وبانَ في الأَنْدَلُسِ الفَسَادُ = وانْتَثَرَتْ منْ ضَعْفِهَا البِلادُ
وأَخَذَتْ أَمَانَهَا النَّصَارَى = وأَصْبَحَ النَّاسُ بِهَا حَيَارَى
تَرَاهُمُ منْ هَوْلِهَا سُكَارَى = قَدْ أَشْغَلَ الرَّوْعُ بِهَا الأَفْكَارَا
وَانْبَهَمَ الأمرُ على ابْنِ هُودِ = ولمْ يُوَافِقْ طَالِعَ السُّعُودِ
فحَيْثُمَا وَجَّهَ جيشاً هُزِمَا = وحَيْثُمَا قَلَّدَ حُكْماً حَكَمَا
فَجَدَّدَ اللَّهُ رُسُومَ المِلَّهْ = في قُطْرِنَا بالأُمَرَاءِ الجِلَّهْ
العُظَمَاءِ السَّادَةِ الأَعْلامِ = أَبْنَاءِ نصرٍ ناصرِ الإِسْلامِ
أَوَّلُ أَمْلاكِهِمُ مُحَمَّدُ = وَهْوَ الأميرُ الغَالِبُ المُؤَيَّدُ
قامَ وشَمْلُ الدِّينِ في شَتَاتِ = والرُّومُ تَسْتَوْلِي على الجِهَاتِ
فَنُعِشَ الدِّينُ بهِ لَمَّا عَثَرْ = ونُظِمَ السِّلْكُ وقدْ كانَ انْدَثَرْ
وثارَ في أُرْجُونَةٍ لِنَفْسِهِ = وكانَ شَهْماً غُرَّةً في جِنْسِهِ
ودَخَلَتْ في أَمْرِهِ جَيَّانُ = واغْتَبَطَتْ بقُرْبِهِ الأَعْيَانُ
وأَوْجَبَتْ طَاعَتَهُ الحُصُونُ = فالخوفُ أَمْنٌ والحِمَى مَصُونُ
فَاطَّرَدَ السعدُ بها واتَّصَلا = واسْتَوْسَقَ+ الأمرُ بها واكْتَمَلا
وأَحْكَمَ السِّلْمُ سَرِيعاً وَعَقَدْ = وصَارَتِ الذِّئَابُ تَرْعَى وَالنَّقَدْ
واسْتَكْثَرَ العَدَّ فيها والعُدَدْ = وكلُّ مَنْ قَدَّمَ مِصْبَاحاً وَجَدْ
ثمَّ تولَّى بعدَ أنْ طَالَ المَدَى = وراحَ في ضَمِّ الأُمُورِ وغَدَا
وَقَلَّدَ الأمرَ ابْنَهُ مُحَمَّدَا = أَضَاءَ في آفَاقِهَا بَدْرُ الهُدَى
مُخَلَّدُ المَآثِرِ الشَّرِيفَهْ = وَواضعُ المراتبِ المَنِيفَهْ
وباسطُ العدلِ على الآفاقِ = وَواحدُ الملوكِ باتِّفَاقِ
المُلْكُ والحِكْمَةُ في سَرِيرِهِ = والرفقُ والرحمةُ في تَدْبِيرِهِ
كمْ فتنةٍ دَاوَى وخَطْبٍ دَارَى = يُعْجِزُ كِسْرَى أَمْرَهُ وَدَارَا
أَطْفَأَ ماءُ سَيْفِهِ الأُوَارَا = وَاسْتَنْزَلَتْ عَزْمَتُهُ الثُّوَّارَا
وَجَاهَدَ الكُفْرَ بِعَضْبٍ مُنْتَضَى = فَذَعَرَتْ سَطْوَتُهُ أُسْدَ الْغَضَا
وكانَ صَدْرَ البيتِ بَأْساً ونَدَى = صارَ من العِزِّ إلى أَقْصَى مَدَى
أيُّ دهاءٍ وَمَضَاءٍ وجِهَادِ = أقامَ جَنْبَ الدِّينِ منْ فَوْقِ مِهَادِ
حتَّى خَلا الجَوُّ ونَامَ الثَّارُ = وَحَسُنَتْ فيهم لهُ الآثَارُ
وجازَ يَعْقُوبَ الرِّضَى في مُدَّتِهْ = مُنَفِّساً منْ كَرْبِهِ وَشِدَّتِهْ
وأفْسَدَتْ بيْنَهُما الأعداءُ = فعَظُمَ الأمرُ وجلَّ الدَّاءُ
وعاشَ في المُلْكِ سِنِينَ عِدَّهْ = حتَّى إذا تَمَّتْ لَدَيْهِ المُدَّهْ
أَزْمَعَ+ واسْتَوْفَى مَدَى حَيَاتِهِ = ولَقِيَ الحِمَامَ في صَلاتِهِ
سطر+ وخَلَّى نَجْلَهُ أَمِيرَا = مُحَمَّداً قدْ أَحْكَمَ التَّدْبِيرَا
وكانَ مَلْكاً ظَاهِراً شَهِيرَا = فَاقْتَعَدَ المِنْبَرَ والسَّرِيرَ
تَكَفَّلَ اللَّهُ بعِزِّ نصْرِهِ = وَوقفَ السَّعْدُ ببابِ قَصْرِهِ
ونالَ منْ دُنْيَاهُ أمنَى+ أَمَلِ = ولمْ يُقَصِّرْ في العُلَى عنْ عَمَلِ
ومَلَكَتْ سَبْتَةُ في أَيَّامِهِ = فَأَلْقَتِ الطَّوْعَ إلى أحْكَامِهِ
ولَزِمَتْ جُثْمَانَهُ الشِّكَايَهْ = والدهرُ لا يَغْفُلُ عنْ نِكَايَهْ
ثمَّ انْبَرَى مُنْصَلِتاً وخَلَعَهْ = نَصْرٌ أَخُوهُ الوَزِيرُ صَرَعَهْ
وعنْدَما تَمَّ المَرَامُ اعْتَقَلَهْ = ثمَّ إلى بعضِ البلادِ نَقَلَهْ
وكانَ نصرٌ مَلِكاً جَلِيلا = عَفًّا حليماً خَيِّراً جَمِيلا
يُحْسِنُ فيما يُحْسِنُ التَّنْجِيمَا = ويُحْكِمُ التَّعْدِيلَ والتَّقْوِيمَا
واضْطَرَبَتْ في عهْدِهِ أُمُورُ = فَلَمْ يَلُحْ عِزٌّ ولا ظُهُورُ
فَعَنْ يَمِينٍ وشِمَالٍ طَاغِيَهْ = ونَاشَتِ الدِّينَ الأَكَفُّ البَاغِيَهْ
وحَلَّ بعدَ الخَلْعِ في وَادِي الأَشَا = والحُكْمُ للَّهِ يُعِزُّ مَنْ يَشَا
ولمْ يَزَلْ فيها إلى أنْ مَاتَ = وانْقَطَعَ العُمْرُ بهِ وَفَاتَ
ورَجَعَ الأمرُ لإسْمَاعِيلِ = ابنِ ابْنِ عَمِّهِ بلا تَأْوِيلِ
المَلِكِ المُعَظَّمِ الجَلِيلِ = أَوْلاهُمْ بالتَّاجِ والإِكْلِيلِ
مَلْكٌ صَحِيحُ العَقْلِ رَحْبُ المِنَّهْ = تَجْرِي قَضَايَاهُ بحُكْمِ السُّنَّهْ
قدْ قَرَنَ اللَّهُ بهِ السَّعَادَهْ = واعْتَادَ منْ صُنْعِ الإلَهِ عَادَهْ
في مُلْكِهِ قدْ كَانَ يَوْمُ المَرْجِ = كَمْ منْ حِمًى أَخْلَى وكَمْ منْ سَرْجِ
ثُمَّ غَزَا منْ بَعْدِهِ وظَهَرَا = والدِّينَ أَعْلَى والصَّلِيبَ قَهَرَا
وانْتَبَهَ الدهرُ لهُ منْ نَوْمِهِ = على يَدَيْ طائفةٍ منْ قَوْمِهِ
بَكَى عليهِ الحَرْبُ والمِحْرَابُ = ونَدَبَتْهُ الضُّمَّرُ العِرَابُ
والعُمْرُ نومٌ والمُنَى+ سَرَابُ = وما على تُرَابِهَا تُرَابُ
ثمَّ تَوَلاَّهَا ابْنُهُ مُحَمَّدُ = البَطَلُ الشَّهْمُ الشُّجَاعُ النَّجِدُ
أَفْرَسُ مَنْ جَالَ على جَوَادِ = أَكْرَمُ مَنْ غَارَتْ بهِ الغَوَادِي
بحرُ العَطَايَا وهلالُ النَّادِي = وذُو الذكاءِ الثابتِ الأَشْهَادِ
كانَ حَدِيداً شَرِهاً لِسَانُهْ = لمْ يُغْنِ عنْ مُهْجَتِهِ إِحْسَانُهْ
وقَتَلَتْهُ رُؤَسَاءُ جُنْدِهِ = وغُرَسَاءُ فَضْلِهِ ورِفْدِهِ
ووَلِيَ الأمرُ أَخُوهُ يُوسُفُ = وعَقْلُهُ وفَضْلُهُ لا يُوصَفُ
ليسَ على تَفْضِيلِهِ مُخْتَلَفُ = فَنِعْمَتِ الذَّاتُ ونِعْمَ السَّلَفُ
ما شِئْتَ منْ حُسْنٍ ومنْ جَمَالِ = مَرْأًى كَمَرْأَى البَدْرِ في الكَمَالِ
وخُلُقٌ كالسَّائِغِ الزُّلالِ = إلى وَقَارٍ رَاجِحِ الجِبَالِ
تَعَوَّدَ السَّعْدَ ونالَ الأَمَلا = وعِزُّهُ الإحسانُ والعَدْلُ جَلا
وكانَ في مُدَّتِهِ أبو الحَسَنْ = قدْ قَلَّدَهُ القُطْرَ وأَهْلِيهِ المِنَنْ
فعَقَدَ الصُّلْحَ بغيرِ كُلْفَهْ = والمالَ وَالَى بَعْثَهُ والعَلْفَهْ
حتَّى إذا الحَرْبُ الضَّرُوسُ قَامَتْ = وكُلُّ نَفْسٍ بالمَخَافِ هَامَتْ
أَمَدَّهُ بمَالِهِ وَوَلَدِهْ = واللَّهُ يَجْزِيهِ لحُسْنِ مَقْصِدِهْ
وَجَاءَ إِصْرَاخاً لَهُ بِذَاتِهِ = إذْ كانَ ذا حِرْصٍ على مَرْضَاتِهِ
وعاملَ اللَّهَ بصِدْقٍ وَوَفَا = خَيْرُ السَّلاطِينِ وزَيْنُ الخُلَفَا
حتَّى إذا استقرَّ بالجَزِيرَهْ = كالشمسِ في بُحْبُوحَةِ الظَّهِيرَهْ
بَادَرَ في الحينِ إلى لِقَائِهِ = وعَمَّهُ الإحسانُ منْ تِلْقَائِهِ
ونَزَلَ المَوْلَى على طَرِيفِ = في خَبَرٍ يُغْنِي عن التَّعْرِيفِ
وقُضِيَتْ عليهِ فيها الوَقْعَهْ = يا شَرَّ ما جَنَتْهُ تِلْكَ البُقْعَهْ
وَعَقَدَ الصُّلْحَ أبو الحَجَّاجِ = على سبيلٍ واضحِ المِنْهَاجِ
ودامَ في المُلْكِ قريرَ العَيْنِ = حتَّى سَقَاهُ الدهرُ كَاسَ الْحَيْنِ
فماتَ وَهْوَ ساجدٌ يُصَلِّي = على سبيلِ غِرَّةٍ وَخَتْلِ
وَبَايَعُوا بعدُ لخَيْرِ نَجْلِ = مُحَمَّدٍ رَبِّ الحَيَا والفَضْلِ
رَعْياً لحقِّ الشيءِ في المَحَلِّ = إلى عَفَافٍ وتُقًى وعَدْلِ
الشِّيَمُ البَرَّةُ والخُلْقُ الرَّضِي = والكَنَفُ المَبْسُوطُ والوَجْهُ الوَفِي
جَوْهَرُ مجدٍ لمْ يُشَبْ بِعَرْضِ = وسهمُ نَبْلٍ نَاهِضٌ لِفَرْضِ
طهارةُ الثوبِ على الفَتَاءِ = ورَوْنَقُ الحِشْمَةِ والحَيَاءِ
