قوله: (ويجوز أمر المكلف بما علم أنه لا يتمكن من فعله) أي: يجوز الأمر من الله تعالى للمكلف بما يعلم سبحانه أنه لا يتمكن من فعله.
وفي المسألة تفصيل:
1 ـ فإن عَلِمَ الله تعالى أن المنع من عدم التمكن من الفعل يزول، ويقدر الممنوع على الفعل المأمور به، دَخَلَ المأمور في الأمر، وصار من جملة المأمورين بلا خلاف.
2 ـ وإن علم الله تعالى أنَّ منعه لا يزول، بل يحال بينه وبين الفعل، فهل يدخل هذا في الأمر؟
المذهب على ما قرره القاضي أبو يعلى، وتلميذه أبو الخطاب أنه يدخل في الأمر أيضاً[(659)]. فيجوز أَمْرُ من عَلِمَ الله تعالى أنه لا يُمكّن من الفعل، وفيه فوائد منها:
امتحان المكلف، وابتلاؤه، وتوطين النفس على العزم على الطاعة، ومسرة الآمر بأمره لغيره، وإيثار الإقرار من المأمور بالتزام الطاعة.
ودليل ذلك: أن الله تعالى أمر إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم بذبح ولده إسماعيل صلّى الله عليه وسلّم وهو يعلم أنه لا يمكِّنه من ذبحه بالفعل، وذكر أن الحكمة في ذلك هي الابتلاء، قال تعالى: {{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ *}} [الصافات: 106] .
ولأن المقصود من الأمر حصول الطاعة، وذلك بالفعل تارة، وباعتقاد وجوب الأمر والعزم على فعله متى قدر عليه تارة، فإن مُنِعَ من الأول وُجِدَ الثاني.
قوله: (وهي مبنية على النسخ قبل التمكن) أي: إن هذه المسألة فرع عن مسألة في باب النسخ، وهي: هل يجوز النسخ قبل التمكن من الامتثال؟ والتحقيق هو الجواز ـ كما سيأتي إن شاء الله في النسخ ـ والحكمة من ذلك هي الابتلاء، وقد وقع ذلك، كما في المثال السابق.
قوله: (والمعتزلة شرطوا تعليقه بشرط لا يعلم الآمر عدمه) أي: يشترط في تكليف المعدوم بالأمر ألا يعلم الآمر عدم قدرته.
وهذا هو القول الثاني في المسألة، وهو أن من علم الله تعالى أنه يُمنع من الفعل فلا يجوز تكليفه[(660)]. وإنَّما يجوز تكليف من كان الآمر لا يعلم عدم منعه من الفعل.
قالوا: لأن ذلك من باب التكليف بما لا يطاق، فإن من يحال بينه وبين الفعل يستحيل منه الفعل، وما يستحيل وقوعه لا يحسن الأمر به.
وأجيب عن ذلك: بأنه قد يؤمر بذلك ابتلاءً، هل عنده استعداد أو لا. ثم إن طاعة المأمور به تحصل ولو باعتقاد وجوبه وإقرار المكلف بوجوب طاعة مَن أمره، وليعرضه بذلك لثواب العزم على طاعته، كما تقدم.