المجموعة الثالثة:
1: هل نزلت المعوّذتان بسبب حادثة سحر النبيّ صلى الله عليه وسلم؟
المعوذتان الصحيح أنهما مدنيتان والقول بأنهما مكيتان ضعيف لما رواه مسلم عن عقبة بن عامر في صحيح مسلم وسنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ألم تر آيات أُنزلتِ الليلة لم ير مثلهنَّ قط؟قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. وعقبة بن عامر الجهني ممن أسلم بعد الهجرة. ولحديث أبي سعيد الخدري وهو أنصاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجانّ وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان؛ فلما نزلتا أخذ بهما ، وترك ما سواهما رواه ابوداود والنسائي وبن ماجه.
ولكن ارتباط نزولهما بحادثة سحر النبي صلي الله عليه وسلم فيها خلاف ولبس والسبب في ذلك تفرد أحد رواة الحديث بزيادة لم يروها غيره, فقد روي طريق أحمد بن يونس عن أبي معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حيّان عن زيد بن الأرقم قال: (سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود. قال: فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين، قال: إن رجلاً من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان. قال: فأرسل علياً فجاء به. قال: فأمره أن يحلّ العُقد وتُقرأ آية؛ فجعل يقرأ ويحلّ حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أُنشِطَ من عقال. فقد روي هذا الحديث بهذة الصيغة عبد بن حميد والطحاوي عن أحمد بن يونس وهو إمام ثقة, لكن غيره من الثقات هذا الحديث من غير هذه الزيادة كأحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وهناد بن السري ولم يذكروا هذه الزيادة. كما أن الحديث له اربع طرق ليس فيها هذه الزيادة.
وبناء علي ذلك من اعتبر الريادة صحيحة مقبولة وأنها من باب زيادة الثقة قبلها وقال بها كالإمام الألباني, ومن اعتبرها شاذة لمخالفة الثقة من هو أوثق منه ردها ولم يقبلها.
لذا لا نستطيع القول بارتباط نرول المعوذتين بحادثة سحر النبي صلي الله عليه وسلم
2: ما الحكمة من تخصيص الاستعاذة بربوبية الفلق دون ما سواها؟
الفلق: هو اسم لكل ما يفلق اي يشق فيخرج منه المشقوق.
وعلي هذا المعني تنوعت نعاني الفلق فمن قائل هو الصبح الذي ينفلق من الظلمة كقوله تعالي (فالق الإصباح) ومنه إنفلاق الحبة عن الزرع كقوله تعالي (فالق الحب والنوي) ومنه إنفلاق بطن الأم وخروج الجنين منها. فهذه بعض معاني الفلق. ومن معاني الفلق ما يصيب الإنسان من الشرور والكربات والهموم وغيرها من الأضرار سواء من الهوام والحيوانات او من الإنس او من الجان.
والمتأمل فيها يجد أنها تحوي التغيير وتحول الحال, لذا ناسب ذكر الفلق الربوبية, فمن معاني الرب المالك و القادر, فهو سبحانه القادر علي تغيير الحال وتبديله, فكما يفعل سبحانه ويفلق هذه الأشياء الكونية قادر علي أن يكشف كرب الإنسان ويفرج همه وفي قصة موسي عليه السلام خير دليل, لما قال أصحاب موسي (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) الشعراء
فهو القادر سبحانه علي كشف الضر وإزالة الهم والغم وأن الشرور الحسية والمعنوية لا يكشفها غيره سبحانه وتعالي وهذا يجعل العبد كتعلق بالله في كل شيء يسأله كل شيء من حاجاته
3: تكلّم عن أنواع الغواسق، وسبيل العصمة من شرّها.
الغواسق علي انواع متعددة وبيانها كالتالي:
1- مايقع علي العامة مثل الليل يغشي بظلمته كل المخلوقات ومن المعلوم ما يحدث في الليل من الشرور والأثام وما يحدث فيه من ظهور وانتشار للهوام والحيوانات المؤذية, كذلك يكثر في الليل وجود الشياطين و ما يأذون به بني آدم. وفي الليل أيضا ينتشر العصاة والفسقة ويتسترون بالليل ويفعلون ما يريدون فيه.
2- ما يصيب الجماعة من الناس: فقد يصيب جماعة او قبيلة او قوم شر او بلاء او مصيبة او فتنة فتصرفهم عن الحق وعن ما ينفعهم.
3- ما يقع علي الفرد: فيصيب الإنسان الضر في نفسه أو أهله أو ماله أو بدنه أو بعض أجزاء بدنه وقد يطول هذا الغاسق أو يقصر وقوعه
سبيل العصمة من الغواسق:
فليعلم الإنسان أن أصل النجاة هو تذكر الله عز وجل في قلب العبد ومحبته سبحانه وإنعكاس ذلك علي أعضاءه, فمن ذكر الله في قلبه واستشعر عظمته وجلاله ووقوف العبد بين يديه وأنه مسئول عن أفعاله فإن ذلك يورث العبد الخشية والخوف من عقوبته وبطشه وإذا استشعر العبد تقصيره في الطاعة قاده الحب وحسن الظن في الله والرجاء بأنه سبحانه سيقبل عمله القليل ويجازيه عليه بأحسن الجزاء.
فمن تاب ورجع وأقبل علي الله أقبل الله عليه, ومن ذكر الله بقلبه ولسانه فر عنه شيطانه ولم يوسوس له لأن العبد لجاء إلي الله, وبعد ذكر الله أعمل العبد جوارحه في طاعة الله لا في هواه و شيطانه فإن الله يحفظه ويصرف عنه السوء والفحشاء ويكلئه بعنايته ورعايته
4: ما هو الحسد؟ وما وجه تسميته بذلك؟
الحسد هو تمني زوال النعمة من المحسود أو تمني دوام البلاءعليه.
وعلي هذا فالحسد علي نوعين:
1- تمني زوال النعمة
2- تمني دوام البلاء
وجه التسمية:
قال بعض علماء العربية إن الحسد مشتق من القشر ولذلك سمي القرأد (الحشرة المعروفة )حسدلاً لأنها تمص الدم من الجسم.
قال ابن الأعرابي (الحِسْدِلُ: القُرَادُ). قال: (ومنه أُخذ الحَسَد لأنه يَقْشِرُ القَلْب كما يَقْشر القُراد الجلد فيمتص دمه.
وقال البغوي في شرح السنة: (الحسد يقشر القلب، كما يقشر القراد الجلد، فيمص الدم) ا.هـ.
ووجه ذلك علي صورتين:
1- أن الحاسد معلق قلبه بالمحسود ويريد زوال النعمة منه فهو يشبه القراد في ملازمته لجلد الفريسة لمتص دمها.
2- أن الحاسد مشغول دائما بالمحسود ومتابع له في حركاته وسكناته, يراقبه ويتجسس عليه ومع ذلك يتمني زوال النعمة منه
5: تكلم بإيجاز عن أهم الأصول الواجب معرفتها في علاج الحسد.
الأصل الأول: أن الحسد عَملٌ قلبيّ، لذا يجب علي العبد مراجعه قلبه ونيته.
الأصل الثاني: أن الحسد فيه شرّ متعدٍ، فهو ليس شرا في نفسه بل متعد إلي غيره من الناس كما أنه قد يؤدي لمزيد من الشرور كقتل المحسود وغير ذلك.
الأصل الثالث: أن الحسد داء من الأدواء، وبما أنه داء فإن له علاج للحاسد والمحسود كما ورد في سنة النبي صلي الله عليه في علاج المحسود, ويطلب الحاسد أن يطهر الله قلبه من هذا الداء
الأصل الرابع: أن الحسد قد يكون عقوبة يعاقب بها المحسود، وذلك بسبب حسده لغيره من الناس قبل ذلك فعاقبه الله وأذاقه من نفس الكأس التي شرب منها غيره بسببه, فليتب ويستغفر ولا يحسن الظن بنفسه
الأصل الخامس: أن الحسد من البلاء ، وما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة والعبد لا اختيار له في نوع البلاء الذي يُبتلى به، بل الله تعالى هو الذي يبتلي عباده بما يشاء ومتى يشاء وكيف يشاء، والعبد لا يستطيع أن يدفع البلاء عن نفسه، ولا يكشف الضر عنها ، والذي علي العبد الرجوع والتوبة والإنابة إلي الله ليرفع الله عنه البلاء.
الأصل السادس: أن يكون المؤمن على الحال الوسط بين الغلو والتفريط، فلا يغالي في موضوع الحسد ولا يعلق كل شيء عليه بل يأخذ بالأسباب في دفع الحسد ويتوكل علي الله وليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ويحصن نفسه وأهله بالأذكار. ولا يكون مفرطاً, فيقول لا حسد وينفيه ومع ذلك يهمل في الأخذ بأسباب رفع الحسد من المحافظة علي الأذكار.
الأصل السابع: أن الحسد في الأصل من التأثيرات الروحية التي تنطلق من الأرواح فتصيب الأرواح بالأصل وتؤثر في الأجساد تبعاً، ويترتب علي ذلك أن الحسد يصيب النفس الضعيفة غير المحصنة وكل ذلك بقدر الله ولا يصيب النفس القوية وذلك أيضا بقدر الله. لذا وجب علي الإنسان أن يعمل علي أن تمون نفسه قوية لا تؤثر فيها هذه الأدواء وذلك بتعلقها بالله وحسن التوكل عليه والمحافظة علي الأذكار والأوراد.