المجموعة الخامسة:
س1: ما الحكمة من تعدية فعل الهداية بنفسه في آية {اهدنا الصراط المستقيم }.
إجابة السؤال الأول:
قد يتعدى فعل الهداية باللام مثل قوله تعالى : {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}،
وقديتعدى ب " إلى " مثل قوله تعالى: : {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} ،
وقد يأتي معدّى بنفسه كما في هذه الآية {اهدنا الصراط المستقيم} ،
وكل تعدية بحرف تُعطي معنى بحسب مقاصد الآية وما يحتمله السياق ؛ فالتعدية باللام لتحقيق ثمرة الهداية وبيان اختصاصها بالمهتدي ، ففي قوله تعالى : {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} أي يتحقّق لمن اتّبع هداه أقوم الأمور في كلّ شيء من شؤونه؛ وهذه الثمرة تتفاضل بتفاضل اتّباع الهدى؛ فمن كان أحسن اتّباعاً لهدى القرآن كان نصيبه من ثمرة الهداية أعظم.
وفي قوله تعالى : {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} التعدية باللام هنا تُضمِّن فعل الهداية معنى الدعوة أي تدعوهم إلى صراط مستقيم مع كونك على الهداية ، فمع اهتدائك تدعوهم إلى صراط مستقيم دعوة حقّ أنت مهتدٍ فيها ،
أما في الآية موضوع السؤال {اهدنا الصراط المستقيم} تعدى الفعل بنفسه لِيُفيد جميع المعاني السابقة من هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق ؛فهو معنى جامع لكل ما تقدّم من البيان والدلالة والإلهام والتوفيق والتهيئة.
كما قال ابن القيم رحمه الله: " فالقائل إذا قال : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}هو طالبٌ من الله أن يُعرِّفَه إيَّاه ويبّينه له ويلهمه إياه ويقدره عليه؛ فيجعل في قلبه علمَه وإرادتَه والقدرةَ عليه؛ فجَرَّدَ الفعلَ من الحرف، وأتى به مجرَّدا معدىً بنفسه ليتضمَّن هذه المراتب كلَّها، ولو عُدِّيَ بحرفٍ تعيَّن معناه وتخصَّص بحسب معنى الحرف؛ فتأمَّله فإنه من دقائق اللغة وأسرارها)ا.هـ.
س2: ما فائدة وصف الصراط بأنّه مستقيم؛ إذا كان الصراط في اللغة لا يسمّى صراط حتى يكون مستقيماً؟
إجابة السؤال الثاني :
الفائدة من وصف الصراط بالمستقيم مع كونه في اللغة لايسمى صراط حتى يكون مستقيما فله فائدتان :
أولا: من الناحية البيانية :للتأكيد على استقامته، وهذا كما يؤكَّد وصف الاستقامة بانتفاء العوج؛ فتقول: طريق مستقيم غير معوجّ، فنفي العوج وصف مؤكّد للاستقامة ، كما في قوله تعالى في مطلع سورة الكهف: : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا . قيّما}.
ثانيا: من جهة أخرى:يفيد بأنَّ هذا الصراط صوابٌ كلّه لا خطأ فيه ولا ضلال، وأنَّ من هُدي إليه فقد هدي للحقّ والدين القيّم، كما قال ابن جرير رحمه الله : "وإنّما وصفه اللّه بالاستقامة، لأنّه صوابٌ لا خطأ فيه".
س3: ما المراد بالإنعام في قوله تعالى: {الذين أنعمت عليهم}.
إجابة السؤال الثالث:
الإنعام في القرآن على نوعان :
1. إنعام عام : للمؤمنين والكافرين وهو إنعام فتنة وابتلاء كما في قوله: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
2. إنعام خاص : وهو إنعام اجتباء ومِنّة وهداية لما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال.
والإنعام في هذه الآية هو من النوع الثاني الخاص الذي هو مِنَّة واجتباء ؛ بالهداية الخاصة والتوفيق والإعانة وصرف المعوّقات والوقاية من الفتن وكيد الشيطان وشرّ النفس. ، فالعبد يحتاج إلى إنعام يعرِّفه سبيل الهدى ثم إنعام لإرادة اتباع هذا السبيل ثم إنعام لإعانته على سلوك سبيله وصرف الموانع والقواطع عنه في طريقه ثم إنعام بالثبات والاستقامه فيه ثم إنعام بتوفيقه للمداومة على سلوك هذا الصراط المستقيم ؛ فكان قوله :{صراط الذين أنعمت عليهم}كافياً في وصف الصراط المستقيم الذي يريد الهداية إليه وفيه ؛ لأنه يشمل كلَّ ما ذُكِر وغيره من معاني الإنعام الخاص.
س4: هل يقتضي تفسير المغضوب عليهم والضالين باليهود والنصارى حصر المراد عليهم؟ وضّح إجابتك.
إجابة السؤال الرابع:
لا يقتضي قصر هذا الوصف عليهم؛ لأنه وصف له سبب؛ فمن فعل فعلهم لقي مثل جزائهم.
ولكن اجتمعت أقوال السلف على :
- أن سبب الغضب على اليهود أنَّهم لم يعملوا بما علِموا؛ فهم يعرفون الحقّ كما يعرفون أبناءهم، لكنَّهم استكبروا وعاندوا وشاقوا الله ورسوله فاستحقوا غضب الله وعذابه ، وأيضا كل من فعل فِعلهم فعرف الحق ولم يعمل به استحق نفس الوصف والجزاء من سخط الله وغضبه.
- وأنَّ النصارى ضلوا لأنّهم عبدوا الله على جهل، متبّعين في عباداتهم أهواءهم، قائلين على ربّهم ما ليس لهم به علم؛ فكانوا ضُلّالاً لأنَّهم عبدوا الله بغير ما شرع وبالابتداع في دينهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فيُحرمون لهم ما أحل الله ويُحِلون لهم ما حرم الله فِتِلك عبادتهم؛ فمن اتبع سبيلهم وفعل فِعلهم من عبادة الله بأهوائهم بغير ما شرع وأمر بل بِما ليس لهم به علم فقد استحق وصفهم وجزاءهم من الضلال البعيد والخسران المبين.
س5: ما معنى "لا" في قوله تعالى: {ولا الضالين}؟
إجابة السؤال الخامس:
معنى " لا " في قوله تعالى : { ولا الضالين } فيه أقوال :
1) القول الأول : أنها زائدة ، وهو قول معمر بن المثنى ، وردّه الفراء وابن جرير.
2) القول الثاني :أنها بمعنى "غير" ، والإتيان بها هنا للتنويع بين الحروف، وهذا معنى قول الفراء.
- والدليل على هذا القول قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {غير المغضوب عليهم . وغير الضالين} وهي قراءة صحيحة الإسناد عنه، لكن أجمع القراء على تركها لمخالفتها للمصحف الإمام .
3) والقول الثالث: أنها جاءت لئلا يتوّهم أن "الضالين عطف على الذين" وهذا قول مكي بن أبي طالب في الهداية وقول الواحدي في البسيط.
قال الواحدي: (لو لم تدخل (لا) لاحتمل أن يكون قوله: (والضالين) منسوقا على قوله: (صراط الذين أنعمت عليهم والضالين)، فلما احتمل ذلك أدخل فيه (لا) ليحسم هذا الوهم)ا.هـ
4) والقول الرابع: هي مؤكدة للنفي الذي تضمنه معنى "غير"، وهذا القول ذكره مكي بن أبي طالب وابن القيّم.
5) القول الخامس: لإفادة المُغايرة بين الوصفين وبين الصراطين لئلا يُتوهم أن الوصفين لطائفة واحدة أو أن الصراط الآخر مشترك بين الطائفتين ؛ فدخلت "لا" للتصريح بأنّ المراد صراط غير هؤلاء وغير هؤلاء ، وهذا ملخص لوجهين مما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد.
- ورجح الشيخ عبد العزيز الداخل القول بأن " لا " جاءت للمغايرة بين الوصفين لئلا يُتوهم أن الوصفين لطائفة واحدة ، للتأكيد على أنه المراد بالضالين طائفة غير الطائفة المعطوفة عليها وقال عنه هو من أحسن ماقيل في المسألة.
س6: بيّن ما استفدته من دراستك لدورة تفسير سورة الفاتحة من المنهجية في دراسة مسائل التفسير.
- إجابة السؤال السادس:
- ما استفدته من أسلوب الشيخ الداخل في منهجية تفسير سورة الفاتحه:
- يغلب على أسلوبه أسلوب التقرير العلمي الذي يعتني بعرض المسائل بدقة وتحريرها من أقوال العلماء المختلفة والترجيح بينها ، و بيان علة الأقوال الضعيفة.
- اعتنى الشيخ بعرض جميع ما تشمله آيات السورة من مسائل بتسلسل منظم بدءا بذكر مقصد كل آية ثم المسائل اللغوية يليها مسائل القراءات التي لها علاقة بمعاني الآية ثم المسائل التفسيرية وقد يتخلل ذلك بعض المسائل الأخرى الاستطرادية التي لها علاقة مباشرة بتفسير الآية .
- يُركز الشيخ على المسائل التي لها علاقة مباشرة بفهم معاني الآيات ويستنبط منها الفوائد العلمية والسلوكية التي تخدم جانب التدبر والعمل بالآيات.
- تطرق الشيخ لبعض المسائل اللغوية التي تخدم معاني الآيات ومنها مسائل معاني الحروف وما تُفيده من معاني مختلفة حسب سياق كل آية.
- اهتم الشيخ بالاستدلال بالأدلة المختلفة من القرءان والسنة التي تُوضح معاني الآيات تطبيقا لطرق تفسير القرآن بالقرآن وبالسنه وبِفَهم الصحابة والتابعين.
- يعتني الشيخ بإيراد جميع الأقوال ثم الترجيح بينها بمعايير الترجيح الصحيحة.
- مما يُلاحظ عناية الشيخ حفظه الله بالتنبيه على الأدلة الصحيحة والضعيفة في فضائل يعض الآيات.
- وأخيرا التبرؤ من الحول والقوة إلى حول الله وقوته وتفويض العِلم بمعاني الآيات في النهاية إلى علم الله تعالى بقوله " الله أعلم بمراده" والاعتراف بالتقصير والعجز مُلاحظ في أسلوب الشيخ حفظه الله في نهاية كل درس هذا مع ما منّ الله تعالى به على الشيخ من العلم النافع الغزير ، نسأل الله له البركة والزيادة فيه وأن يتقبل منه صالح عمله وأن يُعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علما ينفعنا.