المجموعة الثانية:
س1. ما حكم الجهاد؟ ومتى يتعيّن؟
- بصورة عامة حكم جهاد الكفار فرض كفاية، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الآخرين وصار في حقهم سنة؛ وذلك كما قال تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلًّا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا}. ووجه الدلالة أن الله فاضل بين المجاهدين والقاعدين عن الجهاد بدون عذر، وكلاً وعد الحسنى وهي الجنة، وهو مايدل على عدم وجوبه على الجميع، حيث لو كان كذلك لاستحق القاعدون العقاب. وأيضا لقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين}.
وهذا الحكم مشروط بامتلاك المسلمين للقوة والقدرة على قتال أعدائهم، فإن لم يكن لديهم قوة ولا قدرة سقط عنهم كسائر الواجبات، وأصبح قتالهم لعدوهم إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة.
- ولكن هناك حالات يتعين فيها الجهاد فيصير فرض عين على المسلم وهي:
الحالة الأولى: إذا هاجم الأعداء بلاد المسلمين، ونزلوا بها، أو حاصروها.
الحالة الثانية: إذا حضر القتال، وذلك إذا التقى الفريقان، وتقابل الصفان؛ وذلك لقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار}، ولعده صلى اللّه عليه وسلم التولي يوم الزحف من الكبائر الموبقات. وأما إذا كان التولي تحرفا لقتال كي يأتي المتولي بقوة أكثر، أو كان تحيزا إلى فئة من المسلمين تقوية ونصرة لها، فهنا لا يترتب الوعيد على هذا الفعل.
الحالة الثالثة: إذا اخنارهم الإمام واستنفرهم للجهاد؛ لقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلّا قليلٌ (38) إلّا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا}، وقوله صلى اللّه عليه وسلم : ((وإذا استنفرتم فانفروا)).
الحالة الرابعة: إذا احتيج إليه.
س2. ما هي الأعذار التي يسقط بها وجوب الجهاد؟
1 - الجنون والصّبا، لقوله صلى اللّه عليه وسلم : (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم).
2 - الأنوثة، فلا يجب الجهاد على الأنثى.
3 - الرق، حيث قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: (للعبد المملوك الصالح أجران. والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك).
4 - عدم القدرة البدنية أو المالية، والمرض، وعدم سلامة بعض الأعضاء كالعمى والعرج الشديد.
5 - عدم إذن الأبوين أو أحدهما، وذلك إذا كان الجهاد تطوعا؛ فقد جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: (أحيّ والداك؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد)، وذلك لأن بر الوالدين فرض عين، وأما الجهاد فرض كفاية في هذه الحالة، فيقدم فرض العين. وأما إن كان الجهاد فرض عين فليس لهما إذن، ولا يملكان منعه.
6 - الدين الذي لا يمكنه تأديته، وذلك إذا لم يأذن صاحبه وكان الجهاد تطوعا، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين) ، وأما إذا تعين الجهاد فلا إذن لغريمه.
7 - العالم الذي لا يوجد غيره أو لا يوجد أفقه منه في البلد؛ لأنه لو قتل لافتقر الناس إليه، حيث لا يمكن لأحد أن يحل محله.
س3. بيّن بإيجاز كيف تقسّم الغنيمة.
ذهب جمهور العلماء إلى أن الغنيمة تقسم على خمسة أسهم:
*السهم الأول: سهم الإمام، وهو خمس الغنيمة، ويخرجه الإمام أو نائبه. وقد بين الله تعالى في قوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل} كيفية تقسيم هذا الخمس كما يلي:
1 - لله ورسوله: ويكون فيئا يدخل في بيت المال لينفق في مصالح المسلمين، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، مالي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم).
2 - ذوي القربى: وهم قرابة الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وهم: بنو هاشم وبنو المطلب، ويقسم هذا الخمس بينهم حسب الحاجة.
3 - اليتامى: واليتيم من مات أبوه قبل أن يبلغ، ذكراً كان أم أنثى، ويعم ذلك الغني منهم والفقير.
4 - المساكين: ومنهم الفقراء.
5 - ابن السبيل: وهو المسافر الذي انقطعت به السبيل، فيعطى ما يبلغه إلى مقصده.
