تلخيص تفسير قول الله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم ...} لابن القيم
أولاً: معني الحياة المذكورة في قوله تعالى: {إذا دعاكم لما يحييكم}.
الحياة المرادة تُعرف بمعرفة أسبابها وما يؤدي إليها وذلك في تفسير قوله تعالى: {لما يحييكم}، فنجد أن فيها أقوالا:
القول الأول: أنها حياة الروح والقلب التي تكون بالإيمان واتّباع القرآن.
-قال مجاهد: {لما يحييكم} يعني للحق.
-وقال قتادة: هو هذا القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدّنيا والآخرة.
-وقال السّديّ: هو الإسلام أحياهم به بعد موتهم بالكفر.
القول الثاني: أنها الحياة العزيزة التي يحياها المسلمون بالجهاد في سبيل الله.
-قال ابن إسحاق وعروة بن الزبير واللّفظ له: {لما يحييكم} يعني للحرب الّتي أعزكم الله بها بعد الذل وقوّاكم بعد الضعف ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم.
-وقال الواحدي والأكثرون على أن معنى قوله: {لما يحييكم} هو الجهاد وهو قول ابن إسحق واختيار أكثر أهل المعاني.
-وقال الفراء: إذا دعاكم إلى إحياء أمركم بجهاد عدوكم يريد أن أمرهم إنّما يقوى بالحرب والجهاد فلو تركوا الجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم.
-وقال ابن القيّم: الجهاد من أعظم ما يحييهم به في الدّنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، أما في الدّنيا فإن قوتهم وقهرهم لعدوهم بالجهاد وأما في البرزخ فقد قال تعالى: {ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون}، وإمّا في الآخرة فإن حظّ المجاهدين والشّهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظّ غيرهم ولهذا قال ابن قتيبة: {لما يحييكم} يعني الشّهادة.
القول الثالث: أنها الحياة التامّة الدائمة وهي التي تكون في الجنة
-قال بعض المفسّرين: {لما يحييكم} يعني الجنّة فإنّها دار الحيوان وفيها الحياة الدائمة الطّيبة حكاه أبو عليّ الجرجانيّ.
والآية تتناول هذا كله فإن الإيمان والإسلام والقرآن والجهاد يحيي القلوب الحياة الطّيبة، ويحيي الأمم حياة العزة والقوة في الدنيا، وكمال الحياة في الجنّة والرّسول داع إلى الإيمان وإلى الجنّة فهو داع إلى الحياة الطيبة النافعة في الدّنيا والآخرة.
وكل ما سبق من معاني من الحياة الطيبة النافعة التي يحتاجها العباد.
-ما يحتاجة الإنسان من أنواع الحياة:
يحتاج الإنسان إلي نوعين من الحياة:
1- حياة البدن الّتي بها يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضرّه ومتى نقصت فيه هذه الحياة ناله من الألم والضعف بحسب ذلك ولذلك كانت حياة المريض والمحزون وصاحب الهم والغم والخوف والفقر والذل دون حياة من هو معافى من ذلك.
2- حياة القلب والروح الّتي بها يميّز بين الحق والباطل والغي والرشاد والهوى والضلال فيختار الحق على ضدّه فتفيده هذه الحياة قوّة التميز بين النافع والضار في العلوم والإرادات والأعمال وتفيده قوّة الإيمان والإرادة والحب للحق وقوّة البغض والكراهة للباطل فشعوره وتمييزه وحبه ونفرته بحسب نصيبه من هذه الحياة،قال تعالى: {ينزّل الملائكة بالرّوح من أمره على من يشاء من عباده}، وقال: {يلقي الرّوح من أمره على من يشاء من عباده}، وقال: و{كذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا} فأخبر أن وحيه روح ونور.
ثانيا :المقصود من قوله:{وجعلنا له نورا يمشي به في الناس}
1-أنه يمشي في النّاس بالنور وهم في الظلمة فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم اللّيل فضلوا ولم يهتدوا للطريق وآخر معه نور يمشي به في الطّريق ويراها ويرى ما يحذره فيها.
2-أنه يمشي فيهم بنوره فهم يقتبسون منه لحاجتهم إلى النّور.
3-أنه يمشي بنوره يوم القيامة على الصّراط إذا بقي أهل الشّرك والنفاق في ظلمات شركهم ونفاقهم.
ثالثاً:معني قوله تعالي {أو من كان ميتاً فأحييناه}
-قال ابن عبّاس وجميع المفسّرين: كان كافرًا ضالًّا فهديناه.
رابعاً:معنى قوله تعالى: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه}
-القول الأول: أنه يحول بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الإيمان ويحول بين أهل طاعته وبين معصيته وبين أهل معصيته وبين طاعته، وهذا قول ابن عبّاس وجمهور المفسّرين.
-القول الثاني: أن المعنى أنه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافية فهو بينه وبين قلبه، ذكره الواحدي عن قتادة واختاره ابن القيّم.
قال: وكأن هذا أنسب بالسياق لأن الاستجابة أصلها بالقلب فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب فإن الله سبحانه بين العبد وبين قلبه فيعلم هل استجاب له قلبه وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه.
وعلى القول الأول فوجه المناسبة أنكم إن تثاقلتم عن الاستجابة وأبطأتم عنها فلا تأمنوا أنّ اللّه يحول بينكم وبين قلوبكم فلا يمكنكم بعد ذلك من الاستجابة عقوبة لكم على تركها بعد وضوح الحق واستبانته فيكون كقوله: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ}، وقوله: {فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم}، وقوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل} ففي الآية تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب وان استجاب بالجوارح.
وفي الآية سر آخر وهو أنه جمع لهم بين الشّرع والأمر به وهو الاستجابة وبين القدر والإيمان به فهي كقوله: {لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤن إلّا أن يشاء الله رب العالمين}، وقوله: {فمن شاء ذكره وما يذكرون إلّا أن يشاء الله}.