696- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عن أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((مَنْ حَبَسَ العِنَبَ أَيَّامَ القِطَافِ حَتَّى يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْراً، فَقَدْ تَقَحَّمَ النَّارَ عَلَى بَصِيرَةٍ)) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ بإسنادٍ حَسَنٍ.
درجةُ الحديثِ:
قالَ الحافظُ: إسنادُهُ حَسَنٌ.
قالَ في (التلخيصِ): أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، عن مُحَمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ أبي خَيْثَمَةَ بإسنادِهِ، عن بُرَيْدَةَ مَرْفوعاً.
مُفْرَداتُ الحديثِ:
-حَبَسَ العِنَبَ: أبْقَى العِنَبَ حِينَما جاءَ وَقْتُ قِطَافِهِ؛ حتى يَكُونَ زَبِيباً.
-القِطَافُ: بكَسْرِ القَافِ وفَتْحِها هو أوانُ قَطْفِ الثَّمَرِ من الشَّجَرِ.
-تَقَحَّمَ النارَ على بَصِيرَةٍ: بفتحِ التاءِ والقافِ وتشديدِ الحاءِ، آخرُهُ مِيمٌ، رَمَى بنَفْسِهِ في النارِ على عِلْمٍ بالسَّبَبِ المُوجِبِ لدُخولِهِ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1-الخَمْرَةُ تُتَّخَذُ من أشياءَ كَثِيرَةٍ، لكنَّ أكْثَرَ ما يَتَّخِذُونَها من الزَّبيبِ، فمَن تَرَكَ العِنَبَ فلَمْ يَقْطُفْه إِبَّانَ قِطَافِهِ ليَصِيرَ زَبِيباً، فيَبِيعَهُ على الذينَ يَتَّخِذُونَ منه خَمْراً، فقَدْ عَمِلَ السببَ الذي يُوجِبُ له دُخولَ النَّارِ.
وذلك على عِلْمٍ منه بذلك وبصيرةٍ؛ لأنَّهُ أقْدَمَ على المُحَرَّمِ عَالِماً بهِ.
2-عُمومُ الحديثِ يَدُلُّ على تَحْريمِ ذلك، لو كانَ المُشْترِي مِمَّنْ يُقَرُّونَ على شُرْبِها، وهم أهْلُ الكِتابِ من اليَهودِ والنَّصارَى، وذلك أنَّ الكُفَّارَ مُخاطَبُونَ، ومَسْؤولونَ عن أُصولِ الشريعةِ وفروعِها، وأوامرِها ونَواهِيها.
3-قالَ شيخُ الإسلامِ: يَحْرُمُ ذلك، ولو غَلَبَ على ظَنِّهِ ذلك بالقرائِنِ، وهو ظَاهِرُ نَصِّ أحمدَ، وصَوَّبَهُ في ( الإنصافِ ).
4-قالَ تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
قالَ ابْنُ القَيِّمِ: قدْ تَظاهَرَتْ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ على أنَّ القُصودَ في العُقودِ مُعْتَبَرَةٌ، وأنَّها تُؤَثِّرُ في صِحَّةِ العَقْدِ وفَسَادِهِ، وفي حِلِّهِ وحُرْمَتِهِ.
5-يُقاسُ على ذلكَ كُلُّ مَا أعَانَ على مَعْصِيَةٍ كآلاتِ اللَّهْوِ، وتأجيرِ الحَوانِيتِ لمَن يَبِيعُ فيها خَمْراً أو دُخَاناً، أو تَأْجِيرِ بَيْتِهِ لمَن يَتَّخِذُهُ للبِغَاءِ والفَسادِ، أو يَعْمَلُ في مُؤَسَّساتٍ تَعْمَلُ في الرِّبا، وغيرِ ذلك من الأُمورِ الكثيرةِ؛ فإنَّهُ يَحْرُمُ ذلك عليهِ إذا تَيَقَّنَ الأمْرَ، أو غَلَبَ على ظَنِّهِ بطُرُقٍ أُخَرَ.
6-هناكَ أشياءُ يَصْلُحُ أنْ تُسْتَعْمَلَ في الخَيْرِ، ويَصْلُحُ أنْ تُسْتَعْمَلَ في الشرِّ، مثلُ الرَّاديو والتِّلفازِ، وأشْرِطَةِ التَّسْجِيلِ، ونحوِ ذلك، فهذهِ لا تَحْرُمُ؛ لأنَّها كما أنه يُوجَدُ فيها مَفْسَدَةٌ، فإنَّهُ يُوجَدُ فيها مَصْلَحَةٌ، أو مَصَالِحُ، ووُجودُ المَفْسدةِ والمَصْلحةِ في الشيءِ الوَاحِدِ كَثِيرٌ جِدًّا، فمِثْلُ هذا لا يُعْطَى حُكْمَ الحُرْمَةِ مُطْلقاً، وإِنَّما تُعْطَى حُكْمَ الحُرْمَةِ إذا عُلِمَتْ، أو غَلَبَ على ظَنِّكَ أنَّ هذا المُشْتَرِيَ لم يَشْتَرِهِ إِلاَّ للأمرِ المُحَرَّمِ.