قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) ) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
1-الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خيرٍ وشرٍ
-وقال مالكٌ: عن زيد بن أسلم: هو العشيّ.2-
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمُرَادُ بالعَصْرِ صَلاةُ العصرِ (ش)) 4-
هوَ الليلُ والنهارُ، محلُّ أفعالِ العبادِ وأعمالهمْ، (س))5-
-المعنى الراجح عند ابن كثير
الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خيرٍ وشرٍّ
المعنى الراجح عند الطبري:
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : والصوابُ من القولِ فِي ذلك: أنْ يُقالَ: إنَّ ربَّنا أقسمَ بالعصرِ. اسمٌ للدهرِ، وهو العشيُّ والليلُ والنهارُ، ولم يُخصِّصْ ممَّا شمِلَهُ هذا الاسمُ معنًى دونَ معنًى، فكلُّ ما لزِمَهُ هذا الاسمُ فداخلٌ فيما أقْسَمَ بهِ جلَّ ثناؤُه.
{وَالْعَصْرِ} أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بالعَصْرِ، وَهُوَ؛ الدهر لِمَا فِيهِ من العِبَرِ منْ جِهَةِ مُرُورِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى التَّقْدِيرِ وَتَعَاقُبِ الظلامِ والضياءِ، وَمَا فِي ذَلِكَ من اسْتِقَامَةِ الْحَيَاةِ ومصالِحِ الأحياءِ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ دَلالةً بَيِّنَةً عَلَى الصانعِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى تَوْحِيدِهِ.(ش))
قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) )
معنى قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ )(2)
أنَّ كلَّ إنسانٍ خاسرٌ، والخاسرُ ضدُّ الرابحِ.(س))
النُّقْصَانُ وَذَهَابُ رأسِ الْمَالِ.(ش))
وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فِي المَتاجرِ وَالمَسَاعِي وَصَرْفِ الأعمارِ فِي أَعْمَالِ الدُّنْيَا لَفِي نَقْصٍ وَضَلالٍ عَن الْحَقِّ حَتَّى يَمُوتَ، وَلا يُسْتَثْنَى منْ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلاَّ مَا يُذْكَرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ})(ش)
[الدر المنثور: 15 / 644]يَعْنِي ضَلالَك،
والخاسرُ مراتبُ متعددةٌ متفاوتةٌ:
قدْ يكونُ خساراً مطلقاً، كحالِ منْ خسرَ الدنيا والآخرَةَ، وفاتهُ النعيمُ، واستَحقَّ الجحيمَ).1-
2-وقدْ يكونُ خاسراً من بَعضِ الوجوهِ دونَ بعضٍ، ولهذا عمَّمَ اللهُ الخسار لكلِّ إنسانٍ، إلاَّ مَنِ اتصف بأربع صفات (س).
شروط من أستثناهم الله من القسم
فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران
1-{الّذين آمنوا} بقلوبهم (ك)
الإيمانُ بما أمرَ اللهُ بالإيمانِ بهِ، ولا يكونُ الإيمانُ بدونِ العلمِ، فهوَ فرعٌ عنهُ لا يتمُّ إلاَّ بهِ.(س))
{وعملوا الصّالحات} بجوارحهم. (ك)2-
والعملُ الصالحُ، وهذا شاملٌ لأفعالِ الخيرِ كلِّها، الظاهرةِ والباطنةِ، المتعلقةِ بحقِّ اللهِ وحقِّ عبادهِ، الواجبةِ والمستحبةِ.(س)
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أَيْ: جَمَعُوا بَيْنَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ والعملِ الصالحِ، فَإِنَّهُمْ فِي رِبْحٍ، لا فِي خُسْرٍ؛لأَنَّهُمْ عَمِلُوا لِلآخِرَةِ وَلَمْ تَشْغَلْهُمْ أَعْمَالُ الدُّنْيَا عَنْهَا، وَهُمْ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ.(ش)
{وتواصوا بالحقّ}، وهو أداء الطاعات وترك المحرّمات،(ك)3-
والتواصي بالحقِّ، الذي هوَ الإيمانُ والعملُ الصالحُ، أي: يوصي بعضهمْ بعضاً بذلكَ، ويحثُّهُ عليهِ، ويرغبهُ فيهِ.(س)(ش)
4-(وتواصوا بالصّبر ) على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممّن يأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر).(ك))
والتواصي بالصبرِ، على طاعةِ اللهِ،
وعلى أقدارِ اللهِ المؤلمةِ..(س)(ش)
بيان كيفية تحقيق الفوز من خلال الشروط السابقة
-فبالأمرينِ الأولينِ يُكمّلُ الإنسانُ نفسَهُ، -وبالأمرينِ الأخيرينِ يُكمّلُ غيرَهُ،
-وبتكميلِ الأمورِ الأربعةِ، يكونُ الإنسانُ قدْ سلمَ منَ الخسارِ، وفازَ بالربحِ).(س)
سبب تقديم ذكر التواصي بالحق على التواصي بالصبر
1-الصَّبْرُ منْ خِصَالِ الْحَقِّ، نَصَّ عَلَيْهِ بَعْدَ النصِّ عَلَى خِصَالِ التَّوَاصِي بِالْحَقِّ،
2-وَلِمَزِيدِ شَرَفِهِ عَلَيْهَا وَارْتِفَاعِ طَبَقَتِهِ عَنْهَا،(ش)
3-ولأنَّ كَثِيراً مِمَّنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ يُعَادَى، فَيَحْتَاجُ إِلَى الصبرِ
-قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الصّفّار، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرٍو ذي مرٍّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، أنّه " قرأ: والعصر ونوائب الدّهر إنّ الإنسان لفي خسرٍ «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2 / 582]
-قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) :(وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أَبي دَاودَ في المصَاحفِ عَن ميمونٍ بنِ مِهرانَ، أنَّهُ قَرَأَ (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ وَإِنَّهُ فِيهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وتواصَوْا بِالحقِ وَتَوَاصَوا بِالصَّبْرِ) ذَكَرَ أنها في قراءةِ عبدِ [الدر المنثور: 15 / 642-643]الله بن مسعود
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن زعم زاعم أن قولك: نعم الرجل زيد إنما زيد بدلٌ من الرجل مرتفع بما ارتفع به، كقولك: مررت بأخيك زيدٍ، وجاءني الرجل عبد الله. قيل له: إن قولك: جاءني الرجل عبد الله، إنما تقديره إذا طرحت الرجل: جاءني عبد الله. فقل: نعم زيدٌ؛ لأنك تزعم أنه بنعم مرتفع. وهذا محال؛ لأن الرجل ليس يقصد به إلى واحد بعينه؛ كما تقول: جاءني الرجل، أي: جاءني الرجل الذي تعرف. وإنما هو واحد من الرجال على غير معهود تريد به هذا الجنس. ويؤول نعم الرجل في التقدير إلى أنك تريد معنى محموداً في الرجال، ثم تعرف المخاطب من هذا المحمود?.
و إذا قلت: بئس الرجل، فمعناه: مذموم في الرجال. ثم تفسر من هذا المذموم? بقولك: زيد.
فالرجل وما ذكرت لك مما فيه الألف واللام دالٌّ على الجنس، والمذكور بعد هو المختص بالحمد والذم. وهذا هاهنا بمنزلة قولك: فلان يفرق الأسد، إنما تريد هذا الجنس، ولست تعني أسداً معهوداً وكذلك: فلان يحب الدينار والدرهم، وأهلك الناس الدينار والدرهم، وأهلك الناس الشاة والبعير. وقال الله عز وجل: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر} فهو واقع على الجنس؛ ألا تراه يقول: {إلا الذين آمنوا وعملوا {إن الإنسانخلق هلوعاً}. وقال: {إلا المصلين} ). [المقتضب: 2/140-141]