833- وعن أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)). رَواهُ أحمدُ والأربعةُ إلا النَّسائِيَّ، وحَسَّنَه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ، وقَوَّاهُ ابنُ خُزَيْمَةَ وابنُ الجارُودِ، ورَواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِن حَديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، وزَادَ فِي آخِرِه: ((إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الوَرَثَةُ)). وإسنادُه حَسَنٌ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرَجَةُ الحديثِ:
الحَدِيثُ صَحِيحٌ.
فقدْ جاءَ عن جَماعةٍ كَبِيرةٍ مِن الصحابةِ، منهم أبو أُمامَةَ، وعَمْرُو بنُ خَارِجَةَ، وابنُ عَبَّاسٍ، وأَنَسٌ، وابنُ عُمَرَ، وجَابِرٌ، وعَلِيٌّ، وعبدُ اللَّهِ بنُ عَمْرٍو، والبَرَاءُ بنُ عَازِبٍ، وزَيْدُ بنُ أَرْقَمَ.
قالَ الشيخُ الألبانِيُّ: وخُلاصَةُ القَوْلِ أنَّ الحَدِيثَ صَحِيحٌ، لا شَكَّ فيه، فهو من رِوايةِ شَراحِيلَ بنِ مُسْلِمٍ الخَوْلانِيِّ قالَ: سَمِعْتُ أبا أُمامَةَ البَاهِلِيَّ يقولُ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)).
قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وجَلالُ الدِّينِ السيوطيُّ وغَيْرُه مِن المُتأَخِّرِينَ جَعَلُوا هذا الحديثَ مِن الأحاديثِ المُتواتِرَةِ، وذلك بانْضمامِ طُرُقِه بعضِها إلى بعضٍ، وإنْ كَانَ في بَعْضِها ضَعْفٌ فهو ضَعْفٌ مُحْتَمَلٌ، وبعضُه حَسَنٌ لذَاتِهِ، لا سِيَّمَا أنه لا يُشْتَرَطُ في الحديثِ المُتواتِرِ سَلامَةُ طُرُقِه مِن الضَّعْفِ؛ لأنَّ ثُبوتَه إنَّما هو بمَجموعِها، لا بفردٍ منها.
أمَّا روايةُ: ((إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ)) فهي مِن رِوايةِ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ, عَنِ ابنِِ عَبَّاسٍ، وعَطَاءٌ الخُراسانِيُّ لم يُدْرِكِ ابنَ عَبَّاسٍ، قالَه البَيْهَقِيُّ.
وقدْ جَاءَ مِن وَجْهٍ آخَرَ عن عَطَاءٍ الخُراسانِيِّ، عن عِكْرِمَةَ, عَنِ ابنِِ عَبَّاسٍ، لكنَّ عَطَاءً الخُرَاسَانِيَّ غَيْرُ قَوِيٍّ؛ ولذا رَجَّحَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ المُرْسَلَ، أمَّا ابنُ القَطَّانِ فحَسَّنَه مَرْفُوعاً مَوْصولاً.
قالَ الشيخُ الألبانِيُّ: يَنْبَغِي أنْ تَكونَ هذه الزِّيادَةُ مُنْكَرَةً، على ما تَقْتَضِيهِ القواعِدُ الحَدِيثِيَّةُ.
* ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- كانَتِ الوَصِيَّةُ في صَدْرِ الإسلامِ للأقاربِ فَرْضاً، وذلك قبلَ نُزولِ آيةِ المِيراثِ, فلَمَّا نَزَلَتْ بَطَلَتِ الوَصِيَّةُ لهم إِلاَّ برِضَا الوَرَثَةِ الراشِدِينَ؛ وذلك لِمَا جاءَ في بعضِ رواياتِ الحديثِ: ((لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ))؛ ولأنَّ الحَقَّ لهم، فإذا رَضُوا، فلا مَانِعَ.
2- يَدُلُّ الحديثُ على صِحَّةِ الوَصِيَّةِ ومَشْرُوعِيَّتِها، ما دامَ أنه جاءَها التعديلُ والتوجيهُ مِن الشارِعِ الحكيمِ، فيَدُلُّ على أنَّ أَصْلَها صَحِيحٌ.
3- فالمُسلمُ في حياتِه قدْ جَعَلَ اللَّهُ له أنْ يُنْفِقَ من مالِه بعدَ مَماتِه بقَدْرِ ثُلثِ تَركَتِه في سُبُلِ الخيرِ، وأنْ يَدَعَ الباقِيَ لوَرثتِه، ومَن هم أَوْلَى الناسِ ببِرِّه من أقاربِه الوَارثِينَ فُرُوعاً وأُصولاً أو حَواشِيَ، فلا يَزِيدُ في وَصِيَّتِه عن الثُّلُثِ؛ لِئَلاَّ يُجْحِفَ بنَصِيبِ الوَرَثَةِ.
4- وإِذَا وَصَّى فَلْتَكُنْ وَصِيَّتُه لمَن لاَ يَرِثُهُ مِن أَقَارِبِه، أو مِن الفُقَرَاءِ، أو أهْلِ العِلْمِ، أو المُجاهِدِينَ، أو سائِرِ طُرُقِ الخَيْرِ والبِرِّ، أمَّا مَن جَعَلَ وَصِيَّتَه لوَرَثَتِه أو لبَعْضِهم فقدْ تَعَدَّى حُدودَ اللَّهِ فيها، وظَلَمَ نَفْسَه وظَلَمَ غَيْرَه، فإنَّ الوَصِيَّةَ لا تَجوزُ؛ إذْ لا وَصِيَّةَ لوَارِثٍ.
5- كما أنَّ مُحاباةَ بَعْضِ الوَرثةِ، وإعطاءَه ما لم يُعْطِ الباقِينَ، أو حِرمانَ بعضِهم من إِرْثِه بحِيلَةٍ مِن الحِيَلِ- مِن تَعَدِّي حُدودِ اللَّهِ تعالى، سَواءٌ كَانَ ذلك هِبَةً، أو بَيْعاً صُوريًّا، أو إقراراً كَاذِباً.
6- والوَصِيَّةُ بالثُّلثِ للأجنبيِّ، والأجنبيُّ هنا مَن ليسَ بوَارِثٍ، أو للجِهاتِ الخَيْرِيَّةِ النافِعَةِ مِن مَساجِدَ، وربطٍ، ومَدارِسَ، ونَشْرِ دَعْوَةِ اللَّهِ تعالى، فيَجوزُ بالثُّلُثِ، وما زَادَ على الثُّلُثِ لا يَجوزُ إلاَّ بمُوافَقَةِ الوَرَثَةِ البالغِينَ الراشدِينَ، فإنْ أَذِنُوا جازَ، وإنْ لمْ يَأْذَنُوا فالحَقُّ لهم، وهذا مَعْنَى قولِه صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ)) إنْ صَحَّتْ هذهِ الزِّيَادَةُ.