دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > باب الوصايا

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 02:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب الوصايا (1/5) [مشروعية الوصية وحكمها]


بابُ الوَصَايَا
عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.

  #2  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 07:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ الْوَصَايَا
الْوَصَايَا: جَمْعُ وَصِيَّةٍ، كَهَدَايَا وَهَدِيَّةٍ، وَهِيَ شَرْعاً: عَهْدٌ خَاصٌّ يُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
1/906- عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
كَلِمَةُ " مَا " بِمَعْنَى لَيْسَ، "وَحَقُّ ": اسْمُهَا، وَخَبَرُهَا مَا بَعْدَ إلاَّ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ فِي الْخَبَرِ؛ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بِإِلاَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ مَا الْحَزْمُ وَالاحْتِيَاطُ لِلْمُسْلِمِ إلاَّ أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ إذَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ؛ لأَنَّهُ لا يَدْرِي مَتَى تَأْتِيهِ مَنِيَّتُهُ فَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَقُّ لُغَةً: الشَّيْءُ الثَّابِتُ، وَيُطْلَقُ شَرْعاً عَلَى مَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِباً أَوْ مَنْدُوباً، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُبَاحِ بِقِلَّةٍ، فَإِن اقْتَرَنَ بِهِ "عَلَى" وَنَحْوِهِ كَانَ ظَاهِراً فِي الْوُجُوبِ، وَإِلاَّ فَهُوَ عَلَى الاحْتِمَالِ. وَفِي قَوْلِهِ: ((يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ)) مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ إرَادَتِهِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الأَمْرِ بِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا: هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَمْ لا؟ فَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ، وَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى وُجُوبِهَا، وَحُكِيَ عَن الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا؛ مُسْتَدِلاًّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصِ لَقُسِمَ جَمِيعُ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ بِالإِجْمَاعِ، فَلَوْ كَانَت الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لأُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ سَهْمٌ يَنُوبُ عَن الْوَصِيَّةِ.
وَالأَقْرَبُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ يَخْشَى أَنْ يَضِيعَ إنْ لَمْ يُوصِ بِهِ؛ كَوَدِيعَةٍ، وَدَيْنٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لآدَمِيٍّ. وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ فِيمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَمَعَهُ مَالٌ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَخْلِيصُهُ إلاَّ إذَا أَوْصَى بِهِ، وَمَا انْتَفَى فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ فَليسَ بواجبٍ. وَقَوْلُهُ: ((لَيْلَتَيْنِ)) لِلتَّقْرِيبِ لا لِلتَّحْدِيدِ، وَإِلاَّ فَقَدْ رُوِيَ: (( ثَلاثَ لَيَالٍ)).
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِي تَخْصِيصِ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلاثِ تَسَامُحٌ فِي إرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ؛ أيْ: لا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ زَمَاناً، وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلاثِ، فَلا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَن ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَبِتْ لَيْلَةً إِلاَّ وَوَصِيَّتِي مَكْتُوبَةٌ عِنْدِي. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ قِيلَ لابْنِ عُمَرَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: أَلا تُوصِي؟ فقَالَ: أَمَّا مَالِي فَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ فِيهِ، فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَصِيَّتَهُ وَيَتَعَاهَدُهَا، وَيَنْجَزُ مَا كَانَ يُوصِي بِهِ حَتَّى وَفَدَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ.
وَفِي قَوْلِهِ: " أَمَّا مَالِي فَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ فِيهِ " مَا يَدُلُّ لِهَذَا الْجَمْعِ. وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: ((مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)) عَلَى جَوَازِ الاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِشَهَادَةٍ.

وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْوَصِيَّةِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ الاعْتِمَادُ عَلَى الْخَطِّ فِيهَا مِنْ دُونِ شَهَادَةٍ؛ لِثُبُوتِ الْخَبَرِ فِيهَا، وَلأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا أَمَرَ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، وَهِيَ تَكُونُ مِمَّا يَلْزَمُ المؤمنَ مِنْ حُقُوقٍ وَلَوَازِمَ، لا تَزالُ تُجَدَّدُ فِي الأَوْقَاتِ.
وَاسْتِصْحَابُ الإِشْهَادِ فِي كُلِّ لازِمٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ خَشْيَةَ مُفَاجَأَةِ الأَجَلِ مُتَعَسِّرٌ، بَلْ مُتَعَذِّرٌ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ أَوْ شَرْعِيَّتُهَا بِالْكِتَابَةِ مِنْ دُونِ شَهَادَةٍ؛ إذْ لا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ الأَمْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ بِهَا، فَدَلَّ عَلَى قَبُولِهَا مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ.
وَقَالَ الْجَمَاهِيرُ: الْمُرَادُ مَكْتُوبَةٌ بِشروطِهَا، وَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}؛ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الإِشْهَادِ فِي الْوَصِيَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الإِشْهَادِ فِي الآيَةِ أَنَّهَا لا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلاَّ بِهِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَعْرِفَةُ الْخَطِّ، فَإِذَا عُرِفَ خَطُّ الْمُوصِي عُمِلَ بِهِ، وَمِثْلُهُ خَطُّ الْحَاكِمِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ قَدِيماً وَحَدِيثاً، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ الْكُتُبَ يَدْعُو فِيهَا الْعِبَادَ إلَى اللَّهِ تعالى، وَتَقُومُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ.
وَلَمْ يَزَل النَّاسُ يَكْتُبُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فِي الْمُهِمَّاتِ مِن الدِّينِيَّاتِ وَالدُّنْيَوِيَّاتِ، وَيَعْمَلُونَ بِهَا، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْوِجَادَةِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ دُونِ إشْهَادٍ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الإِيصَاءِ بِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْحُقُوقِ وَنَحْوِهَا؛ لِقَوْلِهِ: ((لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ))، وَأَمَّا كَتْبُ الشَّهَادَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ فَلا يُعْرَفُ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ.
وَإِنَّمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ مَوْقُوفاً قَالَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلانُ بْنُ فُلانٍ، أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ.
وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ، وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. وَضَمِيرُ " كَانُوا " عَائِدٌ إلَى الصَّحَابَةِ؛ إذ الْمُخْبِرُ صَحَابِيٌّ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَمْ يُوصِ؟ لاخْتِلافِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ؛ فَفِي الْبُخَارِيِّ عن ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ لَمْ يُوصِ، قَالُوا: لأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بعدَهُ مَالاً، وَأَمَّا الأَرْضُ فَقَدْ كَانَ سَبَّلَهَا، وَأَمَّا السِّلاحُ وَالْبَغْلَةُ فَقَدْ كَانَ أَخْبَرَ أَنَّهَا لا تُورَثُ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ.
وَفِي الْمَغَازِي لابْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوصِ عِنْدَ مَوْتِهِ إلاَّ بِثَلاثٍ لِكُلٍّ مِن الدَّارِسِينَ، وَالرَّهَاوِيِّينَ، وَالأَشْعَرِيِّينَ: بِجَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَأَنْ لا يُتْرَكَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، وَأَنْ يُنْفَذَ بَعْثُ أُسَامَةَ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: أَوْصَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ: ((أَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ)).. الْحَدِيثَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أبي أَوْفَى أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَأَحْمَدَ وَابْنِ سَعْدٍ: كَانَتْ وَصِيَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: ((الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)).
وَقَدْ ثَبَتَتْ وَصِيَّتُهُ بِالأَنْصَارِ وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَرُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ فِي مَرَضِهِ أَنْ يَكْتُبَ كِتَاباً، وَهُوَ وَصِيَّتُهُ لِلأُمَّةِ، إلاَّ أَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كَمَا روَاه الْبُخَارِيُّ.

  #3  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 07:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بَابُ الوَصَايَا
مُقَدِّمَةٌ
الوَصَايَا: جَمْعُ وَصِيَّةٍ، مِثْلُ: هَدَايَا جَمْعُ هَدِيَّةٍ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: مَأْخُوذَةٌ مِن وَصَيْتُ الشَّيْءَ أَصِيُهُ إذا وَصَلْتَه، سُمِّيَتْ وَصِيَّةً؛ لأنَّ المُوصِيَ وَصَلَ ما كانَ لَهُ في حَياتِه بما كانَ بعدَ مَماتِهِ.
ويُقالُ: وَصَّى بالتشديدِ, وأَوْصَى يُوصِي أَيْضاً، وهي لُغَةً: الأَمْرُ، قالَ اللَّهُ تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ} [البقرة: 132].
وشَرْعاً: عَهْدٌ خَاصٌّ بالتصَرُّفِ بالمَالِ، أو التَّبَرُّعِ به بعدَ المَوْتِ.
وهي مَشْرُوعَةٌ بالكتابِ؛ لقولِهِ تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ} [البقرة: 180].
ومَشْرُوعَةٌ بالسُّنةِ؛ لهذه الأحاديثِ الآتيةِ، وعليها إجماعُ المُسلِمِينَ في جميعِ الأعصارِ والأمصارِ.
وهي مِن مَحَاسِنِ الإسلامِ؛ إذْ جَعَلَ لصَاحِبِ المالِ جُزْءاً مِن مَالِه، يَعودُ عليه ثوابُه وأَجْرُه بعدَ مَوْتِه.
وهي مِن لُطْفِ اللَّهِ بعِبادِه، ورحمتِه بهم، حِينَما أباحَ لهم مِن أموالِهم عندَ خُرُوجِهم مِن الدنيا أنْ يَتَزَوَّدُوا لآخِرَتِهم بنصيبٍ منها.
ولهذا جَاءَفي بعضِ الأحاديثِ القُدُسِيَّةِ قولُ اللَّهِ تعالى: ((يَا ابْنَ آدَمَ, جَعَلْتُ لَكَ نَصِيباً مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظَمِكَ، لأُطَهِّرَكَ بِهِ وَأُزَكِّيَكَ)).
وتَجْرِي في الوَصِيَّةِ الأحْكامُ الخَمْسَةُ:
1- تَجِبُ علَى مَن عليهِ حَقٌّ بلا بَيِّنَةٍ.
2- تَحْرُمُ على مَن له وَارِثٌ، إذا وَصَّى بأكْثَرَ مِن الثُّلُثِ، أو وَصَّى لوَارِثٍ بشَيْءٍ, ما لَمْ تُجِزِ الوَرَثَةُ.
3- تُسَنُّ لمَن تَرَكَ خَيْراً كَثِيراً بالثُّلُثِ فأقَلَّ.
4- تُكْرَهُ لفَقِيرٍ، وَارِثُه مُحْتاجٌ.
5- تُباحُ لفَقِيرٍ إنْ كَانَ وَرَثَتُه أغنياءَ.
830- وعَنِ ابنِِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما ـ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ: ((مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرداتُ الحَديثِ:
- ما حَقُّ امْرِئٍ: (مَا) نَافِيَةٌ بمعنى لَيْسَ، و (حَقُّ) مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُه المُسْتَثْنَى.
- مُسْلِمٍ: صِفَةٌ أُولَى.
- لَهُ شَيْءٌ: صِفَةٌ ثَانِيَةٌ، يُرِيدُ أنْ يُوصِيَ، صِفَةٌ لشَيْءٍ.
- يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ: صِفَةٌ ثَالِثَةٌ, ومَفْعولُ((يَبِيتُ)):((لَيْلَتَيْنِ)), وقَيَّدَ باللَّيْلَتَيْنِ تأكيداً، وليسَ تحديداً، وهو تَسامُحٌ في إرادةِ المُبالَغَةِ، أي: سَامَحْنَاهُ في هذا المِقْدارِ، فلا يَنْبَغِي أنْ يَتَجَاوَزَهُ.
- ووَصِيَّتُهُ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، مَرْبُوطَةٌ بالوَاوِ والضَّمِيرِ.
والوَصِيَّةُ: في الشَّرْعِ: عَهْدٌ خَاصٌّ مُضافٌ إلى ما بعدَ المَوْتِ.
* ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- يَحُضُّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ أُمَّتَه على المُبادَرَةِ إلى فِعْلِ الخَيْرِ باغتنامِ الوَصِيَّةِ قبلَ فَوَاتِها، فأَرْشَدَهم إلى أنَّه ليسَ مِن الحقِّ والحَزْمِ لمَن عندَه شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ أَنْ يُهْمِلَهُ، حتى تَمْضِيَ عليهِ المُدَّةُ الطَّويلَةُ، بل عليهِ أَنْ يُبَادِرَ إلى كِتابَتِه وبَيانِه، وغايةُ مَا يُسْمَحُ به مِن التأخيرِ اللَّيْلَةُ واللَّيْلَتَانِ، فإنَّ الإنسانَ لا يَدْرِي ما يَعْرِضُ له في هذه الحياةِ.
فكانَ مِن حِرْصِ ابنِ عُمَرَ وأمثالِه أنه كانَ يَتَعاهَدُ وَصِيَّتَه كلَّ لَيْلَةٍ، قالَ الشافِعِيُّ: معناهُ: مَا الحَزْمُ والاحتياطُ لمُسْلِمٍ إلاَّ أنْ تَكونَ وَصِيَّتُه مَكْتُوبَةً عندَه.
2- مَشْرُوعِيَّةُ الوَصِيَّةِ, وعليها إجماعُ العلماءِ، وعُمْدَةُ الإجماعِ الكتابُ والسُّنَّةُ.
3- أنها قِسْمانِ:
(أ‌) مُسْتَحَبٌّ.
(ب‌) وَاجِبٌ.
فالمُسْتَحَبُّ: ما كانَ للتطَوُّعاتِ والقُرُباتِ.
والواجِبُ: في الحُقوقِ الوَاجِبَةِ، التي ليسَ فيها بَيِّنَةٌ تُثْبِتُها بعدَ وَفاتِه؛ لأنَّ ما لا يَتِمُّ الوَاجِبُ إلاَّ به، فهو وَاجِبٌ.
وذَكَرَ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ أنَّ هذا الحديثَ مَحمولٌ على النوعِ الواجِبِ.