*وأما الأربعة أخماس الباقية، فتقسم بين كل من شهد الوقعة: من الرجال البالغين، الأحرار، العقلاء، ممن استعد للقتال سواء قاتل أو لم يقاتل، قويا كان أو ضعيفا، لقول عمر: (الغنيمة لمن شهد الوقعة). ويعطى الراجل الذي يقاتل على رجله سهما واحدا، ويعطى الفارس الذي يقاتل على فرسه ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه؛ لقول رسول الله صلى اللّه عليه وسلم في النفل: للفرس سهمين وللراجل سهما، ولأن النبي صلى اللّه عليه وسلم فعل ذلك في خيبر (جعل للراجل سهماً واحداً، وللفارس ثلاثة أسهم).
وأما النساء والعبيد والصبيان إذا حضروا الوقعة، فالصحيح أنه يرضخ لهم ولا يقسم لهم؛ لقول ابن عباس لمن سأله: إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم، هل يقسم لهما شيء؟ وإنه ليس لهما شيء إلا أن يحذيا.
وإذا كانت الغنيمة أرضا اختار الإمام حسب المصلحة مابين قسمتها بين الغانمين، وبين وقفها لمصالح المسلمين، فيضرب عليها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي بيده، مسلما كان أم ذميا، فيؤخذ منه ذلك كل عام، وينفق في مصالح المسلمين.
س4. كيف يصرف الفيء؟
قال الله تعالى: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم}، فدل على أن الفيء يأخذ منه الإمام من غير تقدير، ويعطي القرابة باجتهاد، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين بحسب ما يراه الإمام، كرزق القضاة، والمؤذنين، والأئمة، والفقهاء، والمعلمين وغير ذلك من مصالح المسلمين؛ لقول عمر: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول الله صلى اللّه عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صلى اللّه عليه وسلم خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل.
س5. ما الفرق بين عقد الذمّة وعقد الأمان؟
أولا: من جهة التعريف:
- فعقد الذمة هو إقرار بعض الكفار على كفرهم، بشرط دفع الجزية، والتزام أحكام الملة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية. وتؤخذ من الرجال المكلفين الأحرار الأغنياء، ولا تؤخذ من العبد، ولا المرأة والصبي والمجنون، ولا المريض المزمن، ولا الشيخ الكبير.
- وأما عقد الأمان فهو عبارة عن تأمين الكافر على ماله ودمه مدة محدودة. ويصح من مسلم عاقل بالغ مختار، ولو كان عبدا أو امرأة. وقد يكون خاصا من قبل مسلم لأحد من العدو، وقد يكون عاما ولا يصح إلا من قبل الإمام للمشركين.
ثانيا: من جهة موجب العقد:
- فعقد الذمة يوجب للكفار حرمة قتالهم، والحفاظ على أموالهم، وصيانة أعراضهم، وكفالة حريتهم، وعدم إيذائهم، ومعاقبة من قصدهم بأذى، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: ((وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم)).
- فعقد الأمان يلزم الوفاء يحرم قتل المستأمن أو أسره أو استرقاقه، وكذا الالتزام بسائر الأمور المتفق عليها في عقد الأمان، ويجوز نبذه إلى الأعداء إن خيف شرهم وخيانتهم.
س6. ما هي الجزية؟ وممن تؤخذ؟
- الجزية هي القيمة المالية التي يلتزم الكفار ببذلها من خلال عقد الذمة، بحيث يتم إقرار بعض الكفار على كفرهم، بشرط دفعها، والتزام أحكام الملة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية. وذلك كما في قوله تعالى: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}، وقوله صلى اللّه عليه وسلم في حديث بريدة: ((ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزية)). ويوجب عقد الذمة ودفع الجزية للكفار حرمة قتالهم، والحفاظ على أموالهم، وصيانة أعراضهم، وكفالة حريتهم، وعدم إيذائهم، ومعاقبة من قصدهم بأذى، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: ((وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم)).
- وتؤخذ من الرجال المكلفين الأحرار الأغنياء، ولا تؤخذ من العبد - لأنه لا يملك فكان بمنزلة الفقير -، ولا من المرأة والصبي والمجنون - لأنهم ليسوا أهل قتال -، ولا المريض المزمن، ولا الشيخ الكبير لأن دماءهم محقونة فأشبهوا النساء.