المجموعة الثالثة
س1: اقرأ تفسير قول الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} للطاهر ابن عاشور في كتابه "التحرير والتنوير" ، ثمّ لخّص ما ذكره من الفوائد البلاغية.
***
المناسبة (حسن الانتقال من موضوع الى موضوع ): ذكر ابن عاشور مناسبة هذه الآية لما قبلها
قال : لمّا كانت هذه النذارة بُلِغت بالقرآن والمشركون معرضون عن استماعه حارمين أنفسهم من فوائده ذُيّل خبرها بتنويه شأن القرآن بأنه من عند الله وأن الله يسّره وسَهله لتذكّر الخلق بما يحتاجونه من التذكير مما هو هدى وإرشاد .
التعريض: في الآية حيث للمؤمنين على تذكر القران والإقبال عليه و في ذلك تعريض بالمشركين الذين اعرضوا عن كتاب الله
تأكيد الخبر (خبر إنكاري) ...موافقا لمقتضى الحال :
جاء الخبر في الآية مؤكدا " بالام " وحرف التحقيق " قد" مراعى فيه حَال المشركين الشاكين في أنه من عند الله .
ائتلاف اللفظ و المعنى
استعمال لفظ اليسر دون غيره من الألفاظ "سهل" موافقة لدلالة على المعنى المراد
فالقران ميسر للناس ؛ تيسير الألفاظ وتيسير المعاني ؛ ميسر بتيسير الله له .
معاني الحروف:
معنى حرف اللام " للذكر".... " لام شبه التمكليك أو للتعدية
استعارة مكنية:
الْقُرْآنَ سُهِّلَتْ دَلَالَتُهُ لِأَجْلِ انْتِفَاعِ الذِّكْرِ بِذَلِكَ التَّيْسِيرِ، فَجعلت سرعَة ترَتّب التَّذَكُّرِ عَلَى سَمَاعِ الْقُرْآنِ بِمَنْزِلَةِ مَنْفَعَةٍ لِلذِّكْرِ لِأَنَّهُ يَشِيعُ وَيَرُوجُ بِهَا كَمَا يَنْتَفِعُ طَالِبُ شَيْءٍ إِذَا يُسِّرَتْ لَهُ وَسَائِلُ تَحْصِيلِهِ، وَقُرِّبَتْ لَهُ أَبَاعِدُهَا.
مجيء الاستفهام والمراد به التحضيض
(فهل من مذكر ) استفهام مستعمل في معنى التحضيض على التذكر بسماع مواعظ القران.
دلالة . على العموم:
و{ من } زائدة للدلالة على عموم الجنس في الإِثبات على الأصح من القولين .
موافقة معنى اللفظ لمعنى الآية:
"فهل من مدكر" ا لمراد بالإدكار ادكار عن سماع مواعظ القرآن البالغة وفهم معانيه والاهتداء به .
بخلاف فيما سبق من الآية في قوله تعالى " وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ فالمراد بالادِّكار ادّكار اعتبار عن مشاهدة آثار الأمة البائدة . [وهذه مسألة تفسيرية]
***
س2: استخرج الأوجه البلاغية من قول الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) }
نهى تعالى بهذه الآية عن طرفي الإفراط و التفريط ، وهما الإسراف . فالمأمور به : هو العدل الوسط.. وجاء نظمها على سبيل التمثيل فصيغت الحكمة في قالب البلاغة .
فصورت الآية البخل باليد المغلولة إلى العنق، والإسراف باليد المبسوطة التي لا تمسك شيئا، ثم تجسّم الصورة لكلّ من البخيل والمسرف، في صورة القاعد الحسير، الذي لا يتمكّن من متابعة شئون حياته، فالبخيل يمنعه بخله، من مزاولة شئون حياته، والمسرف ينتهي إلى الإفلاس، فلا يتمكن من متابعة حياته.
--عطف الآية على ما قبلها بحرف الواو ( الوصل)
الآية عطف على قوله تعالى " ولا تبذر تبذيرا" ؛ جاءت لبيان التبذير المذكور آنفا والأصل أن لا تعطف ؛لأن من شأن البيان أن لا يعطف على المبين..لكن حصل الوصل لطول الفصل.
-وأيضا حسن الوصل اهتماما بها يجعلها مستقلة بالقصد. لأنها مشتملة على زيادة على البيان بما فيها من النهي عن البخل المقابل للتبذير
* أسلوب إنشائي النهى .
.(ولا تجعل)؛( وَلا تَبْسُطْهَا)
تكرار لا ؛ "ولا"
أشارة إلى أن هناك شيء وسط بين طرفي نقيض بين الشح والإسراف وهو الإنفاق العدل الوسط . فالوسط هو وضع المال في مواضعه وهو الحد الذي عبر عنه في الآية بنفي حالين بين ( لا ولا ) .
الوصل:
الوصل بين {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } وبين { وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}..
لاتفاق الجملتين إنشاء ..ووجود المناسبة بينهما -فكلاهما نهى عن خلتين كلاهما طرفي نقيض - و لم يكن هناك مانع من الوصل
المقابلة:
المقابلة بَيْنَ الجملتين "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك" يقابلها "ولا تبسطها كل البسط"
قال أبو حيان: وطابق في الاستعارة بين بسط اليد وقبضها من حيث المعنى لأن جعل اليد مغلولة هو قبضها ، وغلها أبلغ في القبض وقد طابق بينهما"
-وقد طابق بينهما في الكيفية والصفة: ..وإنما قال: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) ولم يقل (ولا تجعل يدك مغلولة) من غير العنق، لأنه قال (ولا تبسطها كل البسط) فكأنه أراد، ولا تجعل يدك مغلولة كل الغل ولا تبسطها كل البسط، فناب ذكر العنق عن قوله (كل الغل)، لأن غل اليد إلى العنق، هو أقصى الغايات التي جرت العادة بغل اليد إليها.مطابقة وموافقة ل "كل البسط " الذي هو غاية البسط الذي لا بسط بعده.
الكناية : ( كناية عن صفة)
في الآية كناية عن صفة البخل وكناية عن صفة التبذير
فقد أبرزت الآية معنى البخل في صورة اليد المشدودة إلى العنق المقيدة به، كما أبرزت صفة التبذير في صورة اليد المبسوطة؛ فلا يبقى بها شيء
-مجازاً لغوياً على سبيل الاستعارة التمثيلية أو المركبة،
-شبه البخيل الذي لا يمد يده بالعطية بالمغلول الذي لا يستطيع أن يمد يده.
قال ابن القيم :" شبه الإمساك عن الإنفاق باليد إذا غلت إلى العنق"
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص: 95)
قال أبو هلال العسكري :{ «حقيقته لا تكونن ممسكا، والاستعارة أبلغ، لأن الغلّ مشاهد، والإمساك غير مشاهد، فصوّر له قبح صورة المغلول ليستدل به على قبح الإمساك» كتاب الصناعتين: لأبي هلال العسكري. ص 262 - 264.
-تشبيه المسرف المبذر بالباسط يديه غاية البسط الذي لا بسط بعده بحيث بحيث لا تحفظ شيئا.
قال ابو حيان :" واستعير بسط اليد لإذهاب المال وذلك أن قبض اليد يحبس ما فيها ، وبسطها يذهب ما فيها"
جعل لفظ اليد رمزا على البخل وعلى الإنفاق والبذل ( المشترك الفظي)
قوله تعالى :(.. وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ) رمز باليد إلى البخل وعدم الإنفاق
وقوله ( وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ..) رمز لليد إلى البسط
[ بعض أهل اللغة اعتبر ما قلتِ أن في الآية كناية، لكن أغلب المفسرين اللغويين على أنها استعارة، والفرق بين الكناية والاستعارة أن الكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة هذا المعنى.
أما الاستعارة فهي مجاز علاقته المشابهة، أي لفظ مستعمل في غير ما وُضع له لعلاقة المشابهة مع وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
وبالتطبيق على الآية
إن قلنا أنها كناية عن البخل، فهل يجوز إرادة المعنى الأصلي؟ أنه يغل يده إلى عنقه؟
الواضح أن في السياق قرينة تنفي إرادة المعنى الأصلي لأن السياق عن الإنفاق، وفي الآية علاقة المشابهة بين البخل وإمساك المال، وبين الغل والقيد، وكذا بين الإسراف وبسط اليد كل البسط]
اللف والنشر المرتب:
جاء اللَّفُّ المفصَّل في الآية : في النّهي عن البخل وعن التبذير بعبارة {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط} .
وجاء النشر مرتَّباً على وفق ترتيب اللّف، وذلِكَ لأنّ اللَّوْمَ يكون على البخل الذي جاء في العبارة أوّلاً، وإنْهاكَ الْقُوى وخُلُوَّ الْيَدِ من المال ( محسورا) يكون بسبب التبذير.
[وهذا على أحد الأوجه في تفسير الآية، والوجه الآخر أن قوله تعالى :{فتقعد ملومًا محسورًا} حكم واحد لكلا الفريقين البخيل والمسرف، فيكون في الآية من المحسنات المعنوية " الجمع"]
مجاز لغوي :
(فَتَقْعُدَ مَلُومًا) أي فتصيرَ .قاله أو السعود
وقال ابن عاشور: مستعار لمعنى المكث والدوام.
***