_ الآثار الواردة في جمع أبي بكر رضي الله عنه.
_ عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت، حدثه قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها، فيذهب بقرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قال: فقلت له: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ .قال لي: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري له، ورأيت فيه الذي رأى عمر.قال: قال زيد: وقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن، فاجمعه.قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي من ذلك. فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله؟.فقال أبو بكر: هو والله خير.فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكر , وعمر , حتى شرح الله صدري للذي شرح صدورهما؛ فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف ومن صدور الرجال، فوجدت آخر سورة براءة من خزيمة بن ثابت: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم }حتى ختم السورة.
قال عبد الرحمن: فحدثني رجل عن إبراهيم بن سعد في هذا الحديث قال: فكانت الصحف عند أبي بكر حتى مات، ثم كانت عند عمر حتى مات، ثم كانت عند حفصة)
_وفي رواية عند البخاري ذكر الحديث ( ........ عن ابن شهاب، وقال: مع أبي خزيمة الأنصاري).....( وقال أبو ثابت: حدثنا إبراهيم. وقال: مع خزيمة أو أبي خزيمة).
_ أثر آخر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه:
-قال ابن شهاب: فأخبرني خارجة بن زيد، عن أبيه زيد بن ثابت، قال: فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها:{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}, قال: فالتمستها فوجدتها مع خزيمة، أو أبي خزيمة، فألحقتها في سورتها) فضائل القرآن
- قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، سمع زيد بن ثابت قال: " فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] فألحقناها في سورتها في المصحف). [صحيح البخاري]
- عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: «نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الأحزاب.....) صحيح البخاري
- عن الزهري، أخبرني خارجة بن زيد أن زيد بن ثابت، قال: لما نسخنا المصاحف " فقدت آية من سورة الأحزاب،)....( فلم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين، قول الله عز وجل: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. [مسند الإمام أحمد
_ أثر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:
_ عن علي، قال) : رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن. ) فضائل القرآن .
_ عن عبد خير، قال) :أول من جمع القرآن بين اللوحين أبو بكر رضي الله عنه) فضائل القرآن.
_ قال عليٌّ) : يرحم اللّه أبا بكرٍ هو أوّل من جمع بين اللّوحين) ابن أبي شيبة.
_ أثر صعصعة بن صوحان رحمه الله:
قال ابنُ أبي شيبةَ: عن صعصعة، قال: أوّل من جمع بين اللّوحين وورّث الكلالة أبو بكر)
_ أثر أبي العالية الرياحي رحمه الله:
قال البَجَلِيُّ:
عن أبي العالية: «أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون، ويملّ عليهم أبي بن كعب حتى انتهوا إلى هذه الآية في سورة براءة (ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن.
فقال أبيّ بن كعب: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين) : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم(
قال: فهذا آخر ما أنزل من القرآن.
قال: فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا الله، يقول الله عز وجل: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) .
أقوال شُرّاح الأحاديث في شرح أثر زيد بن ثابت رضي الله عنه
- قالَ السَّخَاوِيُّ
_ ومعنى(جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله)
1- الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذ أن أُبيّا – رحمه الله – إنما كان يتتبع ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللخاف والأكتاف والعسب ونحو ذلك، لا لأن القرآن العزيز كان معدوما.
2- ويجوز أن يكون معناه: أي من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن.
و قوله: "وصدور الرجال" فكان يتتبع الوجوه السبعة من صدور الرجال ليحيط بها علما، ودليل ذلك أنه كان عالما بالآيتين اللتين في آخر(براءة)، وإنما طلبهما من غيره مع علمه بهما، ليقف على وجوه القراءة، والله أعلم.
- أن أبا بكر الصديق كان قد جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى، حتى استعان عليه بعمر ففعل، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخ عثمان هذه المصاحف، ثم ردها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها".
_ وذكر الآثار الوارد في جمع أبي بكر_رضي الله عنه_ التي تكررت في هذا المبحث عن كثير من العلماء.
