صحف التابعين
كتب جماعة من التابعين كتباً دوّنوا فيها بعض ما سمعوه من الصحابة رضي الله عنهم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وعن بعض كبار الصحابة، ومما علموه من أقوال الصحابة في المسائل العلمية في التفسير والحديث والفقه وغيرها، ومما أملاه عليهم بعض الصحابة، وممن ذُكر عنه أنه كان يكتب:
1. عبيدة بن عمرو السلماني(ت:72هـ)
وهو من أصحاب علي وابن مسعود رضي الله عنهما، ومن كبار فقهاء التابعين، كتب كتباً، لكنّه دعا بها عند موته فمحاها وقال: (إني أخاف أن يليها قوم، فلا يضعونها مواضعها). رواه الدارمي وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال أبو يزيد المرادي قال: «لما حضر عبيدة الموت دعا بكتبه فمحاها» رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
وقد استأذنه محمد بن سيرين أن يكتب عنه فأبى، وقال لإبراهيم النخعي: ( لا تخلّد عنّي كتاباً)، وكان عَبيدة ممن اشتهر عنه النهي عن الكتابة، ولعله إنما ترخّص لنفسه بالكتابة لتوثّقه من حفظ ما يكتب وعزمه على إتلافه.
2. الحارث بن عبد الله الهمداني(ت:65هـ)
ويُعرف بالحارث الأعور، وهو من أصحاب عليّ وابن مسعود، وكان مقدّماً في فقهاء الكوفة، عالماً كبير الشأن، لكنه تغير وأحدث أموراً ، واتّهم بالكذب؛ وبالتشيّع، وبقول سوء من أقوال أهل الأهواء، فلذلك تركه أكثر أهل الحديث.
- قال مغيرة بن مقسم الضبي: سمعت الشعبي يقول: (حدثني الحارث الأعور وأنا أشهد أنه أحد الكاذبين). رواه البخاري في التاريخ الكبير والعقيلي في الضعفاء.
- وقال أبو بكر بن عياش: (لم يكن الحارث بأرضاهم، كان غيره أرضى منه، وكانوا يقولون: إنه صاحب كتب كذاب).
ولما مات تزوّج أبو إسحاق السبيعي الهمداني(:127هـ) امرأته، وقرأ كتبه فكان يروي عنه، فكان يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي لا يرويان من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن عليّ شيئاً.
5. وقال كثير بن أفلح المدني(ت:63هـ): (كنا نكتب عند زيد بن ثابت رضي الله عنه) رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، والخطيب البغدادي في "تقييد العلم".والمكتوب هنا مبهم، وظاهر استدلال البيهقي والخطيب البغدادي بهذا الأثر أنهم كانوا يكتبون السنن، لكن روى ابن أبي خيثمة في تاريخه من طريق عمرو بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن كثير بن الصلت أنهم كانوا يكتبون عند زيد - يعني: ابن ثابت - المصاحف.
وكثير بن أفلح كان من الذين كتبوا المصاحف العثمانية زمن عثمان ابن عفان؛ فيتحقق منه إن أمكن.
6. وكتب مِن أصحاب أبي هريرة رضي الله عنه جماعة، منهم: همام بن منبه، وبشير بن نهيك، ومحمد بن سيرين، وغيرهم.
7. وكتب مِن أصحاب ابن عباس جماعة، منهم: مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وأربد التميمي، وأبو مالك الغفاري، وأبو صالح مولى أمّ هانئ، وغيرهم.
8. وقال عبد الله بن حنش الأودي الكوفي: (رأيتهم يكتبون عند البراء بأطراف القصب على أكفّهم). رواه أحمد في العلل والدارمي في السنن، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
9. سليمان بن قيس اليشكري البصري(ت: 73هـ تقريباً ) كتب سليمان صحيفة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ثم مات سليمان قبل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وبقيت صحيفته عند أمّه أو امرأته؛ فاشتهر خبرها وقُرئت على بعض المحدّثين ومنهم قتادة فحفظها قتادة وكتبوها عنه واشتهرت روايتها.
