المجموعة الأولى:
إجابة السؤال الأول:حرّر القول في المسائل التالية:
أ: معنى الفوقية في قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها}.
اختلف المفسرون في قوله تعالى: (فما فوقها) على قولين:
الأول:ما هو أعظم منها وأكبر، لأن البعوضة أضعف خلق الله ، فهي في نهاية الضعف والقلة ، فلا شك أن ما فوقها لا يكون إلا أقوى منها، ويؤيد هذا ما رواه مسلم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ( من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة)، وهو قول قتادة واختيار ابن جرير الطبري.
الثاني:ما هو دونها في الصغر والحقارة ، كما يقال عن رجل يذكره الذاكر باللؤم والشح فيقول السامع : نعم وفوق ذاك ، يعني فوق الذي تصفه في اللؤم والشح ، وهو قول الكسائي ، وأبي عبيدة وأكثر المحققين، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم ( لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافراً منها شربة ماء).
الراجح:
الآية تحتمل القولين ، ولو أن القول الثاني أقرب لأن الله عز وجل أخبر أنّه لا يستصغر شيئًا يضرب به مثلًا ولو كان في الحقارة والصّغر كالبعوضة، وضرب سبحانه المثل بالذّباب والعنكبوت وما هو أقل منه وأصغر.
ب: المراد بالعهد في قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه}.
اختلف المفسرون في معنى العهد الذي وصف الله هؤلاء الفاسقين بنقضه على أقوال:
1- هو وصية الله لخلقه ، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ، ونهيهم إياهم عما نهاهم عنه من معصيته، في كتبه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ونقضهم ذلك هو تركهم العمل به .
2- المقصود من هذه الآيات كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم ، وعهد الله الذي نقضوه بعد ميثاقه ، هو ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها ، واتباع محمد صلى الله عليه وسلم والتصديق به وبما جاء به من عند ربهم ، ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته، وكتمان علم ذلك عن الناس ، بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، فأخبر الله أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً ، وهو اختيار ابن جرير وقول مقاتل بن حيان.
3- المقصود من هذه الآيات عموم أهل الكفر والشرك والنفاق ، وعهد الله إليهم جميعاً هو ما وضعه ونصبه لهم من الأدلة الدالة على توحيده وربوبيته ، وما احتج به لرسله من المعجزات الدالة على صدقهم ، والتي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثلها، ونقضهم ذلك هو تركهم الإقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة وتكذيبهم الرسل والكتب بعد علمهم أن ما أتوا به حق ، وهو قول مروي عن مقاتل بن حيان وإليه مال الزمخشري لما سئل عن العهد قال: ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد .
4- العهد الذي ذكره الله عز وجل هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم ، الذي جاء في قوله تعالى: ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) ، ونقضهم ذلك ، تركهم الوفاء به .
الراجح:
الآية تحتمل كل هذه الأقوال ، والراجح أنها تشمل جميع الكفار والمنافقين من أهل الكتاب وغيرهم ، ونقضهم عهد الله هو تركهم ما عهد الله إليهم من الإقرار له بالربوبية والوحدانية ، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، لأن العموم أولى والله أعلم .
إجابة السؤال الثاني:بيّن ما يلي:
أ: مناسبة ختم قوله تعالى: {فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} باسميه "التواب الرحيم".
المناسبة:
أن الآية في سياقها أن سيدنا آدم تلقى من ربه كلمات بعد ندمه على الأكل من الشجرة، فاستقبلها بالأخذ والقبول معترفاً بذنبه ؛ فتاب الله عليه فهو سبحانه {التواب} على من تاب إليه من عباده المذنبين ، التارك مجازاتهم بالعقوبة ، ومعنى توبة العبد إلى ربههي إنابته إليه وإلى طاعته وأوبته إلى ما يرضيه ، وذلك بتركه ما يسخطه من الأمور التي كان مقيماً عليها وتغضب ربه ، وتوبة الله على عبده هي أن يرزقه ذلك ، ويشرح صدره بالرغبة في التوبة والإنابة ،ويرضى عنه بعد أن غضب عليه ، ويتوب عليه من العقوبة إلى الصفح والعفو ، ومعنى { الرحيم } أي المتفضل عليه مع التوبة بالرحمة ، ورحمته إياه صفحه عن عقوبة جرمه فلا يؤاخذه بالذنب.
ب: هل الجنة التي سكنها آدم هي جنة الخلد؟ ناقش بالتفصيل من خلال كلام المفسّرين في الآية.
اختلف المفسرون في الجنة التي سكنها آدم هل هي جنة الخلد التي في السماء أم جنة (أعدت لهما) في الأرض على قولين:
الأول:أنها جنة الخلد التي في السماء ، وهو قول جمهور المفسرين.
الثاني:أنها جنة في الأرض ، ذهب إلى هذا المعتزلة والقدرية ، وحجتهم أن من دخل جنة السماء لا يخرج منها لقوله تعالى " وماهم منها بمخرجين"، وأنها لو كانت جنة السماء ما وصل إليها إبليس وكذب وفعل ما فعل مع آدم ، فإن الله يقول عنها " لا لغو فيها ولا تأثيم".
المناقشة:
من قال أنها جنة الخلد في السماء مستنده أن هذا معهود القرآن وهو المتبادر للذهن ، وأن الله تعالى عرف الجنة بالألف واللام ، التي للعهد الذهني ، فمن سأل الله الجنة ، لم يفهم منه فيما تعارف عليه الخلق إلا طلب جنة الخلد ، والقول الآخر للمعتزلة ومن وافقهم ، ومستنده أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها ، ولكن هذا القول مردود فأن النصوص دلت على أن من دخل جنة الخلد مثاباً هو الذي لا يخرج منها ، أما من دخلها ابتداءً كآدم فلا يمتنع عليه الخروج منها، كما أنه لا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم .
وعلى هذا فالقول بأنها جنة الخلد هو الصحيح .
ج: المراد بما أمر الله أن يوصل.
المراد بما أمر الله به أن يوصل مختلف فيه بين المفسرين على قولين:
الأول :صلة الأرحام والقرابات ، كما فسره قتادة وهو اختيار ابن جرير الطبري ، ويدل عليه قوله تعالى (فهل عستم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) .
ويتفرع على هذا القول قولان :1- المقصود صلة الأرحام للناس عامة.
2- المقصود من الآية قطعهم أرحام من آمن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأن قرابتهم الكفار كانوا يقطعونهم ، فذمهم الله بقطعهم .
الثاني :عموم ما أمر الله به أن يوصل ، فكل ما أمر الله بفعله ووصله قطعوه.
الراجح:العموم والأرحام داخلة فيه ، فالآية دالة على ذم الله عز وجل لكل قاطع ما أمر الله به أن يوصل سواء كان رحماً أو غيرها ، والله أعلم بمراده.
----------