اسم السورة , ومكان نزولها:
سورة النّبأ , وقيل: سورة عمّ. وهي مكّيّةٌ
تفسير قوله: (عمّ يتسائلون) :
سبب نزول (عم يتسائلون) : -ك -
(عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ):لَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُمْ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ والبَعثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَلا عَلَيْهِم الْقُرْآنَ - جَعَلُوا يَتَسَاءَلُونَ بَيْنَهُمْ، يَقُولُونَ: مَاذَا حَصَلَ لِمُحَمَّدٍ؟ وَمَا الَّذِي أَتَى بِهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
وَالْمَعْنَى: -ك , س , ش -
عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً؟ ثمَّ بَيَّنَ ما يتساءلونَ عنهُ بِقَوْلِهِ:(عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ).
الخلاف في معنى (عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون ) :
قال ابن كثير : عن أيّ شيءٍ يتساءلون؟ عن أمر القيامة، وهو النّبأ العظيم. يعني: الخبر الهائل المفظع الباهر, وقال به ابن سعدي رحمه الله .
قال قتادة وابن زيدٍ: النّبأ العظيم: البعث بعد الموت
. وقال مجاهدٌ: هو القرآن ووافقه الأشقر فقال : هُوَ الْخَبَرُ الهائِلُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ؛ لأَنَّهُ يُنْبِئُ عَن التَّوْحِيدِ، وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ، وَوُقُوعِ الْبَعْثِ والنُّشورِ.
. والأظهر الأوّل؛ لقوله:(الّذي هم فيه مختلفون) يعني: النّاس فيه على قولين؛ مؤمنٌ به وكافرٌ, وقال بعدها :( كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) أي: سيعلمونَ إذا نزلَ بهمُ العذابُ ما كانوا بهِ يكذبونَ، حين يُدَعُّون إلى نارِ جهنمَ دعّاً، ويقالُ لهمْ:(هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ).
وفسر الأشقر الآيات التالية حسب قوله في تفسير (النبأ العظيم) فقال:
(الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ؛ فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ سِحْراً، وَبَعْضُهُمْ شِعْراً، وَبَعْضُهُمْ كَهَانَةً، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: هُوَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ.
(كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) أَيْ: لا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي شأنِ الْقُرْآنِ، فَهُوَ حَقٌّ، وَلِذَا سَيَعْلَمُ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِهِ عَاقِبَةَ تَكْذِيبِهِمْ.
-مسائل لغوية :
-سبب تكرار (كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ): -ش-
(كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ):رَدْعٌ لَهُمْ وَزَجْرٌ، ثُمَّ كَرَّرَ الرَّدْعَ وَالزَّجْرَ، فَقَالَ: (ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ) لِلْمُبَالَغَةِ فِي التأكيدِ والتشديدِ فِي الوعيدِ.
-ثمّ شرع تعالى يبيّن قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة الدّالّة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره وعلى صدق ما أخبرت به الرسل :
فقال:(ألم نجعل الأرض مهاداً)
المِهَادُ:الوِطَاءُ وَالْفِرَاشُ، كالمَهْدِ للصَّبِيِّ، وَهُوَ مَا يُمَهَّدُ لَهُ فَيُنَوَّمُ عَلَيْهِ. –ش-
أي: ممهّدةً للخلائق ذلولاً لهم قارّةً ساكنةً ثابتةً,فهي مهيَّأةً لهمْ ولمصالحهمْ، منَ الحروثِ والمساكنِ والسبلِ. –ك , س –
(والجبال أوتاداً): -ك , س , ش -
أي: جعلها أوتاداً أرساها بها وثبّتها وقرّرها؛ حتّى سكنت ولم تضطرب بمن عليها.
(وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً): -ك , س , ش -
أي: ذكوراً وإناثاً من جنسٍ واحدٍ، ليسكنَ كلٌّ منهما إلى الآخرِ، فتكونَ المودةُ والرحمةُ، وتنشأَ عنهما الذريةُ، وفي ضمنِ هذا الامتنانُ بلذةِ المنكحِ ,كقوله:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمةً)الروم: 21.
وقوله:(وجعلنا نومكم سباتاً) –ك , س , ش -
أي: قطعاً للحركة؛ لتحصل الرّاحة من كثرة التّرداد والسّعي في المعاش في عرض النّهار، وقد تقدّم مثل هذه الآية في سورة الفرقان.
(وجعلنا اللّيل لباساً): أَيْ: نُلْبِسُكُمْ ظُلْمَتَهُ وَنُغَشِّيكُمْ بِهَا كَمَا يُغَشِّيكُمُ اللِّبَاسُ. –ش-
(وجعلنا اللّيل لباساً): أي: يغشى النّاس ظلامه وسواده كما قال:(واللّيل إذا يغشاها) –ك-
وقال قتادة في قوله:(وجعلنا اللّيل لباساً) أي: سكناً.