قال النووي :
- أن القرآن العزيز كان مؤلفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم و لم يكن مجموعا في مصحف بل كان محفوظًا في صدور الرجال فكان طوائف من الصحابة يحفظونه كله وطوائف يحفظون أبعاضًا منه.
-في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قتل كثير من حملة القرآن فخاف موتهم واختلاف من بعدهم فيه، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم في جمعه في مصحف فأشاروا بذلك فكتبه في مصحف وجعله في بيت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها.
_ فلما كان في زمن عثمان رضي الله عنه وانتشر الإسلام خاف عثمان وقوع الاختلاف ،فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة عدد من المصاحف، وبعث بها إلى البلدان وأمر بإتلاف ما خالفها وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب وسائر الصحابة وغيرهم رضي الله عنهم.
-وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته أو نسخ بعضه وذلك إلى وفاته صلى الله عليه وسلم.
وقالَ عَلِيُّ الخَازِنُ :
- تقدم حديث زيد ثابت وفيه أنه استحر القتل بقراء القرآن فثبت بمجموع هذه الأحاديث أن القرآن كان على هذا التأليف والجمع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- أنه تُرك جمعه في مصحف واحد زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن النسخ كان يرد على بعضه من التلاوة كما كان ينسخ بعض أحكامه ، ولو جمع مع ورود النسخ أدى ذلك إلى الاختلاف واختلاط أمر الدين فحفظ الله كتابه في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ ثم وفق لجمعه الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم.
- وثبت بالدليل الصحيح أن الصحابة جمعوا القرآن بين الدفتين كما أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقص .
- والذي حملهم على جمعه أنه كان مفرقا في العسب واللخاف وصدور الرجال؛ فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته.
- جُمع باتفاق الصحابة رضوان الله عليهم.
- سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه .
- فالترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليه السلام إياه على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا ، وهو مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا النحو.
- ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، وهي العرضة التي نسخ فيها ما نسخ، وبقي فيها ما بقي.
- أقام أبو بكر زيد بن ثابت في كتابة المصحف وألزمه بها لأنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفي فيه مرتين .
- جمع القرآن كان سببًا لبقائه في الأمة رحمة من الله تعالى لعباده وتحقيقًا لوعده في حفظه على ما قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون(
قال القُرَشيُّ :
- عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده , فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن , وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن , فيذهب كثير من القرآن , وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ..... ) الحديث
- وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق رضي الله عنه.
- أقامه الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه وسلم مقاما لا ينبغي لأحد من بعده: قاتل الأعداء من ما نعي الزكاة, والمرتدين, والفرس, والروم, ونفذ الجيوش, وبعث البعوث والسرايا, ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه
- وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله , وكان هذا من سر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} فجمع الصديق الخير, وكف الشرور رضي الله عنه وأرضاه.
- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر, إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين .( هذا إسناد صحيح.
قالَ الزَّرْكَشِيُّ :
روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بيوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن فيذهب كثير من القرآن... الحديث )
يقول الزركشي عن هذا الأثر:
- ليس فيه إثبات القرآن بخبر الواحد؛ لأن زيدا كان قد سمعها وعلم موضعها في سورة الأحزاب بتعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك غيره من الصحابة، ثم نسيها، فلما سمع ذكره وتتبعه للرجال كان للاستظهار لا لاستحداث العلم.
-أن الذين كانوا يحفظون القرآن من الصحابة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير من الصحابة وهؤلاء الأربعة اشتهروا به.
- القرآن كان محفوظ في الصدور أيام حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مؤلفًا على هذا التأليف إلا سورة براءة.
- قال ابن عباس: قلت لعثمان ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ قال عثمان كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يأتي عليه الزمان وتنزل عليه السور وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتبه، فقال: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل من المدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فقبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثم كتبت".
- ترك جمعه في مصحف واحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن النسخ كان يرد على بعض فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعض لأدى إلى الاختلاف، واختلاط الدين.
- وقال المحاسبي: كتابة القرآن ليست محدثة فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان .
- فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال؟
قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز، ونظم معروف وقد شاهدوا تلاوته من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرين سنة، فكان تزويد ما ليس منه مأمونا، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحيحه.
- فإن قيل: كيف لم يفعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك؟
قيل: لأن الله تعالى كان قد أمنه من النسيان بقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} .
- وفي قول زيد بن ثابت "فجمعته من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال" لا يعني أنه لم يجمع القرآن في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما طلب القرآن متفرقا ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف ولا يشكو في أنه جمع عن ملأ منهم.
-فأما قوله: "وجدت آخر براءة مع خزيمة بن ثابت ولم أجدها مع غيره" يعنى ممن كانوا في طبقة خزيمة لم يجمع القرآن، وأما أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل فبغير شك جمعوا القرآن والدلائل عليه متظاهرة.
قال: أن تلك المصاحف التي كتب منها القرآن كانت عند الصديق لتكون إماما، ثم عند عمر ثم استقرت عن حفصة لا تمكن منها، ولما احتيج إلى جمع الناس على قراءة واحدة وقع الاختيار عليها في أيام عثمان، فأخذ ذلك الإمام ونسخ في المصاحف التي بعث بها إلى الأمصار.
- قال: وجامع القرآن ليس عثمان رضي الله عنه، وإنما هو أبو بكر الصديق وعثمان حمل الناس على القراءة بوجه واحد على اتفاق من جمع من الصحابة.
- قبل اختلاف الناس في القراءات فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن.
-روى عن علي أنه قال: "رحم الله أبا بكر هو أول من جمع بين اللوحين" .
قال السيوطي :
_ عن زيد بن ثابت قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء.
_ قال الخطابي: إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك .
_ وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن . . .)) الحديث، فلا ينافي ذلك؛ لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة، وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
*القول في جمع القرآن ثلاث مرات:
- قال الحاكم في المستدرك جمع القرآن ثلاث مرات:
إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، عن زيد بن ثابت قال: "كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع ..." الحديث. قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: بحضرة أبي بكر:
- روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: "أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ...) الحديث.
-عن عبد خير قال: "سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله"أخرجه ابن أبي داود بسند حسن.
- أن عمر سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان قتل يوم اليمامة. فقال: إنا لله. وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف. إسناده منقطع، والمراد بقوله: (فكان أول من جمعه) أي أشار بجمعه. أخرجه ابن أبي داود.
قال السيوطي : ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن اشته ؛عن ابن بريدة قال: "أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة، أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه ثم ائتمروا ما يسمونه. فقال بعضهم: سموه السفر. قال: ذلك اسم تسميه اليهود، فكرهوه، فقال: رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف". إسناده منقطع أيضا وهو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر.
-قدم عمر فقال: "من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به".أخرجه ابن أبي داود.
وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان، ولا يكتفي لمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا، فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط.
عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: "اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه". أخرجه ابن أبي داود ,رجاله ثقات مع انقطاعه.
قال ابن حجر: وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب.
وقال السخاوي في جمال القراء: المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن.
قال أبو شامة: وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، لا من مجرد الحفظ.
قال: ولذلك قال في آخر سورة التوبة "لم أجدها مع غيره" أي: لم أجدها مكتوبة مع غيره؛ لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة.
قلت( أي السيوطي): أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم عام وفاته.
وعن الليث بن سعد قال: أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل، وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال: "أكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين" فكتب، وإن عمر أتي بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده. أخرجه ابن اشته.
وقال الحارث المحاسبي : كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء.
وفي موطأ ابن وهب :عن سالم بن عبد الله ابن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان بعمر ففعل.
وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر، وخاف أن يذهب من القرآن طائفة فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف.
قال ابن حجر: ووقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده.
قال: والأول أصح إنما كان في الأديم والعسب أولا، قبل أن يجمع في عهد أبي بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة.
قال السيوطي : فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب القاع وصدور الرجال؟
قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف، قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان تزوير ما ليس منه مأمونا، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه، وقد تقدم في حديث زيد أنه (جمع القرآن من العسب واللخاف)، وفي رواية (والرقاع)، وفي أخرى (وقطع الأديم)، وفي أخرى (والأكتاف)، وفي أخرى (والأضلاع)، وفي أخرى (والأقتاب).
