بسم الله الرحمن الرجيم
لدرس التاسع: التَّحْذِيرُ من النِّفاقِ (1/3)
_________________________
بيَّنَ اللهُ تعالى في كتابِه الكريمِ، وبيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ فِي سُنَّتِهِ المُطهَّرةِ أعمالَ المنافقينَ وخِصالَهم وعلاماتِهم وعُقوباتِهم في الدنيا والآخِرَةِ، وأحْكَامَ مُعامَلَتِهم,
وما يَجِبُ على المُؤمنِ من الحَذَرِ من النِّفاقِ والمنافقين؛ فهم ألدُّ الأعداءِ وأعْظَمُهم خَطَرًا، وقد قالَ اللهُ تعالى فيهم: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ [المنافقون: ٤].
ولمنافقونَ مُتفاوِتونَ في نِفاقِهم فهم على صِّنْفِينِ فبَعْضُهم أعْظَمُ نِفاقًا وكُفْرًا من بَعْضٍ:
– فمنهم المَارِدُونَ على النِّفاقِ، وهم شَدِيدُو العَداوةِ والكَيْدِ للإسلامِ والمسلمين، الذين يَترَبَّصونَ بالمسلمين الدَّوائِرَ، ويَسْعَوْنَ للفِتْنةِ بينَهم وتَوْهينِهم، وتَهْويلِ شَأْنِ الكُفَّارِ وتَمْكينِهم؛ فلذلك يَبُثُّونَ الشائعاتِ والأكاذيبَ والأراجِيفَ،ويُنَفِّرونَ من الدَّعْوةِ إلى اللهِ والجهادِ في سبيلِه والأمرِ بالمعروفِ والنَّهْيِ عن المُنْكَرِ، ويُسَمُّونَ ما يَقُومونَ به من الفَسادِ والإفسادِ إصلاحًا، ويَصِفُونَ المؤمنين بالسَّفَهِ والجَهْلِ وقِلَّةِ المَعْرفةِ.
ومن أَعْظَمِ صِفاتِهم وألصقِها بهم أنهم يَتَّخِذُونَ الكافرينَ أولياءَ مِن دُونِ المؤمنين، ويُفْضُون إليهم بعَوْراتِ المُسلمين، ويُحَرِّضُونَهم على حَرْبِهم والتَّسلُّطِ عليهم، ويَسْتَنْصِرُونَ بهم على ذلك.
الصنف الثاني من المُنافِقِينَ مَن هو مُتَرَدِّدٌ بينَ الإسلامِ والكُفْرِ، فتَارَةً يَعْمَلُ أعمالَ المسلمين ظاهِرًا وباطِنًا، وتَارَةً يَرْتَكِبُ ما يَخْرُجُ به من دينِ الإسلامِ، فهو مُتَذَبْذِبٌ مُتَرَدِّدٌ، لم يُخْلِصْ دينَهُ للهِ، ولم يَثْبُتْ قَدَمُه فِي الإسلامِ، ولم يُصَدِّقْ بوَعْدِ اللهِ.
وهؤلاء يُبَيِّنُ الابتلاءُ حالَهُم ويَكْشِفُ عَوَارَهم ونِفَاقَهُم، ويُعاقَبُون بالطَّبْعِ على قُلوبِهم، وبالرِّيبةِ والشَّكِّ والتَّردُّدِ في أحوالِهم وأعمالِهم، وذلك لأنهم عَرَفوا الحقَّ فلم يَتَّبِعوه، ووَعَظَهم اللهُ فلم يَسْتَجِيبُوا لمَوَاعِظِه ولم يَتَّبِعوا هُداه.
الهاذا كان لابد للمؤمن الحذروالتنبه لخَطَر اللسانِ العَظِيم وشأنُ الكَلامِ ، فمَن عدَّ كَلامَه من عَمَلِه احْتَرَزَ في مَنْطِقِهِ، وظَهَرَتْ عليه أماراتُ التَّقْوَى؛ فإن العبدَ إذا تَهاوَنَ في مَنطقِهِ مع رِقَّةِ دِيانتِه لم يَأْمَنْ أن يَتكَلَّمَ بكلمةٍ تُوجِبُ له سَخَطَ اللهِ ومَقْتَهُ، أو يَتَكَلَّمَ بكلمةٍ يَكْفُرُ بها ويَخْرُجُ بها من دينِ الإسلامِ، والعياذُ باللهِ.
وقال حُذيفةُ بنُ اليَمَانِ رضِي الله عنه: (إنْ كانَ الرجُلُ لَيَتكَلَّمُ بالكلمةِ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيَصِيرُ مُنافِقًا، وإنِّي لأَسْمَعُها من أَحَدِكم في المَقْعَدِ الوَاحِدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
لَتَأمُرُنَّ بالمعروفِ ولَتَنْهَوُنَّ عن المُنْكَرِ، ولَتَحَاضُنَّ على الخيرِ، أو لَيُسْحِتَنَّكُمُ اللهُ جميعًا بعذابٍ، أو لَيُؤَمِّرَنَّ عليكم شِرارَكم، ثم يَدْعو خِيارُكم فلا يُسْتجابُ لكم). رواه أحمدُ وابنُ أبي شَيْبَةَ.