- قال الفسوي: سمعت سليمان بن حرب قال: كان سليمان اليشكري جاور بمكة سنة جاور جابر بن عبد الله، وكتب عنه صحيفة، ومات قديماً، وبقيت الصحيفة عند أمّه، فطلب أهل البصرة إليها أن تعيرهم فلم تفعل.
فقالوا: فأمكنينا منها حتى نقرأها.
فقالت: أما هذا فنعم.
قال: فحضر قتادة وغيره فقرءوه؛ فهو هذا الذي يقول أصحابنا: حدّث سليمان اليشكري، أو نحو هذا من الكلام).
- وقال أبو حاتم الرازي: (جالس سليمان اليشكري جابراً؛ فسمع منه وكتب عنه صحيفة؛ فتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته؛ فروى أبو الزبير وأبو سفيان والشعبي عن جابر وهم قد سمعوا من جابر وأكثره من الصحيفة، وكذلك قتادة).
- وقال معمر: قال قتادة لسعيد بن أبي عروبة: (يا أبا النضر! خذ المصحف).
قال: فعرض عليه سورة البقرة، فلم يخطئْ فيها حرفا واحدا.
قال: (يا أبا النضر، أحكمتُ؟).
قال: نعم.
قال: (لأنا لصحيفة جابر بن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة).
قال معمر: (وكانت قُرئت عليه). رواه ابن سعد والبخاري في التاريخ الكبير والفسوي وأبو القاسم البغوي.
- قال أبو القاسم البغوي: (يعني الصحيفة التي يرويها سليمان اليشكري عن جابر).
- وقال أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئا إلا حفظه، وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها، وكان سليمان التيمي وأيّوب يحتاجون إلى حفظه، يسألونه، وكان من العلماء، كان له خمس وخمسون سنة يوم مات). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
- وقال عاصم بن أبي النجود: عرضنا على الشعبي صحيفة جابر أو صحيفة فيها حديث جابر؛ فقال: (ما من شئ فيه إلا سمعته من جابر، ولوددت أنكم انقلبتم منه كفافا). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- قال أحمد بن حنبل: (سليمان اليشكري، شيخ قديم، قُتل في فتنة ابن الزبير).
- وقال البخاري: (مات سليمان قبل جابر بن عبد الله).
10: عروة بن الزبير بن العوام الأسدي(ت:95هـ)
- قال يحيى بن معين: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة أن أباه أحرق كتباً له فيها فقه، ثم قال: (لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي). رواه ابن عساكر. - وقال ابن أبي الزناد: قال عروة بن الزبير: (كنا نقول لا يُتخذ كتابٌ مع كتاب الله؛ فمحوت كتبي؛ فوالله لوددت أن كتبي عندي، إن كتاب الله قد استمرّت مريرته). رواه ابن عساكر.
11: سعيد بن جبير الأسدي(ت:95هـ)
- قال عثمان بن حكيمٍ: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول: (كنت أسير مع ابن عباسٍ في طريق مكة ليلاً، فكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه). رواه الدارمي.
- وقال جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: (كنت أجلس عند ابن عباسٍ فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ..). رواه الدارمي.
- وكتب صحيفة عن ابن عمر فيها أقواله مما يسأله عنه ويستفتيه فيه، وكان يخفيها عن ابن عمر.
- وكتب لعبد الملك بن مروان كتاباً في التفسير، أودعه عبد الملك في ديوانه، ووجده عطاء بن دينار فكان يروي ما فيه وجادةً، وهو لم يقرأه على سعيد، وقد أخرج بعض أصحاب التفاسير المسندة جملة من مرويات هذا الكتاب.
12: مجاهد بن جبر المكي(ت:102هـ)
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله) رواه ابن جرير.
- وقال أبو يحيى الكناسي: (كان مجاهد يصعد بي إلى غرفته فيخرج إلي كتبه فأنسخ منها). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
13: الحسن بن أبي الحسن البصري(ت:110هـ)
كان الحسن كاتباً للربيع بن زياد بخراسان، وكان عنده كتب، وقد روى أحاديث من صحيفة سمرة بن جندب لبنيه.