والجمع الثالث: هو ترتيب السور في زمن عثمان روى البخاري عن أنس أن: حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة أن: أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ....) الحديث
قال ابن حجر: وكان ذلك في سنة خمس وعشرين.
قال: وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين، ولم يذكر له مستندا. انتهى.
-عن أبي قلابة قال: حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك قال: اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال عندي تكذبون به وتلحنون فيه فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا، يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما، فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤوا في آية قالوا: هذه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا. فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة فقال له: كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكانا". أخرجه ابن أشته
-عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فظننت أنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله. أخرجه ابن أبي داود
- عن سويد بن غفلة قال: قال علي: "لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا، قال: ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرا. قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا: نعم ما رأيت". أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح.
قال ابن التين وغيره الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن:
1- جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته ، فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
2- وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة, فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره، واقتصر على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.
_وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أثبت مع تنزيل، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته، وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.
وقال الحارث المحاسبي: المشهور عند الناس إن جامع القرآن عثمان وليس كذلك، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي نزل بها القرآن فأما السابق إلى جمع الحملة فهو الصديق وقد قال علي لو وليت لعملت بالمصاحف عمل عثمان بها. انتهى
أقوال الشراح في شرح أثر زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع أبي بكر رضي الله عنه:
قال الكرماني وغيره في معنى مفردات الحديث :
-(اليمامة) بتخفيف الميم الأولى جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام وبلاد الجو منسوبة إليها وهي من اليمن وفيها قتل مسيلمة الكذاب وقتل من القراء سبعون أو سبعمائة.
- قال ابن الملقن :"مقتل أهل اليمامة سنة اثنتي عشرة من الهجرة, وقتل بها من المسلمين ألف وأربعمائة منهم سبعون جمعوا القرآن".
-(استحر) أي كثر واشتد وهو استفعل من الحر والمكروه أبدا يضاف إلى الحر والمحبوب إلى البرد ومنه المثل وله حارها من تولى قارها.
-قوله (هو خير) يحتمل أن يكون أفعل التفضيل. فإن قلت كيف ترك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما هو خير قلت معناه هذا خير في هذا الزمان وكان تركه خيرا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم تمام النزول واحتمال النسخ ونحوه
-(العسب) بضم العين جمع العسيب وهو سعف النخل وكانوا يكتبون بها .وقال الداودي: هي العيدان التي يمكن القراءة فيها.
-(اللخاف) بكسر اللام وبالمعجمة اللخفة الحجر الأبيض الرقيق وقال الأصمعي فيها: عرض ورقة، وقيل: الخزف.
-(خزيمة) مصغر الخزمة بالمعجمة.
شرح الحديث :
(قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عنده عمر)
_ قال العسقلاني : قوله( أرسل إلي أبو بكر الصديق) لم أقف على اسم الرسول إليه بذلك .
- قال العسقلاني : قوله (مقتل أهل اليمامة)أي عقب قتل أهل اليمامة والمراد بأهل اليمامة هنا من قتل بها من الصحابة في الوقعة مع مسيلمة الكذاب وكان من شأنها أن مسيلمة ادعى النبوة وقوي أمره بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بارتداد كثير من العرب فجهز إليه أبو بكر الصديق خالد بن الوليد في جمع كثير من الصحابة فحاربوه أشد محاربة إلى أن خذله الله وقتله وقتل في غضون ذلك من الصحابة جماعة كثيرة قيل سبعمائة وقيل أكثر .
- قال العيني : قوله (مقتل أهل اليمامة)أي: أيام مقاتلة الصحابة رضي الله عنهم، مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة وكان مقتلهم سنة إحدى عشرة من الهجرة.
_قال المباركفوري :وقوله (فإذا عمر) كلمة إذا للمفاجأة (عنده) أي عند أبي بكر رضي الله عنه.
(فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها، فيذهب بقرآن كثير)
_ قال المباركفوري وغيره : قوله(وإني لأخشى) بصيغة المتكلم المؤكدة بلام التأكيد أي لأخاف (أن يستحر) بفتح الهمزة (في المواطن كلها) أي الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار (فيذهب قرآن كثير) بالنصب عطف على يستحر.
_قال الحافظ: هذا يدل على أن كثيرا ممن قتل في وقعة اليمامة كان قد حفظ القرآن لكن يمكن أن يكون المراد أن مجموعهم جمعه لا أن كل فرد فرد جمعه.
_وقال العسقلاني : في لفظ (فلما قتل سالم مولى أبي حذيفة خشي عمر أن يذهب القرآن فجاء إلى أبي بكر) ,أن سالما أحد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنه.
). قال: فقلت له: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)
_ قال بن بطال : إنما نفر أبو بكر أولا ثم زيد بن ثابت ثانيا لأنهما لم يجدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله فكرها أن يحلا أنفسهما محل من يزيد احتياطه للدين على احتياط الرسول فلما نبههما عمر على فائدة ذلك وأنه خشية أن يتغير الحال في المستقبل إذا لم يجمع القرآن فيصير إلى حالة الخفاء بعد الشهرة رجعا إليه قال ودل ذلك على أن فعل الرسول إذا تجرد عن القرائن وكذا تركه لا يدل على وجوب ولا تحريم انتهى وليس ذلك من الزيادة على احتياط الرسول بل هو مستمد من القواعد التي مهدها الرسول صلى الله عليه وسلم.
_ قال الخطابي وغيره: يحتمل أن يكون إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء لوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة المحمدية زادها الله شرفا فكان ابتداء ذلك على يد الصديق رضي الله عنه بمشورة عمر.
ويؤيده ما روي عن عبد خير قال سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله.
_قال بن الباقلاني: كان الذي فعله أبو بكر من ذلك فرض كفاية بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن مع قوله تعالى إن علينا جمعه وقرآنه وقوله إن هذا لفي الصحف الأولى وقوله رسول من الله يتلو صحفا مطهرة قال فكل أمر يرجع لإحصائه وحفظه فهو واجب على الكفاية وكان ذلك من النصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم قال وقد فهم عمر أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم جمعه لا دلالة فيه على المنع ورجع إليه أبو بكر لما رأى وجه الإصابة في ذلك وأنه ليس في المنقول ولا في المعقول ما ينافيه وما يترتب على ترك جمعه من ضياع بعضه ثم تابعهما زيد بن ثابت وسائر الصحابة على تصويب ذلك.
(قال لي: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري له)
_ قال القسطلاني :فقال( لي عمر: هو) أي جمع القرآن (والله خير) من تركه.
_ قال العيني : في قوله: (هو والله خير) ، يحتمل أن يكون لفظ: خير، أفعل التفضيل.
_ قال الكرماني : وفيه من الفقه ؛ أن المؤمن قد يستدل بانشراح صدره في الأمر على كونه رضا لله عز وجل إذا كان قد عرف منه وعرف من نفسه معاصاة الهوى، وإباء الميل إلى الدنيا.
(قال زيد: وقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن، فاجمعه)
_قال القسطلاني : (فقال) ليس (أبو بكر: إنك) يا زيد (رجل شاب) أشار إلى نشاطه وقوته وحدة نظره فيما يطلب منه وضبطه وإتقانه وبعده عن النسيان (عاقل) تعي المراد (ولا نتهمك) بكذب ولا نسيان وأنه صدوق وفيه تمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه وتمكنه من هذا الشأن والذي لا يتهم تركن النفس إليه )فتتبع القرآن فاجمعه) وقد كان القرآن كله كتب في العهد النبوي لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
_ قال العسقلاني في قوله (قال زيد أي بن ثابت قال أبو بكر أي قال لي إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي) ذكر له أربع صفات مقتضية خصوصيته بذلك كونه شابا فيكون أنشط لما يطلب منه وكونه عاقلا فيكون أوعى له وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه وكونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقة. (
_ قال العيني :وفي قوله: (إنك رجل شاب) ، يخاطب به أبو بكر زيد بن ثابت رضي الله عنهما، وإنما قال: شاب، لأن عمره كان إحدى عشرة سنة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وخطاب أبي بكر إياه بذلك في خلافته، فإذا اعتبرت هذا يكون عمره حئنذ ما دون خمس وعشرين سنة، وهي أيام الشباب. كتابته الوحي تدل على أمانته الغاية، قوله: (فتتبعت القرآن) ، قيل: إن زيدا كان جامعًا للقرآن فما معنى هذا التتبع والطلب لشيء إنما هو ليحفظه ويعلمه، أجيب: أنه كان يتتبع وجوهه وقراءاته ويسأل عنهما غيره ليحيط بالأحرف السبعة التي نزل بها الكتاب العزيز، ويعلم القراءات التي هي غير قراءته.
-قال المهلب: هذا الحديث يدل أن العقل أصل الخلال المحمودة كالأمانة والكفاية في عظيم الأمور ,بقول الصديق: (إنك شاب عاقل لا نتهمك(.
-قال ابن الملقن؛ وفيه: دليل على اتخاذ الكاتب السلطان والحاكم وأنه ينبغي أن يكون الكاتب عاقلا فطنا مقبول الشهادة، هذا قول كافة الفقهاء.
-وقال :أن المصالح العامة ينبغي للإمام أن ينظر فيها ويصونها عنده ولا يهملها كما فعل الصديق والفاروق فيما جمعه زيد من القرآن.
(قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي من ذلك.)
_ قال العسقلاني :قوله (فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما ما كان أثقل علي مما أمرني به )إنما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشيه من التقصير في إحصاء ما أمر بجمعه لكن الله تعالى يسر له ذلك كما قال تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر قوله فتتبعت القرآن أجمعه أي من الأشياء التي عندي وعند غيري.
_ قال الكرماني ؛فيه من الفقه:
_ أن المؤمن قد يتخوف من الإقدام على الأمر إلى أن يتيقن جوازه، ألا ترى قول زيد بن ثابت: (فلو كلفاني نقل جبل ...) إلى آخر حديثه، إلا أن هذا قد يعرض للإنسان فيما الصواب ضده، فينبغي للإنسان أن لا يقف مع خواطره.
(فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف ومن صدور الرجال)
- قوله: (أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال) الرقاع: جمع رقعة تكون من ورق ومن جلد وشيء شبهه. والأكتاف جمع كتف: وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه.
(وصدور الرجال) أي الحفاظ منهم أي حيث لا أجد ذلك مكتوبا أو الواو بمعنى مع أي اكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدور.
قال السيوطي وغيره في المعنى اللغوي لـ ( العسب_ اللخاف _ الرقاع _ الأكتاف _ الأقتاب _ ):
العسب: جمع "عسيب" وهو جريد النخل ،
واللخاف: بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء جمع "لخفة" بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق،
وقال الخطابي: صفائح الحجارة.
والرقاع: جمع "رقعة" وقد تكون من جلد أو رق أو كاغد،
والأكتاف: جمع "كتف" وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه،
والأقتاب: جمع "قتب" هو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
_فإن قلتَ لما كان متواترا فما هذا التتبع؟
قلتُ للاستظهار لاسيما وقد كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعلم هل فيها قراءة أخرى أم لا.
_(فوجدت آخر سورة براءة من خزيمة بن ثابت: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم }حتى ختم السور).
_(قال: فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها:{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله... )(قال: فالتمستها فوجدتها مع خزيمة، أو أبي خزيمة، فألحقتها في سورتها)
قال الشيباني : وهذا يدل على أنه أضاف قول خزيمة إلى علمه بذلك.
قال الكرماني :
* وقوله: مع خزيمة الأنصاري (قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها)
* أن الذي فقده في خلافة أبي بكر الآيتان من آخر براءة وأما التي في الأحزاب ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان .
* إن قلتَ كيف ألحقهما_الآيتين_ بالقرآن وشرطه أن يثبت بالتواتر ؟
قلتُ معناه لم أجدهما مكتوبتين عند غيره أو المراد لم أجدهما محفوظتين ووجهه أن المقصود من التواتر إفادة اليقين والخبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد اليقين أيضا وكان ههنا قرائن مثل كونهما مكتوبتين ونحوهما وأن مثله لا يقدر ي مثله بمحضر الصحابة أن يقول إلا حقا وصدقا والجواب الأول أولى.
-قال الخطابي: هذا مما يخفى على كثير فيتوهمون أن بعض القرآن إنما أخذ من الآحاد واعلم أن القرآن كله كان مجموعا في صدور الرجال في حياته صلى الله عليه وسلم بهذا التأليف الذي نقرأه إلا سورة براءة فإنها نزلت آخراً ثم بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعها وقد ثبت أن أربعة من الصحابة كانوا يجمعون القرآن كله في زمانه وقد كان لهم شركاء لكن هؤلاء أكثر تجويدا للقراءة
_ قال ابن الملقن :
• (وخزيمة بن ثابت شهد أحدا، وما بعدها، ذو الشهادتين، شهد صفين ممسكا عن القتال، فلما قتل عمار، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: "تقتلك الفئة الباغية" فجرد سيفه وقاتل حتى قتل)
• (لم أجدها مع أحد غيره). قيل: يريد وجدها عنده مكتوبة.
• القصة في آية الأحزاب غير القصة التي في التوبة ، آية الأحزاب سمعها زيد وخزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما شاهدان على سماعها منه. وإنما أثبت التي في التوبة بشهادة أبي خزيمة وحده لقيام الدليل على صحتها في صفته - عليه السلام -، فهي قرينة تغني عن طلب شاهد آخر.
_قال العسقلاني :
أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الأحزاب فالأول اختلف الرواة فيه على الزهري فمن قائل مع خزيمة ومن قائل مع أبي خزيمة ومن شاك فيه يقول خزيمة أو أبي خزيمة والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة وأبو خزيمة قيل هو بن أوس بن يزيد بن أصرم مشهور بكنيته دون اسمه وقيل هو الحارث بن خزيمة وأما خزيمة فهو بن ثابت ذو الشهادتين .
_قال العيني :
• مع خزيمة الأنصاري) ، وهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الخطمي ذو الشهادتين، شهد صفين مع علي رضي الله عنه، وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين. قوله: (لم أجدهما مع أحد غير خزيمة) .
• فإن قيل: كيف ألحق هاتين الآيتين بالقرآن وشرطه أن يثبت بالتواتر؟
قيل له: معناه: لم أجدهما مكتوبتين عند غيره، أو المراد: لم أجدهما محفوظتين، ووجهه أن المقصود من التواتر إفادة اليقين، والخبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد أيضا اليقين، وكان ههنا قرائن مثل كونهما مكتوبتين ونحوهما وأن مثله لا يقدر في مثله بمحضر الصحابة أن يقول إلا حقا وصدقا. قلت: إن خزيمة أذكرهم ما نسوه ولهذا قال زيد: وجدتهما مع خزيمة، يعني مكتوبتين ولم يقل: عرفني أنهما من القرآن، مع تصريح زيد بأنه سمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم، أو نقول: ثبت أن خزيمة شهادته بشهادتين فإذا شهد في هذا وحده كان كافيا. قوله: (لقد جاءكم) إلى آخر بيان الآيتين.
_قال القسطلاني:
• فالمراد بالنفي نفي وجودهما مكتوبتين لا نفي كونهما محفوظتين ,وعند ابن أبي داود فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ({لقد جاءكم رسول من أنفسكم}) إلى آخر السورة. فقال عثمان: وأنا أشهد فأين ترى أن نجعلهما. قال: اختم بهما آخر ما نزل من القرآن.
قال المباركفوري:
والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية ,قيل هو بن أوس بن يزيد بن أصرم مشهور بكنيته دون اسمه وقيل هو الحرث بن خزيمة ,والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين كما تقدم صريحا في سورة الأحزاب انتهى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) أي من جنسكم في كونه عربيا قرشيا مثلكم تعرفون نسبه وحسبه وأنه من ولد إسماعيل لا من العجم ولا من الجن ولا من الملك والخطاب للعرب عند جمهور المفسرين.
