رسالة بأسلوب الحجاج في أواخر سورة البقرة مقدمهم ن ( مضاوي الهطلاني - منيره محمد - عابده المحمدي )
بدأ الله عز وجل الآيات بذكر صفة من صفاته الحسنى التي لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه وهي إثبات صفة الملك لله تعالى الملك الكامل يملك سمعهم ،وأبصارهم، وخواطرهم،وضمائرهم،وإليه معادهم ,ومرجعهم فقال تعالى: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) سورة البقرة ( 284) وقَالَ عز من قائل :{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } سورة البقرة (107) وحق له ذلك، لإنه خالقهم, ورازقهم ,ومربيهم, ولا غنى لهم عنه طرفة عين،فهم في حاجة إليه دائمة،فهو يحفظهم من الشر ويعينهم على الشدائد، ويهديهم إلى الصراط المستقيم،ولذلك بعث فيهم رسولاً من أنفسهم خيرة خلقه،وصفوة رسله،من أطاعه دخل الجنّة ومن عصاه دخل النّار،قال تعالى :{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } وجعل أمته أفضل وآخر الأمم وأول من يدخل الجنة،واختار لنبيه صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم، فهم أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ،وأقلها تكلفا ،وأقومها هديا ،وسمتاً، يصفهم علي رضي الله عنه فيقول: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم كانوا يصبحون ضمرا شعثا غبرا بين أعينهم أمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله ويراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا أصبحوا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح فهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم .
هذه حالهم رضي الله عنهم وأرضاهم في ليلهم مع آيات ربهم ، فكيف حالهم معها في نهارهم ، قال الحسن البصري :(إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَأَوْا الْقُرْآنَ رَسَائِلَ مِنْ رَبِّهِمْ فَكَانُوا يَتَدَبَّرُونَهَا بِاللَّيْلِ وَيُنَفِّذُونَهَا بِالنَّهَارِ) لقد ضربوا رضي الله عنهم أجمعين ، أروع الأمثلة في تنفيذ أوامر الله والتسليم للوحي والانقياد له ،دون اعتراض أو تلكؤ أو تقصير أو عصيان،وكانوا ذا خوف ووجل وشدة خشية لله, وتعظيماً لجنابه,ومع ماعندهم من الفهم والعلم والتقى إلا أنهم يقفون عند آيات الله ويجلونها ويوقعونها على أنفسهم،فما تبين لهم أتمروا به مباشرة وما أشكل عليهم عرضوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليبين لهم ما عرض لهم ، ويبصرهم بما خفي عليهم، ويهديهم للحق الذي طلبوه ، فتطيب نفوسهم وتستسلم قلوبهم وتذل جوارحهم , فنزلت عليهم هذه الآية البينة التي أخبر الله فيها عباده عن سعة ملكه ، وإحاطة علمه، فله ملك السموات والأرض ومن فيهن وما بينهن لا شريك له وأنه مطلع على خفايا قلوب عباده ، كما هو مطلع على ظواهرهم ، يعلم ما يبدون وما يكتمون ،والتي أخبر أنه محاسبهم على جليل الأعمال وحقيرها ، بقدرته التي عمت كل شيء ، سبحانه وبحمده فكان لهم معها شأن عظيم ،وأمر جسيم حيث جثوا على الركب، واشتد عليهم الأمر، وهي قوله تعالى :{ للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
قال المفسرون في معنى هذه الآية أقوال، :
< فقيل أنها في معنى الشهادة التي نهى الله عن كتمها، فأعلم في هذه الآية أن الكاتم لها المخفي في نفسه محاسب , قال به ابن عباس وعكرمة والشعبي ، وقال مجاهد من الشك واليقين، وقيل من الاحتيال للربا، ذكره "ابن حيان"
