دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > اللقطة والوصايا والفرائض

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 03:33 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الوصايا

بَابُ الوصَــايَا

عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: قالَ: ((مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ - لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ - يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)).
زادَ مسلمٌ، قالَ ابنُ عمرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَقُولُ ذلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.
عن سعدِ بنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَعُودُني - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ - مِن وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، قَدْ بَلَغَ بِي مِن الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قالَ؛ ((لاَ)). قلتُ: فَالشَّطْرُ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: ((لاَ)). قلتُ: فَالثُلثُ؟ قالَ: ((الثُلُثُ، وَالثُّلثُ كَثِيرٌ. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِن أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حتَّى مَا تَجْعَلُ في فِي امْرَأَتِكَ)). قالَ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قالَ: ((إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ ويُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لكِن البَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ)) يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنْ مَاتَ بِمَكَّةَ.
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِن الثُّلُثِ إِلى الرُّبُعِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: ((الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)).

  #2  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 09:10 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : يَبِيتُ كأنه على حذْفِ أن على حدِّ قولِه : { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ } ويَجوزُ أن لا يُعتقَدُ فيه حذْفٌ ويكون يَبيتُ صفةً لقولِه : مسلِمٌ .
قولُه : فالشَّطْرُ .
قيَّدَه الزمخشريُّ في ( الفائقِ ) بالنصْبِ بفعْلٍ مضمَرٍ أي أوْجَبَ الشَّطْرَ .
وقالَ السُّهيليُّ في ( أماليه ): الخفْضُ فيه أظهَرُ من النصْبِ لأن النصْبَ بإضمارِ أفعَلَ والخفْضَ مردودٌ على قولِه : بثُلُثَيْ .
قولُه : قالَ : (( الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ))
جَوَّزُوا في الثلُثِ الأوَّلِ نصْبَه ورفْعَه فالنصْبُ على الإغراءِ أو بفعْلٍ مضمَرٍ أي هِبِ الثلُثَ واقتَصِرْ عليه في ( الفائقِ ).
والرفْعَ على أنه فاعلٌ بفعْلٍ مقدَّرٍ أي يَكفيك الثلُثُ زائداً وخبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي المشروعُ الثلُثُ .
قولُه : (( إِنْ تَذَرْ )) .
رُوِيَ بفتْحِ الهمزةِ وكسْرِها فالفتْحُ على التعليلِ والكسْرُ على الشرْطِ .
قالَ النوويُّ : وكلاهما صحيحٌ ورجَّحَ القرطبيُّ الفتْحَ وقالَ : الكسْرُ لا معنى له .
وكذا قالَ ابنُ الخشَّابِ النحويُّ : الكسْرُ خطأٌ لأنه جوابٌ له .
وقالَ غيرُه : الكسْرُ أظهَرُ لأنه كلامٌ مستأنَفٌ كقولِه تعالى : { إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ } .
وقولُه : (( إِنْ تَذَرْ )).
مرفوعُ المحَلِّ على الابتداءِ أي وِذْرُكَ أي تركُكَ ورثَتَكَ أغنياءَ خيرٌ، ثم إن الجملةَ بأسْرِها خبرُ إن .
قولُه : ((خَيْرٌ)). فهي حذْفٌ .
أي فهو خيرٌ، قالَه ابنُ مالكٍ على حدِّ قراءةِ طاوُسٍ { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ } أي فهو خيرٌ قالَ فهذا وإن لم يُصرِّحْ فيه بأداةِ الشرْطِ فإن الأمْرَ يَتضمَّنُ معناه فكان التصريحُ به في استحقاقِ الجوابِ .
قولُه : ((لَكِنَّ البَائِسَ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ)).
يَرْثِي له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ماتَ بمكَّةَ القاتِلُ يَرْثِي له سعدُ بنُ معاذٍ كذا بيَّنَه البخاري في كتابِ ( الأدعيةِ ) وقيلَ بل قاتِلُه الزهريُّ .
قالَ القاضي في ( المشارِقِ ) : والأوَّلُ أصحُّ ثم هم بفتْحِ الهمزةِ بمعنى من أجْلِ ولا يَجوزُ الكسْرُ على إرادةِ الشرْطِ لأنه كان قد انقَضَى أمْرُه وتَمَّ قالَه صاحِبُ ( المشارِقِ) قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: لم يَختلِفوا أن سعدَ بنَ خولَةَ ماتَ بمكَّةَ في حَجَّةِ الوداعِ .
قالَ أبو عمرَ: رَثِيَ له أن ماتَ بمكَّةَ يعني في الأرْضِ التي هاجَرَ فيها .
ويَدُلُّ لذلك قولُه : ((اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ )) .
قالَ : وهذا يَرُدُّ قولَ من قالَ : إنما رَثِيَ له لأنه ماتَ قبلَ أن يُهاجِرَ وذلك غلَطٌ واضحٌ لأنه لم يَشهَدْ بدْراً إلا بعدَ هجرتِه وهذا مما لا يَشكُّ فيه ذو لُبٍّ .. انتهى .

ووَقَعَ في ( المقْتَفَى ) لابنِ المنيرِ شيءٌ يَجبُ التنبيهُ عليه وهو أنه استنْبَطَ من قولِه : لكن البائسَ أن الهجرةَ كانت شرْطاً في صحَّةِ الإسلامِ وأن إطلاقَ البؤسِ عليه بعدَ الموتِ يدُلُّ على أن الخاتِمةَ لم تكن على الإسلامِ لأن المسلِمَ لا بُؤْسَ عليه وهذا ضعيفٌ باطلٌ بل كانت خاتِمتُه على الإسلامِ وهو من مشاهيرِ الصحابةِ من أهلِ بدرٍ وإنما كَرِهَ النبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له ذلك لأنه ماتَ بالأرضِ التي هاجَرَ منها ويدُلُّ له ما أخرَجَه أحمدُ في مسنَدِه والطبرانىُّ في ( الدعاءِ الكبيرِ ) من جهةِ عبدِ اللهِ بنِ أبي سعيدِ بنِ أبي هندٍ عن أبيه عن ابنِ عمرَ قالَ : كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دَخَلَ مكَّةَ قالَ : (( الَّلهُمَّ لَا تَجْعَلْ مَنَايَانَا بِهَا حَتَّى تُخْرِجَنَا مِنْهَا)) .

ثم قالَ الطبرانىُّ : معناه عندى أنه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِه أن يموتَ الرجلُ في الموضِعِ الذي هاجَرَ منه .
والشاهِدُ على ذلك قولُه لسعدٍ لما دخَلَ عليه يَعودُه بمكَّةَ : (( اللَّهُمَّ أَتْمِمْ لِسَعْدٍ هِجْرَتَهُ )) .. انتهى .
وهذا الحكْمُ من خصائصِ الصحابةِ وهو تحريمُ الإقامةِ بمكَّةَ إلا ثلاثةَ أيَّامٍ وإلا فمن هاجَرَ اليومَ من بلادِ الكفْرِ حتى صار ذلك البلَدُ بلدَ إسلامٍ لا يَحرُمُ عليه الرجوعُ بالإجماعِ .
((الْعَالَةُ)).
جمْعُ عائلٍ وهو الفقيرُ تَكفَّفَ السائلُ واستَكَفَّ إذا بَسَطَ كفَّه للسؤالِ أو سألَ الناسَ كفًّا من طعامٍ أو ما يَكُفُّ الجوعَ قالَه في ( الفائقِ ) .
قولُه : لو أن الناسَ .
يَحتمِلُ أن لو للتَّمنِّي فلا تَحتاجُ إلى جوابٍ كما يُحتَجُّ في قولِه : { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً } ويَجوزُ أن تُجعَلَ شَرطيَّةً فيكونَ الجوابُ محذوفاً أي لكان حقًّا.
وغَضُّوا: نَقَصوا وحَطُّوا

  #3  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 09:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
Exclamation خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ الوَصَايَا

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ والثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قالَ: ((مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ- لَهُ شَيْءٌ يُوْصِي فِيهِ- يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)).
زادَ مسلمٌ: قالَ ابنُ عمرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: مَشْرُوعِيَّةُ الوصيَّةِ وهيَ واجبةٌ ومُسْتَحَبَّةٌ، فالواجبةُ هيَ الوَصِيَّةُ بأداءِ الحقوقِ الواجبةِ التي لَيْسَ بها بَيِّنَةٌ، والمُسْتَحَبَّةُ هيَ التَّبَرُّعُ بالمالِ على وجهِ البِرِّ والإحسانِ.
الثَّانِيَةُ: اسْتِحْبَابُ المُبَادَرَةِ بالوصيَّةِ؛ لِئَلَّا يَأْتِيَهِ أَمْرُ اللَّهِ قَبْلَهَا.
الثَّالِثَةُ: أنَّ الكتابةَ المعروفةَ تَكْفِي لإثباتِ الوصيَّةِ والعملِ بها.


الْحَدِيثُ التَّاسِعُ والثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ سعدِ بنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُني- عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ- مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَلَغَ بِي مِن الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قالَ؛ ((لَا)). قلتُ: فَالشَّطْرُ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: ((لَا)). قلتُ: فَالثُّلثُ؟ قالَ: ((الثُّلُثُ، وَالثُّلثُ كَثِيرٌ. إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حتَّى مَا تَجْعَلُ في فِي امْرَأَتِكَ)). قالَ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قالَ: ((إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ، فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ ويُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ: لكِن البَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ)) يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ مَاتَ بِمَكَّةَ


الْحَدِيثُ التسعونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِن الثُّلُثِ إِلى الرُّبُعِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (الشَّطْر). يُرَادُ بهِ النِّصْفُ.
قَوْلُهُ: (أنْ تَذَرَ). بِفَتْحِ الهمزةِ على التعليلِ وَبِكَسْرِهَا على الشرطيَّةِ.
قَوْلُهُ: (عَالَةً). جمعُ عائلٍ، وهوَ الفقيرُ.
قَوْلُهُ: (يَتَكَفَّفُونَ الناسَ). يَسْأَلُونَهم بِأَكُفِّهِم.

فِيهِمَا مَسَائِلُ:
الأُولَى: اسْتِحْبَابُ عِيَادَةِ المريضِ لا سِيَّمَا الأقاربُ والأصدقاءُ.
الثَّانِيَةُ: جوازُ إخبارِ المريضِ بمرضِهِ، وبيانُ شوقِهِ إذا لم يَقْصِد التَّشَكِّيَ والتَّسَخُّطَ.
الثَّالِثَةُ: استشارةُ العلماءِ وأهلِ المعرفةِ.
الرَّابِعَةُ: إباحةُ جمعِ المالِ بالطُّرُقِ المَشْرُوعَةِ.
الْخَامِسَةُ: اسْتِحْبَابُ الوصيَّةِ بالثُّلُثِ فَأَقَلَّ، والأفضلُ مُرَاعَاةُ الوَرَثَةِ، فلا يُبَدِّدُهُ عليهم، فهم أَوْلَى الناسِ بِبِرِّهِ.

  #4  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 09:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بَابُ الوَصَايَا(103)
الحَدِيثُ التِّسْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
290- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:((مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوْصِي بهِ، يَبِيتُ ليلةً، أو لَيْلَتَيْنِ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)).
زادَ مُسْلِمٌ، قَالَ ابنُ عمرَ: فَوَاللهِ مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذلِكَ إِلاَّ وَ عِنْدِي وَصِيَّتِي.(104)



الْمِقْدَارُ الذي تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بهِ شَرْعاً
الحَدِيثُ الْحَادِي والتِّسْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
291- عن سَعْدِ بنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُني عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي.
فَقُلْتُ: يَا رَسولَ اللهِ، قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟
قَالَ:((لاَ)). قلتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: ((لاَ)).
قُلتُ: فَالثُّلُثُ؟
قَالَ:((الثُّلُثُ، وَالثُّلثُ كَثِيرٌ. إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ)).
قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟
قَالَ:((إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ، فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، ويُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ , لَكِنَّ البَائِسَ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ)) يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ مَاتَ بِمَكَّةَ.(105)



الحَدِيثُ الثَّانِي والتِّسْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
- عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلى الرُّبُعِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)).(106)

103-


الْوَصَايَا: جَمْعُ وصيةٍ مِثْلُ هَدَايَا: جَمْعُ هَدِيَّةٍ
قالَ الأزهريُّ: مأخوذةٌ مِن ((وَصَيْتُ الشَّيْءَ أَصِيهِ )) إذا وَصَلْتُهُ.
سُمِّيَتْ وَصِيَّةً؛ لأنَّ الموصِيَ وَصَلَ ما كانَ لهُ في حياتِهِ بِمَا كانَ بعدَ مماتِهِ.
ويقالُ: وَصَّى - بالتَّشْدِيدِ - وأَوْصَى يُوصِي أيضاً - وهيَ - لغةً - الأمرُ قالَ اللهُ تَعَالَى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرةِ: 132 ].
وشرعاً: عهدٌ خاصٌّ بالتَّصَرُّفِ بالمالِ، أو التَّبَرُّعِ بهِ بعدَ الموتِ.
وهيَ مشروعةٌ بالكتابِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرةِ: 180].
وَمَشْرُوعَةٌ بالسُّنَّةِ لهذهِ ِ الأحاديثِ الآتيةِ وإجماعِ المسلمينَ في جميعِ الأعصارِ والأمصارِ.

وهيَ مِن محاسنِ الإسلامِ، إِذْ جعلَ لصاحبِ المالِ جُزْءَاً منِ مالِهِ، يعودُ عليهِ ثَوَابُهُ وأجرُهُ بعدَ موتِهِ.
وهيَ مِن لُطْفِ اللهِ بعبادِهِ ورحمتِهِ بهمْ، حينما أباحَ لهمْ مِن أموالِهِمْ عندَ خروجِهِمْ مِن الدُّنْيَا أَنْ يَتَزَوَّدُوا لآخِرَتِهِمْ بنصيبٍ مِنْهَا.
ولهذا جاءَ في بعضِ الأحاديثِ القُدْسِيَّةِ قولُ اللهِ تَعَالَى: ((يَا ابْنَ آدَمَ جَعَلْتُ لَكَ نَصِيباً مِن مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظَمِكَ لِأُطَهِّرَكَ بِهِ وَأُزَكِّيَكَ )).


104- المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
يَحُضُّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ على الْمُبَادَرَةِ إلى فِعْلِ الخيرِ واغتنامِ الفرصةِ قبلَ فواتِهَا، فأفادَهُمْ أَنَّهُ ليسَ مِن الحقِّ والصَّوابِ والحزمِ لِمَن عندهُ شيءٌ يريدُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ ويُبَيِّنَهُ، أَنْ يُهْمِلَهُ حَتَّى تَمْضِيَ عليهِ المدَّةُ الطَّوِيلَةُ.
بل يَبادِرُ إلى كتابَتِهِ وبيانِهِ، وغايةُ ما يُسَامَحُ فيهِ الليلةُ والليلتانِ.
فإنَّ المبادرةَ إلى ذَلِكَ، مِن المسابقةِ إلى الخيراتِ والأخذِ بالحَزْمِ.
فإنَّ الإنسانَ لا يدرِي ما مَقَامُهُ في هذهِ ِ الحياةِ؟ كَمَا أنَّ فيهِ امتثالَ أمرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ولذا فإنَّ ابنَ عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا - بَعْدَ أَنْ سَمِعَ هذهِ ِ النَّصِيحةَ النَّبَوِيَّةَ - كانَ يتعاهَدُ وَصِيَّتَهُ كلَّ ليلةٍ، امتثالاً لأمرِ الشَّارِعِ، وبَيَاناً للحقِّ، وتَأَهُّباً للنُّقْلَةِ إلى دارِ القَرَارِ.

مَا يُسْتَفَادُ مِن الحديثِ:
1- مشروعيَّةُ الوصيةِ، وعليها إجماعُ العلماءِ، وعمدةُ الإجماعِ، الكتابُ والسُّنَّةُ.
2- أنَّهَا قسمانِ:
أ- مُسْتَحَبٌّ
ب- وواجبٌ.
فالمستحبُّ، ما كانَ للتَّطَوُّعَاتِ والقُرُبَاتِ.
والواجبُ في الحقوقِ الواجبةِ،التي ليسَ لها بينِّةٌ تُثْبِتُهَا بعدَ وفاتِهِ؛ لأَنَّ((مَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ )).
وذكرَ ابنُ دقيقِ العيدِ أنَّ هذا الحديثَ محمولٌ على النَّوْعِ الواجبِ.

