استخرج خمس فوائد سلوكية وبيّن وجه الدلالة عليها من قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}.
1- إذا رأى العبد نعم الله عليه الظاهرة والباطنة وتفكر فيها، علم أن لله حق عليه بأداء شكر هذه النعم، بالقلب واللسان والجوارح، فالله الذي خلقك ولم تك شيئا وسواك في أحسن تقويم وعدل خلقك، قال تعالى:( الذي خلقك فسواك فعدلك).
2- (الذي خلقك فسواك فعدلك) إذا استحضر العبد أن الله الذي خلقه من نطفة من ماء مهين، وسوى خلقه وعدله، أدى ذلك إلى التواضع للخلق، والتواضع للحق، فمعرفة الإنسان لأصله ومعرفته لحقيقته وأن فقره هو فقر في ذاته، والله هو الغنى وحده في ذاته، أدى ذلك للانقياد للحق والتواضع والابتعاد عن الكبر مطلقا.
3- الله سبحانه وتعالى هو الذي اختار صورة العبد وركبها كما شاء، قال تعالى:( في أي صورة ما شاء ركبك)، فليس للعبد أن يعيب الخلق في أشكالهم وصورهم وهيئاتهم.
4- الله سبحانه وتعالى كريم عفو غفور، ولكن لا ينبغي أن يؤدي معرفة ذلك إلى الإغترار بكرمه وعفوه، وترك أوامره وانتهاك محارمه، فقال سبحانه وتعالى:( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم)، تهديدا لمن غره كرم الله وعفوه.
5- ذكر سبحانه وتعالى أنه جعل على العبد ملائكة يحفظون أعماله ويكتبونها ويعلمونها كلها، فسيجازى بها ولا يظلم في ذلك اليوم أحد، فمن علم ذلك، اتقى الله حيثما كان، وعلم بمراقبة الله الدائمة له، فصلح بذلك عمله وقوله وقلبه.
المجموعة الأولى:
2. حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالخنّس الجوار الكنّس.
في المراد بالخنس الجوار الكنس أقوال لأهل العلم:
الأول: النجوم التي تخنس بالنهار وتظهر بالليل، وحال جريانها في أفلاكها، وحال غيبوبتها، وهو حاصل قول علي بن أبي طالب، وحاصل قول مجاهد والحسن وقتادة وذكر ذلك عنهم ابن كثير وحاصل قول الأشقر.
الثاني: النجوم الدراري التي تجري تستقبل المشرق على عكس مسير الكواكب المعتاد، وحال جريانها في أفلاكها، وحال غيابها، حاصل قول بكر بن عبدالله، ورواه عنه ابن كثير.
الثالث: النجوم حال طلوعها، وجريانها، وغيبوبتها، ذكره ابن كثير نقلا عن قول بعض الأئمة.
الرابع: بقر الوحش وحال جريها وكناسها إلى الظل، قال به ابن عباس والثوري وسعيد بن جبير وجابر بن زيد، ورواه عنهم ابن كثير.
الخامس: الظباء وحال جريها وكناسها إلى الظل، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وجابر بن زيد، ورواه عنهم ابن كثير.
السادس: الكواكب السبعة السيارة التي تتأخر عن سير الكواكب المعتاد إلى جهة المشرق، وحال جريانها، وحال استتارها بالنهار، قاله السعدي.
السابع:الكواكب السبعة السيارة التي تختفي بالنهار ولا ترى، وحال جريانها، وحال غيبوبتها، قاله الأشقر.
ذكر ابن كثير احتمالا أن المراد بالخنس الجوار الكنس النجوم والظباء وبقر الوحش، وذكر بأن ابن جرير توقف في المراد بالخنس الجوار الكنس فلم يترجح عنده المراد بها.
ب: المراد بانكدار النجوم.
لأهل العلم أقوال في المراد بانكدار النجوم:
القول الأول: تغيرت، قاله ابن عباس وذكر ذلك ابن كثير، والسعدي.
القول الثاني: تناثرت، قال به مجاهد والربيع بن خثيم والحسن البصري وأبو صالح، وحماد بن أبي سليمان والضحاك، ورواه عنهم ابن كثير، واختاره ابن كثير، والسعدي والأشقر ،واستدل ابن كثير بقول أبي بن كعب: (ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش فماجوا بعضهم في بعض).
القول الثالث: تساقطت في جهنم، حاصل ما قال به ابن عباس ويزيد بن أبي مريم وعامر الشعبي وذكر ذلك عنهم ابن كثير، واستدل يزيد بن أبي مريم بالحديث الذي رواه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: (انكدرت في جهنم وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى وأمه ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها). رواه ابن أبي حاتم.
القول الرابع: طمس نورها، قاله الأشقر.
نخلص إلى أن المراد بانكدار النجوم هو تناثرها وتغيرها وتساقطها من أفلاكها وإذا حصل ذلك طمس نورها، وألقيت في النار، وهو خلاصة قول ابن عباس ويزيد بن أبي مريم ومجاهد والربيع بن خثيم وعامر الشعبي والحسن البصري وأبو صالح، وحماد بن أبي سليمان والضحاك، كما رواه عنهم ابن كثير وخلاصة ما قاله السعدي والأشقر.
3. بيّن ما يلي:
أ: خطر الذنوب والمعاصي.
الذنوب والمعاصي خطرها عظيم على القلب، فهي تغطي القلوب التي في الصدور عن الحق شيئا فشيئا حتى تغلفها، وتطفئ نور البصيرة لدى العبد، فلا يميز بعد ذلك بين الحق والباطل، والأدلة الواضحة البينة ودلالاتها، فقد قال الله تعالى عن المشرك:( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين)، وهذا مع أن الأدلة التي جاءت بها الرسل صريحة الدلالة، قطعية الثبوت، واضحة المعاني، ولكن منعهم الله سبحانه وتعالى من التبصر بها وفهمها حق فهمها، لكثرة ذنوبهم ولعدم رغبتهم في الحق ومعرفته واتباعه، فرانت ذنوبهم ومعاصيهم على قلوبهم، فلم تعد للأدلة أثر على قلبهم وجوراحهم، وعميت بذلك بصيرتهم، فما زادتهم الأدلة إلا عنادا وكفرا وتكذيبا، قال تعالى:( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)، وهذا الرين يعتري قلوب الكفار، والغيم للأبرار والغين للمقربين،.فعلى المؤمن أن يحذر من التشبه بالكفار المتلبسين بكثرة المعاصي والذنوب وعدم الانقياد للحق واتباعه وابتغاءه، لكي لا تعمى بصيرته ويذهب نور قلبه، قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة:( إن العبد إذا أذنب نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن عاد زادت حتى تغلف قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله سبحانه في القرآن) رواه الترمذي
ب: حسن عاقبة الصبر.
على العبد المؤمن أن يصبر ويتصبر على ما يلقاه في هذه الحياة الدنيا، وأعظم ما يعينه على ذلك يقينه بالأجر المترتب على الصبر ابتغاء لما عند الله، وإيمانه بحسن عاقبة الصبر وأن الله لن يضيع ذلك عليه، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن حال المجرمين في الدنيا وعن أفعالهم واستهزائهم وغمزهم وتفكههم بالمؤمنين عند مرورهم بهم وفي مجالسهم، قال تعالى:(إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون() وإذا مروا بهم يتغامزون)، ورميهم للمؤمنين بالضلالة افتراء على الله سبحانه وتعالى، وما كان ذلك العمل منهم إلا بسبب أمنهم في الدنيا، وتركهم للعمل والإيمان والصبر على أوامر الله ونواهيه في الدنيا، وما نقموا من المؤمنين إلا بسبب إيمانهم وطلبهم لما عند الله في هذه الحياة الدنيا، فأخبر الله بأنه سيجزي المؤمنين بما صبروا خير الجزاء وأعظم النعيم، وسيعاقب المجرمين جزاء من جنس عملهم، وسيضحك المؤمنين في يوم القيامة في يوم النعيم الأبدي والملك التام من الكافرين وهم ينظرون إليهم على الأسرة ذات الفرش الحسان، والكفار في نار جهنم يعذبون، ثم قال تعالى:( هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون)، فهل بعد هذا الثواب ثواب.