< وأما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم فقد فهموا منها معنى آخر وهو ما تصفه لنا الأحاديث التي وردت عن ابن عباس وأبو هريرة والشعبي وجماعة من الصحابة والتابعين قالوا «إن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا هلكنا يا رسول الله إن حوسبنا بخواطر نفوسنا، وشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لكنه قال لهم: «أتريدون أن تقولوا كما قالت بنو إسرائيل: سمعنا وعصينا؟! بل قولوا سمعنا وأطعنا» فقالوها، فأنزل الله بعد ذلك: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} البقرة ، فكشف عنهم الكربة ونسخ الله بهذه الآية تلك»
فقال بعض أهل العلم بالنسخ لهذه الآية
فمن قال من العلماء بالنسخ احتج بما روي من أحاديث عن ابن عباس وابن عمر من عدة طرق عن الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن جرير الطبري منها،ما ورد عن أبي هريرة ، قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جثوا على الركب ، وقالوا : يا رسول الله ، كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا ، غفرانك ربنا وإليك المصير " . فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم ، أنزل الله في أثرها : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} إِلَى آخِرِهِ فقال ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة والشعبي أن قوله تعالى :{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}. ناسخة ، لقوله تعالى :{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّه ...} قال ابن عباس : نسخت الوسوسة وثبت القول والعمل .
ومنها ما ذكره ابْنُ جَرِير الطبري : في ما روي عن سَالِمٍ: أنّ أباه قرأ : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّه) فدمعت عيناه،فبلغ صنيعه ابن عباس،فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن،لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت،فنسختها الآية التي بعدها : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}.
وهكذا روي عن علي ،وابن مسعود،وكعب الأحبار،والشعبي،والنخعي،ومحمد بن كعب القرظي ،وعكرمة،وسعيد بن جبير ،وقتادة :( أنها منسوخة بالتي بعدها فنسخت الوسوسة و أثبتت القول والعمل )ذكره ابن كثير وابن عطية .
ويرد هذا القول من يرى من العلماء أنها محكمة وغير منسوخة ،من رواية لابن عباس والحسن البصري والربيع ،ورجح هذا القول الطبري ،وذكر أنه أولى الأقوال ،والزجاج وابن عطية رحمهم الله تعالى .
واحتج لهذا القول بالحجج التالية :
أولاً: إن الآية من باب الأخبار والأخبار لا يدخلها النسخ ، وإنما النسخ في الأمر والنهي .
ثانياً : علل "ابن رجب" قول ابن عباس بالنسخ (أنه يراد به البيان وأنّ الآية التي بعدها أزالت الإبهام الحاصل في الآية الأولى وبينت المراد منه ،وأن مثل هذا البيان كان السلف يسمونه نسخا) جرياً على تسمية ضبْط المصطلحات الأصولية
،وهو كثير في عبارات المتقدمين .
ثالثاً: أخبر سبحانه وبحمده في الآية ،أنه يحاسبهم على ما يبدون ويكتمون،ولا يلزم من المحاسبة العقاب،فقد يحاسب فيغفر, وقد يحاسب فيعذب .
وقيل : المحاسبة تكون يوم القيامة بأن يقرر العبد المؤمن بذنوبه ثم يغفر له ، ليعرفهم تفضله عليهم بعفوه لهم عنها ، والكافر يعذب على ذنوبه ، جاء في حديث ابن عمر،رواه ابن جرير عن قتادة عن صفوان بن محرز قال: بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر، ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يدنو المؤمن من ربه عزّ وجلّ حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول له: هل تعرف كذا؟ فيقول: رب أعرف مرتين، حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم، قال: فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد { هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } " ذكره ابن عطية عن ابن عباس ومجاهد .