3- مشروعيةُ المبادرةِ إليها، بياناً لها، وامتثالاً لأمرِ الشَّارِعِ فيها، واستعداداً للموتِ، وتبصُّراً بِهَا وبِمَصْرَفِهَا، قبلَ أَنْ يشغلَهُ عنها شاغلٌ.

4- إِنَّ الكتابةَ المعروفةَ تكفِي لإثباتِ الوصيَّةِ والعملِ بها؛ لأَنَّهُ لمْ يذكرْ شهوداً لها, والْخَطُّ إذا عُرِفَ، بَيِّنَةٌ ووثيقةٌ قويَّةٌ.

5- فَضْلُ ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عنهُ، ومُبَادَرَتُهُ إلى فعلِ الخيرِ، واتِّبَاعِ الشَّارِعِ الحَكِيمِ.

6- قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: والتَّرْخِيصُ في الليلتينِ والثَّلاَثِ دَفْعٌ لِلْحَرَجِ والْعُسْرِ.

105- الْغَرِيبُ:
الشَّطْرُ: يجوزُ جَرُّهُ بالعطفِ على ((ثُلُثَيْ ))، وبَيَّنَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهُ يجوزُ نَصْبُهُ، على تقديرِ فِعْلٍ محذوفٍ هوَ عاملُ نَصْبِهِ, أيْ: ((أُعَيِّنُ)) ويُطْلَقُ على معانٍ، مِنْهَا النِّصْفُ، وهوَ المرادُ هُنَا.
كَثِيرٌ: بالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ في أكثرِ رواياتِ الحديثِ، وهوَ المحفوظُ.
أَنْ تَذَرَ: بفتحِ الهمزةِ على التَّعْلِيلِ، وبِكَسْرِهَا على الشَّرْطِيَّةِ.
قالَ النَّوَوِيُّ: هُمَا صحيحانِ، وَرَدَّ بعضُهُم الكسرَ لعدمِ صَلاَحِيَّةِ ((خَيْرٌ)) جَوَاباً، إذْ لاَ فَاءَ فيها.
وابنُ مالكٍ يَرَى أنَّ ((خَيْرٌ)) هِيَ الجوابُ، والفاءُ مقدَّرَةٌ، والمعنى فهوَ خيرٌ.

عَالَةً: جَمْعُ ((عَائِلٍ ))، وَ((الْعَالَةُ)) الفقراءُ مِن ((عَالَ يَعِيلُ )) إذا افتقرَ. ((والْعَيْلَةُ )) الفقرُ.
يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ: مأخوذٌ مِن الْكَفِّ ((الْيَدُ )) أي يسألونَ النَّاسَ بِأَكُفِّهِمْ.

سعدُ بنُ خَوْلَةَ: نُسِبَ إلى أُمِّهِ، وهوَ قريشيٌّ عامريٌّ مِن جماعةِ أبي عبيدةَ بنِ الجرَّاحِ، وقيلَ: فارسيٌّ مِن اليمنِ، حالفَ بَنِي عامرٍ. بَدْرِيٌّ مِن فضلاءِ الصَّحابةِ، تُوُفِّيَ بمكةَ في حَجَّةِ الوداعِ، كانتْ تَحْتَهُ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الحارثِ، فَتُوُفِّيَ عنها، وهيَ حاملٌ. وقدْ رَثَى لهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأَنَّهُ تُوُفِّيَ في البلدِ التي هاجرَ مِنْهَا، فَدَعَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابهِ أَنْ يُتِمَّ لَهُمْ هِجْرَتَهُمْ.


المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
مَرِضَ سَعْدُ بْنُ أبي وَقَّاصٍ رَضِي اللهُ عنهُ في حُجَّةِ الوداعِ مرضاً شديداً خافَ مِن شِدَّتِهِ الموتَ.
فَعَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعَادَتِهِ في تَفَقُّدِ أصحابِهِ ومُوَاسَاتِهِ إِيَّاهُمْ.
فَذَكَرَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الدَّوَاعِي، ما يُعْتَقَدُ أنَّهَا تُسَوِّغُ لهُ التَّصَدُّقَ بالكثيرِ مِن مَالِهِ.
فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّنِي قد اشتدَّ بِي الوجعُ الذي أخافُ مِنهُ الموتَ، وإِنِّي صاحبُ مالٍ كثيرٍ، وإنهُ ليسَ مِن الوَرَثَةِ الضُّعَفَاءِ، الذِينَ أَخْشَى عليهم الْعَيْلَةَ والضَّيَاعَ إِلاَّ ابنةً واحدةً، فبعدَ هذا: هلْ أَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي، لِأُقَدِّمَهُ لصالحِ عَمَلِي؟
فقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ)).قالَ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: ((لاَ)).
قَالَ: فَالثُّلُثُ؟ فقالَ: ((لاَ مَانِعَ مِن التَّصَدُّقِ بالثُّلُثِ مَعَ أَنَّهُ كثيرٌ. فالنُّزُولُ إلى ما دونِهِ مِن الرُّبُعِ والْخُمْسِ أَفْضَلُ )).ثُمَّ بينَ لهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكمةَ في النُّزُولِ في الصَّدَقَةِ مِن أكثرِ المالِ إلى أَقَلِّهِ بِأَمْرَيْنِ:
1- وهوَ أَنَّهُ إنْ ماتَ، وقدْ تركَ وَرَثَتَهُ أغنياءَ مُنْتَفِعِينَ بِبِرِّهِ ومَالِهِ فَذَلِكَ خيرٌ مِن أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهُمْ إلى غَيْرِهِمْ، ويَدَعَهُمْ يعيشونَ على إحسانِ النَّاسِ.
2- وإِمَّا أَنْ يَبْقَى ويجدَ مَالَهُ فَيُنْفِقَهُ في طُرُقِهِ الشَّرْعِيَّةِ، ويَحْتَسِبَ الأجرَ عندَ اللهِ فَيُؤْجَرَ على ذَلِكَ، حَتَّى في أوجبِ النَّفَقَاتِ عليهِ, وهوَ مَا يُطْعِمُهُ زَوْجَهُ.

ثُمَّ خافَ سعدٌ أَنْ يموتَ بِمَكَّةَ التي هَاجَرَ مِنْهَا، وتَرَكَهَا لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى, فَيَنْقُصُ ذَلِكَ مِن ثوابِ هجرتِهِ.
فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لنْ يُخَلَّفَ قَهْراً في البلدِ التي هَاجَرَ مِنْهَا, فَيَعْمَلَ فيهِ عَمَلاً ابتغاءَ ثوابِ اللهِ إِلاَّ ازدادَ بهِ درجةً.


ثُمَّ بَشَّرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَدُلُّ على أَنَّهُ سَيَبْرَأُ مِن مَرَضِهِ، ويَنْفَعُ اللهُ بهِ المؤمنينَ، ويضُرُّ بهِ الكَافِرِينَ.

فكانَ كَمَا أخبرَ الصَّادِقُ المصدوقُ، فقدْ بَرِئَ مِن مرضِهِ، وصارَ القائدَ الأعلى في حربِ الفرسِ.
فَنَفَعَ اللهُ بهِ الإسلامَ والمُسْلِمِينَ، وفتحَ الفتوحَ، وضرَّ بهِ الشِّرْكَ والمشركينَ، إِذْ ضَعْضَعَ عُرُوشَهُمْ.

ثُمَّ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمُومِ أصحابِهِ أَنْ يُحَقِّقَ لَهُمْ هِجْرَتَهُمْ. وأَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُمْ, وَأَنْ لاَ يَرُدَّهُمْ عن دِينِهِمْ، أو عن البلادِ التي هَاجَرُوا مِنْهَا.

فَقَبِلَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ ذَلِكَ، ولهُ الحمدُ والْمِنَّةُ. والحمدُ للهِ الذي أعزَّ بِهِم الإسلامَ.

مَا يُسْتَفَادُ مِن الحديثِ: ِ
نَأْخُذُ الأحكامَ مِن أَوَّلِ الحديثِ:
1- استحبابُ عيادةِ المريضِ، وتتأكَّدُ لِمَنْ لهُ حقٌّ، مِن قريبٍ، وصَدِيقٍ ونَحْوِهِمَا.
2- جوازُ إخبارِ المريضِ بمرضِهِ وبيانِ شِدَّتِهِ إذا لمْ يَقْصِد التَّشَكِّيَ والسَّخَطَ، وينبغِي ذِكْرُهُ للفائدةِ، كَطَبِيبٍ يُعِينُهُ على تَشْخِيصِ مَرَضِهِ أو مُسْعِفٍ يَتَسَبَّبُ لهُ العلاجَ.
3- استشارةُ العلماءِ واستفتاؤُهُمْ في أمورِهِ.
4- إباحةُ جَمْعِ المالِ إذا كانَ مِن طُرُقِهِ الشَّرْعِيِّةِ.
5- استحبابُ الوصيَّةِ، وأَنْ تكونَ بالثُّلثِ مِن المالِ فأقلَّ، ولو مِمَّنْ هوَ صاحبُ مالٍ كثيرٍ.
6- الأفضلُ أَنْ يكونَ بأقلَّ مِن الثُّلُثِ، وذَلِكَ لحقِّ الورثةِ.
7- أنَّ إبقاءَ المالِ للورثةِ - مع حاجتِهِمْ إليهِ - أحسنُ مِن التَّصَدُّقِ بهِ على الْبُعَدَاءِ لكونِ الوارثِ أولى بِبِرِّهِ مِن غَيْرِهِ.
8- أنَّ النَّفَقَةِ على الأولادِ والزَّوْجَةِ عبادةٌ جليلةٌ مع النِيِّةِ الحسنةِ.
وذَكَرَ ابنُ دقيقِ العيدِ أنَّ الثَّوَابَ في الإنفاقِ مشروطٌ بصِحَّةِ النِّيَّةِ في ابتغاءِ وجهِ اللهِ، وهذا دقيقٌ عَسِرٌ؛ لأَنَّهُ مُعَارَضٌ بمقتضَى الطَّبِعِ والشَّهْوَةِ، فلاَبُدَّ مِن أَنْ يُمَازِجَهُ ذَلِكَ عندَ مُعْظَمِ النَّاسِ،
ثُمَّ بَيَّنَ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ الواجباتِ الماليةَ إذا أُدِّيَتْ على وجهِ أداءِ الواجبِ وابتغاءِ وجهِ اللهِ أُثُيبَ فَاعِلُهَا، وإنْ أُشْرِبَتْ نِيَّتُهُ مع إِرَادَةِ وجهِ اللهِ الرَّغْبَةَ في أداءِ الواجبِ،

وشَارَكُهُ الصَّنْعَانِيُّ في استدلالِهِ ببعضِ أحاديثِ الجهادِ مِمَّا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وذَلِكَ أنَّ صاحبَ الخيلِ الذي يَرْبُطُهَا في سبيلِ اللهِ يُثَابُ إذا مَرَّ بِهَا رَاكِبُهَا على نَهْرٍ، ولمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا فَشَرِبَتْ،ومِن ذَلِكَ إنفاقُ الرَّجُلِ على زَوْجِهِ فَإِنَّهُ مُثَابٌ عليهِ مع أَنَّهُ واجبٌ يُؤَدِّيهِ، بل إِنَّهُ يُثَابُ على مُجَامَعَتِهَا.
9- أنَّ مَن هَاجَرَ مِن بلدٍ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى ولإعلاءِ كَلِمَتِهِ، فَلاَ يَرْجِعُ إليها لِلإِقامةِ، فإِنْ أقامَ بغيرِ قصدِهِ، فَلاَ حَرَجَ عليهِ.
10- في الحديثِ معجزةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيثُ أشارَ إلى أنَّ سَعْداً سَيَبْرَأُ مِن مَرَضِهِ وينتفعُ بِهِ أُنَاسٌ، ويُضَرُّ آخَرُونَ.
فكانَ كَمَا َقالَ، حيثُ فَتَحَ بِلاَدَ فَارِسَ، وعَزَّ بهِ المسلمونَ، وانْضَرَّ بهِ المشركونَ، الذينَ ماتُوا على شِرْكِهِمْ.
11- أنَّ اللهَ كَمَّلَ للصَّحَابةِ هِجْرَتَهُمْ مِن مَكَّةَ إلى المدينةِ، بسببِ عَزْمِهِم الصَّادقِ، ودعواتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَارَكَاتِ.


106- المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
فَهِمَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا - وهوَ حَبْرُ الُأمَّةِ وتُرْجُمَانُ القُرْآنِ - مِن قولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ )). أَنَّ الْوَصِيَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تكونَ بأقلَّ مِن الثُّلُثِ، بل الرُّبُعِ.

وذَلِكَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْثَرَهَا في قِصَّةِ سعدٍ، ولكنَّهُ أَقَرَّهُ عليها، لَمَّا رَأَى مِن حِرْصِهِ على كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ مِن مَالِهِ.
كلُّ هَذَا لكونِ نَفْعِ الإنسانِ لأَقَارِبِهِ الأدْنَيْنَ، وليحفظَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، فيستغْنُوا بهِ عن مسألةِ النَّاسِ.
وقد تقدَّمَ معنى هذا الحديثِ، في حديثِ سعدٍ.

  #5  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 09:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

بَابُ الوصَايا

296 - الحديثُ الأَوَّلُ: عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)). زَادَ مُسلمٌ: قَالَ ابنُ عمرَ: ((مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ، إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي)).


((الوَصِيَّةُ)) عَلَى وجهينِ: أحدُهما: الوصيَّةُ بالحقوقِ الواجبةِ عَلَى الإِنسانِ، وَذَلِكَ واجبٌ، وَتَكَلَّمَ بعضُهم فِي الشيءِ اليسيرِ الَّذِي جَرَت العادةُ بِتَدَايُنِه وَرَدِّهِ مَعَ القربِ هَلْ تجبُ الوَصَيَّةُ بِهِ عَلَى التضييقِ والفورِ؟ وكأنَّه رُوعِيَ فِي ذَلِكَ المشقَّةُ.
والوجهُ الثَّانِي: الوصيَّةُ بالتطوُّعَاتِ فِي القُرُبَاتِ، وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، وكأنَّ الحديثَ إنما يُحْمَلُ عَلَى النوعِ الأَوَّلِ.

والترخيصُ فِي ((الليلَتَيْن)) أَوْ ((الثلاثِ)) دَفْعٌ للحرجِ والعُسْرِ، وربَّمَا اسْتَدَلَّ بِهِ قومٌ عَلَى العملِ بالخطِّ والكتابةِ، لقولِه: ((وصيَّتُه مَكْتُوبَةٌ)) ولم يَذْكُرْ أمرًا زائدًا، ولولا أنَّ ذَلِكَ كافٍ لَما كَانَ لِكِتَابَتِهِ فائدةٌ، والمُخَالِفُونَ يقولُون: المرادُ وصيَّتُه مَكْتُوبَةٌ بشروطِها، وَيَأْخُذُونَ الشروطَ من خارجٍ.

والحديثُ دليلٌ عَلَى فضلِ ابنِ عمرَ لمُبَادَرَتِه فِي امتثالِ الأمرِ ومُوَاظَبَتِه عَلَى ذَلِكَ.



297 - الحديثُ الثَّانِي: عن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: ((جَاءَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَالثُّلثُ، قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثيرٌ، إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فِيِّ امرَأَتِكَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخرُونَ، اللهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِن البَائسَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ)).

فِيْهِ دليلٌ عَلَى عيادةِ الإِمامِ أصحابَه.
ودليلٌ عَلَى ذكرِ شِدَّةِ المرضِ لاَ فِي مَعْرِضِ الشَّكْوى.
وَفِيهِ دليلٌ عَلَى استحبابِ الصدقةِ لذوي الأموالِ.
وَفِيهِ دليلٌ عَلَى مُبَادَرَةِ الصحابةِ، وشدَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الخيراتِ، لطلبِ سعدٍ التصدُّقَ بالأكثرِ.
وَفِيهِ دليلٌ عَلَى تخصيصِ الوصيَّةِ بالثُّلُثِ.
وَفِيهِ دليلٌ عَلَى أن الثُّلُثَ فِي حدِّ الكثرةِ فِي بابِ الوصيَّةِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ مذهبُ مالكٍ فِي الثُّلُثِ بالنسبةِ إِلَى مسائلَ متعدِّدَةٍ، فَفِي بعضِها جُعِلَ فِي حَدِّ الكثرةِ، وَفِي بعضِها جُعِلَ فِي حدِّ القلَّةِ، فَإِذَا جُعِلَ فِي حدِّ الكثرةِ، اسْتُدِلَّ بقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((والثُّلُثُ كثيرٌ))
إِلاَّ أنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى أمرينِ: أحدُهما: أن لاَ يُعْتَبَرَ السياقُ الَّذِي يَقْتَضِي تخصيصَ كثرةِ الثُّلُثِ بالوصيَّةِ، بل يُؤْخَذُ لفظًا عامًّا.
وَالثَّانِي: أن يَدُلَّ دليلٌ عَلَى اعتبارِ مُسَمَّى الكثرةِ فِي ذَلِكَ الحُكْمِ، فحينئذٍ يَحْصُلُ المَقْصُودُ، بأن يقالَ: الكثرةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي هَذَا الحكمِ، والثلثُ كثيرٌ، فالثُّلُثُ مُعْتَبَرٌ، ومتى لم تُلْمَحْ كلُّ واحدةٍ من هاتينِ المُقَدِّمَتَيْنِ، لم يَحْصُلِ المَقْصُودُ.

مثالٌ من ذَلِكَ: ذهبَ بعضُ أصحابِ مالكٍ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَسَحَ ثُلُثَ رأسِه فِي الوضوءِ أَجْزَأَهُ لأنه كثيرٌ للحديثِ، فيقالُ لَهُ: لِمَ قلتَ: إن مُسَمَّى الكثرةِ مُعْتَبَرٌ فِي المسحِ؟ فَإِذَا أَثْبَتَه قِيلَ لَهُ: لِمَ قُلْتَ: إن مُطْلَقَ الثلُثِ كثيرٌ، وإن كلَّ ثُلُثٍ فَهُوَ كثيرٌ بالنسبةِ إِلَى كلِّ حُكْمٍ؟ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ سائرَ المسائلِ، فَيُطْلَبُ فِيْهَا تصحيحُ كلِّ واحدةٍ مِن المُقَدِّمَتَيْنِ.

وَفِيهِ دليلٌ عَلَى أنَّ طلبَ الغِنَى للورثةِ راجحٌ عَلَى تَرْكِِهم فقراءَ عالةً يَتَكَفَّفُونَ الناسَ، ومن هَذَا أَخَذَ بعضُهم استحبابَ الغضِّ مِن الثلثِ، وقالُوا أَيْضًا: يُنْظَرُ إِلَى قدرِ المالِ فِي القلَّةِ والكثرةِ، فتكونُ الوصيَّةُ بحسبِ ذَلِكَ اتِّباعًا للمعنى المذكورِ فِي الحديثِ، مِن تَرْكِ الورثةِ أغنياءَ.

وَفِيهِ دليلٌ عَلَى أن الثوابَ فِي الإِنفاقِ مشروطٌ بصحَّةِ النيَّةِ فِي ابتغاءِ وجهِ اللهِ، وَهَذَا دقيقٌ عَسِرٌ، إِذَا عَارَضَهُ مُقْتَضَى الطبعِ والشهوةِ، فإنَّ ذَلِكَ لاَ يُحَصِّلُ الغَرَضَ مِن الثوابِ، حَتَّى يُبْتَغَيَ بِهِ وجهُ اللهِ، وَيَشُقُّ تَخْلِيصُ هَذَا المقصودِ مِمَّا يَشُوبُه مِن مُقْتَضَى الطبعِ والشهوةِ.

وَقَدْ يكونُ فِيهِ دليلٌ عَلَى أن الواجباتِ الماليَّةَ إِذَا أُدِّيَتْ عَلَى قصدِ الواجبِ وابتغاءِ وجهِ اللهِ أُثِيبَ عَلَيْهَا، فإنَّ قولَه: ((حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امرأتِك))، لاَ تخصيصَ لَهُ بغيرِ الواجبِ، ولفظةُ ((حَتَّى)) ههنا تقتضي المُبَالَغَةَ فِي تحصيلِ هَذَا الأجرِ بالنسبةِ إِلَى المُغَيِّي، كَمَا يقالُ: جَاءَ الحاجُّ حَتَّى المشاةُ، وماتَ الناسُ حَتَّى الأنبياءُ، فيمكنُ أن يقالَ: سببُ هَذَا مَا أَشَرْنَا إليه من تَوَهُّمِ أن أداءَ الواجبِ قَدْ يُشْعِرُ بأنَّه لاَ يَقْتَضِي غيرَه، وأن لاَ يزيدَ عَلَى تحصيلِ براءةِ الذمَّةِ، ويَحْتَمِلُ أن يكونَ ذَلِكَ دفعًا لما عَسَاهُ يُتَوَهَّمُ، مِن أنَّ إنفاقَ الزوجِ عَلَى الزوجةِ، وإطعامَه إيَّاها، واجبًا أَوْ غيرَ واجبٍ، لاَ يُعَارِضُ تحصيلَ الثوابِ إِذَا ابْتَغَى بِذَلِكَ وجهَ اللهِ،

كَمَا جَاءَ فِي حديثِ زينبَ الثقفيَّةِ، لمَّا أَرَادَتْ الإِنفاقَ من عندِها، وَقَالَتْ: ((لستُ بِتَارِكَتِهِمْ))، وَتَوَهَّمَتْ أن ذَلِكَ مِمَّا يمنعُ الصدقةَ عَلَيْهِمْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ عَنْهَا، وَأُزِيلَ الوهمُ، نَعَمْ فِي مثلِ هَذَا يُحْتَاجُ إِلَى النظرِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُحْتَاجُ إِلَى نيَّةٍ خاصَّةٍ فِي الجزئياتِ، أمْ تَكْفِي نيَّةٌ عامَّةٌ؟
وَقَدْ دلَّ الشرعُ عَلَى الاكتفاءِ بأصلِ النيَّةِ وعمومِها فِي بابِ الجهادِ، حَيْثُ قَالَ: ((لَوْ مَرَّ بنهرٍ وَلاَ يريدُ أن يُسْقَى بِهِ فَشَرِبَتْ كانَ له أجرٌ )) أوكَمَا قالَ: فَيُمْكِنُ أن يُعدَّى هذا إلى سائرِ الأشياءِ فَيُكْتَفَى بِنِيَّةٍ مُجْمَلَةٍ أَوْ عامَّةٍ، وَلاَ يُحْتَاجُ فِي الجزئياتِ إِلَى ذَلِكَ.

وقولُه، عَلَيْهِ السَّلامُ: ((وَلَعَلَّكَ أن تُخَلَّفَ... إلخ))، تسليةٌ لسعدٍ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ للتخَلُّفِ بسببِ المرضِ الَّذِي وقعَ لَهُ، وَفِيْهِ إشارةٌ إِلَى تَلَمُّحِ هَذَا المعنى، حَيْثُ تقعُ بالإِنسانِ المَكَارِهُ، حَتَّى تَمْنَعَهُ مقاصدَ لَهُ، ويرجُو المصلحةَ فيما يفعلُه اللهُ تَعَالَى.

وقولُه عَلَيْهِ السَّلامُ: ((اللهمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ)) لعلَّهُ يُرَادُ بِهِ إتمامُ العملِ عَلَى وجهٍ لاَ يَدْخُلُهُ نقضٌ، وَلاَ نقضَ لما ابْتُدِيءَ بِهِ.
وَفِيهِ دليلٌ عَلَى تعظيمِ أَمْرِ الهجرةِ، وأنَّ تَرْكَ إتمامِها مِمَّا يَدْخُلُ تحتَ قولِه: ((وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ)).

298 - الحديثُ الثالثُ: عن عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: ((لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبعِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثيِرٌ)).

قولُ ابنِ عبّاسٍ: قَدْ مَرَّت الإِشارةُ إِلَى سبَبِه، وَقَدْ اسْتَنْبَطَهُ ابنُ عبَّاسٍ مِن لفظِ ((كثيرٍ))، وإن كَانَ القولُ الَّذِي أَقَرَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وأشارَ لفظُه إِلَى الأَمْرِ بِهِ - وَهُوَ الثلثُ - يقتضي الوصيةَ بِهِ، ولكن ابنُ عبَّاس قَدْ أَشَارَ إِلَى اعْتِبَارِ هَذَا بقولِه: ((لَوْ أنَّ الناسَّ))، فَإِنَّهَا صيغةٌ فِيهَا ضعفٌ مَا بالنسبةِ إلى طلبِ الغضِّ إِلَى مَا دونَ الثلثِ، واللهُ أعلمُ.

  #6  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 09:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

المتن :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد له رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
قال المؤلف ، رحمه الله تعالى :
باب الوصايا وغير ذلك
عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه ، يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )) زاد مسلم ، قال بن عمر : ( فوالله ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وصيتي عندي ) .
وعن سعد بن أبي وقاص ، رضي الله عنه قال : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع ، من وجع اشتد بي ، فقلت : ( يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة أفتصدق بثلثي مالي ؟ ) قال : (( لا )) قلت : ( فالشطر يا رسول الله ؟ ) قال : (( لا )) ، قلت : ( فالثلث ؟ ) ، قال : (( الثلث والثلث كثير ، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وإنك لا تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها ، حتى ما تجعل في في امرأتك )) ، فقلت : ( يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ) قال : (( إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ، ويضربك آخرون ، اللهم أمضي لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم ، ولكن البائس سعد بن خولة ، يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة .

وعن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما قال : لو أن الناس عضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الثلث والثلث كثير )) .


الشرح :

الحمد لله ، وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ، أما بعد :
فهذا الباب في الوصايا وغير ذلك ، كل الثلاثة متعلقة بالوصايا .
فالحديث الأول : يقول صلى الله عليه وسلم : (( ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عنده )) فهذا يدل على تأكيد الوصية ، إذا كان له شيء يريد أن يوص به .

(( ما حق امرئ مسلم )) يعني ليس من حقه هذا ، بل ينبغي له أن يبادر ، وهذا يختلف قد يكون سنة فقط ، وقد يكون واجبا ، فإذا أحب أن يوصي بالثلث أو بالربع أو بصدقات أستحب له أن يكتب ذلك ، حتى لا يُنسى و يُضّيع ، أما إن كان عليه شيء ، واجب ، كالديون للناس ليس عليها وثائق ، أو رهون أو حقوق أخرى لا تدل عليها وثائق ، يجهزها ويوصي بها حتى لا تضيع ، من باب الوجوب وأداء الحقوق ، إما أن يعجل بقضائها وهو حي ، وإما أن يوصي بها حتى تسلم عنه بعد وفاته .

وهذا من محاسن الإسلام ومن محاسن الشريعة الحث على العناية بما يريد المؤمن أن ينتفع به ، بعد وفاته ، وأن لا يتساهل ؛ لأن الموت يأتي بغتة ، فينبغي أن يأخذ بالحيطة بما يُحب أن يتقرب إلى الله ، ويحب أن يوصي به أقاربه ، أو للفقراء وغير ذلك ، ومن ذلك ما يتعلق بالديون والحقوق التي عليه للناس ، فإن هذه أمور لازمة يجب عليه أن يؤديها ، وأن يفعل الأسباب التي تقتضي أدائها من والوصية بذلك ، أو إنجاز صرفها في حياته وتسلميها لأهله .

وفي فضل ابن عمر ومسارعته ، فما مرت ليلة منذ أن سمع الحديث إلا ووصيته مكتوبة عنده ، فهذا يدل على فضله رضي الله عنه ، وأنه كان يسابق إلى ما سمع من الخير ، وكان من أكثر الناس اجتهادا في العبادة وحرصا عليها ، رضي الله عنه ، والوصية : هي أن يوصي الإنسان بماله أو بجزء من ماله إلى غيره بعد الموت.

كان في ذاك الوقت ما عنده إلا بنت، ما بعد عنده ذكور ولا إناث أخريات، قال: (أفتصدق بثلثي مالي) قال: ((لا))، قلت:فالشطر، قال: "لا" قلت: (فالثلث) قال: ((الثلث، والثلث كثير))، فهذا يدل على أنه ينبغي للموصي أن لا يتجاوز الثلث، بل الثلث فأقل؛ لأن هذا حقه، والزائد لا حق له فيه، فإذا أوصى فتكون الوصية مقيدة بالثلث، فأقل لهذا الحديث الصحيح
وبَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم العلة والحكمة في ذلك قال: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس))
كون المؤمن يذر ورثته أغنياء قد وسع الله عليهم بأسبابه أولى من أن يدعهم عالة فقراء يتكففون الناس، ففي هذا دلالة على أنه إذا أراد الخير واحتسب الخير في ورثته أنه يؤجر على ذلك،.

وبين له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تنفق نفقة تريد بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك، يعني إذا احتسب الأجر فيما يخلفه وفيما ينفقه فله ذلك، حتى ما يعطي امرأته من النفقة، إن احتسب ذلك فله أجره، لكونه أداءً للواجب.

وفيه من الفوائد: أن المؤمن ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث.
وفيه من الفوائد شرعية عيادة المريض، كان عليه الصلاة والسلام يعود المرضى، فدل ذلك على شرعية عيادة المرضى.


وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع يعني: لكان أولى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)))
كما أوصى الصديق بالخمس، فإذا أوصى بالخمس أو بالربع كان أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الثلث والثلث كثير))
ولهذا قال ابن عباس: (لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع) يعني: لهذا الحديث.

وفي حديث سعد، في آخره الدلالة على فضل من أطال الله عمره في الإسلام والمسلمين, لما قال يا رسول الله:أخلف بعد أصحابي؟ قال:((إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويُضَرَّ بك آخرون))، وقد خُلف رضي الله عنه، وطالت حياته إلى أواخر العقد السادس، توفي سنة ستة وخمسين من الهجرة، فعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة وأربعين سنة.
وقد نفع الله به في الجهاد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وحصل على يديه خير كثير في جهاد الفرس، فانتفع به أقوام وانضر به آخرون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ((اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم))
دعاء لهم بأن الله يعطيهم هجرتهم ويمضيها لهم, ولا يردهم على أعقابهم, فالإنسان يسأل ربه أن الله يمضي هجرته ويتقبلها وأن لا يرده عن ذلك خاسئا خائبا, بل يسأل ربه أن يمضي له الهجرة وأن يثيبه عليها وأن يتقبلها منه, مع سؤال الله عز وجل حسن الختام والعافية من مضلات الفتن، فإن الرد على العقب رجوع في الباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم قال: ((لكن البائس سعد بن خولة، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة))
يعني: يتوجع له هذا يدل على أن المهاجر إذا مات في غير البلد التي هاجر منها، يكون أولى, الموت في بلد هجرته غير مرغوب فيه؛ لأنه شيء تركه لله، فينبغي أن لا يعود إليه.
ولهذا بقي الصحابة في المدينة بعد فتح مكة، ومكثوا فيها حتى مات من مات فيها، أو انتقل للجهاد من انتقل منها في الجهات الأخرى، ولم يعودوا إلى مكة لأنهم تركوها لله فلا ينبغي أن يعودوا في ما تركوه لله، ولهذا توجع النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة؛ لأنه مات بمكة، بمحل الهجرة، ومعلوم أن ذلك لا يضره إذا كان بغير اختياره لكن يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن كونه يموت في محل هجرته أولى من موته في محله الذي هاجر منه
تحريضاً للمسلم على عدم البقاء في المحل الذي هاجر منه، وأنه يبقى فيه بقدر الحاجة، هذا يُرَخَّص له ثلاثة أيام بعد الحج ثم ينصرف إلى المدينة، فالمهاجر ينبغي له إذا أتى القرية التي هاجر منها أو البلد لحاجة أن لا يطيل فيها، ثلاثة أيام فأقل.

وفق الله الجميع، وصلى الله على نبينا محمد.

  #7  
قديم 13 محرم 1430هـ/9-01-2009م, 08:12 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

باب الوصايا

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيئا يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) . زاد مسلم: قال ابن عمر: ما مرت ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي, فقلت: يا رسول الله: قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة, أفأتصدق بثلثي مالي, قال:((لا)), قلت: فالشطر يا رسول الله , قال: ((لا)), قلت: فالثلث , قال: ((الثلث , والثلث كثير , إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها , حتى ما تجعل في في امراتك)) قال: قلت: يا رسول الله أخلّف بعد أصحابي, قال: ((إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا أزدت به درجة ورفعة , ولعلَّك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويُضر بك آخرون . اللهم أمض لأصحابي هجرتهم , ولا تردهم على أعقابهم)) لكن البائس سعدبن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)) .
الشيخ: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على محمد .
الوصايا ما يوصي به الإنسان بعد موته ، والوصي هو الوكيل على هذه الوصايا ، والإنسان معروف ويعرف من نفسه أنه سوف يموت ، فيحتاج إلى من يخلفه , يخلفه في ذريته , يكون وصيا عليهم ، ويخلفه في ماله , يكون حافظا له ومنفقا على ذريته ونحوهم , ويخلفه في وقفه وفي صدقاته , فيوزعها ويعطيها لمن يستحقها وهكذا .

فلأجل ذلك شرعت الوصيَّة , قال الله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} هذا قد كان مفروضا {كتب عليكم} ،
والكتب هو الإيجاب كما في قوله: {كتب عليكم الصيام} يعني فرض , كتب عليكم الوصية .
ثم هذه الآية فيها أنه عند الموت يوصي فيقول: لوالدي من المال كذا ، ولأخي من المال كذا ، ولابني ولزوجي ونحو ذلك , يوصي لهم بهذه الوصايا , فإذا أوصى لهم فبعد موته تنفذ تلك الوصايا.

ولما نزلت آيات المواريث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث)) فاستقرت الفرائض لأهلها ، والوصية لغير الوارث . وبعد الأذان نكمل إن شاء الله .

فأولى على الإنسان أن يهتم بما عنده ، فيكتبه ، بما عنده من الحقوق ؛ لهذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) والشيء الذي حث عليه مثل الأمانات والديون والأوقاف ، وكذلك وصيته ، ووصايا أبويه إذا كانت على يديه , فيكتب ذلك , يكتب ما سوف يخرجه من ماله ، ويكتب مصارفه الذي يصرف فيها ، ويكتب الناظر عليه والوكيل , ويكتب الديون التي في ذمته ، والديون التي له مثلا ، ويكتب الحقوق والأمانات التي عنده ، ويكتب الأشياء التي قد يجهلها غيره وهو يعلمها من الأملاك التي يملكها ، أو نحو ذلك, حتى لو فجأه الموت لم يكن مفرطا بل وجد ما عنده مكملا ، أما لو فرط مثلا ومات فجأة بقيت ذمته مشغولة ، بقيت حقوق الناس وأماناتهم عنده , ديونهم وأماناتهم مثلا تبقى في ذمته ؛ لأن الورثة قد لا يعلمون شيئا عن ذلك , فيقتسمون ما عنده من الأموال , وقد يكون بعضها أو أكثرها لغيره ، فيأكلون مالا يستحقون ، وسبب ذلك تفريطه هو , حيث لم يثبت ما عنده من الأمور , إن هذا هو السبب ,

فلأجل ذلك يقول ابن عمر: ما أتت علي ليلة بعد إذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ووصيتى عندي ، وبعضهم يجعلها تحت رأسه , ربما أنه يجدد فيها , كلما تجدد له شيء زاد فيها وغير ونقص وأضاف ؛ حتى إذا مات وإذا هو قد أكملها .

وقد روي في الآثار بعض ما تقدم به الوصية عن بعض السلف أنهم كانوا يكتبون في مقدمة وصيتهم: هذا ما أوصيت به وأنا أشهد ألا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله , وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها على مريم وروح منه، وأن الجنة حق وأن النار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور . هذه وصية بمعنى الشهادة .

كذلك أيضا الوصية لأهله فيقول: أوصيكم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب , قال الله تعالى: {أم كنتم شهداء إذا حضر يعقوب الموت إذا قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك}
وقال تعالى: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب}
وصاهم بأن يقول أحدهم: أسلمت لرب العالمين ، ووصاهم بقوله: {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} ويوصيهم بتقوى الله فإنها وصية الله للأولين والآخرين , قال الله تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }
ويوصيهم بالوالدين مثلا لقوله: {ووصينا الإنسان بوالديه} .



أما الوصية في المال ففي حديث سعد هذا الذي سمعنا أنه أمره بأن يقتصر على الثلث ، ذكر سعد رضي الله عنه أنه مرض مرضا شديدا في حجة الوداع في سنة عشر , فعاده النبي صلى الله عليه وسلم , وكان في ذلك الوقت ليس له أولاد إلا بنت واحدة ، وعنده أموال , فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك لأنه خاف من الموت ، وقال: إن المرض قد بلغ بي ما ترى , أخبر بأن المرض قد اشتد به ، وأنه يخشى أن يفجأه الموت ، وأنه له أموال كثيرة وليس له ورثة إلا زوجته وبنته , فيكفيهم بعضا من ماله , أراد أن يتصدق بالثلثين ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك ، ثم انتقل إلى النصف , أراد أن يتصدق بنصف المال كله , النصف ويترك للورثة النصف ، ولكن منعه أيضا النبي صلى الله عليه وسلم ، فانتقل إلى الثلث ، فرخص له بالثلث ، ولكن قال له: إن الثلث كثير أيضا ((الثلث ، والثلث كثير))

ثم سمعنا أن ابن عباس رضي الله عنه يقول: لو أن الناس غروا من الثلث إلى الربع , أي اقتصروا على الربع ,فإنه فيه الكفاية .

والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن الثلث كثير ، فالربع يكون وسطا ليس بقليل ولا كثير .
وقد نُقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: أختار لنفسي ما اختاره الله , إن الله تعالى اختارَ الخُمس أو رضي لنفسه الخمس في قوله تعالى: {فأن لله خمسه وللرسول} فأوصى بالخمس ، وهكذا
غيره من الصحابة أوصوا بالخمس , الخمس من أموالهم يكون صدقة من بعدهم .

لأجل ذلك يقول العلماء: إن النهاية هو الثلث , لا يزيد الموصي على الثلث إلا برضا الورثة , إلا إذا لم يكن له ورثَة فإنه له أن يتصدق بجميع ماله ؛لأن الحقَّ إنما منع منه لأجل الورثة .

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس))
يقول: إنك إذا خلَّفت مالا أغنيت ورثتك ، وتركت لهم ما يتمتعون به ، وما يأكلون منه ، وينتفعون به , أفضل لك إذا كانوا أغنياء انتفعوا ودعوا لك بالرحمة وبالجنَّة وقرَّت أعينُهم ، ورضوا عنك , بخلاف ما إذا تصدقت بأموالك كلها وتركتهم فقراء يسألون الناسَ, يستجدون ويستعطون , يمدون أكفهم هذا معنى قوله: ((يتكففون الناس))
عالة :يعني فقراء .
يتكففون: الناس يسألونهم بأكفهم .

ثم في هذه القصة عن سعد رضي الله عنه أنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك خاف أن يموت بمكة , فقال: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ؟ يعني هل أموت في هذا المكان ، أو أشفى وأخلف ؟ فقال: ((إنك لن تخلف)) يعني تعافى ((إنك لن تخلف إلا إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها)) أيَّة نفقة تنفقها على أهلك حتى اللقمة ترفعها في في امرأتك أي حتى ما تطعم زوجتك ، فإذا ابتغيت بذلك وجه الله فلك أجر عند الله تعالى .

ويقول أيضا في هذا الحديث:((ولعلك أن تخلَّف حتى ينتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون)) ، استجاب الله دعوة نبيه فشفي سعد من هذا المرض ، ورزق بعد ذلك أولادا ، أولادا كثير ، رزق أولادا منهم مصعب وعامر وعمر وغيرهم .
وكذلك انتفع به أقوام فقاد الجيش الذي هو جيش القادسيَّة والذي حصلت به الوقعة العظيمة ، وبقي إلى أن أدرك خلافة معاوية , انتفع به أقوام ، ورويت عنه أحاديث ، وانضر به آخرون من أعداء الله الذين قُتلوا بسيفه وقتلوا بقيادته , فنفع الله به من أراد الله به خيرا.

ثم دعى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:((اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أدبارهم))

لكن البائس سعد بن خولة يرثي له النبي صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة ؛ وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم تركوا مكة لله , هاجروا منها لما أوذوا فيها ، واستبدلوا بها دار هجرتهم وهي المدينة ، ويكرهون أن يموتوا بمكة التي انتقلوا عنها ، فسعد يكره أن يموت بها ؛ لأنه قد تركها لله , فدعى له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم)) أي لا تردهم إلى بلادهم التي تركوها لله ، بل اشفهم وأمض لهم هجرتهم .

أما سعد بن خولةرضي الله عنه فإنه مرض بمكة ومات بها , مع كونه قد هاجر منها ، فرثى له النبي صلى الله عليه وسلم بما حصَلَ له وسماه بائسا مع أنه معذور في ذلك ؛ لأنه جاء مكة لأجل الحج فأصابه مرض فمات بها .

وبكل حال فهذا مراده بهذا الحديث , الشاهد منه هو ذكر الوصيَّة التي اشتمل عليها هذا الحديث ، وهو أنه يستحب أن يوصي الإنسان , فيخرج من مالِه , فيقال مثلا: إذا كان المال ...
...إذا كان المال كثيرا وسوف يترك للورثة ما يكفيهم ويغنيهم جاز أن يتصدق منه بعد موته بثلثه أو بأكثر إذا لم يضر الورثه ووافق عليه الورثة, أي على مازاد من الثلث ، أما الثلث فلا خيار لهم فيه ، بل يخرجه إذا أراد ولو كره الورثة , وعليهم أن ينفذوه .

وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم صدقة من الميت على نفسه ومن الله تعالى ورخصه له , قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تصدَّق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم)) أي: زيادة في حسناتكم أن تخرجو هذا الثلث ، ويكون صدقة منكم على أنفسكم تجدون ثوابها . ولا تجوز الزيادة عن الثلث ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدده بقوله: ((الثلث , والثلث كثير)) .

أما مادام الإنسان حيا فإن له أن يتصدق بما أراد ، فقد ثبت أن أبا بكر رضي الله عنهأخرج جميع مالِه صدقةً لله , في حديث عمر قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة , فوافق ذلك عندي مالا فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن كنت سابقا له , فأتيت بنصف مالي فقال: ((ما تركتَ لأهلك))فقلت: مثله . وإن أبا بكر أتى بجميع ما عنده فقال له:((ما تركت لأهلك)) فقال: تركت لهم الله ورسوله .

هكذا في الحياة , جاء أبو بكر بجميع ماله الذي عنده , واكتفى بأن الله سيرزقه وسيجعل له رزقا , وجاء عمر بنصف ما كان عنده من المال ، وترك النصف ليتمتع به ويعطي منه أهله , وأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .

وقد ورد الحثُّ على الصدقة في الحياة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح , تأمل الغنى وتخشى الفقر))
ولا تمسك حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا , وقد كان لفلان يرشده إلى أن يخرج الصدقات ويتصدق بها , ما دام حيا وما دام سليما قويا ؛ ليدل صدقته على أنه أنفقها لله وابتغاء مرضات الله ؛ ليكون ذلك أجرا له في الآخرة ، وأنه دليل على كونه قد وقي شح نفسه {ومن يوقى شح نفسه فأولئك هم المفلحون} .

أما الذي يمسك أمواله وكأنه سوف يعمَّر مائة سنةأو مئات السنين ، ثم إذا حضره الموتُ عند ذلك خرجَ أو قال: تصدقوا وأعطوا وأعطوا , نقولُ: لا ينفذ من عطاياه في مرض الموت إلا الثلُث , ما زاد على الثلث فإنه لا ينفذ ولا يعطى إلا برضى الورثة , أما الثلث فإنه ينفذ ولو لم يرضى الورثة
إلا إذا خصَّ به بعض الورثة , فقد ثبتَ أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لا وصيَّة لوارث)) فلا يعطي أحد أولاده في الحياة ولا عند الممات أكثر من الثاني بغير مبرر , ولا يوصي لزوجتِه أو زوجاته , ولا لإخوته إذا كانوا وارثين , ولا لغيرهم من الورثة , بل يجعل المال على ما قسمه الله عليه , ويجعل الوصية لغير الوارثين.


كذلك أيضا يجعل من الوصية في العمل الصالح الذي يعود عليه بالخير , وهو الوقف الذي ذكره النبي صلَّى الله عليه وسلم بقوله: ((إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له)) فالصدقة الجارية هي الوقف الذي يخرجه في حياته ليُتصدق منه بعد موته ، أو الوصية التي يخرجها في حياته ليصل إليه أجرها بعد موته.

أما وجوه المصارف فكثيرة ومتعددة , وأفضلها الصدقة على الفقراء , فإذا كانت الأوقاف مثلا والوصايا فيها ثمرات كأن يكون الوقف أو الوصية مثلا .. كأن يكون بستانا فيه نخيل وفيه ثمار , فيقول: هذا النخل قد تصدقت به بعد موتي وخَرَجَ من الثلث , ففي هذه الحال يُتصدق به على المساكين وعلى المستضعفين من قريب وبعيد , ويخص القريب ويفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((صدقتك على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة)).

كذلك من وجوه الخير بناء المساجد وبناء المدارس العلمية لتحفيظ القرآن ونحوه ، وطبع الكتب والمصاحف ونشرها , سيما في البلاد التي يعوزها , التي يعوزها الحصول على الكتب والوسائل ونحوها ، ومثلها في هذه الأزمنة الأشرطة الإسلامية , إذا جعل من ثلثه جزء تشترى به هذه الأشرطة الإسلاميَّة وترسل إلى البلاد التي تحتاج إليها والتى تكون لها نفع وتأثير , زيادة على الرسائل والكتب والخطب ، وما أشبهها .

كذلك أيضا من وجوه الخير: الجهاد في سبيل الله , إذا كان هناك جهاد , ويشترى بهذه الوصيَّة أسلحة وعتاد وعدة للمجاهدين وقوة يتقون بها ونفقة ينفقون منها على أنفسهم , لا شك أن ذلك من القربات التي يكون تأثيرها نافعاً لكل من وفقه الله تعالى . كذلك أيضا وجوه الخير كثيرة ، ومن جملتها الصدقات .

وقد ذكر العلماء أن من الصدقات الأضاحي التي تذبح في يوم عيد الأضحى وفي أيام العيد , هذه من الصدقات , فإذا أوصى بها فإنها تُنفذ وصيته ، وإذا لم يوصي بها فإنه يتصدق على المساكين بما يكون قائما مقامها ، وبالأخص في الأوقات الفاضلة كالصدقة في رمضان ، أو في أوقات الجوع ، وفي البلاد التي يغلب أو يكثر فيها الجوع في أهلها والضرر عليهم ، وما أكثرهم في هذه الأزمنة .

وبكل حال فالثلث , إذا كان الإنسان له أموال كثيرة فإن الثلث لا يضر الورثة ، أما إذا كان ورثته محتاجون فالأولى له ألا يوصي ، وأن يترك ماله لورثته يستغنون به عن التكفف سيما إذا كانوا ذوي حاجة ، وأما إذا لم يكن له ورثة كالمقطوع من الورثة من أولاد وأقارب فإن له أن يتصدق بماله كله في حياته وبعد موته .

فإذا نفذت هذه الوصايا وأوصى بها إلى شخص , فإن ذلك الشخص الذي هو الوكيل عليه أن يتقي الله ، وأن يراقبه في ذلك ، ولهذا قال تعالى: {فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم}
ويقول في الآية بعدها: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه}
يعني قد يكون بعض الموصين يحيف على ورثته ويحاول أن يضرهم , فمثل هذا أيضا لا يجوز , فإذا وفقك الله وكنت حاضرا عنده فأصلح بينه وأرشده إلى أنك لا تجور في الوصية , ولا تخرج عن الحد المعتاد ؛ حتى يقبل الله منك وصيتك , وحتى يرضى عنك ورثتك .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوصايا, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir