921- وعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا أنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا ويَوْمَ سَوْدَةَ. مُتَّفَقٌ عليهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مَا يُؤْخَذُ من الحَديثِ:
1- سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ القُرَشِيَّةُ العامِرِيَّةُ هي الثانيةُ مِن زوجاتِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقَدْ تَزَوَّجَها بعدَ وَفَاةِ خديجةَ، فأَسَنَّتْ عِنْدَه وثَقُلَتْ، فخَافَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا فتَفْقِدَ هذهِ المَنْقَبَةَ الكَبِيرَةَ، والنِّعْمَةَ العَظِيمَةَ، مِن كَوْنِها إِحْدَى زوجاتِه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فوَهَبَتْ يَوْمَها ولَيْلَتَها لِعَائِشَةَ، لتَبْقَى له زَوْجَةً، فقَبِلَ ذلك، فماتَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهي في عِصْمَتِهِ مِن أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ.
1- رَوَى الطَّيَالِسِيُّ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقَالَتْ: يَا رسولَ اللهِ لا تُطَلِّقْنِي، واجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، ففَعَلَ، ونَزَلَتْ هذهِ الآيةُ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128].
وفي الصحيحيْنِ عَن عَائِشَةَ قالَتْ: لَمَّا كَبِرَتْ سَوْدَةُ، وَهَبَتْ يَوْمَها لِعَائِشَةَ، فكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَقْسِمُ لي بيومِ سَوْدَةَ.
3- فالحديثُ يَدُلُّ على جوازِ الصُّلْحِ بينَ الزوجيْنِ، وذلك حِينَما تُحِسُّ المرأةُ مِن زَوْجِها نُفوراً أو إِعْرَاضاً، وخافَتْ أَنْ يُفارِقَها، بأنْ تُسْقِطَ عنه حَقَّها، أو بَعْضَه مِن نَفَقَةٍ، أو كِسْوَةٍ، أو مَبِيتٍ، أو غَيْرِ ذلك من الحُقوقِ عليهِ، وله أنْ يَقْبَلَ منها ذلك، فلا جُناحَ عليها في بَذْلِها له، ولا جُناحَ عليهِ في قَبُولِه منها؛ ولهذا قالَ تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] يعني: أنَّالصُّلْحَ خَيْرٌ مِن الفِرَاقِ.
4- هذا التصَرُّفُ من أُمِّ المُؤمِنِينَ سَوْدَةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا تَصَرُّفٌ حكيمٌ جِدًّا, فقَدْ صَحَّ عَن عَائِشَةَ أنَّها قَالَتْ: مَا مِن النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاخِهَا مِن سَوْدَةَ. وتُوُفِّيَتْ سَوْدَةُ رَضِيَ اللهُ عنهُا آخِرَ خِلافَةِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنهُ.
5- قالَ العلماءُ: إذا وَهَبَتِ الزوجةُ يَوْمَها وليلتَها لضَرَّتِها، فَلا يَلْزَمُ ذلك في حَقِّ الزوجِ، فله أنْ يَدْخُلَ على الوَاهِبَةِ، ولا يَرْضَى بغيرِها عنها، وإنْ رَضِيَ الزوجُ، فهو جَائِزٌ.
6- وللواهبةِ الرجوعُ في هِبَتِها نَوْبَتَها من زَوْجِها مَتَى شَاءَتْ؛ لأنَّ الهِبَةَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْها، والمُسْتَقْبَلُ منها لَمْ يُقْبَضْ.
7- إذا كانَ للزوجِ عِدَّةُ زَوْجَاتٍ، فخَصَّتِ الواهبةُ نَوْبَتَها لواحدةٍ مِنْهُنَّ، تَعَيَّنَتْ لَهَا، كقِصَّةِ سَوْدَةَ معَ عَائِشَةَ، وإنْ تَرَكَتْ حِصَّتَها مِن القَسْمِ، مِن غيرِ تَخْصيصٍ في ضَرائِرِها، فيُسَوِّي الزوجُ بَيْنَهُنَّ، ويُخْرِجُ الواهبةَ من القَسْمِ.