وقيل : المحاسبة تكون في الدنيا ، بما يصيبه من النكبة والبلاء والمصائب ، والحمى ، وما يحزن العبد ، جاء ذلك عن عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي رواه الطبري عن طريق حماد بن سلمه ،عن علي بن زيد , عن أمه أنها سألت عائشة عن هذه الآية : { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } { ومن يعمل سوءا يجز به } فقالت : ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : " يا عائشة , هذه متابعة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة , حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها , فيجدها في ضبنه حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير "
رابعاً: بعد أن أثنى الله عليهم عظيم الثناء في الآية التي بعدها وصدقهم فيما حصل منهم من إيمان وإذعان واستسلام لأمره، قال عز من قائل :{لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ..} حيث بين لهم ما أراده في الآية الأولى ونص على حكمه فيها بأنه:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } والخواطر والوسوسة ليست في وسع العبد ليمنعها ولا من كسبه فهي تهجم على القلب ، وتغلب عليه . وجاء في السنة الصحيحة ما يدل على عدم المحاسبة على حديث النفس من الخواطر
وهوما رواه الجماعة في كتبهم الستة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل ".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" قال الله إذا همَّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشراً "
أما الوسوسة للمؤمن فهي صريح الإيمان . فقد روي عن أبي هريرة قال:
" جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: " وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم، قال: " ذاك صريح الإيمان ". رواه مسلم
وعن عبدالله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، قال:" تلك صريح الإيمان ". رواه مسلم .
وبعد أن أذعن الصحابة لكلام ربهم ، وتلهج ألسنتهم {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ*} مدحهم الله وأثنى عليهم فقال :{*آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ*} فجمع لهم بين التشريف والمدح،والتخفيف ورفع المشقة،في أمر الخواطر وحديث النفس،وهذه ثمرة الطاعة والاستجابة لأمر الله،وهذا الذي ينبغي للمسلم أن يفعله في كلّ أمر من أمور دينه أن يوكل أمره إلى الله،ويجتهد في أدائه،فالله عز وجل يكفيه ما أهمه، ويدهشه بجميل عطاياه وفيض كرمه جزاء طاعته لأوامر الله تعالى .
ففي هذه الآية أثنى الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضي الله عنهم ، فوصفهم بالإيمان بالله الواحد الخالق إيمانا صادقاً لا ريب فيه خالق الخلق ومدبر الأمر لا شريك له ، والإيمان بملائكته جملة وتفصيلا،عباد مكرمون ، لا يسبقونه بالقول ، ويفعلون ما يؤمرون، ويؤمنون بكتبه التى أنزلها هدى للعالمين،وبرسله الذين أرسلهم لعباده ليخرجوهم من الظلمات إلى النور،رسلاً مبشرين ومنذرين،فأدوا الأمانة وبلغوا الرسالة،وكذلك التصديق بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ،وما ورد في القرآن الكريم من أحوال اليوم الآخر،وكذلك الرضا بالقضاء والقدر خيره وشره ,وعدم الاعتراض بشيء على أقدار الله تعالى،وهذا الوصف يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه, ويدل على ذلك لفظ العموم ( كل آمن ) ،فهم صدقوا بقلوبهم وامتثلوا بأفعالهم ودللوا على ذلك بحسن قولهم ( سمعنا وأطعنا ) أي سمعنا قولك ربنا وفهمناه ,وامتثلناه بالعمل فاستحقوا بذلك أعظم ثناء وأعظم تشريف من الله عز وجل لهم , ثم بعد ذلك طلبوا من الله أن يتجاوز عن تقصيرهم في العمل التقصير الذي هو من طبيعة البشر وخارج عن إرادتهم وقالوا
{غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} أي مرجعنا ومآبنا إليك وحدك, دل عليه أسلوب الحصر من تقديم الجار والمجرور وفي هذا غاية الذل لله تعالى ,فاستحقوا بذلك أن يكافئهم الله تعالى فبشرهم بأجمل بشارة لهم ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم من بعدهم وذلك ما ذكره ابن كثير من حديث رواه ابْنُ جَرِيرٍ الطبري عَنْ حَكِيمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} قَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ، فَسَلْ تُعْطه. فَسَأَلَ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ أي لا يكلف الله أحدا فوق طاقته وبهذا يكون رفع الحرج والمشقة عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لطفا وكرما من الله عز وجل بعد أن خشوا من ذلك بعد نزول الآية السابقة، والتكليف بما ليس في الوسع والطاقة مرفوع عن كل المكلفين وفي جميع الأديان ,ويدل على ذلك وقوع كلمة ( نفسا) للعموم في سياق النفي فالله عز وجل له الحكمة البالغة فما شرع الشرائع إلا ليصلح أحوال الخلق وليس الغرض تعذيبهم أو تعجيزهم ويدل عليه قوله تعالى :{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } البقرة ،وقوله تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } الحج وقوله: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }التغابن .
