موضوع الدرس:
تلخيص رسالة ابن رجب في تفسير قوله تعالى:(( إنما يخشى الله من عباده العلماء)).
تمهيد:
تناول في هذه الرسالة ما تضمنته الآية من إثبات الخشية للعلماء عن طريق ما تثبته (إنما) من الحصر مع ذكر أقوال النحويين فيها مؤيدا قوله بالشواهد وتفسيرات السلف للآية.
عناصر الدرس:
1- إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق لأن خصوصية إن إفادة التأكيد.
- بيان دلالة الآية.
- أقوال العلماء في دلالة الآية.
- العلم يوجب الخشية وفقده يستلزم فقدها.
2- نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين وفيها مسائل:
- مكانة إنما من الإعراب.
- أقوال العلماء في صيغة (إنما) مع بيان القول الراجح.
- دخول(ما) الكافة على (إن) يفيد الحصر بطريق المنطوق أم بطريق المفهوم؟
- من نسب إليه القول بأنها نافية.
- هل ترد(ما) لغير الحصر؟
- الأقوال في(إنما) هل تفيد الحصر أم لا؟
- الرد على من قال إن (ما) الكافة تفيد التوكيد ولا تثبت معنى زائدا.
- ما ورد في لغة العرب من نفي الشيئ في صيغة الحصر.
- نفي الأسماء الشرعية لانتفاء بعض واجباتها.
- الكلام الخبري إما إثبات أو نفي.
- أنواع الحصر.
- قول أبا حيان الأندلسي في إفادة (إن) المكسورة الحصر.
- الحصر في أشباه إنما (إلا).
- دلالة(ما)في الغة العرب .
- الفرق بين معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزات الأنبياء.
3- نفي العلم عن غير أهل الخشية:وفيه مسائل:
- نوع الحصر الموجود في الآية.
- أمثلة على وجود الحصر في الطرفين.
- تضمن الآية ثبوت الخشية لجنس العلماء.
- المراد بالمقتضي.
- المراد بالشرط.
- المراد بالمانع.
تفصيل عناصر الدرس:
1- إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق:
لأن خصوصية إن إفادة التأكيد.
- بيان دلالة الآية.
أن من خشي الله وأطاعه وامتثل أوامره واجتنب نواهيه فهو عالم لأنه لا يخشاه إلا عالم وتدل على أن من لم يخش الله فليس بعالم وبذلك فسرها السلف.
- أقوال العلماء في دلالة الآية.
قال ابن عباس:(يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وجلالي وسلطاني )
وعن مجاهد والشعبي:العالم من خاف الله
وعن ابن مسعود قال:(كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا)
- العلم يوجب الخشية وفقده يستلزم فقدها.
أ- العلم بأسماء الله وصفاته.
ب- العلم بتفاصيل أمر الله ونهيه والتصدق الجازم بذلك.
ت- تصور حقيقة المخوف للهرب منه وتصور حقيقة المحبوب لطلبه.
ث- جهل صاحب المعصية بحقيقة قبح الذنب وبغض الله لها وتفاصيل ذلك وأن يعلم بأصل الحرمة.
ج- نقص العلم في أن ما يفعله يضره ضررا راجحا،فلو علم ذلك علما تاما لما فعله كمن يعلم أن دخوله نارا متأججة يسبب له الضرر فلا يدخل فيها
ح- تفاوت النسبة بين لذة الذنوب وما فيها من المفاسد فلذتها سريعة الانقضاء وعقوباتها أضعاف ذلك.
2- نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين وفيها مسائل:
- مكانة إنما من الإعراب.
أ- من النحاة من جعلها موصولة فتفيد الحصر من جهة أخرى وتقديرها(إن الذين يخشون الله هم العلماء )
والموصول يقتضي العموم لتعريفه وهذا يفيد الحصر .
ب- حصر المبتدأ في الخبر:وهذا إذا كان المبتدأ عاما لزم أن يكون خبره عاما لئلا يكون الخبر أخص من المبتدأ.
- أقوال العلماء في صيغة (إنما) مع بيان القول الراجح.
أ- أنها كافة وهو قول الجمهور.
ب- جمهور النحاة أنها زائدة تدخل على إن وأن وليت ولعل وكأن فتكفها عن العمل.
ت- الكوفيون وابن درستويه إلى أن (ما) مع هذه الحروف اسم مبهم بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام والجملة بعده مفسرة له ومخبر بها عنه وهذا باطل باتفاق أهل المعرفة باللسان فإن (إن) تفيد توكيد الكلام إثباتا كان أو نفيا لا تفيد الإثبات.
القول الراجح:
قول الجمهور على أنها كافة وإذا دخلت على إن أفادت الحصر.
- دخول(ما) الكافة على (إن) يفيد الحصر بطريق المنطوق أم بطريق المفهوم؟
اختلفوا في ذلك إلى قولين:
أ- أن دلالتها على النفي بالمنطوق كالاستثناء،قاله القاضي في أحد قوليه وموفق الدين وأبو حامد وأبو الطيب والجرجاني.
ب- أن دلالتها على النفي بطريق المفهوم وهو قول القاضي في القول الآخر وابن عقيل والحلواني وكثير من الحنفية والمتكلمين.
ثم اختلفوا:هل دلالتها على النفي بطريق النص أو الظاهر؟إلى قولين:
أ- تدل على الحصر ظاهرا أو يحتمل التأكيد،قال به الآمدي والغزالي والهراسي.
ب- أن دلالتها على النفي والإثبات كليهما بطريق النص لأنهم جعلوا (إنما) كالمستثنى.
والمخالفين في إفادتها الحصر هم من القائلين بأنها تدل على النفي بالمفهوم وهم قسمين:
أ- لا يرى كون المفهوم حجة بالكلية كالحنفية ومن وافقهم من المتكلمين.
ب- من يراه حجة من الجملة ولكن ينفيه هنا ليقام الدليل عنده على أنه لا مفهوم لها وهو اختيار بعض الحنابلة.
- من نسب إليه القول بأنها نافية.
لابن عقيل والحلواني والشيخ موفق وفخر الدين وإسماعيل ابن المني وهو قول أكثر الشافعية كأبي حامد وأبي الطيب والغزالي والهراسي وطائفة من الحنفية وكثير من المتكلمين.
- هل ترد(ما) لغير الحصر؟
ورودها لغير الحصر كثير جدا،والأدلة على ذلك قوله تعالى:(( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياتنا زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ))
وقول النبي عليه الصلاة والسلام:(( إنما الربا في النسيئة))
وقوله:(( إنما الشهر تسع وعشرون ))
- الأقوال في(إنما) هل تفيد الحصر أم لا؟
أ- إن أغلب مواردها لا تكون فيها للحصر:
- ففي قوله تعالى:(( إنما الله إله واحد )) لا تفيد الحصر مطلقا،فإنه سبحانه له أسماء وصفات كثير غير توحده بالإلهية
- (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد )) فلم ينحصر الوحي إليه في هذا وحده وغيره كثير.
ب- أنها تدل على الحصر ودلالتها عليه معلوم بالضطرار من لغة العرب كما يعلم من لغتهم بالاضطرار معاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنهي وغير ذلك كقوله تعالى:(( إنما تجزون ما كنتم تعملون ))
وقوله:((إنما إلهكم إله واحد ))
وقوله:(( ما لكم من إله غيره )) أتت في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى الله سبحانه وهذا هو الصواب.
- الرد على من قال إن (ما) الكافة تفيد التوكيد ولا تثبت معنى زائدا.
يجاب عنه من وجوه:
أ- أن (ما) الكافة تثبت بدخولها الحروف معنى زائدا،وذكر ابن مالك أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل،وفي الكاف معنى التعليل.
ب- أن يقال لا ريب أن (إن) تفيد توكيد الكلام و(ما) الزائدة تقوي التوكيد وتثبت المعنى المذكور في اللفظ خاصة ثبوتا لا يشاركه فيه أحد غيره وهو الحصر المدعى ثبوته بدخول (ما).
ت- أن (إن) المكفوفة بما استعملت في الحصر،فصارت حقيقة عرفية واللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه في أصل اللغة وهذا يشبه نقل اللفظ على المعنى الخاص إلى المعنى العام إذا صار حقيقة عرفية، كقولهم:(لا أشرب له شربة ماء)
ذكر هذا ابن تيمية أن دلالة إنما للحصر على الحصر بطريق العرف والاستعمال لا بأصل وضع اللغة.
- ما ورد في لغة العرب من نفي الشيئ في صيغة الحصر.
معلوم من كلام العرب أنهم ينفون الشيئ في صيغ الحصر وغيرها تارة لانتفاء ذاته وتارة لانتفاء فائدته ومقصوده ويحصرون الشيئ في غيره تارة لانحصار جميع الجنس فيه أو انحصار المفيد والكامل فيه .
- نفي الأسماء الشرعية لانتفاء بعض واجباتها.
مثاله:
(لما سئل عن الكفار فقال:ليسوا بشيئ ) وقوله:( ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس ) ففي هذه الأمثلة نفي لحقيقة الاسم من جهة المعنى الذي يجب اعتباره .
وفي قوله:(( إنما الربا في النسيئة )) ليبين أن المستحق لاسم الربا إنما هو ربا النسيئة.
وفي قوله:(( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم )) أن هؤلاء المستحقون لهذا الاسم على الحقيقة الواجبة دون من أخل بشيئ من واجبات الإيمان والإسلام عمن انتفوا عنه بعض واجباتها.
- الكلام الخبري إما إثبات أو نفي.
فكما أنه في الإثبات يثبتون للشيئ اسم الشيئ إذا حصل مقصود الاسم،وإن انتفت صور المسمى، فكذلك في النفي فإن أدوات النفي تدل على انتفاء الاسم بانتفاء مسماه،لأنه لم يوجد أصله،وتارة لأنه لم توجد الحقيقة المقصودة بالمسمى مما لا ينبغي أن يكون مقصودا،بل المقصود غيره ، وتارة لأسباب أخرى وهذا يظهر من سياق الكلام وما اقترن به من القرائن اللفظية التي لا تخرجه عن كونه حقيقة عند الجمهور وإذا تجرد الكلام عن القرينتين فمعناه السلب المطلق وهو أكثر الكلام.
- أنواع الحصر.
- تارة يكون عاما كقوله:(( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ))
- وتارة يكون خاصا فليس بما يدل عليه سياق الكلام كقوله:((إنما الله إله واحد )) نفى تعدد الإلهية في حقه وليس المراد أنه لا صفة له سوى وحدانية الله .
وقوله:(( إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد )) المراد أنه:لم يوحى إلي في أمر الإلهية إلا التوحيد لا الإشراك.
- قول أبا حيان الأندلسي في إفادة (إن) المكسورة الحصر.
أنكر أبا حيان على الزمخشري ادعاءه الحصر في قوله تعالى:((إنما أنا بشر مثلكم ....)) قال:لأن الحصر إنما يلقى من جهة أنما مفتوحة الهمزة ولا يعرف القول بإفادتها الحصر إلا عند الزمخشري وحده
ورد عليه أبو محمد بن هشام بأن (أن) المفتوحة فرع عن (إن) المكسورة على الصحيح.
- الحصر في أشباه إنما (إلا).
مثاله:
( لا ربا إلا في النسيئة ) كما جاء ((إنما الربا في النسيئة )) وجاء في القرآن:(( وما محمد إلا رسول )) وكما جاء:((إنما أنت منذر ))ومثلها كثير.
- دلالة(ما)في لغة العرب .
تدل على جماعة العقلاء كما في قوله تعالى:((أو ما ملكت أيمانكم )).
- الفرق بين معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزات الأنبياء.
قال النبي عليه الصلاة والسلامم:((ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون تابعا يوم القيامة )) فالكلام سيق لبيان آيات الله العظام التي كانت سبب في إيمان خلق كثير ومعجزة النبي عليه الصلاة والسلام التي آمن عليها أكثر أمته هي الوحي التي توجب إيمان البشر إلى يوم القيامة وإن أكثرهم دخل الإيمان في قلبه بعد دخول الإسلام بسبب سماع الوحي.
أما معجزات الأنبياء قبله ناقة صالح وعصا موسى ويده وإبراء المسيح الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ،فمعجزات الأنبياء انقطعت بموتهم وآيات الرسول عليه الصلاة والسلام باقية إلى يوم القيامة .
3- نفي العلم عن غير أهل الخشية:وفيه مسائل:
- نوع الحصر الموجود في الآية.
حصر الأول في الثاني، فقد حصر الخشية في العلماء وكذلك حصر الثاني في الأول،ذكره شيخ الإسلام فيصير الحصر من الطرفين ويكونان متلازمين،فتقتضي أن كل من خشي الله فهو عالم،وتقتضي أن العالم من يخشى الله.
- أمثلة على وجود الحصر في الطرفين.
أ- كقوله تعالى:(( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ))
ب- وكقوله:(( إنما تنذر من يخشاها )) فإن انحصار الإنذار في أهل الخشية كانحصار أهل الخشية في أهل الإنذار .
ت- وكذلك قووله تعالى:(( إنما يخشى الله من عباده العلماء ))
- تضمن الآية ثبوت الخشية لجنس العلماء.
أ- دلت الآية على ثبوت الخشية لجنس العلماء كما يقال:إنما يحج المسلمون أو لا يحج إلا مسلم،
ب- يقتضي ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء وهذا هو الصحيح من جهتين:
1- أن الحصر هنا من الطرفين،فحصر الخشية في العللماء يفيد أن كل من خشي الله فهو عالم وتفيد أن من لم يخشى فليس بعالم وكل عالم فهو يخشى الله فاجتمع من مجموع الحصرين ثبوت الخشية لكل فرد من أفراد العلماء.
2- أن المحصور هل هو مقتضي للمحصور فيه أو هو شرط له.
قال ابن تيمية :(( هو مقتضي فهو عام،فالعلم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف ))
- المراد بالمقتضي.
العلة المقتضية التي يتوقف تأثيرها على وجود مشروط وانتفاء موانع كأسباب الوعد والوعيد فالمقتضيات وهي عامة .
- المراد بالشرط.
ما يتوقف تأثير السبب عليه بعد وجود السبب وهو الذي يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط كالإسلام بالنسبة إلى الحج.
- المراد بالمانع.
ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود
الخلاصة:
اشتملت على ثلاث مسائل رئيسية:
1- اثبات الخشية للعلماء بالاتفاق.
2- نفي الخشية عن غير العلماء لأن (ما)كافة وتفيد التأكيد والحصر كالمستثنى.
3- نفي العلم عن غير أهل الخشية ، لأن الحصر جاء من الطرفين