[color="blue"][size="6"][b]مجلس مذاكرة القسم السابع من سورة البقرة الآيات من 87 إلى 100
السؤال الأول: (عامّ لجميع الطلاب).
اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)} البقرة.
من الفوائد:
=معرفة رحمة الله بعباده حيث أرسل إليهم الرسل كما في وقوله: "وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ".
=بيان أهمية قدر التوحيد فهو الذي من أجله أرسل الله الرسل؛ رسولاً تلو الآخر حيث تعالى: "وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ".
=أن الله أنزل على رسله معجزات لا يستطيعها الخلق ليكون برهان للناس على صدقهم وهذا مستفاد من قوله: " وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ".
=نصر الله وتأييده لعباده الطائعين الموحدين، فهنا أيد الله عيسى عليه السلام بجبريل عليه السلام.
=بيان خطر اتباع الهوى وأنه إن لم يكن وفق ما يحبه الله ويرضاه فإنه سيكون وفق ما يحبه الشيطان، كما ذكر تعالى هنا عن بني إسرائيل " أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ" وكانت العاقبة تكذيب رسل الله وقتل بعضهم.
=أن الهوى في الآية من الهوى المذموم، وأما المحمود فمثل قول عمر رضي الله عنه في قصة أسرى بدر: «فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت»، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
=معرفة آفة عظيمة وهي الاستكبار فقد أدى ببني إسرائيل إلى تكذيب الرسل وقتل بعضهم، قال تعالى: " اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ".
=أن الآية فيها دلالة على فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم وخاصة سلفهم الصالح من الصحابة والتابعين؛ حيث لم يقع منهم ما وقع من بني إسرائيل بعد أن ظهر لهم الحق بل لزموه واتبعوه ولم يرجعوا عنه.
=أن العاقبة الحسنة هي لمن أطاع رسل الله لأنهم إنما يأمرونه بعبادة الله وحده لا شريك له، وأما من عصاهم وكذبهم فإنه لا محالة سيهلك نفسه ويخسر دنياه وآخرته.
المجموعة الثالثة:
1: فسّر قول الله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)} البقرة.
يقول تعالى واصفاً ما فعله أهل الكتاب مع دين الإسلام الذي بعث به خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم: بئسما اشتروا به أنفسهم" فذم الله بيعهم، فقد باعوا أنفسهم بلا مقابل وذلك حينما أخذوا الباطل وردوا الحق وحينما كفروا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ورضوا بالباطل الذي اخترعوه لأنفسهم فقد حرفوا وبدلوا ما بأيديهم من الكتب ثم أخذوا منها ما وافق هواهم وتركوا ما سواه ومنه الإيمان ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان المقابل خسارة أخرتهم نعوذ بالله تعالى من الضلال.
وقد قيل أن المراد بقوله تعالى: "بما أنزل الله" أي بالقرآن.
ويحتمل كفرهم بالتوراة لأن فيها خبر عيسى ومحمد وهم كفروا بهما.
ويحتمل أن يراد الجميع فإن الكفر بالبعض هو كفر بالكل فمن كفر بمحمد كفر بالتوراة والإنجيل.
ثم بين تعالى أن السبب في كفرهم بما جاء به محمد وتكذيبهم له وترك مناصرته واتباعه إلى عداوته ومخالفته هو الحسد والحقد والكراهية فقال تعالى: "بغيًا أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده" فحسدوا العرب على أن يكون منهم نبي آخر الزمان وأرادوا أن يكون منهم. وهذا من سوء الظن بالله وهو أنه سبحانه لا يضع رسالته عند من يراه أهلاً لها.
ولذلك كان لهم من الله العقاب الشديد فقال تعالى:" فباءوا بغضبٍ على غضبٍ " أي استحقوا وأوجبوا لأنفسهم الغضب،
قال ابن عبّاسٍ: «فالغضب على الغضب، فغضبه عليهم فيما كانوا ضيّعوا من التّوراة وهي معهم، وغضب بكفرهم بهذا النّبيّ الذي أحدث اللّه إليهم».
فيدخل فيه كفرهم بالتوراة لما عبدوا العجل أو قالوا عزير ابن الله وغيره من المخالفات التي أوجبت غضب الله من قبل ويدخل فيه كفرهم بعيسى عليه السلام فكل هذا سبق وقع منهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعثه الله وكفروا برسالته استوجبوا غضباً فوق الغضب.
ثم ختم الله تعالى الآية الكريم ببيان أن من خالف الله سبحانه وتعالى لأمر من الأمور عوقب بنقيض قصده وحرمه الله من هذا الأمر، فلما كان مرادهم الرياسة على الناس بأن يكون منهم الأنبياء والكتب تكبراً على الناس واستعلاءً عاقبهم الله لمخالفتهم أمره ورسوله بالصغار والذل والإهانة فجعل لهم عذا مهين يكونون فيه أذلاء صاغرون.
وقد روى الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور النّاس، يعلوهم كلّ شيءٍ من الصّغار حتّى يدخلوا سجنًا في جهنّم، يقال له: بولس فيعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال: عصارة أهل النّار".
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
2: اذكر الخلاف مع الترجيح في كل من:
أ: معنى قلّة الإيمان في قوله: {فقليلا ما يؤمنون}.
قيل في توجيه معنى قلة الإيمان أقوال هي:
= عدد الرجال المؤمنون منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم قليل وهذا المعنى قاله قتادة ذكره ابن عطية وذكر ابن كثير أنه اختيار فخر الدّين الرّازيّ وحكاه عن قتادة والأصمّ وأبي مسلمٍ الأصبهاني
= أن وقت إيمانهم قليل وهو الفترة التي كانوا يستفتحون به قبل بعثته. ذكر هذا الوجه ابن عطية.
= أن إيمانهم قليل؛ حيث أنهم تركوا أصول التوحيد الصحيح بجحدهم الرسل وتكذيبهم التوراة، فكان ايمانهم بما سواه قليل –كإيمانهم بما جاء به موسى من أمر الثواب والعقاب- مقارنة بما تركوه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به وقد ذكر هذا الوجه ابن عطية وابن كثير.
=أنهم لا يؤمنون بشيء، ذكر هذا الوجه ابن كثير واستدل له بأن العرب تقول: قلما رأيت تريد، يريدون: ما رأيت.
ولم يرجح أحد منهما أحد هذه الأوجه، والذي يظهر أنها لا تعارض بينها وكلها تنطبق عليهم فهم آمنوا بني آخر الزمان إلى أن بعث ثم كفروا بعد ذلك به، وما آمن منهم به إلا قليل منهم.
ب: مرجع هاء الضمير في قوله تعالى: {ثم اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}.
قيل مرجعه:
=إلى موسى عليه السلام بعد ذهابه للمناجاة. ذكر هذا الوجه ابن عطية.
=وقيل إلى المجيء، فبعد أن جاءهم بالبيانات الواضحات على أنه رسول من الله وأمرهم بما أمر به الله، عبدوا العجل بعد أن جاءهم التوحيد. ذكر هذا الوجه ابن عطية وابن كثير.
والذي يظهر أن القول الأول هو الأقوى حيث أن في الآية ذكر موسى وذكر البينات والضمير مذكر فيكون عائد على موسى ولو كان عائد على البينات لكان الضمير "بعدها" وقد اقتصر عليه ابن كثير، والله أعلم.
[ المجيء أيضًا مذكر ، ويجوز عود الضمير عليه ، فهم قد أعادوه على مجيء اليبنات ، وليس البينات نفسها.
وترجيح الأول من باب أن هذا ما حصل مباشرة قبل اتخاذهم العجل ، والله أعلم.
قال ابن جرير : " وإنّما قال: من بعد موسى، لأنّهم اتّخذوا العجل من بعد أن فارقهم موسى ماضيًا إلى ربّه لموعده " ، وذكر القول الثاني احتمالا أيضًا. ]
3: بيّن فائدة الإظهار في موضع الإضمار في قوله تعالى: {فإن الله عدو للكافرين}.
قال ابن عطية في تفسيره: "وظهر الاسم في قوله: {فإنّ اللّه} لئلا يشكل عود الضمير" ا.هـ
وقال ابن كثير في تفسيره: "وإنّما أظهر الاسم هاهنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره، وإعلامهم أنّ من عادى أولياء اللّه فقد عادى اللّه، ومن عادى اللّه فإنّ اللّه عدوٌّ له، ومن كان اللّه عدوّه فقد خسر الدّنيا والآخرة، كما تقدّم الحديث:«من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالحرب». وفي الحديث الآخر: «إنّي لأثأر لأوليائي كما يثأر اللّيث الحرب». وفي الحديث الصّحيح: «ومن كنت خصمه خصمته.
فأظهر الله الاسم الأعظم ليوضح ويؤكد أن الحرب والعداوة تكون بينه وبين الله عز وجل وهذا تهديد بالغ القوة ،
فالحرب ليست مع أحد من خلق الله بل مع الله الخالق القادر سبحانه، وهذا رادع قوي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ولا يدرك ذلك إلا أولوا الألباب.
[ هذه القاعدة مفيدة جدًا في فهم كثير من الآيات واستنباط بعض الأحكام منها ، وقد مثل الشيخ ابن عثيمين بهذه الآية عند بيانه لهذه القاعدة " الإظهار في موضع الإضمار ، فيمكنكم الرجوع إليه لمزيد من الفائدة وفهم هذا الأصل من أصول التفسير :
http://www.afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=22703 ]
4: استدلّ على صدق النبوة مما درست.
=اخباره عن الكتاب الذي آتاه الله موسى عليه السلام.
=اخباره عن وجود أنبياء بعد موسى عليه السلام في بني إسرائيل يحثون الناس على اتباع التوراة.
=اخباره عن بعثة عيسى وأنه آتى بما يخالف التوراة ليس كسابقيه من الرسل بعد موسى.
=اخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن تأييد جبرائيل عليه السلام لعيسى ابن مريم .
= أنه أعلمهم أنهم قتلوا كذبوا فريقاً من أنبيائهم وقتلوا فريقاً، في قوله تعالى: "فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ"
= اخبار النبي صلى الله عليه وسلم بكذبهم في ادعائهم حين قالوا "قلوبنا غلف" بأن هذا كذب والحقيقة أنهم كافرون معاندون.
=أن القرآن أخبر أن التوراة فيها ذكر أوصاف نبي آخر الزمان وأنهم كانوا يستفتحون به على أعدائهم وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفته التوراة.
=أن المانع لهم من تصديق النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه هو الحقد والحسد، أن تذهب النبوة والرسالة من بني إسرائيل وتنتقل للعرب وهذا ما جاء عنهم في الآثار.
=أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالمعجزات حصلت معهم في زمن موسى عليه السلام من رفع الطور فوقهم، وأخذ الميثاق عليهم، وغير هذا مع أن النبي أمي ولم يطلع على شيء من كتبهم.
=إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنهم اتخذوا العجل بعد ما جاءتهم البينات الدالة على التوحيد.
=تحدي القرآن لهم بأن يتمنوا الموت، ولم يحدث منهم ذلك لأنهم يحبون الدنيا والتعمير فيها كما أخبر عنهم ربنا.
[ أحسنتم ، جميع ما سبق يُستدل به لكن وددت لو استشهدتم بالآيات.
والنقطة الأخيرة بالذات تدل على صدق النبوة ، لأنه إن لم يكن لديهم يقين من أنه رسول من عند الله ؛ فلماذا امتنعوا عن المباهلة ؟ ، خاصة وقد ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه ؟! ]
وغير ذلك من الأمور التي أخبر بها الله على لسان خاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، الذي كان أمي ولم يطلع على ما في كتب أهل الكتاب ثم هو يخبر عما حدث بينهم وبين رسلهم كما هو معروف عندهم ويخبر عما في نفوسهم كما هو الواقع وإن أنكروه، وكل هذا دليل على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه ومن لهديه تجرد.