وهناك قاعدة فقهيه ( المشقة تجلب التيسير ) وقد يسر الله على المسافر رخص عدة لما في السفر من مشقة كالجمع والقصر للصلاة والفطر في نهار رمضان ,كذلك المسح على الخفين لمدة ثلاثة أيام وغيرها, كثير من أحكام الشريعة الميسرة وأما ما وجد من تكليف شاق كقتال الواحد من المسلمين لقتال العشرة من الكفار فهذا خاص أول الإسلام لقلة المسلمين ,واتفق المفسرين على عدم وقوع التكليف في الأحكام الشرعية بدليل هذه الآية , وخالف بعض أهل الكلام ك أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين في وقوع تكليف ما لا يطاق في الأحكام الدنيوية وزعموا جواز ذلك عقلا وذكروا أن ذلك دلالة على تعذيب المكلف كحديث ( ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ فيها ) رواه البخاري.
وأما اختلافهم في وقوعه في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم واحتجاجهم بقصة أبي لهب وإخبار الله عنه بأنه سيصلى نار ذات لهب ثم تكليفه بالإيمان فهذا اختلاف باطل لا ينظر إليه لإن ذلك دليل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيموت كافرا ,ولن يؤمن فيستحق العقاب الذي ذكره الله عز وجل .
ثمّ بين لهم أن العبد مُحاسب على ما كسب من الحسنات واكتسب من السيئات ، فقال {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ} وجاءت العبارة في الحسنات (لها) لأن الحسنات مما يفرح الإنسان بكسبه ويسرّ به فتضاف إلى ملكه ، وجاءت في السيئات ( عليها) لأنها أوزار وأثقال يتحملها العبدوتكتب عليه.
وجاء لفظ الكسب مع الحسنات ، لأن الحسنات كسب دون تكلف ، إذ كانت على الأمر الشرعي ، والسيئات جاءت بلفظ بناء المبالغة ( اكتسبت) لأن كسبها فيه تكلف ومشقة لأنها تعدي على حدود الأمر الشرعي ، وخرق له .
وقال بعض المفسرين في معناها أنه لا يؤخذ يوم القيامة أحدٌ بذنب أحد .
وكان من ثمرة الاستجابة لإمر الله ورسوله أن أرشد عباده ، إلى سؤاله، وقد تكفل لهم بالإجابة، فقال أي قولوا {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا}
واختلف في المراد بالنسيان والخطأ في هذه الآية، قيل : بمعنى الترك أي ترك الطاعة و الخطأ المقصود ، أما النسيان الذي يغلب على المرء ، والخطأ الذي عن اجتهاد موضوع عنه، فليس بمأمور بالدعاء بأن لا يؤاخذ به ، ذهب لهذا الطبري وغيره.
وقيل : المراد النسيان الغالب والخطأ غير المقصود ، ذهب لهذا القول كثير من العلماء ورجحه ابن عطيه رحمه الله ثم ذكر قول قتادة في تفسير الآية فقال "بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي عن نسيانها وخطأها. وقال السدي نزلت هذه الآية فقالوها؛ قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: قد فعل الله ذلك يا محمد
قال ابن عطية : فظاهر قوليهما ما صححته، وذلك أن المؤمنين لما كشف عنهم ما خافوه في قوله تعالى: (يحاسبكم به الله) أمروا بالدعاء في دفع ذلك النوع الذي ليس من طاقة الإنسان دفعه، وذلك في النسيان والخطأ.
وقوله {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} أي لا تكلفنا من الأعمال ما يشق عليناكما كلفت الأمم السابقة من الأغلال والآصار التي كانت عليهم وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: نَعَمْ".
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ".رواه مسلم .
قوله :{رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}
من ضمن الأدعية التي علمنا إياها الله عز وجل أن نسأل الله العافية من المشقة في التكاليف والمصائب التي فيها ابتلاء عظيم لا يستطيعه الإنسان وفي الحديث السابق "قَالَ اللَّهُ: نَعَمْ" وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ".
واختلف العلماء في جواز تكليف مالا يطاق:
أولا : تكليف مالا يطاق في الشرع،فاتفقوا على عدم وقوعه في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الآية {لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}تدل عليه.ذكره ابن عطية.
ثانياً :تكليف ما لا يطاق في الأحكام التي هي في الدنيا ، فاختلفوا فيه
1- فقال أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً ولا يخرم ذلك شيئاً من عقائد الشرع، ويكون ذلك أمارة على تعذيب المكلف واستدل عليه بتكليف المصور أن يعقد شعيرة حسب الحديث .والرد عليهم :لا دليل فيه لأنّ هذا في أمور الآخرة . ذكره الطاهر بن عاشور
واختلف القائلون بجوازه هل وقع في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أم لا ؟
قالت فرقة : وقع في نازلة أبي لهب ، فقد حكم عليه بصلي النار، وهذا يدل على أنه لا يؤمن ، وهو مكلف بالإيمان ومخاطب بالشرع ، فيكون كلف بأن يؤمن أنه لن يؤمن ، لأنه بإيمانه سوف يؤمن بسورة المسد .
وقالت فرقة: لم يقع قط ، وقوله تعالى : ( سيصلى نارا ) أي إذا ختم له بالكفر .
كما استدل القائلون بجواز وقوعه بقوله تعالى : {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرا} فمعنى الإصر : الثقل وما لا يطاق على أتم أنواعه، وهذه الآية على هذا القول تقضي بجواز تكليف ما لا يطاق، ولذلك أمر المؤمنون بالدعاء في أن لا يقع هذا الجائز الصعب.
ولرد حجتهم ذكر ابن عطية أقسام ما لا يطاق فقال : وما لا يطاق ينقسم أقساماً: فمنه المحال عقلاً
كالجمع بين الضدين، ومنه المحال عادة، كرفع الإنسان جبلاً، ومنه ما لا يطاق من حيث هو مهلك
كالاحتراق بالنار ونحوه، ومنه ما لا يطاق للاشتغال بغيره، وهذا إنما يقال فيه ما لا يطاق على تجوز كثير.
والنوع الأخير هو المراد من الآية ، فمعنى ما لا طاقة للمرء به تجوزا كما تقول لا طاقة لي على خصومة فلان ، تستصعب ذلك ،وإن كنت في الحقيقة تطيقه ، أو (ما لا طاقة لنا به) من حيث أنه مهلك لنا كعذاب جهنم وغيره.
وذهب لعدم جواز تكليف مالا يطاق ابن جرير و الزجاج ،فالنسيان عندهم المتروك من الطاعات. والخطأ هو المقصود من العصيان، والإصر هي العبادات الثقيلة كتكاليف بني إسرائيل من قتل أنفسهم وقرض أبدانهم ومعاقباتهم على معاصيهم في أبدانهم حسبما كان يكتب على أبوابهم وتحميلهم ،العهود الصعبة. وما لا طاقة للمرء به هو عندهم على تجوز.
ثم تضرعوا بهذه الدعوات التامات ، {وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ }
{وَاعْفُ عَنَّا}أي طلب العفو في الذنوب التي بيننا وبينك سواء كان تقصيرا في العمل أو خللا في الأداء.
(وَاغْفِرْ لَنَا} أَيْ: في الذنوب التي بيننا وبين العباد فلا تفضحنا بما فعلنا من الذنوب واسترنا في الدنيا والآخرة .
{وَارْحَمْنَا} أي : أعصمنا برحمتك من الوقوع في ذنب آخر في المستقبل,وَلِهَذَا قَالُوا: إِنَّ الْمُذْنِبَ مُحْتَاجٌ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَنْ يَسْتُرَهُ عَنْ عِبَادِهِ فَلَا يَفْضَحُهُ بِهِ بَيْنَهُمْ، وَأَنْ يَعْصِمَهُ فَلَا يُوقِعُهُ فِي نَظِيرِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: نَعَمْ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ".
وقَوْلُهُ: {أَنْتَ مَوْلانَا} علمنا الله عز وجل أن نثني عليه في الدعاء ونتقرب إليه بمدحه فهو أحرى بالقبول كما في هذا الموضع أي أنت مولانا فلا مولى لنا نستعين به ونتوكل عليه إلا أنت .
وقوله {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} أَيِ: أظهر ديننا على دين الكفار الذين أشركوا بك وعبدوا معك غيرك واجعل عاقبة الأمور لنا في الدنيا والآخرة , وختم به لإن النصر على الكفار والجهاد أساس قوام الدين وهو ذروة سنامه , ولإنه إذا تسلط أهل الكفر تعطلت كثير من أمور الدين ,ولم يتمكن المسلمين من إظهارها أو الدعوة إليها وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: نَعَمْ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "قَالَ اللَّهُ: قَدْ فَعَلْتُ".
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أظن أحداً عقل وأدرك الإسلام ينام حتى يقرأهما.
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه إذا قرأ هذه الآيات قال آمين .
وهذه الآيتين لها فضل عظيم كما دلت عليه نصوص السنة فروي عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاه" رواه البخاري في صحيحة
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي" رواه الإمام أحمد في مسنده
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يخلق السموات وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَا يُقْرَأْنَ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ".قال عنه الترمذي صحيح على شرح مسلم ولم يخرجه .
وروى سَعِيدِ بْنِ جُبير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده جِبْرِيلُ؛ إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا فَوْقَهُ، فَرَفَعَ جِبْرِيلُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ قَدْ فُتِحَ مِنَ السَّمَاءِ مَا فُتِح قَط. قَالَ: فنزل منه مَلَك، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أبشر بنورين قد أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلَّا أُوتِيتُهُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ،) .ذكره ابن كثير.
فحري بنا أن نقتدي بسلفنا الصالح في كل صغيرة وكبيرة، ونحافظ على قراءة هاتين الآيتين على الأقل ثلاث مرات في اليوم والليلة ففيها والله الربح العظيم فيما يخص أمر الدنيا والآخرة فقد وعدنا الله بالإجابة ولكن المحروم من حرم الخير بذنبه, وغفل قلبه وأعرض عن أمر ربه، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ،فالحمد لله الذي وسع كلّ شيء علما،وأحاطت قدرته بكل شيء عددا، وسع سمعه السر و أخفى، يرى دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء ، شرع الدين لعباده وجعله سمحاً سهلا ، ورفع عنهم الحرج والمشقة ، وعفى عن النسيان والخطأ ، علمهم دعائه ووعدهم بجزيل العطاء
فاللهمّ وفقنا لصدّق الدعاء وعِظم اليقين ،واجعلنا من المقتفين لنهج سيد المرسلين ،وآتنا ما وعدتنا على رسلك, وأنت أكرم الأكرمين .
وصلى الله وسلم على خير عباده الهادي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .