بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال الأوّل [ عام لجميع الطلاب ] :بيّن أدوات التحرير العلمي التي استعملها المفسّرون في رسائلهم.
رسالة الشيخ الداخل حفظه الله:
1- بين الشيخ مقصد الآية بيانا واضحا من البداية ، وأوضح أهميتها وجلالة قدرها ، وحث على استيعابها.
2- اهتمامه بأقوال السلف ونسبتها إليهم.
3- اعتناءه بتفاسير أهل السنة في بيان المعاني واستشهاده بالمحققين من أهل العلم كابن القيم وابن تيمية وتنوع مصادره.
4- شمول الرسالة لكل مسائل الآية وما يتعلق بها فجاءت رسالته وافية شافية.
5- الاستشهاد بالأحاديث وتخريجها وبآيات القرآن في موضعها .
رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
تناول ابن تيمية تفسير الآية من جهتين : الأولى تقرير معنى الآية وإثبات أحكامها ، والثانية الرد على أصحاب الشبه فيما يتعلق بالآية.
فاستعمل في ذلك أدوات كثيرة منها:
1- تحرير أسباب النزول .
2- تحرير معنى النسخ عند المتقدمين ، واختلافهم في هذه الآية ، وتحرير القول الصواب في ذلك مما جعل تفسير الآيه في غاية الانسجام.
3- الاهتمام بأقوال السلف ونسبتها إليهم .
4- قرر القول الحق لمذهب أهل السنة في مسألة التكليف بما لا يطاق وما لا يطاق وذكر الأقوال الخاطئة ورد عليها.
5- الاستشهاد بالنظائر والأحاديث والآثار واللغة في تقرير المعنى الصحيح وموافقته لمقاصد الشريعة وأن الله لا يحاسب الناس إلا على ما كسبته قلوهم وشهدت به جوارحهم.
6- تطرق لمسألة غاية في الأهمية وهي مسألة النيات والعزم القلبي وأنواعه وأحكامه مما يزيد المعنى بياناً ومما جعل رسالته شافية كافية.
7- احتج بالقواعد الأصولية وأساليب العرب وبالقواعد العقلية في الرد على الشبه مما يدل على القوة العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله.
8- بين كمال و الشريعة الإسلامية وعدل الله وحكمته وتنزيهه عن النقص والظلم باستعمال جميع أنواع الأدلة العقلية والنقلية.
-----
رسالة ابن رجب رحمه الله:
1- تناول مسائل التفسير في الآية تناولا بديعا وبين مقصد الآية وحررها مستعينا بتفسير السلف في آخرها إثباتاً لما يقول.
2- أظهر براعته في المسائل اللغوية وظهر ذلك جلياً في بحثه لدلالة ( إنما) على الحصر.
3- استدلاله بالنظائر عند الاستدلال لما يقول في الرد على المخالف مع قوة الرد.
4- عنايته بأصول الفقه واستدلاله بالمنطوق والمفهوم والشرط .
5-اعتناءه بالآثار والأحاديث و المسائل اللغوية وكثرة استشهاده بها .
6- اهتمامه بالنواحي السلوكية وظهر ذلك في الأوجه السبعة عند تقريره لكون العلم يوجب الخشية وفي غيرها من المواطن.
السؤال الثاني: اختر مجموعة مما يلي وأجب على أسئلتها إجابة وافية:
المجموعة الأولى:
إجابة السؤال الأول : هل يُحاسب العبد على ما همّ به؟
الله عز وجل كلف عباده بأعمال باطنة يختص بها القلب ، وبأعمال ظاهرة بالجوارح أساس قبولها هو القلب أيضاً ، فما أخفى العبد في نفسه مما يناقض ما كلفه الله به باطناً كالشك والكفر والشرك وبغض الرسول وبغض ما جاء به الشرع فإنه يعاقب عليه ،كما أخبرالله عن المنافقين فإنه يؤاخذهم بما أضمروه وإن كانت لهم أعمال صالحة في الظاهر ولكنها لا تنفعهم.
لكن اختلف أهل العلم في مسألة المؤاخذة بالهم على قولين:
1- فمنهم من قال أن العبد يؤاخذ بالهم فقط حتى لو كان مجرداً عن القول والفعل وهم يعتبرونه عزماً جازماً ، وأدلتهم:
- احتجوا بالحديث الصحيح ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) وليس في الحديث حجة لهم بل هو حجة عليهم إذ أن الحديث ذكر رجلين كل منهما عزم عزماً جازماً على قتل صاحبه وفعل كل مايقدر عليه لقتله .
- واستدلوا أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها) ، وهذا لا يدل على العفو عن العزم بل يدل على العفو عن حديث النفس إلى أن يتكلم أو يعمل .
2-وقال آخرون أن الهمة التي تخطر على النفس لايؤاخذ بها العبد إلا إذا صارت هذه الهمة عزماً وهنا لا بد أن يقترن بها قول أو فعل ؛ فإن الإرادة مع القدرة تستلزم وجود المقدور.
الأدلة:
- قول الله تعالى: ( لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله) .
فإن أولي الضرر نوعان:
- نوع له عزم تام وإرادة جازمة على الجهاد لكنه لا يقدر لعجزه ، وهؤلاء قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن بالمدينة أقواماً ما سلكنا وادياً ولا شعباً إلا وهم معنا فيه ، حبسهم العذر)
-نوع ليس له عزم تام ولا إرادة جازمة على الخروج فهؤلاء هم المفضل عليهم الخارجون المجاهدون وأولو الضرر العازمون عزما جازما على الخروج .
وقوله تعالى ( غير أولي الضرر) سواء كان استثناء أو صفة لهم فإنه يدل على عدم استوائهم مع القاعدين ، فلو كانوا سواء للزم أن لايستوي مع المجاهدين قاعد ولو كان من أولي الضرر وهذا خلاف مقصود الآية.
الخلاصة :
عند التحقيق نجد أن العزم لابد أن يقترن به المقدور ، فالذي يعزم على القتل أو الزنا لابد أن يتحرك ولو برأسه ، أو يمشي ، أو يتكلم كلمة فهذا كله مما يؤاخذ به ، وإنما وقع العفو عما لم يبرز خارجاً بقول أو فعل أمر ظاهر قط ، فهؤلاء إذا حدثوا أنفسهم بشيء كان عفواً ؛ مثل هم ثابت بلا فعل ومثل الوسواس الذي يكرهونه ، وهم يثابون على كراهته وعلى ترك ما هموا به وعزموا عليه خوفاً من الله تعالى.
-----
إجابة السؤال الثاني: قال ابن رجب: (دلّت هذه الآية على إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق، وعلى نفيها عن غيرهم على أصح القولين، وعلى نفي العلم عن غير أهل الخشية أيضًا)
بيّن هذه المسائل الثلاث بإيجاز.
المسألة الأولى:إثبات الخشية للعلماء:
لاشك أن (إنّ) تفيد توكيد الكلام إثباتاً ونفياً.
أما (ما) فهي الكافة زائدة على قول جمهور النحاة ، خلافاً لمن قال أنها بمنزلة ضمير الشأن ،أما القول بأنها نافية المنسوب لعلي الفارسي فهو لا يصح.
وقيل (ما ) لا يمتنع أن تكون بمعنى الذي والعلماء خبر .
وعلى كلا القولين أن ما زائدة كافة أو أنها بمعنى الذي ؛ فالآية تثبت الخشية للعلماء ، فصيغة (إنما) تفيد ثبوت المذكور وهو إثبات الخشية للعلماء.
----
المسألة الثانية: نفي الخشية عن غير العلماء:
وهذا عن طريق صيغة (إنما) فلو أثبتنا أنها تفيد الحصر فمعناها حصر الخشية في العلماء وبالتالي نفيها عن غيرهم .
وللعلماء في إفادتها الحصر قولان:
القول الأول :قول الجمهور أن ما هي الكافة ، ودخولها على (إنّ) يفيد الحصر وهذا ما رجحه ابن رجب وحكاه عن جمهور الناس وقال هو قول أصحابنا كالقاضي وابن عقيل والحلواني والشيخ موفق الدين وهو قول أكثر الشافعية وقول طائفة من الحنفية.
ولكن اختلفوا في دلالتها على النفي (نفي الخشية عن غير العلماء ) هل هو عن طريق المنطوق أو المفهوم ، كما اختلفوا هل هو عن طريق النص أو الظاهر .
والقول الثاني :أنها لا تفيد الحصر وهو مذهب الحنفية وعندهم أنه لا حجة لمفهوم المخالفة ، كما أنه عندهم الاستثناء ليس لإثبات النقيض بل لرفع الحكم إما مطلقاً أو في الاستثناء من الإثبات وحده.
وأدلتهم:
- قالوا (إنما) مكونة من "إن " و"ما" الزائدة التي تفيد تقوية التأكيد فقط .
- وكما أن ورودها لغير الحصر كثير مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الربا النسيئة) ، ( إنما أنت منذر) ، وغيرها من النصوص.
الترجيح:
رجح ابن رجب أن الصواب أنها تدل على الحصر ، ودلالتها عليه معلوم بالاضطرار من لغة العرب ، كما يعلم من لغتهم بالاضطرار معاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والاستثناء.
وأجاب عن قولهم أن ما الكافة تفيد قوة التوكيد فقط ولا تثبت معنى زائد من وجوه:
1-أنها إذا دخلت على الحروف أفادت معنى زائد ، فمثلا إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل ، وإذا دخلت على الكاف أحدثت معنى التعليل كقوله تعالى(واذكروه كما هداكم).
2- لا ريب أن ما الزائدة تقوي توكيد الكلام وتثبت ثبوت المعنى المذكور ثبوتا لا يشاركه فيه غيره ويختص به وهذا هو الحصر وهو يخرج عن إفادة قوة معنى التوكيد .
3- (إن) المكفوفة ب(ما) استعملت في الحصر وصارت حقيقة عرفية فيه لا بأصل اللغة ، واللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع.
ثم أزال الإشكال عن الآيات والأحاديث التي استدلوا بها فذكر ما هو معلوم من كلام العرب أنهم ينفون الشيء في صيغ الحصر وغيرها تارة لانتفاء ذاته وتارة لانتفاء فائدته ويحصرون الشيء في غيره تارة لانحصار جميع الجنس فيه وتارة لانحصار المفيد أو الكامل فيه ووضح معنى الأدلة التي أوردوها وزاد.
وأما على قول من قال أن (ما) موصولة بمعنى الذي؛ فتفيد الحصر من جهة أخرى وهو أن تقدير الكلام يكون "إن الذين يخشون الله هم العلماء" ، والذين معرف عام فلزم أن يكون خبره عاماً أيضا لئلا يكون الخبر أخص من المبتدأ وهذا النوع يسمى حصر المبتدأ في الخبر.
المسألة الثالثة: دلالتها على نفي العلم عن غير أهل الخشية:
من جهة الحصر ، فإن الحصر المعروف هو حصر الأول في الثاني ؛ وهو هاهنا حصر الخشية في العلماء، وأما حصر الثاني في الأول وهو حصر العلم في أهل الخشية ؛ وبالتالي نفيه عن غير أهل الخشية ، فقد ذكره ابن تيمية وقال أنه قد يكون مراداً فيصير الحصر من الطرفين ويكونان متلازمين ، ومثل ذلك قوله تعالى( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب) فالحصر فيها من الطرفين وبيان ذلك أنه إن اقتضى أن إنذاره مختصٌّ بمن اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فإن هذا هو المختصّ بقبول الإنذار، والانتفاع به فلذلك نفى الإنذار عن غيره، والقرآن مملوء بأنّ الإنذار إنما هو للعاقل له خاصةً، ويقتضي أنه لا يتبع الذكر ويخشى الرحمن بالغيب إلا من أنذره أي من قبل إنذاره وانتفع به، فإن انحصار الإنذار في أهل الخشية كانحصار أهل الخشية في أهل الإنذار، وكذلك انحصار العلم في أهل الخشية كانحصار الخشية في أهل العلم ، وبهذا فسرها السلف ، فعن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
وعن مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
وهكذا دلت الآية على أن كل من خشي الله فهو عالم وأن كل عالم هو خاش لله ومن فقد العلم فقد الخشية.
----
إجابة السؤال الثالث:بيّن خطر مخالفة هدى الله جلّ وعلا.
من خالف هدى الله عز وجل فهو على خطر من عقوبتين عظيمتين:
الأولى:أن يفتتن بما خالف فيه ، فيحب المعصية وتزين له ، فيزداد ضلالاً ويزداد بعداً عن الطريق المستقيم ، أو تتسلط عليه فتنة لا يهتدي فيها لطريق النجاة.
الثانية:أن يعذب على مخالفته عذاباً أليماً . لأن الله عز وجل قال: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
فنحن نرى كم من إنسان أقدم على مخالفة الأمر ثم انجرف وتلوث بغيرها وغيرها ، ولو أنه تركها من أول الأمر لكان تركها يسيراً ولأثيب على تركها بأنواع الثواب ، ولكنه لما أعرض عن هدى الله وارتكب تلك المعصية افتتن بها ولم يزل يعاودها حتى تعلق قلبه بها وأصبح من الصعب التخلص منها ، والمعصية لها أخوات كما أن الطاعة لها أخوات.
---------