- قال جرير عن الأعمش عن الحسن قال: ( إنّ لنا لكتباً نتعاهدها). رواه الفسوي في المعرفة، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
14: وهب بن منبه بن كامل الصنعاني (ت: 114هـ)
وهو تابعي ثقة، تولّى قضاء صنعاء مدة، وكان صاحب كتب، وقد اطّلع على كتب أهل الكتاب، وقرأ كثيراً منها، فكان يقصّ منها؛ وهو من مشاهير رواة الإسرائيليات.
- قال جعفر بن سليمان، عن أبي سنان القسملي، عن وهب بن منبه، قال: (قرأت نيفا وتسعين كتابا من كتب الله - منها سبعين ظاهرة في الكتابين، ونيفا وعشرين لا يعلمها إلا قليل من الناس - فوجدت فيها كلها: من وكل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر). رواه ابن أبي خيثمة.
وأبو سنان هو عيسى بن سنان مختلف فيه.
له كتاب "المبتدأ"، ذكر فيه بدء الخلق وأخبار الأنبياء، وكتب كتاباً آخر في القدر ثمّ ندم عليه.
- قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار: دخلت على وهب بن منبه داره بصنعاء، فأطعمني جوزا من جوزة في داره، فقلت له: وددت أنك لم تكن كتبت في القدر كتابا.
فقال: وأنا والله لوددت ذلك.
قال الذهبي: (وكان صدوقا عالما قد قرأ كتب الأولين وعرف قصص الأنبياء عليهم السلام، وكان يشبه بكعب الأحبار في زمانه، وكلاهما تابعي لكن مات قبله بنحو من ثمانين سنة، فمولد وهب قريب من وفاة كعب).
لكن كثير مما يروى عن وهب بن منبه من الإسرائيليات في كتب التفسير لا يصحّ عنه.
15: نافع مولى ابن عمر (ت:117هـ)
كتب صحيفة فيها أحاديث كثيرة رواها عن ابن عمر مما سمع منه، وكان نافع من كبار المحدّثين والفقهاء، بعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر يعلّم أهلها السّنن.
- قال يحيى بن سعيد القطان: قال ابن جريج: (طرح إلي نافع حقيبة فمنها ما قرأت، ومنها ما سألت).
قال يحيى: (فما قال: سألت وقلت؛ فهو مما سأله، والقراءة أخبرني نافع). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
16: عبد الله بن عامر اليحصبي (ت:118هـ)
مقرئ أهل الشام، وإمام الجامع الأموي بدمشق، وقاضي الجند بها، وهو أحد القراء السبعة، سمع قراءة عثمان بن عفان، وقرأ على المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، وقيل: قرأ على أبي الدرداء رضي الله عنه.
ذُكر له كتاب "المقطوع والموصول" ، وهو في الوقوف، ولم أتحقق من صحة نسبته إليه.
17: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدّي(ت:127هـ)
وهو تابعي رأى سعد بن أبي وقاص والجسن بن علي وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة وأنس بن مالك، وغيرهم.
وكان يقصّ بسدّة باب الجامع في الكوفة فلقّب بالسدّي، وقد اختلف فيه الأئمة النقاد فضعفه يحيى بن معين، ووثقه الإمام أحمد، وأخرج له مسلم في صحيحه.
وكانت أكثر عنايته بالتفسير، وله تفسير كبير جمعه من طرق أدخل بعضها في بعض، ثم ساقها مساقاً واحداً:
- من طريق أبي مالك الغفاري عن ابن عباس.
- ومن طريق أبي صالح مولى أمّ هانئ عن ابن عباس.
- ومن طريق مرة بن شراحيل الهمداني عن ابن مسعود.
- ومما رواه هو عن ناس من الصحابة لم يسمّهم، ولا ندرى هل روايته عنهم متصلة أو مرسلة، وهو من طبقة صغار التابعين الذين لم يدركوا كثيراً من الصحابة.
وهذا التفسير رواه عنه أسباط بن نصر الهمداني، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهما مرويات كثيرة من تفسير السدي مفرقة على السور.
وكان للسدي كتاب آخر في التفسير يرويه عن أبي صالح مولى أمّ هانئ؛ ففي في التفاسير المسندة مرويات كثيرة من طريق السدي عن أبي صالح خاصة، وقد كان لأبي صالح صحيفة في التفسير، فلعله رواها عنه أو استملى منه بعض ما فيها.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: (سمعت أبي يقول : كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن إسماعيل عن أبي صالح بشيء من أجل أبي صالح.
قال: وكان في كتابي عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن السدي عن أبي صالح ، فلم يحدثنا عنه).
فكان عدم التحديث به من أجل أنّ يحيى بن سعيد القطان كان يضعّف أبا صالح .
18: بكير بن عبد الله بن الأشجّ(ت:127هـ)
تابعي ثقة جليل القدر، روى عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه.
- قال علي ابن المديني: (لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من ابن شهاب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وبكير بن عبد الله بن الأشج).
نزل مصر، وحدّث بها، وكان يجاهد في الثغور.
قال حماد بن خالد الخياط: أخرج مخرمة بن بكير كتباً فقال: (هذه كتب أبي لم أسمع من أبي شيئا). رواه أحمد في العلل والبخاري في تاريخه.
19: شيبة بن نِصَاح بن سرجس المدني(ت:130هـ)
من أئمة القراءة بالمدينة، وكان قاضياً.
- قال ابن الجزري: (وهو أوَّل من ألَّف في الوقوف، وكتابه مشهور).
20: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان المدني (ت:131هـ)
- وقال ابن سعد: (كان ثقة كثير الحديث، فصيحا بصيرا بالعربية عالما عاقلا وقد ولي خراج المدينة)
- وقال الأصمعي: أخبرنا عيسى بن عمر عن أبي إسحاق قال: (سألت أبا الزناد عن الهمز؛ فكأنما كان يقرأه من كتاب). رواه ابن عساكر.
- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: (كان أبو الزناد أَحْسَبُ أهل المدينة وابنه وابن ابنه). رواه ابن أبي خيثمة والخطيب البغدادي وابن عساكر.
أَحْسَبُ أي أعلمهم بالحساب، مثل أَكْتَب، أي: أمهرهم بالكتابة.
- وقال ابن أبي خيثمة: (وكان أبو الزناد فقيه أهل المدينة وكان صاحب كتاب وحساب، وكان كاتبا لعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وكان كاتبا لخالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم بالمدينة).
رُوي عنه كتاب "السبعة" ولا يثبت.
- وقال محمد بن طالب بن علي: سألتُ أبا علي صالح بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، فقال: (قد روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره، وتكلم فيه مالك بن أنس بسبب روايته كتاب السبعة عن أبيه وقال: (أين كنا نحن من هذا؟!). رواه الخطيب البغدادي.
21: همام بن منبه بن كامل الصنعاني (ت: 132هـ)
أخو وهب بن منبّه، كتب صحيفة مشهورة عن أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجها الإمام أحمد في مسنده.
22: زيد بن أسلم العدوي(ت:136هـ)
الإمام المفسّر، كان معلّم كتّاب بالمدينة، وعني بالتفسير والفقه حتى تصدّر فيهما.
- وقال يعقوب بن شيبة: (زيد بن أسلم ثقة من أهل الفقه والعلم، وكان عالما بتفسير القرآن، له كتاب فيه تفسير القرآن). رواه ابن عساكر.
وهذا الكتاب لا نعلمه إلا ما رواه عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد، وقد جمع فيه أقواله مع أقوال أبيه فلم يتمحّض الكتاب لأبيه.
وله كتاب في الناسخ والمنسوخ رواه عنه ابن وهب في جامعه.
23: عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب(ت: بعد 140هـ)
- قال محمد بن علي بن علي السلمي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: (كنت أختلف أنا وأبو جعفر إلى جابر بن عبد الله نكتب عنه في ألواح). رواه البيهقي في المدخل إلى السنن.
ورواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم من طريق يعقوب بن عبد الله بن سعد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قال: كنت أنطلق أنا ومحمد بن علي أبو جعفر، ومحمد بن الحنفية، إلى جابر بن عبد الله «فنسأله عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صلاته، فنكتب عنه، ونتعلم منه».
24: أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج(ت:140هـ)
من العلماء العبّاد بالمدينة، سمع سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وروى عنه.
- قال أبو طالب عن الإمام أحمد وقد سُئل عن عبد العزيز بن أبي حازم فقال: (ابن أبي حازم لم يكن يُعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه، وكان رجلا يتفقَّه، يقال: لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه، ويقال: إن سليمان بن بلال أوصى إليه؛ فوقعت كتب سليمان إليه ولم يسمعها، وقد روى عن أقوام لم يُعرف أنه سمع منهم، ولا كاد يعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه فإنهم يقولون سمعها). رواه أبو يوسف الفسوي.
25: ويحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري (ت:143هـ)
كان لا يكتب في أول أمره، ولما استدعاه أبو جعفر المنصور للقضاء بالهاشمية قبل أن تبنى بغداد طلب من تلميذه الإمام مالك أن يكتب له مائة حديث من أحاديث الزهري في الأقضية.
كتب له الإمام مالك أحاديث الزهري في القضاء في صحيفة، كان
- وقال إسماعيل ابن أبي أويس: حدثني مالك بن أنس قال: لما أراد يحيى بن سعيد أن يخرج إلى العراق قال لي: اكتب لي مائة حديث من حديث ابن شهاب، وأتني بها.
قال: فكتبت مائة حديث من حديث ابن شهاب فأتيته بها فأخذها مني.
قلت لمالك: فما قرأها عليك، ولا قرأتها عليه؟
قال: (لا، هو كان أفقه من ذلك). رواه ابن سعد.
- وقال ابن وهب: حدثنا مالك، قال: قال يحيى بن سعيد: (اكتب لي أحاديث من أحاديث ابن شهاب في الأقضية).
قال: فكتبت له ذلك في صحيفة كأني أنظر فيها صفراء.
فقيل لمالك: يا أبا عبد الله أعرض عليك؟
قال: (هو كان أفقه من ذلك). رواه ابن أبي خيثمة والبيهقي في المدخل إلى السنن.
26: وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي(ت:151هـ)
ذكر عنه أنه كتب كتابا في الفقه، وأبو حنيفة من صغار التابعين ، رأى أنس بن مالك رضي الله عنه.
27: محمد بن إسحاق بن يسار (ت:151هـ)
وكتابه في السيرة مشهور واسمه "المبتدأ والمبعث والمغازي" وله روايات كثيرة جداً، منها مطبوع ومفقود، ونُسب إليه كتاب "حرب البسوس"، وهو مطبوع.
اشتهار التدوين في آخر عصر التابعين:
في خلافة عمر بن عبد العزيز بدأ التدوين العام لكتب السنة؛ فكتب إلى أبي بكر بن حزم: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء). رواه البخاري في صحيحه من طريق عبد العزيز بن مسلم القسملي عن عبد الله بن دينار به.
وفي رواية عند الدارمي والمروزي في السنة من طرق عن عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار قال: «كتب عمر بن عبد العزيز، إلى أهل المدينة أن انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله».
وفي رواية عند أبي نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان من طريق درهم بن مظاهر قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: «انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه واحفظوه؛ فإني أخاف دروس العلم، وذهاب العلماء».
وفي رواية عند الدارمي من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن دينار، قال: «كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن اكتب إلي بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحديث عَمْرَة، فإني قد خشيت دروس العلم وذهابه».
ثمّ دوّن الزهري الأحاديثَ والآثارَ بأمر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بن مروان، وبعث بها إلى الأمصار.
- قال سعيد بن زياد: سمعت ابن شهاب يحدّث سعد بن إبراهيم قال: «أَمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفتراً دفتراً؛ فبعث إلى كلّ أرض له عليها سلطان دفتراً» رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
ثمّ كثر التدوين بعد ذلك، وشاع في الأمصار، وكثرت المرويات والرحلات في طلب العلم، والأسئلة والأجوبة؛ فكثرت الكتب.
[للدرس بقية ]