4- قولُه: ((يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ)) اسْتَدَلَّ بهِ جُمهورُ العُلماءِ على أنَّ الوَصِيَّةَ بشَيْءٍ مِن المالِ صَدَقَةٌ لوَجْهِ اللَّهِ تعالى مُسْتَحَبَّةٌ, وليسَتْ بوَاجِبَةٍ.
قالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: الإجماعُ على عَدَمِ وُجوبِها، وأنَّه لو لَمْ يُوصِ لَقُسِّمَ مَالُه بينَ وَرَثَتِه بالإجماعِ، أما الوَصِيَّةُ بأداءِ الدَّيْنِ، ورَدِّ الأماناتِ والودائعِ، فهي الوَصِيَّةُ الوَاجِبَةُ، كما تَقَدَّمَ تَفْصِيلُه.
5- مَشْرُوعِيَّةُ المُبادَرَةِ إليها بياناً لها، وامتثالاً لأَمْرِ الشارِعِ فيها، واسْتِعْداداً للموتِ، وتَبَصُّراً بها وبمَصْرِفِها قبلَ أنْ يَشْغَلَه عنها شَاغِلٌ.
6- أنَّ الكِتَابَةَ المَعْرُوفَةَ تَكْفِي لإثباتِ الوَصِيَّةِ والعَمَلِ بها؛ لأنَّه لَمْ يَذْكُرْ شُهُوداً لها، والخطُّ إذا عُرِفَ بَيِّنَةٌ ووَثِيقَةٌ قَوِيَّةٌ.
7- فَضْلُ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ ومُبادَرَتُه إلى فِعْلِ الخَيْرِ واتِّباعِ الشارِعِ الحكيمِ؛ فقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عنه أنه قالَ: وَلَمْ أَبِتْ لَيْلَةً إِلاَّ وَوَصِيَّتِي مَكْتُوبَةٌ عِنْدِي.
8- قالَ ابنُ دَقِيقِ العيدِ: والتَّرْخِيصُ في اللَّيْلَتَيْنِ والثلاثِ دَفْعٌ للحَرَجِ والعُسْرِ.
9- فيهِ اسْتِحْبَابُ استعمالِ الحَزْمِ وتَدَارُكِ الأُمورِ التي يُخْشَى فَوَاتُها وذَهابُ فُرْصَتِها ووَقْتِها.
10- وفيهِ بَيانُ فَائِدَةِ الكِتَابَةِ وأنه تُحْفَظُ بها العُلومُ، وتُوَثَّقُ بها العُقودُ والأماناتُ, وقدْ نَوَّهَ اللَّهُ تعالى بذِكْرِها، فقالَ: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1].
11- وفيهِ المُحَافَظَةُ على الوَصِيَّةِ بعدَ كِتابَتِها، بأنْ تَكُونَ عندَ المُوصِي، فلا يُهْمِلَها.
12- قالَ شيخُ الإسلامِ: تُنَفَّذُ الوَصِيَّةُ بالخَطِّ المَعْرُوفِ، وكذا الإقرارُ إذا وُجِدَ في دَفْتَرِه، وهو مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وقالَ: إذا كانَ المَيِّتُ يَكْتُبُ ما عليهِ للنَّاسِ في دَفْتَرٍ ونَحْوِه، وله كَاتِبٌ يَكْتُبُ بإذنِه ما عليهِ ونحوَه؛ فإنه يُرْجَعُ في ذلك إلى الكِتابِ الذي بخَطِّه، أو خَطِّ وَكِيلِه، وإقرارُ الوَكِيلِ فيما وُكِّلَ فيهِ مَقْبُولٌ.
13- قالَ الشيخُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ في مَوْضوعِ القَسامةِ: فإنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَحْلِفُ على شَيْءٍ مَا رَآهُ وَلاَ شَهِدَهُ؟ قيلَ: هذا يَدُلُّ على أنَّه يَجوزُ للإنسانِ أَنْ يَحْلِفَ إذا غَلَبَ علَى ظَنِّه أَنَّهُ الأَمْرُ.
ومِن أَمْثِلَةِ ذلك إذا وَجَدَ كِتَابَةَ أبيهِ علَى أَحَدٍ دَيْناً. فيَجوزُ له أنْ يَحْلِفَ بِناءً على غَلَبَةِ الظَّنِّ.
14- قالَ شيخُ الإسلامِ: تَجوزُ الشَّهادَةُ على الخَطِّ أنه خَطُّ فُلانٍ إنْ كَانَ يَعْرِفُه يَقِيناً، ولو لمْ يُعاصِرْه، فالناسُ يَشْهَدُونَ شَهَادَةً لا يَسْتَرِيبُونَ فيها على أنَّ هذا خطُّ فُلانٍ، فمَن عُرِفَ خَطُّه عُمِلَ به.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوصايا, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir