دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأسيس في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 ذو القعدة 1435هـ/9-09-2014م, 06:40 PM
هبة مجدي محمد علي هبة مجدي محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 656
افتراضي

مقاصد مقّدمة تفسير ابن كثير

المقصد العام للمقدّمة: بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير وعلوم القرآن لتكون مقدّمة ينتفع بها من يقرأ التفسير



المقدّمة

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ):

الحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد فقال: {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} [الفاتحة: 2- 4]، [الكهف: 1- ه]، وافتتح خلقه بالحمد، فقال تعالى: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1]، واختتمه بالحمد، فقال بعد ما ذكر مآل أهل الجنة وأهل النار: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} [الزمر: 75]
فله الحمد في الأولى والآخرة، أي في جميع ما خلق وما هو خالق، هو المحمود في ذلك كله، كما يقول المصلى: ((اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد))؛ ولهذا يلهم أهل الجنة تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس، أي يسبحونه ويحمدونه عدد أنفاسهم؛ لما يرون من عظيم نعمه عليهم، كما قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم * دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [ يونس: 9، 10].
والحمد لله الذي أرسل رسله {مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165]، وختمهم بالنبي الأمي العربي المكي الهادي لأوضح السبل،
قال تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} [الأعراف: 158]، وقال تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19].
فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم، وأسود وأحمر، وإنس وجان، فهو نذير له؛ ولهذا قال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى الأحمر والأسود)). قال مجاهد: يعني: الإنس والجن.

وقد أعلمهم فيه عن الله تعالى أنه ندبهم إلى تفهمه، فقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [ النساء: 82]، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29]، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد: 24].
فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون} [آل عمران: 187]، وقال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} [آل عمران: 77].
فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها.
فعلينا -أيها المسلمون- أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، قال الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون} [الحديد: 16، 17]. ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم.

المقاصد الفرعية
أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير

- أحسن طرق التفسير

إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر.

فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله تعالى: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} [ النساء: 105]، وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [ النحل: 44]
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني: السنة. والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القرآن؛ إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن، وقد استدل الإمام الشافعي، رحمه الله تعالى وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك.
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: ((بم تحكم؟)). قال: بكتاب الله. قال: ((فإن لم تجد؟)). قال: بسنة رسول الله. قال: ((فإن لم تجد؟)). قال: أجتهد برأيي. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)) وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد

وحينئذ، إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.

قال عبد الله -يعني ابن مسعود- : والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته. وقال الأعمش أيضا، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.
ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)).

قال عبد الله -يعني ابن مسعود- : نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا.

ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب، التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) رواه البخاري
و هذه الأحاديث الإسرائيلية على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني؛ ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، ؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وغيره مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم.

ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} [الكهف: 22]، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قل ربي أعلم بعدتهم} فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.

أحسن ما يكون في حكاية الخلاف:

أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم. فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا. فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ، وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور.

افتراضي فصل في كيف نفسر ما لا نجد تفسيره في الوحيين ولا في أقوال الصحابة وفي التحذير من التفسير بالرأي


فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير فعن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها.

وكسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم.
فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي.

هل أقوال التابعين حجة؟

قال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك.

تفسير القرآن بمجرد الرأي

حرام، لما رواه محمد بن جرير، رحمه الله تعالى، حيث عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)).
وهكذا أخرجه الترمذي والنسائي، من طرق، عن سفيان الثوري، به. ورواه أبو داود.

ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى شعبة، عن سليمان، عن عبد الله بن مرة، عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني؟ إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم.

عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: {وفاكهة وأبا} [عبس: 31]، فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر.

وقال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: سأل رجل ابن عباس عن {يوم كان مقداره ألف سنة} [ السجدة: 5]، فقال له ابن عباس: فما {يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [ المعارج: 4]؟ فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدثني. فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه، الله أعلم بهما. فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.

وقال مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: إنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا.

وقال أيوب، وابن عون، وهشام الدستوائي، عن محمد بن سيرين: سألت عبيدة يعني السلماني، عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن فاتق الله، وعليك بالسداد.

فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [آل عمران: 187]، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).

قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله. قال ابن جرير: وقد روي نحوه في حديث في إسناده نظر.

ب: بيان فضل القرآن:

- كتاب فضائل القرآن

قال البخاري، رحمه الله:كيف نزول الوحي وأول ما نزل:



قال ابن عباس: المهيمن الأمين القرآن، أمين على كل كتاب قبله.

وقال ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: المهيمن: الأمين. قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله. وفي رواية: شهيدا عليه. وقال سفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن أبي إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا يزيد عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} [الإسراء: 106]. هذا إسناد صحيح.

ووجه مناسبة هذا الحديث بفضائل القرآن: أنه ابتدئ بنزوله في مكان شريف، وهو البلد الحرام، كما أنه كان في زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان؛ ولهذا يستحب إكثار تلاوة القرآن في شهر رمضان؛ لأنه ابتدئ نزوله فيه؛ ولهذا كان جبريل يعارض به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل سنة في شهر رمضان، فلما كان في السنة التي توفي فيها عارضه به مرتين تأكيدا وتثبيتا.
وأيضا في هذا الحديث بيان أنه من القرآن مكي ومنه مدني، فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة، سواء كان بالمدينة أو بغيرها من أي البلاد كان، حتى ولو كان بمكة أو عرفة. وقد أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر، وأراد بعضهم ضبط ذلك بضوابط في تقييدها عسر ونظر، ولكن قال بعضهم: كل سورة في أولها شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: {يا أيها الذين آمنوا} فهي مدنية وما فيها: {يا أيها الناس} فيحتمل أن يكون من هذا ومن هذا، والغالب أنه مكي. وقد يكون مدنيا كما في البقرة {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 20]، {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} [البقرة: 168].
قال أبو عبيد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا من سمع الأعمش يحدث عن إبراهيم بن علقمة: كل شيء في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه أنزل بالمدينة، وما كان {يا أيها الناس} فإنه أنزل بمكة. ثم قال: حدثنا علي بن معبد، عن أبي المليح، عن ميمون بن مهران، قال: ما كان في القرآن: {يا أيها الناس} و {يا بني آدم} فإنه مكي، وما كان: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه مدني.
ومنهم من يقول: إن بعض السور نزل مرتين، مرة بالمدينة ومرة بمكة، والله أعلم. ومنهم من يستثني من المكي آيات يدعي أنها من المدني، كما في سورة الحج وغيرها.
والحق في ذلك ما دل عليه الدليل الصحيح، فالله أعلم. وقال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون، والتغابن، و{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} و{يا أيها النبي لم تحرم} والفجر، {والليل إذا يغشى} و {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {لم يكن الذين كفروا} و {إذا زلزلت} و {إذا جاء نصر الله} وسائر ذلك بمكة.
وهذا إسناد صحيح عن ابن أبي طلحة مشهور

الحديث الثاني: وقال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا معتمر قال: سمعت أبي عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل، عليه السلام، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من هذا؟)) أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل. أو كما قال، قال أبي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ فقال: من أسامة بن زيد. وهكذا رواه أيضا في علامات النبوة عن عباس بن الوليد النرسي، ومسلم في فضائل أم سلمة عن عبد الأعلى بن حماد ومحمد بن عبد الأعلى كلهم عن معتمر بن سليمان به.
والغرض من إيراد هذا الحديث هاهنا أن السفير بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام وهو ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانة كما قال: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} [الشعراء: 193، 194]، وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون} الآيات [التكوير: 19- 22]. فمدح الرب تبارك وتعالى عبديه ورسوليه جبريل ومحمدا صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث فضيلة عظيمة لأم سلمة، رضي الله عنها -كما بينه مسلم رحمه الله- لرؤيتها لهذا الملك العظيم، وفضيلة أيضا لدحية بن خليفة الكلبي، وذلك أن جبريل، عليه السلام، كان كثيرا ما يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة دحية وكان جميل الصورة، رضي الله عنه، وكان من قبيلة أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي.

الحديث الثالث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)).

وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء، وعلى كل كتاب أنزله، وذلك أن معنى الحديث: ما من نبي إلا أعطي من المعجزات ما آمن عليه البشر، أي: ما كان دليلا على تصديقه فيما جاءهم به واتبعه من اتبعه من البشر، ثم لما مات الأنبياء لم تبق لهم معجزة بعدهم إلا ما يحكيه أتباعهم عما شاهدوه في زمانه، فأما الرسول الخاتم للرسالة محمد صلى الله عليه وسلم فإنما كان معظم ما آتاه الله وحيا منه إليه منقولا إلى الناس بالتواتر، ففي كل حين هو كما أنزل، فلهذا قال: ((فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا))، وكذلك وقع، فإن أتباعه أكثر من أتباع الأنبياء لعموم رسالته ودوامها إلى قيام الساعة، واستمرار معجزته؛ ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان: 1]، وقال تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88]، ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} [هود: 13] ثم تحداهم إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فقال: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} [يونس: 38]، وقصر التحدي على هذا المقام في السور المكية كما ذكرنا وفي المدنية أيضا كما في سورة البقرة، حيث يقول تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} [البقرة: 23، 24] فأخبرهم بأنهم عاجزون عن معارضته بمثله، وأنهم لا يفعلون ذلك في المستقبل أيضا، وهذا وهم أفصح الخلق وأعلمهم بالبلاغة والشعر وقريض الكلام وضروبه، لكن جاءهم من الله ما لا قبل لأحد من البشر به من الكلام الفصيح البليغ، الوجيز، المحتوي على العلوم الكثيرة الصحيحة النافعة، والأخبار الصادقة عن الغيوب الماضية والآتية، والأحكام العادلة والمحكمة، كما قال تعالى: {وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا} [الأنعام: 115].

ذكر محمد بن كعب القرظي عن الحارث بن عبد الله الأعور قال: قلت: لآتين أمير المؤمنين، فلأسألنه عما سمعت العشية قال فجئته بعد العشاء، فدخلت عليه، فذكر الحديث. قال: ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني جبريل فقال: يا محمد، أمتك مختلفة بعدك)). قال: ((فقلت له: فأين المخرج يا جبريل؟)) قال: فقال: "كتاب الله به يقصم الله كل جبار، من اعتصم به نجا، ومن تركه هلك، مرتين، قول فصل وليس بالهزل، لا تخلقه الألسن، ولا تفنى عجائبه، فيه نبأ من كان قبلكم، وفصل ما بينكم، وخبر ما هو كائن بعدكم" هكذا رواه الإمام أحمد.

عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله عز وجل، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، لا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم الم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر)).

الحديث الرابع: قال أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد.

ومعناه: أن الله تعالى تابع نزول الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كل وقت بما يحتاج إليه، ولم تقع فترة بعد الفترة الأولى التي كانت بعد نزول الملك أول مرة بقوله: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] فإنه استلبث الوحي بعدها حينا يقال: قريبا من سنتين أو أكثر، ثم حمي الوحي وتتابع، وكان أول شيء نزل بعد تلك الفترة {يا أيها المدثر * قم فأنذر} .

الحديث الخامس: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندبا يقول: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا تركك، فأنزل الله تعالى: {والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى} [ الضحى: 1- 3].
والمناسبة في ذكر هذا الحديث والذي قبله في فضائل القرآن: أن الله تعالى له برسوله عناية عظيمة ومحبة شديدة، حيث جعل الوحي متتابعا عليه ولم يقطعه عنه؛ ولهذا إنما أنزل عليه القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام.
قال البخاري، رحمه الله: نزل القرآن بلسان قريش والعرب، قرآنا عربيا، بلسان عربي مبين، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب عن الزهري: أخبرني أنس بن مالك قال: فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم، ففعلوا.

وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن الحضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأ يابن حضير، اقرأ يابن حضير)). قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها قال: ((أو تدري ما ذاك؟)). قال: لا قال: (( تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)).

وقال أبو عبيد: حدثني عبد الله بن صالح، عن الليث، عن ابن شهاب، عن ابن كعب بن مالك، عن أسيد بن حضير: أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه.

وحدثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير قال: "قلت: يا رسول الله، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفي، حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)) مرتين قال: فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)). فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: ((تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب)) ".


حدثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن زيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح؟ قال: ((فلعله قرأ سورة البقرة)). قال: فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة.
وفي الحديث المشهور الصحيح: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم عن أبي هريرة.
ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78]، وجاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده.
وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)).

تابع
ب: بيان فضل القرآن:

- فضل القرآن وما جاء في أنه تِركَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم



حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل:" أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين". تفرد به البخاري
ومعناه: أنه، عليه السلام، ما ترك مالا ولا شيئا يورث عنه، كما قال عمرو بن الحارث أخو جويرية بنت الحارث: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا.
وفي حديث أبي الدرداء: ((إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
ولهذا قال ابن عباس: وإنما ترك ما بين الدفتين يعني: القرآن، والسنة مفسرة له ومبينة وموضحة له، فهي تابعة له، والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} الآية [فاطر: 32]، فالأنبياء، عليهم السلام، لم يخلقوا للدنيا يجمعونها ويورثونها، إنما خلقوا للآخرة يدعون إليها ويرغبون فيها؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))
وكان أول من أظهر هذه المحاسن من هذا الوجه أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، لما سئل عن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر عنه بذلك، ووافقه على نقله عنه، عليه السلام، غير واحد من الصحابة.

فضل القرآن على سائر الكلام

عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)).

ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث: أن طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما، فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر.

ثم قال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود فقال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر؟ فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء! قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من شئت)).

وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم الذي شرفه الله تعالى على كل كتاب أنزله، جعله مهيمنا عليه، وناسخا له، وخاتما له؛ لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة، وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى، فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى، والنصارى من ثم إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة، وهو المشبه بآخر النهار، وأعطى الله المتقدمين قيراطا قيراطا، وأعطى هؤلاء قيراطين قيراطين، ضعفي ما أعطى أولئك، فقالوا: أي ربنا، ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ فقال: هل ظلمتكم شيئا؟ قالوا: لا قال: فذلك فضلي أي: الزائد على ما أعطيتكم أؤتيه من أشاء كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم * لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} [الحديد: 28، 29].

تابع

ب: بيان فضل القرآن:



-الوصايا بكتاب الله

حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا مالك بن مغول، حدثنا طلحة بن مصرف قال: "سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله، عز وجل".
وقد رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة، إلا أبا داود من طرق عن مالك بن مغول به وهذا نظير ما تقدم عن ابن عباس: "ما ترك إلا ما بين الدفتين"، وذلك أن الناس كتب عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180].
وأما هو صلى الله عليه وسلم فلم يترك شيئا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك ولم يوص إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ ولهذا لما هم بالوصية إلى أبي بكر ثم عدل عن ذلك فقال: ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) وكان كذلك، وإنما أوصى الناس باتباع كتاب الله تعالى.

من لم يتغن بالقرآن


وقول الله تعالى:{أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} [العنكبوت: 51].

حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))،
قال سفيان: تفسيره: يستغني به، وقد أخرجه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينة ومعناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك.

وهو، سبحانه وتعالى، يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم، كما قال تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} الآية [يونس: 61]، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم، ومنهم من فسر الأذن هاهنا بالأمر، والأول أولى لقوله: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن" أي: يجهر به، والأذن: الاستماع؛ لدلالة السياق عليه، وكما قال تعالى: {إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت} [الانشقاق: 1- 5] أي: استمعت لربها {وحقت} وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه، فالأذن هاهنا هو الاستماع؛ ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجة بسند جيد عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)).
وقال سفيان بن عيينة: إن المراد بالتغني: يستغني به، فإن أراد: أنه يستغني عن الدنيا، وهو الظاهر من كلامه الذي تابعه عليه أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره، فخلاف الظاهر من مراد الحديث؛ لأنه قد فسره بعض رواته بالجهر، وهو تحسين القراءة والتحزين بها.


فصل
في إيراد أحاديث في معنى الباب وذكر
أحكام التلاوة بالأصوات

عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن، فقال: ((تعلموا كتاب الله واقتنوه)). قال: وحسبت أنه قال: ((وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض من العقل)).

ثم قال أبو عبيد: حدثنا أبو اليمان، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن المهاصر بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه واقتنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون)) وهذا مرسل.
ثم قال أبو عبيد: قوله: ((تغنوه)): يعني: اجعلوه غناءكم من الفقر، ولا تعدوا الإقلال منه فقرا. وقوله: ((واقتنوه))، يقول: اقتنوه، كما تقتنون الأموال: اجعلوه مالكم.
وقال أبو عبيد: حدثني هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة، عن الأوزاعي، حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)).
قال أبو عبيد: هذا الحديث بعضهم يزيد في إسناده يقول: عن إسماعيل بن عبيد الله عن مولى فضالة عن فضالة، وهكذا رواه ابن ماجة، عن راشد بن سعيد بن أبي راشد، عن الوليد، عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله عن ميسرة مولى فضالة عن فضالة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)).
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا محمد بن حميد، حدثنا سلمة بن الفضل، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن أبي مليكة، حدثنا القاسم بن محمد، حدثنا السائب قال: قال لي سعد: يابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: غن به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا، فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا)).
وقد روى أبو داود من حديث الليث وعمرو بن دينار كلاهما عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)).
ورواه ابن ماجة من حديث ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن السائب، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا)).
وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سعيد بن حسان المخزومي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال وكيع: يعني: يستغنى به.

فقد فهم من هذا أن السلف، رضي الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما قاله الأئمة، رحمهم الله، ويدل على ذلك -أيضا- ما رواه أبو داود حيث قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن طلحة، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)).

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة قال: نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث: ((زينوا القرآن بأصواتكم)).
قال أبو عبيد: وإنما كره أيوب فيما نرى، أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الألحان المبتدعة، فلهذا نهاه أن يحدث به.
قلت: ثم إن شعبة رحمه الله روى الحديث متوكلا على الله، كما روي له، ولو ترك كل حديث يتأول مبطله لترك من السنة شيء كثير، بل قد تطرقوا إلى تأويل آيات كثيرة من القرآن وحملوها على غير محاملها الشرعية المرادة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والمراد من تحسين الصوت بالقرآن:
تطريبه وتحزينه والتخشع به، كما رواه الحافظ الكبير بقي بن مخلد رحمه الله، حيث قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة)). قلت: أما والله لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا. ورواه مسلم من حديث طلحة به وزاد: ((لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ". وسيأتي هذا في بابه حيث يذكره البخاري، والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا، فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه، وقد كان أبو موسى كما قال، عليه السلام، قد أعطي صوتا حسنا.

وقال ابن ماجة: حدثنا العباس بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحي يحدث عن عائشة قالت: "أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: ((أين كنت؟)). قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) ". إسناد جيد.
وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قال: قراءة منه. وفي بعض ألفاظه: فلما سمعته قرأ: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} [الطور: 35]، خلت أن فؤادي قد انصدع. وكان جبير لما سمع هذا بعد مشركا على دين قومه، وإنما كان قدم في فداء الأسارى بعد بدر، وناهيك بمن تؤثر قراءته في المشرك المصر على الكفر! وكان هذا سبب هدايته ولهذا كان أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب، كما قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ليث، عن طاوس قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله.
وحدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله.
وحدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعن الحسن بن مسلم، عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله)) ".
والغرض أن المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك، كما قال الإمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام، رحمه الله:
حدثنا نعيم بن حماد، عن بقية بن الوليد، عن حصين بن مالك الفزاري: سمعت شيخا يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابيين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)).
وحدثنا يزيد، عن شريك، عن أبي اليقظان عثمان بن عمير، عن زاذان أبي عمر، عن عليم قال: "كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال يزيد: لا أعلمه إلا قال: عابس الغفاري، فرأى الناس يخرجون في الطاعون فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقالوا: تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال: إني أبادر خصالا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء" وذكر خلتين أخرتين.
وحدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن ليث بن أبي سليم، عن عثمان بن عمير، عن زاذان، عن عابس الغفاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أو نحوه. وحدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن الأعمش، عن رجل، عن أنس بن مالك: أنه سمع رجلا يقرأ القرآن بهذه الألحان التي أحدث الناس، فأنكر ذلك ونهى عنه.
هذه طرق حسنة في باب الترهيب، وهذا يدل على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه، والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا روح، حدثنا عبيد الله بن الأخنس، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)).
ثم قال: وإنما ذكرناه لأنهم اختلفوا على ابن أبي مليكة فيه، فرواه ابن عبد الجبار بن الورد عنه عن أبي لبابة، ورواه عمرو بن دينار والليث عنه عن ابن أبي نهيك عن سعد، ورواه عسل بن سفيان عنه، عن عائشة ورواه نافع مولى ابن عمر عنه، عن ابن الزبير.

اغتباط صاحب القرآن

حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)).
انفرد به البخاري من هذا الوجه، واتفقا على إخراجه من رواية سفيان عن الزهري ثم قال البخاري: حدثنا علي بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن سليمان: سمعت ذكوان، عن أبي هريرة؛ "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار))، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ((ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق))، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل".
ومضمون هذين الحديثين: أن صاحب القرآن في غبطة وهو حسن الحال، فينبغي أن يكون شديد الاغتباط بما هو فيه، ويستحب تغبيطه بذلك، يقال: غبطه يغبطه بكسر الباء غبطا: إذا تمنى مثل ما هو فيه من النعمة.

الفرق بين الغبطة والحسد

وهذا بخلاف الحسد المذموم وهو تمني زوال نعمة المحسود عنه، سواء حصلت لذلك الحاسد أو لا وهذا مذموم شرعا، مهلك، وهو أول معاصي إبليس حين حسد آدم، عليه السلام، على ما منحه الله تعالى من الكرامة والاحترام والإعظام. والحسد الشرعي الممدوح هو تمني مثل حال ذلك الذي هو على حالة سارة؛ ولهذا قال عليه السلام: ((لا حسد إلا في اثنتين))، فذكر النعمة القاصرة وهي تلاوة القرآن آناء الليل والنهار، والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار "، كما قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور} [فاطر: 29]

وقريب من هذا ما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبادة بن مسلم، حدثني يونس بن خباب، عن سعيد أبي البختري الطائي، عن أبي كبشة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، فأما الثلاث التي أقسم عليهن: فإنه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فيصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر، وأما الذي أحدثكم حديثا فاحفظوه))، فإنه قال: ((إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه، ويعلم لله فيه حقه))

قال: ((فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول: لو كان لي مال عملت بعمل فلان)) قال: ((فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقه، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مال لفعلت بعمل فلان)). قال: ((هي نيته فوزرهما فيه سواء)).
وقال أيضا: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الوزر سواء)). إسناد صحيح

خيركم من تعلم القرآن وعلمه


عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال:وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا.


والغرض أنه، عليه الصلاة والسلام، قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) وهذه من صفات المؤمنين المتبعين للرسل، وهم الكمل في أنفسهم، المكملون لغيرهم، وذلك جمع النفع القاصر والمتعدي، وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين الذين لا ينفعون، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب} [النحل: 88]، وكما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} [الأنعام: 26]، في أصح قولي المفسرين في هذا، وهو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن مع نأيهم وبعدهم عنه أيضا، فجمعوا بين التكذيب والصد، كما قال تعالى: {فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها} [الأنعام: 157]،

فهذا شأن الكفار، كما أن شأن خيار الأبرار أن يكمل في نفسه وأن يسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وكما قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} [ فصلت: 33]، فجمع بين الدعوة إلى الله سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى الله تعالى من تعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك، مما يبتغى به وجه الله، وعمل هو في نفسه صالحا، وقال قولا صالحا، فلا أحد أحسن حالا من هذا. وقد كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي -أحد أئمة الإسلام ومشايخهم- من رغب في هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين سنة، رحمه الله، وآتاه الله ما طلبه ودامه. آمين.

هل يجوز أخذ أجرة على تعليم القرآن؟


قال البخاري، رحمه الله: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا حماد عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: ((ما لي في النساء من حاجة)). فقال رجل: زوجنيها قال: ((أعطها ثوبا))، قال: لا أجد، قال: ((أعطها ولو خاتما من حديد))، فاعتل له، فقال: ((ما معك من القرآن؟)). قال: كذا وكذا. فقال: ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)).

والغرض منه أن الذي قصده البخاري أن هذا الرجل تعلم الذي تعلمه من القرآن، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه تلك المرأة، ويكون ذلك صداقا لها على ذلك، وهذا فيه نزاع بين العلماء، وهل يجوز أن يجعل مثل هذا صداقا؟ أو هل يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن؟ وهل هذا كان خاصا بذلك الرجل؟ وما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((زوجتكها بما معك من القرآن))؟ أبسبب ما معك من القرآن؟ كما قاله أحمد بن حنبل:نكرمك بذلك أو بعوض ما معك، وهذا أقوى، لقوله في صحيح مسلم: ((فعلمها)) وهذا هو الذي أراده البخاري هاهنا وتحرير باقي الخلاف مذكور في كتاب النكاح والإجارات، والله المستعان.

ما جاء من أقوال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه



روى الطبراني، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، قال: قال ابن مسعود: كل آية في كتاب الله خير مما في السماء والأرض.

ومن طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن مرة قال ابن مسعود: من أراد العلم فليثور من القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين.

ومن حديث الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد عن سيار أبي الحكم، عن ابن مسعود أنه قال: أعربوا هذا القرآن فإنه عربي، وسيجيء قوم يثقفونه وليسوا بخياركم.
والثوري، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في ياء أو تاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن فإنه مذكر.

وقال عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن شداد بن معقل، سمعت ابن مسعود يقول: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا خلاق لهم، ولينزعن القرآن من بين أظهركم. قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يسرى على القرآن ليلا فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء -وفي رواية: لا يبقى في مصحف منه شيء- ويصبح الناس فقراء كالبهائم. ثم قرأ عبد الله: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} [الإسراء: 86].

وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثني شعبة، عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه قال: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز.
ومن طريق الأعمش، عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يقل الصوم، فيقال له في ذلك، فيقول: إني إذا صمت ضعفت عن القراءة والصلاة، والقراءة والصلاة أحب إلي.

المقصد الفرعي الثالث :


ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف:


- معارضة النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالقرآن



ثم قال البخاري، رحمه الله:
كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم
قال مسروق عن عائشة، عن فاطمة، رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي. هكذا ذكره معلقا وقد أسنده في موضع آخر.
ثم قال: حدثنا يحيى بن قزعة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبد الله بن عبيد الله، عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة".

ثم قال: حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا أبو بكر، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".

والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة: مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى، ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا؛ ولهذا عرضه في السنة الأخيرة من عمره، عليه السلام اقتراب أجله، على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك؛ ولهذا فهم، عليه السلام، اقتراب أجله، وعثمان، رضي الله عنه، جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة، رضي الله عنه وأرضاه وخص بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه؛ ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه، ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن، كما تقدم ذكرنا لذلك.

القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم


حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن إبراهيم، عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.

فهؤلاء الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة، وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وهما سيدان كبيران، رضي الله عنهم أجمعين.

ثم قال: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك.

حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت)) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد.

حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.

يجوز إخبار الرجل عن نفسه للحاجة

وهذا كله حق وصدق، وهو من إخبار الرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره، فيجوز ذلك للحاجة، كما قال تعالى إخبارا عن يوسف لما قال لصاحب مصر: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} [يوسف: 55].
وقال أبو عبيد: حدثنا مصعب بن المقدام عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)). وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش به مطولا وفيه قصة وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي معاوية به وصححه الدارقطني وقد ذكرته في مسند عمر وفي مسند الإمام أحمد -أيضا- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.
ثم قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام.

حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا، ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار، وهم أبي بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختلف في اسمه فقال الواقدي: اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.

وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس. وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البر، وهذا بعيد وقول الواقدي أصح لأنه خزرجي؛ لأن أنسا قال: ونحن ورثناه، وهم من الخزرج، وفي بعض ألفاظه وكان أحد عمومتي. وقال قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت.
فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.

فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي، وقد شهد أبو زيد هذا بدرا، فيما ذكره غير واحد. وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قتل أبو زيد قيس بن السكن يوم جسر أبي عبيدة على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة، والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم. هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري.
ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة -كما سنذكره- وعلي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل، وقد قدمنا هذا. ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه. ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا. ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن،

وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. ومنهم عبد الله بن عمرو، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)). وذكر تمام الحديث.
ثم قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة: 106].
وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر؛ ولهذا قال الإمام مالك: ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر، أي: فكله مقبول، صلوات الله وسلامه عليه. ثم ذكر البخاري فضل فاتحة الكتاب وغيرها، وسنذكر فضل كل سورة عندها ليكون ذلك أنسب.

جمع القرآن قبل خلافة عثمان رضي الله عنه


قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر -مقتل أهل اليمامة- فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان علي أثقل مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، رضي الله عنهم.

وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق، رضي الله عنه، فإنه أقامه الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم مقاما لا ينبغي لأحد بعده، قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله، وكان هذا من سر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فجمع الصديق الخير وكف الشرور، رضي الله عنه وأرضاه. ولهذا روي غير واحد من الأئمة منهم وكيع وابن مهدي وقبيصة عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. هذا إسناده صحيح.
وقال أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف: حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، أن أبا بكر هو الذي جمع القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ولهذا قال زيد بن ثابت: وجدت آخر سورة التوبة، يعني قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين [التوبة: 128، 129]، مع أبي خزيمة الأنصاري، وفي رواية: مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين لم أجدها مع غيره فكتبوها عنه لأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين في قصة الفرس التي ابتاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعرابي، فأنكر الأعرابي البيع، فشهد خزيمة هذا بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمضى شهادته وقبض الفرس من الأعرابي. والحديث رواه أهل السنن وهو مشهور، وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية أن أبي بن كعب أملاها عليهم مع خزيمة بن ثابت.
وأما قول زيد بن ثابت: "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال" وفي رواية: "من العسب والرقاع والأضلاع، وفي رواية: "من الأكتاف والأقتاب وصدور الرجال".
أما العسب فجمع عسيب. قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: وهو من السعف فويق الكرب لم ينبت عليه الخوص، وما نبت عليه الخوص فهو السعف.
واللخاف: جمع لخفة وهي القطعة من الحجارة مستدقة، كانوا يكتبون عليها وعلى العسب وغير ذلك، مما يمكنهم الكتابة عليه بما يناسب ما يسمعونه من القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من لم يكن يحسن الكتابة أو يثق بحفظه، فكان يحفظه، فتلقاه زيد بن ثابت من هذا من عسيبه، ومن هذا من لخافه، ومن صدر هذا، أي من حفظه، وكانوا أحرص شيء على أداء الأمانات وهذا من أعظم الأمانة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أودعهم ذلك ليبلغوه إلى من بعده كما قال الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67]، ففعل، صلوات الله وسلامه عليه، ما أمر به؛ ولهذا سألهم في حجة الوداع يوم عرفة على رؤوس الأشهاد، والصحابة أوفر ما كانوا مجتمعين، فقال: ((إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟)). فقالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يشير بأصبعه إلى السماء، وينكبها عليهم ويقول: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)). رواه مسلم عن جابر. وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب وقال: ((بلغوا عني ولو آية)) يعني: ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة فليؤدها إلى من وراءه، فبلغوا عنه ما أمرهم به، فأدوا القرآن قرآنا، والسنة سنة، لم يلبسوا هذا بهذا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((من كتب عني سوى القرآن فليمحه)) أي: لئلا يختلط بالقرآن، وليس معناه: ألا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم.
فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم إلا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة، فكان الذي فعله الشيخان أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله في الصحف؛ لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته وكانت عند أم المؤمنين رضي الله عنها، حتى أخذها منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن


قال البخاري رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك، حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، التمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23]، فألحقناها في سورتها في المصحف.
وهذا -أيضا- من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة، وإنما روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق حتى قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا.
وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة، والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعان أيضا، وليس في توراة السامرة حرف الهمزة ولا حرف الياء، والنصارى -أيضا- بأيديهم توراة يسمونها العتيقة وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة، وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة: إنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وهي مختلفة -أيضا- اختلافا كثيرا، وهذه الأناجيل الأربعة كل منها لطيف الحجم منها ما هو قريب من أربع عشرة ورقة بخط متوسط، ومنها ما هو أكبر من ذلك إما بالنصف أو بالضعف، ومضمونها سيرة عيسى وأيامه وأحكامه وكلامه وفيه شيء قليل مما يدعون أنه كلام الله، وهي مع هذا مختلفة، كما قلنا، وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف والتبديل، ثم هما منسوخان بعد ذلك بهذه الشريعة المحمدية المطهرة.
فلما قال حذيفة لعثمان ذلك أفزعه وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التي عندها مما جمعه الشيخان ليكتب ذلك في مصحف واحد، وينفذه إلى الآفاق، ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه، ففعلت حفصة وأمر عثمان هؤلاء الأربعة وهم زيد بن ثابت الأنصاري، أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أحد فقهاء الصحابة ونجبائهم علما وعملا وأصلا وفضلا وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، وكان كريما جوادا ممدحا، وكان أشبه الناس لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخا، وإذا اختلفوا في وضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء، فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت فترافعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم.
وكان عثمان -والله أعلم- رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين؛ ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه؛ ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته؛ فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرا. وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان، رضي الله عنه، والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و{هل أتاك حديث الغاشية}، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و{اقتربت الساعة}، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان}.
وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم. وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف.
ثم إن عثمان رد الصحف إلى حفصة، فلم يزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق، مصحفا إلى أهل مكة، ومصحفا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة مصحفا، رواه أبو بكر بن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، سمعه يقوله. وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف. وهذا غريب، وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق، وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم، وإنما نقم عليه ذلك أولئك الرهط الذين تمالؤوا عليه وقتلوه، قاتلهم الله، وفي ذلك جملة ما أنكروا مما لا أصل له، وأما سادات المسلمين من الصحابة، ومن نشأ في عصرهم ذلك من التابعين، فكلهم وافقوه.
قال أبو داود الطيالسي وابن مهدي وغندر عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن رجل، عن سويد بن غفلة، قال علي حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته.
وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
وحدثنا أحمد بن سنان قال: سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.
وأما عبد الله بن مسعود فقد قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حميد بن مالك قال: لما أمر عثمان بالمصاحف -يعني بتحريقها- ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل، فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة.
ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وزيد صبي، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو بكر: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا أبو شهاب، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]، غلوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق، فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله. وقول أبي وائل: "فما أحد ينكر ما قال"، يعني: من فضله وعلمه وحفظه، والله أعلم.
وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد. قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء.
وقال أبو بكر بن أبي داود:
باب رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك:

حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان العجلي قالا حدثنا أبو أسامة، حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف -أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم.
وقال أبو بكر أيضا: حدثنا عمي، حدثنا أبو رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: يا أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون: قراءة أبي وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، وأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا فناشدهم: لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد، وليكتب زيد. فكتب زيد مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون قد أحسن. إسناد صحيح.
وقال أيضا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أبو بكر، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها، قال: وكان عثمان يتعاهدهم، وكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فقلت لكثير -وكان فيهم فيمن يكتب- : هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله. صحيح أيضا.
قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة، رضي الله عنها، فلما جمعها عثمان، رضي الله عنه، في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها، لأنها هي بعينها الذي كتبه، وإنما رتبه، ثم إنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها، فما زالت عندها حتى ماتت، ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول عثمان، كما رواه أبو بكر بن أبي داود:
حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.
وأما ما رواه الزهري عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب وإلحاقهم إياها في سورتها، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف كما جاء مصرحا به في غير هذه الرواية عن الزهري، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت، والدليل على ذلك أنه قال: "فألحقناها في سورتها من المصحف" وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية. فهذه الأفعال من أكبر القربات التي بادر إليها الأئمة الراشدون أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، حفظا على الناس القرآن، جمعاه لئلا يذهب منه شيء، وعثمان، رضي الله عنه، جمع قراءات الناس على مصحف واحد ووضعه على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره، عليه الصلاة والسلام، فإنه عارضه به عامئذ مرتين؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته لما مرض: ((وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي)). أخرجاه في الصحيحين.
وقد روي أن عليا، رضي الله عنه، أراد أن يجمع القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبا بحسب نزوله أولا فأولا كما رواه ابن أبي داود حيث قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أقسم علي ألا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل، فأرسل، إليه أبو بكر، رضي الله عنه، بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة. فبايعه ثم رجع. هكذا رواه وفيه انقطاع، ثم قال: لم يذكر المصحف أحد إلا أشعث وهو لين الحديث وإنما رووا حتى أجمع القرآن، يعني أتم حفظه، فإنه يقال للذي يحفظ القرآن: قد جمع القرآن.
قلت: وهذا الذي قاله أبو بكر أظهر، والله أعلم، فإن عليا لم ينقل عنه مصحف على ما قيل ولا غير ذلك، ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني، يقال: إنها بخط علي، رضي الله عنه، وفي ذلك نظر، فإنه في بعضها: كتبه علي بن أبي طالب، وهذا لحن من الكلام ؛ وعلي، رضي الله عنه، من أبعد الناس عن ذلك فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو، فيما رواه عنه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي، وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده، ثم أخذه الناس عن أبي الأسود فوسعوه ووضحوه، وصار علما مستقلا.
وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد كانت قديما بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثمان عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم، زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما.
فأما عثمان، رضي الله عنه، فما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه، ربما وغيره، فنسبت إلى عثمان لأنها بأمره وإشارته، ثم قرئت على الصحابة بين يدي عثمان، ثم نفذت إلى الآفاق، رضي الله عنه، وقد قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا قريش بن أنس، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى بني أسيد، قال: لما دخل المصريون على عثمان ضربوه بالسيف على يده فوقعت على: {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} [البقرة: 137]، فمد يده وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل.
وقال أيضا: حدثنا أبو طاهر، حدثنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن مصحف عثمان، فقال لي: ذهب. يحتمل أنه سأله عن المصحف الذي كتبه بيده، ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذي تركه في المدينة، والله أعلم.
قلت: وقد كانت الكتابة في العرب قليلة جدا، وإنما أول ما تعلموا ذلك ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيره: أن بشر بن عبد الملك أخا أكيدر دومة تعلم الخط من الأنبار، ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية فعلمه حرب بن أمية وابنه سفيان، وتعلمه عمر بن الخطاب من حرب بن أمية، وتعلمه معاوية من عمه سفيان بن حرب، وقيل: إن أول من تعلمه من الأنبار قوم من طيئ من قرية هناك يقال لها: بقة، ثم هذبوه ونشروه في جزيرة العرب فتعلمه الناس. ولهذا قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، إن شاء الله حدثنا سفيان عن مجاهد عن الشعبي قال: سألنا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الحيرة. وسألنا أهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار.
قلت: والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المكتوفة ثم هذبها أبو علي بن مقلة الوزير، وصار له في ذلك منهج وأسلوب في الكتابة، ثم قربها علي بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب وسلك الناس وراءه. وطريقته في ذلك واضحة جيدة. والغرض أن الكتابة لما كانت في ذلك الزمان لم تحكم جيدا، وقع في كتابة المصاحف اختلاف في وضع الكلمات من حيث صناعة الكتابة لا من حيث المعنى، وصنف الناس في ذلك، واعتنى بذلك الإمام الكبير أبو عبيد القاسم بن سلام، رحمه الله، في كتابه فضائل القرآن والحافظ أبو بكر بن أبي داود، رحمه الله، فبوبا على ذلك وذكر قطعة صالحة هي من صناعة القرآن، ليست مقصدنا هاهنا؛ ولهذا نص الإمام مالك، رحمه الله، على أنه لا توضع المصاحف إلا على وضع كتابة الإمام، ورخص في ذلك غيره، واختلفوا في الشكل والنقط فمن مرخص ومن مانع، فأما كتابة السور وآياتها والتعشير والأجزاء والأحزاب فكثير في مصاحف زماننا، والأولى اتباع السلف الصالح.

قال البخاري، رحمه الله:
تأليف القرآن

حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور.

وفي الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة. وهذا محرر في باب الكفن من كتاب الجنائز.
ثم سألها عن ترتيب القرآن فانتقل إلى سؤال كبير، وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف، أي: غير مرتب السور. وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الإلزام به، والله أعلم.
ولهذا أخبرته: إنه لا يضرك بأي سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن "اقرأ" فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد، ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا وهذا من حكمة الله ورحمته، ومعنى هذا الكلام: أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليس البداءة بها في أوائل المصاحف، مع أنها من أول ما نزل، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف، وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده.
فأما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك؛ ولهذا لم ترخص له في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور، والله أعلم. وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه، عليه السلام، قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران.
وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان، رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور، والظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله.
ولهذا حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: {اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي: {الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة، رضي الله عنهم، وكذا ذكره مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو الحسن بن بطال: إنما يجب تأليف سوره في الرسم والخط خاصة ولا يعلم أن أحدا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.
قال: وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محذور.
ثم قال البخاري: حدثنا آدم، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي. انفرد البخاري بإخراجه والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية، وقوله: "من العتاق الأول" أي: من قديم ما نزل، وقوله: "وهن من تلادى" أي: من قديم ما قنيت وحفظت. والتالد في لغتهم: قديم المال والمتاع، والطارف حديثه وجديده، والله أعلم.
وحدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إسحاق: سمع البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: تعلمت {سبح اسم ربك الأعلى} قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا متفق عليه، وهو قطعة من حديث الهجرة، والمراد منه أن {سبح اسم ربك الأعلى} سورة مكية نزلت قبل الهجرة، والله أعلم.
ثم قال: حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد علمت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهن اثنين اثنين في كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون.
وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان، رضي الله عنه، فإن المفصل في مصحف عثمان، رضي الله عنه، من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان، لا تدخل فيه بوجه، والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد:
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء. قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: ((طرأ علي حزب من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه)). قال: فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.
ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي به وهذا إسناد حسن.

فصل


فأما نقط المصحف وشكله، فيقال: إن أول من أمر به عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك، ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم.
وأما كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا، وقيل: بل أول من فعله المأمون، وحكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
وقال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا. وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسا.
وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا. وقال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه. قال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.

ثم قال البخاري، رحمه الله:
أنزل القرآن على سبعة أحرف


حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله؛ أن عبد الله بن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).

وهذا مبسوط في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال:حدثنا يزيد ويحيى بن سعيد كلاهما عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن أبي بن كعب قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، وقال الآخر: أليس تقرأني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم)). فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف)).

وقال الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد، حدثني عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)). وهكذا رواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد به.

وقال ابن جرير: حدثنا يونس عن ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، أنه قال: سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما: من أقرأكما؟ فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهما: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)) ثم قال للآخر: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، فضرب يده في صدري ثم قال: ((اللهم أخسئ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة، فقال: مثل ذلك وقلت له مثل ذلك، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة، فقلت: يا رب، اللهم اغفر لأمتي، يا رب، اغفر لأمتي، واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة)). إسناده صحيح.
قلت: وهذا الشك الذي حصل لأبي في تلك الساعة هو، والله أعلم، السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإعلام ودواء لما كان حصل له سورة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} [البينة: 2، 3]، وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه، عليه السلام، من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27].
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الثالثة قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا.
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية شعبة به، وفي لفظ لأبي داود عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبي، إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. قلت: على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة. قلت: على ثلاثة. حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب)).

وهكذا رواه الإمام أحمد عن عفان، عن حماد، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عند أحجار المراء، فقلت: يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية؛ الرجل، والمرأة، والغلام، والجارية، والشيخ الفاني، الذي لم يقرأ كتابا قط فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).
وقال أحمد أيضا: حدثنا وكيع وعبد الرحمن، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن ربعي بن حراش: حدثني من لم يكذبني -يعني حذيفة- قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: إن أمتك يقرؤون القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علم، ولا يرجع عنه. وقال عبد الرحمن: إن في أمتك الضعيف، فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه. وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه.
حديث آخر عن أبي بكرة: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأ على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب برحمة)). وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب، عن زيد بن الحباب، عن حماد بن سلمة به، وزاد في آخره كقولك: ((هلم وتعال)).
حديث آخر عن سمرة: قال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان كلاهما عن حماد بن سلمة، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)). إسناد صحيح، ولم يخرجوه.
حديث آخر عن أم أيوب: قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عبيد الله وهو ابن أبي يزيد -عن أبيه، عن أم أيوب- يعني امرأة أبي أيوب الأنصارية- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأت أجزأك)). وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.
حديث آخر عن ابن مسعود: قال ابن جرير: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني حيوة بن شريح، عن عقيل بن خالد، عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)). ثم رواه عن أبي كريب عن المحاربي، عن ضمرة بن حبيب، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن مسعود من كلامه وهو أشبه. والله أعلم.


فصل

قال أبو عبيد: قد تواترت هذه الأحاديث كلها عن الأحرف السبعة إلا ما حدثني عفان، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على ثلاثة أحرف)).
قال أبو عبيد: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة لأنها المشهورة، وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، وهذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى السبعة، وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض، وذلك بين في أحاديث تترى، قال: وقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
قال أبو عبيد: والعجز هم بنو أسد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف هم عليا هوازن الذين قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم. ولهذا قال عمر: لا يملي في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف.
قال ابن جرير: واللغتان الأخريان: قريش وخزاعة رواه قتادة عن ابن عباس، ولكن لم يلقه.
قال أبو عبيد: وحدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس؛ أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر. قال أبو عبيد: يعني: أنه كان يستشهد به على التفسير. حدثنا هشيم عن أبي بشر، عن سعيد أو مجاهد، عن ابن عباس في قوله: {والليل وما وسق} [الانشقاق: 17]، قال: ما جمع وأنشد: قد اتسقن لو يجدن سائقا.
حدثنا هشيم، أنبأنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {فإذا هم بالساهرة} [النازعات: 14]، قال: الأرض، قال: وقال ابن عباس: قال أمية بن أبي الصلت: عندهم لحم بحر ولحم ساهرة
حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كنت لا أدري ما {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها. يقول: أنا ابتدأتها. إسناد جيد أيضا.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري، رحمه الله، بعد ما أورد طرفا مما تقدم: وصح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبع بما يعجز عن إحصائه ثم قال: وما برهانك على ما قلته دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك، من أنه نزل بأمر وزجر، وترغيب وترهيب، وقصص ومثل، ونحو ذلك من الأقوال فقد علمت قائل ذلك من سلف الأمة وخيار الأئمة؟ قيل له: إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التي تقدم ذكرها، هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن دون غيره فيكون ذلك لقولنا مخالفا، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه، والذي قالوا من ذلك كما قالوا، وقد روينا بمثل الذي قالوا من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة، من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة، كما تقدم. يعني كما تقدم في رواية عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة.
قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب بها الجنة.
ثم بسط القول في هذا بما حاصله: أن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف، ثم لما رأى الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، اختلاف الناس في القراءة، وخاف من تفرق كلمتهم -جمعهم على حرف واحد، وهو هذا المصحف الإمام، قال: واستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعله من ذلك الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له، ونظر منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها. إلى أن قال: فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟ قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قراءة الأمة، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين. إلى أن قال: فأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)) بمعزل؛ لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر، في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب صلى الله عليه وسلم بالمراء في الأحرف السبعة الكفر، كما تقدم.
الحديث الثاني: قال البخاري، رحمه الله: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القارئ حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرسله، اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت. إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه)).
وقد رواه الإمام أحمد والبخاري -أيضا- ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي من طرق عن الزهري ورواه الإمام أحمد -أيضا- عن ابن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن عمر، فذكر الحديث بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حرب بن ثابت، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبيه، عن جده قال: "قرأ رجل عند عمر فغير عليه فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يغير علي قال: فاجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((قد أحسنت)). قال: فكأن عمر وجد من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عمر، إن القرآن كله صواب، ما لم يجعل عذاب مغفرة أو مغفرة عذابا)) ".

وقد اختلف العلماء في معنى هذه السبعة الأحرف

وما أريد منها على أقوال: قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري القرطبي المالكي في مقدمات تفسيره، وقد اختلف العلماء في المراء بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ونحن نذكر منها خمسة أقوال.
قلت: ثم سردها القرطبي، وحاصلها ما أنا مورده ملخصا:
الأول-

وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي- : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو:
أقبل وتعال وهلم.
وقال الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل".
وروى عن ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]: "للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20] "مروا فيه" "سعوا فيه".
قال الطحاوي. وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.
قلت: وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أحد الخلفاء الراشدين المهديين المأمور باتباعهم، وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمة وتكفير بعضهم بعضا، فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره، عليه الصلاة والسلام، وعزم عليهم ألا يقرؤوا بغيرها، وألا يتعاطوا الرخصة التي كانت لهم فيها سعة، ولكنها أدت إلى الفرقة والاختلاف، كما ألزم عمر بن الخطاب الناس بالطلاق الثلاث المجموعة حتى تتابعوا فيها وأكثروا منها، قال: فلو أنا أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.
وكان كذلك ينهي عن المتعة في أشهر الحج لئلا يتقطع زيارة البيت في غير أشهر الحج. وقد كان أبو موسى يفتي بالتمتع فترك فتياه اتباعا لأمير المؤمنين وسمعا وطاعة لأئمة المهديين.
القول الثاني:
أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر. قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] و{يرتع ويلعب} [يوسف: 12].
قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد، واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد به من بعض، وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش، أي: معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: {قرآنا عربيا} [يوسف: 2]، ولم يقل: قرشيا.
قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا، يعني حجازها ويمنها، وكذلك قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، قال: لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات، فإن قريشا لا تهمز. وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]، حتى سمعت أعربيا يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها.
القول الثالث:
أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.
القول الرابع:
وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء- : أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ"، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا} [سبأ: 19] و "باعَد بين أسفارنا"، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش" أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود" أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"، أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".
القول الخامس:

أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها.


فصل
قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره.
قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها، وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه لأنه رآها أحسن والأولى عنده. قال: وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 ذو الحجة 1435هـ/1-10-2014م, 05:16 PM
محمود بن عبد العزيز محمود بن عبد العزيز غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: مصر، خلَّصها الله من كل ظلوم
المشاركات: 802
Lightbulb

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبة مجدي محمد علي مشاهدة المشاركة
مقاصد مقّدمة تفسير ابن كثير

المقصد العام للمقدّمة: بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير وعلوم القرآن لتكون مقدّمة ينتفع بها من يقرأ التفسير



المقدّمة

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ):

الحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد فقال: {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} [الفاتحة: 2- 4]، [الكهف: 1- ه]، وافتتح خلقه بالحمد، فقال تعالى: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1]، واختتمه بالحمد، فقال بعد ما ذكر مآل أهل الجنة وأهل النار: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} [الزمر: 75]
فله الحمد في الأولى والآخرة، أي في جميع ما خلق وما هو خالق، هو المحمود في ذلك كله، كما يقول المصلى: ((اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد))؛ ولهذا يلهم أهل الجنة تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس، أي يسبحونه ويحمدونه عدد أنفاسهم؛ لما يرون من عظيم نعمه عليهم، كما قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم * دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [ يونس: 9، 10].
والحمد لله الذي أرسل رسله {مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165]، وختمهم بالنبي الأمي العربي المكي الهادي لأوضح السبل،
قال تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} [الأعراف: 158]، وقال تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19].
فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم، وأسود وأحمر، وإنس وجان، فهو نذير له؛ ولهذا قال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى الأحمر والأسود)). قال مجاهد: يعني: الإنس والجن.

وقد أعلمهم فيه عن الله تعالى أنه ندبهم إلى تفهمه، فقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [ النساء: 82]، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29]، وقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد: 24].
فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون} [آل عمران: 187]، وقال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} [آل عمران: 77].
فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها.
فعلينا -أيها المسلمون- أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، قال الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون} [الحديد: 16، 17]. ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم.

المقاصد الفرعية
أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير

- أحسن طرق التفسير

إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر.

فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله تعالى: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} [ النساء: 105]، وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [ النحل: 44]
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني: السنة. والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القرآن؛ إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن، وقد استدل الإمام الشافعي، رحمه الله تعالى وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك.
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: ((بم تحكم؟)). قال: بكتاب الله. قال: ((فإن لم تجد؟)). قال: بسنة رسول الله. قال: ((فإن لم تجد؟)). قال: أجتهد برأيي. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)) وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد

وحينئذ، إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.

قال عبد الله -يعني ابن مسعود- : والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته. وقال الأعمش أيضا، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.
ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)).

قال عبد الله -يعني ابن مسعود- : نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا.

ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب، التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) رواه البخاري
و هذه الأحاديث الإسرائيلية على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني؛ ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، ؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وغيره مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم.

ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} [الكهف: 22]، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قل ربي أعلم بعدتهم} فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس، ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.

أحسن ما يكون في حكاية الخلاف:

أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم. فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا. فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ، وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور.

افتراضي فصل في كيف نفسر ما لا نجد تفسيره في الوحيين ولا في أقوال الصحابة وفي التحذير من التفسير بالرأي


فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير فعن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها.

وكسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم.
فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي.

هل أقوال التابعين حجة؟

قال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك.

تفسير القرآن بمجرد الرأي

حرام، لما رواه محمد بن جرير، رحمه الله تعالى، حيث عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)).
وهكذا أخرجه الترمذي والنسائي، من طرق، عن سفيان الثوري، به. ورواه أبو داود.

ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى شعبة، عن سليمان، عن عبد الله بن مرة، عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني؟ إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم.

عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: {وفاكهة وأبا} [عبس: 31]، فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر.

وقال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: سأل رجل ابن عباس عن {يوم كان مقداره ألف سنة} [ السجدة: 5]، فقال له ابن عباس: فما {يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [ المعارج: 4]؟ فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدثني. فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه، الله أعلم بهما. فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.

وقال مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: إنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا.

وقال أيوب، وابن عون، وهشام الدستوائي، عن محمد بن سيرين: سألت عبيدة يعني السلماني، عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن فاتق الله، وعليك بالسداد.

فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [آل عمران: 187]، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).

قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله. قال ابن جرير: وقد روي نحوه في حديث في إسناده نظر.

ب: بيان فضل القرآن:

- كتاب فضائل القرآن

قال البخاري، رحمه الله:كيف نزول الوحي وأول ما نزل:



قال ابن عباس: المهيمن الأمين القرآن، أمين على كل كتاب قبله.

وقال ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: المهيمن: الأمين. قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله. وفي رواية: شهيدا عليه. وقال سفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن أبي إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا يزيد عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} [الإسراء: 106]. هذا إسناد صحيح.

ووجه مناسبة هذا الحديث بفضائل القرآن: أنه ابتدئ بنزوله في مكان شريف، وهو البلد الحرام، كما أنه كان في زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان؛ ولهذا يستحب إكثار تلاوة القرآن في شهر رمضان؛ لأنه ابتدئ نزوله فيه؛ ولهذا كان جبريل يعارض به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل سنة في شهر رمضان، فلما كان في السنة التي توفي فيها عارضه به مرتين تأكيدا وتثبيتا.
وأيضا في هذا الحديث بيان أنه من القرآن مكي ومنه مدني، فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة، سواء كان بالمدينة أو بغيرها من أي البلاد كان، حتى ولو كان بمكة أو عرفة. وقد أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر، وأراد بعضهم ضبط ذلك بضوابط في تقييدها عسر ونظر، ولكن قال بعضهم: كل سورة في أولها شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: {يا أيها الذين آمنوا} فهي مدنية وما فيها: {يا أيها الناس} فيحتمل أن يكون من هذا ومن هذا، والغالب أنه مكي. وقد يكون مدنيا كما في البقرة {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 20]، {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} [البقرة: 168].
قال أبو عبيد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا من سمع الأعمش يحدث عن إبراهيم بن علقمة: كل شيء في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه أنزل بالمدينة، وما كان {يا أيها الناس} فإنه أنزل بمكة. ثم قال: حدثنا علي بن معبد، عن أبي المليح، عن ميمون بن مهران، قال: ما كان في القرآن: {يا أيها الناس} و {يا بني آدم} فإنه مكي، وما كان: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه مدني.
ومنهم من يقول: إن بعض السور نزل مرتين، مرة بالمدينة ومرة بمكة، والله أعلم. ومنهم من يستثني من المكي آيات يدعي أنها من المدني، كما في سورة الحج وغيرها.
والحق في ذلك ما دل عليه الدليل الصحيح، فالله أعلم. وقال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون، والتغابن، و{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} و{يا أيها النبي لم تحرم} والفجر، {والليل إذا يغشى} و {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {لم يكن الذين كفروا} و {إذا زلزلت} و {إذا جاء نصر الله} وسائر ذلك بمكة.
وهذا إسناد صحيح عن ابن أبي طلحة مشهور

الحديث الثاني: وقال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا معتمر قال: سمعت أبي عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل، عليه السلام، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من هذا؟)) أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل. أو كما قال، قال أبي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ فقال: من أسامة بن زيد. وهكذا رواه أيضا في علامات النبوة عن عباس بن الوليد النرسي، ومسلم في فضائل أم سلمة عن عبد الأعلى بن حماد ومحمد بن عبد الأعلى كلهم عن معتمر بن سليمان به.
والغرض من إيراد هذا الحديث هاهنا أن السفير بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام وهو ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانة كما قال: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} [الشعراء: 193، 194]، وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون} الآيات [التكوير: 19- 22]. فمدح الرب تبارك وتعالى عبديه ورسوليه جبريل ومحمدا صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث فضيلة عظيمة لأم سلمة، رضي الله عنها -كما بينه مسلم رحمه الله- لرؤيتها لهذا الملك العظيم، وفضيلة أيضا لدحية بن خليفة الكلبي، وذلك أن جبريل، عليه السلام، كان كثيرا ما يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة دحية وكان جميل الصورة، رضي الله عنه، وكان من قبيلة أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي.

الحديث الثالث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)).

وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء، وعلى كل كتاب أنزله، وذلك أن معنى الحديث: ما من نبي إلا أعطي من المعجزات ما آمن عليه البشر، أي: ما كان دليلا على تصديقه فيما جاءهم به واتبعه من اتبعه من البشر، ثم لما مات الأنبياء لم تبق لهم معجزة بعدهم إلا ما يحكيه أتباعهم عما شاهدوه في زمانه، فأما الرسول الخاتم للرسالة محمد صلى الله عليه وسلم فإنما كان معظم ما آتاه الله وحيا منه إليه منقولا إلى الناس بالتواتر، ففي كل حين هو كما أنزل، فلهذا قال: ((فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا))، وكذلك وقع، فإن أتباعه أكثر من أتباع الأنبياء لعموم رسالته ودوامها إلى قيام الساعة، واستمرار معجزته؛ ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان: 1]، وقال تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88]، ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} [هود: 13] ثم تحداهم إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فقال: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} [يونس: 38]، وقصر التحدي على هذا المقام في السور المكية كما ذكرنا وفي المدنية أيضا كما في سورة البقرة، حيث يقول تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} [البقرة: 23، 24] فأخبرهم بأنهم عاجزون عن معارضته بمثله، وأنهم لا يفعلون ذلك في المستقبل أيضا، وهذا وهم أفصح الخلق وأعلمهم بالبلاغة والشعر وقريض الكلام وضروبه، لكن جاءهم من الله ما لا قبل لأحد من البشر به من الكلام الفصيح البليغ، الوجيز، المحتوي على العلوم الكثيرة الصحيحة النافعة، والأخبار الصادقة عن الغيوب الماضية والآتية، والأحكام العادلة والمحكمة، كما قال تعالى: {وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا} [الأنعام: 115].

ذكر محمد بن كعب القرظي عن الحارث بن عبد الله الأعور قال: قلت: لآتين أمير المؤمنين، فلأسألنه عما سمعت العشية قال فجئته بعد العشاء، فدخلت عليه، فذكر الحديث. قال: ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني جبريل فقال: يا محمد، أمتك مختلفة بعدك)). قال: ((فقلت له: فأين المخرج يا جبريل؟)) قال: فقال: "كتاب الله به يقصم الله كل جبار، من اعتصم به نجا، ومن تركه هلك، مرتين، قول فصل وليس بالهزل، لا تخلقه الألسن، ولا تفنى عجائبه، فيه نبأ من كان قبلكم، وفصل ما بينكم، وخبر ما هو كائن بعدكم" هكذا رواه الإمام أحمد.

عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله عز وجل، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، لا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم الم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر)).

الحديث الرابع: قال أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد.

ومعناه: أن الله تعالى تابع نزول الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كل وقت بما يحتاج إليه، ولم تقع فترة بعد الفترة الأولى التي كانت بعد نزول الملك أول مرة بقوله: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] فإنه استلبث الوحي بعدها حينا يقال: قريبا من سنتين أو أكثر، ثم حمي الوحي وتتابع، وكان أول شيء نزل بعد تلك الفترة {يا أيها المدثر * قم فأنذر} .

الحديث الخامس: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندبا يقول: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا تركك، فأنزل الله تعالى: {والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى} [ الضحى: 1- 3].
والمناسبة في ذكر هذا الحديث والذي قبله في فضائل القرآن: أن الله تعالى له برسوله عناية عظيمة ومحبة شديدة، حيث جعل الوحي متتابعا عليه ولم يقطعه عنه؛ ولهذا إنما أنزل عليه القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام.
قال البخاري، رحمه الله: نزل القرآن بلسان قريش والعرب، قرآنا عربيا، بلسان عربي مبين، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب عن الزهري: أخبرني أنس بن مالك قال: فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم، ففعلوا.

وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن الحضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأ يابن حضير، اقرأ يابن حضير)). قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها قال: ((أو تدري ما ذاك؟)). قال: لا قال: (( تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)).

وقال أبو عبيد: حدثني عبد الله بن صالح، عن الليث، عن ابن شهاب، عن ابن كعب بن مالك، عن أسيد بن حضير: أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه.

وحدثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير قال: "قلت: يا رسول الله، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفي، حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)) مرتين قال: فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)). فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: ((تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب)) ".


حدثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن زيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح؟ قال: ((فلعله قرأ سورة البقرة)). قال: فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة.
وفي الحديث المشهور الصحيح: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم عن أبي هريرة.
ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78]، وجاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده.
وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)).

تابع
ب: بيان فضل القرآن:

- فضل القرآن وما جاء في أنه تِركَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم



حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل:" أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين". تفرد به البخاري
ومعناه: أنه، عليه السلام، ما ترك مالا ولا شيئا يورث عنه، كما قال عمرو بن الحارث أخو جويرية بنت الحارث: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا.
وفي حديث أبي الدرداء: ((إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
ولهذا قال ابن عباس: وإنما ترك ما بين الدفتين يعني: القرآن، والسنة مفسرة له ومبينة وموضحة له، فهي تابعة له، والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} الآية [فاطر: 32]، فالأنبياء، عليهم السلام، لم يخلقوا للدنيا يجمعونها ويورثونها، إنما خلقوا للآخرة يدعون إليها ويرغبون فيها؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))
وكان أول من أظهر هذه المحاسن من هذا الوجه أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، لما سئل عن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر عنه بذلك، ووافقه على نقله عنه، عليه السلام، غير واحد من الصحابة.

فضل القرآن على سائر الكلام

عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)).

ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث: أن طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما، فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر.

ثم قال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود فقال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر؟ فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء! قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من شئت)).

وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم الذي شرفه الله تعالى على كل كتاب أنزله، جعله مهيمنا عليه، وناسخا له، وخاتما له؛ لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة، وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى، فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى، والنصارى من ثم إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة، وهو المشبه بآخر النهار، وأعطى الله المتقدمين قيراطا قيراطا، وأعطى هؤلاء قيراطين قيراطين، ضعفي ما أعطى أولئك، فقالوا: أي ربنا، ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ فقال: هل ظلمتكم شيئا؟ قالوا: لا قال: فذلك فضلي أي: الزائد على ما أعطيتكم أؤتيه من أشاء كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم * لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} [الحديد: 28، 29].

تابع

ب: بيان فضل القرآن:



-الوصايا بكتاب الله

حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا مالك بن مغول، حدثنا طلحة بن مصرف قال: "سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله، عز وجل".
وقد رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة، إلا أبا داود من طرق عن مالك بن مغول به وهذا نظير ما تقدم عن ابن عباس: "ما ترك إلا ما بين الدفتين"، وذلك أن الناس كتب عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180].
وأما هو صلى الله عليه وسلم فلم يترك شيئا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك ولم يوص إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ ولهذا لما هم بالوصية إلى أبي بكر ثم عدل عن ذلك فقال: ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) وكان كذلك، وإنما أوصى الناس باتباع كتاب الله تعالى.

من لم يتغن بالقرآن


وقول الله تعالى:{أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} [العنكبوت: 51].

حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))،
قال سفيان: تفسيره: يستغني به، وقد أخرجه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينة ومعناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك.

وهو، سبحانه وتعالى، يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم، كما قال تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} الآية [يونس: 61]، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم، ومنهم من فسر الأذن هاهنا بالأمر، والأول أولى لقوله: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن" أي: يجهر به، والأذن: الاستماع؛ لدلالة السياق عليه، وكما قال تعالى: {إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت} [الانشقاق: 1- 5] أي: استمعت لربها {وحقت} وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه، فالأذن هاهنا هو الاستماع؛ ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجة بسند جيد عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)).
وقال سفيان بن عيينة: إن المراد بالتغني: يستغني به، فإن أراد: أنه يستغني عن الدنيا، وهو الظاهر من كلامه الذي تابعه عليه أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره، فخلاف الظاهر من مراد الحديث؛ لأنه قد فسره بعض رواته بالجهر، وهو تحسين القراءة والتحزين بها.


فصل
في إيراد أحاديث في معنى الباب وذكر
أحكام التلاوة بالأصوات

عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن، فقال: ((تعلموا كتاب الله واقتنوه)). قال: وحسبت أنه قال: ((وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض من العقل)).

ثم قال أبو عبيد: حدثنا أبو اليمان، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن المهاصر بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه واقتنوه، واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون)) وهذا مرسل.
ثم قال أبو عبيد: قوله: ((تغنوه)): يعني: اجعلوه غناءكم من الفقر، ولا تعدوا الإقلال منه فقرا. وقوله: ((واقتنوه))، يقول: اقتنوه، كما تقتنون الأموال: اجعلوه مالكم.
وقال أبو عبيد: حدثني هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة، عن الأوزاعي، حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)).
قال أبو عبيد: هذا الحديث بعضهم يزيد في إسناده يقول: عن إسماعيل بن عبيد الله عن مولى فضالة عن فضالة، وهكذا رواه ابن ماجة، عن راشد بن سعيد بن أبي راشد، عن الوليد، عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله عن ميسرة مولى فضالة عن فضالة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)).
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا محمد بن حميد، حدثنا سلمة بن الفضل، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن أبي مليكة، حدثنا القاسم بن محمد، حدثنا السائب قال: قال لي سعد: يابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: غن به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا، فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا)).
وقد روى أبو داود من حديث الليث وعمرو بن دينار كلاهما عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)).
ورواه ابن ماجة من حديث ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن السائب، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا)).
وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سعيد بن حسان المخزومي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال وكيع: يعني: يستغنى به.

فقد فهم من هذا أن السلف، رضي الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما قاله الأئمة، رحمهم الله، ويدل على ذلك -أيضا- ما رواه أبو داود حيث قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن طلحة، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)).

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة قال: نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث: ((زينوا القرآن بأصواتكم)).
قال أبو عبيد: وإنما كره أيوب فيما نرى، أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الألحان المبتدعة، فلهذا نهاه أن يحدث به.
قلت: ثم إن شعبة رحمه الله روى الحديث متوكلا على الله، كما روي له، ولو ترك كل حديث يتأول مبطله لترك من السنة شيء كثير، بل قد تطرقوا إلى تأويل آيات كثيرة من القرآن وحملوها على غير محاملها الشرعية المرادة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والمراد من تحسين الصوت بالقرآن:
تطريبه وتحزينه والتخشع به، كما رواه الحافظ الكبير بقي بن مخلد رحمه الله، حيث قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة)). قلت: أما والله لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا. ورواه مسلم من حديث طلحة به وزاد: ((لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ". وسيأتي هذا في بابه حيث يذكره البخاري، والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا، فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه، وقد كان أبو موسى كما قال، عليه السلام، قد أعطي صوتا حسنا.

وقال ابن ماجة: حدثنا العباس بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحي يحدث عن عائشة قالت: "أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: ((أين كنت؟)). قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) ". إسناد جيد.
وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قال: قراءة منه. وفي بعض ألفاظه: فلما سمعته قرأ: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} [الطور: 35]، خلت أن فؤادي قد انصدع. وكان جبير لما سمع هذا بعد مشركا على دين قومه، وإنما كان قدم في فداء الأسارى بعد بدر، وناهيك بمن تؤثر قراءته في المشرك المصر على الكفر! وكان هذا سبب هدايته ولهذا كان أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب، كما قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ليث، عن طاوس قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله.
وحدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله.
وحدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعن الحسن بن مسلم، عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله)) ".
والغرض أن المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك، كما قال الإمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام، رحمه الله:
حدثنا نعيم بن حماد، عن بقية بن الوليد، عن حصين بن مالك الفزاري: سمعت شيخا يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابيين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)).
وحدثنا يزيد، عن شريك، عن أبي اليقظان عثمان بن عمير، عن زاذان أبي عمر، عن عليم قال: "كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال يزيد: لا أعلمه إلا قال: عابس الغفاري، فرأى الناس يخرجون في الطاعون فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقالوا: تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال: إني أبادر خصالا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء" وذكر خلتين أخرتين.
وحدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن ليث بن أبي سليم، عن عثمان بن عمير، عن زاذان، عن عابس الغفاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أو نحوه. وحدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن الأعمش، عن رجل، عن أنس بن مالك: أنه سمع رجلا يقرأ القرآن بهذه الألحان التي أحدث الناس، فأنكر ذلك ونهى عنه.
هذه طرق حسنة في باب الترهيب، وهذا يدل على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه، والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا روح، حدثنا عبيد الله بن الأخنس، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)).
ثم قال: وإنما ذكرناه لأنهم اختلفوا على ابن أبي مليكة فيه، فرواه ابن عبد الجبار بن الورد عنه عن أبي لبابة، ورواه عمرو بن دينار والليث عنه عن ابن أبي نهيك عن سعد، ورواه عسل بن سفيان عنه، عن عائشة ورواه نافع مولى ابن عمر عنه، عن ابن الزبير.

اغتباط صاحب القرآن

حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)).
انفرد به البخاري من هذا الوجه، واتفقا على إخراجه من رواية سفيان عن الزهري ثم قال البخاري: حدثنا علي بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن سليمان: سمعت ذكوان، عن أبي هريرة؛ "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار))، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ((ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق))، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل".
ومضمون هذين الحديثين: أن صاحب القرآن في غبطة وهو حسن الحال، فينبغي أن يكون شديد الاغتباط بما هو فيه، ويستحب تغبيطه بذلك، يقال: غبطه يغبطه بكسر الباء غبطا: إذا تمنى مثل ما هو فيه من النعمة.

الفرق بين الغبطة والحسد

وهذا بخلاف الحسد المذموم وهو تمني زوال نعمة المحسود عنه، سواء حصلت لذلك الحاسد أو لا وهذا مذموم شرعا، مهلك، وهو أول معاصي إبليس حين حسد آدم، عليه السلام، على ما منحه الله تعالى من الكرامة والاحترام والإعظام. والحسد الشرعي الممدوح هو تمني مثل حال ذلك الذي هو على حالة سارة؛ ولهذا قال عليه السلام: ((لا حسد إلا في اثنتين))، فذكر النعمة القاصرة وهي تلاوة القرآن آناء الليل والنهار، والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار "، كما قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور} [فاطر: 29]

وقريب من هذا ما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبادة بن مسلم، حدثني يونس بن خباب، عن سعيد أبي البختري الطائي، عن أبي كبشة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، فأما الثلاث التي أقسم عليهن: فإنه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فيصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر، وأما الذي أحدثكم حديثا فاحفظوه))، فإنه قال: ((إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه، ويعلم لله فيه حقه))

قال: ((فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول: لو كان لي مال عملت بعمل فلان)) قال: ((فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقه، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مال لفعلت بعمل فلان)). قال: ((هي نيته فوزرهما فيه سواء)).
وقال أيضا: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الوزر سواء)). إسناد صحيح

خيركم من تعلم القرآن وعلمه


عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال:وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا.


والغرض أنه، عليه الصلاة والسلام، قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) وهذه من صفات المؤمنين المتبعين للرسل، وهم الكمل في أنفسهم، المكملون لغيرهم، وذلك جمع النفع القاصر والمتعدي، وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين الذين لا ينفعون، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب} [النحل: 88]، وكما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} [الأنعام: 26]، في أصح قولي المفسرين في هذا، وهو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن مع نأيهم وبعدهم عنه أيضا، فجمعوا بين التكذيب والصد، كما قال تعالى: {فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها} [الأنعام: 157]،

فهذا شأن الكفار، كما أن شأن خيار الأبرار أن يكمل في نفسه وأن يسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وكما قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} [ فصلت: 33]، فجمع بين الدعوة إلى الله سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى الله تعالى من تعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك، مما يبتغى به وجه الله، وعمل هو في نفسه صالحا، وقال قولا صالحا، فلا أحد أحسن حالا من هذا. وقد كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي -أحد أئمة الإسلام ومشايخهم- من رغب في هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين سنة، رحمه الله، وآتاه الله ما طلبه ودامه. آمين.

هل يجوز أخذ أجرة على تعليم القرآن؟


قال البخاري، رحمه الله: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا حماد عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: ((ما لي في النساء من حاجة)). فقال رجل: زوجنيها قال: ((أعطها ثوبا))، قال: لا أجد، قال: ((أعطها ولو خاتما من حديد))، فاعتل له، فقال: ((ما معك من القرآن؟)). قال: كذا وكذا. فقال: ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)).

والغرض منه أن الذي قصده البخاري أن هذا الرجل تعلم الذي تعلمه من القرآن، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه تلك المرأة، ويكون ذلك صداقا لها على ذلك، وهذا فيه نزاع بين العلماء، وهل يجوز أن يجعل مثل هذا صداقا؟ أو هل يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن؟ وهل هذا كان خاصا بذلك الرجل؟ وما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((زوجتكها بما معك من القرآن))؟ أبسبب ما معك من القرآن؟ كما قاله أحمد بن حنبل:نكرمك بذلك أو بعوض ما معك، وهذا أقوى، لقوله في صحيح مسلم: ((فعلمها)) وهذا هو الذي أراده البخاري هاهنا وتحرير باقي الخلاف مذكور في كتاب النكاح والإجارات، والله المستعان.

ما جاء من أقوال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه



روى الطبراني، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، قال: قال ابن مسعود: كل آية في كتاب الله خير مما في السماء والأرض.

ومن طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن مرة قال ابن مسعود: من أراد العلم فليثور من القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين.

ومن حديث الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد عن سيار أبي الحكم، عن ابن مسعود أنه قال: أعربوا هذا القرآن فإنه عربي، وسيجيء قوم يثقفونه وليسوا بخياركم.
والثوري، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في ياء أو تاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن فإنه مذكر.

وقال عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن شداد بن معقل، سمعت ابن مسعود يقول: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا خلاق لهم، ولينزعن القرآن من بين أظهركم. قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يسرى على القرآن ليلا فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء -وفي رواية: لا يبقى في مصحف منه شيء- ويصبح الناس فقراء كالبهائم. ثم قرأ عبد الله: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} [الإسراء: 86].

وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثني شعبة، عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه قال: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز.
ومن طريق الأعمش، عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يقل الصوم، فيقال له في ذلك، فيقول: إني إذا صمت ضعفت عن القراءة والصلاة، والقراءة والصلاة أحب إلي.

المقصد الفرعي الثالث :


ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف:


- معارضة النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالقرآن



ثم قال البخاري، رحمه الله:
كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم
قال مسروق عن عائشة، عن فاطمة، رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي. هكذا ذكره معلقا وقد أسنده في موضع آخر.
ثم قال: حدثنا يحيى بن قزعة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبد الله بن عبيد الله، عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة".

ثم قال: حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا أبو بكر، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه".

والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة: مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى، ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا؛ ولهذا عرضه في السنة الأخيرة من عمره، عليه السلام اقتراب أجله، على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك؛ ولهذا فهم، عليه السلام، اقتراب أجله، وعثمان، رضي الله عنه، جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة، رضي الله عنه وأرضاه وخص بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه؛ ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه، ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن، كما تقدم ذكرنا لذلك.

القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم


حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن عمرو، عن إبراهيم، عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.

فهؤلاء الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة، وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وهما سيدان كبيران، رضي الله عنهم أجمعين.

ثم قال: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك.

حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت)) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد.

حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.

يجوز إخبار الرجل عن نفسه للحاجة

وهذا كله حق وصدق، وهو من إخبار الرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره، فيجوز ذلك للحاجة، كما قال تعالى إخبارا عن يوسف لما قال لصاحب مصر: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} [يوسف: 55].
وقال أبو عبيد: حدثنا مصعب بن المقدام عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)). وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش به مطولا وفيه قصة وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي معاوية به وصححه الدارقطني وقد ذكرته في مسند عمر وفي مسند الإمام أحمد -أيضا- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.
ثم قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام.

حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا، ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار، وهم أبي بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختلف في اسمه فقال الواقدي: اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.

وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس. وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البر، وهذا بعيد وقول الواقدي أصح لأنه خزرجي؛ لأن أنسا قال: ونحن ورثناه، وهم من الخزرج، وفي بعض ألفاظه وكان أحد عمومتي. وقال قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت.
فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.

فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي، وقد شهد أبو زيد هذا بدرا، فيما ذكره غير واحد. وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قتل أبو زيد قيس بن السكن يوم جسر أبي عبيدة على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة، والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم. هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري.
ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة -كما سنذكره- وعلي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل، وقد قدمنا هذا. ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه. ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا. ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن،

وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. ومنهم عبد الله بن عمرو، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأه في شهر)). وذكر تمام الحديث.
ثم قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة: 106].
وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر؛ ولهذا قال الإمام مالك: ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر، أي: فكله مقبول، صلوات الله وسلامه عليه. ثم ذكر البخاري فضل فاتحة الكتاب وغيرها، وسنذكر فضل كل سورة عندها ليكون ذلك أنسب.

جمع القرآن قبل خلافة عثمان رضي الله عنه


قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر -مقتل أهل اليمامة- فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان علي أثقل مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، رضي الله عنهم.

وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق، رضي الله عنه، فإنه أقامه الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم مقاما لا ينبغي لأحد بعده، قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله، وكان هذا من سر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فجمع الصديق الخير وكف الشرور، رضي الله عنه وأرضاه. ولهذا روي غير واحد من الأئمة منهم وكيع وابن مهدي وقبيصة عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. هذا إسناده صحيح.
وقال أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف: حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، أن أبا بكر هو الذي جمع القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ولهذا قال زيد بن ثابت: وجدت آخر سورة التوبة، يعني قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين [التوبة: 128، 129]، مع أبي خزيمة الأنصاري، وفي رواية: مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين لم أجدها مع غيره فكتبوها عنه لأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين في قصة الفرس التي ابتاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعرابي، فأنكر الأعرابي البيع، فشهد خزيمة هذا بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمضى شهادته وقبض الفرس من الأعرابي. والحديث رواه أهل السنن وهو مشهور، وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية أن أبي بن كعب أملاها عليهم مع خزيمة بن ثابت.
وأما قول زيد بن ثابت: "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال" وفي رواية: "من العسب والرقاع والأضلاع، وفي رواية: "من الأكتاف والأقتاب وصدور الرجال".
أما العسب فجمع عسيب. قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: وهو من السعف فويق الكرب لم ينبت عليه الخوص، وما نبت عليه الخوص فهو السعف.
واللخاف: جمع لخفة وهي القطعة من الحجارة مستدقة، كانوا يكتبون عليها وعلى العسب وغير ذلك، مما يمكنهم الكتابة عليه بما يناسب ما يسمعونه من القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من لم يكن يحسن الكتابة أو يثق بحفظه، فكان يحفظه، فتلقاه زيد بن ثابت من هذا من عسيبه، ومن هذا من لخافه، ومن صدر هذا، أي من حفظه، وكانوا أحرص شيء على أداء الأمانات وهذا من أعظم الأمانة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أودعهم ذلك ليبلغوه إلى من بعده كما قال الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67]، ففعل، صلوات الله وسلامه عليه، ما أمر به؛ ولهذا سألهم في حجة الوداع يوم عرفة على رؤوس الأشهاد، والصحابة أوفر ما كانوا مجتمعين، فقال: ((إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟)). فقالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يشير بأصبعه إلى السماء، وينكبها عليهم ويقول: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)). رواه مسلم عن جابر. وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب وقال: ((بلغوا عني ولو آية)) يعني: ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة فليؤدها إلى من وراءه، فبلغوا عنه ما أمرهم به، فأدوا القرآن قرآنا، والسنة سنة، لم يلبسوا هذا بهذا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((من كتب عني سوى القرآن فليمحه)) أي: لئلا يختلط بالقرآن، وليس معناه: ألا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم.
فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم إلا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة، فكان الذي فعله الشيخان أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله في الصحف؛ لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته وكانت عند أم المؤمنين رضي الله عنها، حتى أخذها منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن


قال البخاري رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك، حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، التمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23]، فألحقناها في سورتها في المصحف.
وهذا -أيضا- من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة، وإنما روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق حتى قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا.
وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة، والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعان أيضا، وليس في توراة السامرة حرف الهمزة ولا حرف الياء، والنصارى -أيضا- بأيديهم توراة يسمونها العتيقة وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة، وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة: إنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وهي مختلفة -أيضا- اختلافا كثيرا، وهذه الأناجيل الأربعة كل منها لطيف الحجم منها ما هو قريب من أربع عشرة ورقة بخط متوسط، ومنها ما هو أكبر من ذلك إما بالنصف أو بالضعف، ومضمونها سيرة عيسى وأيامه وأحكامه وكلامه وفيه شيء قليل مما يدعون أنه كلام الله، وهي مع هذا مختلفة، كما قلنا، وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف والتبديل، ثم هما منسوخان بعد ذلك بهذه الشريعة المحمدية المطهرة.
فلما قال حذيفة لعثمان ذلك أفزعه وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التي عندها مما جمعه الشيخان ليكتب ذلك في مصحف واحد، وينفذه إلى الآفاق، ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه، ففعلت حفصة وأمر عثمان هؤلاء الأربعة وهم زيد بن ثابت الأنصاري، أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أحد فقهاء الصحابة ونجبائهم علما وعملا وأصلا وفضلا وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، وكان كريما جوادا ممدحا، وكان أشبه الناس لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخا، وإذا اختلفوا في وضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء، فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت فترافعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم.
وكان عثمان -والله أعلم- رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين؛ ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكبار، عن عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتها في السبع الطوال.
ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه؛ ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته؛ فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرا. وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان، رضي الله عنه، والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ، عليه الصلاة والسلام، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و{هل أتاك حديث الغاشية}، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف و{اقتربت الساعة}، رواه مسلم عن أبي واقد في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، و{هل أتى على الإنسان}.
وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضا، فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم. وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف.
ثم إن عثمان رد الصحف إلى حفصة، فلم يزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق، مصحفا إلى أهل مكة، ومصحفا إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة مصحفا، رواه أبو بكر بن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، سمعه يقوله. وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف. وهذا غريب، وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق، وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم، وإنما نقم عليه ذلك أولئك الرهط الذين تمالؤوا عليه وقتلوه، قاتلهم الله، وفي ذلك جملة ما أنكروا مما لا أصل له، وأما سادات المسلمين من الصحابة، ومن نشأ في عصرهم ذلك من التابعين، فكلهم وافقوه.
قال أبو داود الطيالسي وابن مهدي وغندر عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن رجل، عن سويد بن غفلة، قال علي حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته.
وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد. وهذا إسناد صحيح.
وحدثنا أحمد بن سنان قال: سمعت ابن مهدي يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.
وأما عبد الله بن مسعود فقد قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حميد بن مالك قال: لما أمر عثمان بالمصاحف -يعني بتحريقها- ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل، فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة.
ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وزيد صبي، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو بكر: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا أبو شهاب، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]، غلوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق، فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله. وقول أبي وائل: "فما أحد ينكر ما قال"، يعني: من فضله وعلمه وحفظه، والله أعلم.
وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد. قال الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء.
وقال أبو بكر بن أبي داود:
باب رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك:

حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان العجلي قالا حدثنا أبو أسامة، حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب، على سبعة أحرف -أو حروف- وإن الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد. وهذا الذي استدل به أبو بكر، رحمه الله، على رجوع ابن مسعود فيه نظر، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم.
وقال أبو بكر أيضا: حدثنا عمي، حدثنا أبو رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: يا أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون: قراءة أبي وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، وأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا فناشدهم: لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد، وليكتب زيد. فكتب زيد مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون قد أحسن. إسناد صحيح.
وقال أيضا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أبو بكر، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها، قال: وكان عثمان يتعاهدهم، وكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فقلت لكثير -وكان فيهم فيمن يكتب- : هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله. صحيح أيضا.
قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة، رضي الله عنها، فلما جمعها عثمان، رضي الله عنه، في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها، لأنها هي بعينها الذي كتبه، وإنما رتبه، ثم إنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها، فما زالت عندها حتى ماتت، ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول عثمان، كما رواه أبو بكر بن أبي داود:
حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح.
وأما ما رواه الزهري عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب وإلحاقهم إياها في سورتها، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف كما جاء مصرحا به في غير هذه الرواية عن الزهري، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت، والدليل على ذلك أنه قال: "فألحقناها في سورتها من المصحف" وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية. فهذه الأفعال من أكبر القربات التي بادر إليها الأئمة الراشدون أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، حفظا على الناس القرآن، جمعاه لئلا يذهب منه شيء، وعثمان، رضي الله عنه، جمع قراءات الناس على مصحف واحد ووضعه على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره، عليه الصلاة والسلام، فإنه عارضه به عامئذ مرتين؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته لما مرض: ((وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي)). أخرجاه في الصحيحين.
وقد روي أن عليا، رضي الله عنه، أراد أن يجمع القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبا بحسب نزوله أولا فأولا كما رواه ابن أبي داود حيث قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أقسم علي ألا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل، فأرسل، إليه أبو بكر، رضي الله عنه، بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة. فبايعه ثم رجع. هكذا رواه وفيه انقطاع، ثم قال: لم يذكر المصحف أحد إلا أشعث وهو لين الحديث وإنما رووا حتى أجمع القرآن، يعني أتم حفظه، فإنه يقال للذي يحفظ القرآن: قد جمع القرآن.
قلت: وهذا الذي قاله أبو بكر أظهر، والله أعلم، فإن عليا لم ينقل عنه مصحف على ما قيل ولا غير ذلك، ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني، يقال: إنها بخط علي، رضي الله عنه، وفي ذلك نظر، فإنه في بعضها: كتبه علي بن أبي طالب، وهذا لحن من الكلام ؛ وعلي، رضي الله عنه، من أبعد الناس عن ذلك فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو، فيما رواه عنه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي، وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده، ثم أخذه الناس عن أبي الأسود فوسعوه ووضحوه، وصار علما مستقلا.
وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد كانت قديما بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثمان عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم، زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما.
فأما عثمان، رضي الله عنه، فما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه، ربما وغيره، فنسبت إلى عثمان لأنها بأمره وإشارته، ثم قرئت على الصحابة بين يدي عثمان، ثم نفذت إلى الآفاق، رضي الله عنه، وقد قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا قريش بن أنس، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى بني أسيد، قال: لما دخل المصريون على عثمان ضربوه بالسيف على يده فوقعت على: {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} [البقرة: 137]، فمد يده وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل.
وقال أيضا: حدثنا أبو طاهر، حدثنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن مصحف عثمان، فقال لي: ذهب. يحتمل أنه سأله عن المصحف الذي كتبه بيده، ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذي تركه في المدينة، والله أعلم.
قلت: وقد كانت الكتابة في العرب قليلة جدا، وإنما أول ما تعلموا ذلك ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيره: أن بشر بن عبد الملك أخا أكيدر دومة تعلم الخط من الأنبار، ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية فعلمه حرب بن أمية وابنه سفيان، وتعلمه عمر بن الخطاب من حرب بن أمية، وتعلمه معاوية من عمه سفيان بن حرب، وقيل: إن أول من تعلمه من الأنبار قوم من طيئ من قرية هناك يقال لها: بقة، ثم هذبوه ونشروه في جزيرة العرب فتعلمه الناس. ولهذا قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، إن شاء الله حدثنا سفيان عن مجاهد عن الشعبي قال: سألنا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الحيرة. وسألنا أهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار.
قلت: والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المكتوفة ثم هذبها أبو علي بن مقلة الوزير، وصار له في ذلك منهج وأسلوب في الكتابة، ثم قربها علي بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب وسلك الناس وراءه. وطريقته في ذلك واضحة جيدة. والغرض أن الكتابة لما كانت في ذلك الزمان لم تحكم جيدا، وقع في كتابة المصاحف اختلاف في وضع الكلمات من حيث صناعة الكتابة لا من حيث المعنى، وصنف الناس في ذلك، واعتنى بذلك الإمام الكبير أبو عبيد القاسم بن سلام، رحمه الله، في كتابه فضائل القرآن والحافظ أبو بكر بن أبي داود، رحمه الله، فبوبا على ذلك وذكر قطعة صالحة هي من صناعة القرآن، ليست مقصدنا هاهنا؛ ولهذا نص الإمام مالك، رحمه الله، على أنه لا توضع المصاحف إلا على وضع كتابة الإمام، ورخص في ذلك غيره، واختلفوا في الشكل والنقط فمن مرخص ومن مانع، فأما كتابة السور وآياتها والتعشير والأجزاء والأحزاب فكثير في مصاحف زماننا، والأولى اتباع السلف الصالح.

قال البخاري، رحمه الله:
تأليف القرآن

حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك! وما يضرك، قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما ينزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء: ولا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور.

وفي الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة. وهذا محرر في باب الكفن من كتاب الجنائز.
ثم سألها عن ترتيب القرآن فانتقل إلى سؤال كبير، وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف، أي: غير مرتب السور. وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنه، إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الإلزام به، والله أعلم.
ولهذا أخبرته: إنه لا يضرك بأي سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار، وهذه إن لم تكن "اقرأ" فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد، ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا وهذا من حكمة الله ورحمته، ومعنى هذا الكلام: أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليس البداءة بها في أوائل المصاحف، مع أنها من أول ما نزل، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف، وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده.
فأما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك؛ ولهذا لم ترخص له في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور، والله أعلم. وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنه، عليه السلام، قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران.
وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان، رضي الله عنه، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور، والظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله.
ولهذا حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: {اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي: {الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة، رضي الله عنهم، وكذا ذكره مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو الحسن بن بطال: إنما يجب تأليف سوره في الرسم والخط خاصة ولا يعلم أن أحدا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.
قال: وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محذور.
ثم قال البخاري: حدثنا آدم، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي. انفرد البخاري بإخراجه والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية، وقوله: "من العتاق الأول" أي: من قديم ما نزل، وقوله: "وهن من تلادى" أي: من قديم ما قنيت وحفظت. والتالد في لغتهم: قديم المال والمتاع، والطارف حديثه وجديده، والله أعلم.
وحدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إسحاق: سمع البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: تعلمت {سبح اسم ربك الأعلى} قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا متفق عليه، وهو قطعة من حديث الهجرة، والمراد منه أن {سبح اسم ربك الأعلى} سورة مكية نزلت قبل الهجرة، والله أعلم.
ثم قال: حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد علمت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهن اثنين اثنين في كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون.
وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان، رضي الله عنه، فإن المفصل في مصحف عثمان، رضي الله عنه، من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان، لا تدخل فيه بوجه، والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد:
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء. قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: ((طرأ علي حزب من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه)). قال: فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.
ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي به وهذا إسناد حسن.

فصل


فأما نقط المصحف وشكله، فيقال: إن أول من أمر به عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك، ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم.
وأما كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا، وقيل: بل أول من فعله المأمون، وحكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
وقال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا. وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسا.
وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا. وقال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه. قال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.

ثم قال البخاري، رحمه الله:
أنزل القرآن على سبعة أحرف


حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله؛ أن عبد الله بن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).

وهذا مبسوط في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال:حدثنا يزيد ويحيى بن سعيد كلاهما عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن أبي بن كعب قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، وقال الآخر: أليس تقرأني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم)). فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف)).

وقال الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد، حدثني عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)). وهكذا رواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد به.

وقال ابن جرير: حدثنا يونس عن ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، أنه قال: سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما: من أقرأكما؟ فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهما: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)) ثم قال للآخر: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، فضرب يده في صدري ثم قال: ((اللهم أخسئ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة، فقال: مثل ذلك وقلت له مثل ذلك، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة، فقلت: يا رب، اللهم اغفر لأمتي، يا رب، اغفر لأمتي، واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة)). إسناده صحيح.
قلت: وهذا الشك الذي حصل لأبي في تلك الساعة هو، والله أعلم، السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإعلام ودواء لما كان حصل له سورة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} [البينة: 2، 3]، وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه، عليه السلام، من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27].
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الثالثة قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا.
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية شعبة به، وفي لفظ لأبي داود عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبي، إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. قلت: على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة. قلت: على ثلاثة. حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب)).

وهكذا رواه الإمام أحمد عن عفان، عن حماد، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عند أحجار المراء، فقلت: يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية؛ الرجل، والمرأة، والغلام، والجارية، والشيخ الفاني، الذي لم يقرأ كتابا قط فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).
وقال أحمد أيضا: حدثنا وكيع وعبد الرحمن، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن ربعي بن حراش: حدثني من لم يكذبني -يعني حذيفة- قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: إن أمتك يقرؤون القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علم، ولا يرجع عنه. وقال عبد الرحمن: إن في أمتك الضعيف، فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه. وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه.
حديث آخر عن أبي بكرة: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقال ميكائيل: استزده، قال: اقرأ على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب برحمة)). وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب، عن زيد بن الحباب، عن حماد بن سلمة به، وزاد في آخره كقولك: ((هلم وتعال)).
حديث آخر عن سمرة: قال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان كلاهما عن حماد بن سلمة، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)). إسناد صحيح، ولم يخرجوه.
حديث آخر عن أم أيوب: قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عبيد الله وهو ابن أبي يزيد -عن أبيه، عن أم أيوب- يعني امرأة أبي أيوب الأنصارية- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأت أجزأك)). وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.
حديث آخر عن ابن مسعود: قال ابن جرير: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني حيوة بن شريح، عن عقيل بن خالد، عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)). ثم رواه عن أبي كريب عن المحاربي، عن ضمرة بن حبيب، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن مسعود من كلامه وهو أشبه. والله أعلم.


فصل

قال أبو عبيد: قد تواترت هذه الأحاديث كلها عن الأحرف السبعة إلا ما حدثني عفان، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن على ثلاثة أحرف)).
قال أبو عبيد: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة لأنها المشهورة، وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، وهذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى السبعة، وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض، وذلك بين في أحاديث تترى، قال: وقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
قال أبو عبيد: والعجز هم بنو أسد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف هم عليا هوازن الذين قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم. ولهذا قال عمر: لا يملي في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف.
قال ابن جرير: واللغتان الأخريان: قريش وخزاعة رواه قتادة عن ابن عباس، ولكن لم يلقه.
قال أبو عبيد: وحدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس؛ أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر. قال أبو عبيد: يعني: أنه كان يستشهد به على التفسير. حدثنا هشيم عن أبي بشر، عن سعيد أو مجاهد، عن ابن عباس في قوله: {والليل وما وسق} [الانشقاق: 17]، قال: ما جمع وأنشد: قد اتسقن لو يجدن سائقا.
حدثنا هشيم، أنبأنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {فإذا هم بالساهرة} [النازعات: 14]، قال: الأرض، قال: وقال ابن عباس: قال أمية بن أبي الصلت: عندهم لحم بحر ولحم ساهرة
حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كنت لا أدري ما {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها. يقول: أنا ابتدأتها. إسناد جيد أيضا.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري، رحمه الله، بعد ما أورد طرفا مما تقدم: وصح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبع بما يعجز عن إحصائه ثم قال: وما برهانك على ما قلته دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك، من أنه نزل بأمر وزجر، وترغيب وترهيب، وقصص ومثل، ونحو ذلك من الأقوال فقد علمت قائل ذلك من سلف الأمة وخيار الأئمة؟ قيل له: إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التي تقدم ذكرها، هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن دون غيره فيكون ذلك لقولنا مخالفا، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه، والذي قالوا من ذلك كما قالوا، وقد روينا بمثل الذي قالوا من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة، من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة، كما تقدم. يعني كما تقدم في رواية عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة.
قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب بها الجنة.
ثم بسط القول في هذا بما حاصله: أن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف، ثم لما رأى الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، اختلاف الناس في القراءة، وخاف من تفرق كلمتهم -جمعهم على حرف واحد، وهو هذا المصحف الإمام، قال: واستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعله من ذلك الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له، ونظر منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها. إلى أن قال: فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟ قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قراءة الأمة، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين. إلى أن قال: فأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)) بمعزل؛ لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر، في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب صلى الله عليه وسلم بالمراء في الأحرف السبعة الكفر، كما تقدم.
الحديث الثاني: قال البخاري، رحمه الله: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القارئ حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرسله، اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت. إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه)).
وقد رواه الإمام أحمد والبخاري -أيضا- ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي من طرق عن الزهري ورواه الإمام أحمد -أيضا- عن ابن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن عمر، فذكر الحديث بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حرب بن ثابت، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبيه، عن جده قال: "قرأ رجل عند عمر فغير عليه فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يغير علي قال: فاجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((قد أحسنت)). قال: فكأن عمر وجد من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عمر، إن القرآن كله صواب، ما لم يجعل عذاب مغفرة أو مغفرة عذابا)) ".

وقد اختلف العلماء في معنى هذه السبعة الأحرف

وما أريد منها على أقوال: قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري القرطبي المالكي في مقدمات تفسيره، وقد اختلف العلماء في المراء بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ونحن نذكر منها خمسة أقوال.
قلت: ثم سردها القرطبي، وحاصلها ما أنا مورده ملخصا:
الأول-

وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي- : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو:
أقبل وتعال وهلم.
وقال الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل".
وروى عن ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]: "للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20] "مروا فيه" "سعوا فيه".
قال الطحاوي. وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.
قلت: وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أحد الخلفاء الراشدين المهديين المأمور باتباعهم، وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمة وتكفير بعضهم بعضا، فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره، عليه الصلاة والسلام، وعزم عليهم ألا يقرؤوا بغيرها، وألا يتعاطوا الرخصة التي كانت لهم فيها سعة، ولكنها أدت إلى الفرقة والاختلاف، كما ألزم عمر بن الخطاب الناس بالطلاق الثلاث المجموعة حتى تتابعوا فيها وأكثروا منها، قال: فلو أنا أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.
وكان كذلك ينهي عن المتعة في أشهر الحج لئلا يتقطع زيارة البيت في غير أشهر الحج. وقد كان أبو موسى يفتي بالتمتع فترك فتياه اتباعا لأمير المؤمنين وسمعا وطاعة لأئمة المهديين.
القول الثاني:
أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر. قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] و{يرتع ويلعب} [يوسف: 12].
قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد، واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد به من بعض، وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش، أي: معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: {قرآنا عربيا} [يوسف: 2]، ولم يقل: قرشيا.
قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا، يعني حجازها ويمنها، وكذلك قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، قال: لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات، فإن قريشا لا تهمز. وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]، حتى سمعت أعربيا يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها.
القول الثالث:
أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.
القول الرابع:
وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء- : أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ"، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا} [سبأ: 19] و "باعَد بين أسفارنا"، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش" أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود" أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"، أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".
القول الخامس:

أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها.


فصل
قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره.
قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها، وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه لأنه رآها أحسن والأولى عنده. قال: وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد ..
فلا زالت المشكلة قائمة حتى بعد التعديل المذكور، ويمكن إجمال الطريقة المطلوبة فيما يلي: قام الشيخ عبد العزيز حفظه الله باستنباط عناوين المقاصد التي أسس عليها ابنُ كثير «مقدمتَه»، وجمعها في صفحة تنظيم قراءة مقدمة ابن كثير، ووضع تحت كل مقصد منها روابط لأبواب ومواضيع في «المقدمة» هي مظانِّ هذه المقاصد.
وعلى الطالب الملخِّص أن يدخل كل رابط من هذه الروابط (الزرقاء)، فيقرأ كلام ابن كثير قراءة واعية متأنية تساعده على اختصار هذا الكلام المسترسل على صورة مسائل.
فإذا انتهى الطالب من استخلاص المسائل من كلام ابن كثير، جعل لكل مسألة عنوانًا يدل عليها، حتى إذا فرغ من عنونة كل المسائل قام بوضع كل مسألة تحت المقصد المتعلق بها.
فإذا تم ذلك، قام الطالب بترتيب المسائل داخل المقصد الواحد ترتيبًا موضوعيًّا منطقيًّا متسلسلًا، فمثلًا: المقصد الثاني «فضائل القرآن»، يذكر فيه الطالب كل مسألة لها تعلق بفضيلة من فضائل القرآن، ثم يقوم بترتيب المسائل داخله ترتيبًا موضوعيًّا بحيث إذا قرأه قارئ تحصل له الصورة الكاملة حول كلام ابن كثير عن فضائل القرآن في «مقدمته».
وهذا أنموذج عملي لتلخيص المقصد الأول من مقاصد مقدمة تفسير ابن كثير: (مـن هـنـا)
وهذا أيضًا أنموذج لتلخيص المقصد الثاني: (مـن هـنـا)
وإذا كان ذلك كذلك، فالمطلوب منكِ تلخيص المقصد الثالث «جمع القرآن وكتابة المصاحف» فقط، وفق ما ذكرنا من الدخول على روابط الموضوعات أسفله، وإدراج كل المسائل المتعلقة بـ «جمع القرآن وكتابة المصاحف»، وترتيبها ترتيبًا موضوعيًّا منطقيًّا.
يجدر التنبيه على أن درجات التلخيص يتم احتسابها وفق معايير خمسة، يمكنك الاطلاع على تفصيلها (مـن هـنـا)، على أن يكون توزيع الدرجات كما يلي: الشمول (30)، والترتيب (20)، والتحرير (20)، وحسن الصياغة (15)، وحسن العرض (15).

وفقكِ الله لما فيه الخير والصلاح

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1435هـ/12-10-2014م, 06:28 AM
هبة مجدي محمد علي هبة مجدي محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 656
افتراضي تلخيص موضوع جمع المصحف

معارضة النبي صلى الله عليه وسلم جبريل بالقرآن

كان صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل كل عام في رمضان
عرض عليه القرآن في العام الذي توفي فيه مرتين
كان أجود من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل في رمضان لعرض القرآن
كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان
الغرض من العرض : تأكيد ماأوحاه الله إليه ببقاء ماثبت ونسخ مارفع وتأكيد الحفظ
استحب العلماء من ذلك العناية في رمضان بالقرآن حفظا ومدارسة
لما لقيه مرتين في آخر عام كان إشارة لدنو الأجل
جمع عثمان للقرآن كان على العرضة الأخيرة

القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.

فضائل عبد الله بن مسعود

قال ابن مسعود رضي الله عنه: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم.
يجوز إخبار الرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره للحاجة.
حديث((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))

إشكال والرد عليه


عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار.
والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم وبهذا قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله

ذكر من جمع القرآن غير المجموعين في الحديث

ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة وعلي بن أبي طالب ومنهم عبد الله بن مسعود ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا. ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن،
وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. ومنهم عبد الله بن عمرو.


جمع القرآن قبل خلافة عثمان رضي الله عنه

تقدم ذكر من جمعه من الصحابة
جاءت خلافة الصديق رضي الله عنه واستحر القتل في القراء يوم اليمامة فأشار عليه عمر رضي الله عنه بجمع القرآن.
من فضائل الصديق رضي الله عنه :
قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم .
أمر الصديق زيد بن ثابت بجمع القرآن : قال زيد بن ثابت: "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال"
لم يبق من القرآن مما أداه الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم إلا وقد بلغوه إلينا.

جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن



قدم حذيفة بن اليمان على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

إن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن.

روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق حتى قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا.

بيان شيء من طريقتهم في الجمع

جلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخا، وإذا اختلفوا في وضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء، فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت فترافعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم.

رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين.

بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي كما يفهم من قصة كتابة سورة الأنفال وبعدها براءة بدون بسملة.

بيان أن ترتيب السور اجتهاد من عثمان رضي الله عنه .

أمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق، وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم.

عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد.

أما عثمان، رضي الله عنه، فما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه.

تأليف القرآن

إنكار عائشة رضي الله عنها على من تكلف ترتيب السور في المصحف وهذا قبل أن يعمم عثمان رضي الله عنه المصاحف وينشرها في الآفاق.
أما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك؛ ولهذا لم ترخص له في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور.

حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: {اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي: {الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة، رضي الله عنهم، وكذا ذكره مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي صلى الله عليه وسلم.


وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محذور.

بيان اختلاف تأليف ابن مسعود عن تأليف عثمان رضي الله عنه.

تحزيب القرآن

ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.

نقط المصحف

يقال: إن أول من أمر به عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك
، ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم.
وأما كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا، وقيل: بل أول من فعله المأمون، وحكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
وقال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا. وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسا.
وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا. وقال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه. قال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 محرم 1436هـ/8-11-2014م, 07:21 PM
محمود بن عبد العزيز محمود بن عبد العزيز غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: مصر، خلَّصها الله من كل ظلوم
المشاركات: 802
Thumbs up

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبة مجدي محمد علي مشاهدة المشاركة
معارضة النبي صلى الله عليه وسلم جبريل بالقرآن

كان صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل كل عام في رمضان
عرض عليه القرآن في العام الذي توفي فيه مرتين
كان أجود من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل في رمضان لعرض القرآن
كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان
الغرض من العرض : تأكيد ماأوحاه الله إليه ببقاء ماثبت ونسخ مارفع وتأكيد الحفظ
استحب العلماء من ذلك العناية في رمضان بالقرآن حفظا ومدارسة
لما لقيه مرتين في آخر عام كان إشارة لدنو الأجل
جمع عثمان للقرآن كان على العرضة الأخيرة

القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.

فضائل عبد الله بن مسعود

قال ابن مسعود رضي الله عنه: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم.
يجوز إخبار الرجل بما يعلم عن نفسه مما قد يجهله غيره للحاجة.
حديث((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))

إشكال والرد عليه


عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار.
والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم وبهذا قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله

ذكر من جمع القرآن غير المجموعين في الحديث

ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة وعلي بن أبي طالب ومنهم عبد الله بن مسعود ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا. ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن،
وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها. ومنهم عبد الله بن عمرو.


جمع القرآن قبل خلافة عثمان رضي الله عنه

تقدم ذكر من جمعه من الصحابة
جاءت خلافة الصديق رضي الله عنه واستحر القتل في القراء يوم اليمامة فأشار عليه عمر رضي الله عنه بجمع القرآن.
من فضائل الصديق رضي الله عنه :
قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم .
أمر الصديق زيد بن ثابت بجمع القرآن : قال زيد بن ثابت: "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال"
لم يبق من القرآن مما أداه الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم إلا وقد بلغوه إلينا.

جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن



قدم حذيفة بن اليمان على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

إن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن.

روي عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر أصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق حتى قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا.

بيان شيء من طريقتهم في الجمع

جلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخا، وإذا اختلفوا في وضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء، فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت فترافعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم.

رتب السور في المصحف، وقدم السبع الطوال وثنى بالمئين.

بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي كما يفهم من قصة كتابة سورة الأنفال وبعدها براءة بدون بسملة.

بيان أن ترتيب السور اجتهاد من عثمان رضي الله عنه .

أمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق، وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم.

عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد.

أما عثمان، رضي الله عنه، فما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه.

تأليف القرآن

إنكار عائشة رضي الله عنها على من تكلف ترتيب السور في المصحف وهذا قبل أن يعمم عثمان رضي الله عنه المصاحف وينشرها في الآفاق.
أما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم تقرير ذلك؛ ولهذا لم ترخص له في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه آي السور.

حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: {اقرأ باسم ربك الأكرم} وأول مصحف ابن مسعود: {مالك يوم الدين} ثم البقرة، ثم النساء على ترتب مختلف، وأول مصحف أبي: {الحمد لله} ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة، رضي الله عنهم، وكذا ذكره مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي صلى الله عليه وسلم.


وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا. وقالا إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محذور.

بيان اختلاف تأليف ابن مسعود عن تأليف عثمان رضي الله عنه.

تحزيب القرآن

ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم.

نقط المصحف

يقال: إن أول من أمر به عبد الملك بن مروان، فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط، فأمر الحسن البصري ويحيى بن يعمر ففعلا ذلك
، ويقال: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى بن يعمر والله أعلم.
وأما كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا، وقيل: بل أول من فعله المأمون، وحكى أبو عمرو الداني عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا.
وقال مالك: لا بأس به بالحبر، فأما بالألوان المصبغة فلا. وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسا.
وقال قتادة: بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا. وقال يحيى بن أبي كثير: أول ما أحدثوا النقط على الباء والتاء والثاء، وقالوا: لا بأس به، هو نور له، أحدثوا نقطا عند آخر الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
ورأى إبراهيم النخعي فاتحة سورة كذا، فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه. قال أبو عمرو الداني: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها.
تقييم التلخيص:
الشمول ( شمول التلخيص أهم المسائل ) : 30 / 30
الترتيب ( ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا منطقيًّا ): 18 / 20
التحرير ( اختصار الأقوال الواردة تحت المسائل مع تحريرها علميًّا ) : 15 / 20
الصياغة ( صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم ) : 14 / 15
العرض : ( حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه ليسهل قراءته ومراجعته ) : 13 / 15
التقييم العام: 90 / 100
وفقكِ الله، وسدد خطاكِ، ونفع بك الإسلام والمسلمين
* ملحوظة: سأضع بإذن الله قريبًا على صفحتكِ هنا تلخيصًا لمسألة أو مسألتين؛ ليكون أنموذجًا عمليًّا لصورة التلخيص المطلوب، بارك الله فيك.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 محرم 1436هـ/14-11-2014م, 08:59 PM
هبة مجدي محمد علي هبة مجدي محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 656
افتراضي

الباب الأول

المقاصد الفرعية للباب الأول:


1-فضل القرآن:

1-فضل تلاوة القرآن
2-الشغل بالقرآن
3-القرآن مأدبة الله


2-فضل تلاوة القرآن

1-فضل قراءة القرآن
2-ثواب قراءة القرآن

3-فضل تعلم القرآن والعمل به

1-فضل تعلم القرآن وتعليمه
2-تفضيل تعلم القرآن على غيره
3-فضل العمل بالقرآن

4-القرآن يرفع أهله في الدنيا والآخرة

1-فضل الماهر بالقرآن
2-رفعة صاحب القرآن
3-شفاعة القرآن
4-القرآن يرفع صاحبه في الجنة

5-الترهيب من هجر القرآن

1-ذم هاجر القرآن

المقصد الكلي للباب الأول:
فضل القرآن قراءة وتعلما وعملا ورفعة أهله في الدنيا والآخرة والترهيب من هجره.

مقاصد الباب الثاني

1-بيان الأحق بالإمامة والمشورة:

1-يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله
2-أهل القرآن أهل المشورة

2-فضل القرآن على سائر الأذكار


المقصد الكلي للباب الثاني:

فضل القرآن على غيره وفضل صاحب القرآن على غيره في الإمامة وغيرها

الباب الثالث: في إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم
المقاصد الفرعية :

1-الحث على تعظيم شعائر الله ومنها القرآن:

1-الحث على تعظيم شعائر الله

2-الأمر بإنزال الناس منازلهم :

1-الأمر بإنزال الله منازلهم
2-من إجلال الله إجلال صاحب القرآن
3-تقديم صاحب القرآن في القبر

3-الترهيب من إيذاء المؤمنين:

1-النهي عن إيذاء المؤمنين.
2-من صلى الصبح فهو في ذمة الله.
3-الترهيب من آذية الأولياء.

4-أهل القرآن أولياء الله:

1-العلماء أولياء الله
2-الترهيب من غيبة العلماء

المقصد الكلي للباب الثالث:
فضل إكرام العلماء وأهل القرآن والترهيب من معاداة العلماء

الباب الرابع

المقاصد الفرعية:


أولا :آداب المعلم:

1-الإخلاص:

1-النية قبل العمل.
2-الحذر من فساد النية بسبب الدنيا.
3-الحذر من حب الإشتهار بالعلم.

2-أخلاق المعلم:

1-التحلي بحسن الخلق.
2-مراعاة المروءة والحشمة للمعلم.
3-التواضع واللين.
4-البشاشة وحسن الاستقبال

3-آداب التعليم:

1-لا يمتنع من تعليم لشبهة.
2-لا يهين علمه.
3-سعة المجليس.
4-التربية على منهج التدرج.
5-النصح وتعاهد المتعلم بالموعظة


4-الحث على التعليم:

1-التعليم فرض كفاية.
2-الحرص على التعليم.

ثانيا:في آداب المتعلم:
1-الحرص على التعلم.
2-المسارعة والبكور .
3-حسن إختيار الشيخ.
4-قطع الشواغل والتواضع للمعلم.
5-مراعاة حق المعلم.
6-مراعاة حال الشيخ وتحمله والصبرعلى ذلك.
7-آداب حضور مجلس العلم.
8-حق الرفقة في العلم.
9-الترهيب من الحسدوالعجب.
المقصد الكلي للباب الرابع : آداب المعلم والمتعلم


الباب الخامس

1-أخلاق حامل القرآن:

1-مراعاة المروءة والترفع عن الدنايا
2-الحذر من الغفلة
3-الترهيب من أن يريد بالقرآن دنيا
4-حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن

2-فصل في تلاوة القرآن:

1-الحرص على ورد من القرآن
2-أحوال السلف مع تلاوة القرآن
3-في كم يقرأ القرآن

3-ليل صاحب القرآن:

1-فضل قيام الليل.
2-فضل قيام الليل على صلاة النهار.
3-ذم تارك القيام.
4-حامل القرآن حريص على قيام الليل.
5-تعهد القرآن.
6-النوم عن ورد الليل.

المقصد الكلي للباب الخامس
:
آداب حامل القرآن في نفسه وفي قيامه وتلاوته.

الباب السادس

أولا :آداب قراءة القرآن:

1-الإخلاص قبل قراءة القرآن

2-من الآداب الظاهرة السواك :

1-حكم السواك
2-كيفية التسوك
3-هل يتسوك بالأصبع؟
4-صفات العود المتسوك به

3- الطهارة للقرآن :

1-حكم قراءة المحدث
2-حكم القراءة للجنب والحائض
3-التيمم للحائض والجنب إذا لم يجد الماء
4-هل يصلي الجنب إذا فقد الطهورين

4- مكان القراءة :

1-هل يقرأ في الحمام؟
2-هل يقرأ في الطريق؟

5-استقبال القبلة


6-التعوذ والبسملة:

1-المحافظة على التعوذ والبسملة
2-البسملة هل هي آية؟

7-الخشوع لقراءة القرآن



8-إحترام القرآن الكريم:

1-الحذر من الضحك والكلام أثناء القراءة
2-تجنب العبث باليد والجسد
3-الحذر من تشتت الذهن وإطلاق النظر حوله
4-إحتناب النظر المحرم


ثانيا:صفة القراءة:

1-ترتيل القرآن:

1-دليله من القرآن
2-ماورد عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
3-ماورد عن ابن مسعود.
4-قول العلماء.

2-ويتعوذ عند آية العذاب ويسئل عند آية السؤال ويسبح إذا قرأ التسبيح:

1-ماورد في ذلك.
2-بيان أن هذا في الصلاة وغيرها.

3-ترديد الآية للتدبر:

1-ماورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
2-ماورد عن الصحابة.
3-ماورد عن التابعين.

4-القراءة بعير العربية.


5-القراءة بالقراءات:

1-تجوز بالمتواترة
2-حكم القراءة بالقراءات الشاذة
3-يلتزم قراءة واحدة في المجلس

6-القراءة بترتيب المصحف:

1-الأصل القراءة بالترتيب إلا فيما استثني
2- مخالفة الترتيب أحيانا
3-قراءة القرأن منكوسا

7-القراءة من المصحف


8-الاجتماع للقراءة:

1-الآثار الدالة عليها.
2-ذكر الخلاف فيها.
3-فضل من يجمعهم عليها.


9-رفع الصوت بالقرآن:

1-الأدلة عليه
2-الآثار عن الصحابة وغيرهم
3-فوائده
4-متى يجهر ومتى يسر


10-تحسين الصوت بالقرآن:

1-الأدلة عليه من السنة
2-الآثار عن السلف
3-القراءة بالألحان وحكمها


11-لا يتقيد بالأعشار والأحزاب

12-الأفضل إتمام السورة


13-يتوقف عن القراءة حتى يخرج الريح وينتهي التثاؤب.
14-خفض الصوت عند قراءة أقوال اليهود والنصارى عن الله
15-ويصلي عن النبي إذا قرأت الأمر بالصلاة عليه في سورة الأحزاب
16-ويقول بلى عند المواضع الواردة فيها
17-ويسبح ويحمد عند مواضعه


ثالثا:في أوقات القراءة:


1-الوقت الأفضل للقراءة:

1-في الصلاة
2-خارج الصلاة
3-الأيام المفضلة

2-متى تكره القراءة:

1-في غير مواضعها في الصلاة
2-النعاس
3-الخلاء
4-استعجام القرآن
5-سماع الخطبة
6-الخلاف في حال الطواف


رابعا-سماع القرآن من غيره:

1-الأحاديث التي تدل عليه.
2-فعل الصحابة

خامسا: القراءة في الصلاة :


1-القراءة في الصلاة:

1-القول في وجوب الفاتحة
2-القول في استحباب قراءة سورة
3-القول في تطويل الأولى على الثانية
4-مسألة قضاء الفائت للمأموم
5-القراءة الفاتحة للمأموم
6-العاجز عن الفاتحة يقرأ غيرها وإلا يسبح
7-ويجمع بين السورتين في ركعة
8-الجهر في الصلاة
9-الجهر للمأموم
10-الجهر في قيام الليل
11-لو قضى فائتة النهار بالليل وبالعكس
12-ومن جهر في موضع الإسرار وبالعكس فصلاته صحيحة
13-حد الإسرار في الصلاة السرية
14-السكتات الأربعة المسنونة في الصلاة

2-التأمين في الصلاة:

1-معناه
2-التأمين للمنفرد والمأموم والإمام
3-موافقة تأمين الإمام


3-البدع في القراءة:

1-إلتزام سورة الأنعام بالقراءة في الركعة الأخيرة ليلة 27من رمضان
2- تطويل الركعة الثانية على الأولى وإنما السنة تطويل الأولى،
3- التطويل على المأمومين،
4- هذرمة القراءة،
5- قراءة غير سجدة {ألم تنزيل} في الصبح يوم الجمعة

سادسا:سجود التلاوة:

1-الأمر به وتحقيق المراد بالأمر
2-عدد السجدات
3-المواضع التي اختلف فيها
4-هل يسجد في موضع ص في الصلاة
5-شروط سجود التلاوة
6-من يسن له السجود
7-سجود التلاوة للمنفرد والمأموم
8-وقت سجود التلاوة
9-القول فيمن قرأ السجدات كلها في مجلس كم يسجد
10-من قرأ السجدة في السفر
11-من قرأ السجدة في الركوع والسجود
12-من قرأ السجدة بالفارسية
13-لا تكره قراءة آيات السجدة للإمام على خلاف
14-سجود التلاوة في أوقات النهي على خلاف
15-صفة السجود
16-التسبيح والأذكار في سجدة التلاوة
17-في التكبير للرفع من السجدة وفي التشهد لهاو التسليم بعدها

سابعا:مسائل متفرقة:

1-إذا أراد أن يستدل بآية
2-الإدارة بالقرآن:

1-معناها
2-حكمها

3-في القراءة التي يراد بها الكلام:

1-الأثر عن علي رضي الله عنه
2-أثر عمر رضي الله عنه
3-أثر إبراهيم النخعي.

4-قطع القراءة لأسباب متعددة:

1-في إلقاء القاريء السلام ورده أثناء القراءة
2-إذا عطس القاريء يحمد الله
3-إذا سئل عن حاجة
4-ويقطع القراءة لنحو قدوم ذي فضل ونحوه


خامسا:آداب ختم القرآن:

1-وقته
2-صيام يومه
3-حضور مجلس الختم
4-دعاء ختم القرآن
5-بم يدعو
6-لا يتوقف بعد إنهاء الختمة.

المقصد الكلي للباب السادس:
آداب قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وصفة القراءة وختم القرآن

الباب السابع:

أولا : توقير القرآن:

1-النصيحة لكتاب الله
2-تعظيم القرآن
3-حكم من استخف بكتاب الله تعالى وجحده وجحد كتب الله
4-من قرأ بالشواذ
5-من لعن المصحف

ثانيا:تفسير القرآن:

1-من فسر القرآن بغير علم
2-أقسام المفسرين بالرأي
3-مايلزم المفسر من معرفة العربية ونحوها


ثالثا:كتابة القرآن ثم يغسل للتداوي


رابعا:أحكام متفرقة:

1-يجوز أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا
2-ويقول هذا قراءة فلان وفلان
3-حكم سماع الكافر للقرآن
4-النقش بالقرآن
5-النفث مع الرقية
6-لا يقول نسيت آية كذا
7-يقول ما الحكمة في تقديم آية كذا
8-تحريم المراء في كتاب الله

المقصد الكلي للباب السابع:
آداب الناس مع القرآن في قراءته وتفسيره ونحو ذلك

الباب الثامن

أولا :مايقرأ في شهر مخصوص:

1-القراءة في رمضان

ثانيا:مايقرأ عموما:

2-قراءة الواقعة ويس والملك

ثالثا:مايقرأ في الصلاة

1-الجمعة
2-العيدين
3-سنة الفجر
4-سنة المغرب
5-الوتر

رابعا:مايقرأ في يوم مخصوص:

4-قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها
5-قراءة سورة هود يوم الجمعة

خامسا مايقرأ في وقت مخصوص:


1-قراءة المعوذتين بعد الصلاة
2-القراءة قبل النوم:

1-آية الكرسي
2-المعوذتين
3-أواخر سورة البقرة
4-سورة الإخلاص
5-الزمر
6-بني إسرائيل

3-بعد الاستيقاظ:خواتيم آل عمران


سادسا مايقرأ في حال مخصوص:

1-مايقرأ عند المريض
2-مايقرأ عند الميت
المقصد الكلي للباب الثامن:

مايقرأ من القرآن في الأحوال مختلفة

الباب التاسع
1-جمع القرآن:

1-جمع القرآن
2-عدد المصاحف

3-كتابة المصاحف:

1-استحبا ب تحسينها
2-نقط المصحف
3-الكتابة بنجس
4-لايكتب على الجدران والأطعمة

4-صيانة المصحف:

1-تجب صيانته
2-يحرم توسده
3-القيام للمصحف
4-وضعه على وجهه

5-السفر بالمصحف


6-أحكام الحائض والجنب والمحدث:

1-حكم مسه
2-كتابته
3-تصفحه بعود ونحوه
4-كتب العلم التي بها قرآن
5-الثياب المطرزة بالقرآن
6-كتب التفسير
7-المنسوخ تلاوة
8-التيمم لمس المصحف
9-مس فاقد الطهورين للمصحف
10-لمس الصبي للمصحف

7-بيع المصحف وشراؤه


المقصد الكلي للباب التاسع:
أحكام تتعليق بالمصحف

الباب العاشر:

المقصد الكلي للباب العاشر:
ضبط الأسماء واللغات المذكورة في الكتاب


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 محرم 1436هـ/16-11-2014م, 01:27 AM
هبة مجدي محمد علي هبة مجدي محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 656
افتراضي تلخيص مسائل الباب الثالث من كتاب التبيان

الباب الثالث: في إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم

المقاصد الفرعية :

1-الحث على تعظيم شعائر الله ومنها القرآن:

1-الحث على تعظيم شعائر الله

قال الله عز وجل: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}

2-الأمر بإنزال الناس منازلهم:

1-الأمر بإنزال الله منازلهم

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)

2-من إجلال الله إجلال صاحب القرآن

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) رواه أبو داود وهو حديث حسن.

3-تقديم صاحب القرآن في القبر

- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: ((أيهما أكثر أخذا للقرآن؟))، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، رواه البخاري.

3-الترهيب من إيذاء المؤمنين:

1-النهي عن إيذاء المؤمنين.

قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}.

2-من صلى الصبح فهو في ذمة الله.

- ثبت في الصحيحين، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله تعالى، فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته)).

3-الترهيب من آذية الأولياء.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل قال: [من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب])) رواه البخاري.

4-أهل القرآن أولياء الله:

1-العلماء أولياء الله

- وعن أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما، قالا: "إن لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله ولي".

2-الترهيب من غيبة العلماء

- قال ابن عساكر رحمه الله: "اعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك لمرضاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب.

المقصد الكلي للباب الثالث:

فضل إكرام العلماء وأهل القرآن والترهيب من معاداة العلماء


قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): (الباب الثالث: في إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم
، وقال الله تعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}، وقال تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}، و
وفي الباب حديث أبي مسعود الأنصاري، وحديث ابن عباس المتقدمان في الباب الثاني.
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: - ورواه أبو داود في سننه، والبزار في مسنده، قال الحاكم أبو عبد الله في علوم الحديث: هو حديث صحيح.
- و

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 ربيع الأول 1436هـ/8-01-2015م, 07:28 AM
هيئة التصحيح 7 هيئة التصحيح 7 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 6,326
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبة مجدي محمد علي مشاهدة المشاركة
الباب الثالث: في إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم

المقاصد الفرعية :

1-الحث على تعظيم شعائر الله ومنها القرآن:

1-الحث على تعظيم شعائر الله

قال الله عز وجل: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}

2-الأمر بإنزال الناس منازلهم:

1-الأمر بإنزال الله منازلهم

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)

2-من إجلال الله إجلال صاحب القرآن

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) رواه أبو داود وهو حديث حسن.

3-تقديم صاحب القرآن في القبر

- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: ((أيهما أكثر أخذا للقرآن؟))، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، رواه البخاري.

3-الترهيب من إيذاء المؤمنين:

1-النهي عن إيذاء المؤمنين.

قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}.

2-من صلى الصبح فهو في ذمة الله.

- ثبت في الصحيحين، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله تعالى، فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته)).

3-الترهيب من آذية الأولياء.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل قال: [من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب])) رواه البخاري.

4-أهل القرآن أولياء الله:

1-العلماء أولياء الله

- وعن أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما، قالا: "إن لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله ولي".

2-الترهيب من غيبة العلماء

- قال ابن عساكر رحمه الله: "اعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك لمرضاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب.

المقصد الكلي للباب الثالث:

فضل إكرام العلماء وأهل القرآن والترهيب من معاداة العلماء


قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): (الباب الثالث: في إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم
، وقال الله تعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}، وقال تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}، و
وفي الباب حديث أبي مسعود الأنصاري، وحديث ابن عباس المتقدمان في الباب الثاني.
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: - ورواه أبو داود في سننه، والبزار في مسنده، قال الحاكم أبو عبد الله في علوم الحديث: هو حديث صحيح. [ما المراد من هذا؟] .
- و
بارك الله فيكِ ـ اعتمدت كثيرا على النسخ واللصق ، ولم تظهر قدرتك على الثياغة خاصة في التلخيص لكلام المصنف المذكور تحت كل مسألة أو مقصد فرعي .

الشمول : 9 / 10
الترتيب : 5 / 5
التحرير العلمي : 4 / 5
الصياغة : 3 / 5
العرض : 4 / 5
استخلاص مقصد الباب : 10 / 10

إجمالي الدرجات = 35 / 40

نفع الله بك ، ويسر لك من الخير ما يرضيه عنكِ .

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 ربيع الأول 1436هـ/8-01-2015م, 07:20 AM
هيئة التصحيح 7 هيئة التصحيح 7 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 6,326
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبة مجدي محمد علي مشاهدة المشاركة
الباب الأول

المقاصد الفرعية للباب الأول:


1-فضل القرآن:

1-فضل تلاوة القرآن .
2-الشغل بالقرآن .
3-القرآن مأدبة الله .
يرجى الانتباه لعلامات الترقيم .


2-فضل تلاوة القرآن

1-فضل قراءة القرآن .
2-ثواب قراءة القرآن .

3-فضل تعلم القرآن والعمل به

1-فضل تعلم القرآن وتعليمه .
2-تفضيل تعلم القرآن على غيره .
3-فضل العمل بالقرآن .

4-القرآن يرفع أهله في الدنيا والآخرة

1-فضل الماهر بالقرآن .
2-رفعة صاحب القرآن .
3-شفاعة القرآن .
4-القرآن يرفع صاحبه في الجنة .

5-الترهيب من هجر القرآن

1-ذم هاجر القرآن .

المقصد الكلي للباب الأول:
فضل القرآن قراءة وتعلما وعملا ورفعة أهله في الدنيا والآخرة والترهيب من هجره.[أحسنتِ ، بارك الله فيكِ] .

مقاصد الباب الثاني

1-بيان الأحق بالإمامة والمشورة:

1-يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله
2-أهل القرآن أهل المشورة

2-فضل القرآن على سائر الأذكار


المقصد الكلي للباب الثاني:

فضل القرآن على غيره وفضل صاحب القرآن على غيره في الإمامة وغيرها

الباب الثالث: في إكرام أهل القرآن والنهي عن إيذائهم
المقاصد الفرعية :

1-الحث على تعظيم شعائر الله ومنها القرآن:

1-الحث على تعظيم شعائر الله

2-الأمر بإنزال الناس منازلهم :

1-الأمر بإنزال الله منازلهم
2-من إجلال الله إجلال صاحب القرآن
3-تقديم صاحب القرآن في القبر
يرجى الانتباه لعلامات الترقيم ، فهذه نقاط تتطلب ((.)) في آخر كلِّ واحدة منها .

3-الترهيب من إيذاء المؤمنين:

1-النهي عن إيذاء المؤمنين.
2-من صلى الصبح فهو في ذمة الله.
3-الترهيب من آذية الأولياء.

4-أهل القرآن أولياء الله:

1-العلماء أولياء الله
2-الترهيب من غيبة العلماء

المقصد الكلي للباب الثالث:
فضل إكرام العلماء وأهل القرآن والترهيب من معاداة العلماء

الباب الرابع

المقاصد الفرعية:


أولا :آداب المعلم:

1-الإخلاص:

1-النية قبل العمل.
2-الحذر من فساد النية بسبب الدنيا.
3-الحذر من حب الإشتهار بالعلم. [يرجى الانتباه للأخطاء الكتابية] .

2-أخلاق المعلم:

1-التحلي بحسن الخلق.
2-مراعاة المروءة والحشمة للمعلم.
3-التواضع واللين.
4-البشاشة وحسن الاستقبال

3-آداب التعليم:

1-لا يمتنع من تعليم لشبهة.
2-لا يهين علمه.
3-سعة المجليس.
4-التربية على منهج التدرج.
5-النصح وتعاهد المتعلم بالموعظة


4-الحث على التعليم:

1-التعليم فرض كفاية.
2-الحرص على التعليم.

ثانيا:في آداب المتعلم:
1-الحرص على التعلم.
2-المسارعة والبكور .
3-حسن إختيار الشيخ.
4-قطع الشواغل والتواضع للمعلم.
5-مراعاة حق المعلم.
6-مراعاة حال الشيخ وتحمله والصبرعلى ذلك.
7-آداب حضور مجلس العلم.
8-حق الرفقة في العلم.
9-الترهيب من الحسدوالعجب.
المقصد الكلي للباب الرابع : آداب المعلم والمتعلم


الباب الخامس

1-أخلاق حامل القرآن: [وردت مسائل كثيرة في هذا الباب يمكن إدراجها تحت هذا المقصد ، ولو جمعت هذه المسائل تحت مقصدين بدلا من مقصد واحد لكان أفضل ، فنقول مثلا : الأول : الآداب التي ينبغي على حامل القرآن فعلها ، والثاني : الأمور التي ينبغي على حامل القرآن اجتنابها] .

1-مراعاة المروءة والترفع عن الدنايا
2-الحذر من الغفلة
3-الترهيب من أن يريد بالقرآن دنيا
4-حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن

2-فصل في تلاوة القرآن:

1-الحرص على ورد من القرآن
2-أحوال السلف مع تلاوة القرآن
3-في كم يقرأ القرآن

3-ليل صاحب القرآن:

1-فضل قيام الليل.
2-فضل قيام الليل على صلاة النهار.
3-ذم تارك القيام.
4-حامل القرآن حريص على قيام الليل.
5-تعهد القرآن.
6-النوم عن ورد الليل.

المقصد الكلي للباب الخامس
:
آداب حامل القرآن في نفسه وفي قيامه وتلاوته.

الباب السادس

أولا :آداب قراءة القرآن:

1-الإخلاص قبل قراءة القرآن

2-من الآداب الظاهرة السواك :

1-حكم السواك
2-كيفية التسوك
3-هل يتسوك بالأصبع؟
4-صفات العود المتسوك به

3- الطهارة للقرآن :

1-حكم قراءة المحدث
2-حكم القراءة للجنب والحائض
3-التيمم للحائض والجنب إذا لم يجد الماء
4-هل يصلي الجنب إذا فقد الطهورين ؟

4- مكان القراءة :

1-هل يقرأ في الحمام؟
2-هل يقرأ في الطريق؟

5-استقبال القبلة


6-التعوذ والبسملة:

1-المحافظة على التعوذ والبسملة
2-البسملة هل هي آية؟

7-الخشوع لقراءة القرآن



8-إحترام القرآن الكريم:

1-الحذر من الضحك والكلام أثناء القراءة
2-تجنب العبث باليد والجسد
3-الحذر من تشتت الذهن وإطلاق النظر حوله
4-إحتناب النظر المحرم


ثانيا:صفة القراءة: [تقسيم جيد ، بوركتِ] .

1-ترتيل القرآن:

1-دليله من القرآن
2-ماورد عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
3-ماورد عن ابن مسعود.
4-قول العلماء.

2-ويتعوذ عند آية العذاب ويسئل عند آية السؤال ويسبح إذا قرأ التسبيح:

1-ماورد في ذلك.
2-بيان أن هذا في الصلاة وغيرها.

3-ترديد الآية للتدبر:

1-ماورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
2-ماورد عن الصحابة.
3-ماورد عن التابعين.

4-القراءة بعير العربية.


5-القراءة بالقراءات:

1-تجوز بالمتواترة
2-حكم القراءة بالقراءات الشاذة
3-يلتزم قراءة واحدة في المجلس

6-القراءة بترتيب المصحف:

1-الأصل القراءة بالترتيب إلا فيما استثني
2- مخالفة الترتيب أحيانا
3-قراءة القرأن منكوسا

7-القراءة من المصحف


8-الاجتماع للقراءة:

1-الآثار الدالة عليها.
2-ذكر الخلاف فيها.
3-فضل من يجمعهم عليها.


9-رفع الصوت بالقرآن:

1-الأدلة عليه
2-الآثار عن الصحابة وغيرهم
3-فوائده
4-متى يجهر ومتى يسر ؟


10-تحسين الصوت بالقرآن:

1-الأدلة عليه من السنة
2-الآثار عن السلف
3-القراءة بالألحان وحكمها


11-لا يتقيد بالأعشار والأحزاب

12-الأفضل إتمام السورة


13-يتوقف عن القراءة حتى يخرج الريح وينتهي التثاؤب.
14-خفض الصوت عند قراءة أقوال اليهود والنصارى عن الله
15-ويصلي عن النبي إذا قرأت الأمر بالصلاة عليه في سورة الأحزاب
16-ويقول بلى عند المواضع الواردة فيها
17-ويسبح ويحمد عند مواضعه


ثالثا:في أوقات القراءة:

1-الوقت الأفضل للقراءة:

1-في الصلاة
2-خارج الصلاة
3-الأيام المفضلة

2-متى تكره القراءة:

1-في غير مواضعها في الصلاة
2-النعاس
3-الخلاء
4-استعجام القرآن
5-سماع الخطبة
6-الخلاف في حال الطواف


رابعا-سماع القرآن من غيره:

1-الأحاديث التي تدل عليه.
2-فعل الصحابة

خامسا: القراءة في الصلاة :


1-القراءة في الصلاة:

1-القول في وجوب الفاتحة
2-القول في استحباب قراءة سورة
3-القول في تطويل الأولى على الثانية
4-مسألة قضاء الفائت للمأموم
5-القراءة الفاتحة للمأموم [هل هذه الصياغة صحيحة؟] .
6-العاجز عن الفاتحة يقرأ غيرها وإلا يسبح
7-ويجمع بين السورتين في ركعة
8-الجهر في الصلاة
9-الجهر للمأموم
10-الجهر في قيام الليل
11-لو قضى فائتة النهار بالليل وبالعكس
12-ومن جهر في موضع الإسرار وبالعكس فصلاته صحيحة
13-حد الإسرار في الصلاة السرية
14-السكتات الأربعة المسنونة في الصلاة

2-التأمين في الصلاة:

1-معناه
2-التأمين للمنفرد والمأموم والإمام
3-موافقة تأمين الإمام


3-البدع في القراءة:

1-إلتزام سورة الأنعام بالقراءة في الركعة الأخيرة ليلة 27من رمضان
2- تطويل الركعة الثانية على الأولى وإنما السنة تطويل الأولى ،
3- التطويل على المأمومين،
4- هذرمة القراءة،
5- قراءة غير سجدة {ألم تنزيل} في الصبح يوم الجمعة

سادسا:سجود التلاوة:

1-الأمر به وتحقيق المراد بالأمر
2-عدد السجدات
3-المواضع التي اختلف فيها
4-هل يسجد في موضع ص في الصلاة ؟
5-شروط سجود التلاوة
6-من يسن له السجود
7-سجود التلاوة للمنفرد والمأموم
8-وقت سجود التلاوة
9-القول فيمن قرأ السجدات كلها في مجلس كم يسجد
10-من قرأ السجدة في السفر
11-من قرأ السجدة في الركوع والسجود
12-من قرأ السجدة بالفارسية
13-لا تكره قراءة آيات السجدة للإمام على خلاف
14-سجود التلاوة في أوقات النهي على خلاف
15-صفة السجود
16-التسبيح والأذكار في سجدة التلاوة
17-في التكبير للرفع من السجدة وفي التشهد لهاو التسليم بعدها

سابعا:مسائل متفرقة:

1-إذا أراد أن يستدل بآية
2-الإدارة بالقرآن:

1-معناها
2-حكمها

3-في القراءة التي يراد بها الكلام:

1-الأثر عن علي رضي الله عنه
2-أثر عمر رضي الله عنه
3-أثر إبراهيم النخعي.

4-قطع القراءة لأسباب متعددة:

1-في إلقاء القاريء السلام ورده أثناء القراءة
2-إذا عطس القاريء يحمد الله
3-إذا سئل عن حاجة
4-ويقطع القراءة لنحو قدوم ذي فضل ونحوه


خامسا:آداب ختم القرآن:

1-وقته
2-صيام يومه
3-حضور مجلس الختم
4-دعاء ختم القرآن
5-بم يدعو ؟
6-لا يتوقف بعد إنهاء الختمة.

المقصد الكلي للباب السادس:
آداب قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وصفة القراءة وختم القرآن

الباب السابع:

أولا : توقير القرآن:

1-النصيحة لكتاب الله
2-تعظيم القرآن
3-حكم من استخف بكتاب الله تعالى وجحده وجحد كتب الله
4-من قرأ بالشواذ
5-من لعن المصحف

ثانيا:تفسير القرآن:

1-من فسر القرآن بغير علم
2-أقسام المفسرين بالرأي
3-مايلزم المفسر من معرفة العربية ونحوها


ثالثا:كتابة القرآن ثم يغسل للتداوي


رابعا:أحكام متفرقة:

1-يجوز أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا
2-ويقول هذا قراءة فلان وفلان
3-حكم سماع الكافر للقرآن
4-النقش بالقرآن
5-النفث مع الرقية
6-لا يقول نسيت آية كذا
7-يقول ما الحكمة في تقديم آية كذا ؟
8-تحريم المراء في كتاب الله

المقصد الكلي للباب السابع:
آداب الناس مع القرآن في قراءته وتفسيره ونحو ذلك

الباب الثامن

أولا :مايقرأ في شهر مخصوص:

1-القراءة في رمضان

ثانيا:مايقرأ عموما:

2-قراءة الواقعة ويس والملك

ثالثا:مايقرأ في الصلاة

1-الجمعة
2-العيدين
3-سنة الفجر
4-سنة المغرب
5-الوتر

رابعا:مايقرأ في يوم مخصوص:

4-قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها
5-قراءة سورة هود يوم الجمعة

خامسا مايقرأ في وقت مخصوص:


1-قراءة المعوذتين بعد الصلاة
2-القراءة قبل النوم:

1-آية الكرسي
2-المعوذتين
3-أواخر سورة البقرة
4-سورة الإخلاص
5-الزمر
6-بني إسرائيل

3-بعد الاستيقاظ:خواتيم آل عمران


سادسا مايقرأ في حال مخصوص:

1-مايقرأ عند المريض
2-مايقرأ عند الميت
المقصد الكلي للباب الثامن:

مايقرأ من القرآن في الأحوال مختلفة

الباب التاسع
1-جمع القرآن:

1-جمع القرآن
2-عدد المصاحف

3-كتابة المصاحف:

1-استحبا ب تحسينها
2-نقط المصحف
3-الكتابة بنجس
4-لايكتب على الجدران والأطعمة

4-صيانة المصحف:

1-تجب صيانته
2-يحرم توسده
3-القيام للمصحف
4-وضعه على وجهه

5-السفر بالمصحف


6-أحكام الحائض والجنب والمحدث:

1-حكم مسه
2-كتابته
3-تصفحه بعود ونحوه
4-كتب العلم التي بها قرآن
5-الثياب المطرزة بالقرآن
6-كتب التفسير
7-المنسوخ تلاوة
8-التيمم لمس المصحف
9-مس فاقد الطهورين للمصحف
10-لمس الصبي للمصحف

7-بيع المصحف وشراؤه


المقصد الكلي للباب التاسع:
أحكام تتعليق بالمصحف

الباب العاشر:

المقصد الكلي للباب العاشر:
ضبط الأسماء واللغات المذكورة في الكتاب
أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ، ونفع بكِ ، أداء جيد ومتميز ، فاتكِ أمر مهم جدا ، ألا وهو :
صياغة المقصد الكلي للكتاب
، وهناك بعض الملاحظات اليسيرة تم التنبيه عليها أثناء التصحيح ، فيرجى الاهتمام بعلامات الترقيم ، كما أن هناك بعض الأخطاء الكتابية يرجى الانتباه لها .

تقييم التلخيص :
الشمول : 8 / 10
الترتيب : 10 / 10
التحرير العلمي : 9 / 10
الصياغة : 4 / 5
العرض : 4 / 5
استخلاص المقاصد الفرعية : 10 / 10
استخلاص المقصد الكلي للكتاب : 0 / 10
إجمالي الدرجات = 45 / 60

بارك الله فيكِ ، ونفع بكِ ، يمكنكِ إتمام المطلوب لرفع الدرجة .

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 ذو الحجة 1435هـ/12-10-2014م, 06:37 AM
هبة مجدي محمد علي هبة مجدي محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 656
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيئة التصحيح 8 مشاهدة المشاركة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد ..
فلا زالت المشكلة قائمة حتى بعد التعديل المذكور، ويمكن إجمال الطريقة المطلوبة فيما يلي: قام الشيخ عبد العزيز حفظه الله باستنباط عناوين المقاصد التي أسس عليها ابنُ كثير «مقدمتَه»، وجمعها في صفحة تنظيم قراءة مقدمة ابن كثير، ووضع تحت كل مقصد منها روابط لأبواب ومواضيع في «المقدمة» هي مظانِّ هذه المقاصد.
وعلى الطالب الملخِّص أن يدخل كل رابط من هذه الروابط (الزرقاء)، فيقرأ كلام ابن كثير قراءة واعية متأنية تساعده على اختصار هذا الكلام المسترسل على صورة مسائل.
فإذا انتهى الطالب من استخلاص المسائل من كلام ابن كثير، جعل لكل مسألة عنوانًا يدل عليها، حتى إذا فرغ من عنونة كل المسائل قام بوضع كل مسألة تحت المقصد المتعلق بها.
فإذا تم ذلك، قام الطالب بترتيب المسائل داخل المقصد الواحد ترتيبًا موضوعيًّا منطقيًّا متسلسلًا، فمثلًا: المقصد الثاني «فضائل القرآن»، يذكر فيه الطالب كل مسألة لها تعلق بفضيلة من فضائل القرآن، ثم يقوم بترتيب المسائل داخله ترتيبًا موضوعيًّا بحيث إذا قرأه قارئ تحصل له الصورة الكاملة حول كلام ابن كثير عن فضائل القرآن في «مقدمته».
وهذا أنموذج عملي لتلخيص المقصد الأول من مقاصد مقدمة تفسير ابن كثير: (مـن هـنـا)
وهذا أيضًا أنموذج لتلخيص المقصد الثاني: (مـن هـنـا)
وإذا كان ذلك كذلك، فالمطلوب منكِ تلخيص المقصد الثالث «جمع القرآن وكتابة المصاحف» فقط، وفق ما ذكرنا من الدخول على روابط الموضوعات أسفله، وإدراج كل المسائل المتعلقة بـ «جمع القرآن وكتابة المصاحف»، وترتيبها ترتيبًا موضوعيًّا منطقيًّا.
يجدر التنبيه على أن درجات التلخيص يتم احتسابها وفق معايير خمسة، يمكنك الاطلاع على تفصيلها (مـن هـنـا)، على أن يكون توزيع الدرجات كما يلي: الشمول (30)، والترتيب (20)، والتحرير (20)، وحسن الصياغة (15)، وحسن العرض (15).

وفقكِ الله لما فيه الخير والصلاح

جزاكم الله خيرا

تم التعديل أسأل الله التوفيق

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:41 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir