24/633 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: رُخِّصَ لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيناً، وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ.
(وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: رُخِّصَ لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيناً وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ).
اعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْلِه تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.فَالمَشْهُورُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ فَرْضِ الصِّيَامِ أَنَّ مَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِيناً وَأَفْطَرَ وَمَنْ شَاءَ صَامَ, ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}. وَقِيلَ: بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.
وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ مِنْهُم ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا هُنَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أَيْ: يُكَلَّفُونَهُ ولا يُطِيقُونَهُ, وَيَقُولُ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ وَالمَرْأَةِ الهَرِمَةِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَنْهُ مَنْ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ.
وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ:عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وَاحِدٍ,{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً}. قَالَ: زَادَ مِسْكِيناً آخَرَ,{فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}. قَالَ: وَلَيْسَتْ مَنْسُوخَةً إلاَّ أَنَّهُ رُخِّصَ لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ ". إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ.
وَفِيهِ أَيْضاً: لا يُرَخَّصُ فِي هَذَا إلاَّ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لا يُطِيقُ الصِّيَامَ أَوْ مَرِيضٍ لا يُشْفَى.
قَالَ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَعَيَّنَ فِي رِوَايَةٍ قَدْرَ الإِطْعَامِ وَأَنَّهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ.
وَأَخْرَجَ أَيْضاً عَن ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي الحَامِلِ وَالمُرْضِعِ أَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ وَلا قَضَاءَ.
وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُمَا يُطْعِمَانِ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِيناً.
وَأَخْرَجَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ ضَعُفَ عَاماً عَن الصَّوْمِ فَصَنَعَ جَفْنَةً مِنْ ثَرِيدٍ فَدَعَا ثَلاثِينَ مِسْكِيناً فَأَشْبَعَهُمْ.
وَفِي المَسْأَلَةِ خِلافٌ بَيْنَ السَّلَفِ, فَالجُمْهُورُ أَنَّ الإِطْعَامَ لازِمٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ لِكِبَرٍ مَنْسُوخٌ فِي غَيْرِهِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِن السَّلَفِ: الإِطْعَامُ مَنْسُوخٌ وَلَيْسَ عَلَى الكَبِيرِ إذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ إطْعَامٌ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ لَهُ الإِطْعَامُ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالأَظْهَرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالمُرَادُ بِالشَّيْخِ العَاجِزُ عَن الصَّوْمِ.
ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَهُ مَوْقُوفٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ المُرَادَ: رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيَّرَ الصِّيغَةَ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ, فَإِنَّ التَّرْخِيصَ إنَّمَا يَكُونُ تَوْقِيفاً. وَفيه أنَّه يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَهِمَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِن الآيَةِ وَهُوَ الأَقْرَبُ.