أَيَّامُهُ أفْضَلُ الأَيَّامِ = ضَفَا بها السِّتْرُ على الأَنَامِ
فلمْ تَرُعْ في المسلمينَ غَارَهْ = ولا بَدَتْ لِفِتْنَةٍ أَمَارَهْ
لكِنْ أَضَاعَ الحَزْمَ حتَّى غُدِرَا = وهلْ يَرُدُّ الحزمُ شَيْئاً قُدِّرَا
وكانَ قدْ ثُقِّفَ في جِوَارِهِ = أَخُوهُ لا يُمْنَعُ منْ أوْطَارِهِ
في قَوْمِهِ وأهْلِهِ ودَارِهِ = تَجْرِي أُمُورُهُ على اخْتِيَارِهِ
فَدُبِّرَتْ لَيْلاً عليهِ الحِيلَهْ = بِفِئَةٍ يسيرةٍ قَلِيلَهْ
فلَمْ يَرُعْهُ وَهْوَ في البُسْتَانِ = والنومُ مُسْتَوْلٍ على الأجْفَانِ
إلاَّ اقتحامُ القومِ سُورَ القَلْعَهْ = وصَكَّةُ الطَّبْلِ بتلكَ البُقْعَهْ
وقَتْلُ رِضْوَانٍ أميرِ الدَّوْلَهْ = وضَجَّةُ الأصْوَاتِ تلكَ اللَّيْلَهْ
وأَيْقَنَ الناسُ بأنْ قدْ مَاتَ = وفَاتَ منْ نُصْرَتِهِ ما فَاتَ
فعِنْدَها أَلْقَى الحُمَاةُ باليَدِ = ولمْ يُدَافِعْ قائدٌ في بَلَدِ
وحُقِّقَ الأمرُ فَكَانَتْ خَجْلَهْ = تَبْقَى على الأعْقَابِ فيهم مُثْلَهْ
وأنزلَ اللَّهُ بها السَّكِينَهْ = عليهِ وهوَ خارجُ المَدِينَهْ
فَبَادَرَ الطرفَ ووَالَى الرَّكْضَا = يَقْطَعُ أَرْضاً لَيْلَهُ فَأَرْضَا
وأَمَّ وَادِي آشَ مُسْتَجِيرَا = بها فَأَلْفَى كَرَماً وَخِيرَا
دَافَعَ عنهُ أهْلُها وَجَدُّوا = وللحصارِ الدائمِ اسْتَعَدُّوا
يَفْدُونَهُ بالمالِ والنُّفُوسِ = منْ كلِّ خَطْبٍ طارقِ رَبُوسِ
أيُّ رجالٍ عِلْيَةٍ أَحْرَارِ = وأيُّ رَبْعٍ فاضلٍ وَدَارِ
لا يَسْمَحُونَ للرَّدَى بجَارِ = رَضُوا بعَيْثِ النارِ لا بالعَارِ
حتَّى إذا طالَ عليهِ الحَصْرُ = ونالَ أهلُ وَادِي آشَ الضُّرُّ
خَاطَبَ إبراهيمُ مَلْكَ العُرْبِ = وعَبَرَ اللُّجَّةَ بعدَ خَطْبِ
مُسَلِّماً لِمَا اقْتَضَاهُ القَدَرُ = وكانَ منْ رَجْعَتِهِ ما يُذْكَرُ
وقامَ إسماعيلُ فيها بَعْدَهْ = وقائمُ البَغْيِ قصيرُ المُدَّهْ
ليسَ لهُ نقضٌ ولا إِبْرَامُ = وليسَ للمُلْكِ بهِ احْتِرَامُ
تِمْثَالُ شُؤْمٍ مُرْسَلُ الضَّفِيرَهْ = قدْ صِيغَ منْ بَغْيٍ وسُوءِ سِيرَهْ
أَدْبَرَ عنْ رَأْيٍ وعنْ تَدْبِيرِ = وصارَ طَوْعَ الهَرَجِ المُبِيرِ
يَرْقُصُ منْ بهوٍ إلى سَرِيرِ = يَخْرُجُ منْ رَوْضٍ إلى غَدِيرِ
يَظُنُّ أَمْرَ المُلْكِ أمراً سَهْلا = غباوةً وغِرَّةً وجَهْلا
حقٌّ على مَنْ قُلِّدَ الإمارَهْ = تَقْوَى الذي أَقَامَهُ وَاخْتَارَهْ
وأَنْ يَصُدَّ النفسَ عنْ هَوَاهَا = ولا يُبِيحُ فِكْرَهُ سِوَاهَا
منْ كُلِّ شيءٍ يَشْغَلُ الضَّرُورَهْ = أو صُورَةٍ تُحْجَبُ منها الصُّورَهْ
وأنْ يكونَ حَذِراً مُتَحَرِّزَا = لفُرْصَةٍ إنْ أَمْكَنَتْ مُنْتَهِزَا
يَخْتَارُ في الخِيَارِ لاخْتِصَاصِهْ = مَنْ يَثِقُ المَعْرُوفَ منْ إِخْلاصِهْ
مَنْ لا لهُ في رُتْبَةِ المُلْكِ طَمَعْ = ومَنْ إذا افْتَرَقَ الرَّأْيُ اجْتَمَعْ
مَنْ لا تَغُرُّ نفْسَهُ الأعْرَاضُ = ومَنْ لهُ عنْ غَيْرِهِ انْقِبَاضُ
مَنْ ليسَ تَلْفَى عِنْدَهُ الأغْرَاضَ = مَنْ بِرُقَاهُ تَذْهَبُ الأمْرَاضُ
مَنْ لا يُضَاهَى مَالُهُ إلاَّ بِهِ = مَنْ لا يَجُولُ الرَّوْعَ حَوْلَ بَابِهِ
مَنْ ليسَ يَرْضَى الجُورَ في أعْمَالِهِ = مَنْ لا يُسِيغُ النَّقْصَ في كَمَالِهِ
مَنْ يَبْذُلُ الغَيْرَةَ في عِيَالِهِ = مَنْ يَحْذَرُ البَخْسَ على مِكْيَالِهِ
وبعدَ هذا كُلِّهِ لا يُهْمِلُهْ = ولْيَخْبُرِ الأمرَ الذي قدْ يَحْمِلُهْ
وكانَ لا يُعْطِي الأمورَ حَقَّا = ولا يُجِيدُ عَمَلاً ونُطْقَا
وأَمْرُهُ يُنْفِذُهُ ابنُ عَمِّهْ = ما شَذَّ منهُ نَافِذٌ عنْ حُكْمِهْ
لكَوْنِهِ كانَ مُقِيمَ رَسْمِهْ = ثمَّ أزالَ رَأْسَهُ عنْ جِسْمِهْ
واستخلصَ المُلْكَ بها لنَفْسِهْ = مُسْتَدْرِكاً ما فَاتَهُ في أَمْسِهْ
وانتقلَ المُلْكُ لفرعٍ آخَرَ = تَقَدَّمَ الحكمُ بهِ وَاسْتَأْخَرَ
وَهْوَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلِ = قَسِيمُهُم في البيتِ والقَبِيلِ
مُسْتَوْجِبُ اللَّعْنَةِ بالتنزيلِ = نَعَمْ وبالتَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ
شَيْطَانُ مَكْرٍ فَاسِدُ العَقِيدَهْ = حِيلَتُهُ عريضةٌ مَدِيدَهْ
دَبَّرَ أَمْراً سَاعَدَ الشَّيْطَانُ = عليهِ حتَّى تَمَّ منهُ الشَّانُ
وجَمَعَ الزُّعَّارَ والأَشْرَارَا = كُفْراً لحقِّ اللَّهِ وَاغْتِرَارَا
ثمَّ سَمَا بهم ذُرَى الأَسْوَارِ = وعَاجَلَ الحُمَاةَ بالبَوَارِ
وقَتَلَ الحَاجِبَ ظُلْماً وَاعْتَدَى = وأَعْلَنَ الغَدْرَ لمَشْهُورِ النِّدَا
وبعدَ تقديمِ المَهِينِ انْفَرَدَا = وَجَرَّعَ المَصْعُوبَ أَكْوَاسَ الرَّدَى
واضْطَرَبَتْ منْ بعدِ ذَا أَحْوَالُهْ = وقَصَّرَتْ عنْ خَرْجِهِ أَخْوَالُهْ
وكَتَمَ الفِسْقَ وأَبْدَى النُّسْكَا = وأَفْسَدَ الدُّنْيَا وهدَّ المُلْكَا
حليقُ رَأْسٍ لا يُوَارِيهِ غَطَا = إنْ بَذَلَ العهدَ بتَأْمِينٍ سَطَا
الحِنْثُ في أَيْمَانِهِ مَضْمُونُ = والغدرُ في طِبَاعِهِ كَمِينُ
ولمْ يَرُعْهُ وَهْوَ في خِبَاطِهِ = سِوَى صَرِيرِ السيفِ في اخْتِرَاطِهِ
وعبرَ البحرَ خَصِيمُ غَدْرِهِ = فَأَذْهَبَ الظلماءَ نُورُ بَدْرِهِ
ويَسَّرَ اللَّهُ عليهِ أَمْرَهُ = وقَدَّرَ النَّاسُ جَمِيعاً قَدْرَهُ
واللَّهُ لا يُهْمِلُ سَعْيَ عَبْدِهِ = والضِّدُّ لا يُدْرَى سِوَى بضِدِّهِ
فاهْتَزَّتِ الأرضُ لهُ وانْثَالَتِ = بِلادُها والعفوَ منهُ نَالَتِ
وجَاءَتِ الجُنَاةُ فَاسْتَقَالَتِ = وفي ظلالِ الحِلْمِ منهُ قَالَتِ
ولمْ يَجِدْ عَدُوُّهُ منْ حِيلَهْ = ولا بَدَتْ لنُجْحِهِ مَخِيلَهْ
فَفَرَّ يَبْغِي مَلِكَ النَّصَارَى = يَطْلُبُ منْ أَشْيَاعِهِ انْتِصَارَا
واحْتَمَلَ العُدَّةَ والذَّخِيرَهْ = إلى الكرامِ والرجالِ الخِيرَهْ
يَظُنُّ أنْ تَدُولَ بعدُ دَوْلَتُهْ = وأنْ يعودَ بَطْشُهُ وصَوْلَتُهْ
حتَّى إذا ما جاءَ مَلْكُ الرُّومِ = بقصدِ هذا الغرضِ المَرُومِ
شَاوَرَ فيهِ قَوْمَهُ وأُسْرَتَهْ = وذَكَرَ اعْتِدَاءَهُ وغَدْرَتَهْ
وبانَ فيما بيدَيْهِ طَمَعُهْ = واللَّهُ جلَّ وَعَلا لا يَدَعُهْ
حتَّى إذا الرَّأْيُ اسْتَقَرَّ أَحْضَرَهْ = ثمَّ على الصادرِ منهُ قَرَّرَهْ
واسْتَحْضَرَ الذَّخِيرَةَ المَعْلُومَهْ = فَأَصْبَحَتْ في حِرْزِهِ مَخْتُومَهْ
وصَفَّدَ الحملةَ واسْتَعْبَدَهَا = ومِنْ رفيعِ زِيِّهَا جَرَّدَهَا
ومَيَّزَ الطَّالِعَ للثَّنِيَّةِ = منْ غيْرِهِ بحُجَجٍ قَطْعِيَّةِ
وَطِيفَ في الأشهادِ بالجَمِيعِ = وأُخْرِجُوا للمَصْرَعِ الشَّنِيعِ
فَعَاثَتِ الأسْيَافُ فيهم والأَسَلْ = وجُدِّلُوا+ بجَمْعِهِم ولا تَسَلْ
وسِيقَتِ الرُّؤُوسُ حتَّى عُلِّقَتْ = بهَضْبَةِ السُّورِ التي منها ارْتَقَتْ
واقْتَعَدَ السلطانُ في مِهَادِهِ = مُهَنَّأً في مُنْتَدَى جِهَادِهِ
وعمَّ فضلُ اللَّهِ في بِلادِهِ = واسْتَأْنَفَ الألطافَ في عِبَادِهِ
تَمَّتْ على وَفْقِ الهَوَى المَرْغُوبِ = كَفِيلَةً بالغَرَضِ المَطْلُوبِ
ثمَّ صلاةُ اللَّهِ في تَرْدِيدِ = على النبيِّ أحمدَ المحمودِ
ما غَرَّدَتْ وَرْقَاءُ في أُمْلُودِ = ولاحَ صُبْحٌ مُشْرِقُ العَمُودِ