وقوله:(وجعلنا النّهار معاشاً): –ك , ش-
أي: جعلناه مشرقاً منيراً مضيئاً؛ ليتمكّن النّاس من التّصرّف فيه والذّهاب والمجيء للمعاش وَمَا قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ وغير ذلك.
(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً): -ك , س , ش -
أي: سبعَ سمواتٍ، في غايةِ القوةِ، والصلابةِ والشدةِ، وقد أمسكها اللهُ بقدرتهِ، وجعلها سقفاً للأرضِ، فيها عدةُ منافعَ لهمْ وزينها بالكواكب الثّوابت والسّيّارات.
ولهذا ذكرَ من منافعها الشمس، فقالَ:(وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً) نبَّه بالسراجِ على النعمةِ بنورِها، الذي صارَ كالضرورةِ للخلقِ وبالوهاجِ الذي فيه الحرارةُ على حرارتهِا وما فيها منَ المصالحِ , والوَهَجُ يَجْمَعُ النُّورَ والحرارةَ.
وقوله:(وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجّاجاً):
المُعْصِرَاتُ: هِيَ السَّحابُ الَّتِي تَنْعَصِرُ بالماءِ وَلَمْ تُمْطِرْ بَعْدُ، والثَّجَّاجُ: المُنْصَبُّ بِكَثْرَةٍ.
-أقوال السلف في معنى (من المعصرات ماء ثجاجًا ) :
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: المعصرات: الرّيح.
وكذا قال عكرمة ومجاهدٌ وقتادة ومقاتلٌ والكلبيّ وزيد بن أسلم وابنه عبد الرّحمن: إنّها الرّياح. ومعنى هذا القول: أنّها تستدرّ المطر من السّحاب.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ:(من المعصرات) أي: من السّحاب. وكذا قال عكرمة أيضاً وأبو العالية والضّحّاك والحسن والرّبيع بن أنسٍ والثّوريّ، واختاره ابن جريرٍ.
وقال الفرّاء: هي السّحاب التي تتحلّب بالمطر ولم تمطر بعد، كما يقال: مرأةٌ معصرٌ إذا دنا حيضها ولم تحض.
وعن الحسن وقتادة:(من المعصرات) يعني: السّماوات، وهذا قولٌ غريبٌ.
والأظهر أنّ المراد بالمعصرات السّحاب كما قال تعالى:(اللّه الّذي يرسل الرّياح فتثير سحاباً فيبسطه في السّماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله) أي: من بينه.
وقوله:(ماءً ثجّاجاً): -ك-
قال مجاهدٌ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ:(ثجّاجاً):منصبًّا.
وقال الثّوريّ: متتابعاً. وقال ابن زيدٍ: كثيراً.
قال ابن جريرٍ: ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثّجّ، وإنّما الثّجّ: الصّبّ المتتابع، ومنه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:(أفضل الحجّ العجّ والثّجّ) يعني: صبّ دماء البدن. هكذا قال.
قال ابن كثير : وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :(أنعت لك الكرسف) يعني: أن تحتشي بالقطن؛ فقالت: يا رسول اللّه هو أكثر من ذلك، إنّما أثجّ ثجًّا. وهذا فيه دلالةٌ على استعمال الثّجّ في الصّبّ المتتابع الكثير، واللّه أعلم.
وقوله:(لنخرج به حبًّا ونباتاً وجنّاتٍ ألفافاً) –ك , س, ش -
أي: لنخرج بهذا الماء الكثير الطّيّب النّافع المبارك(حبًّا) يدّخر للأناسيّ والأنعام، (ونباتاً) أي: خضراً يؤكل رطباً.
(وجنّاتٍ) أي: بساتين وحدائق من ثمراتٍ متنوّعةٍ وألوانٍ مختلفةٍ وطعومٍ وروائح متفاوتةٍ، وإن كان ذلك في بقعةٍ واحدةٍ من الأرض مجتمعاً، ولهذا قال:(وجنّاتٍ ألفافاً).
قال ابن عبّاسٍ وغيره:(ألفافاً) مجتمعةً، وهذه كقوله تعالى:(وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنّاتٌ من أعنابٍ وزرعٍ ونخيلٍ صنوانٌ وغير صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ ونفضّل بعضها على بعضٍ في الأكل) الآية.
فالذي أنعمَ عليكمْ بهذه النعم العظيمة، التي لا يقدَّرُ قدرهَا، ولا يحصى عدُّها، كيفَ تكفرونَ بهِ وتكذِّبونَ ما أخبركمْ به منَ البعثِ والنشورِ؟ أمْ كيفَ تستعينونَ بنعمهِ على معاصيهِ وتجحدونَها؟
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا )17.
{إن يوم الفصل كان ميقاتا} يقول تعالى مخبراً عن يوم الفصل، وهو يوم القيامة أنّه مؤقّتٌ بأجلٍ معدودٍ، لا يزاد عليه ولا ينقص منه، ولا يعلم وقته على التّعيين إلاّ اللّه عزّ وجلّ كما قال:(وما نؤخّره إلاّ لأجلٍ معدودٍ) –ك-
وَسُمِّيَ يَوْمَ الْفَصْلِ؛ لأَنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ خَلْقِهِ . –ش-
تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا )18.
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ: وَهُوَ القَرْنُ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ.
قال البخاريّ : عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:(ما بين النّفختين أربعون) قالوا: أربعون يوماً؟ قال:"أبيت" قالوا: أربعون شهراً؟ قال:"أبيت" قالوا: أربعون سنةً؟ قال:"أبيت" قال : ثمّ ينزل اللّه من السّماء ماءً فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيءٌ إلاّ يبلى إلاّ عظماً واحداً، وهو عجب الذّنب، ومنه يركّب الخلق يوم القيامة)
فَتَأْتُون:إِلَى مَوْضِعِ العَرْضِ.
أَفْوَاجاً: أَيْ: زُمَراً زُمَراً وَجَمَاعَاتٍ جَمَاعَاتٍ. ش
قال مجاهدٌ: زمراً. قال ابن جريرٍ: يعني: تأتي كلّ أمّةٍ مع رسولها؛ كقوله:(يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم)
تفسير قوله تعالى: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا )19 –ك , ش-
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ: لِنُزُولِ الْمَلائِكَةِ.
فكانت أبواباً: أي: طرقاً ومسالك لنزول الملائكة.
تفسير قوله تعالى: (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا )20. –ك , ش -
أَيْ: سُيِّرَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا فِي الْهَوَاءِ، وَقُلِعَتْ عَنْ مَقَارِّهَا، فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا، يَظُنُّ الناظرُ أَنَّهَا سَرَابٌ , وبعد هذا تذهب بالكلّيّة فلا عين ولا أثر، كما قال:(ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً). وقال:(ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزة)
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ) 21. – ك, ش-
أَيْ: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ مَوْضِعَ رَصْدٍ يَرْصُدُ فِيهِ خَزَنَةُ النَّارِ الْكُفَّارَ؛ لِيُعَذِّبُوهُمْ فِيهَا، أَوْ هِيَ فِي نَفْسِهَا مُتَطَلِّعَةٌ لِمَنْ يَأْتِي إِلَيْهَا مِن الْكُفَّارِ كَمَا يَتَطَلَّعُ الراصدُ لِمَنْ يَمُرُّ بِهِ وَيَأْتِي إِلَيْهِ.
قال الحسن وقتادة في قوله:(إنّ جهنّم كانت مرصاداً) يعني: أنّه لا يدخل أحدٌ الجنّة حتّى يجتاز بالنّار، فإن كان معه جوازٌ نجا، وإلاّ احتبس.
وقال سفيان الثّوريّ: عليها ثلاث قناطر.
تفسير قوله تعالى: (لِلطَّاغِينَ مَآَبًا )22. –ك, ش-
(للطّاغين) وهم المردة العصاة المخالفون للرّسل،(مآباً)أي: مرجعاً ومنقلباً ومصيراً ونزلاً , والمآب , المرجع .
تفسير قوله تعالى: (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا )23
أي: ماكثين فيها أحقاباً، وهي جمع حقبٍ، وهو: المدّة من الزّمان، وقد اختلفوا في مقداره، فمنهم من قال الحقب : ثمانين سنة وهو الأقرب , ومنهم من قال سبعين سنة , ومنهم من قال الحقب أربعين سنة , والأقرب والله أعلم وهو قول جمهور المفسرين أن الحقب ثمانين سنة , وقال سعيدٌ، عن قتادة: قال اللّه تعالى:(لابثين فيها أحقاباً) وهو ما لا انقطاع له، وكلّما مضى حقبٌ جاء حقبٌ بعده، وذكر لنا أنّ الحقب ثمانون سنةً. .
والصّحيح أنّها لا انقضاء لها كما قال قتادة والرّبيع بن أنسٍ.
قالَ الأشقر: (لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً)؛ أَيْ: مَاكِثِينَ فِي النَّارِ مَا دَامَتِ الدُّهُورُ. وَالْحُقْبُ: القِطْعَةُ الطويلةُ من الزَّمانِ، إِذَا مَضَى حُقْبٌ دَخَلَ آخَرُ، ثُمَّ آخَرُ، ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى الأَبَدِ.
تفسير قوله تعالى: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا) 24
أي: لا يجدون في جهنّم برداً لقلوبهم ولا شراباً طيّباً يتغذّون به.
ولهذا قال:"إلاّ حميماً وغسّاقاً". قال أبو العالية: استثنى من البرد الحميم، ومن الشّراب الغسّاق. وكذا قال الرّبيع بن أنسٍ
قال ابن جريرٍ: وقيل: المراد بقوله:(لا يذوقون فيها برداً) يعني: النّوم، يعني بالبرد النّعاس والنّوم، هكذا ذكره ولم يعزه إلى أحدٍ.
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا )25. –ك , س , ش -
فأمّا الحميم فهو الحارّ الذي قد انتهى حرّه وحموّه، والغسّاق هو ما اجتمع من صديد أهل النّار وعرقهم ودموعهم وجروحهم،، الذي هوَ في غايةِ النتنِ، وكراهةِ المذاقِ، وإنَّما استحقُّوا هذهِ العقوباتِ الفظيعةَ جزاءً لهم ووفاقاً على ما عملوا منَ الأعمالِ الموصلةِ إليهمْ، لمْ يظلمْهُمُ اللهُ، ولكن ظلمُوا أنفسَهمْ، ولهذا ذكرَ أعمالَهم، التي استحقوا بها هذا الجزاءَ، فقالَ:(إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً), فهو باردٌ لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه.
قال السعدي والأشقر : الحميم : ماءً حارّاً، يشوي وجوههم، ويقطعُ أمعاءهُمْ.
وإنَّما استحقُّوا هذهِ العقوباتِ الفظيعةَ جزاءً لهم ووفاقاً على ما عملوا منَ الأعمالِ الموصلةِ إليهمْ، لمْ يظلمْهُمُ اللهُ، ولكن ظلمُوا أنفسَهمْ، ولهذا ذكرَ أعمالَهم، التي استحقوا بها هذا الجزاءَ، فقالَ:(إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً)
تفسير قوله تعالى: (جَزَاءً وِفَاقًا )26. –ك , س , ش-
أي: هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدّنيا. قاله مجاهدٌ وقتادة وغير واحدٍ
(جَزَاءً وِفَاقا): وَافَقَ الْعَذَابُ الذَّنْبَ، فَلا ذَنْبَ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْكِ، وَلا عَذَابَ أَعْظَمُ مِنَ النَّارِ. وَقَدْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ سَيِّئَةً، فَآتَاهُمُ اللَّهُ بِمَا يَسُوؤُهُمْ.
تفسير قوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا )27.
أي: لم يكونوا يعتقدون أنّ ثمّ داراً يجازون فيها ويحاسبون , قَدْ كَانُوا لا يَطْمَعُونَ فِي ثَوَابٍ وَلا يَخَافُونَ منْ حِسَابٍ لأنهم لا يؤمنونَ بالبعثِ، ولا أنَّ اللهَ يجازي الخلقَ بالخيرِ والشرِّ، فلذلكَ أهملوا العملَ للآخرةِ.
تفسير قوله تعالى: (وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا )28 –ك , س , ش -
أي: وكانوا يكذّبون بحجج اللّه ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله، فيقابلونها بالتّكذيب والمعاندة.
وقوله:كذّاباً : تكذيباً واضحاً صريحاً شديدًا وجاءتهمُ البيناتُ فعاندوهَا.
تفسير قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا )29. –ك , س , ش -
(وَكُلُّ شَيْءٍ): من قليلٍ وكثيرٍ، وخيرٍ وشرٍّ .
(أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً) أي: كتبناهُ في اللَّوحِ المحفوظِ لِتَعْرِفَهُ الْمَلائِكَةُ، فلا يخشى المجرمونَ أنَّا عذبناهُم بذنوبٍ لم يعملوهَا، ولا يحسبوا أنَّه يضيعُ منْ أعمالِهِم شيء، أو ينسى منها مثقالُ ذرةٍ.
كمَا قالَ تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً.
وَقِيلَ: أَرَادَ مَا كَتَبَهُ الْحَفَظَةُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ.
تفسير قوله تعالى: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا )30.
(فَذُوقُوا): أيها المكذِّبونَ هذا العذابَ الأليمَ والخزيَ الدائمَ.
أي: يقال لأهل النّار ذوقوا ما أنتم فيه، فلن نزيدكم إلاّ عذاباً من جنسه وكلَّ وقتٍ وحينٍ يزدادُ عذابهمْ ، (وآخر من شكله أزواجٌ).
يُقَالُ لَهُمْ هَذَا؛ لِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ بِالآياتِ وَقَبَائِحِ أَفْعَالِهِمْ؛ أَيْ: فَهُمْ فِي مَزِيدٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَبَداً .
قال قتادة، عن أبي أيّوب الأزديّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: لم ينزل على أهل النّار آيةٌ أشدّ من هذه:(فذوقوا فلن نزيدكم إلاّ عذاباً). قال فهم في مزيدٍ من العذاب أبداً.