• وقال الزجاج :هي خطاب لجميع العالم (عزيز عليه ما عنتم) ما مصدرية ,والعنت؛ التعب والمشقة
والمعنى شديد وشاق عليه عنتكم ومشقتكم ولقاءكم المكروه (حريص عليكم) أي على إيمانكم وهدايتكم (بالمؤمنين رؤوف رحيم) أي شديد الرحمة (فإن تولوا أي أعرضوا عن الإيمان بك (فقل حسبي الله) أي يكفيني وينصرني (لا إله إلا هو) أي المتفرد بالألوهية وهذه الجملة الحالية كالدليل لما قبلها (عليه توكلت) أي به وثقت لا بغيره (وهو رب العرش العظيم) وصفه بالعظم لأنه أعظم المخلوقات.
• قرأ الجمهور "بالجر" على أنه صفة العرش ,وقرىء "بالرفع" صفة لرب ,ورويت هذه القراءة عن بن كثير,
قال أبو بكر الأصم, وهذه القراءة أعجب إلي؛ لأن جعل العظيم صفة للرب أولى من جعله صفة للعرش.
• قال بن عباس إنما سمي العرش عرشا لارتفاعه .
(قال: فكانت الصحف عند أبي بكر حتى مات، ثم كانت عند عمر حتى مات، ثم كانت عند حفصة(
_نقل ابن الملقن : أن "عثمان - رضي الله عنه - لم يصنع في القرآن شيئا، وأنما أخذ الصحف التي حفظها عمر عند حفصة وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاصي وأبي بن كعب في اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فكتب منها مصاحف وسيرها إلى الأمصار؛ لأن حذيفة أخبره بالاختلاف في ذلك ,فلما توفيت حفصة أخذ مروان ابن الحكم تلك الصحف فغسلها وقال: أخشى أن يخالف بعض القرآن بعضا"
_قال العسقلاني :
• قوله ثم عند حفصة بنت عمر أي بعد عمر في خلافة عثمان إلى أن شرع عثمان في كتابة المصحف وإنما كان ذلك عند حفصة لأنها كانت وصية عمر فاستمر ما كان عنده عندها حتى طلبه منها من له طلب ذلك.
• وقد تسول لبعض الروافض أنه يتوجه الاعتراض على أبي بكر بما فعله من جمع القرآن في المصحف فقال كيف جاز أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام والجواب أنه لم يفعل ذلك إلا بطريق الاجتهاد السائغ الناشئ عن النصح منه لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابة القرآن ونهى أن يكتب معه غيره فلم يأمر أبو بكر إلا بكتابة ما كان مكتوبا ولذلك توقف عن كتابة الآية من آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبة مع أنه كان يستحضرها هو ومن ذكر معه وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنه يعد في فضائله وينوه بعظيم منقبته
_قال العيني:
• فلما توفيت حفصة أخذ مروان بن الحكم تلك الصحف فغسلها، وقال: أخشى أن يخالف بعض القرآن بعضا، وفي لفظ: أخاف أن يكون فيه شيء يخالف ما نسخ عثمان، وإنما فعل عثمان هذا ولم يفعله الصديق رضي الله عنه، لأن غرض أبي بكر كان جمع القرآن بجميع حروفه ووجوهه التي نزل بها وهي على لغة قريش وغيرها، وكان غرض عثمان تجريد لغة قريش من تلك القراءات، وقد جاء ذلك مصرحا به في قول عثمان لهؤلاء الكتاب.
• فجمع أبو بكر غير جمع عثمان، فإن قيل: فما قصد عثمان بإحضار الصحف وقد كان زيد ومن أضيف إليه حفظوه؟ . قيل: الغرض بذلك سد باب المقالة وأن يزعم أن في الصحف قرآنا لم يكتب ولئلا يرى إنسان فيما كتبوه شيئا مما لم يقرأ به فينكره، فالصحف شاهدة بجميع ما كتبوه.
والله ولي التوفيق .