المجموعة الثالثة:
س1: ما الحكمة من سؤال المسلم الهداية إلى الصراط المستقيم وقد هداه الله إلى الإسلام؟
إن المسلم يحتاج في كل خطوة من خطوات حياته إلى هداية الله تعالى له لإن الهداية هي البصيرة ومعرفة الحق من الباطل ومعرفة عواقب الأمور وما يرضي الله تعالى مما يغضبه من الأقوال والأفعال فيقف عند نواهيه ويؤدي حقوقه وكل هذا لا يكون له إلا بحصول نوعي الهداية له هداية الدلالة والإرشاد وهي هداية العلم الذي يعرف به حقائق الأمور الطيب من الخبيث والحق من الباطل ويختلفون الناس في ذلك اختلافا كبيرا ,
فمن الناس يحصل له بالهداية من اليقين ما يفرق به بين الحق والباطل ويكون له من النور, وعلى قدر ما قام بقلبه ,من معاني العبودية, من المحبة, والخضوع, والخوف ,يكون حظه ,ونصيبه من الهداية, فييسر الله بذلك فعل الأوامر, ويبعد عنهم الشرور, ويحصل لهم ما يريدون من النصرة ,والرزق, وصلاح الأولاد, وسعادة الدارين, فيحصل له بذلك هداية العلم وهداية العمل.
ومن الناس من يكون له من الهداية ما يفرق به بين الإسلام والكفر ويكون معه أصل الهداية فقط .
ولخص أهل العلم الحكمة من طلب الهداية مع إننا مسلمين في أمرين
فذهب ابن جرير وأبو إسحاق الزجاج وأبو جعفر النحاس وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من اللغويين
- إلى أنّ المراد :ثبّتنا على الهدى.
- وقيل : زدني هدى.
س2: ما هي أقوال السلف في معنى الصراط المستقيم؟ وما الموقف منها؟
تنوعت عبارات السلف في التعريف بالصراط المستقيم وهذه وإن اختلفت في ألفاظها لكنها لا تختلف في مدلولاتها ومما أثر عن الصحابة والتابعين في ذلك خمسة أقوال :
- دين الإسلام : وهو قول جابر بن عبد الله، و الضحاك عن ابن عباس، وهو قول محمّد بن الحنفية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ورواية عن أبي العالية الرياحي، وهو قول جمهور المفسّرين.
وهو أعم الأقوال وأشملها وأصحها فكل ما يفعله العبد من العبادات داخل في معنى الإسلام , واستدلوا عليه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه النواس بن سمعان ا لكلابي رضي الله عنه أنه قال: ((ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا، ولا تتعرجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم)). رواه أحمد وابن نصر المروزي وابن أبي عاصم والطحاوي والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم من طريق معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن النواس بن سمعان الأنصاري مرفوعاً، ولهذا الحديث طرق أخرى بألفاظ مقاربة.
- وقيل هو كتاب الله تعالى : وهو رواية صحيحة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, ودليله ما روى منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن هذا الصراط محتضَرٌ تحضره الشياطين يقولون: يا عباد الله هذا الطريق فاعتصموا بحبل الله فإنَّ الصراط المستقيم كتاب الله). رواه الطبراني في الكبير، وابن نصر المروزي في السنة، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
- وقيل هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : وهو رواية عن ابن مسعود فيما
رواه الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: «الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان، ولفظه: (الصراط المستقيم تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرفه، والطرف الآخر الجنة).
وقيل هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، ورواية عن أبي العالية الرياحي والحسن البصري, فيما روي عن عاصم الأحول، عن أبي العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى {الصراط المستقيم} قال: «هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه» قال: فذكرنا ذلك للحسن فقال: «صدق والله ونصح، والله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما». رواه الحاكم موقوفاً على ابن عباس وصححه، ورواه محمد بن نصر المروزي في السنة مقطوعاً على أبي العالية, لكن هذا اذا عرفنا زمن هذا القول عرفنا سببه وهو إنما قاله ابن عباس وأبو العالية الرياحي بعد مقتل عثمان وظهور الفرق؛ فأرادا أن يبيّنا للناس أن الصراط المستقيم ما كانت الأمة مجتمعة عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ليحذرا بذلك مما أُحدثَ بعده؛ فإنَّ كلّ تلك الفرق كانت تقول بالانتساب إلى الإسلام.
- وقيل هو الحقّ : وهو قول مجاهد بن جبر فيما رواه عنه ابن أبي حاتم.
وهو عباره عن وصف لحقيقة الصراط في كونه اتباع لما أنزل الله ، ولأنّ كلَّ ما اتّبع سواه فهو باطل.
وهذه الأقوال جمع بينها ابن كثير فقال: (وكلّ هذه الأقوال صحيحةٌ، وهي متلازمةٌ، فإنّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، واقتدى باللّذين من بعده أبي بكرٍ وعمر، فقد اتّبع الحقّ، ومن اتّبع الحقّ فقد اتّبع الإسلام، ومن اتّبع الإسلام فقد اتّبع القرآن، وهو كتاب اللّه وحبله المتين، وصراطه المستقيم، فكلّها صحيحةٌ يصدّق بعضها بعضًا، وللّه الحمد)ا.هـ.
س3: بيّن معاني الإنعام في القرآن.
إنعام عام : ويشمل المؤمن , والكافر, ويشمل كل نعمه أنعم الله بها على الإنسان, من مال, وولد, وصحة ,وجاه ,وهي اختبار من الله عز وجل لعباده ليعلم هل يشكروه ,ويعبدوه أم يكفروه, وقد دل القرآن عليها بقوله تعالى ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ...﴾ وقوله ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾
إنعام خاص : والمقصود به إنعام الله على من يشاء من عباده بالهداية لما يحب ويرضى من القول ,والعمل, وهذه نعمة اصطفاء خاصة بالمؤمنين بهدايتهم, وتوفيقهم ,وهو مايدل عليه قوله تعالى ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾، وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾.
س4: ما الحكمة من إسناد الإنعام في قوله تعالى: {أنعمتَ عليهم} إلى الله تعالى وعدم إسناد الغضب إليه جلّ وعلا في قوله: {المغضوب عليهم}؟
- لإن في ذكر الضمير دلالة قوية على توحيد الله عز وجل وذكر فضله وإنعامه عليه بهدايته وتوحيده, وأنه لولا إنعامه لما اهتدى إلى ذلك .
- التوسل إلى الله والثناء عليه بما أنعم على عباده الصالحين من الصديقين, والنبيين ,وأنه لولا انعامه عليهم ما حصل لهم هذا الإنعام فيتوسل ليحصل له ما حصل لهم من الإنعام بالهداية .
- أن هذا اللفظ يلائم مناجاة الله عز وجل ,والتقرب ,والتضرع إليه .
- إن من شكر النعمة التصريح بذكر المنعم, والاعتراف بفضله ,وإنعامه .
س5: ما المراد بالمغضوب عليهم وبالضالين؟
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عدة تبين معنى المغضوب عليهم بأنهم اليهود ومعنى الضالين أنهم النصارى ومن هذه الأحاديث : حديث عديّ بن حاتم الطائي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضلال)). رواه أحمد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن خزيمة.
وهو العمدة في هذه الأحاديث فقد صححه جماعة من أهل العلم، واستشهد لصحة معناه من القرآن جماعة من أهل العلم، وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وقد دل كتاب الله على معنى هذا الحديث، قال الله سبحانه: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}، والضمير عائد إلى اليهود، والخطاب معهم كما دل عليه سياق الكلام, قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ} وهم المنافقون الذين تولوا اليهود باتفاق أهل التفسير، وسياق الآية يدل عليه.
وقال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} وذكر في آل عمران قوله تعالى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} وهذا بيان أن اليهود مغضوب عليهم.
وقال في النصارى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} إلى قوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.
وهذا خطاب للنصارى كما دل عليه السياق، ولهذا نهاهم عن الغلو، وهو مجاوزة الحد، كما نهاهم عنه في قوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} الآية.
واليهود مقصرون عن الحق، والنصارى غالون فيه)ا.ه
ولا يقتصر معنى المغضوب عليهم على اليهود فقط, وإنما يشمل كل من اتصف بصفاتهم, من الحسد, والكبر ,وقسوة القلب ,وتحريف كلام الله ,وتبديل شرائعه ,واتباع غير مرضاته, ومخالفة ما يعلمون .
وكذلك معنى الضالين لا يقتصر على النصارى فقط, وإنما يشمل كل من اتصف بصفاتهم, من العمل بالهوى, وضياع العلم الذي أنزل إليهم في كتبهم, وتحريم ما أحل الله, وتحليل ما حرم الله, واتباع في ذلك علمائهم, وأمرائهم نسأل الله السلامة والعافية .
س6: بيّن ما استفدته من دراستك لدورة تفسير سورة الفاتحة من المنهجية في دراسة مسائل التفسير.
تعلمت والحمد لله أن أول ما أبدأ به عند تفسير السورة ما يلي :
- التمهيد الذي يشمل فضائل السورة فنذكر ما يدل على ذلك من الأحاديث الصحيحة مع التوثق من ذلك من المصادر الأصيلة وإن كان هناك أحاديث ضعيفة نبين ذلك وإذا ذكر من طرق أخرى يعضد بعضها بعض من حيث المعنى ولا نكارة فيه فإنه يقبل ويستشهد به مع التوضيح للطرق التي ذكرت منها .
- ثم بعد ذلك ننظر في نزول السورة هل هي مكية أم مدنية وهل هي نزلت كاملة أم لا وإيراد أقوال الصحابة على ذلك وإذا كان هناك اختلاف في الأقوال نرجح أو نجمع إذا أمكن الجمع .
- ثم إذا كان هناك قراءات نبينها وإذا كان هناك اختلاف في المعنى نبينه كذلك .
- ثم إذا شرعت في تفسير الآيات بينت أولا مقصد الآية ثم بيان معنى مفردات الآية وتوضيح الفوارق إذا وجد من حيث المعنى اللغوي والاستشهاد على ذلك من القرآن أو السنة أو الشعر العربي ,ثم بيان المعنى في القرآن , والبحث في الفوائد التي ممكن أن نضيفها للمعنى سواء كانت بلاغية أو نحوية .
هذا ما تيسر لي والفضل في ذلك لله وحده أسأل الله أن يزيدنا من علمه وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا هو ولي ذلك والقادر عليه .