229 - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كانَ فُلانٌ يُطِيلُ الأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ العَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ، وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هذا.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
· دَرَجَةُ الحديثِ:
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ.
قَالَ المُؤَلِّفُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بإسنادٍ صَحِيحٍ، وَقَالَ فِي (الفتحِ): صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ (1/761) وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي (المُحَرَّرِ): إسنادُهُ صَحِيحٌ.
· مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- المُفَصَّلِ: هُوَ من الحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، سُمِّيَ مُفَصَّلاً؛ لِكَثْرَةِ فَوَاصِلِهِ، وَلِقِصَرِ سُوَرِهِ.
· مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- كَانَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ- وَهُوَ عُمَرُ بْنُ سَلَمَةَ - يُطِيلُ الأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ عَن الأُخْرَيَيْنِ مِنْهُمَا، وَكَانَ يُخَفِّفُ صَلاةَ العَصْرِ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ المغربِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ، وَفِي صَلاةِ الصُّبْحِ بِطِوَالِهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا).
فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مشروعيَّةِ، واستحبابِ هَذِهِ الصفةِ، مِن التطويلِ فِيمَا يُطَوَّلُ، وَالتخفيفِ فِيمَا يُخَفَّفُ، وَفِي تَجْزِئَةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّلاةِ بهذهِ التجزئةِ.
2- هَدْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدمُ الاقتصارِ عَلَى قِصَارِ المُفَصَّلِ فِي صَلاةِ المغربِ، فالمداومةُ عَلَيْهِ خِلافُ السُّنَّةِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي المغربِ تَكُونُ بِطِوَالِ المُفَصَّلِ وَقِصَارِهِ، وَسَائِرُ السُّوَرِ سُنَّةٌ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: (رُوِيَ أَنَّهُ قَرَأَ بالأَعْرَافِ، وَالصَّافَّاتِ، والدُّخَانِ، والطُّورِ، وَسَبِّحِ، وَالتِّينِ، وَالمُرْسَلاتِ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِقِصَارِ المُفَصَّلِ، وَكُلُّهَا آثَارٌ صِحَاحٌ مَشْهُورَةٌ).
3- المُفَصَّلُ عَلَى الراجحِ يَبْتَدِئُ منْ سُورَةِ الحُجُرَاتِ، وَيَنْتَهِي بآخِرِ الْقُرْآنِ، فَطِوَالُ المُفَصَّلِ من الحُجُرَاتِ إِلَى سُورَةِ النبأِ، وَوَسَطُهُ من النبأِ إِلَى الضُّحَى، والقِصارُ منَ الضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، وَسُمِّيَ مُفَصَّلاً؛ لِكَثْرَةِ فَوَاصِلِهِ.
4- الحكمةُ فِي التطويلِ فِي صَلاةِ الصبحِ: أَنَّ مَلائِكَةَ اللَّيْلِ وملائكةَ النَّهَارِ يَحْضُرُونَهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78].وَلِأَنَّهُ يَقَعُ فِي وَقْتِ غَفْلَةٍ بالنَّوْمِ، فَاحْتَاجَ إِلَى التطويلِ؛ لِيُدْرِكَ النَّاسُ الصَّلاةَ، وَأَمَّا تَقْصِيرُ المغربِ فَلِقِصَرِ وَقْتِهَا، وَبَقِيَ الظهرُ والعصرُ والعشاءُ عَلَى الأَصْلِ، فِي أَنَّ الصَّلاةَ تَكُونُ وَسَطاً، فَلا تُخَفَّفُ عَنْ مُسْتَحَبَّاتِ الصَّلاةِ، وَلا تُثَقَّلُ عَلَى الْعَاجِزِينَ.
وَقِصَّةُ مُعَاذٍ، وَإِرْشَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ كَيْفَ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ هي الأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَهَذَا بالنسبةِ للإمامِ الَّذِي يَؤُمُّ النَّاسَ، وَيَرْتَبِطُ المُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ، أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلْيُصَلِّ مَا شَاءَ، وَكَيْفَ شَاءَ، مَا دَامَ لَمْ يَخْرُجْ عَن العُرْفِ.