؟
3. المقصود بالعهد هل هو الإيمان والتوحيد عمومًا أو الإذن بالشفاعة خصوصًا.
وسعة دلالة الآية على هذه المعاني من بلاغة القرآن الكريم.
معنى الاستثناء في الآية:
اختُلف في معنى الاستثناء في هذه الآيات بحسب الاختلاف في تعيين مرجع الضمير في {يملكون}
القول الأول: أن الضمير يعود على {المجرمين} في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا}، وأن المقصود بالمجرمين هنا المشركين خاصة، فيكون معنى الاستثناء على الانقطاع
أي: لا يملك المشركون الشفاعة لكن من اتخذ عند الله عهدًا فهو موعود بالشفاعة بإذن الله.
وإعراب (من) على هذا القول منصوب على الاستثناء، على المختار،قاله الزجاج.

القول الثاني: الضمير يعود على المتقين في قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدًا}، والمجرمين في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا}
فيكون الاستثناء تاما منفيا متصلا، و(من) على هذا القول في موضع رفع على البدل من الضمير في {يملكون}، على المختار، قاله الزجاج.

القول الثالث: الضمير في {يملكون} يعود على المجرمين لكن المراد بهم عصاة الموحدين، والمشركين معًا، فيكون الاستثناء متصلا على هذا القول، باستثناء عصاة الموحدين، قاله ابن عطية.
وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن أهل الكبائر داخلون تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبهم بذنوبهم، وإن شاء غفر لهم، وموعودون بالشفاعة - بإذن الله-، ولا يُخلدون في النار.
وإعراب (من) على هذا القول في موضع رفع على البدل من الضمير في {يملكون}، على المختار.
والمقصود بملك الشفاعة على القول الأول والثاني أن يشفع بعضهم لبعض، بأن يكونوا شافعين أو مشفوعين، وعلى القول الثالث: أن يُشْفَع لهم.
والمقصود بالعهد شهادة أن لا إله إلا الله، والتبرؤ إلى الله من الحول والقوّة ولا يرجو إلا الله، أخرجه ابن جرير عن ابن عباس.
القول الرابع: الضمير يعود على المتقين، ويختلف معنى الآية بحسب الخلاف في معنى العهد على قولين:
الأول: العهد بمعنى الإذن بالشفاعة، فيكون المعنى: (لا يملك أن يشفع إلا من كان له عملا صالحًا فيأذن له الله)، فيكون معنى (من) على هذا القول في الشافعين.
الثاني: ويحتمل أن يكون المعنى:( لا يملك المتقون أن يشفعوا إلا لمن اتخذ عند الله عهدًا بالإيمان والتوحيد) فيكون معنى (من) على هذا القول للمشفوع فيهم، ذكر القولين ابن عطية.
القول الخامس: الضمير يعود على أهل الموقف عمومًا، والمقصود بـ (من) محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، والمقصود بالعهد، إذن الله عز وجل بأن يشفع محمد صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف، قاله ابن عطية أيضًا.
والاستثناء على القول الرابع والخامس متصل، ومن في محل رفع على البدل.
القول السادس: ذكر الزمخشري قولا بأن الواو في {يملكون}دالة على الجمع، وأن {من} في محل رفع فاعل، على القول بأن الاستثناء منفي مفرغ.
قال أبو حيان الأندلسي: (ولا ينبغي حمل القرآن على هذه اللغة القليلة مع وضوح جعل الواو ضميرا. وذكر الأستاذ أبو الحسن بن عصفور أنها لغة ضعيفة).

مسألة:
على القول بأن معنى {لا يملكون الشفاعة } (لا يَشْفعون)، يكون المعنى (لا يشفعون إلا لمن اتخذ عند الله عهدًا)
قال الفراء: ((و(من) فِي موضع نصب عَلَى الاستثناء ولا تكون خفضًا بضمير اللام ولكنها تكون نصبًا عَلَى معنى الخفض كما تَقُولُ فِي الكلام: أردت المرور اليوم إلا العدوّ فإني لا أمُرّ بِهِ فتستثنيه من المعنى ولو أظهرت الباء فقلت: أردت المرور إلا بالعدو لخفضت. وكذلك لو قيل: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعةَ إِلَّا لمن اتّخذ عند الرحم عهدا)). اهـ
ولا حاجة لتقدير اللام في الآية - والله أعلم - لأن التعبير بالفعل (يملكون) دون (يَشفعون) أبلغ في إفادة نفي الشفاعة عن المجرمين كشافعين أو مشفوع لهم.
قال تعالى:{ فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} سورة الأعراف.
وقال تعالى:{وما أضلنا إلا المجرمون. فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم} سورة الشعراء.
وقال: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين}
فنفى أن يشفع لهم أحد.
وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} سورة يونس.
وقال: {ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين} سورة الروم.
فنفى أن يكون من هذه المعبودات الباطلة شفعاء.
وقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، عامٌ في أنه لا يشفع أحد مهما كان إلا بإذن الله عز وجل.
وفي قوله تعالى: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}
بيان لشروط الشفاعة؛ وهي إذن الله للشافع، ورضاه عن الشافع والمشفوع له، والله لا يرضى عن الكافرين.
قال تعالى: {يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} سورة التوبة.
قال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: (قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون في الآية وجهان أو أوجه من التفسير كلها حق، وكل واحد منها يشهد له قرآن، فإنا نذكر الجميع وأدلته من كتاب الله تعالى ; لأنه كله حق، فإذا علمت ذلك فاعلم أن هذه الآية الكريمة من ذلك النوع، قال بعض أهل العلم: الواو في قوله: لا يملكون راجعة إلى المجرمين المذكورين في قوله: ونسوق المجرمين إلى جهنم أي: لا يملك المجرمون الشفاعة، أي: لا يستحقون أن يشفع فيهم شافع يخلصهم مما هم فيه من الهول والعذاب.
[...]
وهذا الوجه يفهم منه بالأحرى أن المجرمين لا يشفعون في غيرهم ; لأنهم إذا كانوا لا يستحقون أن يشفع فيهم غيرهم لكفرهم فشفاعتهم في غيرهم ممنوعة من باب أولى)


والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 ربيع الثاني 1442هـ/7-12-2020م, 09:23 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

القسم الرابع من مقرر أصول التفسير البياني


أدّ تطبيقين من تطبيقات كلّ درس من الدروس التالية:


تطبيقات الدرس السادس عشر:


بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:


4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
القارئ لسورة يوسف، لا يكاد يغفل عن أداة الشرط {لما} تأخذ قلبه معها مرارا وتكرارا، تسرح بخياله مع أحسن القصص، تأتي مقرونة بالفاء مرة فيكون لها دلالات ومعانٍ، وتأتي مجردة مرة لتشير إلى دلالات ومعانٍ أخر، وتترك الحفاظ يبتكرون الطرق للتفريق وإتقان الحفظ ملتفتين إلى الفرق البياني تارة وذاهبين وراء الفروق الإحصائية والمادية – إن صح التعبير- تارات

في كل مرة تطالعك فيها {لما} تشحذ همتك وسمعك وبصرك لمتابعة جوابها، مشتاقا إلى نتيجة شرطها إذ أنها كما يقول النحويين أداة وجود لوجود تستدعي جوابا، وفي كل مرة يأتي معها جواب تابع للشرط ومفسر له يكشف فصلا مهما من فصول القصة..

إلا أن جواب لما اختفى في موضعين من السورة جاء فيها حرف الشرط وفعله ولم يذكر الجواب!

الموضع الأول لا شك أنه من أهم فصول القصة وبه بدأت معاناة يعقوب عليه السلام بفقد ابنه الأول

قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. [يوسف، 15].


والموضع الثاني وهو الآية المقصودة بالدراسة هنا يحتاج إلى نظر لكنه كان مقدمة لفقد الابن الثاني...

قال تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}. [يوسف: 68]

لا يخفى أن {لما} حرف شرط فيه معنى الظرفية، فعلها في هذه الآية دخلوا، لكن أين الجواب؟

أطلك لفكرك العنان..

{ولما دخلوا} أمنوا مما خاف عليهم منه أبوهم فوصلوا لمبتغاهم بسلام.
{ولما دخلوا} تفرقوا فأخذ منهم إعادة التجمع وقتا.
{ولما دخلوا} أدركوا حكمة أبيهم حيث تجنبوا بهذا التفرق المساءلة والمراقبة والحسد والترصد.
{ولما دخلوا} ضربوا موعدا محددا للتجمع بذكائهم وخبرتهم السابقة في المكان.
{ولما دخلوا} أناخوا مطاياهم، وبلغوا سلام والدهم للملك، وقالوا هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به وقد فعلنا...

جمل كثيرة يمكن أن يدل عليها جواب الشرط المحذوف..
لكنه لم يذكر منها شيئا..
بل انتقل بك إلى المعنى الأهم وهو أن فعلهم هذا كان سببا لا يقدم ضررا ولا يؤخر قضاء إلا بإذن الله، وأن فعلهم هذا لم يكن لينجيهم لولا أن الله قدر سلامتهم {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}..

جمل يتركها لك السياق لتأخذ بمجامع قلبك تغدو معها أفكارك خماصا وتروح بطانا..
فهنا حدث.. أعقبته أحداث ذات شأن..

حذف يعكس صورة من صور بلاغة القرآن وجمال اللغة، ويترك للقارئ فرصة للتلذذ باستنباط المعنى المحذوف بألفاظ قليلة تدل على معان عظيمة.

حذف جواب لما ثابت متكرر في اللغة، وقد ذكره بعض المفسرين وأهل اللغة تحديدا في هذه الآية، مع ذكر بعضهم لغيره من الأقوال، ولعل أكثرهم فصل الأمر في حذف جواب لما في قوله تعالى: {فلما ذهبوا به..} الآية {يوسف: 15]، وفي قوله: {فلما أسلما وتله للجبين}، [الصافات: 103] بسبب الخلاف المشهور بين البصريين والكوفيين بشأن زيادة الواو في الجواب، ثم أنهم لم يتعرضوا لمسألة جواب لما هنا.

وسأذكر فيما يلي بحول الله ما مر بي من أقوال:
1. أن الجواب كما ذكرنا محذوف يمكن تقديره بعدد من الجمل، قال ابن عاشور "وَقَدْ أَغْنَتْ جُمْلَةُ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ عَنْ جُمَلٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُمُ ارْتَحَلُوا وَدَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ، وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ سَلِمُوا مِمَّا كَانَ يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ"، كما ذكر هذا القول ابن عطية، وأبو حيان في البحر المحيط، وصاحب اللباب في علوم الكتاب، وأشارت إليه بعض الكتب المؤلفة في إعراب القرآن مثل: الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد، والتبيان في إعراب القرآن.
2. أن الجواب دلت عليه جملة {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} قال ابن عطية: " فجواب لَمَّا في معنى قوله: ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ"، وذكر هذا القول في بعض كتب إعراب القرآن مثل: الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد، والتبيان، والجدول في إعراب القرآن،
ونص بعضهم على أن الجواب هو قوله {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} كما جاء في فتح القدير، وفتح البيان، وذكر بعضهم أن هذا الجواب يدل على أن لما هنا حرف وجوب لوجوب وليست ظرف زمان أمثال أبو حيان في البحر المحيط، ورجحه صاحب اللباب في علوم الكتاب

3. أن الجواب هُوَ {آوَى}، في الآية التي تليها من قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} قال صاحب التبيان في إعراب القرآن وهو يعرض الأقوال: "وَهُوَ جَوَابُ «لَمَّا» الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ ; كَقَوْلِكَ: لَمَّا جِئْتُكَ وَلَمَّا كَلَّمْتُكَ أَجَبْتَنِي، وَحَسَّنَ ذَلِكَ أَنَّ دُخُولَهُمْ عَلَى يُوسُفَ يَعْقُبُ دُخُولَهُمْ مِنَ الْأَبْوَابِ". وذكره صاحب الكتاب الفريد، وصاحب اللباب في علوم الكتاب، كما أشير إلى هذا القول في حاشية الجدول في إعراب القرآن.

إذا تأملنا في هذه الأقوال نجد أن القول الثالث بعيد، وأن كون جملة ما كان يغني عنهم من الله من شيء جوابا أيضا فيه نظر، أما كونه دلالة على أحد احتمالات جواب الشرط فقد يكون مقبولا
حيث إن دخولهم على الصفة التي أمرهم بها أبوهم لم تمنع عنهم ما نسب إليهم من السرقة وأخذ بنيامين ومضاعفة المصيبة على والدهم لأن الحذر لا يغني من القدر.
ولكن الأولى والله أعلم هو القول الأول وهو الإقرار بأن الجواب محذوف وهو أمر سائغ متكرر له دلالاته اللغوية والبيانية، وذلك ليعمّ الجواب كلَّ تقدير صحيحٍ يحتمله السياق، ويبلغه التفكّر.

والله أعلم وأحكم

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 ربيع الثاني 1442هـ/8-12-2020م, 11:34 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

تابع : تطبيقات الدرس السادس عشر:

5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
حوت هذه الآية الكريمة أسلوب شرط دل على معان بيانية ولطائف بديعية، جاء فيه اسم الشرط (من)
وفيما يلي استعراض لبعض المسائل المتعلقة به:

أولا/ الإعراب
من: اسم شرط وهو مبتدأ، أو موصولة والأول أرجح.
كان: فعل ماض ناقص في محلّ جزم فعل الشرط.
فليمدد: (الفاء) رابطة لجواب الشرط (اللام) لام الأمر، وفاعل (يمدد) يعود على اسم الشرط (من)،
فتكون بذلك جملة ليمدد في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء

ثانيا/ اقتران جواب الشرط بالفاء
يلاحظ أن جواب الشرط هنا اقترن بالفاء وهو مطابق لأحد المواضع التي ذكر فيها جواز اقترانه بالفاء
إذ أن الجواب وهو {ليمدد} يتضمن طلبا جاء على صيغة فعل مضارع مقرون بلام الأمر.

ثالثا/ العطف على جواب الشرط
قوله {ثم ليقطع}
وقوله: {فلينظر}
معطوفة على جواب الشرط ليمدد ومجزومة في القرآن مثلها

رابعا/ المعنى البياني:
المعنى البياني الذي يفيده الشرط هنا له ارتباط بأقوال المفسرين في معنى قوله: {فليمدد بسبب إلى السماء ثم لقطع}

القول الأول: أن معنى: {فليمدد بسبب إلى السماء} يقصد بها فليربط حبلا في سقف بيته وليشنق به نفسه، أو ليربط حبلا في أعلى مكان يصل إليه وليقطع الحبل ليسقط ويتمزق.

فعلى هذا يفيد الشرط هنا الاستهزاء والتهكم، وقد تكرر ذلك في عبارات المفسرين

قال في أضواء البيان: "وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِحَاسِدِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِهِ الدَّوَائِرَ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ رَبَّهُ لَنْ يَنْصُرَهُ: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، فَهُوَ نَاصِرُهُ لَا مَحَالَةَ عَلَى رَغْمِ أُنُوفِكُمْ"
ونقل عن الزَّمَخْشَرِيُّ قوله: وَسُمِّيَ فِعْلُهُ كَيْدًا ; لِأَنَّهُ وَضَعَهُ مَوْضِعَ الْكَيْدِ؛ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكِدْ بِهِ مَحْسُودَهُ، إِنَّمَا كَادَ بِهِ نَفْسَهُ".

قال ابن عاشور: "فَامْدُدُوا حَبْلًا بِأَقْصَى مَا يُمَدُّ إِلَيْهِ حَبْلٌ، وَتَعَلَّقُوا بِهِ فِي أَعْلَى مَكَان ثمَّ اقطعوه تَخِرُّوا إِلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ تَهَكُّمٌ بِهِمْ"

وقال ابن كثير مرجحا لهذا القول: " وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ أَوْلَى وَأَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى، وَأَبْلَغُ فِي التَّهَكُّمِ؛ فَإِنَّ الْمَعْنَى: مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِنَاصِرٍ مُحَمَّدًا وَكِتَابَهُ وَدِينَهُ، فَلْيَذْهَبْ فَلْيَقْتُلْ نَفْسَهُ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ غَائِظَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ لَا مَحَالَةَ"

ويحتمل أيضا معنى التعجيز لأنه لا يقع:
قال ابن عاشور: " وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ لِلتَّعْجِيزِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْجَوَابِ عَلَى حُصُولِ شَرْطٍ لَا يَقَعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرَّحْمَن: 33]".

قال ابن عطية: "قال هذا المعنى قتادة وهذا على جهة المثل السائر قولهم دونك الحبل فاختنق، يقال ذلك للذي يريد من الأمر ما لا يمكنه"


القول الثاني: هو أن معنى: {فيمدد بحبل إلى السماء} أي السماء المعروفة يصعد إليها إن استطاع ليقطع الوحي عن محمد صلى الله عليه وسلم، ويمنع عنه النصر.

فيكون مقصد الشرط هنا التعجيز:

قال في أضواء البيان: "وَقَوْلِهِ: ثُمَّ لِيَقْطَعْ لِلتَّعْجِيزِ فَلْيَنْظُرْ ذَلِكَ الْحَاسِدُ الْعَاجِزُ عَنْ قَطْعِ النَّصْرِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ يُذْهِبُ كَيْدُهُ إِذَا بَلَغَ غَايَةَ جَهْدِهِ فِي كَيْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"

وكلا المعنيين صحيح سائغ والله أعلم وإن كان للمفسرين آراء في ترجيح أحدهما على الآخر

وقد ذكر الطبري وابن عطية قصد ثالث للآية هو التوبيخ:

قال الطبري: "ذكر قومًا يعبدونه على حرف وأنهم يطمئنون بالدين إن أصابوا خيرا في عبادتهم إياه، وأنهم يرتدّون عن دينهم لشدّة تصيبهم فيها، ثم أتبع ذلك هذه الآية، فمعلوم أنه إنما أتبعه إياها توبيخا لهم على ارتدادهم عن الدين، أو على شكهم فيه نفاقهم، استبطاء منهم السعة في العيش، أو السبوغ في الرزق".

وقال ابن عطية: "ثم أخذت الآية في توبيخ أولئك الأولين"

واستنبط السعدي من الآية معنى آخر حين قال:
"فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى، ومن تأييس الكافرين، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون، أي: وسعوا مهما أمكنهم".


ومعاني الاستهزاء والتعجيز والتوبيخ ودلالة النصر في الآية واضحة، فسبحان من أنزل كتابه {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}
والله أعلم وأحكم

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27 ربيع الثاني 1442هـ/12-12-2020م, 09:33 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

تطبيقات الدرس السابع عشر:

3. اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:

قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله

آية عظيمة..
تخاطب العقول وتحرك القلوب، تعظ الغافل وتذكر الناسي صيغت بأسلوب بياني بديع

قال عنها ابن عاشور: " فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَفَانِينُ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْبَيَانِ وَبَدَاعَةِ النَّظْمِ".

جاءت بعد آيات فيها مرور سريع خاطف على خبر تكذيب أقوام لأنبيائهم وما أعقب هذا التكذيب من هلاك..
مرور يقرع القلب بثلاث آيات قصيرة:
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
{ فكيف كان نكير} ..يارب السلامة

ثم أنه الحقها بقوله:
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)

{فكأين من قرية..} فالقرى الهالكة كثيرة، وسبب الهلاك معروف معلوم، ولكن من يعتبر؟!



ثم جاءت الآية المعنية:

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}



لتعجب من حال أقوام مروا بمواقع الأمم الهالكة وسمعوا أخبارهم فلم يتعظوا!

تحث الناس على النظر في حال من هلك قبلهم وتحرضهم على تجنب أسباب الهلاك...

ومما ورد فيها من بيان ما يتعلق بأسلوب الطلب محل الدراسة، حيث افتتحت الآية باستفهام ظاهره سؤال {أفلم يسيروا؟} لكن حقيقته الإنكار والتعجب والحث...

وفيما يلي تفصيل لبعض ما تيسر مما له علاقة بالدرس:

{أفلم يسيروا فِي الْأَرْضِ}:

(الهمزة): للاستفهام
(الفاء): عاطفة على مقدر يقتضيه المقام بمعنى (أغفلوا فلم يسيروا؟) أو (أسافروا فلم ينتفعوا؟)
(لم): حرف نفي وقلب وجزم
(يسيروا): فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعله
(في الأرض): متعلقان بيسيروا

ودلالة الاستفهام هنا الإنكار عليهم والتعجب من حالهم إن كانوا سافروا ولم يعتبروا، أو سمعوا أخبار من سافر ولم يتأثروا
وفيها معنى الأمر والحث لمن لم يسافر ولم يسمع، وذلك ليكون لهم عبرة في رؤية مصارع الأمم المكذبة لأنبيائها

والآية لا تنفي عنهم السفر وإنما تتعجب من حال من سافر منهم ولم يعتبر
قال ابن عاشور: "المقصود بالتعجيب هُوَ حَالُ الَّذِينَ سَارُوا فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ جُعِلَ الِاسْتِفْهَامُ دَاخِلًا عَلَى نَفْيِ السَّيْرِ لِأَنَّ سَيْرَ السَّائِرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا لَمْ يُفِدْهُمْ عِبْرَةً وَذِكْرَى جُعِلَ كَالْعدمِ فَكَانَ التعجيب مِنِ انْتِفَائِهِ، فَالْكَلَامُ جَارٍ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِر"ِ.


{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}


(فَتَكُونَ) الفاء سَبَبِيَّةٌ، وتكون فعل مضارع ناسخ منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية وهو جواب الاستفهام، ومعلوم أن جواب الطلب ينصب متى ما اقترن بالفاء.

والمعنى لَمْ يَسِيرُوا سَيْرًا تَكُونُ لَهُمْ بِهِ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَآذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا.

قال ابن عاشور: " وَنُزِّلَتْ عُقُولُهُمْ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ كَمَا نُزِّلَ سَيْرُهُمْ فِي الْأَرْضِ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ".

وقد أكمل ابن عاشور بقية الآية مسلطا الضوء على أنواع من البلاغة في تفاصيلها لكنه مما يتعلق بدروس أخرى فأتركه هنا اختصارا

ثم ختم بقوله:
"فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ نَظْمِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَنْعَامِ لَهُمْ آلَاتُ الِاسْتِدْلَالِ وَقَدِ انْعَدَمَتْ مِنْهُمْ آثَارُهَا فَلَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَعْقِلُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الْبَقَرَة: 171]" .

اللهم اجعلنا ممن سمع وعقل واتعظ وانتهى..

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 27 ربيع الثاني 1442هـ/12-12-2020م, 10:45 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

تابع تطبيقات الدرس السابع عشر

(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
تخبر الآية الكريمة عن زعم كل من اليهود والنصارى أن دينهم هو الحق، وادعاء كل فريق أن الهداية في اتباع دينهم، وترد عليهم بأن الحق هو في اتباع دين إبراهيم الحنيف الموحد عليه السلام.

وقد ورد في هذه الآية أسلوب طلب بصيغة الأمر وفيه معنى الشرط، جاء على لسان اليهود والنصارى حيث قالوا: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}

(كونوا) فعل أمر ناقص مبنيّ على حذف النون، والواو اسمها
(هودا) خبر كان منصوب (أو) حرف عطف (نصارى) معطوف على (هودا) منصوب مثله وعلامة النصب الفتحة المقدّرة
(تهتدوا) مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للطلب..

وفي الجملة شرط تقديره: إن تكونوا تهتدوا، أي أنهم حصروا الهداية في دينهم

قال ابن عاشور: " بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ إِعْرَاضِهِمْ وَمِقْدَارَ غُرُورِهِمْ بِأَنَّهُمْ حَصَرُوا الْهُدَى فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ أَيْ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ حَصَرَ الْهُدَى فِي دِينِهِ.
وَوَجْهُ الْحَصْرِ حَاصِلٌ مِنْ جَزْمِ تَهْتَدُوا فِي جَوَابِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ شَرْطٍ فَيُفِيدُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا لَا يَرَاهُ الْيَهُودُ مُهْتَدِيًا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ نَصْرَانِيًّا لَا يَرَاهُ النَّصَارَى مُهْتَدِيًا أَيْ نَفَوُا الْهُدَى عَنْ مُتَّبِعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا غَايَةُ غُرُورِهِمْ.

والله أعلم

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 6 جمادى الأولى 1442هـ/20-12-2020م, 12:24 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:

2: قول الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ} [ الدخان: 56]
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
لا شك أن من نعيم أهل الجنة- جعلنا الله وإياكم من أهلها- أنهم لا يموتون وأن الآخرة هي دار الخلود، وقد اتفق من قرأت له ممن فسر هذه الآية الكريمة بأن معنى الآية نفي الموت عن أهل الجنة، وأن الموتة الأولى هنا هي الموتة الذي ختمت بها حياتهم الدنيوية.

ولكن الأقوال تعددت في نوع الاستثناء هنا وفائدته وسببه وحل الإشكال الوارد عليه، والمعنى البياني لاستثناء موتة الدنيا في هذا الموضع.

قال الألوسي بعد أن عدد الأقوال في الآية:
"والداعي لما سمعت من الأوجه دفع سؤال يورد هاهنا من أن الموتة الأولى مما مضى لهم في الدنيا وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة فكيف استثنيت؟
وقيل: إن السؤال مبني على أن الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثنى الحكم المنفي عن المستثنى منه ومحال أن يثبت للموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة.
وأما على قول من جعله تكلما بالباقي بعد الثنيا، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأول من الموت فلا إشكال فتأمل".


إذا نظرنا للاستثناء في الآية فهو تام منفي.
والأقوال إنما جاءت في اتصاله وانقطاعه فقد بنيت أقوال المفسرين على الحالتين وأثرت على المعنى البياني للآية، جاء في الدرس أن التفريق بين الاستثناء المتصل والمنقطع هو: "واسطة عقد هذا الباب ومجتنى ثمراته، وفائدته لطالب علم التفسير كبيرة، فهو باب مهم من أبواب توجيه أقوال المفسرين والجمع بينها".


وفيما يلي أحاول نقل ما تيسر من أقوال مع التلخيص والتبسيط راجية من الله التوفيق والسداد ومنكم التكرم بالتصحيح والتصويب:

الحالة الأولى/ أن الاستثناء هنا متصل، ومعلوم أن الاستثناء المتصل هو ما كان فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، فالموت هنا واحد.
قال الألوسي: "الأصل اتصال الاستثناء"
فيكون إعراب المستثنى {الموتة} هنا: منصوب على الاتباع للمستثنى منه ويجوز نصبه على الاستثناء.
لكن في هذه الحالة يظهر الإشكال الذي ذكرناه كيف ينفي ذوق الموتة الأولى عن أهل الجنة بقوله ( فيها) وهو مما مضى، وكيف يبرر الاستثناء من النفي الذي هو في الأصل إثبات؟

مما ذكره المفسرون من المعاني المرتبطة باتصال المستثنى:
القول الأول: أن ذلك من باب التعليق بالمحال، ذكره الزمخشري والرازي في مفاتح الغيب نقلا عنه وذكره الألوسي والطنطاوي في الوسيط نقلا عنه، وذكره ابن عجيبة، وذكر الزجاج وابن عاشور والسعدي قريبا منه.
قال الزمخشري: "أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها"
وقال ابن عاشور: مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ لِزِيَادَةِ تَحْقِيقِ انْتِفَاءِ ذَوْقِ الْمَوْت عَن أجل الْجَنَّةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَا يَذُوقُونَ الْمَوْتَ أَلْبَتَّة.
وقال السعدي: أي ليس فيها موت بالكلية، ولو كان فيها موت يستثنى لم يستثن الموتة الأولى التي هي الموتة في الدنيا.
قال الألوسي: "ونظيره قول القائل لمن يستسقيه: لا أسقيك إلا الجمر وقد علم أن الجمر لا يسقى

قال الألوسي "فالاستثناء متصل والدخول فرضي للمبالغة".
قال صاحب إعراب القرآن وبيانه: "مبني على أن الموتة بدل على طريقة البدل المجوز فيها البدل من غير الجنس وأما على طريقة الحجازيين فانتصبت الموتة استثناء منقطعا، وسرّ اللغة التميمية بناء النفي المراد على وجه لا يبقي للسامع مطمعا في الإثبات، فيقولون ما فيها أحد إلا حمار على معنى إن كان الحمار من الأحدين ففيها أحد فيعلقون الثبوت على أمر محال حتما بالنفي".

قال الشهاب السمين: "وهذا عند علماءِ البيانِ يُسَمَّى نَفْيَ الشيء بدليلِه. ومثلُه قول النابغةِ:
لا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ ... بهنَّ فُلولٌ مِنْ قِراعِ الكتائبِ
يعني: إنْ كان أحدٌ يَعُدُّ فُلولَ السيوفِ مِنْ قِراع الكتائب عَيْباً فهذا عيبُهم، لكنَّ عَدَّهُ من العيوبِ مُحالٌ، فانتفى عنهم العيبُ بدليل تعلُّقِ الأمرِ على مُحال".

القول الثاني: أن إلا هنا بمعنى سوى ومعنى الآية على هذا القول: لا يذوقون فيها الموت سوى الموتة الأولى، وهو قول الفراء، وذكر الزجاج نحوه، وذكره الطبري واعترض عليه، وذكره ابن عطية وأنكر على الطبري تضعيفه، كما ذكره الجوزي والقرطبي والشوكاني، وأبو حيان، وابن عجيبة، والشهاب السمين، والألوسي وقال إن فائدة الوصف في هذه الحالة تكون تذكير حال الدنيا.
ومفاد اعتراض الطبري:
أن معنى قول القائل: لا أذوق اليوم الطعام إلا الطعام الذي ذقته قبل اليوم، يعني أنه سيلتزم بأكل ما أكله سابقا، وهذا هو الأغلب فيكون معنى الآية على هذا القول إنهم سيذوقون موتة من نوع ما ذاقوه سابقا وهذا لا شك أنه لا يقع لأن أهل الجنة أمنوا من الموت

قال ابن عطية: "وضعف ذلك الطبري، وقدرها ببعد، وليس تضعيفه بصحيح، بل يصح المعنى بسوى ويتسق"

القول الثالث: ذكر بعضهم أقوالا أخرى مبنية على اتصال المستثنى مثل:
- أن المؤمن في الدنيا بمنزلته في الجنة ليقينه بها، أو لمعرفته بالله، أو أنه عند موته بمنزلته في الجنة لمعاينته ما يعطاه بها. ذكر نحوه ابن قتيبة وربطه بحال الشهداء وبقوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. ونقله عدد ممن فسر الآية.
- أن المعنى الذوق الحاصل بتذكر الموتة الأولى.
- أن ضمير فيها يعود للآخرة والموت أول أحوالها.
وهي تأويلات ضعيفة ذكر بعضها الرازي والشهاب السمين ونقل بعضها الألوسي وقال عنه: "ولا يخفى ما فيه من التفكيك مع ارتكاب التجوز"

الحالة الثانية/ أن الاستثناء منقطع لأن الموت الأول غير الثاني، فليس الاستثناء هنا حقيقيا يخرج به بعضٌ من كلٍ كان داخلا فيه، ومعلوم أن الاستثناء المنقطع يعرف بأحد أمرين:
- أن يصح وضع لكن مكان ألا
((لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى، قد ذاقوها في الدنيا))
- أن يكون الحكم على المستثنى موافقاً للحكم على المستثنى منه
((لا يذوقون فيها الموت، ولا يذوقون فيها الموتة الأولى))
وعلى هذا يكون الغرض من الاستثناء هنا بياني
ويكون إعراب المستثنى {الموتة} هنا: منصوب على الاستثناء وجوبا عند أهل الحجاز، وتميم تتبعه المستثنى منه وهو هنا منصوب.
وممن قال بأن الاستثناء منقطع: النحاس، وابن كثير.
وممن كتب في إعراب القرآن محي الدين في كتاب إعراب القرآن وبيانه، وصاحب الجدول مع الإشارة إلى احتمال الاتصال.
كما ذكره في الأقوال القرطبي والرازي وأبو حيان، والشهاب السمين، والشوكاني، وابن عجيبة، والألوسي

أما الطبري فقد رجح قولا آخر هو أن إلا بمعنى بعد.
وضرب له مثلا قول القائل: لا أكلم اليوم رجلا إلا رجلا عند عمرو، فلو قلت لا أكلم اليوم رجلا بعد رجل عند عمرو، فيكون أوجب على نفسه ألا يكلم ذلك اليوم رجلا بعد كلام الرجل الذي عند عمرو.
واستدل بأنه من شأن العرب أن تضع الكلمة مكان غيرها إذا تقارب معنياهما وضرب لذلك شواهد
فيكون معنى الآية: لا يذوقون فيها الموت بعد الموتة الأولى، وقد نقل هذا القول عن الطبري عدد من المفسرين دون ترجيح ولا إنكار.

قال الألوسي: والجمهور لم يثبتوا هذا المعنى لها
وقال الشهاب السمين: واختاره الطبريُّ، وأباه الجمهورُ؛ لأنَّ «إلاَّ» بمعنى بعد لم يَثْبُتْ.

الخلاصة:
ما ذكره الزمخشري أن الاستثناء هنا من باب التعليق بالمحال صحيح في اللغة وله وجه بياني واضح ولم يذكر ابن عاشور والسعدي غير هذا قول يبنى على هذا القول وهو صحيح في حال اعتبار الاستثناء متصلا.
والمعنى يستقيم أيضا بوضع سوى مكان إلا.
وإذا كان الاستثناء منقطعا فلكن تحل محل إلا ولا إشكال في هذه الحالة.

وعلى كل حال لابد من تدبر المعنى البياني للآية، إذ أن معناها الحقيقي بين ولا خلاف فيه

قال أبو حيان:
"وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخُلُودِ السَّرْمَدِيِّ، وَتَذْكِيرٌ لَهُمْ بِمُفَارَقَةِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ الْبَاقِيَةِ".


والمتأمل ..
يجد أن الآية الكريمة على وجازتها جمعت بين بشرى ذات قيمة لأهل التقوى والإيمان بأنهم آمنون في الجنة من الموت الذي يمكن أن ينغص متعتهم، وبين تذكير لهم بأن حياتهم الكاملة التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالخلود لا يعتريها سوى موتة واحدة تنتهي بها المدة المتاحة لهم للتزود، وهو حدث ذو شأن على المؤمن ألا يغفل عن تذكره قال صلى الله عليه وسلم " أكثروا من ذكر هادم اللذات"
هذا الجمع بين موت الدنيا وخلود الآخرة يقلل من تعلق القلب بهذه الدنيا الزائلة ويذكره بأن الحياة الدنيا قصيرة نسبة لما ينتظره بعدها، كما أنه إذا انعصر قلبه حزنا على ألم الفقد، وخوفا من النهاية انشرح صدره لهذا النعيم المقيم الذي لا يعتريه خوف من الفقد أو الموت فتأمل.

والله أعلم والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 13 جمادى الأولى 1442هـ/27-12-2020م, 11:29 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

تابع تطبيقات الدرس الثامن عشر

4. {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
في الآية الكريمة أسلوب استثناء، استخدمت فيه أداة الاستثناء إلا.
جاء في الدرس أن الراجح من تعريف أهل اللغة للاستثناء هو: "إخراج جزء من كلّ بأداة ظاهرة" وأن له أنواعا ودلالات وأن "أسلوب الاستثناء من الأساليب البيانية التي تكرر استعمالها كثيراً في القرآن الكريم لأغراض بيانية بديعة واسعة الدلالات".
وفيما يلي محاولة لتطبيق ما يسر الله فهمه من الدرس على الآية راجية من الله المعونة ومنكم التفضل بالتصويب.

ملاحظة: أقتصر بإذن الله على قراءة ظُلِم بضم الظاء وكسر اللام لأن القراءة الأخرى ليست من العشر ولا من الشواذ لأربع المشهورة.

هل الاستثناء هنا مثبت أم منفي؟

الاستثناء هنا منفي بلا النافية، حيث وقع نفي محبة الله سبحانه وتعالى على الجهر بالسوء، أو على من جهر بالسوء، وهو المستثنى منه.

هل الاستثناء هنا تام أو ناقص؟
يمكن أن يكون تاما باعتبار أن المستثنى منه مذكور وهو {الجهر} والمستثنى محذوف تقديره إلا جهر من ظلم.
ويمكن أن يكون ناقصا باعتبار أن المستثنى منه مقدر وهو (أحد) فتكون الجملة: "لا يحب الله الجهر من أحد بالسوء من القول إلا من ظلم"، أو "لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم".

هل الاستثناء هنا متصل أو منقطع؟
يمكن أن يكون متصلا إذا:
- قدرنا محذوف في المستثنى: (جهر من ظلم) ليوافق المستثنى منه {الجهر}
- قدرنا محذوف في المستثنى منه: (من أحد) ليوافق المستثنى: {من ظلم}، أو قدرنا فاعل المصدر {الجهر} بــ: (أن يجهر أحد) ليوافق المستثنى: {من ظلم}
ويمكن أن يكون منقطعا إذا:
قلنا إن المستثنى وهو {من ظلم} مخالف لجنس المستثنى وهو {الجهر بالسوء} والجملة في معنى الاستدراك.

نخلص إلى أن الاحتمالات في أسلوب الاستثناء في الآية:

- منفي تام متصل
- منفي تام منقطع
- منفي ناقص متصل
- أما كونه منفي ناقص منقطع فلا يتأتى لأن تقدير المستثنى يجعله متوافقا مع المستثنى منه.

وكل حالة تعطي معنا مختلفا يدل على سعة المعاني المحتملة لهذه الآية الكريمة على وجازة لفظها
قال ابن عطية بعد أن فسر هذه الآية والتي تليها: ففي هذه الألفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها.
وقال ابن عاشور: وَالْمَقْصُودُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ قُضِيَ فِي الْكَلَامِ حَقُّ الْإِيجَازِ.

وفيما يلي بيان لمعنى الآية وإعراب المستثنى وفقا لكل حالة:

الحالة الأولى: أن يكون الاستثناء منفي تام متصل:
وهي الحالة التي نقدر فيها أن المستثنى منه مذكور وهو {الجهر} فيكون الاستثناء تاما، وهو في الوقت نفسه متوافق مع المستثنى بتقدير {جهر من ظلم}.
فيكون المعنى: أنه سبحانه لا يحب هذا الفعل وهو الجهر بالسوء إلا في حال الحاجة لدفع الظلم.
ومن حيث الإعراب: فالإتباع أولى مع جواز النصب على الاستثناء، فيكون إعراب{من} اسم موصول مبني في محل جر بالإضافة، ويجوز أن يكون في محل نصب على الاستثناء.


الحالة الثانية: منفي تام منقطع:
وهي الحالة التي نقدر فيها أن المستثنى منه مذكور وهو {الجهر} فيكون الاستثناء تاما، ولكن المستثنى {من ظلم} ليس من جنس المستثنى منه.
فلا يكون الاستثناء هنا حقيقيا، وإنما جاء على سبيل الاستدراك، ويصح وضع لكن مكان إلا
فيكون المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ولكن من ظلم فله أن يجهر.
ومن حيث الإعراب: فالنصب فيه لازم عند الحجازيين ولا يجيزون الإتباع، وأما تميم فتتبعه، فيكون إعراب {من} هنا اسم موصول مبني في محل نصب على الاستثناء.

الحالة الثالثة: منفي ناقص متصل:
وهي الحالة التي نقدر فيها المستثنى باعتباره غير مذكور فيكون: (لا يحب الله الجهر من أحد بالسوء)، أو: (لا يحب الله أن يجهر بالسوء أحد) وهو في الوقت نفسه متوافق مع المستثنى منه الذي يقدر ب(إلا أحد ظلم) أو يبقى على معناه (من ظلم).
فيكون المعنى: أن سبحانه لا يحب الانسان الذي يجهر بالسوء من القول إلا في حالة كونه يدفع الظلم عن نفسه.
ومن حيث الإعراب: فله وجه واحد هو الإتباع فيعرب بحسب العامل فيه فيكون {من} في محل جر على البدلية من المستثنى منه المقدر (من أحد)، أو في محل رفع على البدلية من الفاعل المقدر(أحد).

وللمفسرين كلام وتفصيل حول معنى الظلم المستثنى هنا، وحدود دفعه، وما يجوز منه ومالا يجوز والأولى من ذلك وخلافه، كما أن لهم ولمن ألف في إعراب القرآن تفصيلات في إعراب المستثنى وأقوال في حالات إعرابه فجزاهم الله عنا خير الجزاء.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 13 شوال 1443هـ/14-05-2022م, 02:26 PM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:
1: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}

الأصل في أسلوب الشرط أن يفيد تعليق جواب الشرط بجملة الشرط لمناسبة.
ويضاف إليه في هذا المثال: بيان الحال، والاحتجاج.
قال ابن عاشور: المعنى : لو أن كتاباً من الكتب السالفة اشتمل على أكثر من الهداية فكانت مصادر لإيجاد العجائب لكان هذا القرآن كذلك ولكن لم يكن قرآنٌ كذلك ، فهذا القرآن لا يتطلب منه الاشتمال على ذلك إذ ليس ذلك من سُنن الكتب الإلهية .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:(أَيْ: لَوْ كَانَ فِي الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ كِتَابٌ تَسِيرُ بِهِ الْجِبَالُ عَنْ أَمَاكِنِهَا، أَوْ تُقَطَّعُ بِهِ الْأَرْضُ وَتَنْشَقُّ(١) أَوْ تُكَلَّمُ(٢) بِهِ الْمَوْتَى فِي قُبُورِهَا، لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ هُوَ الْمُتَّصِفُ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِعْجَازِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَنْ آخِرِهِمْ إِذَا اجْتَمَعُوا أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَلَا بِسُورَةٍ مِنْ مَثَلِهِ، وَمَعَ هذا فهؤلاء المشركون كافرون به، جَاحِدُونَ لَهُ).

وجواب { لو } محذوف لدلالة المقام عليه .

وقيل: الجواب متقدم, وهناك أقوال للفراء والزجاج في جواب الشرط, وبحسب أقوالهم يتغير معناه, فلعلك ترجعين إليها.

ويفيد ذلك معنى تعريضياً بالنداء عليهم بنهاية ضلالتهم ، إذ لم يهتدوا بهدي القرآن ودلائله.

لم تتكلمي عن (بل).

2: قول الله تعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ }.
و"لولا" هنا الامتناعية، وهي حرف امتناع لوجود، وجواب الشرط هنا مذكور بعد جملة الشرط، ورابط جواب الشرط هو اللام، وهذه "اللام" اختلف فيها فقيل هي "لام" جواب القسم، وقيل "لام" التوكيد، وهو أظهر.
والأصل في أسلوب الشرط أن يفيد تعليق جواب الشرط بجملة الشرط لمناسبة.
ويضاف إليه في هذا المثال: بيان السبب، والتحذير.
قال القرطبي: ولولا فضل الله عليك ورحمته ما بعد لولا مرفوع بالابتداء عند سيبويه ، والخبر محذوف لا يظهر ، والمعنى : ولولا فضل الله عليك ورحمته بأن نبهك على الحق ، وقيل : بالنبوءة والعصمة . لهمت طائفة منهم أن يضلوك عن الحق.

من الأمور المطلوبة في هذا السؤال؛ بيان المعاني التي دل عليها أسلوب الشرط في الآية مع الاستشهاد بكلام المفسرين, وقد ذكر بعضهم معان مختلفة تُفهم من الآية .

اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
(1) قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}

جواب النهي في قوله "لتأكلوا" في موقع التعليل.

لم تشرحي المسائل المتعلقة به!

‏(2) قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَد جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}
جواب النهي في قوله "فيأخذكم" لبيان العاقبة.
واقتران خبر المبتدأ الموصول أو الموصوف "بالفاء" يفيد تقوية ربط الخبر بالمبتدأ، وتنزيلهما منزلة الشرط والجزاء أو الطلب وجوابه؛ فيكون المبتدأ مقتضياً للخبر أو سبباً له.

لم تتكلمي عن صيغة الأمر وفوائد إضافة (الناقة) و (الأرض) إلى الله وأثر ذلك على ما أمروا به, وغيرها من المسائل.

بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:
2: قول الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ}

قال القرطبي: قوله تعالى : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أي لا يذوقون فيها الموت البتة لأنهم خالدون فيها . ثم قال : إلا الموتة الأولى على الاستثناء المنقطع.
وقيل : إن ( إلا ) بمعنى بعد ، كقولك : ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك ، أي : بعد رجل عندك . وقيل : ( إلا ) بمعنى سوى ، أي : سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا ، كقوله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف . وهو كما تقول : ما ذقت اليوم طعاما سوى ما أكلت أمس . وقال القتبي : إلا الموتة الأولى معناه أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة ويلقى الروح والريحان ، وكان موته في الجنة لاتصافه بأسبابها ، فهو استثناء صحيح .
وقال ابن جرير: وليس للذي قال من ذلك عندي وجه مفهوم, لأن الأغلب من قول القائل: لا أذوق اليوم الطعام إلا الطعام الذي ذقته قبل اليوم أنه يريد الخبر عن قائله أن عنده طعاما في ذلك اليوم ذائقه وطاعمه دون سائر الأطعمة غيره.
‎وإذ كان ذلك الأغلب من معناه وجب أن يكون قد أثبت بقوله ( إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى ) موتة من نوع الأولى هم ذائقوها, ومعلوم أن ذلك ليس كذلك, لأن الله عزّ وجلّ قد آمَن أهل الجنة في الجنة إذا هم دخلوها من الموت, ولكن ذلك كما وصفت من معناه. وإنما جاز أن توضع " إلا " في موضع " بعد " لتقارب معنييهما في هذا الموضع وذلك أن القائل إذا قال: لا أكلم اليوم رجلا إلا رجلا بعد رجل عند عمرو قد أوجب على نفسه أن لا يكلم ذلك اليوم رجلا بعد كلام الرجل الذي عند عمرو.
وقال ابن عاشور: والاستثناء في قوله : { إلا الموتة الأولى } من تأكيد الشيء بما يشبه ضده لزيادة تحقيق انتفاء ذوق الموت عن أهل الجنة فكأنه قيل لا يذوقون الموت البتة وقرينة ذلك وصفها ب { الأولى } .

لو رتبت الأقوال ووضحتيها بأسلوبك الخاص مع نقل أقوال المفسرين, وقد قال ابن القيم في الآية: (وهذا معنى حسن جدا يفتقر إلى مساعدة اللفظ عليه، ويوضحه أنه ليس المراد إخراج الموتة الأولى من الموت المنفي، ولا ثم شيء متوهم يحتاج لأجله إلى الاستثناء، وإنما المراد الإخبار بأنهم بعد موتتهم الأولى التي كتبها الله عليهم لا يذوقون غيرها.
وعلى هذا فيقال لما كان ما بعد إلا حكمه مخالف لحكم ما قبلها، والحياة الدائمة في الجنة إنما تكون بعد الموتة الأولى كانت أداة (إلا) مفهمة هذه البعدية، وقد أمن اللبس لعدم دخولها في الموت المنفي في الجنة، فتجردت لهذا المعنى. فهذا من أحسن ما يقال في الآية فتأمله.).


3: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}
قوله : ( إلا خطأ ) فيه قولان :
الأول : أنه استثناء متصل ، والذاهبون إلى هذا القول ذكروا وجوها :
الأول : أن هذا الاستثناء ورد على طريق المعنى ، لأن قوله : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ) [النساء : 92 ] معناه أنه يؤاخذ الإنسان على القتل إلا إذا كان القتل قتل خطأ فإنه لا يؤاخذ به .
الثاني : أن الاستثناء صحيح أيضا على ظاهر اللفظ ، والمعنى أنه ليس لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة إلا عند الخطأ . وهو ما إذا رأى عليه شعار الكفار ، أو وجده في عسكرهم فظنه مشركا ، فههنا يجوز قتله ، ولا شك أن هذا خطأ ، فإنه ظن أنه كافر مع أنه ما كان كافرا .
الثالث : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والتقدير : وما كان مؤمن ليقتل مؤمنا إلا خطأ ، ومثله قوله تعالى : ( ما كان لله أن يتخذ من ولد ) [ مريم : 35 ] تأويله : ما كان الله ليتخذ من ولد ، لأنه تعالى لا يحرم عليه شيء ، إنما ينفي عنه ما لا يليق به ، وأيضا قال تعالى : ( ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) [ النمل : 60 ] معناه ما كنتم لتنبتوا ، لأنه تعالى لم يحرم عليهم أن ينبتوا الشجر ، إنما نفى عنهم أن يمكنهم إنباتها ، فإنه تعالى هو القادر على إنبات الشجر .
الرابع : أن وجه الإشكال في حمل هذا الاستثناء على الاستثناء المتصل ، وهو أن يقال : الاستثناء من النفي إثبات ، وهذا يقتضي الإطلاق في قتل المؤمن في بعض الأحوال ، وذلك محال ، إلا أن هذا الإشكال إنما يلزم إذا سلمنا أن الاستثناء من النفي إثبات ، وذلك مختلف فيه بين الأصوليين ، والصحيح أنه لا يقتضيه لأن الاستثناء يقتضي صرف الحكم عن المستثنى لا صرف المحكوم به عنه ، وإذا كان تأثير الاستثناء في صرف الحكم فقط بقي المستثنى غير محكوم عليه لا بالنفي ولا بالإثبات ، وحينئذ يندفع الإشكال . ومما يدل على أن الاستثناء من النفي ليس بإثبات قوله عليه الصلاة والسلام : " لا صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بولي " ويقال : لا ملك إلا بالرجال ولا رجال إلا بالمال ، والاستثناء في جملة هذه الصور لا يفيد أن يكون الحكم المستثنى من النفي إثباتا والله أعلم .
الخامس : قال أبو هاشم وهو أحد رؤساء المعتزلة : تقدير الآية : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا فيبقى مؤمنا ، إلا أن يقتله [ ص: 182 ] خطأ فيبقى حينئذ مؤمنا ، قال : والمراد أن قتل المؤمن للمؤمن يخرجه عن كونه مؤمنا ، إلا أن يكون خطأ فإنه لا يخرجه عن كونه مؤمنا . واعلم أن هذا الكلام بناء على أن الفاسق ليس بمؤمن ، وهو أصل باطل ، والله أعلم .
القول الثاني : أن هذا الاستثناء منقطع بمعنى لكن ، ونظيره في القرآن كثير . قال تعالى : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة ) [ النساء : 29 ] وقال : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) [ النجم : 32 ] وقال : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ) [ الواقعة : 25 ] والله أعلم .
أحسنت نفع الله بك
ج+
يعض الملاحظات:
- الرجوع إلى عدد أكبر من التفاسير.
- بيان القراءات إن وجدت
- الاهتمام بمعنى الآية وبيانها, فهذا هو المقصود

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 13 شوال 1443هـ/14-05-2022م, 02:51 PM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيا أبوداهوم مشاهدة المشاركة
تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:

1: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}
أداة الشرط : لو ، وهو حرف شرط
معنى الشرط :
1)تأكيد النفي ، بمعنى بل الله قادر على الاتيان بما اقترحتوه .
ويفيد هنا أيضا معنى التعريض .
قال ابن عاشور : وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَعْنًى تَعْرِيضِيًّا بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِمْ بِنِهَايَةِ ضَلَالَتِهِمْ، إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهَدْيِ الْقُرْآنِ وَدَلَائِلِهِ وَالْحَالُ لَوْ أَنَّ قُرْآنًا أَمَرَ الْجِبَالَ أَنْ تَسِيرَ وَالْأَرْضَ أَنْ تَتَقَطَّعَ وَالْمَوْتَى أَنْ تَتَكَلَّمَ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ بَالِغًا ذَلِكَ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْكُتُبِ.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:(أَيْ: لَوْ كَانَ فِي الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ كِتَابٌ تَسِيرُ بِهِ الْجِبَالُ عَنْ أَمَاكِنِهَا، أَوْ تُقَطَّعُ بِهِ الْأَرْضُ وَتَنْشَقُّ(١) أَوْ تُكَلَّمُ(٢) بِهِ الْمَوْتَى فِي قُبُورِهَا، لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ هُوَ الْمُتَّصِفُ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِعْجَازِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَنْ آخِرِهِمْ إِذَا اجْتَمَعُوا أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَلَا بِسُورَةٍ مِنْ مَثَلِهِ، وَمَعَ هذا فهؤلاء المشركون كافرون به، جَاحِدُونَ لَهُ).

2)ويفيد معنى التهكم .
قال ابن عاشور :
فَكَانَ فِي ذِكْرِ، هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِشَارَةٌ إِلَى تَهَكُّمِهِمْ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ قُطِّعَتْ مَسَافَاتُ الْأَسْفَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [سُورَة الْأَنْعَام: 94] .
3)ولغرض التنبيه .
قال ابن عاشور :
فَحُمِلَ كَلَامُهُمْ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى بِهِمْ أَنْ يَنْظُرُوا هَلْ كَانَ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ قُرْآنٌ يَتَأَتَّى بِهِ مِثْلَ مَا سَأَلُوهُ.
4)معنى القصر .
قال ابن عاشور :
أَفَادَتِ الْجُمْلَتَانِ الْمَعْطُوفَةُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا مَعْنَى الْقَصْرِ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِ بَلْ مِنْ طُرُقِ الْقَصْرِ.
المسائل المتعلقة بها :
- تضمنت الاية : العطف على الشرط ب( أو) ، حيث عطفت جمل على جملة الشرط .
- بالنسبة لجواب الشرط: محذوف ، لدلالة الكلام على المحذوف ، لكن اختلفوا في حذفه وتقديره .

القول الأول : أنه محذوف وتقديره ، لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، وهو قول الأخفش و الزجاج وأبو حيان ، والزمخشري
القول الثاني: أنه مقدم ، وتقديره ،لَكَفَرْتُمْ بِالرَّحْمَنِ ، وهو قول الفراء وذكره البغوي وغيره .
الراجح :
رجح الكثيرون أنها محذوفه؛ لأنها أبلغ في العبارة وأعم للفائدة ، ورجح الزمخشري وغيره القول الأول ، لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار.


5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
أداة الشرط :( من) ، وهو اسم شرط
معنى الشرط بمعنى التنبيه ، فيكون المعنى تنبيها للخلص من المؤمنين بأن لا ييأسوا من نصر الله في الدنيا والآخرة ، وذكر ذلك ابن عاشور .
المسائل المتعلقة :
نوع( من) :
اختلفوا فيه على قولين :
الأول : أنها شرطية .
وعلى هذا فيكون الاستناء منقطع .
الثاني : أنها موصولة .
وعلى هذا يكون الاستثناء متصل .
الراجح :
رجح محي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه القول الأول .

جواب الشرط :
فليمدد : جواب الشرط وسبقه لام الأمر لذلك نجده مجروم هنا ، لأن الأصل أنه يكون فعل مضارع مرفوع بعد الفاء ، لكن هنا جاءت لام الأمر فجزمت الفعل المضارع ، ومعناه هنا للتعجيز ، ولكن هنا تعليق الجواب على حصول الشرط لا يقع ، كما ذكر ذلك ابن عاشور .

لم تتكلمي عن روابط جواب الشرط, أو عن معاني الآية المختلفة التي ذكرها المفسرون وما أفادته.

تطبيقات الدرس السابع عشر:
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:

(3) قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}
الاستفهام في الاية في قوله ( أفلم ) ، في الهمزة ، ولم حرف جزم تفيد النفي .
والاستفهام هنا بمعنى التعجب ،وهو أيضا استفهام انكاري .
والاستفهام هنا أيضا فيه تهديد مبطن .
الفاء في قوله ( فتكون ) : سببية جوابية مسببه لما بعدها على السير ، كما ذكر ذلك ابن عاشور .
فبما أن الفاء هنا سببيه فيكون جواب الطلب فعل مضارع منصوب ، وهنا منصوبة بأن المضمرة لأنها بعد فاء السببية .
وجواب الطلب ( فتكون ) جاءت بعد نفي .
قال ابن عاشور : أَيِ انْتَفَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ وَآذَانٌ بِهَذِهَ الْمَثَابَةِ لِانْتِفَاءِ سَيْرِهِمْ فِي الْأَرْضِ. وَهَذَا شَأْنُ الْجَوَابِ بِالْفَاءِ بَعْدَ النَّفْيِ أَنْ تَدْخُلَ الْفَاءُ عَلَى مَا هُوَ مُسَبَّبٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ لَوْ كَانَ ثَابِتًا

لم تتكلمي عن الأثر في المعنى

(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}
كونوا : فعل أمر
وتهتدوا : جواب الأمر ، في معنى الشرط لذلك كان مجزوما ، وقد ذكر ذلك الزجاج .
والمعنى أنه إن لم يكن يهوديا لا يكون مهتديا ، وإن لم يكن نصرانيا لا يكون مهتديا .

لم تتكلمي عن النفي في الآية, والإجابة مختصرة.

تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:

1: قول الله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ}
اختلفوا في نوع الاستثناء في الآية على قولين :
القول الأول : استثناء متصل.
و هذا القول مبني على عموم لفظة الناس ، وأن أل في ( الناس ) للاستغراق .
والمعنى : أنه لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة للذين ظلموا، و يشمل ذلك اليهود وغيرهم .
القول الثاني : استثناء منقطع ، فيقدر بلكن عند البصريين ، وب بل عند الكوفيين .
وهذا القول باعتبار أن الناس هم اليهود فقط .
قال ابن عادل : والتقدير: لكن الذين ظلموا، فإنهم يتعلقون عليكم بالشبهة يضعوناه موضع الحجة .
وهذا القول ضعفه ابن عطية وغيره .
والقول الأول هو الذي رجحه ابن جرير وابن عطيه وذكره الزمخشري .

وهناك أقوال أخرى في معنى ( إلا ) ، فذكر ابن عادل في اللباب في علوم الكتاب ، قولين آخرين :
القول الثالث : معنى ( إلا ) بمعنى الواو العاطفة، و تقدير ذلك : ولا الذين ظلموا، وهذا القول خطأه النحاة والزجاج وغيره.
القول الرابع : معنى ( إلا ) بمعنى بعد ، أي: بعد الذين ظلموا،وهذا من أفسد الأقوال وأضعفها ، وقد بين ضعف ذلك ابن عادل أيضا .

5: قول الله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا}
الاستثناء في قوله : ( لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا )
اختلفوا على نوع الاستثناء على قولين :
القول الأول :
استثناء منقطع ، لأن المستنثى ليس من جنس المستثنى منه ، فالواو في قوله ( يملكون ) عائدة على المجرمين ،فهم لا يستحقون أن يشفع فيهم غيرهم ، لكفرهم ، وهو قول ذكره ابن عطية وابن عاشور .
والمعنى :
لكن يملك الشفاعة يومئذ من اتخذ عند الرحمن عهدا .
وقال أبو السعود :
والمستثنى مرفوعٌ على البدل أو منصوبٌ على الأصل والمعنى لا يملك المجرمون أن يَشفع لهم إلا مَنْ كان منهم مسلماً.

القول الثاني : استثناء متصل ، وهو قول ذكره ابن عطية وغيره .
ومحل المستثنى إما الرفع على البدل أو النصب على أصل الاستثناء.
وهذا القول على اعتبار أن المستثى من جنس المستثى منه ، وأن الواو في قوله ( يملكون ) عائدة على ( المتقين ) .
فيكون المعنى أنه إلا المؤمنون فإنهم يشفع بعضهم بعضا .
قال الشنقيطي في أضواء البيان :
أَيْ: لَا يَمْلِكُ مِنْ جَمِيعِهِمْ أَحَدٌ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَالْعَهْدُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، أَيْ: إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فَإِنَّهُمْ يَشْفَعُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا)
والقول الأول هو اختيار أبو البقاء وابن عاشور والزمخشري وغيرهم .
أحسنت نفع الله بك
ب

يعض الملاحظات:
- الرجوع إلى عدد أكبر من التفاسير.
- بيان القراءات إن وجدت
- الاهتمام بمعنى الآية وبيانها, فهذا هو المقصود

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 14 شوال 1443هـ/15-05-2022م, 10:52 AM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علاء عبد الفتاح محمد مشاهدة المشاركة
تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:
2: قول الله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}.

أداة الشرط هنا هي: "لولا" وهي تأتي لأحد معنيين:
الأول: الامتناع فهي حرف امتناع لوجود
والثاني: التحضيض؛ وفي هذه الحالة لا تستدعي جوابا وإنما يفهم معنى التحضيض من سياق الكلام كأن يكون تحضيضا حقيقة، أو تهكما يحمل التحضيض، أو توبيخا أو عتابا يحمل عليه.
وقوله تعالى هنا: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}.
هو من الأول فلولا هنا أداة شرط تفيد امتناع لوجود،
وجوابها: "لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ"

وقيل الجواب محذوف.
قال الألوسي: (وجوز أبو البقاء أن يكون الجواب محذوفا، والتقدير: ولولا فضل الله عليك ورحمته لأضلوك، ثم استأنف بقوله سبحانه: (لهمت) أي: لقد همت بذلك.)

والمعنى: أنه لوجود فضل الله عليك ورحمته امتنع أن يضلوك

ويؤكد هذا ما جاء في تفسير الآية حيث حكي أن لها سبب نزول وهي قصة بني أُبَيْرِق، ففيها الهم بإضلال الرسول عن الحقيقة بأن يخبر بما يخالفها لوجود المتاع المسروق في دار غير السارق -وهو اليهودي- ولكن لأن الله عصم النبي عن الضلال في العلم فأخبره بحقيقة الأمر فلم يقع إضلال الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا فضل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ورحمته به.

وفي كتاب اعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش وجدت أنه زاد أن "لولا" لا تقتضي انتفاء جوابها لوجود شرطها، ولكن المنفي في الحقيقة أثر الهمّ،
فيكون المقصود امتناعه هو أثر الإضلال وليس هو اضلال للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم إن حكم في هذه القضية بما ظهر له وبالقرائن الموجودة فلا يكون ضالا عن الحق صلى الله عليه وسلم بل هو حكم بما ظهر له، ولا حرج عليه في ذلك ولكن الحرج والاثم والضلال لاحق بمن زور الحقيقة ليبرئ نفسه ويلقي بالتهمة على غيره،
ويدل لهذا المعنى الحديث المروي عن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها:
أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.


4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}

أداة الشرط هنا هي: "لما" وهي تأتي على نوعين:
الأول: متمحضة للظرفية لا تستدعي جواباً
والثاني: حرف وجود لوجود، فتستدعي جواباً، وفيها معنى الظرف، والوارد في الآية هنا هو هذا النوع ولكن حذف جواب الشرط هنا فإن قوله تعالى "ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها" هي جملة اعتراضية وليست هي جواب الشرط وهذا هو اختيار شيخنا حفظه الله .

ووجدت أن الشوكاني قد ذكر أنها جواب للشرط حيث قال: " وَجَوَابُ لَمَّا مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ ذَلِكَ الدُّخُولُ مِنَ اللَّهِ أَيْ مِنْ جِهَتِهِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْحَذَرَ لَا يَدْفَعُ الْقَدَرَ إلى أن قال: وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ الدُّخُولُ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ قَضَى ذَلِكَ الدُّخُولُ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ لِوُقُوعِهِ حَسَبَ إِرَادَتِهِ " انتهى من فتح القدير

فيكون المعنى أنهم لما دخلوا من الأبواب المتفرقة، فقد تم تنفيذ أمر أبيهم ووصيته لهم وهي من الأخذ بالأسباب ولا يغير ذلك من قدر الله شيئا.

وقال محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) الجملة جواب لما وقيل الجواب هو آوى اليه أخاه قال أبو البقاء وهو جواب لما الأولى والثانية،) انتهى.

لو رتبت ما جاء في جواب الشرط من أقوال لتوضيحها.

تطبيقات الدرس السابع عشر:
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
(1) قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}

ينهى سبحانه وتعالى في هذه الآية عن أكل الأموال بغير حق ظلما وعدوانا فقال " وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" وهذا طلب فيه النهي عن ذلك ،
ثم عطف سبحانه بالنهي عن صورة أخرى وهي قوله " وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ" فيأكل المال بالباطل برفع الأمر للحكام ليتوصل بهذا لأكل هذا المال وهذه صورة أعلى من الصورة الأولى وأشنع منها لأنها جمعت محرمات كثيرة، واحتمل أن يكون المراد بالإدلاء إعطاء المال للحكام رشوة لهم لكي يحكموا بالباطل
وقيل إن الواو ليست عاطفة بل هي واو المعية وعلى هذا يكون المراد تلازم الأمرين معا وهو من رفع الأمر للحكام مع دفع بعض ماله إليهم ليحكموا له فيأكل مال غيره بالباطل وهذه هي صورة الرشوة فتكون الآية خاصة الرشوة للاعتناء بالنهي عنها وتبيين شدة خطرها.
جاء في مصحف أبي: "ولا تدلوا" بتكرار حرف النهي

ثم قال تعالى في جواب الطلب : (لِتَأْكُلُوا) اللام للتعليل، وتأكلوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة

في الآية معان كثيرة دل عليها أسلوب سياقها؛ لو بينتها

(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}

جواب الطلب في الآية هو قوله تعالى " فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" فهو خبر للموصول "من" قائم مقام جواب الشرط ولذلك قرن بالفاء
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير " وَوَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ [سُورَة البروج: 10] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِلَى قَوْلِهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [34]) انتهى.
وقوله تعالى " ِإلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا" استثناء ليخرج صنف من الناس من العموم المذكور في مطلع الآية وهو من وقع فيه مكرهاً وأكد هذا بالاستدراك في قوله "ولكن من شرح بالكفر صدار" مؤكدا على أن العموم هو لمن
رضي وأراد الكفر لا من أُكره عليه .

لم تذكر الأقوال في (من) ولم تبيني معان الآية

تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:
1: قول الله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ}

=الاستثناء في الآية الكريمة هو النوع التام المنفي،
-فهو تام لأن المستثنى منه مذكور وهو "الناس" ،
-وهو منفي لوجود لا النافية في قوله تعالى "لئلا" فهي لام التعليل دخلت على أن مدغمة في لا النافية فتؤيلها: لأن لا.

=وأداة الاستثناء هي "إلا" وهي أشهر أدواته،
=والمستثنى هو: "الذين" وقوله "ظلموا منهم" هي صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

=والمعنى المراد في الآية: هو التأكيد لئلا تبقى للمعاندين حجة في نظرهم أو ثغرة يتسرّبون إلى الإرجاف عن طريقها إلا من استثني وهم "الذين ظلموا منهم"

=وقيل في معنى الاستثناء هنا أقوال ترجع إلى قولين:
-الأول: أنه استثناء منقطع فيكون معناه: لكن الذين ظلموا منهم يتعلقون بالشبهة ويحاولون الإرجاف.
وفي نفس المعنى من قال إن "إلا" هنا بمعنى "الواو" وهذا ذكره الجصاص عن أبي عبيدة فكأنه قال لئلا يكون للناس عليكم حجة ولا الذين ظلموا، ثم ذكر أن الفراء أنكره وأن أكثر أهل اللغة وأن الفراء قال: لا تجئ إلا بمعنى الواو إلا إذا تقدم استثناء.
-والثاني: أنه استثناء متصل وأنه أراد بالحجة المحاجة والمجادلة؛ فيكون معناه: لئلا يكون للناس عليكم حجاج إلا الذين ظلموا منهم فهم يحاجونكم بالباطل.

جاء عن أبي عبيدة أن (إلا) بمعنى الواو

4: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}
=يخبر سبحانه وتعالى أنه لا يجب أن يجهر أحد بالسوء، ثم استثنى من ذلك من ظلم ،
=والاستثناء هنا منقطع منفي
-فهو منفي لوجود لا النافية في صدر الآية،
-وهو منقطع لأن جهر من وقع عليه الظلم ليس من الجهر بالسوء.
=وإذا كان الاستثناء منقطعاً فالنصب فيه لازم عند الحجازيين ولا يجيزون الإتباع، وأما تميم فتتبعه على أنه بدل.
=وعليه فإن الاستثناء وهو قوله تعالى: "من ظُلم"
"مَن" هنا وصلتها "ظُلم": في محل نصب على مذهب الحجازيين ويجوز عند تميم أن تكون بدل.
=ومعنى الاستثناء هنا أن الله لا يحب الجهر من السوء إلا من ظلم فله أن يجهر كأن يقول فلان ظلمني ونحو ذلك.
وعلى هذا يكون الاستثناء من الأول
قال ابن عباس وقتادة: "إلا أن يدعو على ظالمه" وعن مجاهد رواية: "إلا أن يخبر بظلم ظالمه له". وعنه أنها في الضيافة وقيل غير ذلك مما يفسر به الظلم وعلى كل فالاستثناء هنا لإخراج المذكور من العموم في صدر الآية الكريمة.
-وفي إعراب القرآن للنحاس ذكر أنه يجوز أن تكون "مَن" في موضع رفع وعليه يكون معنى الاستثناء: لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء إلا من ظلم

لم تبين القراءات في الآية.

والله أعلم والحمد لله رب العالمين.
أحسنت نفع الله بك
ج+
يعض الملاحظات العامة:
- الرجوع إلى عدد أكبر من التفاسير.
- بيان القراءات إن وجدت
- الاهتمام بمعنى الآية وبيانها, فهذا هو المقصود

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 14 شوال 1443هـ/15-05-2022م, 11:05 AM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء احمد مشاهدة المشاركة
تطبيقات الدرس السادس عشر:*
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:*
1: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}
{لو } في هذه الآية شرطية ،ومعناها* هنا* على حسب جواب الشرط ،وفِي ذلك قولان :
القول الأولأنه متعلق بقوله : ﴿وَهم يَكْفُرُونَ بِالرَحْمَنِ﴾* وبذلك يكون* مَعْنى الآيَةِ الإخْبارَ عن الكفار أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ ولَوْ نَزَلَ قُرْآنٌ سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ أو قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أو كلم به الموتى ،و هَذا قول ابن عباس ومجاهد و الفَرّاءِ و غيرهم . وهو من المؤخر الذي معناه التقديم .*
وفِي هذا بَيانُ غلو* الكفرة في الكبر والعناد وإصرارهم على الضلال والفساد مهما رأو من الآيات .
القول الثاني : هو أن جَوابُ "لَوْ" مَحْذُوفٌ هنا لدلالة المقام عليه ، واختلفوا في تقديره على قولين :
1-أن تَقْدِيره :ولَوْ أنَّ قُرْآنًا يَكُونُ صِفَتُهُ كَذا لَما آمَنُوا بِوَجْهٍ، وهذا قول قتادة والضحاك وابن زيد* .
2- أن تقديره : لَكانَ هَذا القُرْآنُ الَّذِي يُصْنَعُ بِهِ هَذا،وفِي هذا تضمين لبيان عظمة* القُرْآنِ وعلو شأنه . قاله الزجاج وذكره ابن عطية* .
قال ابن عطية رحمه الله :وهَذا قَوْلٌ حَسَنٌ يُحَرِّرُ فَصاحَةَ الآيَةِ.
وقال الطبري: فتأويل الكلام إذاً: ولو أنّ قرآنًا سوى هذا القرآن كان سُيّرت به الجبال، لسُيّر بهذا القرآن, أو قُطَعت به الأرض لُقطعت بهذا, أو كُلِّم به الموتى، لكُلِّم بهذا, ولكن لم يُفْعل ذلك بقرآن قبل هذا القرآن فيُفْعل بهذا (45) بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا .
وقال ابن عاشور : ويفيد ذلك معنى تعريضيا بالنداء عليهم بنهاية ضلالتهم ، إذ لم يهتدوا بهدي القرآن ودلائله ، والحال لو أن قرآنا أمر الجبال أن تسير والأرض أن تتقطع والموتى أن تتكلم لكان هذا القرآن بالغا ذلك ولكن ذلك ليس من شأن الكتب ، فيكون على حد قول أبي بن سلمى من الحماسة :*
ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر
يتبين لنا من هذه الأقوال أن القول الراجح والله أعلم هو أن جَوابُ (لو ) محذوف ومعناها هنا بيان عظمة القرآن وعلو شأنه ،ولا يمنع من ذلك دخول المعاني الاخرى في الآية من الإخبار عن إصرار الكافرين وعنادهم وتماديهم في الكفر والضلال وبيان مآلهم إذا لم يهتدوا بهذا القرآن العظيم .
2: قول الله تعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ
*يُضِلُّوكَ }.

( لولا )هنا حرف شرط غير جازم ،وهي حرف امتناع ،ومعناها هنا على حسب جوابها ، وفِي ذلك وجهان كما ذكر المفسرون :*
الأول : الجواب قوله ( لهمت ) وهو الأظهر .
ومن قال* بهذا جعل المعنى إمَّا بتَخْصيص الهَمِّ، أي: لَهَمَّتْ هَمّاً يؤثِّر عندك .
وإما بتخصيص الإضْلال، أي: يُضِلُّوك عن دينك وشريعتك.
والثاني: أن الجواب* مَحْذُوفٌ، أي: لأضلُّوك،واستأنف: «لَهَمَّتْ» أي: لقد هَمَّتْ.
والقائلون بهذا القول استشكلوا كَوْنَ قوله: «لهمتْ» جواباً؛ لأنَّ اللَّفْظ يقتضي انْتِفَاء هَمِّهم بذلك، والغرضُ: أنَّ الواقع كوْنُهم همُّوا على ما يُرْوَى في الأثر ؛ فلذلك قدَّره مَحْذُوفاً.*
ذكر هذه الأقوال ابن عادل في اللباب .

تطبيقات الدرس السابع عشر :*
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:*
(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}
اختلف في معنى* ( من )* في هذه الآية الكريمة على قولين :*
1-قيل : أنها موصولة ،وهي مبتدأ ويكون خبرها قوله ( فعليهم غضب من الله ) وسبب اقتران الخبر بالفاء لأن في المبتدأ شبها بأداة الشرط .
2-قيل : أنها شرطية ، فلا يراد بالشرط معين ،وإنما يكون المراد به التحذير أي : تحذير المسلمين من الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان ، والماضي في الشرط ينقلب إلى معنى المضارع ، وعلى هذا يكون جَواب ( من ) قوله تعالى :( فعليهم غضب من الله )والتحذير حاصل على كلا المعنيين كما ذكر ابن عاشور .

(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}*
جَوابُ الأمر في الآية الكريمة قوله ( تهتدوا )وهو على تقدير شرط يفيد مفهوم الشرط*
ويكون معناه على ذلك :( أن اليهود والنصارى لا يرون من لم يكن على ملتهم مهتديا ، وبهذا نفوا الهدى عن متبع ملة إبراهيم عليه السلام وهذا يُبين مدى غرورهم وعجبهم بأنفسهم ) .
والمسألة الثانية هنا هي في سبب الجزم في ( تهتدوا ) :
قيل : جزم ب( إن ) المقدرة* ، وقيل : جزم على الجواب للأمر، وإنما معنى الشرط قائم في الكلمة لجزمه على الحقيقة جَوابُ الجزاء كما ذكر الزجاج .

تطبيقات الدرس الثامن عشر:*
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:*
3: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}*
في معنى الاستثناء في قوله (إِلاَّ خَطَئاً) أرْبَعة أوجُه:
أحدُها: أنه اسْتثنَاء منقَطِع إنْ أُريد بمعناه النفي .
والثاني : أنه مُتصلٌ إنْ أُريد بالنَّفْي التحريمُ*
ويكون المعنى :إلا خطأ بأن عَرَفَه أنَّه كَافر فَقَتَله، ثم كَشَف الغيبُ أنه كان مؤمناً.
الثالث: أنه استِثْنَاء مُفَرَّغ
الرابع: : أن تكون «إلا» بمعنى «ولا» والتقدير: وما كان لمُؤمِنٍ* أن يَقْتُل
مُؤمِنَاً عَمْداً ولا خَطَا، ذكره بعضُ أهْلِ العِلمُ،*
ورد الفَرَّاء هَذا القَوْلَ؛ بأن مثل ذلك لا يجوزُ، إلا إذا تقدَّمه استِثْنَاءٌ آخر، فيكونُ الثَّانِي عطفاً عليه: وزعم غيره أنَّ «إلا» تكون عَاطِفَة بمعنى الوَاو من غَيْر شَرْطِ.
4: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}
في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما: أنه متصل ،وعلى هذا يكو ن مستثنى من (أحد) المقدرِ الذي هو فاعلٌ للمصدر، وهذا مذهب الفراء.*
فإن قلنا أن الاستثناء متصل يتحصل من ذلك أن في «مَنْ» أربعةُ أوجه: الرفع من وجهين، وهما البدلُ من «أحَد» المقدَّر، أو الفاعليَّة؛ على كونه مفرَّغاً، والنصبُ؛ على أصلِ الاستثناء من «أحد» المقدَّر، أو من الجهر؛ على حَذْفِ مضاف.
والقول الثاني : أن الاستثناء منقطعٌ، تقديرُه: لكنْ مَنْ ظُلِم له أن ينتصف من ظالمه بما يوازي ظلامتَه فتكون «مَنْ» في محل نصب فقط على الاستثناء المنقطع.
كما ذكر ابن عادل في اللباب .

لم تبيني القراءات في الآية.
أحسنت نفع الله بك
ج+
الإجابات يغلب عليها الاختصار والنسخ

يعض الملاحظات العامة:
- الرجوع إلى عدد أكبر من التفاسير.
- بيان القراءات إن وجدت
- الاهتمام بمعنى الآية وبيانها, فهذا هو المقصود

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 14 شوال 1443هـ/15-05-2022م, 11:38 AM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منيرة محمد مشاهدة المشاركة
أدّ تطبيقين من تطبيقات كلّ درس من الدروس التالية:
تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:
3 : قول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)}
أسلوب الشرط من الأساليب التي تكرر في القرآن الكريم، وتعدد أغراضه البيانية، وتشتمل مواضعه في القرآن على لطائف بديعة، وفوائد عجيبة .

قوله : إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)}
إلا أداة استثناء
" مَنْ " أداة شرط
*معاني أداة الشرط :
- بيان ترتّب الأثر وتحقق الجزاء : تدل الآية أنه مَن تاب مِن ذنبه وآمن بربه وعمل صالحًا تصديقًا لتوبته، فأولئك يقبل الله توبتهم، ويدخلون الجنة مع المؤمنين، ولا يُنقَصون شيئًا من أعمالهم الصالحة.
- التنبيه : فيها تنبيه عَلى أن كفرهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم إذا تابوا .
* المسائل المتعلقة به :
يعتمد معنى "من" على الأسلوب الذي وردت فيه ، قال ابن عطية : ﴿إلا من تاب﴾ "استثناء يحتمل الاتصال والانفصال" .
قال الزجاج: « الاستثناء منقطع، ويكون المعنى: ”لكن من تاب وآمن“ وهذا بناء منه على أن المضيع للصلاة من الكفار.
قال محيي الدين درويش "إذا كان الاستثناء منقطعاً كانت إلا بمعنى لكن "ومن" مستثنى واجب النصب ووجه الانقطاع أن المستثنى منه كفار والمستثنى مؤمنون" .
- إذا اعتبر الاسستثناء متصلا كانت "من" موصولة، فيكون الخطاب صالح لكل أمة وفيها من آمن ومن كفر وهو ظاهر الآية .
- قال محيي الدين درويش "هذا هو واجب النصب لأن الكلام تام موجب" .
- وقال ابن كثير وهذا الاستثناء هاهنا كقوله في سورة الفرقان: ﴿والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما﴾
- قال الشنقيطي بعد تفصيل لمسائل الآية : قال مقيده عفا الله عنه : وكل هذه الأقوال تدخل في الآية؛ لأن تأخيرها عن وقتها، وعدم إقامتها في الجماعة، والإخلال بشروطها، وجحد وجوبها، وتعطيل المساجد منها كل ذلك إضاعة لها، وإن كانت أنواع الإضاعة تتفاوت، وقال:وعلى كل حال فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

لم تتكلمي عن جواب الشرط أو الفاء أو القراءات

4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}
"لمّا" الحينية حرف شرط مختص بالماضي .
* مسائل الآية :
أورد الحلبي أن لجواب "لمّا" هذه ثلاثة أوجه:
الأول: أن جواب هو الجملة المنفية من قوله :(ما كان يغني)
الثاني: أن جوابها محذوف، وقدره أبو البقاء: «امتثلوا وقضوا حاجة أبيهم» ، وإليه نحا ابن عطية .
الثالث: أن الجواب هو قوله: «آوى .
والذي يظهر أن أن جملة {ما كان يغني عنهم} اعتراضية وليست جواب "لمّا".
*معاني الشرط :
- بيان السبب : وذلك خوفاً عليهم العين، لكثرتهم وبهاء منظرهم، لوكونهم أبناء رجل واحد، وهذا سبب.
- بيان الحال : وصفت لنا هذه الآية حالهم حيث دخلوا متفرقين امتثالا لأمر أبيهم الذي أمرهم بهذا خوفاً وشفقة عليهم.

*تطبيقات الدرس السابع عشر:
اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
3) قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}

1- الهمزة للاستفهام الإنكاري : إن كانوا قد سافروا، أو للحث على السفر ليروا مصارع من تقدمهم .
2- ويكون الاستفهام تعجبي : أي تعجباً من حالهم في عدم الاعتبار بمصارع الأمم المكذبة لأنبيائه.
والتعجيب متعلق بمن سافروا منهم ورأوا شيئا من تلك القرى المهلكة ، وبمن لم يسافروا ..
لأن من شأن المسافرين أن يخبروا القاعدين بعجائب ما شاهدوه في أسفارهم .
والمقصود بالتعجب هو حال الذين ساروا في الأرض ..
وجعل الاستفهام داخلا على نفي السير؛ لأن سير السائرين منهم لما لم يفدهم عبرة وذكرى جعل كالعدم فكان التعجب من انتفائه .

والاستفهام فيه تهديد مبطن لهم

- قوله: «فَتَكُونَ»
- الفاء سببية
- "تكون"
والفعل المضارع هنا في صيغة تحتمل أن يكون منصوباً في جواب الاستفهام -وقيل منصوباً على جواب النفي-لاتصاله بفاء السببية، وأن يكون مجزوماً على العطف.

قال البقاعي: (ولما كان الجواب منصوبا، علم أنه منفي لأنه مسبب عن همزة الإنكار التي معناها النفي، وقد دخلت على نفي السير فنفته، فأثبتت السير عريا عما أفاده الجواب، وهو قوله (فتكون) أي فيتسبب عن سيرهم أن تكون (لهم قلوب) واعية (يعقلون بها) ما رأوه بأبصارهم في الآيات المرئيات من الدلالة على وحدانية الله تعالى وقدرته على الإحياء والإماتة متى أراد فيعتبروا به، فانتفاء القلوب الموصوفة متوقف على نفي السير الذي هو إثبات السير، وكذا الكلام في الآذان)

(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}
*المسائل المتعلقة بالآية :
"مَنْ" لها وجهان: موصولة أو شرطية
1-موصولة: قال ابن عاشور: "مَنْ" موصولة، وهي مبتدأ، والخبر فعليهم غضب من الله، وقرن الخبر بالفاء؛ لأن في المبتدأ شبها بأداة الشرط، وقد يعامل الموصول معاملة الشرط، ووقع في القرآن في غير موضع، ومنه قوله تعالى ﴿إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم﴾ .
والفاء زيدت لتضمن الموصول معنى الشرط.
2-(من) شرطية أتت للتحذير لأن الشرط غير مراد به معين.لأن الماضي في الشرط ينقلب إلى معنى المضارع، ويكون قوله ﴿فعليهم غضب من الله﴾ جوابا.
والتحذير حاصل على كلا المعنيين كما قال ابن عاشور.

تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:
3: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}

يختلف المفسّرون في مسائل الآيات بسبب اختلاف أنظارهم في تفسير الاستثناء وتفهّم غرضه.
قوله:"إلا خطأ"
له معنيان :
*الأول استثناء منقطع ، وهو كقوله : كقوله تعالى: (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن )
قال جرير:
مِنَ البِيضِ، لَمْ تَظْعَنْ بَعِيدًا، وَلَمْ تَطَأْ ... عَلَى الأرْضِ إِلا رَيْطَ بُرْدٍ مُرَحَّلِ"٠
قال القرطبي : "الاستثناء منقطع وتكون فيه "إلا" بمعنى "لكن" والتقدير ما كان له أن يقتله ألبتة لكن إن قتله خطأ فعليه كذا" .
قال ابن حيان :اذ لا يجوز أن يكون متصلا؛ لأنه يصير المعنى: إلا خطأ فله قتله.
*المعنى الثاني : أن يكون الاستثناء متصلا .
قال ابن عطية :ويتجه في معنى الآية وجه آخر، وهو أن تقدر "كان" بمعنى: استقر ووجد، كأنه قال: وما وجد ولا تقرر ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، إذ هو مغلوب فيه أحيانا، فيجيء الاستثناء -على هذا- غير منقطع .
وتتضمن الآية -على هذا- إعظام العمد وبشاعة شأنه، كما تقول: ما كان لك يا فلان أن تتكلم بهذا إلا ناسيا .

: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}
*ورد في هذا الاستثناء معنيان :
-الأول :أنه استثناءٌ منقطعٌ، تقديرُه: لكنْ مَنْ ظُلِم له أن ينتصف من ظالمه بما يوازي ظلامتَه فتكون «مَنْ» في محل نصب فقط على الاستثناء المنقطع.
وقرأ زيد بن أسلم، والضحاك وابن أبي إسحاق ﴿إِلاَّ مَن ظُلِمَ﴾ بفتح الظاء.
ومعنى الآية: لا يحب الله أن يجهر أحد بالدعاء [على أحد] إلا من ظُلم فيدعو على ظالمه. أي: لكن من ظُلم فله أن يدعو على ظالمه، ولا يكره الله ذلك.
قال ابن عباس: أُرخص للمظلوم أن يدعو على ظالمه، وإن صبر فهو خير له.
-الثاني: قيل هو استثناء متصل : والجهربالسوء هو جهره بالدعاء أن يكشف الله عنه ويأخذ له حقه أو يشكو ذلك إلى الإمام ليأخذ له بحق وعلى هذا التقدير فيجوز فيه الرفع بدلا من احد المدلول عليه بالجهر أي لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء إلا المظلوم ويجوز فيه النصب بدلا من الجهر والمعنى إلا جهر من ظلم .
أحسنت نفع الله بك
ج+
بعض الإجابات يغلب عليها الاختصار

يعض الملاحظات العامة:
- الرجوع إلى عدد أكبر من التفاسير.
- بيان القراءات إن وجدت
- الاهتمام بأثر الأسلوب في إثراء الآية بالمعاني

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 15 شوال 1443هـ/16-05-2022م, 07:49 PM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفية الشقيفي مشاهدة المشاركة
تطبيقات الدرس السادس عشر:
بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:


4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} يوسف 68

جاءت هذه الآية في سياق حكاية أمر يعقوب عليه السلام لأبنائه أن يدخلوا من أبواب متفرقة مع أخيهم بنيامين، إثر عودتهم لمصر بعد ما أحضروا أخاهم ليوسف عليه السلام (عزيز مصر في ذلك الوقت)، ولم يكونوا قد تعرفوا عليه بعد.
وبدأت الآية بـ {لمّا}
واختُلف فيها هل هي ظرف زمان، أم حرف شرط
وعلى القول بأنها حرف شرط، تفيد وجود جواب الشرط لوجود فعل الشرط
وتدخل على الماضي غالبًا، وفعل الشرط هنا {دخلوا من حيث أمرهم أبوهم}
وتفسرها الآية السابقة أنهم دخلوا من أبواب متفرقة
واختُلف في تعيين جواب الشرط على أقوال:
الأول:
أنه {ما كان يغني عنهم من الله من شيء}، وهو قول أبي حيان ووافقه السمين الحلبي وأبو السعود، وابن عادل، وهو اختيار محمد عبد الخالق عضيمة ومحيي الدين درويش.
واستدل به أبو حيان على أن معنى (لما) حرف وجوب لوجوب وليس ظرف زمان، لأنه لا يجوز أن يكون معمول الظرف بعد (ما) النافية.
ويكون المعنى على هذا القول: (لما دخلوا من أبواب متفرقة لم يغن تفرقهم عنهم من الله من شيء، فالحذر لا يغني عن القدر)

الثاني: أنه {آوى} في الآية التالية، من قوله تعالى: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه}؛ فيكون الفعل (آوى) جوابًا لـ (لمّا) الأولى والثانية، وهو قول أبي البقاء.
وهو بعيد - والله أعلم - إذ أن إيواء يوسف عليه السلام لأخيه لم يكن واجبًا لوجوب الدخول من أبواب متفرقة، وإنما لدخولهم عليه، فلم يكن ليتحقق الإيواء، إذا دخلوا من أبواب متفرقة، ولم يدخلوا على يوسف عليه السلام، والله أعلم.
الثالث: جواب الشرط محذوف، وقال بهذا القول ابن عطية ومحمود عبد الرحيم صافي وابن عاشور، ورده ابن عادل بدعوى أن في الآية جواب واضح وادعاء الحذف تعسف.
وعلى القول الثاني والثالث تكون جملة: {ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} اعتراضية وليست جوابًا للشرط.
والقول بأن جواب الشرط محذوف أبلغ من حيث دلالته على معان أكثر؛ فيجوز تقديره بـ:
امتثلوا الأمر، أو سلموا من العين، ويجوز أن يكون التقدير تعلموا طاعة أبيهم فيكون ذلك أدعى في حفظ أخيهم، أو يكون التقدير تعلموا الأخذ بالأسباب والتوكل على الله
ويدل على هذه المعاني أن الله عز وجل ذكر نفاذ حاجة يعقوب عليه السلام {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها}، والمقصود بالحاجة على قول أكثر المفسرين هي الخوف من العين.
والاستثناء هنا منقطع فحاجة يعقوب عليه السلام ليست مما يغني من قدر الله شيئًا، مهما كانت.
وقد أثنى الله عز وجل على يعقوب عليه السلام في ختام الآية {وإنه لذو علمٍ لما علمناه}
قال قتادة: {لذو علمٍ لما علّمناه}: «عاملٌ بما علم»، أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سفيان عن سعيد بن أبي عروبة عنه، وأخرجه البخاري معلقًا في صحيحه.
فهو عاملٌ بالأسباب موقنٌ أنها لا تنفع إلا بأمر الله، مع كمال اعتماده على الله عز وجل في جلب النفع ودفع الضر كما قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: {وقال يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}
ومع هذا لم يغن تفرقهم من قدر الله شيئا، وإن نفع السبب - بإذن الله - في تحقق غايته، إذ أن أخذ بنيامين ليس بسبب العينِ، أو كيد إخوته، وإنما لحكمة من الله عز وجل بتمكينه مع يوسف عليه السلام كما قال تعالى: {كذلك كِدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علمٍ عليم}

وعلى القول الأول بأن عدم الإغناء جواب الدخول من أبواب متفرقة، كما يقتضيه كلام أبي حيان - رحمه الله - فيكون المقصود أن الأسباب لم تنفع، وأن معنى {قضاها} هو تحقق الأسباب بالدخول من أبواب متفرقة لا تحقق الغاية بالحفظ من العين ونحو ذلك، أو يكون المقصود بالحاجة - كما فسرها الزمخشري- إظهار الشفقة عليهم ووصيتهم، والله أعلم.
واختار أبو السعود القول بأن جواب الشرط {ما كان يغني}، ومع هذا فرّق بين فعل الشرط وجوابه - إن صح فهمي لكلامه - ، فذكر أن عدم الإغناء لم يحصل عند الدخول، وإنما عند وقوع المحذور.
قال: ((والجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبل لتحقيق المقارنةِ الواجبةِ بين جوابِ لمّا ومدخولِه فإن عدمَ الإغناءِ بالفعل إنما يتحقق عند نزولِ المحذورِ لا وقت الدخول وإنما المتحققُ حينئذ ما أفاده الجمعُ المذكور من عدم كونِ الدخولِ المذكورِ مغْنياً فيما سيأتي فتأمل))
وهذا وإن كان له وجهه إلا أنه مخالف لمعنى (لمّا) الذي اختاره سيبويه أنه حرف وجوب لوجوب، والله أعلم.

لم تذكري المعاني التي دل عليها حرف الشرط في الآية .

5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)} الحج

اختُلف في معنى (من) على قولين:
الأول:
أنها شرطية.
الثاني: أنها موصولة بمعنى الذي.
وقيل مصدرية

فعلى القول بأنها شرطية يكون جملة الشرط {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة}
وجواب الشرط اقترن بالفاء {فليمدد بسبب إلى السماء} وعُطف على جواب الشرط جملة {ليقطع} وجملة {فلينظر}
ثم اختُلف في معنى الآية بحسب الخلاف في:
- مرجع الضمير في {ينصره} هل هو محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنه عائد على (من)
- والخلاف في معنى النصر بمعنى التأييد أو الرزق.
- المراد بـ {السماء} هل هي السماء المعروفة أو سقف البيت
وعلى هذا يكون معنى الآية:

القول الأول: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم/ أو يرزقه ويعطيه من فضله استبطاء للنصر من المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، أو خوفًا من انتصاره من المشركين، فليمدد حبلا إلى سقف بيته ثم يختنق به ويقطعه فيموت، فهل سيذهب هذا غيظه وكيده؟ وهذا كناية عن شدة غيظهم، والأمر في قوله {فليمدد} و {ليقطع} و {لينظر} للتهكم والتوبيخ
والقول بأن المراد بالسماء سقف البيت، وأن المراد بالسبب حبل ممدود إليه يختنق به صاحب الظن، هو قول ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه ابن جرير والحاكم في المستدرك.
القول الثاني: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم استبطاء للنصر من المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، أو خوفا من انتصاره من المشركين فليمدد بحبل إلى السماء حيث ينزل النصر والوحي من الله على نبيه، فليجتهد أن يقطعه عنه إن استطاع، ولينظر هل هذا سيذهب كيده !
وهذا الأمر للتعجيز، فليس بإمكانهم فعل ذلك.
والقول بأن المراد بالسماء السماء المعروفة، هو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم - كما في الدر المنثور للسيوطي-.
القول الثالث: من كان يظن أن لن يرزقه الله ويعطيه، استبطاء لرزق الله، فليمدد بحبل لسقف بيته فيختنق به، أو يمدد بحبل إلى السماء ويحاول استعجال رزقه إن استطاع، وهو قول مجاهد، ورواية عن ابن عباس رضي الله عنهما.
واختلفت الرواية عن ابن عباس في مرجع الضمير في (ينصره) على معنى يرزقه:
الأول:
مرجع الضمير محمد صلى الله عليه وسلم، رواه ابن جرير من طريق أبي إسحاق الهمداني عن أربدة التميمي عن ابن عباس.
الثاني: مرجع الضمير (من)، رواه ابن جرير من طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس.
بينما في قول مجاهد؛ فإن مرجع الضمير إلى (من)، رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، ومن طريق ابن جريج عن مجاهد.
وأما على القول بأن (من) موصولة، فيكون {فليمدد} خبرًا للمبتدأ الموصول، اقترن بالفاء للدلالة على تقوية ربط الخبر بالمبتدأ ودلالتهما على معنى الشرط والجزاء فيكون الظن بأن الله لن ينصر محمدًا صلى الله عليه وسلم سببًا يقتضي حصول الخبر وهو الأمر {فليمدد} وما عُطف عليه {ثم ليقطع} و {فلينظر}، والمعنى على ما سبق بيانه والله أعلم.

لم تذكري القراءات

اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:
(4) قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} سورة النحل

اختُلف في إعراب {من كفر بالله} على أقوال:
القول الأول: أن (مَن) بدل، ثم اختُلف في تعيين المبدل منه على أقوال ذكرها الزمخشري:
الأول: أنه بدل من قوله تعالى{الذين لا يؤمنون بآيات الله} في الآية السابقة {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون}
فيكون المعنى على هذا القول، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وكفروا بعد إيمانهم، وجملة {وأولئك هم الكاذبون} اعتراضية بين البدل والمبدل منه.
الثاني: بدل من {أولئك}، فيكون المعنى (من كفر بعد إيمانه هم الكاذبون)
الثالث: بدل من {الكاذبون}، ويكون المعنى: الذين لا يؤمنون بآيات الله يفترون الكذب وأولئك هم الذين كفروا بعد إيمانهم، وهو قول الزجاج.
و(من) على هذه الأقوال موصولة في محل رفع.
واعترض ابن جرير وأبو حيان على هذا القول بأن فيه حصر للذين يفترون على الله الكذب فيمن كفروا بعد إيمانهم، فخرج من المعنى من لم يؤمنوا قط، والواقع أنهم أكثر افتراء على الله؛ فاستدلوا بذلك على أن جملة {من كفر بالله من بعد إيمانهم} استئنافية.
القول الثاني: في محل رفع مبتدأ، قاله أبو عبيدة والأخفش وابن جرير الطبري، وأبو حيان وظاهر تفسير ابن كثير.
وحكى أبو حيان جواز أن تكون موصولة أو شرطية:
فعلى القول أنها شرطية، تكون جملة الشرط (كفر) في محل رفع الخبر، ويكون جواب الشرط محذوف تقديره (فعليهم غضب) أو يؤاخذهم الله، ونحو ذلك.
وعلى القول بأنها موصولة، فتكون جملة (كفر) صلتها، والخبر إما أن يكون:
- محذوفا، تقديره {فعليهم غضب}، دل عليه خبر {من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من ربهم}، واختاره أبو حيان.
خبر (مَن) الأولى والثانية واحد، وهو {فعليهم غضبٌ من ربهم}، واختار هذا القول أبو عبيدة والأخفش وابن جرير الطبري وابن كثير.
القول الثالث: أنها منصوبة على الذم، قاله الزمخشري احتمالا.
القول الرابع: مرفوع على أنه خبر ابتداء مضمر على الذم، ذكره السمين الحلبي احتمالا.
وأما جملة (ولكِن من شرح للكفر صدرًا) فاختُلِف في معنى (مَن):

الأول: أنها موصولة، وقال أبو حيان أنه لا يجوز أن تكون شرطية لأنها جاءت بعد استدراك.
قال أبو حيان: (إِلَّا أَنَّ مَنِ الثَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَرْطًا حَتَّى يُقَدَّرَ قَبْلَهَا مُبْتَدَأٌ لِأَنَّ مَنْ وَلِيَتْ لَكِنْ فَيَتَعَيَّنُ إِذْ ذَاكَ أَنْ تَكُونَ مَنْ مَوْصُولَةً)
و {مَن} في محل رفع مبتدأ، وخبرها (فعليهم غضب من ربهم) اقترن بالفاء لأن المبتدأ أشبه الشرط.
أفاد اقتران الخبر بالفاء، أن غضب الله عليهم بسبب انشراح صدورهم بالكفر.
الثاني: أنها شرطية، ذكره عبد الخالق عضيمة في دراسات لأسلوب القرآن الكريم.
قال: (وجاء بعد (ولكن) الجملة الشرطية في قوله تعالى:
{ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله}
فعلى هذا يكون (شرح) جملة الشرط، وجواب الشر مقترن بالفاء (فعليهم غضبٌ)
والله أعلم.


سؤال:
يبدو لي أن المعنى واحد إن كانت بمعنى الشرط أو موصولة إذا كان الخبر المقترن بالفاء يفيد دلالة المبتدأ والخبر على الشرط والجزاء؟
فهل من فارق في المعنى على القولين؟
أعني هل من دلالة إضافية من استخدام الاسم الموصول مع اقتران الخبر بالفاء على استخدام الشرط أو العكس؟



(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)} سورة البقرة

ضمير الجمع في (قالوا) يعود على رؤساء اليهود والنصارى، و(أو) في جملة القول (كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا) للتفصيل، والمقصود أن اليهود قالوا: (كونوا هودًا) والنصارى قالوا: (كونوا نصارى) ثمُ جُمع جواب الطلب في الحالتين (تهتدوا)، فهو فعل مضارع مجزوم في جواب الطلب، أفاد معنى الشرط، وهو أن كل فريق منهم يرى الهداية في اتباع دينه، فقول اليهود (كونوا هودًا) يفيد معنى (إن لم تكونوا على اليهودية فلستم مهتدين) وقول النصارى: (إن لم تكونوا على النصرانية فلستم مهتدين)
فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بقول: (بل ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين)
أي أن حقيقة الهداية في اتباع ملة إبراهيم بالاستقامة على التوحيد والتبرؤ من الشرك وأهله.
والله أعلم.

بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:

4: قول الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (سورة النساء: 148)
اختُلف في تفسير هذه الآية بحسب الاختلاف في تعيين المراد بالجهر بالسوء من القول، والمستثنى منه، ونوع الاستثناء هل هو متصل أو منقطع؟،وقراءة (ظلم) بالبناء للفاعل أو المفعول:
أولا: على قراءة (ظُلم) بضم الظاء وكسر اللام، على البناء للمفعول، وهي قراءة عامة القراء.

المراد بالجهر بالسوء من القول:
القول الأول:
الدعاء على أحد، وهو قول ابن عباس، والحسن ومفهوم من قول قتادة.
فيكون معنى الآية:
لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا المظلوم فله أن يدعو على من ظلمه.
واختُلِف في حد الدعاء الذي يدعو به
فعلى قول الحسن فللمظلوم أن يقول: ( اللّهمّ أعنّي عليه. اللّهمّ استخرج، لي حقّي، اللّهمّ حل بينى وبين ما يريد، ونحوه من الدّعاء) رواه ابن جرير.
وقول الحسن يفيد المدافعة.
وعلى قول ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة فالمعنى أعم من ذلك.
قال ابن عباس: ( إلا من ظلم إلا أن يكون مظلومًا فإنّه رخّص له أن يدعوا على من ظلمه وذلك قول اللّه تعالى إلا من ظلم وإن صبر فهو خيرٌ له) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم واللفظ له.
قال قتادة: ({لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم وكان اللّه سميعًا عليمًا} عذر اللّه المظلوم كما تسمعون أن يدعو). رواه ابن جرير.
ويكون الاستثناء على هذا المعنى متصل.
واختُلف في إعراب (من ظلم) بحسب الخلاف هل الاستثناء تام، أو مُفرغ؟
فعلى القول بأنه مُفرغ، عمل فيه المصدر المعرف بأل (الجهر)، والتقدير: (لا يحب الله أن يجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم)، فتكون (من) في موضع رفع فاعل.
قال ابن مالك في شرح الكافية: (وينبغي أن يعلم أن المصدر العامل على ضربين:
أحدهما: مقدر بالفعل وحرف مصدري
والثاني: مقدر بالفعل وحده).
قال الفراء في معاني القرآن: (وإن شئت جعلت (من) رفعا إذا قلت (ظلم) فيكون المعنى: لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم).
ورده ابن جرير الطبري في تفسيره: قال (وهذا مذهب يراه أهل العربية خطأ في العربية. وذلك أن"مَن" لا يجوز لأنها في صلة"أنْ" ولم ينله الجحد، فلا يجوز العطف عليه، من خطأٍ عندهم أن يقال: "لا يعجبني أن يقوم إلا زيد")
قال محمد عبد الخالق عضيمة: ( وفيه إعمال المصدر معرفاً بالألف واللام وهي مسألة خلاف، ومذهب سيبويه جواز ذلك).
وعلى القول بأن الكلام تام بتقدير (أحد) فالمعنى: (لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من ظُلم)
فـ( من) في محل نصب على الاستثناء، وأجاز الزجاج رفعه على البدل، وهو المختار على القول بأن الاستثناء متصل.

القول الثاني: عموم الجهر بالسوء من القول، ثم اختُلف في تعيين الظلم في قوله (من ظُلم) على أقوال:
الأول: الرّجل ينزل بالرّجل، فلا يحسن ضيافته، فيخرج من عنده، فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن، وهو قول مجاهد، رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
الثاني: السب، وهو قول عبد الكريم بن مالك الجزري
قال: (هو الرّجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتري عليه، مثل قوله: ولمن انتصر بعد ظلمه) رواه ابن أبي حاتم.
الثالث: الظلم عمومًا، وهو قول السدي.
قال: (إنّ اللّه لا يحبّ الجهر بالسّوء من أحدٍ من الخلق، ولكن من ظلم فانتصر بمثل ما ظلم، فليس عليه جناحٌ). رواه ابن جرير.
والاستثناء على هذا القول منقطع مما قبله، لأن جهر المظلوم ليس من جنس السيء من القول الذي لا يحبه الله.
فيكون موضع (من) منصوب على الاستثناء، على تقدير المستثنى منه (أحد)
ويكون المعنى:( لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول، لكن من ظُلِم له أن يجهر)
وعلى اعتبار أن الاستثناء مفرغ، فيكون موضع (من) مرفوعا على الابتداء.
وقيل يجوز أن يكون الاستثناء متصلا - على القول الأول والثاني- بتقدير مضاف محذوف: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا جهر من ظلم)، قاله أبو بكر البقاعي،ومحمد عبد الخالق عضيمة ومحيي الدين درويش.
قال أبو بكر البقاعي:
(وجهر ومن ظلم - وإن كان داخلاً فيما يحبه الله تعالى على تقدير كون الاستثناء متصلاً - لكن جعله من جملة السوء وإن كان من باب المشاكلة فإن فيه لطيفة، وهي نهي الفطن عن تعاطيه وحثه على العفو، لأن من علم أن فعله بحيث ينطلق اسم السوء - على أي وجه كان إطلاقه - كف عنه إن كان موفقاً).

ثانيًا: على قراءة (ظَلَم) بفتح الظاء واللام،على البناء للفاعل.
وهي قراءة شاذة، رويت عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وزيد بن أسلم وعبد الأعلى بن عبد الله بن مسلم بن يسار وعطاء بن السائب وابن يسار، قاله أبو الفتح بن جني في المحتسب.
واختلُف في معنى الاستثناء على هذه القراءة:
القول الأول:
على القول بأن المراد بـ(الجهر بالسوء من القول) على هذه القراءة هو تعيير المنافق بعد توبته بنفاقه السابق، والمراد بمن ظَلمَ هو من أقام على نفاقه.
يكون معنى الاستثناء: (لا يحب الله تعيير المنافق التائب بعد توبته بنفاقه لكن من أقام على نفاقه يجوز فضحه بذلك)، وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم فقرأ: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار} حتّى بلغ: {وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرًا عظيمًا} ثمّ قال بعد ما قال: هم في الدّرك الأسفل من النّار {ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللّه شاكرًا عليمًا} لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلاّ من ظلم قال: لا يحبّ اللّه أن يقول لهذا: ألست نافقت؟ ألست المنافق الّذي ظلمت وفعلت وفعلت؟ من بعد ما تاب إلاّ من ظلم إلاّ من أقام على النّفاق. قال: وكان أبي يقول ذلك له ويقرؤها: إلاّ من ظلم. رواه ابن جرير.
والاستثناء على هذا القول منقطع عما قبله، وإعراب (من) مرفوع على الابتداء.
قال أبو الفتح بن جني في المحتسب: ظَلَم وظُلِم جميعًا على الاستثناء المنقطع؛ أي: لكن من ظلم فإن الله لا يخفى عليه أمره، ودل على ذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}.
الثاني: على القول بعموم معنى (الجهر بالسوء من القول) يكون المعنى: لا يحب اللَّهُ الجهرَ بالسوء، لكنَّ الظالمَ يحبه فهو يفعله، أو يكونَ راجعاً إلى فاعل الجهر أي: لا يحبُّ اللَّهُ أن يَجْهَر أحدٌ بالسوء، لكن الظالم يَجْهر به، ذكره السمين الحلبي احتمالا.
والاستثناء على هذا القول منقطع أيضًا، منصوب على الاستثناء، لأنه تام منفي.
والله أعلم.

5: قول الله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا} (سورة مريم: 86-87)

اختُلف في تفسير هذه الآية بحسب الاختلاف في:
1. المقصود بملك الشفاعة هل هو استحقاقها بأن يكون شافعًا أو مشفوعًا له.
2. مرجع الضمير في قوله {يملكون}، وعليه يتحدد نوع الاستثناء هل هو متصل أو منقطع؟
3. المقصود بالعهد هل هو الإيمان والتوحيد عمومًا أو الإذن بالشفاعة خصوصًا.
وسعة دلالة الآية على هذه المعاني من بلاغة القرآن الكريم.
معنى الاستثناء في الآية:
اختُلف في معنى الاستثناء في هذه الآيات بحسب الاختلاف في تعيين مرجع الضمير في {يملكون}
القول الأول: أن الضمير يعود على {المجرمين} في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا}، وأن المقصود بالمجرمين هنا المشركين خاصة، فيكون معنى الاستثناء على الانقطاع
أي: لا يملك المشركون الشفاعة لكن من اتخذ عند الله عهدًا فهو موعود بالشفاعة بإذن الله.
وإعراب (من) على هذا القول منصوب على الاستثناء، على المختار،قاله الزجاج.

القول الثاني: الضمير يعود على المتقين في قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدًا}، والمجرمين في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا}
فيكون الاستثناء تاما منفيا متصلا، و(من) على هذا القول في موضع رفع على البدل من الضمير في {يملكون}، على المختار، قاله الزجاج.

القول الثالث: الضمير في {يملكون} يعود على المجرمين لكن المراد بهم عصاة الموحدين، والمشركين معًا، فيكون الاستثناء متصلا على هذا القول، باستثناء عصاة الموحدين، قاله ابن عطية.
وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن أهل الكبائر داخلون تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبهم بذنوبهم، وإن شاء غفر لهم، وموعودون بالشفاعة - بإذن الله-، ولا يُخلدون في النار.
وإعراب (من) على هذا القول في موضع رفع على البدل من الضمير في {يملكون}، على المختار.
والمقصود بملك الشفاعة على القول الأول والثاني أن يشفع بعضهم لبعض، بأن يكونوا شافعين أو مشفوعين، وعلى القول الثالث: أن يُشْفَع لهم.
والمقصود بالعهد شهادة أن لا إله إلا الله، والتبرؤ إلى الله من الحول والقوّة ولا يرجو إلا الله، أخرجه ابن جرير عن ابن عباس.
القول الرابع: الضمير يعود على المتقين، ويختلف معنى الآية بحسب الخلاف في معنى العهد على قولين:
الأول: العهد بمعنى الإذن بالشفاعة، فيكون المعنى: (لا يملك أن يشفع إلا من كان له عملا صالحًا فيأذن له الله)، فيكون معنى (من) على هذا القول في الشافعين.
الثاني: ويحتمل أن يكون المعنى:( لا يملك المتقون أن يشفعوا إلا لمن اتخذ عند الله عهدًا بالإيمان والتوحيد) فيكون معنى (من) على هذا القول للمشفوع فيهم، ذكر القولين ابن عطية.
القول الخامس: الضمير يعود على أهل الموقف عمومًا، والمقصود بـ (من) محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، والمقصود بالعهد، إذن الله عز وجل بأن يشفع محمد صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف، قاله ابن عطية أيضًا.
والاستثناء على القول الرابع والخامس متصل، ومن في محل رفع على البدل.
القول السادس: ذكر الزمخشري قولا بأن الواو في {يملكون}دالة على الجمع، وأن {من} في محل رفع فاعل، على القول بأن الاستثناء منفي مفرغ.
قال أبو حيان الأندلسي: (ولا ينبغي حمل القرآن على هذه اللغة القليلة مع وضوح جعل الواو ضميرا. وذكر الأستاذ أبو الحسن بن عصفور أنها لغة ضعيفة).

مسألة:
على القول بأن معنى {لا يملكون الشفاعة } (لا يَشْفعون)، يكون المعنى (لا يشفعون إلا لمن اتخذ عند الله عهدًا)
قال الفراء: ((و(من) فِي موضع نصب عَلَى الاستثناء ولا تكون خفضًا بضمير اللام ولكنها تكون نصبًا عَلَى معنى الخفض كما تَقُولُ فِي الكلام: أردت المرور اليوم إلا العدوّ فإني لا أمُرّ بِهِ فتستثنيه من المعنى ولو أظهرت الباء فقلت: أردت المرور إلا بالعدو لخفضت. وكذلك لو قيل: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعةَ إِلَّا لمن اتّخذ عند الرحم عهدا)). اهـ
ولا حاجة لتقدير اللام في الآية - والله أعلم - لأن التعبير بالفعل (يملكون) دون (يَشفعون) أبلغ في إفادة نفي الشفاعة عن المجرمين كشافعين أو مشفوع لهم.
قال تعالى:{ فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} سورة الأعراف.
وقال تعالى:{وما أضلنا إلا المجرمون. فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم} سورة الشعراء.
وقال: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين}
فنفى أن يشفع لهم أحد.
وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} سورة يونس.
وقال: {ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين} سورة الروم.
فنفى أن يكون من هذه المعبودات الباطلة شفعاء.
وقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، عامٌ في أنه لا يشفع أحد مهما كان إلا بإذن الله عز وجل.
وفي قوله تعالى: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}
بيان لشروط الشفاعة؛ وهي إذن الله للشافع، ورضاه عن الشافع والمشفوع له، والله لا يرضى عن الكافرين.
قال تعالى: {يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} سورة التوبة.
قال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: (قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون في الآية وجهان أو أوجه من التفسير كلها حق، وكل واحد منها يشهد له قرآن، فإنا نذكر الجميع وأدلته من كتاب الله تعالى ; لأنه كله حق، فإذا علمت ذلك فاعلم أن هذه الآية الكريمة من ذلك النوع، قال بعض أهل العلم: الواو في قوله: لا يملكون راجعة إلى المجرمين المذكورين في قوله: ونسوق المجرمين إلى جهنم أي: لا يملك المجرمون الشفاعة، أي: لا يستحقون أن يشفع فيهم شافع يخلصهم مما هم فيه من الهول والعذاب.
[...]
وهذا الوجه يفهم منه بالأحرى أن المجرمين لا يشفعون في غيرهم ; لأنهم إذا كانوا لا يستحقون أن يشفع فيهم غيرهم لكفرهم فشفاعتهم في غيرهم ممنوعة من باب أولى)


والحمد لله رب العالمين.
أحسنت نفع الله بك
أ

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 16 شوال 1443هـ/17-05-2022م, 11:12 AM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضحى الحقيل مشاهدة المشاركة
القسم الرابع من مقرر أصول التفسير البياني


أدّ تطبيقين من تطبيقات كلّ درس من الدروس التالية:


تطبيقات الدرس السادس عشر:


بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:


4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
القارئ لسورة يوسف، لا يكاد يغفل عن أداة الشرط {لما} تأخذ قلبه معها مرارا وتكرارا، تسرح بخياله مع أحسن القصص، تأتي مقرونة بالفاء مرة فيكون لها دلالات ومعانٍ، وتأتي مجردة مرة لتشير إلى دلالات ومعانٍ أخر، وتترك الحفاظ يبتكرون الطرق للتفريق وإتقان الحفظ ملتفتين إلى الفرق البياني تارة وذاهبين وراء الفروق الإحصائية والمادية – إن صح التعبير- تارات

في كل مرة تطالعك فيها {لما} تشحذ همتك وسمعك وبصرك لمتابعة جوابها، مشتاقا إلى نتيجة شرطها إذ أنها كما يقول النحويين أداة وجود لوجود تستدعي جوابا، وفي كل مرة يأتي معها جواب تابع للشرط ومفسر له يكشف فصلا مهما من فصول القصة..

إلا أن جواب لما اختفى في موضعين من السورة جاء فيها حرف الشرط وفعله ولم يذكر الجواب!

الموضع الأول لا شك أنه من أهم فصول القصة وبه بدأت معاناة يعقوب عليه السلام بفقد ابنه الأول

قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. [يوسف، 15].


والموضع الثاني وهو الآية المقصودة بالدراسة هنا يحتاج إلى نظر لكنه كان مقدمة لفقد الابن الثاني...

قال تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}. [يوسف: 68]

لا يخفى أن {لما} حرف شرط فيه معنى الظرفية، فعلها في هذه الآية دخلوا، لكن أين الجواب؟

أطلك لفكرك العنان..

{ولما دخلوا} أمنوا مما خاف عليهم منه أبوهم فوصلوا لمبتغاهم بسلام.
{ولما دخلوا} تفرقوا فأخذ منهم إعادة التجمع وقتا.
{ولما دخلوا} أدركوا حكمة أبيهم حيث تجنبوا بهذا التفرق المساءلة والمراقبة والحسد والترصد.
{ولما دخلوا} ضربوا موعدا محددا للتجمع بذكائهم وخبرتهم السابقة في المكان.
{ولما دخلوا} أناخوا مطاياهم، وبلغوا سلام والدهم للملك، وقالوا هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به وقد فعلنا...

جمل كثيرة يمكن أن يدل عليها جواب الشرط المحذوف..
لكنه لم يذكر منها شيئا..
بل انتقل بك إلى المعنى الأهم وهو أن فعلهم هذا كان سببا لا يقدم ضررا ولا يؤخر قضاء إلا بإذن الله، وأن فعلهم هذا لم يكن لينجيهم لولا أن الله قدر سلامتهم {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}..

جمل يتركها لك السياق لتأخذ بمجامع قلبك تغدو معها أفكارك خماصا وتروح بطانا..
فهنا حدث.. أعقبته أحداث ذات شأن..

حذف يعكس صورة من صور بلاغة القرآن وجمال اللغة، ويترك للقارئ فرصة للتلذذ باستنباط المعنى المحذوف بألفاظ قليلة تدل على معان عظيمة.

حذف جواب لما ثابت متكرر في اللغة، وقد ذكره بعض المفسرين وأهل اللغة تحديدا في هذه الآية، مع ذكر بعضهم لغيره من الأقوال، ولعل أكثرهم فصل الأمر في حذف جواب لما في قوله تعالى: {فلما ذهبوا به..} الآية {يوسف: 15]، وفي قوله: {فلما أسلما وتله للجبين}، [الصافات: 103] بسبب الخلاف المشهور بين البصريين والكوفيين بشأن زيادة الواو في الجواب، ثم أنهم لم يتعرضوا لمسألة جواب لما هنا.

وسأذكر فيما يلي بحول الله ما مر بي من أقوال:
1. أن الجواب كما ذكرنا محذوف يمكن تقديره بعدد من الجمل، قال ابن عاشور "وَقَدْ أَغْنَتْ جُمْلَةُ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ عَنْ جُمَلٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُمُ ارْتَحَلُوا وَدَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ، وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ سَلِمُوا مِمَّا كَانَ يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ"، كما ذكر هذا القول ابن عطية، وأبو حيان في البحر المحيط، وصاحب اللباب في علوم الكتاب، وأشارت إليه بعض الكتب المؤلفة في إعراب القرآن مثل: الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد، والتبيان في إعراب القرآن.

فأفاد الشرط بيان حالهم

2. أن الجواب دلت عليه جملة {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} قال ابن عطية: " فجواب لَمَّا في معنى قوله: ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ"، وذكر هذا القول في بعض كتب إعراب القرآن مثل: الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد، والتبيان، والجدول في إعراب القرآن،
ونص بعضهم على أن الجواب هو قوله {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} كما جاء في فتح القدير، وفتح البيان، وذكر بعضهم أن هذا الجواب يدل على أن لما هنا حرف وجوب لوجوب وليست ظرف زمان أمثال أبو حيان في البحر المحيط، ورجحه صاحب اللباب في علوم الكتاب

ذكر الشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله بأن جملة {ما كان يغني عنهم} اعتراضية وليست جواب "لمّا".

3. أن الجواب هُوَ {آوَى}، في الآية التي تليها من قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} قال صاحب التبيان في إعراب القرآن وهو يعرض الأقوال: "وَهُوَ جَوَابُ «لَمَّا» الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ ; كَقَوْلِكَ: لَمَّا جِئْتُكَ وَلَمَّا كَلَّمْتُكَ أَجَبْتَنِي، وَحَسَّنَ ذَلِكَ أَنَّ دُخُولَهُمْ عَلَى يُوسُفَ يَعْقُبُ دُخُولَهُمْ مِنَ الْأَبْوَابِ". وذكره صاحب الكتاب الفريد، وصاحب اللباب في علوم الكتاب، كما أشير إلى هذا القول في حاشية الجدول في إعراب القرآن.

لو قسمت الأقوال من جهة القول بوجود جواب الشرط والقول بحذفه.

إذا تأملنا في هذه الأقوال نجد أن القول الثالث بعيد، وأن كون جملة ما كان يغني عنهم من الله من شيء جوابا أيضا فيه نظر، أما كونه دلالة على أحد احتمالات جواب الشرط فقد يكون مقبولا
حيث إن دخولهم على الصفة التي أمرهم بها أبوهم لم تمنع عنهم ما نسب إليهم من السرقة وأخذ بنيامين ومضاعفة المصيبة على والدهم لأن الحذر لا يغني من القدر.
ولكن الأولى والله أعلم هو القول الأول وهو الإقرار بأن الجواب محذوف وهو أمر سائغ متكرر له دلالاته اللغوية والبيانية، وذلك ليعمّ الجواب كلَّ تقدير صحيحٍ يحتمله السياق، ويبلغه التفكّر.

والله أعلم وأحكم

تابع : تطبيقات الدرس السادس عشر:

5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
حوت هذه الآية الكريمة أسلوب شرط دل على معان بيانية ولطائف بديعية، جاء فيه اسم الشرط (من)
وفيما يلي استعراض لبعض المسائل المتعلقة به:

أولا/ الإعراب
من: اسم شرط وهو مبتدأ، أو موصولة والأول أرجح.
كان: فعل ماض ناقص في محلّ جزم فعل الشرط.
فليمدد: (الفاء) رابطة لجواب الشرط (اللام) لام الأمر، وفاعل (يمدد) يعود على اسم الشرط (من)،
فتكون بذلك جملة ليمدد في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء

ثانيا/ اقتران جواب الشرط بالفاء
يلاحظ أن جواب الشرط هنا اقترن بالفاء وهو مطابق لأحد المواضع التي ذكر فيها جواز اقترانه بالفاء
إذ أن الجواب وهو {ليمدد} يتضمن طلبا جاء على صيغة فعل مضارع مقرون بلام الأمر.

ثالثا/ العطف على جواب الشرط
قوله {ثم ليقطع}
وقوله: {فلينظر}
معطوفة على جواب الشرط ليمدد ومجزومة في القرآن مثلها

رابعا/ المعنى البياني:
المعنى البياني الذي يفيده الشرط هنا له ارتباط بأقوال المفسرين في معنى قوله: {فليمدد بسبب إلى السماء ثم لقطع}

القول الأول: أن معنى: {فليمدد بسبب إلى السماء} يقصد بها فليربط حبلا في سقف بيته وليشنق به نفسه، أو ليربط حبلا في أعلى مكان يصل إليه وليقطع الحبل ليسقط ويتمزق.

فعلى هذا يفيد الشرط هنا الاستهزاء والتهكم، وقد تكرر ذلك في عبارات المفسرين

قال في أضواء البيان: "وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِحَاسِدِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِهِ الدَّوَائِرَ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ رَبَّهُ لَنْ يَنْصُرَهُ: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، فَهُوَ نَاصِرُهُ لَا مَحَالَةَ عَلَى رَغْمِ أُنُوفِكُمْ"
ونقل عن الزَّمَخْشَرِيُّ قوله: وَسُمِّيَ فِعْلُهُ كَيْدًا ; لِأَنَّهُ وَضَعَهُ مَوْضِعَ الْكَيْدِ؛ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكِدْ بِهِ مَحْسُودَهُ، إِنَّمَا كَادَ بِهِ نَفْسَهُ".

قال ابن عاشور: "فَامْدُدُوا حَبْلًا بِأَقْصَى مَا يُمَدُّ إِلَيْهِ حَبْلٌ، وَتَعَلَّقُوا بِهِ فِي أَعْلَى مَكَان ثمَّ اقطعوه تَخِرُّوا إِلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ تَهَكُّمٌ بِهِمْ"

وقال ابن كثير مرجحا لهذا القول: " وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ أَوْلَى وَأَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى، وَأَبْلَغُ فِي التَّهَكُّمِ؛ فَإِنَّ الْمَعْنَى: مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِنَاصِرٍ مُحَمَّدًا وَكِتَابَهُ وَدِينَهُ، فَلْيَذْهَبْ فَلْيَقْتُلْ نَفْسَهُ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ غَائِظَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ لَا مَحَالَةَ"

ويحتمل أيضا معنى التعجيز لأنه لا يقع:
قال ابن عاشور: " وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ لِلتَّعْجِيزِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْجَوَابِ عَلَى حُصُولِ شَرْطٍ لَا يَقَعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرَّحْمَن: 33]".

قال ابن عطية: "قال هذا المعنى قتادة وهذا على جهة المثل السائر قولهم دونك الحبل فاختنق، يقال ذلك للذي يريد من الأمر ما لا يمكنه"

القول الثاني: هو أن معنى: {فيمدد بحبل إلى السماء} أي السماء المعروفة يصعد إليها إن استطاع ليقطع الوحي عن محمد صلى الله عليه وسلم، ويمنع عنه النصر.

فيكون مقصد الشرط هنا التعجيز:

قال في أضواء البيان: "وَقَوْلِهِ: ثُمَّ لِيَقْطَعْ لِلتَّعْجِيزِ فَلْيَنْظُرْ ذَلِكَ الْحَاسِدُ الْعَاجِزُ عَنْ قَطْعِ النَّصْرِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ يُذْهِبُ كَيْدُهُ إِذَا بَلَغَ غَايَةَ جَهْدِهِ فِي كَيْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"

وكلا المعنيين صحيح سائغ والله أعلم وإن كان للمفسرين آراء في ترجيح أحدهما على الآخر

وقد ذكر الطبري وابن عطية قصد ثالث للآية هو التوبيخ:

قال الطبري: "ذكر قومًا يعبدونه على حرف وأنهم يطمئنون بالدين إن أصابوا خيرا في عبادتهم إياه، وأنهم يرتدّون عن دينهم لشدّة تصيبهم فيها، ثم أتبع ذلك هذه الآية، فمعلوم أنه إنما أتبعه إياها توبيخا لهم على ارتدادهم عن الدين، أو على شكهم فيه نفاقهم، استبطاء منهم السعة في العيش، أو السبوغ في الرزق".

وقال ابن عطية: "ثم أخذت الآية في توبيخ أولئك الأولين"

واستنبط السعدي من الآية معنى آخر حين قال:
"فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى، ومن تأييس الكافرين، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون، أي: وسعوا مهما أمكنهم".

ومعاني الاستهزاء والتعجيز والتوبيخ ودلالة النصر في الآية واضحة، فسبحان من أنزل كتابه {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}
والله أعلم وأحكم

نذكر القراءات

تطبيقات الدرس السابع عشر:

3. اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:

قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله

آية عظيمة..
تخاطب العقول وتحرك القلوب، تعظ الغافل وتذكر الناسي صيغت بأسلوب بياني بديع

قال عنها ابن عاشور: " فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَفَانِينُ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْبَيَانِ وَبَدَاعَةِ النَّظْمِ".

جاءت بعد آيات فيها مرور سريع خاطف على خبر تكذيب أقوام لأنبيائهم وما أعقب هذا التكذيب من هلاك..
مرور يقرع القلب بثلاث آيات قصيرة:
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
{ فكيف كان نكير} ..يارب السلامة

ثم أنه الحقها بقوله:
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)

{فكأين من قرية..} فالقرى الهالكة كثيرة، وسبب الهلاك معروف معلوم، ولكن من يعتبر؟!

ثم جاءت الآية المعنية:

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}

لتعجب من حال أقوام مروا بمواقع الأمم الهالكة وسمعوا أخبارهم فلم يتعظوا!

تحث الناس على النظر في حال من هلك قبلهم وتحرضهم على تجنب أسباب الهلاك...

ومما ورد فيها من بيان ما يتعلق بأسلوب الطلب محل الدراسة، حيث افتتحت الآية باستفهام ظاهره سؤال {أفلم يسيروا؟} لكن حقيقته الإنكار والتعجب والحث...

وفيما يلي تفصيل لبعض ما تيسر مما له علاقة بالدرس:

{أفلم يسيروا فِي الْأَرْضِ}:

(الهمزة): للاستفهام
(الفاء): عاطفة على مقدر يقتضيه المقام بمعنى (أغفلوا فلم يسيروا؟) أو (أسافروا فلم ينتفعوا؟)
(لم): حرف نفي وقلب وجزم
(يسيروا): فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعله
(في الأرض): متعلقان بيسيروا

ودلالة الاستفهام هنا الإنكار عليهم والتعجب من حالهم إن كانوا سافروا ولم يعتبروا، أو سمعوا أخبار من سافر ولم يتأثروا
وفيها معنى الأمر والحث لمن لم يسافر ولم يسمع، وذلك ليكون لهم عبرة في رؤية مصارع الأمم المكذبة لأنبيائها

والآية لا تنفي عنهم السفر وإنما تتعجب من حال من سافر منهم ولم يعتبر
قال ابن عاشور: "المقصود بالتعجيب هُوَ حَالُ الَّذِينَ سَارُوا فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ جُعِلَ الِاسْتِفْهَامُ دَاخِلًا عَلَى نَفْيِ السَّيْرِ لِأَنَّ سَيْرَ السَّائِرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا لَمْ يُفِدْهُمْ عِبْرَةً وَذِكْرَى جُعِلَ كَالْعدمِ فَكَانَ التعجيب مِنِ انْتِفَائِهِ، فَالْكَلَامُ جَارٍ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِر"ِ.

{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}

(فَتَكُونَ) الفاء سَبَبِيَّةٌ، وتكون فعل مضارع ناسخ منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية وهو جواب الاستفهام، ومعلوم أن جواب الطلب ينصب متى ما اقترن بالفاء.

والمعنى لَمْ يَسِيرُوا سَيْرًا تَكُونُ لَهُمْ بِهِ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَآذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا.

قال ابن عاشور: " وَنُزِّلَتْ عُقُولُهُمْ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ كَمَا نُزِّلَ سَيْرُهُمْ فِي الْأَرْضِ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ".

وقد أكمل ابن عاشور بقية الآية مسلطا الضوء على أنواع من البلاغة في تفاصيلها لكنه مما يتعلق بدروس أخرى فأتركه هنا اختصارا

ثم ختم بقوله:
"فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ نَظْمِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَنْعَامِ لَهُمْ آلَاتُ الِاسْتِدْلَالِ وَقَدِ انْعَدَمَتْ مِنْهُمْ آثَارُهَا فَلَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَعْقِلُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الْبَقَرَة: 171]" .

اللهم اجعلنا ممن سمع وعقل واتعظ وانتهى..

تابع تطبيقات الدرس السابع عشر

(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
تخبر الآية الكريمة عن زعم كل من اليهود والنصارى أن دينهم هو الحق، وادعاء كل فريق أن الهداية في اتباع دينهم، وترد عليهم بأن الحق هو في اتباع دين إبراهيم الحنيف الموحد عليه السلام.

وقد ورد في هذه الآية أسلوب طلب بصيغة الأمر وفيه معنى الشرط، جاء على لسان اليهود والنصارى حيث قالوا: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}

(كونوا) فعل أمر ناقص مبنيّ على حذف النون، والواو اسمها
(هودا) خبر كان منصوب (أو) حرف عطف (نصارى) معطوف على (هودا) منصوب مثله وعلامة النصب الفتحة المقدّرة
(تهتدوا) مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للطلب..
وفي الجملة شرط تقديره: إن تكونوا تهتدوا، أي أنهم حصروا الهداية في دينهم

قال ابن عاشور: " بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ إِعْرَاضِهِمْ وَمِقْدَارَ غُرُورِهِمْ بِأَنَّهُمْ حَصَرُوا الْهُدَى فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ أَيْ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ حَصَرَ الْهُدَى فِي دِينِهِ.
وَوَجْهُ الْحَصْرِ حَاصِلٌ مِنْ جَزْمِ تَهْتَدُوا فِي جَوَابِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ شَرْطٍ فَيُفِيدُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا لَا يَرَاهُ الْيَهُودُ مُهْتَدِيًا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ نَصْرَانِيًّا لَا يَرَاهُ النَّصَارَى مُهْتَدِيًا أَيْ نَفَوُا الْهُدَى عَنْ مُتَّبِعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا غَايَةُ غُرُورِهِمْ.

والله أعلم

تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:

2: قول الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ} [ الدخان: 56]
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
لا شك أن من نعيم أهل الجنة- جعلنا الله وإياكم من أهلها- أنهم لا يموتون وأن الآخرة هي دار الخلود، وقد اتفق من قرأت له ممن فسر هذه الآية الكريمة بأن معنى الآية نفي الموت عن أهل الجنة، وأن الموتة الأولى هنا هي الموتة الذي ختمت بها حياتهم الدنيوية.

ولكن الأقوال تعددت في نوع الاستثناء هنا وفائدته وسببه وحل الإشكال الوارد عليه، والمعنى البياني لاستثناء موتة الدنيا في هذا الموضع.

قال الألوسي بعد أن عدد الأقوال في الآية:
"والداعي لما سمعت من الأوجه دفع سؤال يورد هاهنا من أن الموتة الأولى مما مضى لهم في الدنيا وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة فكيف استثنيت؟
وقيل: إن السؤال مبني على أن الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثنى الحكم المنفي عن المستثنى منه ومحال أن يثبت للموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة.
وأما على قول من جعله تكلما بالباقي بعد الثنيا، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأول من الموت فلا إشكال فتأمل".

إذا نظرنا للاستثناء في الآية فهو تام منفي.
والأقوال إنما جاءت في اتصاله وانقطاعه فقد بنيت أقوال المفسرين على الحالتين وأثرت على المعنى البياني للآية، جاء في الدرس أن التفريق بين الاستثناء المتصل والمنقطع هو: "واسطة عقد هذا الباب ومجتنى ثمراته، وفائدته لطالب علم التفسير كبيرة، فهو باب مهم من أبواب توجيه أقوال المفسرين والجمع بينها".

وفيما يلي أحاول نقل ما تيسر من أقوال مع التلخيص والتبسيط راجية من الله التوفيق والسداد ومنكم التكرم بالتصحيح والتصويب:

الحالة الأولى/ أن الاستثناء هنا متصل، ومعلوم أن الاستثناء المتصل هو ما كان فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، فالموت هنا واحد.
قال الألوسي: "الأصل اتصال الاستثناء"
فيكون إعراب المستثنى {الموتة} هنا: منصوب على الاتباع للمستثنى منه ويجوز نصبه على الاستثناء.
لكن في هذه الحالة يظهر الإشكال الذي ذكرناه كيف ينفي ذوق الموتة الأولى عن أهل الجنة بقوله ( فيها) وهو مما مضى، وكيف يبرر الاستثناء من النفي الذي هو في الأصل إثبات؟

مما ذكره المفسرون من المعاني المرتبطة باتصال المستثنى:
القول الأول: أن ذلك من باب التعليق بالمحال، ذكره الزمخشري والرازي في مفاتح الغيب نقلا عنه وذكره الألوسي والطنطاوي في الوسيط نقلا عنه، وذكره ابن عجيبة، وذكر الزجاج وابن عاشور والسعدي قريبا منه.
قال الزمخشري: "أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها"
وقال ابن عاشور: مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ لِزِيَادَةِ تَحْقِيقِ انْتِفَاءِ ذَوْقِ الْمَوْت عَن أجل الْجَنَّةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَا يَذُوقُونَ الْمَوْتَ أَلْبَتَّة.
وقال السعدي: أي ليس فيها موت بالكلية، ولو كان فيها موت يستثنى لم يستثن الموتة الأولى التي هي الموتة في الدنيا.
قال الألوسي: "ونظيره قول القائل لمن يستسقيه: لا أسقيك إلا الجمر وقد علم أن الجمر لا يسقى

قال الألوسي "فالاستثناء متصل والدخول فرضي للمبالغة".
قال صاحب إعراب القرآن وبيانه: "مبني على أن الموتة بدل على طريقة البدل المجوز فيها البدل من غير الجنس وأما على طريقة الحجازيين فانتصبت الموتة استثناء منقطعا، وسرّ اللغة التميمية بناء النفي المراد على وجه لا يبقي للسامع مطمعا في الإثبات، فيقولون ما فيها أحد إلا حمار على معنى إن كان الحمار من الأحدين ففيها أحد فيعلقون الثبوت على أمر محال حتما بالنفي".

قال الشهاب السمين: "وهذا عند علماءِ البيانِ يُسَمَّى نَفْيَ الشيء بدليلِه. ومثلُه قول النابغةِ:
لا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ ... بهنَّ فُلولٌ مِنْ قِراعِ الكتائبِ
يعني: إنْ كان أحدٌ يَعُدُّ فُلولَ السيوفِ مِنْ قِراع الكتائب عَيْباً فهذا عيبُهم، لكنَّ عَدَّهُ من العيوبِ مُحالٌ، فانتفى عنهم العيبُ بدليل تعلُّقِ الأمرِ على مُحال".

القول الثاني: أن إلا هنا بمعنى سوى ومعنى الآية على هذا القول: لا يذوقون فيها الموت سوى الموتة الأولى، وهو قول الفراء، وذكر الزجاج نحوه، وذكره الطبري واعترض عليه، وذكره ابن عطية وأنكر على الطبري تضعيفه، كما ذكره الجوزي والقرطبي والشوكاني، وأبو حيان، وابن عجيبة، والشهاب السمين، والألوسي وقال إن فائدة الوصف في هذه الحالة تكون تذكير حال الدنيا.
ومفاد اعتراض الطبري:
أن معنى قول القائل: لا أذوق اليوم الطعام إلا الطعام الذي ذقته قبل اليوم، يعني أنه سيلتزم بأكل ما أكله سابقا، وهذا هو الأغلب فيكون معنى الآية على هذا القول إنهم سيذوقون موتة من نوع ما ذاقوه سابقا وهذا لا شك أنه لا يقع لأن أهل الجنة أمنوا من الموت

قال ابن عطية: "وضعف ذلك الطبري، وقدرها ببعد، وليس تضعيفه بصحيح، بل يصح المعنى بسوى ويتسق"

القول الثالث: ذكر بعضهم أقوالا أخرى مبنية على اتصال المستثنى مثل:
- أن المؤمن في الدنيا بمنزلته في الجنة ليقينه بها، أو لمعرفته بالله، أو أنه عند موته بمنزلته في الجنة لمعاينته ما يعطاه بها. ذكر نحوه ابن قتيبة وربطه بحال الشهداء وبقوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. ونقله عدد ممن فسر الآية.
- أن المعنى الذوق الحاصل بتذكر الموتة الأولى.
- أن ضمير فيها يعود للآخرة والموت أول أحوالها.
وهي تأويلات ضعيفة ذكر بعضها الرازي والشهاب السمين ونقل بعضها الألوسي وقال عنه: "ولا يخفى ما فيه من التفكيك مع ارتكاب التجوز"

الحالة الثانية/ أن الاستثناء منقطع لأن الموت الأول غير الثاني، فليس الاستثناء هنا حقيقيا يخرج به بعضٌ من كلٍ كان داخلا فيه، ومعلوم أن الاستثناء المنقطع يعرف بأحد أمرين:
- أن يصح وضع لكن مكان ألا
((لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى، قد ذاقوها في الدنيا))
- أن يكون الحكم على المستثنى موافقاً للحكم على المستثنى منه
((لا يذوقون فيها الموت، ولا يذوقون فيها الموتة الأولى))
وعلى هذا يكون الغرض من الاستثناء هنا بياني
ويكون إعراب المستثنى {الموتة} هنا: منصوب على الاستثناء وجوبا عند أهل الحجاز، وتميم تتبعه المستثنى منه وهو هنا منصوب.
وممن قال بأن الاستثناء منقطع: النحاس، وابن كثير.
وممن كتب في إعراب القرآن محي الدين في كتاب إعراب القرآن وبيانه، وصاحب الجدول مع الإشارة إلى احتمال الاتصال.
كما ذكره في الأقوال القرطبي والرازي وأبو حيان، والشهاب السمين، والشوكاني، وابن عجيبة، والألوسي

أما الطبري فقد رجح قولا آخر هو أن إلا بمعنى بعد.
وضرب له مثلا قول القائل: لا أكلم اليوم رجلا إلا رجلا عند عمرو، فلو قلت لا أكلم اليوم رجلا بعد رجل عند عمرو، فيكون أوجب على نفسه ألا يكلم ذلك اليوم رجلا بعد كلام الرجل الذي عند عمرو.
واستدل بأنه من شأن العرب أن تضع الكلمة مكان غيرها إذا تقارب معنياهما وضرب لذلك شواهد
فيكون معنى الآية: لا يذوقون فيها الموت بعد الموتة الأولى، وقد نقل هذا القول عن الطبري عدد من المفسرين دون ترجيح ولا إنكار.

قال الألوسي: والجمهور لم يثبتوا هذا المعنى لها
وقال الشهاب السمين: واختاره الطبريُّ، وأباه الجمهورُ؛ لأنَّ «إلاَّ» بمعنى بعد لم يَثْبُتْ.

الخلاصة:
ما ذكره الزمخشري أن الاستثناء هنا من باب التعليق بالمحال صحيح في اللغة وله وجه بياني واضح ولم يذكر ابن عاشور والسعدي غير هذا قول يبنى على هذا القول وهو صحيح في حال اعتبار الاستثناء متصلا.
والمعنى يستقيم أيضا بوضع سوى مكان إلا.
وإذا كان الاستثناء منقطعا فلكن تحل محل إلا ولا إشكال في هذه الحالة.

وعلى كل حال لابد من تدبر المعنى البياني للآية، إذ أن معناها الحقيقي بين ولا خلاف فيه

قال أبو حيان:
"وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخُلُودِ السَّرْمَدِيِّ، وَتَذْكِيرٌ لَهُمْ بِمُفَارَقَةِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ الْبَاقِيَةِ".

والمتأمل ..
يجد أن الآية الكريمة على وجازتها جمعت بين بشرى ذات قيمة لأهل التقوى والإيمان بأنهم آمنون في الجنة من الموت الذي يمكن أن ينغص متعتهم، وبين تذكير لهم بأن حياتهم الكاملة التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالخلود لا يعتريها سوى موتة واحدة تنتهي بها المدة المتاحة لهم للتزود، وهو حدث ذو شأن على المؤمن ألا يغفل عن تذكره قال صلى الله عليه وسلم " أكثروا من ذكر هادم اللذات"
هذا الجمع بين موت الدنيا وخلود الآخرة يقلل من تعلق القلب بهذه الدنيا الزائلة ويذكره بأن الحياة الدنيا قصيرة نسبة لما ينتظره بعدها، كما أنه إذا انعصر قلبه حزنا على ألم الفقد، وخوفا من النهاية انشرح صدره لهذا النعيم المقيم الذي لا يعتريه خوف من الفقد أو الموت فتأمل.

والله أعلم والحمد لله رب العالمين

تابع تطبيقات الدرس الثامن عشر

4. {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
في الآية الكريمة أسلوب استثناء، استخدمت فيه أداة الاستثناء إلا.
جاء في الدرس أن الراجح من تعريف أهل اللغة للاستثناء هو: "إخراج جزء من كلّ بأداة ظاهرة" وأن له أنواعا ودلالات وأن "أسلوب الاستثناء من الأساليب البيانية التي تكرر استعمالها كثيراً في القرآن الكريم لأغراض بيانية بديعة واسعة الدلالات".
وفيما يلي محاولة لتطبيق ما يسر الله فهمه من الدرس على الآية راجية من الله المعونة ومنكم التفضل بالتصويب.

ملاحظة: أقتصر بإذن الله على قراءة ظُلِم بضم الظاء وكسر اللام لأن القراءة الأخرى ليست من العشر ولا من الشواذ لأربع المشهورة.

نذكر ما ذكر في الآية من قراءات

هل الاستثناء هنا مثبت أم منفي؟
الاستثناء هنا منفي بلا النافية، حيث وقع نفي محبة الله سبحانه وتعالى على الجهر بالسوء، أو على من جهر بالسوء، وهو المستثنى منه.

هل الاستثناء هنا تام أو ناقص؟
يمكن أن يكون تاما باعتبار أن المستثنى منه مذكور وهو {الجهر} والمستثنى محذوف تقديره إلا جهر من ظلم.
ويمكن أن يكون ناقصا باعتبار أن المستثنى منه مقدر وهو (أحد) فتكون الجملة: "لا يحب الله الجهر من أحد بالسوء من القول إلا من ظلم"، أو "لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم".

هل الاستثناء هنا متصل أو منقطع؟
يمكن أن يكون متصلا إذا:
- قدرنا محذوف في المستثنى: (جهر من ظلم) ليوافق المستثنى منه {الجهر}
- قدرنا محذوف في المستثنى منه: (من أحد) ليوافق المستثنى: {من ظلم}، أو قدرنا فاعل المصدر {الجهر} بــ: (أن يجهر أحد) ليوافق المستثنى: {من ظلم}
ويمكن أن يكون منقطعا إذا:
قلنا إن المستثنى وهو {من ظلم} مخالف لجنس المستثنى وهو {الجهر بالسوء} والجملة في معنى الاستدراك.

نخلص إلى أن الاحتمالات في أسلوب الاستثناء في الآية:
- منفي تام متصل
- منفي تام منقطع
- منفي ناقص متصل
- أما كونه منفي ناقص منقطع فلا يتأتى لأن تقدير المستثنى يجعله متوافقا مع المستثنى منه.

وكل حالة تعطي معنا مختلفا يدل على سعة المعاني المحتملة لهذه الآية الكريمة على وجازة لفظها
قال ابن عطية بعد أن فسر هذه الآية والتي تليها: ففي هذه الألفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها.
وقال ابن عاشور: وَالْمَقْصُودُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ قُضِيَ فِي الْكَلَامِ حَقُّ الْإِيجَازِ.

وفيما يلي بيان لمعنى الآية وإعراب المستثنى وفقا لكل حالة:

الحالة الأولى: أن يكون الاستثناء منفي تام متصل:
وهي الحالة التي نقدر فيها أن المستثنى منه مذكور وهو {الجهر} فيكون الاستثناء تاما، وهو في الوقت نفسه متوافق مع المستثنى بتقدير {جهر من ظلم}.
فيكون المعنى: أنه سبحانه لا يحب هذا الفعل وهو الجهر بالسوء إلا في حال الحاجة لدفع الظلم.
ومن حيث الإعراب: فالإتباع أولى مع جواز النصب على الاستثناء، فيكون إعراب{من} اسم موصول مبني في محل جر بالإضافة، ويجوز أن يكون في محل نصب على الاستثناء.

الحالة الثانية: منفي تام منقطع:
وهي الحالة التي نقدر فيها أن المستثنى منه مذكور وهو {الجهر} فيكون الاستثناء تاما، ولكن المستثنى {من ظلم} ليس من جنس المستثنى منه.
فلا يكون الاستثناء هنا حقيقيا، وإنما جاء على سبيل الاستدراك، ويصح وضع لكن مكان إلا
فيكون المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ولكن من ظلم فله أن يجهر.
ومن حيث الإعراب: فالنصب فيه لازم عند الحجازيين ولا يجيزون الإتباع، وأما تميم فتتبعه، فيكون إعراب {من} هنا اسم موصول مبني في محل نصب على الاستثناء.

الحالة الثالثة: منفي ناقص متصل:
وهي الحالة التي نقدر فيها المستثنى باعتباره غير مذكور فيكون: (لا يحب الله الجهر من أحد بالسوء)، أو: (لا يحب الله أن يجهر بالسوء أحد) وهو في الوقت نفسه متوافق مع المستثنى منه الذي يقدر ب(إلا أحد ظلم) أو يبقى على معناه (من ظلم).
فيكون المعنى: أن سبحانه لا يحب الانسان الذي يجهر بالسوء من القول إلا في حالة كونه يدفع الظلم عن نفسه.
ومن حيث الإعراب: فله وجه واحد هو الإتباع فيعرب بحسب العامل فيه فيكون {من} في محل جر على البدلية من المستثنى منه المقدر (من أحد)، أو في محل رفع على البدلية من الفاعل المقدر(أحد).

وللمفسرين كلام وتفصيل حول معنى الظلم المستثنى هنا، وحدود دفعه، وما يجوز منه ومالا يجوز والأولى من ذلك وخلافه، كما أن لهم ولمن ألف في إعراب القرآن تفصيلات في إعراب المستثنى وأقوال في حالات إعرابه فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
أحسنت جدا نفع الله بك
أ+

ملاجظة: أرجو أم يكون حل المجلس في المرات المقبلة في مشاركة واحدة مراعاة لتيسير عملية التصحيح.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir