مجلس مذاكرة مقاصد مقدمة تفسير ابن كثير
اختر إحدى المجموعات التالية، ثم أجب على أسئلتها إجابة وافية:
المجموعة الأولى:
1: اذكر حكم تفسير القرآن، وبيّن فضله.
حكم تفسير القرآن:
الواجب على العلماء تفسير القرآن الكريم، وتعليمه للناس، قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
والواجب على عامة الناس تعلم التفسير وطلبه من مصادره الصحيحة، ليفقهوا كلام الله وما فيه من أوامر ونواهي وحكمة وموعظة، فيخالفوا بذلك أهل الكتاب، حيث فرطوا في كتابهم فذمهم الله على ذلك، قال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.
ويستدل على وجوب تعلم التفسير، أيضا بالآيات الدالة على التدبر، لأن التدبر واجب كما دلت على ذلك الآيات التي أنكر الله فيها على الذين لا يتدبرون، والله لا ينكر إلا على ترك أمر شرعه وأوجبه، قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}.
لذلك حكم تعلم التفسير إجمالا واجب، وتدبره واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فضل تفسير القرآن:
1- به يحيي الله القلوب وتخشع كما يحيي الأرض بعد موتها، فتلين القلوب بالإيمان وتهتدى بعد أن قست بالذنوب والمعاصي، قال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}.
2- حتى نخرج من دائرة الذم، فقد ذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله الذي أنزله عليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، قال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.
3- حتى نستطيع تدبر القرآن الكريم استجابة لأمره تعالى، علينا بتعلم تفسير القرآن وفهمه أولا، قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على على قلوب أقفالها}.
2: ما هي أحسن طرق التفسير؟ وكيف نفسّر ما لا نجده في الوحيين ولا في أقوال الصحابة
أحسن طرق التفسير؛ تفسير القرآن بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة، وتفصيل ذلك ما يلي:
- تفسير القرآن بالقرآن: فما أجمل في موضع من القرآن فإنه قد فسر في موضع آخر.
- تفسير القرآن بالسنّة: فهيمبيّنة للقرآن وشارحة له.
قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
فالسنّة وحي من الله إلا أنها لا يتعبد بها ولا تقرأ في الصلاة، قال الرسول:((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)).
قال الشافعي: (كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى:{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما}) الشاهد: بما أراك الله.
- تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم، إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنّة، وذلك لأن الصحابة أعلم الناس بالقرآن لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي حضروها وعاشوها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه إياهم، وأن كبراء الصحابة لهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن، فكانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أشكل عليهم، كالخلفاء الأربعة وابم مسعود وابن عباس، رضي الله عنهم جميعا.
ولكن كيف نفسّر ما لا نجده في الوحيين ولا في أقوال الصحابة:
- نرجع لأقوال التابعين، فقد مدحهم الرسول صلى الله عليهم ووصفهم أنهم خير القرون مع قرن الصحابة، فقد أخذوا عنهم وتعلموا منهم، فإذا أجمع التابعون على تفسير فهو حجة، وإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ولا على غيرهم ممن خالفهم.
- فإذا لم نجد في أقوال التابعين، نجتهد في التفسير ولكن ليس بمجرد الرأي بغير علم؛ فهذا محرم وتقول على الله بغير علم، بل بعد التزود بالعلوم اللازمة للوصول إلى التفسير الصحيح، فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)).
ويكون الاجتهاد في التفسير بالقرآن أوبالسنة فيما لا نص فيه أو باللغة، فقد قال ابن عباس: (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله).
3: ما المقصود بالأحرف السبعة، وما الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف.
المقصود بالأحرف السبعة:
اختلف العلماء في المراد بها على 35 قولا ، وذكر القرطبي خمسة أقوال:
القول الأول: أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم.
وقد ذكر هذا القول: أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وابن وهب، وابن جرير، والطحاوي.
استدلوا بما يلي:
بحديث: أبي بكرة قال: "جاء جبريل إلى النبي، فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل".
وبقراءة أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم}:"للذين آمنوا أمهلونا""للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} "مروا فيه" "سعوا فيه".
وجه الاستدلال:
1- كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ.
2- جواز ترك الرخصة لحصول الضرر:
كما ألزم عمر بن الخطاب الناس بالطلاق الثلاث المجموعة حتى تتابعوا فيها وأكثروا منها، قال: فلو أنا أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.
وكان كذلك ينهي عن المتعة في أشهر الحج لئلا يتقطع زيارة البيت في غير أشهر الحج. وقد كان أبو موسى يفتي بالتمتع فترك فتياه اتباعا لأمير المؤمنين وسمعا وطاعة لأئمة المهديين.
القول الثاني: نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب:
- أنه نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة والثاني بلغة أخرى ، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى السبعة، وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت}[المائدة: 60]و{يرتع ويلعب}[يوسف: 12].
- بعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض.
- لا يعني ذلك أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، ولا أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف فهذا شيء غير موجود.
وقد ذكر هذا القول: أبو عبيد، واختاره ابن عطية.
واستدلوا بما يلي:
بقول ابن عباس قال: "نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن"؛ولهذا قال عمر: لا يملي في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف.
استدلال ابن عباس بالشعر على معاني القرآن؛ واستشهاده به على التفسير، فقد روي عن ابن عباس في قوله:{فإذا هم بالساهرة}، قال: "الأرض، قال أمية بن أبي الصلت: عندهم لحم بحر ولحم ساهرة".
الردعلى هذا القول:
الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع، وقد صح وثبت ذلك؛ إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبع بما يعجز عن إحصائه، فاسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا، يعني حجازها ويمنها.
القول الثالث: أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة: لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.
الرد على هذا القول:
ليس القرآن كله بلسان قريش ولا بغير لسان قريش: فمعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش، أي: معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: {قرآنا عربيا}[يوسف: 2]، ولم يقل: قرشيا، كما أن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات، فإن قريشا لا تهمز.
القول الرابع: وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء:
1. ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ".
2. ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا}[سبأ: 19]و "باعَد بين أسفارنا".
3. الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها".
4. الاختلاف في الصورة بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش}[القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش".
5. اختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود".
6. الاختلاف بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق}[ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت".
7. الاختلاف بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".
حكى هذا القول: الباقلاني عن بعض العلماء.
القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن، وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال.
استدلوا بما روي عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
الرد على هذا القول:
- قول الزهري: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا تختلف في حلال ولا في حرام
- وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا.
- الإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني.
مع العلم أن:
اختلاف القراءات في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع آخر مع اتفاق الصورة ليس من الأحرف السبعة، لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر، في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب صلى الله عليه وسلم بالمراء في الأحرف السبعة الكفر.
علاقة القراءات السبع ليست هي الأحرف السبعة، لأنها تنسب للقراء السبعة، الذين جاؤوا لاحقا، فهي ليست الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، قال به كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما.
الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف هي التخفيف:
لأن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف تخفيفا عليهم، فبأي حرف قرؤوا فقد أصابوا، فعن أبي بن كعب قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ((إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة، والغلام، فقال: مرهم فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف)).
وروى ابن جرير عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل فقال: (إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)).ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الثالثة قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك)).ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا).