استخرج ثلاث فوائد سلوكية وبين وجه الدلالة عليها من قوله تعالى:
(كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)) الحشر.
1-دوام الاستعاذة بالله من وساوس الشيطان . قال -تعالى- :"كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)
2-على المسلم تحري الصديق الصالح الذي يسانده في الخير و يشد أزره ، و البعد عن الرفيق الذي يخذله عند الشدائد . قال -تعالى- :"كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)
3-التفكّر في مصير من يتعدى حدود الله -تعالى- يورث رهبة في النفس تردع صاحبها من القيام بالمحظور . قال -تعالى- :" فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)
أ: سبب نزول قوله: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} الآية.
ذكرت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أن أمها قدمت إليها راغبة ، فسألت الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن صلتها ؛ لأنها كانت مشركة ، فأجابها الرسول -عليه الصلاة والسلام- بـ :" نعم ، صلي أمك " .
و في حديث عبدالله بن الزبير -رضي الله عنه- أنه عندما قدمت قتيلة أم أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما – و معها هدايا من صناب وأقط و سمن – وكانت مشركة- ، فرفضت أسماء تلك الهدايا و لم تقبل أن تدخل بيتها ، فسألت عائشة -رضي الله عنها- النبي -عليه الصلاة والسلام- ، فأنزل الله -تعالى- :"لاينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين " . فأمرها أن تقبل هديتها و تدخلها بيتها .
ب: أبرز صفات المنافقين مما درست.
ذكر الله -سبحانه- صفات المنافقين و حالهم مع المؤمنين في سورة الحشر ، فمن أبرز صفاتهم :
1-الكذب في القول ، و الوعود الكاذبة . " والله يشهد إنهم لكاذبون" 11
2-ضعفهم و عدم قدرتهم على القتال . " ولئن قوتلوا لا ينصرونهم " 12
3-الخوف من المؤمنين أكثر من الخوف من الله -تعالى- . " لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله "
4-لا يفقهون قدر عظمة الله -تعالى- ؛ لذلك هم مستخفين بمعاصيهم و لا يخافون عقابه . " ذلك بأنهم قوم لا يفقهون " 13
5-الجبن و الهلع . " لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر "
6-متباغضين متعادين فيما بينهم و مختلفين ليسوا على وفاق . " بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً و قلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون " 14
المراد بـ "الذين من قبلهم"، في قوله تعالى: {كمثل الّذين من قبلهم قريبًا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذابٌ أليمٌ}.
ورد عن السلف في المراد بـ " الذين من قبلهم " ، قولين :
القول الأول :كفار قريش يوم بدر ، قاله مجاهد و السدي و مقاتل بن حبان ، ذكره ابن كثير ، والسعدي ، والأشقر .
القول الثاني : يهود بني قينقاع ، قاله ابن عباس و قتادة و محمد بن إسحاق ، ذكره ابن كثير .
و في أن المراد بـ " الذين من قبلهم "يهود بني قينقاع ، قال ابن كثير : أنه قول أشبه بالصواب ؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد أجلى يهود بني قينقاع قبل هذا .
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) }
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) "
لا يوجد أظلم ممن يفتري و يختلق على الله الكذب حيث يجعل له أنداداً يعبدهم من دون الله ، فهذا لا عذر له ؛ لأنه يدعى إلى دين الله و توحيد الله و الإخلاص له ، فإن الله -تعالى- لا يوفق الظالمين لأنفسهم بالشرك و المعاصي ، المستمرين في ظلمهم إلى ما فيه صلاح لهم .
"يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) "
هؤلاء المكذبون يريدون أن يخفوا الدين ويطفئوه بكلامهم الفاسد عنه ، لكن يُستحال ذلك فهم كمن ينفخ بفمه ليطفئ نور الشمس ، فإن الله تكفل بحفظ دينه و إظهاره لكافة الخلق و إعلاء كلمة الحق ، و لو كره الكافرون ذلك .
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (9)"
الله -سبحانه- الذي بعث رسوله الكريم محمد -عليه الصلاة والسلام- للناس كافة بالهدى ودين الإسلام ؛ ليظهره و يعليه على كل الأديان ، رغم أنف كل كاره لهذا الدين أن يمكن في الأرض .
-و صلّ اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين - .