بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العلق:
هذه السورة هي أول سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حيث جاءه جبريل عليه السلام بالرسالة وأمره أن يقرأ , فقال : ما أنا بقارئ , فلم يزل به حتى قرأ , فأنزل الله عليه {اقرأ باسم ربك الذي خلق} فأمره الله تعالى أن يقرأ مستعيناً به سبحانه فإنه تعالى خلق عموم الخلق , ثم خصّ الإنسان بذلك , ثم قال : {خلق الإنسان من علق} فهو الذي ابتدأ خلق الإنسان واعتنى بتدبيره فكان لزاما أن يدبره بالأمر والنهي وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب ولهذا ذكر بعد الأمر بالقراءة خلقه للإنسان .
ثم قال : {اقرأ وربك الأكرم} أي واسع الصفات كثيرها , كثير الكرم والإحسان والجود ومن كرمه تعليم العلم فقال : {علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم} فهو الذي {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} كي يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فهذه سبل العلم , فكان الواجب على الإنسان أن يشكر نعمة المنعم الذي خلقه وعلمه ولكن بجهله وظلمه طغى وبغى , فقال تعالى : {كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} فظن نفسه غنيا بالنعمة عن المنعم , {إن إلى ربك الرجعى} حيث نسي أن لا بد له من رجعى إلى ربه فيجازيه الجزاء الأوفى على ما قدم , {أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى * أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى} يقول الله تعالى للذي ينهى مؤمنا عن الصلاة , أرأيت إن كان هذا العبد المُصلي سائرا على الهدى يعلم بالحق ويعمل به ويأمر غيره به , فهل من كان وصفه بهذه الصفات يحسن لك أن تنهاه عن عبادة ربه ؟!! أليس ذلك دلالة على أن صفاتك مخالفة لصفات هذا العابد بكونك على ضلالة وأنك آمرا بالمنكر , {أرأيت إن كذب وتولى} فكذب هذا الناهي بالحق وتولى عن القيام بالأمر ثم خوفه الله بقوله : {ألم يعلم بأن الله يرى} ما يفعل وسيعاقبه به , {كلا لئن لم ينته} وهذا من تخويف الله له حتى ينكف عما يفعل , {لنسفعاً بالناصية} فنأخذه بناصيته أخذا عنيفا فلقد كانت ناصية كاذبة في قولها مكذبة للحق خاطئة في فعلها , {فليدع نادية} وهذا قاله الله استهزاءا به أن يدعو أصحابه ومناصريه إن استطاعوا أن ينصروه فليفعلوا , {سندع الزبانية} أي خزنة جهنم ليأخذوه ويعاقبوه , ثم قال الله تعالى لهذا العابد المطيع لربه : {كلا لا تطعه} فيما ينهاك عنه فتخسر الدنيا والآخرة ولكن اسجد لربك واقترب منه .
سورة البينة :
يقول الله تعالى في هذه السورة أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى وكذلك المشركين من سائر الأمم لا يزالون في غيهم وضلالهم مستمرين عليه {حتى تأتيهم البينة} الواضحة وهي {رسول من الله} أرسله الله إليهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور وأيضاً {يتلو صحفا مطهرة} وهذا وصف للكتب أنها محفوظة عن قربان الشياطين فلا يمسها إلا المطهرون , {فيها كتب قيمة} أي أخبار صادقة وأوامر عادلة تهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم , ولكن لم يؤمن أهل الكتاب لما جاءتهم البينة ولا الصحف المطهرة ولكن تفرقوا , {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} قاصدين بعباداتهم وجه الله , {حنفاء لله} مجانبين للشرك وأهله متوجهين إلى الله وحده , {ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة} وهذه من أفضل العبادات , {وذلك دين القيمة} فالتوحيد والإخلاص ودين الله المستقيم الموصل إلى جنة الله ورضوانه , ثم ذكر جزاء الكافرين حيث أعرضوا عن ذلك أنهم في نار جهنم خالدين فيها فهم شر الخلق , أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك هم خير الخلق عرفوا الحق وعملوا به فجزاهم الله جنات عدن فهم خالدين فيها أبدا ولقد رضي عنهم ورضوا عنه , وهذا الجزاء الحسن جعله الله لمن خافه فاجتنب مساخطه وقام بأوامره .
وصى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .